المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي يخبر تعالى عن جهل المكذبين للرسول وما جاء به وانهم يقولون استعجالا للعذاب وزيادة تكذيب متى هذا الوعد ان كنتم صادقين؟ يقول تعالى ولولا اجل مسمى مضروب لنزوله ولم يأت بعد لجاءهم العذاب بسبب تعجيزهم لنا وتكذيبهم الحق فلو اخذناهم بجهلهم لكان كلامهم اسرع لبلائهم وعقوبتهم. ولكن مع ذلك فلا يستبطئون نزوله وهم لا يشعرون. فانه سيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون. فوقع كما اخبر الله تعالى لما قدموا لبدرين مفاخرين. ظانين انهم قادرون على مقصودهم. فاهانهم الله وقتل كبارهم واستوعب جملة اشرارهم ولم يبقى فيهم بيت الا اصابته تلك المصيبة. فاتاهم العذاب من حيث لم يحتسبوا. ونزل بهم وهم لا يشعرون يستعجلونك بالعذاب وان جهنم لمحيطة بالكافرين هذا وان لم ينزل عليهم العذاب الدنيوي فان امامهم العذاب الاخروي الذي لا يخلص منهم احد منه سواء عوجل بعذاب الدنيا او امها ليس لهم عنها معدن ولا متصرف قد احاطت به من كل جانب كما احاطت بهم ذنوبهم وسيئاتهم وكفرهم. وذلك العذاب هو العذاب الشديد يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت ارجلهم. ويقول ذوقوا ما كنا فان اعمالكم انقلبت عليكم عذابا وشملكم العذاب كما شملكم الكفر والذنوب يا عبادي الذين امنوا ان ارضي واسعة فاياي فاعبدون. كل الموت ثم الينا ترجعون والذين امنوا وعملوا الصالحات لنبوءن انهم من الجنة غرفاء لنبوئنهم من الجنة تجري من تحتها الانهار خالدين ان فيها نعم اجر العاملين يقول تعالى يا عبادي الذين امنوا بي وصدقوا رسولي ان ارضي واسعة فاياي فاعبدون. فاذا تعذرت عليكم عبادة ربكم في ارض فارتحلوا منها الى ارض اخرى. حيث كانت العبادة لله وحده فاماكن العبادة ومواضعها واسعة. والمعبود واحد. والموت لا بد ان ينزل بكم ثم ترجعون الى ربكم. فيجازي من احسن وجمع بين الايمان والعمل الصالح بانزاله الغرف العالية والمنازل الانيقة الجامعة لما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين وانتم في خالدون. فنعم تلك المنازل في جنات النعيم اجر العاملين لله الذين صبروا على ربهم يتوكلون. الذين صبروا على عبادة الله وعلى ربهم يتوكلون في ذلك فصبرهم على عبادة الله يقتضي بذل الجهد والطاقة في ذلك. والمحاربة العظيمة للشيطان الذي يدعوهم الى الاخلال بشيء من ذلك وتوكلهم يقتضي شدة اعتمادهم على الله وحسن ظنهم به. ان يحقق ما عزموا عليه من الاعمال ويكملها. ونص على التوكل وان كان داخلا في الصبر. لانه يحتاج اليه في كل فعل وترك مأمور به. ولا يتم الا به لا تحمل رزقها الله يرزقها واياكم وهو السميع العليم. اي الباري تبارك وتعالى قد تكفل بارزاق الخلائق كلهم. قويهم وعاجزهم فكم من دابة في الارض ضعيفة القوى ضعيفة العقل. لا تحمل رزقها ولا تدخره. بل لم تزل لا شيء معها من الرزق. ولا يزال الله يسخر لها الرزق في كل وقت بوقته. الله يرزقها واياكم. فكلكم عيال الله القائم برزقكم. كما قام بخلقكم وتدبيركم فلا يخفى عليه خافية ولا تهلك دابة من عدم الرزق بسبب انها خافية عليه. كما قال الله تعالى وما من دابة في الارض الا على الله رزقها. ويعلم مستقرها ومستودعها. كل في كتاب ولئن سألتهم من خلق السماوات والارض وسخر الشمس والقمر فكون. الله يبسط الرزق لمن يشاء. من عباده ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء ماء ماء فاحيين قل الحمد لله بل اكثرهم لا يعقلون. هذا استدلال على المشركين المكذبين بتوحيد الالهية والعبادة التزام لهم بما اثبتوه من توحيد الربوبية. فانت لو سألتهم من خلق السماوات والارض. ومن نزل من السماء ماء فاحيا به الارض بعد موتها. ومن بيده تدبير جميع الاشياء. ليقولن الله وحده ولا اعترفوا الاوثان ومن عبدوه مع الله على شيء من ذلك. فاعجب لافكهم وكذبهم وعدولهم الى من اقروا بعجزه. وانه لا يستحق ان يدبر شيئا وسجل عليهم بعدم العقل. وانهم السفهاء ضعفاء الاحلام. فهل تجد اضعف عقلا واقل بصيرة ممن اتى الى حجر او قبر ونحوه وهو يدري انه لا ينفع ولا يضر. ولا يخلق ولا يرزق. ثم صرف له خالص الاخلاص وصافي العبودية. واشركه مع الرب الخالق الرازق النافع الضار. وقل الحمد لله الذي بين الهدى من الضلال. واوضح بطلان ما عليه المشركون. ليحذره الموفقون. وقل الحمد لله الذي خلق العالم العلوي والسفلي. وقام بتدبيرهم ورزقهم. وبسط الرزق على من يشاء. وضيقه على من يشاء. حكمة منه ولعلمه بما يصلح عباده وما ينبغي لهم وما هذه الحياة الدنيا الا له ولعب. يخبر تعالى عن حالة في الدنيا والاخرة وفي ضمن ذلك التزهيد في الدنيا والتشويق للاخرى. فقال وما هذه الحياة الدنيا في الحقيقة؟ الا لهو ولعب تلهو بها القلوب وتلعب بها الابدان. بسبب ما جعل الله فيها من الزينة واللذات. والشهوات الخالدة للقلوب المعرضة. الباهجة للعيون الغافلة المفرحة للنفوس المبطلة الباطلة. ثم تزول سريعا وتنقضي جميعا. ولم يحصل منها محبها الا على الندم والحسرة والخسران واما الدار الاخرة فانها دار الحيوان. اي الحياة الكاملة التي من لوازمها ان تكون ابدان اهلها في غاية القوة وقواهم في غاية الشدة. لانها ابدان وقوى خلقت للحياة. وان يكون موجودا فيها كل ما تكمل به الحياة. وتتم به اللذات من مفلحات القلوب والشهوات الابدان. من المآكل والمشارب والمناكح وغير ذلك. مما لا عين رأت ولا اذن سمعت لا خطر على قلب بشر. لو كانوا يعلمون لو كانوا يعلمون لما آثروا الدنيا على الاخرة ولو كانوا يعقلون لما رغبوا عن دار الحيوان ورغبوا في دار اللهو واللعب. فدل ذلك على ان الذين يعلمون لا بد ان يؤثروا الاخرة على دنيا لما يعلمونه من حالة الدارين فاذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين. فلما نجاهم الى البر اذاهم فسوف على المشركين باخلاصهم لله تعالى في حالة الشدة عند ركوب البحر وتلاطم امواجه وخوفهم الهلاك. يتركون اذا اندادهم ويخلصون الدعاء لله وحده لا شريك له. فلما زالت عنهم الشدة ونجا من اخلصوا له الدعاء الى البر. اشركوا به من لا نجاهم من شدة. ولا زال عنهم مشقة. فهلا اخلصوا لله الدعاء في حال الرخاء والشدة. واليسر والعسر ليكونوا مؤمنين به حقا. مستحقين ثوابه مندفعا عنهم عقابه. ولكن شركهم هذا بعد نعمتنا عليهم بالنجاة من البحر. ليكون عاقبته كفر ما اتيناهم. ومقابلة النعمة بالاسلام وليكملوا تمتعهم في الدنيا الذي هو كتمتع الانعام ليس لهم هم الا بطونهم وفروجهم فسوف يعلمون حين ينتقلون من الدنيا الى الاخرة. شدة الاسف واليم العقوبة ثم امتن عليهم بحرمه الامن. وانهم اهله في امن وسعة رزق والناس من حولهم يتخطفون ويخافون. افلا يعبدون الذي اطعمهم من جوع وامنهم من خوف وبنعمة الله يكفرون. افبالباطل يؤمنون وهو ما هم عليه من الشرك والاقوال والافعال الباطلة الله هم يكفرون. فاين ذهبت عقولهم وانسلخت احلامهم؟ حيث اثروا الضلال على الهدى والباطل على الحق. والشقاء على السعادة وحيث كانوا اظلم الخلق ما جاء ومن اظلموا ممن افترى على الله كذبا فنسب ما هو عليه من الضلال والباطل الى الله او كذب بالحق لما فجاءه على يد رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. ولكن هذا الظالم العنيد امامه جهنم انما مسوا للكافرين. اليس في جهنم مثوى للكافرين؟ يؤخذ بها منهم الحق بها وتكون منزلهم الدائم الذي لا يخرجون منه. والذين جاهدوا فينا لنهدين انهم سبلنا وان الله لمع المحسنين. والذين فينا وهم الذين هاجروا في سبيل الله وجاهدوا اعداءهم وبذلوا مجهودهم في اتباع مرضاته لنهدينهم سبلنا اي الطرق الموصلة الينا وذلك لانهم محسنون. وان الله لمع المحسنين. بالعون والنصر والهداية. دل هذا على ان احرى الناس بموافقة الصواب اهل الجهاد. وعلى ان من احسن فيما امر به اعانه الله ويسر له اسباب الهداية. وعلى ان من جد واجتهد في طلب العلم الشرعي انه يحصل له من الهداية والمعونة على تحصيل مطلوبه امور الهية. خارجة عن مدرك اجتهاده. وتيسر له امر العلم. فان طلب العلم من الجهاد في سبيل الله. بل هو احد نوعي الجهاد الذي لا يقوم به الا خواص الخلق. وهو الجهاد بالقول واللسان للكفار والجهاد على تعليم امور الدين وعلى رد نزاع المخالفين للحق. ولو كانوا من المسلمين