المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الخامس والستون والمائتان الحديث الخامس عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما انه سمع رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم يقول عام الفتح ان الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والاصنام فقيل يا رسول الله ارأيت شحوم الميتة فانها تطلى بها السفن وتدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس فقال لا هو حرام ثم قال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم عند ذلك قاتل الله اليهود ان الله لما حرم شحومها جملوه ثم باعوه فاكلوا ثمنه رواه البخاري ومسلم جملوه اذابوه قال الشيخ السعدي رحمه الله في تعليقاته قوله في حديث جابر انه سمع رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم يقول عام الفتح الى اخره اشارة الى ان هذا في اخر عمره الشريف صلى الله عليه وعلى اله وسلم وقوله ان الله ورسوله حرم بيع الخمر الى اخره ما حرم الله فقد حرمه رسوله وما حرمه الرسول فقد حرمه الله فلما وجد تحريم الله ورسوله جميعا كان ابلغ لانه يكون دلالة مطابقة فان الدلالة ثلاثة اقسام دلالة مطابقة وهي اعلى انواع الدلالات مثل هذا الحديث الثاني دلالة التضمن وهي ان يكون المعنى ضمن اللفظ وليس هو الثالث دلالة الالتزام وهي ان يكون من لوازم ذلك ومثل ابن القيم لذلك فقال الرحمن دال على ذات الله تعالى ورحمته دلالة مطابقة وعلى احدهما دلالة تضمن وعلى الحياة والعلم ونحوهما دلالة التزام لان ذلك من لازم الرحمة انتهى وفيه تحريم هذه الاشياء لان المعصية تحرم ويحرم فعل الاسباب التي توصل اليها فمن ذلك الخمر فقد حرمه الله تعالى لما فيه من المضرة في الدين والدنيا فمن ذلك ان الله وصفه بانه رجس من عمل الشيطان وقال فاجتنبوه وذكر ان اجتنابه سبب الفلاح وذكر ان الشيطان يريد ايقاع العداوة والبغضاء بين الناس في الخمر والميسر الى غير ذلك من المضار فيحرم تناولها وتحرم جميع الاسباب الموصلة اليها من بيع وهبة وجميع انواع المعاوضة ومن ذلك تحريم بيع الميتة لانها محرمة لما فيها من المضار والميتة هي ما مات حتف انفه او ذبح على وجه غير مشروع كذبحه في غير مذبحه وكذبح الكافر غير اهل الكتابين وكترك التسمية تعمدا ونحوه ويستثنى من ذلك الجراد والسمك لان ميتته طاهرة طيبة ليس فيها مضرة وحرمت الميتة لما فيها من المضار فان الذي يموت حتف انفه لا يسلم غالبا من مادة سمية كانت سببا لهلاكه فيحرم لان ضرره يتعدى وايضا فانه يحتقن فيه الدم وذلك مضر فلما كان فيها مضار عظيمة حرمت تناولها وجميع الاسباب الموصلة الى ذلك وفيه تحريم بيع الخنزير لانه اخبث الحيوانات على الاطلاق ولا يحل الانتفاع به بوجه من الوجوه وكانت النصارى يأكلونه ويعظمونه جدا ولحمه اضر من كل اللحوم حتى ان الاطباء الان عثروا على مضرة فيه وهو دود صغار مضر قالوا ان النار لا تكاد تميته فنوهوا عن اكله قالوا ولا يداوم احد على اكله الا لحق عليه فاهلكه وفيه تحريم بيع الاصنام وهي التي تتخذ للعبادة من اي نوع كان سواء من الخشب او الحجارة او غيرهما وفيه انه تحرم المعاوضة على الاشياء التي يتوصل بها الى معصية الله تعالى ولو كان الشيء مباحا بالاصل فاذا اتخذ سببا لمعصية الله حرم عليه ولهذا قال العلماء ويحرم بيع جوز وبيض ونحوهما لمن يقامر فيه ويحرم بيع سلاح في فتنة بين المسلمين ويحرم بيع عبد مسلم لكافر او مبتدع لانه سبب لفتنته واظلاله ويحرم بيع وايجار حانوت ونحوه لمن يبيع فيه الخمر ونحو ذلك من المسائل التي يتوصل فيها الى معصية الله تعالى فلما اخبرهم رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم بتحريم هذه الاشياء فهموا ان التحريم يعم جميع اجزائها فقالوا ارأيت شحوم الميتة فانه تطلى بها السفن وتدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس ان يسرجون فيها وكان غالب تسريجهم بالدهن وقليل منهم من يسرج بالزيت فقال لا هو حرام هذا تأكيد بعد النهي قيل معناه ان استعماله حرام وبيعه حرام وهذا المشهور من المذهب ولهذا قالوا ولا يجوز استعمال الادهان النجسة بحال واما المتنجسة فيجوز الانتفاع بها على وجه لا تتعدى كالتسريج بها في غير مسجد ودهن الجرب بها ودهن الجلود ونحو ذلك والصحيح ان معنى قوله لا هو حرام اي البيع واما الانتفاع بها على هذا الوجه التي لا تتعدى فيه فانه يجوز وكان هذا الاستعمال متعارفا عندهم فلم ينههم عنه وانما نهاهم عن البيع ورجح هذا القول ابن القيم من عدة اوجه فالانتفاع يجوز والبيع حرام ولا تلازم بين ذلك كما يباح الانتفاع بالكلب للصيد والزرع والماشية ويحرم بيعه ولو لهذا النفع المباح وقوله ثم قال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم عند ذلك محذرا لامته عن فعل اليهود قاتل الله اليهود ان الله لما حرم عليهم شحومها جملوه الى اخره اي اذابوه فتحيلوا على حله بعدة حيل ولكن لم ينفعهم ذلك فاولا اذابوه ليتغير اسمه ثم لم يتناولوه بل باعوه وقصدهم انه يحل بذلك وهو لا يزيده الا تحريما ففيه تحريم الحيل التي يقصد منها تحريم ما احل الله او احلال ما حرم الله وقد اخبر صلى الله عليه وعلى اله وسلم انه لابد ان تسلك هذه الامة مسلك الامم قبله فوقع كما اخبر فانه سلك فساق هذه الامة مسلك اليهود في الحيل فاستباحوا كثيرا من المحرمات بذلك كما استباحوا مسألة العينة وقلب الدين وكثير من انواع الربا بذلك وكما استباحوا السفاح وسموه التحليل فالعبرة بالمعاني فالامر المحرم لا يحله تغيير اسمه كما يسمون الخمر نبيذا يقصدون بذلك تحليلا فالذي يفعل هذا اعظم اثما ممن يفعل المعصية بلا حيلة فان المتحيل مضاد لله ورسوله ويستحسن عمله هذا ولا يراه ذنبا فيرجى ان يتوب منه فلا يزال في ضلالة محجوبا عن التوبة ومعرفة الحق فيخسر في الدنيا والاخرة والله اعلم