ولا تكونوا من المشركين. لكون الشرك مضادا للانابة التي روحها الاخلاص من كل وجه. ثم ذكر حالة المشركين مهجنا لها ومقبحا فقالوا من الذين فرقوا دينهم مع ان الاصل واحد عاقبهم وعذبهم ولم يزدهم كما زاد من قبلهم. فلهذا قال المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي عليها لا تبدين لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن اكثر الناس لا يأمر تعالى بالاخلاص له في جميع الاحوال واقامة دينه. فقال فاقم وجهك انصبه ووجهه الى الذي هو الاسلام والايمان والاحسان بان تتوجه بقلبك وقصدك وبدنك الى اقامة شرائع الدين الظاهرة كالصلاة والزكاة والصوم والحج ونحوها. وشرائعه الباطنة كالمحبة والخوف والرجاء والانابة. والاحسان في الشرائع الظاهرة والباطنة. بان تعبد الله فيها كانك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك. وخص الله اقامة الوجه لان اقبال الوجه تبع لاقبال القلب. ويترتب على الامرين سعي البدن. ولهذا قال حنيفا اي مقبلا على الله في ذلك معرضا عمن سواه. وهذا الامر الذي امرناك به هو فطرة الله التي فطر الناس عليها. ووضع في عقولهم حسنها واستقباح غيرها. فان جميع احكام الشرع الظاهرة والباطنة. قد وضع الله في قلوب الخلق كلهم الميل اليها. فوضع في قلوبهم محبة الحق وايثار الحق وهذا حقيقة الفطرة. ومن خرج عن هذا الاصل فلعارض عرض لفطرته افسدها. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم كل مولود يولد على الفطرة. فابواه يهودانه او ينصرانه او يمجسانه دين القيم ولكن اكثر الناس لا يعلمون. لا تبديل لخلق الله اي لا احد يبدل خلق الله فيجعل المخلوق على غير الوضع الذي وضعه الله. ذلك الذي امرنا به الدين القيم. اي الطريق المستقيم الموصل الى الله والى كرامته. فان من اقام وجهه للدين حنيفا فانه سالك الصراط المستقيم. في جميع شرائعه وطرقه فلا يتعرفون الدين القيم وان عرفوه لم يسلكوه منيبين اليه واتقوه وهذا تفسير لاقامة الوجه للدين. فان الانابة انابة القلب وانجذاب دواعيه لمرض الله تعالى. ويلزم من ذلك حمل البدن بمقتضى ما في القلب. فشمل ذلك العبادات الظاهرة والباطنة. ولا يتم ذلك الا بترك المعاصي الظاهرة والباطنة. فلذلك قال واتقوه فهذا يشمل فعل المأمورات وترك المنهيات. وخص من المأمورات الصلاة لكونها تدعو الى الانابة التقوى لقوله تعالى واقم الصلاة ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر. فهذا اعانتها على التقوى. ثم قال لذكر الله اكبر فهذا حثها على الانابة. وخص من المنهيات اصلها. والذي لا يقبل معه عمل وهو الشرك. فقال وهو اخلاص العبادة لله وحده. وهؤلاء المشركون فرقوه. منهم من يعبد الاوثان والاصنام. ومنهم من يعبد الشمس والقمر. ومنهم من يعبد الاولياء والصالحين. ومنهم يهود ومنهم نصارى. ولهذا قال وكانوا شيعا. اي كل فرقة من فرق الشرك فتوى تعصبت على نصر ما معها من الباطل. ومنابذة غيرهم ومحاربتهم فرحوا كل حزب بما لديهم من العلوم المخالفة لعلوم الرسل. فرحون به يحكمون لانفسهم بانه الحق وان غيرهم على باطل. وفي هذا تحذير للمسلمين من تشتتهم وتفرقهم فرقا. كل فريق يتعصب لما معهم من حق وباطل فيكونون مشابهين بذلك للمشركين في التفرق. بل الدين واحد والرسول واحد والاله واحد. واكثر الامور الدينية وقع فيها الاجماع بين العلماء والائمة والاخوة الايمانية. قد عقدها الله وربطها اتم ربط. فما بال ذلك كله ويبنى التفرق والشقاق بين المسلمين على مسائل خفية او فروع خلافية يضلل بها بعضهم بعضا. ويتميز بها بعضهم عن بعض فهل هذا الا من اكبر نزغات الشيطان واعظم مقاصده التي كاد بها المسلمين؟ وهل السعي في جمع كلمتهم وازالة ما بينهم من الشقاق المبني على ذلك الاصل الباطل الا من افضل الجهاد في سبيل الله وافضل الاعمال المقربة الى الله الله ولما امر تعالى بالانابة اليه وكان المأمور بها هي الانابة الاختيارية التي تكون في حالي العسر واليسر والسعة والضيق ذكر الانابة الاضطرارية التي لا تكون مع الانسان الا عند ضيقه وكربه. فاذا زال عنه الضيق نبذها وراء ظهره. وهذه غير نافعة فقال اذاقهم منه رحمة اذا اتينا واذا مس الناس ضر مرض او خوف من هلاك ونحوه دعوا ربهم منيبين ونسوا ما كانوا به يشركون في تلك الحال. لعلمهم انه لا يكشف الضر الا الله. ثم اذا اذاقهم منه رحمة شفاهم من مرضه وامنهم من خوفهم اذا فريق منهم ينقضون تلك الانابة التي صدرت منهم ويشركون به من لا دفع عنهم ولا اغنى ولا افقر ولا اغنى. وكل هذا كفر بما اتاهم الله ومن بهم عليه. حيث انجاهم وانقذهم من الشدة. وازال عنهم المشقة فهلا قابلوا هذه النعمة الجليلة بالشكر والدوام على الاخلاص له في جميع الاحوال ام انزلنا عليهم سلطانا اي حجة ظاهرة فهو لذلك السلطان ويقول لهم اثبتوا على شرككم واستمروا وعلى شككم فانما انتم عليه هو الحق. وما دعتكم الرسل اليه باطل. فهل ذلك السلطان موجود عندهم؟ حتى يوجب لهم التمسك بالشرك ام البراهين العقلية والسمعية والكتب السماوية والرسل الكرام وسادات الانام. قد نهوا اشد النهي عن ذلك وحذروا من سلوك طرقه الموصلة اليه وحكموا بفساد عقلي ودين من ارتكبه. فشرك هؤلاء بغير حجة ولا برهان وانما هو اهواء النفوس ونزغات الشيطان يخبر تعالى عن طبيعة اكثر الناس في حالي والشدة انهم اذا اذاقهم الله منه رحمة من صحة وغنى ونصر ونحو ذلك فرحوا بذلك فرح مطر لا فرح شكر تبجح بنعمة الله. وان تصبهم سيئة. اي حال تسوءهم. وذلك بما قدمت ايديهم من المعاصي ييأسون من زوال ذلك الفقر والمرض ونحوه. وهذا جهل منهم وعدم معرفة ويقدر. فالقنوط بعدما علم ان الخير والشر من الله. والرزق سعة وضيقه من تقديره. ضائع ليس له محل. فلا تنظر ايها العاقل لمجرد الاسباب. بل اجعل نظرك لمسببها. ولهذا هذا قال فهم الذين يعتبرون بسط الله لمن يشاء وقبضة ويعرفون بذلك حكمة الله ورحمته وجوده. وجذب القلوب لسؤاله في جميع مطالب الرزق اولئك هم المفلحون. اي فاعط القريب منك على حسب قربه وحاجته. حقه الذي اوجبه الشارع او حض عليه من النفقة الواجبة والصدقة والهدية والبر والسلام والاكرام والعفو عن زلته والمسامحة عن هفوته. وكذلك اتي المسكين الذي اسكنه الفقر والحاجة ما تزيل به حاجته وتدفع به ضرورته من اطعامه وسقيه وكسوته. وابن السبيل الغريب المنقطع به في غير بلده الذي في مظنة شدة الحاجة لانه لا مال معه. ولا كسب قد دبر نفسه به في سفره. بخلاف الذي في بلده فانه وان لم يكن له مال ولكن لابد في الغالب ان يكون في حرفة او صناعة ونحوها تسد حاجته. ولهذا جعل الله في الزكاة حصة للمسكين وابن السبيل. ذلك خير للذين يريدون وجه الله ذلك ايتاء ذي القربى والمسكين ابن السبيل خير للذين يريدون بذلك العمل وجه الله. اي خير غزير وثواب كثير لانه من افضل الاعمال الصالحة. والنفع علم تعدي الذي وافق محله المقرون به الاخلاص. فان لم يرد به وجه الله لم يكن خيرا للمعطي. وان كان خيرا ونفعا للمعطى كما قال تعالى لا خير في كثير من نجواهم الا من امر بصدقة او معروف او اصلاح بين الناس مفهومها ان هذه المثبتات خير لنفعها المتعدي. ولكن من يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله. فسوف نؤتيه اجرا عظيما. وقوله واولئك الذين عملوا هذه الاعمال وغيرها لوجه الله هم المفلحون فائزون بثواب الله. الناجون من عقابه. ولما ذكر العمل الذي يقصد به وجهه من النفقات ذكر العمل الذي يقصد به مقصد دنيوي فقال اي ما اعطيتم من اموالكم الزائدة عن حوائجكم وقصدكم بذلك ان يربوا ان يزيدوا في اموالكم بان لمن تطمعون ان يعاوضكم عنها باكثر منها فهذا العمل لا يربو اجره عند الله. لكونه معدوم الشرط الذي هو الاخلاص ومثل ذلك العمل الذي يراد به الزيادة في الجاه. والرياء عند الناس فهذا كله لا يربو عند الله تريدون وجه الله فاولئك هم المضعفون. وما اتيتم من زكاة اي مال يطهركم من الاخلاق الرذيلة. ويطهر اموالكم من البخل بها. ويزيد في دفع حاجة المعطى. تريدون بذلك الله. اي المضاعف لهم الاجر الذين تربوا نفقاتهم عند الله ويربيهم الله لهم حتى تكون شيئا كثيرا. ودل قوله وما اتيتم من زكاة ان الصدقة مع اضطرار من يتعلق بالمنفق او مع عليه لم يقضه ويقدم عليه الصدقة ان ذلك ليس بزكاة يؤجر عليه العبد ويرد تصرفه شرعا. كما قال تعالى في الذي يمدح الذي يؤتي ما له يتزكى فليس مجرد ايتاء المال خيرا حتى يكون بهذه الصفة وهو ان يكون على وجه يتزكى به المؤتي الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم ان يفعلوا من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون. يخبر تعالى انه وحده المنفرد بخلقكم ورزقكم واماتتكم واحيائكم وانه ليس احد من الشركاء التي يدعوهم المشركون من يشارك الله في شيء من هذه الاشياء. فكيف يشركون بمن بهذه الامور من ليس له تصرف فيها بوجه من الوجوه. فسبحانه وتعالى وتقدس وتنزه. وعلى عن شركهم فلا يضره ذلك وانما وبالهم عليهم اي اعلن الفساد في البر والبحر اي فساد معايشهم ونقصها وحلول الافات بها وفي انفسهم من الامراض والوباء وغير ذلك وذلك بسبب ما قدمت ايديهم من الاعمال الفاسدة المفسدة بطبعها. هذه المذكورة ليذيقهم بعض الذي عملوا. اي ليعلموا انهم مجازي على الاعمال. فعجل لهم نموذج من جزاء اعمالهم في الدنيا لعلهم يرجعون عن اعمالهم. التي اثرت لهم من الفساد ما اثرت. فتصلح احوالهم ليستقيم امرهم. فسبحان من انعم ببلائه وتفضل بعقوبته. والا فلو اذاقهم جميع ما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة والامر بالسير في الارض. يدخل فيه السير بالابدان والسير في القلوب. للنظر والتأمل بعواقب المتقدمين كان اكثرهم مشركين. تجدون عاقبتهم شر العواقب. ومآلهم شر مآل. عذاب استأصلهم وذم من خلق الله يتبعهم وخزي متواصل. فاحذروا ان تفعلوا فعالهم. يحذى بكم حذوهم فان عدل الله وحكمته في كل زمان ومكان اي اقبل بقلبك وتوجه بوجهك واسع ببدنك لاقامة الدين القيم المستقيم. فنفذ اوامره ونواهيه بجد واجتهاد. وقم بوظائفه الظاهرة والباطنة. وبادر زمانك وحياتك وشبابك. وهو ويوم القيامة الذي اذا جاء لا يمكن رده ولا يرجأ العاملون ان يستأنفوا العمل. بل فرغ من الاعمال لم يبقى الا جزاء العمر مال يومئذ اي يتفرقون عن ذلك اليوم ويصدرون اشتاتا متفاوتين ليروا اعمالهم ليجزي الذين امنوا وعملوا الصالحات من فضله انه لا يحب الكافرين من كفر منهم فعليه كفره ويعاقب هو بنفسه. لا تزر وازرة وزر اخرى. ومن عمل صالحا من الحقوق التي لله او التي للعباد الواجبة والمستحبة فلانفسهم لا لغيرهم يمهدون. اي يهيئون ولانفسهم يعمرون اخرتهم ويستعدون للفوز بمنازلها وغرفاتها. ومع ذلك جزاؤهم ليس مقصورا على اعمالهم. بل يجزيهم الله من فضله الممدود وكرمه غير المحدود ما لا تبلغه اعمالهم. وذلك لانه احبهم واذا احب الله عبدا صب عليه الاحسان صبا واجزل له العطايا الفاخرة. وانعم عليه بالنعم الظاهرة والباطنة. وهذا بخلاف الكافرين فان الله لما ابغضهم ومقتهم