المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي واذا لا تمتعون الا قليلا. قل لهم نائما على فرارهم. ومخبرا انهم لا يفيدهم ذلك شيئا. لن ينفعكم الفرار ان فررتم من الموت او القتل. فلو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل الى مضاجعهم. والاسباب تنفع اذا لم القضاء والقدر. فاذا جاء القضاء والقدر تلاشى كل سبب. وبطلت كل وسيلة ظنها الانسان تنجيه. واذا حين فررتم لتسلموا من الموت والقتل ولتنعموا في الدنيا فانكم لا تمتعون الا قليلا. متاعا لا يساوي فراركم وترككم امر الله وتفويتكم على انفسكم التمتع الابدي في النعيم السرمدي. ثم بين ان الاسباب كلها لا تغني عن العبد شيئا. اذا اراده الله بسوء فقال ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا. قل من ذا الذي يعصمكم اي يمنعكم من الله ان اراد بكم سوءا اي شراء او اراد بكم رحمة فانه هو المعطي المانع الضار النافع الذي لا يأتي بالخير ولا يدفع السوء الا هو. ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا. ولا لهم من دون الله وليا يتولاهم. فيجلب لهم النفع ولا نصير. اي ينصرهم في دفع عنهم المضار. فليمتثلوا المنفرد بالامور كلها الذي نفذت مشيئته ومضى قدره ولم ينفع مع ترك ولايته ونصرته ولي ولا ناصر. ثم توعد تعال المخذلين المعوقين وتهددهم فقال والقائلين لاخوانهم هلموا الينا ولا يأتون البأس الا قليلا. قد يعلم الله المعوقين منكم عن الخروج لمن لم يخرجوا. والقائلين هم الذين خرجوا هلم الينا اي ارجعوا كما تقدم من قولهم يا اهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا وهم مع تعويقهم تخذيلهم. لا يأتون البأس القتال والجهاد بانفسهم الا قليلا. فهم اشد الناس حرصا على التخلف لعدم الداعي لذلك من الايمان والصبر. ووجود المقتضي للجبن من النفاق وعدم الايمان اشحة عليكم بابدانهم عن القتال. واموالهم عند النفقة فيه. فلا يجاهدون باموالهم وانفسهم. فاذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون اليك نظر المغشي عليه من الموت. من شدة الجبن الذي خلع قلوبهم والقلق الذي اذهلهم وخوفا على اجبارهم على ما يكرهون من القتال فاذا ذهب الخوف وصاروا في حال الامن والطمأنينة سلقوكم بالسنة اي خاطبوكم معكم بكلام حديد ودعاوى غير صحيحة. وحين تسمعهم تظنهم اهل الشجاعة والاقدام اشحة على الخير الذي يراد منهم وهذا شر ما في الانسان ان يكون شحيحا بما امر به شحيحا بماله ان ينفقه في وجهه شحيحا في بدنه ان يجاهد اعداء الله يدعو الى سبيل الله شحيحا بجاهه شحيحا بعلمه ونصيحته ورأيه اعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا. اولئك الذين بتلك الحالة لم يؤمنوا بعدم ايمانهم احبط الله اعمالهم. واما المؤمنون فقد وقاهم الله شح انفسهم ووفقهم لبذل ما امروا به. من بذل لابدانهم في القتال في سبيله. واعلاء كلمته واموالهم للنفقة في طرق الخلق خير وجاههم وعلمهم بهم بادون في الاعراب يسألون عن انباءكم ولو كانوا فيكم ما قاتلوا الا يا قليلا يحسبون الاحزاب لم يذهبوا اي يظنون ان هؤلاء الاحزاب الذين تحزبوا على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه هذه لم يذهبوا حتى يستأصلوهم فخاب ظنهم وبطل حسبانهم وان يأتي الاحزاب مرة اخرى انهم بادون في الاعراب يسألون عن انباءكم. اي لو اتى الاحزاب مرة ثانية مثل هذه المرة هؤلاء المنافقون انهم ليسوا في المدينة ولا في القرب منها. وانهما على الاعراب في البادية. يستخبرون عن اخباركم ويسألون عن ماذا حصل عليكم؟ فتبا لهم وبعدا. فليسوا ممن يبالى بحضورهم. ولو كانوا فيكم ما قاتلوا الا قليلا. فلا تبالوهم ولا تأسوا عليهم. لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجو الله لمن كان يرجو الله واليوم الاخر وذكر الله كثيرا لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة. حيث حضر الهيجاء بنفسه الكريمة وباشر موقف الحرب وهو الشريف الكامل البطل الباسل فكيف تشحون بانفسكم عن امر جاد رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه فيه. فتأسوا به في هذا الامر وغيره واستدل الاصوليون في هذه الاية على الاحتجاج بافعال الرسول صلى الله عليه وسلم. وان الاصل ان امته اسوته في الاحكام. الا الدليل الشرعي على الاختصاص به. فالاسوة نوعان اسوة حسنة واسوة سيئة. فالاسوة الحسنة في الرسول صلى الله عليه وسلم فان المتأسي به سالك الطريق الموصل الى كرامة الله. وهو الصراط المستقيم. واما الاسوة بغيره اذا خالفه فهو الاسوة السيئة قول الكفار حين دعتهم الرسل للتأسي بهم. انا وجدنا اباءنا على امة وانا على اثارهم مهتدون. وهذه الاسوة الحسنة انما يسلكها ويوفق لها من كان يرجو الله واليوم الاخر. فان ما معه من الايمان وخوف الله ورجاء ثوابه وخوف عقابه على التأسي بالرسول صلى الله عليه وسلم قوله وصدق الله ورسوله وما زادهم الا ايمانا وتسليما. لما ذكر حالة المنافقين عند الخوف ذكر حال المؤمنين فقال ولما رأى المؤمنون الاحزاب الذين تحزبوا ونزلوا منازلهم وانتهى الخوف قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله في قوله ام حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما يأتيكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزل حتى يقول الرسول والذين امنوا معه متى نصر الله؟ الا ان نصر الله قريب. وصدق الله ورسوله. فانا رأينا ما اخبرنا وما زادهم ذلك الامر الا ايمانا في قلوبهم وتسليما في جوارحهم وانقيادا لامر الله. ولما ذكر ان المنافقين عاهدوا الله لا يولون الادبار. ونقضوا ذلك العهد. ذكر وفاء المؤمنين به فقال من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ان يوفوا به واتموه واكملوه. فبذلوا مهجهم في مرضاته. وسبلوا انفسهم في طاعته فمنهم من قضى نحبه. اي ارادته ومطلوبه وما عليه من الحق. فقتل في لله او مات مؤديا لحقه لم ينقصه شيئا. ومنهم من ينتظر تكميل ما عليه فهو شارع في قضاء ما عليه ووفاء نحبه ولما يكمله. وهو في رجاء تكميله ساع في ذلك مجد كما بدل غيرهم بل لم يزالوا على العهد لا يلوون ولا يتغيرون. فهؤلاء الرجال على الحقيقة ومن عداهم فصورهم صور رجال واما الصفات فقد قصرت عن صفات الرجال. ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين من شاء او يتوب عليهم ان الله كان غفورا رحيما. ليجزي الله الصادقين بصدقهم اي بسبب صدقهم في اقوالهم واحوالهم ومعاملتهم مع الله. واستواء ظاهرهم وباطنهم. قال تعالى هذا يوم الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ابدا. اي قدرنا ما قدرنا من هذه الفتن والمحن والزلازل تبين الصادق من الكاذب فيجزي الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين الذين تغيرت قلوبهم واعمالهم عند حلول الفتن ولم يفوا عاهدوا الله عليه ان شاء تعذيبهم بان لم يشأ هدايتهم بل علم انهم لا خير فيهم فلم يوفقهم. او يتوب عليهم بان يوفقهم للتوبة والانابة. وهذا هو الغالب على كرم الكريم. ولهذا ختم الاية باسمين دالين على المغفرة والفضل والاحسان فقال ان الله كان غفورا رحيما. غفورا لذنوب المسرفين على انفسهم. ولو اكثروا من العصيان اذا اتوا بالمتاب بهم حيث وفقهم للتوبة ثم قبلها منهم وستر عليهم ما اجترحوه وكفى الله المؤمنين من القتال وكان الله قويا عزيزا. ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا. اي ردهم خائبين لم يحصل لهم الامر الذي كانوا حنقين عليه مغتاظين قادرين عليه جازمين بان لهم الدائرة قد غرتهم جموعهم واعجبوا بتحزبهم وفرحوا بعددهم وعددهم. فارسل الله عليهم ريحا عظيمة وهي ريح الصبا فزعزعت مراكزهم وقوضت خيامهم وكفأت قدورهم وازعجتهم وضربهم الله بالرعب فانصرفوا بغيظهم وهذا من نصر الله لعباده المؤمنين القتال بما صنع لهم من الاسباب العادية والقدرية الله قويا عزيزا. لا يغالبه احد الا غلب. ولا يستنصره احد الا غلب. ولا يعجزه امر اراده. ولا ينفع اهل القوة والعزم قوتهم وعزتهم ان لم يعنهم بقوته وعزته وقذف في قلوبهم الرعب وانزل الذين ظهروهم اي عاونوهم من اهل الكتاب اي اليهود من صياصيهم اي انزلهم من حصونهم نزولا مظفورا بهم مجعولين تحت حكم الاسلام. وقذف في قلوبهم الرعب. فلم يقوى على القتال بل استسلموا وخضعوا وذلوا فريقا تقتلون وهم الرجال المقاتلون فريق من عاداهم من النساء والصبيان واورثكم اي غنمكم ارضهم وديارهم واموالهم وارضا لم تطأوها. اي ارضا كانت من قبل من شرفها وعزتها عند اهلها. لا تتمكنون من بها فمكنكم الله وخذلهم. وغنمتم اموالهم وقتلتموهم واسرتموهم لا يعجزه شيء. ومن قدرته قدر لكم ما قدر. وكانت هذه الطائفة من اهل الكتاب هم بنو قريظة من اليهود في قرية خارج المدينة غير بعيد. وكان النبي صلى الله عليه وسلم حين هاجر الى المدينة وودعهم وهاد انهم فلم يقاتلهم ولم يقاتلوه وهم باقون على دينهم لم يغير عليهم شيئا. فلما رأوا يوم الخندق الاحزاب الذين تحزبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكثرتهم. وقلة المسلمين وظنوا انهم سيستأصلون الرسول والمؤمنين. وساعد على ذلك تسجيل بعض رؤسائهم عليهم فنقضوا العهد الذي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم. وما لئوا المشركين على قتاله. فلما نزل الله المشركين. تفرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم لقتالهم. فحاصرهم في حصنهم. فنزلوا على حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه فحكم فيهم ان تقتل مقاتلتهم. وتسبى ذراريهم وتغنم اموالهم. فاتم الله لرسوله والمؤمنين المنة واسبغ عليهم النعمة واقر اعينهم بخذلان من ان خذل من اعدائهم وقتل من قتلوا واسر من اسروا ولم يزل لطف الله المؤمنين مستمرا