المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي لما اجتمع نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه في الغيرة. وطلبنا منه النفقة والكسوة. طلبنا منه امرا لا يقدر عليه في كل وقت. ولم يزلنا في طلبهن متفق في مرادهن متعنتات فشق ذلك على الرسول حتى وصلت به الحال الى انه الة منهن شهرا. فاراد الله ان يسهل الامر على رسوله وان يرفع درجة زوجاته ويذهب عنهن كل امر ينقص اجرهن. فامر رسوله ان يخيرهن فقال يا ايها النبي قل لازواجك ان كنتن تردن الحياة الدنيا. اي ليس لكن في غيرها مطلب. وصرتن ترضين لوجودها وتغضبن لفقدها. فليس لي فيكن عرب وحاجة وانتن بهذه الحال تعالين امتعكن شيئا مما عندي من الدنيا واسرحكن اي افارقكن سراحا جميلا من دون مغاضبة ولا مشاقة بل الصدر وانشراح بال قبل ان تبلغ الحال الى ما لا ينبغي وان كنتن تردن الله ورسوله والدار الاخرة. اي هذه الاشياء مرادكن وغاية مقصودكن. واذا حصل لكن الله ورسوله والجنة. لم تبالين بسعة الدنيا وضيقها ويسرها وعسرها. وقنعتن من رسول الله بما تيسر. ولم تطلبن منه ما يشق عليه رتب الاجر على وصفهن بالاحسان لانه السبب الموجب لذلك لا لكونهن زوجات للرسول فان مجرد ذلك لا يكفي بل لا يفيد شيئا مع عدم الاحسان. فخيرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فاخترنا الله ورسوله والدار الاخرة كلهن. ولم يتخلف منهن واحدة رضي الله عنهن. وفي هذا التخيير فوائد عديدة منها الاعتناء برسوله وغيرته عليه ان يكون بحالة يشق عليه كثرة مطالب زوجاته الدنيوية. ومنها سلامته صلى الله عليه وسلم بهذا التخيير من تبعة حقوق الزوجات. وانه يبقى في حرية نفسه ان شاء اعطى وان شاء منع. ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له ومنها تنزيهه عن لو كان فيهن من تؤثر الدنيا على الله ورسوله والدار الاخرة عنها وعن مقارنتها ومنها سلامة زوجاته رضي الله عنهن عن الاثم والتعرض لسخط الله ورسوله. فحسم الله بهذا التخيير عنهن التسخط على الرسول صلى الله عليه وسلم الموجبة لسخطه. المسخط لربه. الموجب لعقابه. ومنها اظهار رفعتهن وعلو درجتهن. وبيان علو هممهن ان كان الله ورسوله والدار الاخرة مرادهن ومقصودهن دون الدنيا وحطامها. ومنها استعدادهن بهذا الاختيار للامر الخيار للوصول الى خيار درجات الجنة. وان يكن زوجاته في الدنيا والاخرة. ومنها ظهور المناسبة بينه وبينهن. فانه اكمل الخلق واراد الله ان تكون نساؤه كاملات مكملات طيبات مطيبات. الطيبات للطيبين والطيبون للطيبات. ومن ان هذا التخيير داع وموجب للقناعة التي يطمئن لها القلب. وينشرح لها الصدر. ويزول عنها جشع الحرص. وعدم الرضا الموجب قلق القلب واضطرابه وهمه وغمه. ومنها ان يكون اختيارهن هذا سببا لزيادة اجرهن ومضاعفته. وان يكن بمرتبة ليس فيها احد من النساء. ولهذا قال لما اخترنا الله ورسوله والدار الاخرة. ذكر مضاعفة اجرهن ومضاعفة وزرهن واثمهن لو جرى منهن. ليزداد حذرهن وشكرهن الله تعالى تعالى فجعل من اتى منهن بفاحشة ظاهرة لها العذاب ضعفين ومن يقنت منكم اي تطيع لله ورسوله وتعمل صالحا قليلا او كثيرا. نؤتها اجرها مرتين. اي مثلما نعطي غيرها مرتين واعتدنا لها رزقا كريما. وهي الجنة فقنتنا لله ورسوله وعملنا صالحا. فعلم بذلك اجر يا نساء النبي ان اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن يقول تعالى يا نساء النبي خطاب لهن كلهن لستن كاحد من النساء ان اتقيتن الله فانكن بذلك تفوقن النساء ولا يلحقكن احد من النساء. فكملن التقوى بجميع وسائلها ومقاصدها. فلهذا ارشدهن الى الى قطع وسائل المحرم فقال فلا تخضعن بالقول اي في مخاطبة الرجال او بحيث يسمعون فتلن في ذلك وتتكلمن بكلام من رقيق يدعو ويطمع الذي في قلبه مرض. اي مرض شهوة الزنا فانه مستعد ينظر ادنى محرك يحركه. لان قلبه غير صحيح فان القلب الصحيح ليس فيه شهوة لما حرم الله. فان ذلك لا تكاد تميله ولا تحركه الاسباب. لصحة قلبه وسلامته من المرض بخلاف مريض القلب الذي لا يتحمل ما يتحمل الصحيح. ولا يصبر على ما يصبر عليه. فادنى سبب يوجد يدعوه الى الحرام. يجيب دعوته ولا يتعصى عليه. فهذا دليل على ان الوسائل لها احكام المقاصد. فان الخضوع بالقول واللين فيه في الاصل مباح. ولكن لما كان وسيلة الى المحرم منع منه. ولهذا ينبغي للمرأة في مخاطبة الرجال الا تلين لهم القول. ولما نهاهن عن الخضوع في القول. فربما وهم انهن مأمورات باغلاظ القول دفع هذا بقوله. اي غير مريض ولا جاف كما انه ليس بلين خاضع. وتأمل كيف قال فلا تخضعن بالقول. ولم يقل فلا تلن بالقول. وذلك لان المنهي عنه القول اللين الذي فيه خضوع المرأة للرجل وانكسارها عنده. والخاضع هو الذي يطمع فيه. بخلاف من تكلم كلاما لينا ليس فيه خضوع. بل ربما ما صار فيه ترفع وقهر للخصم. فان هذا لا يطمع فيه خصمه. ولهذا مدح الله رسوله باللين. فقال فبما رحمة من الله لنت لهم وقال لموسى وهارون اذهبا الى فرعون انه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر او يخشى. ودل قوله فيطمع الذي في قلبه مرض مع امره بحفظ الفرج وثنائه على الحافظين لفروجهم والحافظات ونهيه عن قربان الزنا انه ينبغي العبد اذا رأى من نفسه هذه الحالة وانه يهش لفعل المحرم عندما يرى او يسمع كلام من يهواه. ويجد دواعي طمعه قد انصرفت الى الحرام فليعرف ان ذلك مرض. فليجتهد في اضعاف هذا المرض وحسم الخواطر الردية. ومجاهدة نفسه على سلامتها من هذا المرض الخطير. وسؤال لله العصمة والتوفيق. وان ذلك من حفظ الفرج المأمور به وقرن في بيوتكن اي قرن فيها لانه اسلم واحفظ لكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الاولى. اي لا تكثرن الخروج متجملات او متطيبات كعادة اهل الجاهلية الاولى الذين لا علم عندهم ولا دين. فكل هذا دفع للشر واسبابه. ولما امرهن بالتقوى عموما وبجزئيات من التقوى نص عليها لحاجة النساء اليها. كذلك امرهن بالطاعة خصوصا الصلاة والزكاة يحتاجهما ويضطر اليهما كل احد. وهما اكبر العبادات واجل الطاعات. وفي الصلاة الاخلاص للمعبود وفي الزكاة الاحسان الى العبيد ثم امرهن بالطاعة عموما فقال واطعن الله ورسوله يدخل في طاعة الله ورسوله كل امر امر به امر وايجاب او استحباب انما يريد الله بامركن بما امركن به ونهيكن بما نهكن عنه ليذهب عنكم الرجس اي الاذى الشر والخبث يا اهل البيت ويطهركم تطهيرا. حتى تكونوا طاهرين مطهرين. اي فاحمدوا ربكم واشكروه على هذه الاوامر والنواهي التي اخبركم بمصلحتها وانها محض مصلحتكم. لم يرد الله ان يجعل عليكم بذلك حرجا ولا مشقة. بل لتتزكى نفوسكم فتطهر اخلاقكم وتحسن اعمالكم ويعظم بذلك اجركم. ولما امرهن بالعمل الذي هو فعل وترك. امرهن بالعلم ان لهن طريقة فقال ان الله كان لطيفا خبيرا. واذكرن ما يتلى في بيوتكن من ايات الله والحكمة. والمراد بايات الله القرآن والحكمة اسراره او سنة رسوله وامرهن بذكره يشمل ذكر لفظه بتلاوته وذكر معناه بتدبره والتفكر واستخراج احكامه وحكمه. وذكر العمل به وتأويله. يدرك اسرار الامور وخفايا الصدور وخبايا السماوات والارض. والاعمال التي تبين وتسر. فلطفه وخبرته يقتضي حثهن على اخلاصي واصرار الاعمال ومجازاة الله على تلك الاعمال. ومن معان اللطيف الذي يسوق عبده الى الخير ويعصمه من الشر بطرق خفية لا يشعر بها ويسوق اليه من الرزق ما لا يدريه. ويريه من الاسباب التي تكرهها النفوس. ما يكون ذلك طريقا له الى اعلى درجات وارفع المنازل