المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي والله يعلم ما في قلوبكم وكان الله عليما حليما. وهذا ايضا من توسعة الله على رسوله ورحمته به. ان اباح له ترك القسم بين زوجاته على وجه الوجوب وانه ان فعل ذلك فهو تبرع منه. ومع ذلك فقد كان صلى الله عليه وسلم يجتهد في القسم بينهن في كل شيء. ويقول اللهم هذا قسمي فيما املك. فلا تلمني فيما لا املك. فقال هنا ترجي من تشاء منهن اي تؤخر من اردت من زوجاتك فلا تؤويها اليك ولا تبيت عندها وتؤوي اليك من تشاء. اي تضمها وتبيت عندها. ومع ذلك لا يتعين هذا الامر. من ابتغى اي اي تؤويها فلا جناح عليك. والمعنى ان الخيرة بيدك في ذلك كله. وقال كثير من المفسرين ان هذا خاص بالواجبات له ان يرضي من يشاء ويؤوي من يشاء. اي ان شاء قبل من وهبت نفسها له. وان شاء لم يقبلها. والله اعلم. ثم بين الحكمة في لذلك فقال ذلك اي التوسعة عليك. وكون الامر راجعا اليك وبيدك. وكون ما جاء منك اليهن تبرعا منك ادنى ان تقر اعينهن ولا يحزن ويرضين بما اتيتهن كلهن. لعلمهن انك لم تترك واجبا ولم تفرط في اللازم والله يعلم ما في قلوبكم وكان الله عليما حليما والله يعلم ما في قلوبكم اي ما يعرض لها عند اداء الحقوق الواجبة والمستحبة. وعند المزاحمة في الحقوق. فلذلك شرع لك التوسعة يا رسول الله. لتطمئن قلوب زوجاتك وكان الله عليما حليما. اي واسع العلم كثير الحلم. ومن علمه ان شرع لكم ما هو اصلح لاموركم. واكثر لاجوركم ومن حلمه ان لم يعاقبكم بما صدر منكم وما اصرت عليه قلوبكم من الشر وهذا شكر من الله الذي لم يزل شكورا لزوجات رسوله رضي الله عنهن حيث الله ورسوله والدار الاخرة ان رحمهن وقصر رسوله عليهن. فقال لا يحل لك النساء من بعد زوجاتك الموجودات ولا ان تبدل بهن من ازواج. اي ولا تطلق بعضهن فتأخذ بدلها. فحصل بهذا امنهن من الضرائر ومن الطلاق. لان الله قضى انهن زوجاته في الدنيا والاخرة لا يكون بينه وبينهن فرقة. ولو اعجبك حسنهن اي حسن غيرهن فلا يحللن لك الا لما ملكت يمينك اي السراري فذلك جائز لك. لان المملوكات في كراهة الزوجات لسنا بمنزلة الزوجات في الاضرار للزوجات اي مراقبا للامور وعالما بما اليه تؤول وقائما بتدبيرها على نظام واحسن احكام يأمر تعالى عباده المؤمنين بالتأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في دخول بيوته فقال يا ايها الذين امنوا لا تدخلوا بيوت النبي الا ان يؤذن لكم الى طعام. اي لا تدخلوها بغير اذن للدخول فيها لاجل الطعام وايضا لا تكونوا ناظرين انا اي منتظرين ومتأنين لانتظار نضجه او سعة صدر بعد الفراغ منه. والمعنى انكم لا تدخل بيوت النبي الا بشرطين. الاذن لكم بالدخول وان يكون جلوسكم بمقدار الحاجة. ولهذا قال ولكن اذا دعيتم فادخلوا. فاذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث. اي قبل الطعام وبعده. ثم بين حكمة النهي وفائدته فقال ان ذلكم اي انتظاركم الزائد على الحاجة كان يؤذي النبي ان يتكلف منه ويشق عليه حبسكم اياه عن شؤون بيته واشتغاله فيه فيستحيي منكم ان يقول لكم اخرجوا كما هو جاري العادة ان الناس وخصوصا اهل الكرم منهم يستحيون ان يخرجوا الناس من مساكنهم ولكن الله لا يستحي من الحق. فالامر الشرعي ولو كان يتوهم ان في تركه ادبا وحياء فان الحزم كل الحزم اتباع الامر الشرعي وان يجزم ان ما خالفه ليس من الادب في شيء. والله تعالى لا يستحي ان يأمركم بما فيه الخير لكم. والرفق لرسوله كائنا ما كان فهذا ادبهم في الدخول في بيوته. واما ادبهم معه في خطاب زوجاته. فانه اما ان يحتاج الى ذلك. ام لا يحتاج اليه. فان لم يحتج اليه فلا حاجة اليه. والادب تركه وان احتيج اليه كان يسألن متاعا او غيره من اواني البيت او نحوها فانهن يسألن من وراء حجاب ان بينكم وبينهن ستر يستر عن النظر. بعدم الحاجة اليه. فصار النظر اليهن ممنوعا بكل حال. وكلامهن فيه التفصيل الذي ذكره الله ثم ذكر حكمة ذلك بقوله ذلكم اطهر لقلوبكم وقلوبهن. لانه ابعد عن الريبة. وكلما بعد الانسان عن الاسباب الداعية الى الشر. فانه اسلم له واطهر لقلبه. فلهذا من الامور الشرعية التي بين الله كثيرا من تفاصيلها ان جميع وسائل الشر واسبابه ومقدماته ممنوعة وانه مشروع البعد عنها بكل طريق. ثم قال كلمة جامعة وقاعدة عامة. وما كان لكم يا معشر المؤمنين. اي غير لائق ولا مستحسن اغتنم منكم بل هو اقبح شيء ان تؤذوا رسول الله اي اذية قولية او فعلية بجميع ما يتعلق به ولا ان تنكحوا ازواجه من بعد ابدا هذا من جملة ما يؤذيه. فانه صلى الله عليه وسلم له مقام التعظيم والرفعة والاكرام. وتزوج زوجاته بعده مخل بهذا هذا المقام وايضا فانهن زوجاته في الدنيا والاخرة. والزوجية باقية بعد موته. فلذلك لا يحل نكاح زوجاته بعده لاحد منهم من امته وقد امتثلت هذه الامة هذا الامر واجتنبت ما نهى الله عنه منه ولله الحمد والشكر. ثم قال تعالى ان تبدوا شيئا اي تظهروه او تخفوه فان الله كان بكل شيء عليما. يعلم ما في قلوبكم وما اظهرتموه فيجازيكم عليه ولا ابناء اخوانهن ولا ابناء واتقين الله ان الله كان على كل شيء شهيدا. لما ذكر انهن لا يسألن متاعا الا من حجاب وكان اللفظ عاما لكل احد. احتيج ان يستثنى منه هؤلاء المذكورون من المحارم. وانه لا جناح عليهن في عدم الاحتجاب عنه ولم يذكر فيها الاعمام والاخوال لانهن اذا لم يحتجبن عمن هن عماته ولا خالاته. من ابناء الاخوة والاخوات مع رفعتهن فعدم احتجابهن عن عمهن وخالهن من باب اولى. ولان منطوق الاية الاخرى المصرحة بذكر العم والخال. مقدمة على ما يفهم من هذا هذه الاية وقوله ولا نسائهن اي لا جناح عليهن الا يحتجبن عن نسائهن. اي اللاتي من جنسهن في الدين. فيكون ذلك مخرجا لنساء الكفار ويحتمل ان المراد جنس النساء. فان المرأة لا تحتجب عن المرأة. ولا ما ملكت ايمانهن ما دام العبد في ملكها جميعه ولما رفع الجناح عن هؤلاء شرط فيه وفي غيره لزوم تقوى الله. والا يكون في محظور شرعي. فقال ان الله كان على كل شيء شهيدا. واتقين الله اي استعملن تقواه في جميع ان الله كان على كل شيء شهيدا. يشهد اعمال العباد ظاهرها وباطنها. ويسمع اقوالهم ويرى حركاتهم ثم يجازيهم على ذلك اتم الجزاء واوفاه ايها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما. وهذا فيه تنبيه على كمال رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفعة وعلو منزلته عند الله وعند خلقه. ورفع ذكره. وان الله تعالى وملائكته يصلون عليه. ان يثني الله عليه بين الملائكة في الملأ الاعلى لمحبته تعالى له. وتثني عليه الملائكة المقربون ويدعون له ويتضرعون صلوا عليه وسلموا تسليما. اقتداء بالله وملائكته وجزاء له على بعض حقوقه عليكم. وتكميلا لايمانكم وزيادة في حسناتكم وتكفيرا من سيئاتكم وافضل هيئات الصلاة عليه عليه الصلاة والسلام ما علم به اصحابه. اللهم على محمد وعلى ال محمد كما صليت على ال ابراهيم انك حميد مجيد. وبارك على محمد وعلى ال محمد كما باركت على ال ابراهيم انك حميد مجيد. وهذا الامر بالصلاة والسلام عليه مشروع في جميع الاوقات. واوجبه كثير من العلماء في الصلاة ان الذين يؤدون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والاخرة واعد لهم عذاب لما امر تعالى بتعظيم رسوله صلى الله عليه وسلم والصلاة والسلام عليه نهى عن اذيته وتوعد عليها فقال ان الذي الذين يؤذون الله ورسوله وهذا يشمل كل اذية قولية او فعلية من سب وشتم او تنقص له او لدينه او ما يعود عليه بالاذى لعنهم الله في الدنيا اي ابعدهم وطردهم. ومن لعنهم في الدنيا انه يحتم قتل من شتم الرسول صلى الله عليه وسلم واذاه. والاخرة واعد لهم عذابا اليما. جزاء له على اذاه ان يؤذى بالعذاب الاليم. فاذية الرسول صلى الله عليه وسلم ليست كاذية غيره. لان صلى الله عليه وسلم لا يؤمن العبد بالله حتى يؤمن برسوله صلى الله عليه وسلم. وله من التعظيم الذي هو من لوازم الايمان. ما يقتضي ذلك كأن لا يكون مثل غيره. وان كانت اذية المؤمنين عظيمة. واثمها عظيما. ولهذا قال فيها والذين يؤذون المؤمن والمؤمنات بغير ما اكتسبوا. اي بغير جناية منهم موجبة للاذى. فقد احتملوا على ظهورهم بهتانا. حيث اذوهم بغير سبب اثما مبينا حيث تعدوا عليهم وانتهكوا حرمة امر الله باحترامها. ولهذا كان سب احاد المؤمنين موجبا للتعزير. بحسب وعلو مرتبته. فتعزير من سب الصحابة ابلغ. وتعزير من سب العلماء واهل الدين اعظم من غيرهم هذه الاية التي تسمى اية الحجاب. فامر الله نبيه ان يأمر النساء عموما. ويبدأ بزوجاته وبناته. لانهن اكدوا من غيرهن. ولان امر لغيره ينبغي ان يبدأ بأهله قبل غيرهم. كما قال تعالى يا ايها الذين امنوا قوا انفسكم واهليكم نارا. ان يدنين عليهن من من جلابيبهن وهن اللاتي يكن فوق ثياب من ملحفة وخمار ورداء ونحوه. ان يغطين بها وجوههن وصدورهن. ثم ذكر حكمة كذلك فقال ذلك ادنى ان يعرفن فلا يؤذين. دل على وجود اذية ان لم يحتجبن. وذلك لانهن اذا لم يحتجبن. ربما ظن انهن غير عفيفات. فيتعرض لهن من في قلبه مرض فيؤذيهن. وربما استهين بهن. وظن انهن اماء. فتهاون بهن من يريد الشر. فالاحتجاب حاسم لمطامع الطامع فيهن حيث غفر لكم ما سلف ورحمكم بان بين لكم الاحكام واوضح الحلال الحرام فهذا سد للباب من جهتهن. واما من جهة اهل الشر فقد توعدهم بقوله الا يجاورونك فيها الا قليلا. لان لم ينتهي المنافقون والذين في قلوبهم مرض. اي مرض شك او شهوة مرجفون في المدينة اي المخوفون المرهبون الاعداء المحدثون بكثرتهم وقوتهم وضعف المسلمين. ولم يذكر المعمول الذي ينتهون عنه ليعم ذلك كل ما توحي به انفسهم اليه وتوسوس به وتدعو اليه من الشر. من التعريض بسب الاسلام واهله والارجاف بالمسلمين توهين قواهم والتعرض للمؤمنات بالسوء والفاحشة. وغير ذلك من المعاصي الصادرة من امثال هؤلاء. لنغرينك بهم اي نأمرك بعقوبة اخوتهم وقتالهم ونسلطك عليهم. ثم اذا فعلنا ذلك لا طاقة لهم بك وليس لهم قوة ولا امتناع. ولهذا قال فلا يجاورونك فيها الا قليلا. اي لا يجاورونك في المدينة الا قليلا. بان تقتلهم او تنفيهم. وهذا فيه دليل لنفي اهل الشر. الذين يتضرر باقامتهم بين اظهر المسلمين. فان ذلك احسن للشر وابعد منه. ويكونون ملعونين اي مبعدين اين وجدوا؟ لا يحصل لهم امن ولا يقر لهم قرار يخشون ان يقتلوا او يحبسوا او يعاقبوا. ان من تمادى في العصيان وتجرأ على الاذى ولم ينتهي منه فانه يعاقب عقوبة بليغة اي تغيير بل سنة الله تعالى وعادته جارية مع الاسباب المقتضية لاسبابها