لا يعزب عنه مثقال ذرة ولا اصغر من ذلك ولا اكبر الا في كتاب لما بين تعالى عظمته بما وصف به نفسه. وكان هذا موجبا لتعظيمه وتقديسه والايمان به. ذكر المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الارض وله الحمد في الاخرة وهو الحكيم الخبير. الحمد الثناء بالصفات الحميدة والافعال الحسنة. فلله ان الحمد لان جميع صفاته يحمد عليها لكونها صفات كمال وافعاله يحمد عليها لانها دائرة بين الفضل الذي يحمد عليه ويشكر. والعدل الذي يحمد عليه ويعترف بحكمته فيه. وحمد نفسه هنا على ان له ما في السماوات وما في الارض ملكا وعبيدا يتصرف فيهم بحمده. وله الحمد في الاخرة. لان في الاخرة يظهر من حمده والثناء عليه. ما لا يكون في الدنيا فاذا قضى الله تعالى بين الخلائق كلهم ورأى الناس والخلق كلهم ما حكم به وكمال عدله وقسطه وحكمته فيه كلهم على ذلك حتى اهل العقاب ما دخلوا النار الا وقلوبهم ممتلئة من حمده. وان هذا من جراء اعمالهم وانه دين في حكمه بعقابهم. واما ظهور حمده في دار النعيم والثواب. فذلك شيء قد تواردت به الاخبار. وتوافق عليه الدليل السمعي عقلي فانهم في الجنة يرون من توالي نعم الله. وادرار خيره وكثرة بركاته وسعة عطاياه. التي لم يبقى في قلوب اهل الجنة امنية ولا ارادة. الا وقد اعطي فوق ما تمنى واراد. بل يعطون من الخير ما لم تتعلق به امانيهم. ولم يخطر بقلوب فما ظنك بحمدهم لربهم في هذه الحال؟ مع ان في الجنة تضمحل العوارض والقواطع. التي تقطع عن معرفة الله ومحبته الثناء عليه ويكون ذلك احب الى اهلها من كل نعيم. والذ عليهم من كل لذة. ولهذا اذا رأوا الله تعالى وسمعوا كلام عند خطابه لهم اذهلهم ذلك عن كل نعيم. ويكون الذكر لهم في الجنة كالنفس. متواصلا في جميع الاوقات. هذا اذا ذلك الى انه يظهر لاهل الجنة في الجنة كل وقت من عظمة ربهم وجلاله وجماله وسعة كماله ما يوجب لهم كمال الحمد والثناء عليه وهو الحكيم في ملكه وتدبيره الحكيم في امره ونهيه الخبير اطلعوا على سرائر الامور وخفاياها. ولهذا فصل علمه بقوله يعلم ما يلج في الارض اي من مطر وبذر وحيوان. وما يخرج منها من انواع النباتات واصناف الحيوانات. وما ينزل من السماء من الاملاك والارزاق والاقدار وما يعرج فيها من الملائكة والارواح وغير ذلك. ولما ذكر مخلوقاته وحكمته فيها وعلمه باحوالها ذكر مغفرته ورحمته لها فقال اي الذي الرحمة والمغفرة وصفه ولم تزل تنزل على عباده كل وقت بحسب ما قاموا به من مقتضياتهما ان من اصناف الناس طائفة لم ربها حق قدره. ولم تعظمه حق عظمته. بل كفروا به وانكروا قدرته على اعادة الاموات الساعة وعارضوا بذلك رسلا فقال وقال الذين كفروا اي بالله وبرسله وبما جاءوا به قالوا بسبب كفرهم لا تأتينا الساعة اي ما هي الا هذه الحياة الدنيا نموت ونحيا. فامر الله رسوله ان يرد قولهم ويبطل ويقسم على البعث وانه سيأتيهم. واستدل على ذلك بدليل من اقر به لزمه ان يصدق بالبعث ضرورة. وهو علمه حالا واسع العام فقال عالم الغيب اي الامور الغائبة عن ابصارنا وعن علمنا فكيف بالشهادة ثم اكد علمه فقال لا يعزب اي لا يغيب عن علمه مثقال ذرة في السماوات ولا في الارض. اي جميع الاشياء بذواتها واجزائها حتى اصغر ما يكون من الاجزاء وهو المثاقيل منها اي قد احاط به علمه وجرى به قلمه وتضمنه الكتاب المبين الذي هو اللوح المحفوظ. فالذي لا يخفى عن علمه مثقال الذرة فما دونه في جميع الاوقات. ويعلم ما تنقص الارض من الاموات. وما يبقى من اجسادهم قادر على بعثهم من باب اولى بعثهم باعجب من هذا العلم المحيط. ثم ذكر المقصود من البعث فقال ليجزي الذين امنوا بقلوبهم صدقوا الله وصدقوا رسله تصديقا جازما. واعملوا الصالحات تصديقا لايمانهم اولئك لهم مغفرة لذنوبهم بسبب ايمانهم عملهم يندفع بها كل شر وعقاب. ورزق كريم باحسانهم يحصل لهم به كل مطلوب ومرغوب وامنية الذين سعوا في آياتنا معاجزين اولئك لهم عذاب من رجز اليم والذين سعوا في اياتنا معاجزين اي سعوا فيها كفرا بها وتعجيزا لمن جاء بها وتعجيزا لمن انزلها كما عجزوه في اعادة بعد الموت. اي مؤلم لابدانهم وقلوبهم لما ذكر تعالى انكار من انكر البعث وانهم يرون ما انزل على رسوله ليس بحق ذكر حالة فقين من العباد وهم اهل العلم وانهم يرون ما انزل الله على رسوله من الكتاب وما اشتمل عليه من الاخبار هو الحق اي الحق منحصر فيه وما خالفه ونقضه فانه باطل. لانهم وصلوا من العلم الى درجة اليقين. ويرون ايضا انه في اوامره ونواهيه وذلك انهم جزموا بصدق ما اخبر به من وجوه كثيرة. من جهة علمهم بصدق من اخبر به ومن جهة موافقته للامور الواقعة والكتب السابقة. ومن جهة ما يشاهدون من اخبارها التي تقع عيانا. ومن جهة فيما يشاهدون من الايات العظيمة الدالة عليها في الافاق. وفي انفسهم ومن جهة موافقتها لما دلت عليه اسماؤه تعالى واوصافه ويرون في الاوامر والنواهي انها تهدي الى الصراط المستقيم. المتضمن للامر بكل صفة تزكي النفس. وتنمي الاجر. وتفيد العامل وغيره كالصدق والاخلاص وبر الوالدين. وصلة الارحام والاحسان الى عموم الخلق. ونحو ذلك وتنهى عن كل صفة قبيحة دنسوا النفس وتحبط الاجر وتوجب الاثم والوزر. من الشرك والزنا والربا والظلم في الدماء والاموال والاعراض. وهذه منقبة لاهل علم وفضيلة وعلامة لهم وانه كلما كان العبد اعظم علما وتصديقا باخبار ما جاء به الرسول واعظم معرفة بحكم اوامره ونواهيه. كان من اهل العلم الذين جعلهم الله على ما جاء به الرسول. احتج الله بهم على المكذبين المعاندين. كما في هذه الاية وغيرها اي وقال الذين كفروا على وجه التكذيب والاستهزاء والاستبعاد وذكر وجه الاستبعاد اي قال بعضهم لبعض مزقن انكم لفي خلق جديد. يعنون بذلك الرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم. وانه رجل فبما يستغرب منه حتى صار بزعمهم فرجة يتفرجون عليه واعجوبة يسخرون منه وانه كيف يقول انكم مبعوثون بعد ما مزقكم البلاء وتفرقت اوصالكم واضمحلت اعضاؤكم بل الذين لا يؤمنون بالاخرة في العذاب والضلال البعيد. فهذا الرجل الذي ياتي بذلك هل افترى على الله كذبا؟ فتجرأ عليه وقال ما قال. ام به جنة فلا يستغرب منه. فان الجنون فنون وكل هذا منهم على وجه العناد والظلم. ولقد علموا انه اصدق خلق الله واعقلهم. ومن علمهم انهم ابدوا واعادوا في عاداتهم وبذلوا انفسهم واموالهم في صد الناس عنه. فلو كان كاذبا مجنونا لم ينبغي لكم يا اهل العقول غير الزاكية لما قال ولا ان تحتفلوا بدعوته. فان المجنون لا ينبغي للعاقل ان يلفت اليه نظره. او يبلغ قوله منه كل مبلغ ولولا عنادكم وظلمكم لبادرتم لاجابته ولبيتم دعوته. ولكن ما تغني الايات والنذر عن قوم لا يؤمنون. ولهذا قال تعالى الذين لا يؤمنون بالاخرة. ومنهم الذين قالوا تلك المقالة. اي في العظيم والضلال البعيد. الذي ليس بقريب من الصواب. واي شقاء وضلال ابلغ من انكارهم لقدرة الله على البعث تكذيبهم لرسوله الذي جاء به واستهزائهم به. وجزمهم بان ما جاءوا به هو الحق. فرأوا الحق باطلا والباطل والضلال حقا هدى آآ ان في ذلك لاية لكل عبد منيب. ثم نبههم على الدليل العقلي الدال على عدم استبعاد البعث الذي استبعدوه وانهم لو نظروا الى ما بين ايديهم وما خلفهم من السماء الارض فرأوا من قدرة الله فيهما ما يبهر العقول. ومن عظمته ما يذهل العلماء الفحول. وان خلقهما وعظمتهما وما فيهما من المخلوقات اعظم من اعادة الناس بعد موتهم من قبورهم. فما الحامل لهم على ذلك التكذيب؟ مع التصديق بما هو اكبر ومن ذاك خبر غيبي الى الان ما شاهدوه. فلذلك كذبوا به. قال الله اي من العذاب ان الارض والسماء تحت تدبيرنا فان امرناهما لم يستعصيا فاحذروا اصراركم على تكذيبكم فنعاقبكم اشد العقوبة ان في ذلك اي خلق السماوات والارض وما فيهما من المخلوقات. فكلما كان العبد اعظم انابة الى الله كان انتفاعه بالايات اعظم. لان المنيب مقبل الى ربه قد توجهت ايراداته وهماته لربه. ورجع اليه في كل امر من اموره فصار قريبا من ربه ليس له هم الا الاشتغال بمرضاته. فيكون نظره للمخلوقات نظر فكرة وعبرة لا نظر غفلة غير نافعة اي ولقد مننا على عبدنا رسولنا داوود عليه الصلاة والسلام واتيناه فضلا من العلم النافع والعمل الصالح والنعم الدينية والدنيوية ومن نعمه عليك ما خصه به من امره تعالى الجمادات كالجبال والحيوانات من الطيور. ان تؤوب معه وترجع التسبيح بحمد ربها مجاوبة له. وفي هذا من النعمة عليه ان كان ذلك من خصائصه التي لم تكن لاحد قبله ولا بعده. وان ذلك يكون منهضا له ولغيره على التسبيح اذا رأوا هذه الجمادات والحيوانات تتجاوب بتسبيح ربها وتمجيده وتكبيره وتحميده كان ذلك مما يهيأ على ذكر الله تعالى ومنها ان ذلك كما قال كثير من العلماء انه طرب لصوت داوود فان الله تعالى قد اعطاه من حسن ما فاق به غيره. وكان اذا رجع التسبيح والتهليل والتحميد بذلك الصوت الرخيم الشجي المطرب. طرب كل من سمعه من الانس والجن حتى الطيور والجبال وسبحت بحمد ربها. ومنها انه لعله ليحصل له اجر تسبيحها. لانه سبب ذلك وتسبح تبعا له. ومن فضله عليه ان الان له الحديد ليعمل الدروع السابغات وعلمه تعالى كيفية صنعته بان يقدره في السرد ان يقدره حلقا ويصنعه كذلك. ثم يدخل بعضها ببعض. قال تعالى وعلمناه صنع تلبس لكم لتحصنكم من بأسكم. فهل انتم شاكرون؟ ولما ذكر ما امتن به عليه وعلى اله امره بشكره وان صالحا ويراقب الله تعالى فيه باصلاحه وحفظه من المفسدات. فانه بصير باعمالهم مطلع عليهم. لا عليه منها شيء