يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم لكم قراءة كتاب. البراهين العقلية على وحدانية الرب ووجوه كماله الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. اما بعد. يقول العلامة عبدالرحمن ابن ناصر السعدي رحمه الله تعالى في مصنفه البراهين العقلية على وحدانية الرب ووجوه كماله. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وصلى الله على محمد وسلم. هذه محاضرة عظيمة محتوية على التنبيه الواضح الى البراهين العقلية على وحدانية الرب ووجوه كماله. اعلم ان هذه المسألة اعظم المسائل على الاطلاق. واكبرها واوجبها وانفعها واوضحها. وعليها اتفقت جميع الكتب المنزلة من الله على رسله وجميع الرسل عليهم الصلاة والسلام. وهي اهم ما دعا اليه الرسل اممهم. فكل رسول يقول لقومه اعبدوا الله ما لكم من اله غيره. ويذكرون لاممهم من اسماء الرب واوصافه ونعمه والائه الطف ما به يعرفون ربهم ويخضعون له ويعبدونه. والقرآن العظيم من اوله الى اخره يبين هذه المسألة ويذكر لها المتنوعة ويصرف لها الايات. والسنة كذلك. وليس القصد في هذه المحاضرة ذكر الادلة النقلية عليها. فان الكتاب فوالسنة فيهما من البراهين والادلة على ذلك ما لا يعد ولا يحصى. ولا يمكن استيفاء بعضه. وهي واضحة جلية يعرفها الخواص خلق وما لاعدائه من البغض والذم واللعن المتتابع. كل ذلك ايات بينات على وحدانية الله وصدق رسله. قال تعالى سلام على نوح في العالمين. وقال سبحانه سلام على ابراهيم. وقال سلام على موسى وهارون العوام وبعض ذلك كاف واف بالمقصود. ولكننا نريد في هذه المحاضرة ان نشير اشارة يسيرة الى براهينها العقلية. التي يشترك في معرفتها والخضوع لها جميع العقلاء من البشر. ولا ينكرها الا كل مكابر مستكبر منابذ للعقل والدين. وهذه المسألة اوضح واظهر من ان يحتج لها وتذكر براهينها. ولكن كلما عرف المؤمن براهينها قوي ايمانه. وازداد يقينه وحمد الله على هذه النعمة التي هي اكبر النعم واجلها. ولهذا قالت الرسل لاممهم افي الله شك؟ فاستفهموهم استفهام تقرير فانه مقرر في قلوب جميع العقلاء الاعتراف بربوبيته وحدانيته. فنقول وبالله التوفيق حدوث الاشياء له ثلاثة اقسام عقلية اعلم رحمك الله انك اذا نظرت الى العالم العلوي والسفلي وما اودع فيه من المخلوقات المتنوعة الكثيرة جدا. والحوادث المتجددة في في كل وقت وتأملته تأملا صحيحا عرفت ان الامور الممكنة تقسيمها في العقل ثلاثة. احدها ان توجد هذه المخلوقات والحوادث بنفسها من غير محدث ولا خالق. فهذا محال ممتنع يجزم العقل ضرورة ببطلانه. ويعلم يقينا ان من ظن ذلك فهو هو الى الجنون اقرب منه الى العقل. لان كل من له عقل يعرف انه لا يمكن ان يوجد شيء من غير موجد ولا محدث. الثاني ان تكون هذه المخلوقات محدثة وخالقة نفسها. فهذا ايضا محال ممتنع. يجزم العقل ضرورة ببطلانه وامتناعه كل من له ادنى عقل يجزم ان الشيء لا يحدث نفسه. كما انه لا يحدث بلا محدث. واذا بطل هذان القسمان عقلا وفطرة تعين القسم الثالث وهو ان هذه المخلوقات والحوادث لها خالق خلقها ومحدث احدثها. وهو الله الرب العظيم الخالق لكل شيء المتصرف في كل شيء المدبر للامور كلها. ولهذا نبه الله عز وجل على هذا التقسيم العقلي الواضح لكل عاقل فقال ام خلقوا من غير شيء ام هم الخالقون؟ ام خلقوا السماوات والارض؟ بل لا يوقنون. فالمخلوق لا بد له من خالق. والاثر لابد له من مؤثر. والمحدث لابد له من محدث. والموجد لابد له من موجد. والمصنوع لا بد له من صانع. والمفعول لا بد له من فاعل هذه قضايا بديهية عقلية يشترك في العلم بها جميع العقلاء. وهي من اعظم القضايا العقلية. فمن ارتاب فيها او شك في دينه دلالتها فقد برهن على اختلال عقله وضلاله. من الادلة التفكر في خلق الانسان والاكوان. تفكر رحمك الله في نفسك انظر في مبدأ خلقك من نطفة الى علقة الى مضغة. حتى صرت بشرا كامل الخلق مكتمل الاعضاء الظاهرة والباطنة. اما يضطر هذا النظر ويلجؤك الى الاعتراف بالرب القادر على كل شيء. الذي احاط علمه بكل شيء. الحكيم في كل ما خلقه وصنعه. فلو اجتمع الخلق كلهم على هذه النطفة التي جعلها الله مبدأ خلقك. على ان ينقلوها في تلك الاطوار المتنوعة. ويحفظوها في ذلك القرار ويجعل لها اعضاء ظاهرة وقوى باطنة وسمعا وبصرا وعقلا. وينموها هذه التنمية العجيبة. ويركبوها هذا تركيب المنظم ويرتب الاعضاء على هذا الترتيب المحكم. بحيث يكون كل عضو في محله اللائق به لو اجتمعوا على ذلك. فهل في علومهم وهل في اقتدارهم واستطاعتهم الوصول الى ذلك؟ فهذا النظر السديد يوصلك الى الاعتراف بقدرة الله وعظمته ووحدانيته والخضوع له تصديقي بكتبه ورسله ومعرفته والايمان باليوم الاخر. تأمل في حفظ الله للسماوات والارض وما فيهما من العوالم التي لا يعلمها الا هو وفي ابقائها وامدادها بكل ما تحتاج اليه في بقائها. من الاسباب المتنوعة والنظامات العجيبة. اما يدل كذلك على كما للرب وربوبيته ووحدانيته وسعة علمه وشمول حكمته. وقد نبه الله عز وجل على هذا الدليل الواضح العقلي بقوله ومن اياته في ان تقوم السماء والارض بامره. وقوله ان الله يمسك السماوات والارض ان تزولا. ولئن زالتا ان امسكهما من احد منهم فيما بعده انه كان حليما غفورا. تدبر يا اخي في هذا الفلك الدوار. وما ترتب عليه من تعاقب الليل والنهار. وفي تصريف الاوقات بفصولها وكمال انتظامها لمصالح العباد ومنافعهم التي لا يمكن احصاؤها. هل حصل ذلك صدفة واتفاقا من غير محدث وفاعل؟ ام الذي خلق ذلك ودبره هذا التدبير المتقن؟ هو الذي احسن كل شيء خلقه. كما نبه على ذلك البرهان العقلي بقوله صنع الله الذي اتقن كل شيء. وانظر هداك الله الى انه اعطى كل شيء خلقه اللائق به. ثم هدى كل مخلوق الى مصالحه ومن نافعه وضروراته التي لابد فيها من بقائه. حتى البهائم العجمى صغيرها وكبيرها. قد الهمها وهداها لكل امر فيه نفعها بقاؤها ويسر لها ارزاقها واقواتها وهداها لتناولها. فمن نظر في هذه الهداية العامة وبثها في جميع المخلوقات والهامها هذا الالهام العجيب. الذي تهتدي به الى مصالحها. علم بذلك عناية المولى العظيمة. وعلم انه الرب لكل مربوب الخالق لكل مخلوق. الرازق لكل مرزوق. الذي علم المخلوقات واعطاها من الاذهان ما يصلحها ويدفع عنها المضار. وذلك برهان عقلي واضح عظيم على وحدانية الله وكماله. وقد نبه الله على ذلك بقوله قال ربنا الذي اعطى كل شيء خلقه ثم هدأ فهل في طبيعة الحيوانات المتنوعة هذه الهداية وهذا الالهام الى تحصيل منافعها ودفع مضارها والحنو على اولادها قيامها بهم حتى يدرجوا ويستقلوا بانفسهم. وهل هذا الحنان والرحمة الموضوعة في الحيوانات على اولادها؟ الا من اكبر الادلة على على سعة رحمة الله وشمول علمه وحكمته. من الادلة رحمة الله عز وجل العامة. ثم انظر رحمك الله يا سعة رحمة الله التي ملأت اقطار العالم وشملت كل مخلوق في كل احواله واوقاته. فبرحمته اوجد المخلوقات وبرحمته ابقاها وحفظها وبرحمته امدها بكل ما تحتاج اليه. واسبغ عليها النعم الظاهرة والباطنة. التي لا يمكن ان يخلو مخلوق منها طرفة عين. وهي متنوعة عليهم من كل وجه. نعم التعليم لامور الدين والدنيا ونعم العافية للابدان عموما ولكل عضو وقوة على وجه الخصوص ونعم الاولاد والاهل والاتباع ونعم الارزاق الواسعة ونعم الحروف والزروع والثمار ونعم المواشي واصناف الامتعة ونعم والقصور ونعم اللذات والحبور. النعم التي فيها جلب المنافع كلها والنعم التي فيها دفع المضار. كل ذلك يدل اكبر دلالة على وحدانية موريها ومسديها والمتفضل بها. وعلى سعة كرمه ووجوب شكره والخضوع له واخلاص العمل له لا يخلق وما بكم من نعمة فمن الله. ثم اذا مسكم الضر فاليه تجأرون. من الادلة النظر في احوال المضطرين ثم انظر احوال المضطرين الواقعين في المهالك والمشرفين على الاخطار. والبائسين من فقرهم المدقع او مرضهم الموجع. وكيف تضطرون الضرورات وتلجأهم الحاجات الى ربهم والههم. داعين مفتقرين وسائلين له مستعطين. فيجيب دعواتهم ويكشف كرباتهم ويرفع ضروراتهم. اليس في هذا اكبر برهان على وحدانيته وسعة علمه ورحمته ودقيق لطفه. وانه ملجأ الخليقة كلها وقد نبه الله عز وجل على هذا البرهان العقلي بقوله امن يجيب المضطر اذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الارض االه مع الله؟ تعالى الله عما يشركون. وقوله لان انجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين. فلما انجاهم اذا هم يبغون في الارض بغير الحق الاية. وهذا النوع وهو تخليص المضطرين قد شاهدته الخليقة باعينهم. ورأوا من الوقائع ما لا يعد ولا احصاء وهذا يضطرهم الى الاعتراف بالله وبوحدانيته. فانظر الى حالة المضطرين اذا كربتهم الشدائد وازعجتهم النوائب. كيف قلوبهم متعلقة بالله والسنتهم ملحة في سؤاله وافئدتهم متشرفة لنواله. لا تلتفتوا عن الله يمنة ولا يسرة لعلمها ضروري انه وحده كاشف الشدائد فارج الكروب. لا ملجأ للخليقة الا اليه ولا معول لهم الا عليه. فهل هذه الامور الا لان طريقة مفطورة على الاعتراف بوحدانية ربها. وانه النافع الضار وان ملكوت كل شيء بيديه. وهل ينكر ذلك الا من فسدت فطرته عقائد الفاسدة والايرادات السيئة. وانظر الى فقر الخلائق الى ربهم في كل شيء. فهم فقراء اليه في الخلق والايجاد. وفقراء اليه في البقاء سوى الرزق والامداد وفقراء اليه في جلب جميع المنافع وفقراء اليه في دفع المضار. فهم يسألونه بلسان المقال ولسان الحال. فيعطيهم طالبهم ويسعفهم في كل مآربهم. ان رغبوا لم يرغبوا الا اليه. وان مستهم الضراء لم يلجأوا الا اليه. فكم كشف الضر والكروب وكم جبر الكسير ويسر المطلوب؟ وكم اغاث ملهوفا وكم انقذ هالكا ففقرهم اليه في جميع الاحوال ظاهر مشاهد. وغناه او عنهم لا ينكره الا كل مكابر وجاحد. من الادلة اجابة الله عز وجل للدعوات. ومن براهين ربوبيته ووحدانيته للدعوات في كل الاوقات فلا يحصي الخلق ما يعطيه السائلين وما يجيب به ادعية الداعين من بر وفاجر ومسلم تحصل للعباد المطالب الكثيرة ولا يعرفون لها شيئا من الاسباب سوى الدعاء والطمع في فضل الله والرجاء لرحمته. هذا برهان مشاهد في كل الاوقات لا ينكره الا مباهت جاحد. يدعونه في مطالب دينهم فيجيبهم. وفي مطالب دنياهم فيجيبهم. فمن ناسي من يقول ربنا اتنا في الدنيا وما له في الاخرة من خلاق. ومنهم من يقول ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وق عذاب النار اولئك لهم نصيب مما كسبوا. من الادلة ايات الانبياء ومن براهين وجود الله ووحدانيته. ما يجريه الله عز وجل على ايدي انبيائه من خوارق الايات والمعجزات والبراهين القاطعات. وما يكرمهم به في الدنيا وينصرهم ويجعل لهم العواقب الحميدة ويخذل اعداءهم ويعذبهم باصناف العذاب. وهذا متواتر معروف بين الخواص والعوام. وقد نقلتها الامم والقرون والاجيال وصارت اعظم من برهان الشمس والقمر. وهي كلها براهين على ربوبية من ارسلهم ووحدانيته وعظمة سلطانه. وكمال قدرته علمه وحكمته وما ينكرها الا كل متكبر جبار. من الادلة الكتب السماوية والسنة النبوية وما فيها من الشرائع ومن اعظم براهين وحدانيته ما انزله الله على انبيائه عموما من الكتب والشرائع. وما انزله على محمد صلى الله عليه وسلم خصوصا من الكتاب العظيم والسنة والشريعة الكاملة التي بها صلاح الخلق. وبها قوام دينهم ودنياهم. وفيها من الايات والبراهين ما لا يعبر وعنه المعبرون ولا يقدر ان يصفه الواصفون. واياته قائمة في جميع الاوقات. متحدية للخلق كلهم على اختلاف مللهم ونحلهم وقد تبين عجزهم ووضح عليهم سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق. ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين. فمن نظر فيما احتوى عليه القرآن العظيم من الاخبار الصادقة والاحكام العادلة والشرائع كما والصلاح العام وجلب المنافع الدينية والدنيوية ودفع مضارهما والخير العظيم والهداية والصلاح المطلق الكامل اضطر الى الاعتراف بانه تنزيل من حكيم حميد ورب كريم. وكذلك من نظر الى ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من السنة والشرع الكامل والدين القويم والصراط المستقيم في كل شؤونه اضطره بعض ذلك فكيف بكله الى الاعتراف بوحدانية الله وان الذي شرعه هو رب العظيم الحكيم في شرعه ودينه. كما هو حكيم في خلقه وتقديره. من الادلة الفطرة السوية مضطرة الى الاعتراف بالله عز وجل عن براهين وحدانية الله ان العقول والفطر مضطرة الى الاعتراف بباريها وكمال قدرته ونفوذ مشيئته. وذلك ان الخلق محتاجون الى جلب المنافع ودفع المضار. ومن المعلوم لكل عاقل ان حاجة النفوس الى خالقها والهها اعظم من جميع الحاجات والضرورات فهي مضطرة الى علمها بانه خالقها وحده. ومالكها وحده ومبقيها وحده. وممدها بمنافعها وحده. فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم. ولم يخرج عن هذه الفطرة الا من اجتالتهم الشياطين وحولت فطرهم وغيرت بالعقائد الفاسدة والخيالات الضالة والاراء الخبيثة والنظريات الخاطئة. فلو خلوا وفطرهم لم يميلوا لغير ربهم. منيبين اليه في جلب المنافع ودفع المضار ومنيبين اليه في التأله والتعبد والخضوع والانكسار من الادلة الثواب المعجل للمحسنين عقاب معجل للظالمين. ومن براهين وحدانية الله تعالى وكرمه. ما يكرم الله عز وجل به الواصلين لارحامهم. المحسنين الى المضطرين والمحتاجين وخلفه العاجل لهم في نفقاتهم وتعويضه لهم من جوده وكرمه وفتحه لهم اسبابا وابوابا من الرزق بسبب ذلك الاحسان الذي له الموقع الطيب. وقد علم الخلق المتأملون ان سبب ذلك تلك الاعمال الصالحة. والصلة والاحسان والمقدمة الحسنة الا يدلنا ذلك ان الله عز وجل قائم على كل نفس بما كسبت. وان هذا جزاء معجل وثواب حاضر نموذج لثواب الاخرة. وانواع ذلك وافراده لا تدخل تحت حصر. وقد رأى الناس من ذلك عجائب. مصداقا لقوله تعالى وما انفقتم من شيء فهو يخلفه. وقوله لئن شكرتم لازيدنكم. ولقوله صلى الله عليه وسلم من احب ان ابسط له في رزقه وينسأ له في اجله فليصل رحمه. متفق عليه. فكم احسن الله على المحسنين؟ وكم اخلف نفقات المنفق قيل وكم جبر قلوب الواصلين لارحامهم المشفقين ونظير هذا البرهان العقوبات التي يعجلها الله عز وجل للباغين والقاطعين والظالمين والمجرمين بحسب جرائمهم. عقوبات يشاهدها الناس رأي العين ويتيقنون ان ذلك جزاء وعقوبة لتلك الجرائم فمن تأمل وسمع الوقائع وايام الله في الخلق. وعلم ارتباطها باسبابها الحسنة والسيئة. علم بذلك وحدانية الله عز وجل ربوبيته وكمال عدله وسعة فضله. فضلا عن الاستدلال بها على وجودة ووجوب وجوده. فان كل ما دل على شيء من اوصافه فانه يتضمن اثبات ذاته ووجوب وجوده. وعلم استناد العوالم العلوية والسفلية اليه في ايجادها وبقائها حفظها وامدادها بكل ما تحتاج اليه. فصل تابع لما قبله. طرق معرفة الله عز وجل واسعة غير منحصرة واعلم ان طرق معرفة الله عز وجل واسعة جدا. وذلك بحسب حاجة الخلق وضروراتهم اليها. وكل يعبر عنها بعبارات اما كلية واما جزئية بحسب الحال التي تحضره وبحسب الامور التي تغلب عليه. والا فكلما خطر في القلوب وشاهدته الابصار وادركته الحواس والمشاعر. وكل متحرك وساكن وكل حيوان وجماد. ادلة وبراهين على وحدانية الله وايات عليه وفي كل شيء له اية تدل على انه واحد. ولكن الجزئيات تسبق الى الاذهان وتفهمها القلوب تفصيليا ويحصل بها النفع والفائدة العاجلة لسهولتها وبساطتها وكونها تدرك بالبديهة. فلنذكر لها امثلة وحكايات عن المتقدمين والعصريين وكل يفهم منها ما يناسبه ويليق بفهمه. امثلة وحكايات في الاستدلال على الله عز وجل. سئل بعضهم بما عرفت ربك فقال ان البعرة تدل على البعير واثار السير تدل على المسير. فسماء ذات ابراج وارض ذات فجاج وبحار ذات امواج. الا تدل على اللطيف الخبير؟ واجتمع طائفة من الملاحدة ببعض اهل العلم. اظنه حنيفة رحمه الله فقالوا ما الدلالة على وجود الصانع؟ فقال لهم دعوني فخاطري مشغول بامر غريب. قالوا ما هو قال بلغني ان في دجلة سفينة عظيمة مملوءة من اصناف الامتعة العجيبة. وهي ذاهبة وراجعة من غير احد يحركها ولا ربان يقوم عليها فقالوا له مجنون انت؟ قال وما ذاك؟ قالوا هذا يصدقه عاقل؟ فقال لهم فكيف صدقت عقولكم ان هذا عالم بما فيه من الاصناف والانواع والحوادث العجيبة. وهذا الفلك الدوار السيار يجري وتجري هذه الحوادث بغير محدث تتحرك هذه المتحركات بغير محرك. فرجعوا على انفسهم بالملام. وقيل لبعضهم بم عرفت ربك؟ فقال هذه النطفة التي يلقيها الفحل في رحم الانثى. فيطورها الله عز وجل من نطفة الى علقة الى مضغة الى اخر اطوارها. فيكون بشرا سويا كاملا للاعضاء الظاهرة والباطنة له سمع يسمع به الاصوات وبصر يبصر به المشاهدات وعقل يهتدي به الى مصالحه. ويدان بهما ويعمل بهما الاعمال الدقيقة. ورجلان يمشي بهما واعضاء كثيرة خلقت لمنافع اخرى معروفة. وله منافذ يدخل منها ما يغذي البدن ومنافذ اخر يخرج منها ما يضره. وقد ركب هذا التركيب العجيب الذي لو اجتمعت الخلق على ايجاد شخص واحد على هذا الخلق المحكم العجيب لعجزت معارفهم وقدرهم عن ذلك. اليس ذلك دليلا وبرهانا على وجود الخالق وعظمته ووحدانيته؟ قلت وقد ذكر الله عز وجل هذا البرهان في كتابه في اساليب متنوعة. وقيل لبعضهم بما عرفت ربك؟ قال بنقض العزائم والهمم معنى ذلك ان العبد يعزم في كثير من اموره عزما جازما مصمما لا تردد فيه. ثم بعد ذلك تنتقض همته وينحل عزمه الى تركه والى امر اخر يرى فيه مصلحته. وما ذلك الا لان الله عز وجل على كل شيء قدير. يصرف القلوب كما يدبر الابدان وقد يصرفه عن بعض ما يعزم عليه لطفا به وابقاء على ايمانه ودينه. فيتلطف به من حيث لا يشعر. فنسأله اللطف في كلها والتيسير لليسرى. وسئل بعضهم بما عرفت ربك؟ فقال كم كنت مكروبا ففرج كربتي وكنت مريضا فدعوته فشفاني وكنت فقيرا فاغناني وكنت ضالا عن الهدى فتلطف بي وهداني. وليس هذا الامر لي وحدي. فكم له على عباده من هذه النعم وغيرها مما لا حصر لهم ولا عد. وهذا يضطرني الى الاعتراف بوحدانيته وقدرته ورحمته. وقيل لبعضهم بما عرفت فقال قد رأينا وراء الناس في الدنيا مصارع البغاة المجرمين وعواقبهم الوخيمة. كما رأينا ورأوا في المحسنين عواقبهم الحميدة فعجل للعباد نموذجا من الثواب والعقاب ليعرفوه ويخضعوا له وحده ويعبدوه وحده. وقيل لاخر بما عرفت الله؟ فقال بايصاله النعم الى خلقه وقت الحاجة والضرورة اليها. هذا الغيث ينزله وقت الحاجة ويرفعه اذا خيف منه الضرر. وهذا الفرج اذا اشتدت الازمات وهذه المطالب تأتي منه وقت الحاجة اليها. وهذه اعضاء الادمي وقواه يعطيها الله عز وجل اياها شيئا فشيئا بحسب حاجته اليها. فهل يمكن ان تكون هذه الامور صدفة؟ ام يعلم بذلك علم اليقين ان الذي اعطاهم اياها وقت الحاجة هو الرب المعبود الملك المحمود. قلت ومن هذا الباب ما نتكلم فيه من معرفة الله عز وجل. فانه لما كانت حاجة العباد الى معرفة الله فوق جميع الحاجات. والضرورة اليها تفوق جميع الضرورات. يسرها الله عز وجل لعباده. ونهج لهم طرقها وفتح لهم ابواب ومسالكها واوضح ادلتها. وذلك لشدة الحاجة اليها. وسعة رحمة الله عز وجل واحسانه. وقيل لبعضهم بما يعرف الله فقال يعرف بانه علم الانسان ما لم يعلم. خرج من بطن امه لا يعلم شيئا فاعطاه الات العلم. ويسر له اسبابه. فلم يزل يتعلم امور دينه حتى صار عالما ربانيا. ولم يزل يتعلم امور دنياه حتى صار ماهرا مخترعا للعجائب. ويسر له كل سبب ينال به ذلك. ومن عجيب الامر ان اللوح اذا كتب فيه وشغل بشيء من الاشياء لم يسع غيرها. ولم يمكن ان يكتب فيه شيء اخر اخر قبل محي ما كتب فيه. وقلب الانسان لا يزال يحفظ ويعقل الامور والمعارف المتنوعة. وكلما توسعت معارفه وغزر علمه قويت حافظته واشتدت ذاكرته وتوسعت افكاره فهل هذه الامور في طوق البشر وقدرتهم؟ ام هذا من اكبر البراهين على عظمة الله ووحدانيته وكماله وسعة رحمته سبحانه. وقيل لبعضهم بما يعرف الله؟ فقال هذه النواة يغرسها الناس فيأتي منها النخيل والاشجار المتنوعة وتخرج الثمار اللذيذة النافعة. وهذه الحبوب تلقى في الارض فتخرج اصناف الزروع التي هي مادة اقوات الاذان ادميين وبهائمهم ثم لا تزال تعاد وتغل كل عام ما يكفي العباد ويزيد عن حاجتهم. اليس هذا برهانا ودليلا على الله عز وجل وقدرته وعنايته بعباده ورحمته. وقد نبه الله عز وجل على هذا الدليل والبرهان العقلي المشاهد في قوله تعالى فالق الحب والنوى وقوله افرأيتم ما تحرثون؟ اانتم تزرعونه ام نحن الزارعون؟ وقيل لمن بادر الى الايمان بالرسول صلى الله عليه وسلم ما الذي دعاك الى ذلك؟ فقال رأيته ما امر بشيء فقال العقل ليته لم يأمر به ولا نهى عن شيء فقال العقل ليته امر به فاستدل بنور عقله وقوة بصيرته على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم. اشتمال ما جاء به على الصلاح ودفع الفساد ان ذلك موافق للعقول السليمة. وقيل لبعض العارفين باي شيء يعرف الله؟ فقال بذوق حلاوة الطاعات وتجرع مرارة مخالفات وهذا استدلال برهاني وجداني لمن وفق لهذه الحال. يضطر العبد الى كمال الايمان وزيادة اليقين. فان من وجد الطاعات والايمان وذاق لذة اليقين وتألم اذا غلبته النفس الامارة بالسوء على اقتحام بعض المعاصي اضطره الامر الى الله ووحدانيته. وقيل لبعضهم باي شيء يعرف الله؟ فقال بانتظام الاسباب على وتيرة واحدة. ثم بتحويله اعطيها ومنع سببيته. وبايجاده اشياء بغير اسباب تعرف. وهذا صحيح. فانه جعل اجر الامور على اسبابها ومسبباتها قدرا لتعرف بذلك حكمته البالغة. ولينشط العاملون على اعمالهم التي ربطها الله عز وجل بمسبباتها. واجراها على سنته ثم انه مع ذلك منع بعض الاسباب عن ترتب اثارها عليها. كما في معجزات الانبياء الخارقة للعادة وكرامات الاولياء. وكذلك يوجد كثيرا من الاشياء بغير الاسباب المعهودة. كما اوجد عيسى عليه الصلاة والسلام من ام بلا اب. ويحيى عليه الصلاة والسلام بين ابوين لا يولد في مثلهما واشياء كثيرة من هذا النوع ليعرف العباد انه المتصرف التصريف المطلق. وانه كما يتصرف بالاشياء باسبابها المعلومة المرتبطة بها كذلك يتصرف فيها بغير المعهودة. ولهذا كان جمهور هذا النوع من معجزات الانبياء والكرامات للاولياء. وقد كونوا لغيرهم وهي كلها براهين على وحدانية الله عز وجل والهيته وربوبيته. وقيل لبعضهم بما يعرف الله؟ فقال قال من نظر في مواد الرزق وتأمل حالة من له موجودات كثيرة وعقارات وغلات كثيرة ولكنهم قد اتكلوا عليها ضاقت عليهم الامور وركبتهم الديون وجاءت الامور على خلاف ما يأملون. ثم نظر الى اناس كثيرين ليس لهم عقارات ولا غلات هنا موجودات وانما يسرت لهم اسباب بسيطة. لا تخطر على بال احد ان تكفيهم. ولكن الله عز وجل بارك فيها وبسط لهم الرزق. فكان ابسط قلوبا واريح نفوسا وارغد عيشا من الاولين. والسبب في ذلك انهم قاموا بالاسباب متوكلين على مسببها. فقلوبهم على الدوام متطلعة الى ما عند الله عز وجل. راجية منه تسهيل الرزق. والاولون بالعكس قلوبهم متعلقة باملاكهم وموجوداتهم. فبذلك الك يعرف الله ويعرف ان الامر كله لله. لذلك اذا نظرنا لكثير من الاقوياء الاذكياء العاملين ليلا ونهارا نجد رزقهم ترى واسبابهم مخفقة ونجد كثيرا من الضعفاء البلداء الذين ليس عندهم من القوة والذكاء ما عند الاولين. والله عز وجل قد بسط لهم الرزق ويسر لهم امرهم. وهذا كله مشاهد يضطر العاقل ان يشهد لله عز وجل بالتصرف المطلق. وان الامر كله لله وقيل لاخر بما يعرف الله؟ فقال بمداولته الايام بين العباد في العز والذل والغنى والفقر باسباب وبغير اسباب. وقيل لاخر باي شيء يعرف الله؟ فقال بمشاهدة مصداق قوله تعالى وما من دابة في الارض الا على الله رزقها فتنظر ذاقها شامدا للخليقة وان كل احد قد يسر الله عز وجل له من اسباب الرزق ما به يعتاش. هذا بتجارته وهذا بصناعته وهذا بحراسته وهذا بعمله وخدمته وهذا بمخلفات من قبله وهذا بتنمية المواشي وهذا باحسان غيره عليه بسؤال وغير سؤال وهذا بكد غيره عليه. الى غير ذلك من الاسباب المعروفة التي قدرها العزيز الحكيم رزقا للعباد. فسبحان من وصل الى اصغر الذرات ومهامه البراري وقعور البحور والظلمات. وقيل لبعضهم بما يعرف الله؟ فقال ان لمعرفة الله ابوابا وطرقا كثيرة جدا ومن جملتها ما هدى الله عز وجل له العباد في هذه الاوقات من المخترعات الكثيرة واعمال الكهرباء وايصال الاصوات والانوار تحويها الى مسافات شاسعة وامكنة متباعدة. وهو الذي علم الانسان وهو الذي اقدره على ذلك. وهو الذي خلق له المواد والمعادن التي تستخرج بها هذه الاشياء وهداه الى تأليفها. ومعلوم انه خرج من بطن امه لا يعلم شيئا ولا يقدر على شيء. فعلم جميعها هذه الامور وكانت هذه من جملة منن الله عليه. فخارق السبب هو خالق المسبب تبارك وتعالى. فهذا اكبر برهان على كمال قدرة الله الذي اقدر العبد الضعيف على هذه الامور. التي تعد سابقا من الامور المحالة الممتنعة. قلت وهذه الاجوبة كلها عن الكليات في الجزئيات صحيحة تضطر العقول الى الاعتراف بربها ووحدانيته. ويمكن مضاعفتها الى اضعاف كثيرة. فانك اذا نظرت نظرة عمومية الى العالم العلوي والسفلي وعظم هذه المخلوقات. وانتظامها العجيب وتركيبها المحكم وترتيبها. وما ينتج عن ذلك من مصالح العالم والمخلوقات علمت ان لهذا العالم ربا عظيما وملكا كبيرا وقادرا مقتدرا قد خضعت له الاكوان ودانت له الخليقة واخذ بنواصي العباد وعلمت ان كل ما في السماوات والارض عبيد ومماليك لربهم ليس لهم من الامر شيء. ثم اذا نظرت الى كل مخلوق على حدته وتأملت ما اشتمل عليه من الخلق العجيب والحكم الباهرة. ثم نظرت على وجه الخصوص الى نفسك وصفاتك وما اودع فيها من الخلق عجيب والحكم الباهرة عرفت ان الله عز وجل هو الرب الخالق الرازق. المدبر لكل شيء. الحكيم في كل شيء. قال تعالى وفي الارض ايات للموقنين فجميع مخلوقات الله وجميع الحوادث التي يحدثها الله عز وجل ايات وبراهين على انه واحد عظيم ورب كريم وملك جواد. وكذلك اذا تأملت الشرع الكامل. وان اخباره كلها صدق. وقد قامت البراهين على صدقها واحكامه كلها عدل. تأمر بالخير والصلاح وتنهى عن الشر والفساد. وتجري احكامها المحكمة وحقوقها العادلة مع الازمان مهما تطورت الاحوال واختلفت العوائد. لا يختل صلاحها ولا ينتقض هداها. بل لا يكون هدي وصلاح وخير الا بها. ولا بامر تحيله العقول وتكذبه الحواس الصحيحة. بل تشهد العقول الكاملة ادنى احكامها احسن الاحكام. واعدلها واقومها اليس هذا اكبر برهان على عظمة الله عز وجل وقدرته وسعة علمه وشمول حكمته ورحمته. وانه المحمود في كل حال على خلقه للمخلوقات وعلى شرعه الشرائع. احسن ما صنعه واحكم ما شرعه. ليس في ذلك عيب وعبث. وليس فيه ما ينافي حكمة بوجه من الوجوه. صنع الله الذي اتقن كل شيء. ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون. فصل من الادلة ان وجود الرب اظهر من كل شيء. ومن اعظم البراهين على وحدانية الله ووجوب وجوده. ما دعت اليه الرسل صلوات الله وسلامه عليهم اممهم ونبهتهم على البراهين العقلية على ذلك. واخبروهم خبرا معلنين به ومتفقين عليه ان وجود الرب اظهر من كل في شيء واجلى واوضح من كل شيء. واعلى من كل شيء. وانه لا يمكن ان يعترض ذلك شك ولا ريب بوجه من الوجوه. ولهذا قال اصولهم جميعا افي الله شك. وهذا استفهام وانكار عظيم على من يشك او يمتري بالله. وبيان انه متقرر في عقول الخلق وفطرهم ان وجود الله ووحدانيته اظهر الاشياء واجلاها. وان من شك في ذلك فهو مباهت مكابر غير مبال بمخالفة العقل والدين ان جميع الاشياء وجودها وبقائها وحفظها وحصول جميع كمالاتها بالله تعالى. فهو الاول الذي ليس قبله شيء وهو الذي اوجد كل شيء. ولهذا قالوا افي الله شك فاطر السماوات والارض؟ فالذي خلق السماوات والارض العالم العلوي والعالم السفلي بما فيها من المخلوقات اوجدها من العدم وابدعها واتقن صنعها لا ينكره الا من جنت عقولهم وانقلبت قلوبهم وفسدت واختلت ارائهم واكثر اعداء الرسل مشركون معترفون بالرب وتفرده بالخلق. وذلك كقوم نوح وهود وصالح وغيرهم ومنهم ملاحدة معطلون كفرعون. اذ قال وما رب العالمين على وجه الانكار؟ وقال يا ايها الملأ ما علمت لكم من اله غيري. وجميع الرسل ذكروا اممهم المكذبين. واحتجوا عليهم بخلق الرب للمخلوقات كلها. وانه رب عالمين ورب الاولين والاخرين. وذكروهم بكثرة النعم من الله عليهم. وكل رسول يقول لقومه اعبدوا الله ما لكم من اله غيره فاحتجوا عليهم وبرهنوا على ذلك بانه الرب الخالق المدبر المنعم بالنعم كلها. وان من كان هذا وصفه فهو المستحق اخلاص العبادة له ولكثرة ذكره وشكره وحمده والثناء عليه. وهذه كلها براهين عقلية لا ينكرها الا من نبذ العقل والدين دين من الادلة ايام الله ووقائعه. وكذلك ذكروهم بايام الله ووقائعه في الامم الطاغية. وذكروهم ان هذه عقوبات ثمرة الكفر والتكذيب وانها نموذج من عقوبات الاخرة وهي عقوبات ومثولات شاهدها الناس بابصارهم ومن لم نشاهدها فقد تناقلتها الامم والقرون وتواترت اخبارها. ولهذا يجعل الله عز وجل هذا النوع من الايات العقلية الحسية. قال الله تعالى وسكنتم في مساكن الذين ظلموا انفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الامثال. وقال سبحانه اولم يسيروا في الارض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وقال ولقد اهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الايات لعلهم يرجعون. من الادلة ما عليه الانبياء من الكمالات وما لهم من الايات. وكذلك ذكرتهم الرسل بما هم عليه من النصح الكامل العلم الواسع والصدق وان جميع الرسل صلوات الله وسلامه عليهم اعلم الخلق واصدق الخلق وانصح الخلق للخلق وانهم معصومين محفوظون عن كل وصف ذميم. وذكروا من معجزاتهم وبراهين صدقهم ما يضطر العباد الى الاعتراف بانهم اصدق الخلق. وان كل ما جاءوا به فهو حق. واعظم ما دعوا اليه توحيد الله ومعرفته. فجميع ايات الانبياء ومعجزاتهم وبراهين صدقهم. من جملة في الادلة على وحدانية ربهم وانه الملك الحق المبين. من الادلة اجتماع كلمة الرسل على توحيد الله عز وجل. ثم ان هنا صلوات الله وسلامه عليهم الذين هم اعلى الخلق في كل علم وصدق وبيان وفضل وكمال. قد اتفقت كلمتهم واجتمعت دعوتهم على الامر بتوحيد الله وعبادته وحده لا شريك له. والاعتراف لله بوجوب الوجود والكمال المطلق. وهذا اعظم الحقائق كلها وهو التوحيد قد اجمع عليه اكمل الخلائق عقولا واديانا وفضائل. فباي حديث بعد الله واياته يؤمنون ويل لكل افاك اثيم. يسمع ايات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كان لم يسمعها. فبشره بعذاب باب اليم من الادلة شهادة الله وشهادة الملائكة واولي العلم والمهتدين. ومن ذلك انه شهد لنفسه ومن اكبر ومنه شهادة ان لا اله الا هو والملائكة واولو العلم قائما بالقسط. لا اله الا هو العزيز الحكيم ملائكة كلهم واهل العلم الصحيح الذين ائمتهم وسادتهم الرسل. ثم العلماء الربانيون والهداة المهتدون. شهدوا لله بالوحدانية لم يتخلف منهم احد. ومن زعم ان عنده علما ولم يشهد لله بهذه الشهادة. فانه ليس بعلم نافع بل علم ضار اثر في قلب صاحبه العلو والاستكبار. وهو العلم الموروث عن اعداء الرسل. الذين قال الله عنهم فلما جاءتهم رسل بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم. وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون. فاخبر تعالى ان عند اعداء الرسل علوما قاوموا بها ما علوم الرسل ورضوا بها واطمأنوا لها واستهزأوا بما جاءتهم به الرسل حتى نزل بهم العذاب المحيط والخزي الفاضح وهذا نظير رد الملاحدة والماديين لما جاءت به الرسل من التوحيد والايمان والسخرية بها وباتباعها بانهم رجعيون مقلدون اتباع كل ناعق وانهم متخلفون عن ركب الانسانية. وما اشبه ذلك مما ينعق به سفهاء الاحلام ضعفاء العقول. الذين قلدوا ملاحدة في كل ما يقولون وافعلون. واغتروا بعلوم مادية دنيوية لا تغني عن اهلها شيئا حين فقدت رح الدين. بل صار ضررها عليهم اكثر من نفعها وشرها عليهم اكثر من خيرها. ومن اعظم اضرارها وشرورها عليهم انهم بها تكبروا على بالحق وعلى الخلق واحتقروا بها علوم الرسل واتباعهم التي هي النافعة المزكية للقلوب المطهرة للاخلاق المصلحة للامة كلها الجالبة للخير والهدى الدافعة للشرور كلها. فهؤلاء الملاحدة ومن قلدهم علومهم نفخت فيهم روح الكبرياء وسيرتهم بطور غير طورهم. ورأوا بها العباد اخس من الحيوان البهيم. وهم في الحقيقة الارذلون. ومن اضرار فيها عليهم انها وان رقت حضارتهم ومدنيتهم ولكنها حضارة ومدنية مادية محضة مهددة كل وقت بالهلاك والتدمير. فاي مدنية وحضارة روحها الظلم والجشع واستعباد الضعفاء. والاستعداد بالاسلحة الفتاكة المهلكة كثير الحرث والنسل ونتائجها وثمرتها التطاحن بين اهلها. يصب بعضهم على بعض العذاب الفظيع. فهل هذا الا اكبر دليل وبرهان على كمال قدرة الله وعدله وحكمته. وهذه الامور من ايامه ووقائعه وعذابه الاليم بين الناس. ولم تزدهم هذه المواعظ والعبر الا عتوا ونفورا. فهم ينتقلون من عذاب شديد الى اشد منه. وهم في طغيانهم يعمهون وبمدنيتهم الشنيعة واثارها يتمدحون يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الاخرة هم غافلون. ما اعظم من عباد لو ان القلوب واعية. وما ادلها على كمال عدل الله وحكمته لو ان الفهوم صالحة ولكن القلوب غطيت باغشية الغفلة والكبرياء والاغترار والنفوس اقبلت على الامور الضارة قد خلبتها المناظر البراقة وسحرة الابصار. افمن زين له سوء عمله فرآه حسنا. وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون. فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم ابواب كل شيء حتى اذا فرحوا بما اوتوا اخذناهم بغتة فاذا هم مبلسون. واما شهادته تعالى لنفسه بالوحدانية. فقد نطقت ذلك جميع الكتب التي انزلها على رسله وانطق بها رسله واتفقت على ذلك دعوتهم وتبعهم على ذلك جميع اتباعهم من العلماء الربانيين والهدى وجميع طبقات اهل العلم والايمان. وكذلك اقام على ذلك الشواهد النفسية والافقية ومن اياته الليل والنهار والشمس والقمر. والعالم العلوي والعالم السفلي كلها ايات بينات وبراهين قاطعة على وحدانية خالقها ومدبرها. ومتقن صنعها ومبدعها بالخلق العجيب. والنظام الباهر والحكم التي يعجز صحاء والبلغاء عن التعبير والاحاطة ببعض اياتها وبراهينها. من الادلة العواقب الحميدة للمؤمنين والذميمة الكافرين ومن شهادته تعالى لنفسه بالوحدانية والتفرد بالعظمة والكمال ما عجله لانبيائه واتباعه من الايات والمعجزات والنصر العظيم والكرامات المتنوعة والعواقب الحميدة. وما عجله لاعدائهم من الهلاك الخاص والعام. والمثلات والاخذات الصوارم والعواقب الوخيمة. وكذلك ما تركه لانبيائه واصفيائه من لسان الصدق. والثناء العام المنتشر والمحبة في قلوب كذلك نجزي المحسنين. وقال سبحانه ثم كان عاقبة الذين اساءوا السوء ان كذبوا بايات الله وكانوا بها يستحقون تهزئون من الادلة اخبار الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عن امور من الغيب. ومن اعظم البراهين الجامعة بين كونها نقلية وعقلية حسية. اخبار الله عز وجل في كتابه وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. عن امور من الغيب كثيرة جدا امور ماضية سابقة لوقت التنزيل وامور حاضرة وقعت ايام الرسالة وامور مستقبلة لا تزال تحدث شيئا فشيئا موافقة مطابقة لما اخبر الله عز وجل به ورسوله صلى الله عليه وسلم على الوجه الذي اخبر وهي غير محصورة صورة في انواعها فضلا عن افرادها تستحق ان يصرف لها تصنيف مستقل. فكل واحد منها برهان ثم هو مع الثاني ومع الثالث والرابع وما بعده براهين متعددة. وكلها تضطر الناظر فيها الى الاعتراف لله بالوحدانية. ولنبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة وان جميع ما اخبر الله عز وجل به واخبر رسوله صلى الله عليه وسلم فهو حق لا ريب فيه. من الادلة تحدي الله عز وجل لجميع الانس والجن ان يأتوا بمثل القرآن. ومن ذلك تحدي الله عز وجل لجميع الانس والجن ان يأتوا بمثل هذا القرآن واخباره انهم لم يستطيعوا ولن يستطيعوا ان يأتوا بمثله. والتحدي قائم في كل وقت والعجز من الخلق ظاهر مع توفر دواعي الاعداء وحرصهم الشديد على رد ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم والقدح في رسالته هذا برهان عظيم يضطر كل عاقل معه انصاف ان يعترف بالحق الذي قامت البينات الظاهرة والدلالات الباهرة على صدق من كل وجه ولله الحمد. من الادلة الاثار الجليلة المترتبة على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم. ومن براهين وحدانية الله وصدق ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. الاثار الجليلة التي نشأت وترتبت على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم فانه بعث في امة امية. والارض مملوءة من الجهل والشرك والشرور المتفاقمة. فهداهم الله عز وجل به من الضلالة. وعلم به بعد الجهالة واستقامت اخلاقهم وصلحت اعمالهم وامتلأت الارض من الخير والهدى والصلاح وانتشرت الرحمة والعدل به الفلاح والنجاح. وفتحت القلوب بالعلوم النافعة والمعارف الصحيحة والايمان. واظهر الله دينه على سائر الاديان. وانتشر وقبيلته القلوب المستقيمة في جميع الاقطار. وزهق به كل باطل ومحال. ولم يزل اهله ظاهرين على غيرهم حين كانوا تمسكين به وقائمين حق القيام به حتى حصل الانحراف من اهله في العقائد والاخلاق والاعمال الدينية والدنيوية فزالت عنهم بذلك اثاره الجليلة وتبدلوا باضدادها. افليس في هذا اكبر برهان على ان هذه الشريعة شرعها العزيز الحكيم ونصرها الرب العظيم. وان الخير كله ملازم لها وتابع لتعاليمها واخلاقها. وانها تنزيل من حكيم حميد ان اخبارها كلها صادقة تشهد العقول بصدقها. ولم يأت منها خبر واحد صحيح يناقض الواقع ويخالف المحسوس. فان انها لا تأتي بما تحيله العقول. وربما اتت بما تحار فيه العقول ولا تهتدي اليه. لان في الشريعة من التفاصيل العظيمة الخبرية والحكمية ما لا تصل اليه عقول العقلاء. ولا تهتدي اليه فطنة الفطناء. ولم يأت علم صحيح او نظرية صادقة متفق عليها بين العقلاء تناقض ما جاء به الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. وهل في البراهين اليقينية اعظم من هذا البرهان اوضح من هذا البيان وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا صدقا في اخبارها وعدلا في احكامها وشرائعها من ادلة احكام الشريعة وصدق اخبارها واتفاق احكامها. ومن البراهين على وحدانية الله وصدق رسوله صلى الله عليه وسلم وحقيقة ما جاء به ان الشريعة كلها محكمة في غاية الحسن والانتظام متصادقة اخبارها متفقة حقائقها متعادلة احكامها لا يمكن البشر ان يقترحوا مثلها في الحسن وموافقتها لكل زمان ومكان. ومجاراتها لجميع الاحوال. وجريانها على الهدى والرشد والصلاح لا تناقض فيها ولا اختلاف ولا عبث ولا نقص ولا اختلال. وكلما امعن فيها العالم البصير علم انها اصدق الاخبار للقلوب وانها احسن الاحكام واصلحها في عباداتها ومعاملاتها. وتفصيلها للحقوق الخاصة والعامة. قال تعالى افلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا. فنبه الله اولي الالباب والعقول على هذا البرهان العظيم الذي هو من اعظم البراهين واوضحها واجلاها على انه من عنده. وانه حق كله. وان ما ناقضه فهو الباطل. قال تعالى الذين اوتوا العلم الذي انزل اليك من ربك هو الحق ويهدي الى صراط العزيز الحميد. اما جاء هذا الدين بكل صدق وصدق الصادقين؟ اما الزجر عن الكذب وابعد الكاذبين. اما حث على العدل الكامل في حقوق الله وحقوق العباد. اما نهى عن الظلم والجور والشرور كله والفساد اما تأسس على الايمان والاخلاص والتوحيد ونهى عما ينافي ذلك من الشرك والتنديد؟ اما امر ببر الوالدين وصلة الاقارب والاحسان الى الجيران والمساكين والاحسان الى عموم الخلق حتى البهائم العجم. واخبر انه يحب المحسنين. اما امر بوفاء والعقود والوعد والايمان ونهى عن الغدر والنكث والعدوان. اما حث على فعل الاسباب النافعة في الدنيا والدين؟ وامرنا الا اعتمد عليها بل نعتمد على مسببها ونرجو فضل رب العالمين. اما احل لنا جميع الطيبات وحرم علينا كل خبيث حثنا على كل امر نافع وحذرنا عن المضار. اما امر بالصبر على المكاره والشكر عند المحاب والمسار. اما نهانا عن الهلع والجبن والخور والاخلاق الرذيلة. اما حثنا على القوة والشجاعة والعفة وجميع الاخلاق الجميلة. اما امر بكل معروف شرعا وعقلا وفطرة ونهانا عن كل منكر شرعا وعقلا وفطرة. فما امر بشيء الا رآه اهل العقول السليمة احسن الامور واعدلها ولا نهى عن شيء الا عن اقبح الخصال وارذلها. وضح العقائد الصحيحة النافعة التي لا تصلح القلوب الا بها. واوجبها لها اساسا تنبني عليه الاقوال والافعال وامور الدين والدنيا. وجاء بالاخلاق الفاضلة والاعمال الصالحة التي تصلح الافراد والجماعات تستقيم بها العبادات والمعاملات. فاي خير وهدى وصلاح عاجل واجل لم يبينه ويدعو اليه. واي شر وفساد وضرر عاجل واجل لم يحذر عن طرقه ومسالكه. واي اصل من اصوله وقاعدة من قواعده وخبر من اخباره وحكم من احكامه ناقضته العلوم الصحيحة او خالفته العقول والنظم المستقيمة بل قامت البراهين التي لا تنقض على ان كل شيء اسس على غيره فهو ضرر وخراب. وكل بناء بني على غير تعاليمه واحكامه فاخره الانهيار والتباب. وكل نظام استمد من غيره فعواقبه وخيمة لان الذي شرعه عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم الذي احاط بكل شيء علما ووسع كل شيء رحمة فبرا وتكفل لمن قام به واستقام عليه بالسعادة والفلاح. وضمن لمن تعبد به ودان لله عز وجل به الثواب والنجاح فهو اكبر البراهين على عظمة الله ووحدانيته وسلطانه. واعظم الايات الدالة على حكمته وحمده وجوده وامتنانه. فهو الهدى والرحمة والشفاء والنور. وهو الرشاد والصلاح لكل الامور. الذين يتبعون الرسول النبي الامي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر. ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم هم والاغلال التي كانت عليهم. فالذين امنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي انزل معه اولئك هم المفلحون قال تعالى ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى. وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي. يعظكم لعلكم تذكرون وقال سبحانه ويرى الذين اوتوا العلم الذي انزل اليك من ربك هو الحق ويهدي الى صراط العزيز الحميد. وقال وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا. فلهذا القرآن وهذه الشريعة اكمل الصفات واجل النعوت. ومخبرها في جميع مواردها ومصادرها فيها يفسر هذه الاوصاف الجليلة التي لا سعادة للبشر الا بعلمها وسلوكها. والاهتداء بانوارها والتحقق بحقائقها واسرارها فصل من الادلة صدق الرسل ووجوب توقيرهم وتقديم اقوالهم. ومن براهين وحدانيته وكماله وتوحده بالعظمة كمال انه قد ثبت بالبراهين والايات المتنوعة التي لا يمكن احصاؤها لا احصاء انواعها ولا افرادها. صدق الرسل وانما جاءوا وبه هو الحق وخصوصا امامهم وسيدهم محمد صلى الله عليه وسلم. وانه يجب على الخلق ان يعرفوا قدر الانبياء. وتميزهم عن اصناف الخلق بكل اوصاف الفضائل. وان الايمان بهم ومحبتهم وتوقيرهم وتبجيلهم من افرض الفرائض واوجب الواجبات. وانه يجب ان محمد وعلى اله واصحابه واتباعه الى يوم الدين. واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الاحياء منهم والميتين امين. قال ذلك الفقير الى الله عبدالرحمن بن ناصر بن سعدي رحمه الله غفر الله له ولوالديه ان يكون لهم في قلوب العباد من العظمة والخضوع لما جاءوا بهما يضمحل معه جميع المقالات. والا تعارض اقوالهم بمعقولات او قياسات او ذوقيات او غيرها مما ينتمي اليه اهل الباطل. بل اقوال الرسل لا يتم للعبد ايمان ولا اسلام حتى يجعلها هي الاصل الاصيل التاس الذي يرد اليه كل شيء. وقد علم ان زبدة دعوتهم واساسها الدعوة الى توحيد الله عز وجل ومعرفته. والى واخلاص العمل له. وقد قامت البراهين التي لا تعارض ولا تمانع على صدقهم وصحة ما جاءوا به. فتعين على كل مكلف له ديننا او عقل ان يعترف بما جاءوا به بغير قيد ولا شرط. لان الاصل صحيح والاساس ثابت ثبوتا يقينيا. والمعارضات كلها باطلة لان ما عارض الحق فهو باطل. فماذا بعد الحق الا الضلال؟ فمن خضع لمعقولات المتحذلقين او نظريات المبطلين قدمها على ما جاءت به الرسل فقد برهن على نقصان عقله بل فقده لدينه. هذا كله مع التنزل على فرض وجود معقولات تناقض ما جاءت به الرسل فكيف والمعقولات الصحيحة تؤيد ما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام. وهي من اكبر الشواهد على صدقهم. وانما المعارضة بين معقولات اناس سفهاء الاحلام متكبرين بمعلوماتهم وارائهم الضئيلة. والله المستعان لشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في ايات الانبياء. قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله ايات الانبياء مما يعلم العقلاء وانها مختصة بهم ليست مما تكون لغيرهم. فيعلمون ان الله عز وجل لم يخلق مثلها لغير الانبياء. وسواء في اياتهم التي كانت في حياة قومهم واياتهم التي فرق الله عز وجل بها بين اتباعهم وبين مكذبيهم. بنجاة هؤلاء وهلاك هؤلاء ليست من جنس ما يوجد في العادات المختلفة لغيرهم. وذلك مثل تفريق الله عز وجل لجميع اهل الارض. الا لنوح ومن ركب معه في السفينة فهذا لم يكن قط في العالم نظيره. وكذلك اهلاك قوم عاد لرمزات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد. مع كثرة وقوتهم وعظم عمارتهم التي لم يخلق مثلها في البلاد. ثم اهلكوا بريح صرصر عاتية مسخرة عليهم سبع ليال ثمانية ايام حسوما حتى صاروا كأنهم اعجاز نخل خاوية ونجا هود ومن اتبعه فهذا لم يكن له نظير في العالم ذلك قوم صالح عليه الصلاة والسلام اصحاب مدائن ومساكن في السهل والجبل وبساتين. اهلكوا كلهم بصيحة واحدة فهذا لم يوجد نظيره في العالم. وكذلك قوم لوط اصحاب مدائن متعددة رفعت الى السماء ثم قلبت عليهم. واتبعوا حجارة من السماء تتبع شاذهم ونجال لوط واهله الا امرأته اصابها ما اصابهم فهذا لم يوجد نظيره في العالم وكذلك قوم فرعون وموسى جمعان عظيمان ينفرق لهما البحر كل فرق كالطود العظيم فيسلك هؤلاء ويخرجون سالكين يمين فاذا سلك الاخرون انطبق عليهم الماء فهذا لم يوجد نظيره في العالم. فهذه الايات تعرف العقلاء عموما انها ليست من جنس ما يموت به بنو ادم. وقد يحصل لبعض الناس طاعون ولبعضهم جرب ونحو ذلك. وهذا مما اعتاده الناس وهو من ايات الله من وجه اخر. بل كل حادث من ايات الله ولكن هذه الايات ليست من جنس معتيد. وكذلك الكعبة فانها بيت من حجارة بواد غير ذي زرع. ليس عندها احد يحفظها من عدو. ولا عندها بساتين وامور يرغب الناس فيها. فليس عندها رغبة ولا رهبة ومع هذا فقد حفظها بالهيبة والعظمة. فكل من يأتيها يأتيها خاضعا ذليلا متواضعا في غاية التواضع. وجعل فيها من ما يأتيها الناس من اقطار الارض محبة وشوقا من غير باعث دنيوي. وهي على هذه الحال من الوف من السنين. وهذا مما لا ايعرف في العالم لبنية غيرها؟ وهذا مما حير الفلاسفة ونحوهم. وكذلك ما فعل الله عز وجل باصحاب الفيل لما قصدوا تخريب قصدها جيش عظيم ومعهم الفيل. فهرب اهلها منها. فبرك الفيل وامتنع عن المسير الى جهاتها. واذا وجهوه الى غير فيها توجه ثم جاءهم من البحر طير ابابيل. اي جماعات في تفرقة فوجا بعد فوج رموا عليهم حصى اهلكوا بها كل كلهم فهذا مما لم يوجد نظيره في العالم. فايات الانبياء هي ايات وادلة على صدقهم. ومن هذا سنة الله عز وجل في الفرق بين الانبياء واتباعهم وبين مكذبيهم. ثم ذكر الايات في اهلاك المكذبين للرسل ونجاة الرسل. قال وهذه الاخبار كانت منتشرة ومتواترة في العالم. وقد علم الناس انها ايات للانبياء وعقوبة لمكذبيهم. ولهذا يذكرونها عند نظائرها للاعتبار. والقرآن ايته باقية على طول الزمان. من حين جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم تتلى ايات التحدي في فيه ويتلى قوله قل لئن اجتمعت الانس والجن على ان يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله. الاية فنفس اخبار الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا في اول الامر وقطعه بذلك مع علمه بكثرة الخلق دليل على انه كان خارقا يعجز الثقلين عن معارضته وهذا لا يكون لغير الانبياء. ثم مع طول الزمان قد سمعه الموافق والمخالف والعرب والعجم. وليس في الامم من اظهر كتاب من يقرأه الناس وقال انه مثله. وهذا يعرفه كل واحد. وما من كلام تكلم به الناس. وان كانوا في اعلى طبقات الكلام في لفظا ومعنى الا وقد قال الناس نظيره وما يشبهه ويقاربه. سواء كان شعرا او خطابة او كلاما في العلوم والحكمة والاستدلال والوعظ والرسائل وغير ذلك. وما وجد من ذلك شيء الا وجد ما يشبهه ويقاربه. والقرآن مما يعلم الناس عربهم وعجمهم انه لم يوجد له نظير مع حرص العرب وغير العرب على معارضته. فلفظه اية ونظمه اية واخباره بالغيوب اية وامره ونهيه اية ووعده ووعيده اية. وجلالته وعظمته وسلطانه على القلوب اية. واذا ترجم بغير العربي كانت معانيه اية. كل ذلك لا يوجد له نظير في العالم. الى اخر ما قال رحمه الله تعالى فصل من الادلة التي ان ما جاء به الرسل عليهم الصلاة والسلام هو الحق النافع وما خالفه فباطل. ومن البراهين العقلية على وحدانية الله وصدقه رسله عليهم الصلاة والسلام ان الرسل كلهم وخصوصا امامهم وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم. قد جاءوا بالحق نافع فاخبارهم كلها حق وصدق واحكامهم كلها حق وعدل وحكمة. فلم يبق حق الا جاءوا به وبينوه وحثوا الخلق عليه ولا باطل الا وضحوه وحذروا الخلق منه. وهذا الاصل متفق عليه بين جميع المعترفين بالنبوات اعترافا صحيحا فمن ادعى عقلا ومعقولا يناقض هذا الاصل الذي جاءت به الرسل. عرفنا يقينا ان معقوله فاسد. وان دعواه باطلة فان العقل الصحيح لا يخالف الحق الصريح. ومما يوضح هذا ويؤيده ان الحق الذي جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام خبرا وحكما حق واضح معلوم معصوم. لا ينقسم الى محمود ومذموم. بل كله حق محمود. واما ما ادعاه المخالفون للرسل من المعقولات فانهم يعتمدون على المعقولات التي تنقسم الى حق وباطل ومحمود ومذموم باتفاق العقلاء. واهلها مع ذلك متباينون تباينا عظيما كل طائفة لها معقولات تنصرها وتقدح في معقولات غيرهم. وهم في خبط وخلط وخلاف لا ينضبط. قال تعالى بل كذبوا من حق لما جاءهم فهم في امر مريج. فهل اتباع هؤلاء الضالين الجاهلين المتخبطين؟ اولى من اتباع رسل الله الذين هم اعلم خلقي واهدى الخلق واصدق الخلق وافضل الخلق واعلاهم في كل صفة كمال. وقد سلموا من كل نقص وعيب وعثرة وقد عسر في اقوالهم وافعالهم. وقد انزلت عليهم الكتب العظيمة من الرب العظيم. التي هي مادة الهدى ومنبع الرحمة والخير والرشد والنور واصل السعادة والفلاح. وقد نوع الله عز وجل البراهين الدالة على صدقهم وصحة ما جاءوا به. وانه الحق وما سواه ضلال. وان انه نور ورحمة وخير. وما سواه ظلمات وشرور وفساد. فباي حديث بعد الله واياته يؤمنون؟ ويل من كل افاك يسمع ايات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا. ثم يصر مستكبرا كان لم يسمعها فبشره بعذاب اليم اه والله لقد وضحت السبل للسالكين. وظهرت براهين الحق واياته للموقنين. وبان الهدى والنور اليقين للمستبصرين. وقامت حجة على المعاندين. ولهذا كان جميع الاشقياء المخالفون للرسل يعترفون بانهم خالفوا الرسل وخالفوا العقل. فقالوا لو نسمع او نعقل ما كنا في اصحاب السعير. فاعترفوا بذنبهم فسحقا لاصحاب السعير. من الادلة الفطرة في قلوب عبادي وخصوصي الانبياء. ومن البراهين العقلية على وحدانية الله وغناه. وافتقار الخليقة كلها اليه. ما فطر الله عز وجل عليه عباده وخصوصا خواص الخلق من الانبياء والرسل. ائمة الهدى ومصابيح الدجى واهل العقول الوافية والالباب الرزينة. الذين هم الطبقة العليا من الخلق فانهم فطروا على الاعتراف الكامل بوحدانية الله. وانه المقصود المعبود في كل الاحوال. وصار هذا الامر في قلوبهم اعظم حقائق كلها واوضحها واجلاها وهي علوم بديهية ضرورية لا يمكن احدا دفعها. وليس عند المنكر لذلك ما يدفع هذا علم اليقين والطريق البرهاني الا عدم علمه بذلك. لفساد ادراكه واشتغاله بالعقائد الفاسدة واعراضه عن طلب الهدى من المعلوم المتفق عليه بين العقلاء ان عدم العلم بالشيء ليس من الشبه في شيء. فضلا عن ان يكون برهانا يدفع اقوى البراهين واجله واصدقها من العالمين الموقنين. الذين هم اعظم الخلق علوما وابلغهم يقينا. واصدقهم وابرهم عقولا واصفاهم افئدة فهذا اليقين في قلوب هؤلاء الذين هم سادات الاولين والاخرين لا يساويه ولا يقاربه شيء. ولهذا قالت الرسل لاممهم افي الله شك وقال تعالى فبأي حديث بعد الله واياته يؤمنون؟ ويل لكل افاك اثيم. يسمع ايات الله تتلى عليه ثم يصر ومستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب اليم. فهذا العلم اليقيني البديهي الضروري المتفق عليه بين اهل العلم واليقين. واعلى الخلق في كل صفة كمال وهو اكمل علم عندهم. واوضحه واجلاه. محال وممتنع ان يقاربه علم بشيء من الحقائق اليقينية اصلا فمن شك فيه او تردد فقد برهن على نفسه بالجهل والضلال والحمق وهو مكابرة واضحة والله الموفق. من الادلة الاجماع من المسلمين وممن عرف حال النبي صلى الله عليه وسلم. ومن اعظم البراهين على ان الحق هو ما جاء به الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في جميع الحقائق الصحيحة النافعة الاجماع من جميع المسلمين ومن جميع من عرف حال النبي صلى الله عليه وسلم انه اعلم على الاطلاق بالله وبالحقائق النافعة. واعظمهم بيانا واوضحهم عبارة وافصحهم وانصحهم للخلق. وهذه الامور اذا كملت وقد كمل على وجه الكمال التام في محمد صلى الله عليه وسلم. بحيث لا يدانيه ولا يقاربه احد في العلم والبلاغة والنصح. علم يقينا كوريا ان جميع ما جاء به هو الحق الذي لا ريب فيه. لا سيما في باب التوحيد وبيانه العظيم في ان لله الاسماء الحسنى والصفات الكاملة العليا التي تفرد بها وتوحد ولم يشاركه فيها مشارك. وهذا وحده برهان كاف شاف لمن له ادنى عقل او القى السمع وهو شهيد فيا عجبا لمن يعارض ما جاء به هذا النبي العظيم. الذي جاء بشريعة ما طرق العالم اعظم منها ولا اكمل ولا اصح. باقوال المادة الذين سفهت احلامهم وفسدت عقولهم. واتضح ان جميع ما عارضوا به الاديان جهل وضلال ومكابرة صريحة. وذلك معروف تتبع لجميع المسائل التي عارضوا فيها الرسل. قال تعالى في حقهم وحق امثالهم فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون. والحاصل ان جميع الموجودات وجميع الحوادث والمعارف والحركات ادلة وبراهين على وحدانية رب الارض والسماوات. من الذي انشأ المخلوقات من العدم؟ من الذي دبر الامور وصرفها؟ من الذي خلق السماوات والارض وحفظها قدرته وامسكها من الذي خلق الادمي من نطفة فاذا هو خصيم مبين. من الذي امات واحيا واسعد واشقى واهلك الامم الطاغية بانواع المثلات ونجى الرسل واتباعهم. ان في ذلك لعبرا وبراهين واضحات. من الذي خلق الحب والنوى وفجر الارض الانهار والعيون اليس ذلك من اثار من يقول للشيء كن فيكون؟ من الذي اعطى كل شيء خلقه اللائق به؟ ثم هدى كل مخلوق الى مصالحه التي لا يصلح له سواها. من الذي علم العلوم المتنوعة والفنون؟ من الذي اخرج الثمار الرطبة من يابس الغصون؟ من الذي كما الاشياء بغاية الحكمة وكمال الانتظام واتقنها. من الذي احسن كل شيء صنعه؟ وشرع الشرائع وجعلها في غاية الهدى والصلاح واتقنها من الذي سير السحاب الموقرة بالمياه العظيمة؟ فاصاب بها البلاد والعباد. اليس ذلك الذي يعيد الخلق بعد موتهم الى يوم الحشر يا عجبا لنفوس تنكر الرب والبعث ما اضلها واعماها. كيف لا تعترف بهذه القضية التي هي اعظم القضايا واوضحها واجلاها اله عظيم لم يزل اله وملك كبير ملكه لا يتناهى. شمل العالمين برحمته ورزقه فلا يترك ذرة ولا ينساها. يسمع انين المدن ويجيب اسئلة السائلين. ويجود بمغفرته ورحمته على التائبين الخاتمة فنسألك يا الله باسمائك الحسنى واوصافك العليا ان ترزقنا ايمانا كاملا ويقينا صادقا وتنفع بآياتك المسموعة واياتك المشهودة واياتك الافقية واياتك النفسية فانها براهين للموقنين وايات للمستبصرين وحجة على المعاندين والمكابرين ورحمة منك واحسان على الخلق اجمعين. اللهم صلي وسلم وبارك على لجميع المسلمين