المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم فلكم قراءة تفسير السعدي بسم الله الرحمن الرحيم. تلك ايات الكتاب المبين. تلك الايات المستحقة للتعظيم والتفخيم. ايات الكتاب المبين لكل امر يحتاج اليه العباد من معرفة ربهم ومعرفة حقوقه. ومعرفة اوليائه واعدائه. ومعرفة وقائعه وايامه. ومعرفة ثواب الاعمال العمال فهذا القرآن قد بينها غاية التبيين. وجلاها للعباد ووضحها. من جملة ما ابان قصة موسى وفرعون. فان انه ابداها واعادها في عدة مواضع وبسطها في هذا الموضع فقال فان نبأهما غريب وخبرهما عجيب لقوم يؤمنون فاليهم يساق الخطاب ويوجه الكلام حيث ان معهم من الايمان ما يقبلون به على تدبر ذلك. وتلقيه بالقبول والاهتداء بموقع العبر. ويزدادون ايمانا ويقينا وخيرا الى خيرهم. واما من عاداهم فلا يستفيدون منه الا اقامة الحجة عليهم. وصانه الله عنهم وجعل بينهم وبينه حجابا ان يفقهوه فاول هذه القصة ان فرعون علا في الارض في ملكه وسلطانه وجنوده وجبروته. فصار من اهل العلو فيها لا من الاعلين فيها. وجعل اهل انها شيعا اي طوائف متفرقة يتصرف فيهم بشهوته. وينفذ فيهم ما اراد من قهره وسطوته. يستضعف طائفة منهم وتلك طائفة هم بنو اسرائيل الذين فضلهم الله على العالمين. الذين له ان يكرمهم ويجلهم ولكنه استضعفهم. بحيث انه رأى انهم لا منعة لهم تمنعهم مما اراده فيهم. فصار لا يبالي بهم ولا يهتم بشأنهم. وبلغت به الحال الى انه يذبح ابناءهم ويستحيين خوفا من ان يكثروا فيغمروه في بلاده ويصير لهم الملك. انه كان من المفسدين الذين نقصت لهم في اصلاح الدين. ولا اصلاح الدنيا وهذا من افساده في الارض في الارض ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين. ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الامر بان نزيل عنهم مودة الاستضعاف. ونهلك من قاومهم ونخذل من ناوأهم. ونجعلهم ائمة في الدين وذلك لا يحصل الاستضعاف بل لابد من تمكين في الارض وقدرة تامة. ونجعلهم الوارثين للارض الذين لهم العاقبة في الدنيا قبل الاخرة ونمكن لهم في الارض فهذه الامور كلها قد تعلقت بها ارادة الله وجرت بها مشيئته. وكذلك نريد ان نري فرعون وهامان وزيره. وجنودهما التي بها صالوا وجالوا. وعلو وبغوا منهم. اي من هذه الطائفة المستضعفة. ما كانوا يحذرون من اخراجهم من ديارهم. ولذلك كانوا يسعون في قمعهم وكسر شوكتهم وتقتيل ابنائهم. الذين هم محل ذلك. فكل كل هذا قد اراده الله واذا اراد امرا سهل اسبابه ونهج طرقه. وهذا الامر كذلك فانه قدر واجرا من الاسباب التي لم يشعر بها لا اولياء ولا اعداؤه ما هو سبب موصل الى هذا المقصود؟ فاول ذلك ولا تخافي ولا تحزني لما اوجد الله رسوله موسى الذي جعل استنقاذ هذا الشعب الاسرائيلي على يديه وكان في وقت تلك المخافة العظيمة التي يذبحون بها الابناء. اوحى الى امه ان ترضعه ويمكث عندها. فاذا خفت عليه بان احدا تخافين عليه منه ان يوصله اليهم فالقيه في اليم. ايني لمصر في وسط تابوت مغلق. ولا تخافي ولا تحزني اليك وجاعلوه من المرسلين. فبشرها بانه سيرده عليه عليها وانه سيكبر ويسلم من كيدهم. ويجعله الله رسولا. وهذا من اعظم البشائر الجليلة. وتقديم هذه البشائر لام موسى ليطمئن فان قلبها ويسكن روعها. فانها خافت عليه وفعلت ما امرت به. القته في اليم فساقه الله تعالى حتى التقطه ال فرعون ان فرعون وهامان وجنود كانوا خاطئين. فصار من لقطهم. وهم الذين باشروا وجدانه. ليكون لهم عدوا وحزنا. اي لتكون العاقبة والمآل من هذا الالتقاط ان يكون عدوا لهم وحزنا يحزنهم بسبب ان الحذر لا ينفع من القدر. وان الذي خافوا منه من بني اسرائيل قيد الله ان يكون زعيمهم يتربى تحت ايديهم وعلى نظرهم وبكفالتهم. وعند التدبر والتأمل تجد في طي ذلك من صالح لبني اسرائيل ودفع كثير من الامور الفادحة بهم ومنع كثير من التعديات قبل رسالته. بحيث انه صار من كبار المملكة. وبالطبع انه لا بد ان يحصل منه مدافعة عن حقوق شعبه هذا. وهو ذو الهمة العالية والغيرة المتوقدة. ولهذا وصلت الحال بذلك الشعب المستضعف الذي بلغ بهم الذل والاهانة الى ما قص الله علينا بعضه. انصار بعض افراده ينازع ذلك الشعب القاهر العالي في الارض. كما سيأتي وهذا مقدمة للظهور. فان الله تعالى من سنته الجارية ان جعل الامور تمشي على التدريج شيئا فشيئا. ولا تأتي دفعة واحدة وقوله اي فاردنا ان نعاقبهم على خطأه ونكيدهم جزاء على مكرهم وكيدهم. فلما التقطه ال فرعون حننا الله عليه امرأة فرعون الفاضلة الجليلة المؤمنة اسية بنت مزاحم انفعنا او نتخذه ولدا وهم لا يشعرون. وقالت هذا الولد قرة عين لي ولك لا اي ابقه لنا ليقر به اعيننا ونستر به في حياتنا. عسى ان ينفعنا او نتخذه ولدا. اي لا يخلو اما ان يكون بمنزلة الخدم الذين يسعون في نفعنا وخدمتنا او نرقيه منزلة اعلى من ذلك. نجعله ولدا لنا ونكرمه ونجله. فقدر الله تعالى انه نفع امرأة فرعون التي قالت تلك المقالة فانه لما صار قرة عين لها واحبته حبا شديدا فلم يزل لها بمنزلة الولد الشفيق حتى كبر ونبأه الله وارسله فبادرت الى الاسلام والايمان به رضي الله عنها وارضاها. قال الله تعالى عن هذه المراجعات والمقاولات في بشأن موسى وهم لا يشعرون ما جرى به القلم. ومضى به القدر من وصوله الى ما وصل اليه هذا من لطفه تعالى فانهم لو شعروا لكان لهم وله شأن اخر على قلبها لتكون من المؤمنين ولما فقدت موسى امه حزنت حزنا شديدا. واصبح فؤادها فارغا من القلق الذي ازعجها. على مقتضى الحالة البشرية. مع ان الله الله تعالى نهاها عن الحزن والخوف ووعدها برده ان كادت لتبدي به اي بما في قلبها لولا ان ربطنا على قلبها فثبتناها فصبرت ولم تبد به لتكون بذلك الصبر والثبات من المؤمنين. فان العبد اذا اصابته مصيبة فصبر وثبت. ازداد بذلك ايمانه ودل ذلك على ان استمرار الجزع مع العبد دليل على ضعف ايمانه وقالت ام موسى لاخته قصيه اي اذهبي فقصي الاثر عن وابحثي عنه من غير ان يحس بك احد او يشعر بمقصودك فذهبت تقصه وهم لا يشعرون. اي ابصرته على وجه كأنها مارة لا قصد لها فيه. وهذا من تمام الحزم والحذر فانها لو وجاءت اليهم قاصدة لظنوا بها انها هي التي القته. فربما عزموا على ذبحه عقوبة لاهله المراضع من قبل فقالت هل ادلكم على اهل بيتي يكفلونه لكم ثم هم له ناصحون. ومن لطف الله بموسى وامه ان منعه من قبول ثدي امرأة. فاخرجوه الى السوق رحمة به ولعل احدا يطلبه فجاءت اخته وهو بتلك الحال وهذا جل غرضهم فانهم احبوه حبا شديدا وقد منعهم الله من المراضع فخافوا ان يموت. فلما قالت لهم اخته تلك المقالة المشتملة على الترغيب في اهل هذا البيت. بتمام حفظه وكفالته والنصح له بادروا الى اجابتها فاعلمتهم ودلتهم على اهل هذا البيت لا عينها ولا تحزن. فرددناه الى امه كما وعدناها بذلك. كي تقر عينها ولا تحزن. بحيث انه تربى عند لها على وجه تكون فيه امنة مطمئنة تفرح به وتأخذ الاجرة الكثيرة على ذلك اه حق ولكن اكثرهم لا يعلمون. ولتعلم ان بعد الله حق فارينها بعض ما وعدناها به عيانا. ليطمئن بذلك قلبها ويزداد ايمانها. ولتعلم انه سيحصل وعد الله في حفظه ورسالته. فاذا رأوا السبب تشوشا شوش ذلك ايمانهم لعدم علمهم الكامل ان الله تعالى يجعل المحن الشاقة والعقبات الشاقة بين يدي الامور العالية والمطالع الفاضلة فاستمر موسى عليه الصلاة والسلام عند ال فرعون يتربى في سلطانهم ويركب مراكبهم ويلبس ملابسهم وامه بذلك مطمئنة قد استقر انها امه من الرضاع. ولم يستنكر ملازمته اياها وحنوها عليه. وتأمل هذا اللطف وصيانة نبيه من الكذب في منطقه وتيسير الامر الذي صار به التعلق بينه وبينها. الذي بان للناس انه هو الرضاع الذي بسببه يسميها فكان الكلام الكثير منه ومن غيره في ذلك كله صدقا وحقا ولما بلغ اشده من القوة والعقل واللب وذلك نحو اربعين سنة في الغالب واستوى كملت فيه تلك الامور اتيناه حكما وعلما. اي حكما يعرف به الاحكام الشرعية ويحكم به بين الناس وعلما كثيرا. وكذلك نجزي المحسنين في عبادة الله. المحسنين لخلق الله نعطيهم علما وحكما بحسب احسانهم. ودل هذا على كمال احسان موسى عليه السلام ودخل المدينة على حين غفلة من اهلها اما وقت القائلة او غير ذلك من الاوقات التي بها يغفلون عن الانتشار. فوجد فيها رجلين يقتتلان اي يتخاصمان ويتضاربان هذا من شيعته اي من بني اسرائيل وهذا من عدوه القبط قال هذا من عمل الشيطان انه عدو مضل مبين. فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه. لانه قد اشتهر وعلم الناس انه من بني اسرائيل واستغاثته لموسى دليل على انه بلغ موسى عليه السلام مبلغا يخاف منه. ويرجى من بيت المملكة والسلطان موسى فقضى عليه. فوكزه موسى اي وكز الذي من عدوه استجابة لاستغاثة الاسرائيلي. فقضى عليه اي اماته من تلك الوكزة لشدتها وقوة موسى. فندم موسى عليه السلام على ما جرى منه وقال هذا من عمل الشيطان اي من تزيينه ووسوسته انه عدو مضل مبين. فلذلك اجريت ما اجريت بسبب عداوته البينة. وحرصه على الاضلال ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له انه هو الغفور الرحيم. ثم استغفر ربه فقال ربي اني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له انه هو الغفور الرحيم. خصوصا للمخبتين المبادرين للانابة والتوبة. كما جرى من موسى عليه سلام. وقال موسى ربي بما انعمت عليه بالتوبة والمغفرة والنعم الكثيرة. فلن اكون ظهيرا اي معينا ومساعدا للمجرمين. اي لا اعين احدا على معصية. وهذا وعد من موسى عليه السلام بسبب منة الله عليه الا يعين مجرما. كما فعل في قتل القبطي. وهذا يفيد ان النعم تقتضي من العبد فعل الخير وترك الشر. فلما جرى منه قتل الذي هو من عدوه. خائفين اصبح في المدينة خائفا يترقب هل يشعر به ال فرعون ام لا؟ وانما خاف لانه قد علم انه لا يتجرأ احد على مثل في هذه الحال سوى موسى من بني اسرائيل. فبينما هو على تلك الحال فاذا الذي استنصره بالامس على عدوه يستصرخه على قبطي اخر قال له موسى موبخا له على حاله. اي بينوا الغواية ظاهر والجراءة ان تقتلني كما قتلت نفسا بالامس. فلما اراد ان يبطش موسى بالذي هو عدو لهما. اي له وللمخاصم من مستصرخ اي لم يزل اللجاج بين القبطي والاسرائيلي وهو يستغيث بموسى فاخذته الحمية حتى هم ان يبطش بالقبطي. قال له القبطي زادرا له عن قتله. قال يا موسى اتريد ان تقتلني كما قتلت نفسا بالامس مصلحين. ان تريد الا ان تكون جبارا في الارض. لان من اعظم اثار الجبار في الارض قتل النفس بغير حق وما تريد ان تكون من المصلحين والا فلو اردت الاصلاح لحلت بيني وبينه من غير قتل احد فانكف موسى عن قتله وارعوى لوعظه وزجره. وشع الخبر بما جرى من موسى في هاتين القضيتين. حتى تراود ملأ فرعون وفرعون على وتشاوروا على ذلك وقيد الله ذلك الرجل الناصح. وبادرهم الى الاخبار لموسى بما اجتمع عليه رأي ملأهم. فقال وجاء رجل من اقصى المدينة يسعى قال يا موسى ان الملأ يأتمرون بك ليقتلون وجاء رجل من اقصى المدينة يسعى اي ركضا على قدميه من نصحه لموسى وخوفه ان يوقعوا به قبل ان يشعر فقال يا موسى ان الملأ يأتمرون اي يتشاورون فيك ليقتلوك اني لك من الناصحين. فاخرج من المدينة اني لك من الناصحين. فامتثل نصحه فخرج منها خائفا يترقب ان القتل ودعا الله وقال ربي نجني من القوم الظالمين. فانه قد تاب من ذنبه وفعله غضبا من غير قصد منه للقتل فتوعدهم له ظلم منهم وجراءة ان يهديني سواء السبيل. ولما توجهت القاء مدين اي قاصدا بوجهه مدين. وهو جنوبي فلسطين حيث لا ملك لفرعون. قال عسى ربي ان يهديني سواء السبيل. اي وسط الطريق المختصر الموصل اليها بسهولة ورفق. فهداه الله سواء السبيل فوصل الى مدين وجد عليه امة من الناس من دونهما امرأتين تذودان قال ما خطبكما؟ قال تعالى نسقي حتى يصدر الرعا قال تعالى نسقي حتى يصدر شيخ كبير. ولما ورد ماء مدين وجد عليه امة من الناس يسقون مواشيهم وكانوا اهل ماشية كثيرة ووجد من دونهم اي من دون تلك الامة امرأة تذودان غنمهما عن حياض الناس. لعجزهما عن مزاحمة الرجال وبخلهم. وعدم مروءتهم عن السقي لهما قال لهما موسى ما خطبكما؟ اي ما شأنكما بهذه الحالة اي قد جرت العادة انه لا يحصل لنا سقي حتى يصدر الرعاء مواشيهم. فاذا خلا لنا الجو سقينا اي لا قوة له على السقي. فليس فينا قوة نقتدر بها ولا لنا رجال يزاحمون الرعاء. فرق لهما موسى عليه السلام السلام رحمهما فسقى لهما ثم تولى الى الظل فقال انزلت الي من خير فقير. فسقى لهما غير طالب منهما الاجرة. ولا له قصد غير وجه الله تعالى قال فلما سقى لهما وكان ذلك وقت شدة حر وسط النهار بدليل قوله ثم تولى الى الظل مستريحا لذلك الظلال بعد فقال في تلك الحالة مسترزقا ربه. ربي اني لما انزلت الي من خير فقير. اي اني مفتقر للخير الذي تسوقه الي وتيسره لي وهذا سؤال منه بحاله. والسؤال بالحال ابلغ من السؤال بلسان المقال. فلم يزل في هذه الحالة داعيا ربه متملقا واما المرأتان فذهبتا الى ابيهما واخبرتاه بما جرى. فارسل ابوهما احداهما الى موسى قالت ان ابي يدعوك ليجزيك اجر ما سقيت فجاءته تمشي على استحياء وهذا يدل على كرم عنصرها وخلقها الحسن فان الحياء من الاخلاق الفاضلة وخصوصا في نساء ويدل على ان موسى عليه السلام لم يكن فيما فعله من السقي لهما بمنزلة الاجير والخادم الذي لا يستحى منه عادة. وانما هو عزيز النفس رأت من حسن خلقه ومكارم اخلاقه ما اوجب لها الحياء منه. فقالت له اي لا ليمن عليك. بل انت الذي ابتدأتنا بالاحسان. وانما قصده ان يكافئك على احسانك موسى الظالمين. فلما جاءه وقص عليه القصص من ابتداء السبب الموجب لهربه. الى ان وصل اليه قال له مسكنا روعة جابرا قلبه لا تخف نجوت من القوم الظالمين. اي ليذهب خوفك وروعك فان الله نجاك منهم حيث وصلت الى هذا المحل الذي ليس لهم عليه سلطان قالت احداهما اي احدى ابنتيه يا ابتي استأجره اي اجعله اجيرا عندك يرعى الغنم ويسقيها ان خير من استأجرت القوي الامين. اي ان موسى اولى من استأجر فانه جمع القوة والامانة وخير اجير استأجر من جمعهما. اي القوة والقدرة على ما استؤجر عليه. والامانة فيه بعدم الخيانة وهذان الوصفان ينبغي اخبارهما في كل من يتولى للانسان عملا بايجارة او غيرها. فان الخلل لا يكون الا بفقدهما او فقد احداهما. واما اجتماعهما فان العمل يتم ويكمل. وانما قالت ذلك لانها شاهدت من قوة موسى عند السقي لهما ونشاطه. ما عرفت به قوته. وشاهدت من امام وديانته وانه رحمهما في حالة لا يرجى نفعهما. وانما قصده بذلك وجه الله تعالى قال صاحب مدين لموسى اني اريد ان انكحك احدى ابنتي هاتين على ان تأجرني اي تصير اجيرا عندي ثماني حجج اي ثماني سنين تبرع منك لا شيء واجب عليك وما اريد ان اشق عليك ساحتم عشر السنين او ما اريد ان استأجرك لاكلفك اعمالا شاقة. وانما استأجرك لعمل سهل يسير. لا مشقة فيه فرغبه في سهولة العمل وفي حسن المعاملة هذا يدل على ان الرجل الصالح ينبغي له ان يحسن خلقه مهما امكنه. وان الذي يطلب منه ابلغ من غيره قضيت فلا عدوان علي. والله على ما نقول قولوا وكيل فقال موسى عليه السلام مجيبا له فيما طلب منه ذلك بيني وبينك اي هذا الشرط الذي انت ذكرت رضيت به وقد تم فيما بيني وبينك. اي ما الاجلين قضيت فلا عدوان علي. سواء قضيت الثمانية الواجبة ام تبرعت عليها حافظ يراقبنا ويعلم ما تعاقدنا عليه وهذا الرجل ابو المرأتين صاحب مدين ليس بشعيب النبي المعروف كما اشتهر عند كثير من الناس. فان هذا قول من لم يدل عليه دليل وغاية ما يكون ان شعيبا عليه السلام قد كانت بلده مدين وهذه القضية جرت في مدين فاين الملازمة بين الامرين وايضا فانه غير معلوم ان موسى ادرك زمان شعيب. فكيف بشخصه؟ ولو كان ذلك الرجل شعيبا لذكره الله تعالى. ولسمته المرأتان وايضا فان شعيبا عليه الصلاة والسلام قد اهلك الله قومه بتكذيبهم اياه. ولم يبقى الا من امن به. وقد اعاذ الله المؤمنين ان يرضوا ابنتي نبيهم بمنعهما عن الماء. وصد ماشيتهما حتى يأتيهما رجل غريب. فيحسن اليهما ويسقي ماشيتهما. وما كان شعيب ليرضى ان يرعى موسى عنده ويكون خادما له. وهو افضل منه اعلى درجة. والله اعلم. الا ان يقال هذا قبل نبوة موسى فلا منافاة وعلى كل حال لا يعتمد على انه شعيب النبي بغير نقل صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم لعلي اتيكم منها بخبر او جذوة فلما قضى موسى الاجل يحتمل انه قضى الاجل الواجب او الزائد عليه كما هو الظن بموسى ووفائه. اشتاق الى الوصول الى اهله ووالدته وعشيرته ووطنه. وعلم من طول المدة انهم قد تناسوا ما صدر منه. سار اهله قاصدا مصر انس اي ابصر من جانب الطور نارا. قال لاهلهم كثوا اني انست نارا وكان قد اصابهم فرض وتاه الطريق من الشجرة ان يا موسى اي يا موسى اني انا الله رب العالمين وان القى فلما اتاها نودي يا موسى اني انا الله رب العالمين. فاخبره بالوهيته وربوبيته. ويلزم من ذلك ان يأمرهم بعبادته وتألهه. كما صرح به في الاية الاخرى فاعبدني واقم الصلاة لذكري. وان القي عصاك فالقاها مدبرا ولم يعقب يا موسى اقبل ولا تخف انك من الامنين. فلما رآها تهتز تسعى سعيا شديدا ولها صورة مهينة كانها جان. ذكر الحيات العظيم. واللا مدبرا ولم يعقب. اي يرجع لاستيلاء الروع على قلبه فقال الله له وهذا ابلغ ما يكون في التأمين وعدم الخوف فان قوله اقبل يقتضي الامر باقباله ويجب عليه الامتثال. ولكن قد يكون اقباله وهو لم يزل الامر المخوف فقال ولا تخف امر له بشيئين. اقباله والا يكون في قلبه خوف. ولكن يبقى احتمال. وهو انه قد يقبل وهو غير خائف ولكن لا تحصل له الوقاية والامن من المكروه. فقال انك من الامنين. فحين اذ اندفع المحظور من جميع الوجوه. فاقبل موسى عليه السلام السلام غير خائف ولا مرعوب. بل مطمئنا واثقا بخبر ربه. قد ازداد ايمانه وتم يقينه. فهذه اية اراه الله اياها قبل ذهاب به الى فرعون ليكون على يقين تام فيكون اجرأ له واقوى واصلب. ثم اراه الاية الاخرى فقال اسلك يدك اي ادخلها في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء. فسلكها واخرجها كما ذكره الله تعالى. واضمم اليك جناحك من الرهن اي ضم جناحك. وهو عضدك الى جنبك يزول عنك الرهب والخوف فذلك انقلاب العصا حية وخروج اليد رأى من غير سوء برهانان من ربك اي حجتان قاطعتان من الله. الى فرعون وملأه قوما فلا يكفيه مجرد الانذار وامر الرسول اياهم. بل لا بد من الايات الباهرة. ان نفعت فقال موسى عليه السلام معتذرا من ربه وسائل له المعونة على ما حمله. وذاكرا له الموانع التي فيه. ليزيل ربه ما يحذره منها. ربي اني قتلت منهم نفسا. اي فاخاف ان يقولون واخي هارون هو افصح مني لسانا ارسله معي ردءا اي معاونا ومساعدا يصدقني. فانه مع تضافر الاخبار يقوى الحق. فاجابه الله الى سؤاله. فقال قال سنشد عضدك باخيك ونجعل لك ما سلطانا فلا يصلون اليكما سنشد عضدك باخيك اي نعاونك به ونقويك ثم ازال عنه محظور القتل فقال ونجعل لك ما سلطانا اي تسلطا وتمكنا من الدعوة بالحجة والهيبة الالهية من لهما. وذلك بسبب اياتنا. وما دلت عليه من الحق. وما ازعجت به من بشرها ونظر اليها فهي التي بها حصل لكم السلطان. واندفع بها عنكم كيد عدوكم. وصارت لكم ابلغ من الجنود. اولي العدد والعدد اياتنا ومن اتبعكما الغالبون. وهذا وعد لموسى في ذلك الوقت وهو وحده فريد وقد رجع الى بلده بعد ما كان شريدا. فلم تزل الاحوال تتطور والامور تنتقل حتى انجز الله له موعودة ومكنه من العباد والبلاد وصار له ولاتباعه الغلبة والظهور. فذهب موسى برسالة ربه اياتنا بينات قالوا ما هذا الا سحر مفترى. قالوا ما هذا الا سحر وما سمعنا بهذا في ابائنا الاولين فلما جاءهم موسى باياتنا بينات واضحات الدلالة على ما قاله لهم ليس فيها قصور ولا خفاء. قالوا على وجه الظلم والعلو والعناد ما هذا الا سحر مفترى. كما قال فرعون في تلك الحالة التي ظهر فيها الحق. واستعلى على الباطل واضمحل الباطل. وخضع له الرؤساء العارفون حقائق الامور. انه لكبيركم الذي علمكم السحر. هذا وهو الذكي غير الذكي. الذي بلغ من المكر والخداع والكيد ما قصه الله علينا وقد علم ما انزل هؤلاء الا رب السماوات والارض ولكن الشقاء غالب الاولين. وقد كذبوا في ذلك فان الله ارسل يوسف عليه السلام قبل موسى. كما فقال تعالى ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به. حتى اذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا وقال موسى ربي اعلم بمن عنده ومن يكون له عاقبة انه لا يفلح الظالمون وقال موسى حين زعموا الذي جاءهم به سحر وضلال. وان ما هم عليه هو الهدى. ربي اعلم بمن جاء بالهدى من عنده. ومن تكون له عاقبة الدار. اي اذا لم تفد المقابلة معكم وتبيين الايات البينات. وابيتم الا التمادي في غيكم واللجاج على كفركم. فالله تعالى العالم بالمهتدي وغيره. ومن تكون له عاقبة الدار نحن ام انتم فصار عاقبة الدار لموسى واتباعه. والفلاح والفوز فصار لاولئك الخسار سوء العاقبة والهلاك وقال فرعون يا ايها الملأ ما علمت لكم من اله غيري فاوقد لي يا هامان وقال فرعون متجرأ على ربه ومموها على قومه السفهاء اخفاء العقول. يا ايها الملأ ما علمت من اله غيري اي انا وحدي الهكم ومعبودكم. ولو كان ثم اله غيري لعلمته. فانظر الى هذا الورع التام من فرعون. حيث لم يقل ما لكم من اله غيري بل تورع وقال ما علمت لكم من اله غيري. وهذا لانه عندهم العالم الفاضل. الذي مهما من قال فهو الحق ومهما امر اطاعوه. فلما قال هذه المقالة التي قد تحتمل ان ثم الها غيره. اراد ان يحقق النفي الذي جعل فيه ذلك الاحتمال فقال لهامان فاوقد لي هامان على الطين. ليجعل له لبنا من فخار. فاجعل لي صرحا اي بناء اطلع الى اله موسى ولكن سنحقق هذا الظن ونريكم كذب موسى فانظر هذه الجراءة العظيمة على الله. التي ما بلغها ادمي. كذب موسى وادعى انه اله ان يكون له علم بالاله الحق. وفعل الاسباب ليتوصل الى اله موسى. وكل هذا ترويج. ولكن العجب من هؤلاء الملأ الذين يزعمون انهم كبار المملكة المدبرون لشؤونها. كيف لعب هذا الرجل بعقولهم واستخف احلامهم؟ وهذا لفسقهم الذي صار صفة راسخة فيهم فسد دينهم. ثم تبع ذلك فساد عقولهم. فنسألك اللهم الثبات على الايمان. والا تزيغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وتهب لنا من لدنك رحمة. انك انت الوهاب. قال تعالى واستكبر هو وجنوده واستكبره جنوده في الارض بغير الحق استكبروا على عباد الله وساموهم سوء العذاب واستكبروا على رسل الله وما جاءوهم به من الايات فكذبوها وزعموا ان ما هم عليه اعلى منها وافضل. فلذلك تجرأوا والا فلو علموا او ظنوا انهم يرجعون الى الله لما كان منهم ما كان فاخذناه وجنوده عندما استمر عنادهم وبغيهم فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين. كانت اشر العواقب واخسرها. عاقبة اعقبتها العقوبة الدنيوية مستمرة المتصلة بالعقوبة الاخروية اي جعلنا فرعون وملأه من الائمة الذين يقتدى بهم. ويمشى خلفهم الى دار الخزي والشقاء القيامة لا ينصرون. ويوم القيامة لا ينصرون من عذاب الله. فهم اضعف شيء عن دفعه عن انفسهم وليس لهم من دون الله من ولي ولا نصير. واتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة واتبعناهم في هذه الدنيا لعنة. اي واتبعناهم زيادة في عقوبتهم وخزيهم. في الدنيا لعنة يلعنون ولهم عند الخلق الثناء القبيح والمقت والذم وهذا امر مشاهد. فهم ائمة الملعونين في الدنيا ومقدمتهم. ويوم القيامة هم من المقبوحين ويوم القيامة هم من المقبوحين المبعدين المستقذرة افعالهم الذين اجتمعوا عليهم مقت الله ومقت خلقه ومقت انفسهم بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون ولقد اتينا موسى الكتاب وهو التوراة من بعد ما اهلكنا القرون الاولى الذين كان خاتمتهم في الاهلاك العام فرعون وجنوده. وهذا دليل على انه بعد نزول التوراة انقطع الهلاك العام. وشرع جهاد بالسيف بصائر للناس. اي كتاب الله الذي انزله على موسى فيه بصائر للناس. اي امور يبصرون بها وما ينفعهم وما يضرهم فتقوم الحجة على العاصي وينتفع بها المؤمن فتكون رحمة في حقه وهداية له الى الصراط المستقيم. ولهذا قال وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون. ولما قص الله على رسوله ما قص من هذه الاخبار الغيبية. نبه العباد على ان هذا خبر الهي محو. ليس للرسول طريق الى علمه الا من جهة الوحي. ولهذا قال وما كنت بجانب الغربي اي بجانب الطور الغربي وقت قضائنا لموسى الامر وما كنت من الشاهدين على ذلك. حتى يقال انه وصل اليك من هذا الطريق فاندرس العلم ونسيت اياته. فبعثناك في وقت اشتدت الحاجة اليك والى ما علمناك واوحينا اليك وما كنت ساويا اي مقيما في اهل مدينة تتلو عليهم اياتنا. اي تعلمهم وتتعلم منهم حتى اخبرت بما اخبرت به من شأن موسى في مدين. اي ولكن ذلك الخبر الذي جئت به عن موسى اثر من اثار ارسالنا اياك ووحي لا سبيل لك الى علمه بدون ارسالنا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما ما اتاهم من نذير من قبرك لعلهم وما كنت بجانب الطور اذ نادينا موسى وامرناه ان يأتي القوم الظالمين ويبلغهم رسالتنا ويريهم من اياتنا وعجائبنا ما قصصنا عليك. والمقصود ان الماجريات التي جرت لموسى عليه الصلاة والسلام في هذه الاماكن فقصصتها كما هي من غير زيادة ولا نقص لا يخلو من احد امرين. اما ان تكون حضرتها وشاهدتها او ذهبت الى محالها فتعلمتها من اهلها. فحينئذ لا يدل ذلك على انك رسول الله. اذ الامور التي يخبر بها عن شهادة ودراسة من الامور المشتركة غير المختصة بالانبياء. ولكن هذا قد علم وتيقن انه ما كان وما صار. فاولياؤك واعداؤك يعلمون عدم ذلك. فتعين الامر الثاني وهو ان هذا جاءك من قبل الله وارساله فثبت بالدليل القطعي صحة رسالتك. ورحمة الله بك للعباد. ولهذا قال اي العرب وقريش. فان الرسالة عندهم لا تعرف وقتا ارسال الرسول وقبله بازمان متطاولة. لعلهم يتذكرون تفصيل الخير فيفعلونه والشر فيتركونه فاذا كنت بهذه المنزلة كان الواجب عليهم المبادرة الى الايمان بك وشكر هذه النعمة التي لا يقادر قدرها ولا يدرك وشكرها وانذاره للعرب لا ينفي ان يكون مرسلا لغيرهم فانه عربي. والقرآن الذي انزل عليه عربي. واول من باشر بدعوته العرب فكانت رسالته اليهم اصلا ولغيرهم تبع كما قال الله تعالى اكان للناس عجبا ان اوحينا الى رجل منهم ان انذر الناس قل يا ايها الناس اني رسول الله اليكم جميعا في دينهم فيقولوا ربنا لولا ارسلت الينا رسولا لولا ارسلت الينا رسولا ولولا ان تصيبهم مصيبة بما قدمت ايديهم من الكفر والمعاصي. فيقول ربنا لولا ارسلت الينا رسولا فنتبع اياتك ونكون من المؤمنين. اي فارسلناك يا محمد لدفع حجتهم وقطع مقالتهم فلم يكفروا بما اوتي موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا وقالوا انا بكل كافرون فلما جاءهم الحق الذي لا شك فيه من عندنا وهو القرآن الذي اوحيناه اليك. قالوا مكذبين له بما ليس يعترض به لولا اوتي مثل ما اوتي موسى اي انزل عليه كتاب من السماء جملة واحدة اي فاما ما دام ينزل الرقاء فانه ليس من عند الله. واي دليل في هذا؟ واي شبهة انه ليس من عند الله حين نزل مفرقا. بل من كمال هذا القرآن واعتناء الله بمن انزل عليه ان نزل متفرقا. ليثبت الله به فؤاد رسوله. ويحصل زيادة الايمان للمؤمنين ولا يأتونك بمثل الا جئناك بالحق واحسن تفسيرا. وايضا فان قياسهم على كتاب موسى قياس قد نقضوه. فكيف على كتاب كفروا به ولم يؤمنوا. ولهذا قال تظاهرا وقالوا انا بكل كافرون. قالوا سحران تظاهرا اي القرآن والتوراة. تعاونا في سحرهما واضلال الناس. وقالوا انا بكل كافرون. فثبت بهذا ان القوم يريدون ابطال الحق بما ليس ببرهان. وينقضونه بما لا ويقولون الاقوال المتناقضة المختلفة. وهذا شأن كل كافر. ولهذا صرح انهم كفروا بالكتابين والرسولين. ولكن هل كفرهم طلبا للحق واتباعا لامر عندهم خير منهما. ام مجرد هوى؟ قال الله تعالى ملزما لهم بذلك فاتوا بكتاب من عند الله هو اهدى منهما اي من التوراة والقرآن. اتبعه ان كنتم صادقين. ولا سبيل لهم ولا لغيرهم ان يأتوا بمثلهما. فانهما طرق العالم منذ خلقه الله مثل هذين الكتابين علما وهدى وبيانا ورحمة للخلق. وهذا من كمال الانصاف من الداعي ان قال انا مقصود الحق والهدى والرشد. وقد جئتكم بهذا الكتاب المشتمل على ذلك. الموافق لكتاب موسى. فيجب علينا جميعا الاذعان لهما واتباعهما من حيث كونهما هدى وحق. فان جئتموني بكتاب من عند الله هو اهدى منه ما اتبعته. والا فلا اترك هدى وحقا قد علمته لغيرهم وحق من اتبع هواه بغير هدى من الله ان الله لا يهدي القوم الظالمين. فان لم يستجيبوا فلم يأتوا بكتاب اهدى منهما فاعلم ان ما يتبعون اهواءهم. اي فاعلم ان تركهم اتباعك ليسوا ذاهبين الى حق يعرفونه ولا الى هدى وانما ذلك مجرد اتباع لاهوائهم فهذا من اضل الناس. حيث عرض عليه الهدى والصراط المستقيم. الموصل الى الله والى دار كرامته. فلم يلتفت اليه ولم يقبل عليه ودعاه هواه الى سلوك الطرق الموصلة الى الهلاك والشقاء. فاتبعه وترك الهدى فهل احد اضل ممن هذا وصفه؟ ولكن كل ما هو عدوانه وعدم محبته للحق. هو الذي اوجب له ان يبقى على ضلاله ولا يهديه الله. فلهذا قال اي الذين صار الظلم لهم وصفا والعناد لهم نعتا. جاءهم الحق فرفضوه. وعرض لهم الهوى فتبعوه. سدوا على انفسهم ابواب الهداية وطرقها. وفتحوا عليهم ابواب الغواية وسبلها. فهم في غيهم وظلمهم يعمهون وفي شقائهم وهلاكهم يترددون. وفي قوله فان لم يستجيبوا لك فاعلم ان ما يتبعون اهواءهم دليل على ان كل من لم للرسول وذهب الى قول مخالف لقول الرسول فانه لم يذهب الى هدى وانما ذهب الى هوى الى التكلم فيه. اذا لم يترجح عنده احد القولين فانه يستهدي ربه. ويسأله ان يهديه الصواب من القولين. بعد ان يقصد بقلبه الحق او يبحث عنه فان الله لا يخيب من هذه حاله. كما خرج موسى تلقاء مدين فقال عسى ربي ان يهديني سواء السبيل. ومن ولقد وصلنا لهم القول اي تابعناه وواصلناه وانزلناه شيئا فشيئا رحمة بهم ولطفا لعلهم يتذكرون. حين تتكرر عليهم اياته وتنزل عليهم بيناته وقت الحاجة اليها. فصار نزوله ومتفرقا رحمة بهم. فلما اعترضوا بما هو من مصالحهم. فصل في ذكر بعض الفوائد والعبر في هذه القصة العجيبة فمنها ان ايات الله تعالى وعبره وايامه في الامم السابقة انما يستفيد بها ويستنير المؤمنون. فعلى حسب ايمان العبد تكون عبرته. وان الله تعالى انما يسوق القصص لاجلهم. واما غيرهم فلا يعبأ الله بهم وليس لهم منها نور وهدى. ومنها ان الله تعالى اذا اراد امرا هيأ اسبابه واتى بها شيئا فشيئا بالتدريج لا دفعة واحدة. ومنها ان الامة المستضعفة ولو بلغت في الضعف ما بلغت لا ينبغي لها ان يستولي عليها الكسل عن طلب حقها. ولا الاياس من ارتقائها الى اعلى الامور. خصوصا اذا كانوا مظلومين فاستنقذ الله امة بني اسرائيل. الامة الضعيفة من اسر فرعون وملأه. ومكنهم في الارض. وملكهم بلادهم. ومنها ان الامة ما دامت ذليلة مقهورة لا تأخذ حقها ولا تتكلم به. لا يقوم لها امر دينها ولا دنياها. ولا يكون لها امامة فيه. ومن لطف الله بام موسى. وتهوينه عليها المصيبة بالبشارة. بان الله سيرد اليها ابنها ويجعله من المرسلين. ومنها ان الله يقدر على عبده بعض المشاق لينيله سرورا اعظم من ذلك. او يدفع عنه شرا اكثر منه. كما قدر على ام موسى ذلك الحزن الشديد والهم البليغ الذي هو وسيلة الى ان يصل اليها ابنها على وجه تطمئن به نفسها وتقر به عينها وتزداد به غبطة وسرورا ومنها ان الخوف الطبيعي من الخلق لا ينافي الايمان ولا يزيله. كما جرى لام موسى ولموسى من تلك المخاوف. ومنها ان الايمان يزيد وينقص وان من اعظم ما يزيد به الايمان ويتم به اليقين. الصبر عند المزعجات والتثبيت من الله عند المقلقات كما قال تعالى لولا ان ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين. اي ليزداد ايمانها بذلك ويطمئن قلبها. ومنها ان من اعظم نعم الله على عبده. واعظم معونة للعبد على اموره. تثبيت الله اياه. وربط جأشه وقلبه عند المخاوف. وعند الامور المذهلة انه بذلك يتمكن من القول الصواب والفعل الصواب. بخلاف من استمر قلقه وروعه وانزعاجه. فانه يضيع فكره ويذهل عقله. فلا ينتفع نفسه في تلك الحال ومنها ان العبد ولو عرف ان القضاء والقدر ووعد الله نافذ لابد منه فانه لا يهمل فعل الاسباب التي امر بها ولا يكون ذلك منافيا لايمانه بخبر الله. فان الله قد وعد ام موسى ان يرده عليها. ومع ذلك اجتهدت على رده وارسلت لتقصه وتطلبه. ومنها جواز خروج المرأة في حوائجها. وتكليمها للرجال من غير محظور. كما جرى لاخت موسى وابنتي صاحب ومنها جواز اخذ الاجرة على الكفالة والرضاع. والدلالة على من يفعل ذلك. ومنها ان الله من رحمته بعبده الضعيف الذي اكرامه ان يريه من اياته ويشهده من بيناته. ما يزيد به ايمانه. كما رد الله موسى على امه لتعلم ان وعد الله حق منها ان قتل الكافر الذي له عهد بعقد او عرف لا يجوز. فان موسى عليه السلام عد قتله القبطي الكافر ذنبا. واستغفر الله منه ومنها ان الذي يقتل النفوس بغير حق يعد من الجبارين الذين يفسدون في الارض. ومنها ان من قتل النفوس بغير حق كما انه يريد الاصلاح في الارض وتهييب اهل المعاصي فانه كاذب في ذلك. وهو مفسد كما حكى الله قول القبطي ان تريد الا ان تكون جبارا في الارض. وما تريد ان تكون من المصلحين. على وجه التقرر له. لا الانكار. ومنها ان اخبار الرجل غيره وبما قيل فيه على وجه التحذير له من شر يقع فيه. لا يكون ذلك نميمة بل قد يكون واجبا. كما اخبر ذلك الرجل لموسى ناصحا له محذرا ومنها انه اذا خاف القتل والتلف في الاقامة لا يلقي بيده الى التهلكة ولا يستسلم لذلك بل يذهب عنه كما فعل موسى ومنها انه عند تزاحم المفسدتين اذا كان لابد من ارتكاب احداهما انه ترتكب الاخف منهما والاسلم. كما ان الالهية هل ينفعونكم او يدفعون عنكم من عذاب الله او يغنون عنكم؟ فليفعلوا اذا ان كان فيهم اهلية وليروكم ان كان لهم قدرة فعلموا ان الحق لله وضل عنهم ما كانوا يفترون فعلموا حينئذ موسى لما دار الامر بين بقائه في مصر ولكنه يقتل او يذهب الى بعض البلدان البعيدة التي لا يعرف الطريق اليها وليس معه دليل يدله غير ربه ولكن هذه الحالة اقرب للسلامة من الاولى فتبعها موسى. ومنها ان الناظر في العلم عند الحاجة ان الرحمة بالخلق والاحسان على من يعرف ومن لا يعرف من اخلاق الانبياء. وان من الاحسان سقي الماشية الماء. واعانة العاجز ومنها استحباب الدعاء بتبيين الحال وشرحها. ولو كان الله عالما بها. لانه تعالى يحب تضرع عبده واظهار ذله ومسكنته كانت ايه؟ كما قال موسى ربي اني لما انزلت الي من خير فقير. ومنها ان الحياء خصوصا من الكرام من الاخلاق الممدوحة ومنها المكافأة على الاحسان لم يزل دأب الامم السابقين. ومنها ان العبد اذا فعل العمل لله تعالى ثم حصل له مكافأة اليه من غير قصد بالقصد الاول انه لا يلام على ذلك. كما قبل موسى مجازاة صاحب مدينة عن معروفه الذي لم يبتغي له. ولم يستشرف بقلبه على عوض ومنها مشروعية الاجارة. وانها تجوز على رعاية الغنم ونحوها. مما لا يقدر العمل وانما مرده العرف ومنها انه تجوز الاجارة بالمنفعة ولو كانت المنفعة بضعا. ومنها ان خطة الرجل لابنته الرجل الذي يتخيره لام عليه ومنها ان خير اجير وعامل يعمل للانسان ان يكون قويا امينا. ومنها ان من مكارم الاخلاق ان خلقه لاجيره ولخادمه. ولا يشق عليه بالعمل لقوله وما اريد ان اشق عليك. ستجدني ان شاء الله من الصالحين ومنها جواز عقد الاجارة وغيرها من العقود من دون اشهاد. لقوله والله على ما نقول وكيل. ومنها ما اجرى الله على يد موسى من الايات البينات والمعجزات الظاهرة من الحية وانقلاب يده بيضاء من غير سوء. ومن عصمة الله لموسى وهارون من فرعون ومن الغرق ومنها ان من اعظم العقوبات ان يكون الانسان اماما في الشر. وذلك بحسب معارضته لايات الله وبيناته. كما ان من اعظم نعمة انعم الله على عبده ان يجعله اماما في الخير هاديا مهديا. ومنها ما فيها من الدلالة على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم. حيث بذلك تفصيلا مطابقا وتأصيلا موافقا. قصه قصا صدق به المرسلين وايد به الحق المبين. من غير حضور شيء من تلك الوقائع ولا مشاهدة لموضع واحد من تلك المواضع. ولا تلاوة درس فيها شيئا من هذه الامور. ولا مجالسة احد من اهل العلم ان هو الا رسالة الرحيم الرحمن وحي انزله عليه الكريم المنان لينذر به قوما جاهلين. وعن النذر والرسل غافلين. فصلوات الله وسلامه على من مجرد خبره ينبئ انه رسول الله ومجرد امره ونهيه ينبه العقول النيرة انه من عند الله. كيف وقد تطابق على صحة ما جاء به وصدقه خبر الاولين والاخرين. والشرع الذي جاء به من رب العالمين. وما جبل عليه من الاخلاق الفاضلة. التي لا تناسب ولا يصلح الا لاعلى الخلق درجة. والنصر المبين لدينه وامته. حتى بلغ دينه مبلغ الليل والنهار. وفتحت امته معظم بلدان الانصار بالسيف والسنان وقلوبهم بالعلم والايمان. ولم تزل الامم المعاندة والملوك الكفرة المتعاضدة ترميه بقوس واحدة وتكيد له المكايد وتنكر لاطفائه واخفائه. واخماده من الارض وهو قد بهرها وعلاها لا يزداد الا نموا. ولا اياته وبراهينه الا ظهورا. وكل وقت من الاوقات يظهر من اياته ما هو عبرة للعالمين. وهداية للعالمين ونور وبصيرة متوسمين والحمد لله وحده. الذين اتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون يذكر تعالى عظمة القرآن وصدقه وحقه. وان اهل العلم بالحقيقة يعرفونه ويؤمنون به ويقرون بانه الحق. فقال الذين اتيناهم الكتاب من قبله وهم اهل التوراة والانجيل. الذين لم يغيروا ولم يبدلوا هم به. اي بهذا القرآن ومن جاء به يؤمن واذا يتلى عليهم استمعوا له واذعنوا وقالوا امنا به انه الحق من ربنا بموافقة ما جاءت به الرسل ومطابقته لما ذكر في الكتب واشتماله على الاخبار الصادقة والاوامر والنواهي الموافقة لغاية الحكمة. وهؤلاء الذين تفيد شهادتهم وينفع قولهم لانهم لا يقولون ما يقولون الا عن علم وبصيرة. لانهم اهل الصنف واهل الكتب وغيرهم لا ردهم ومعارضتهم للحق على شبهة فضلا عن الحجة لانهم ما بين جاهل فيه او متجاهل معاند للحق. قال الله تعالى قل امنوا به او لا تؤمنوا ان الذين اوتوا العلم من قبله اذا يتلى عليهم يخرون للاذقان سجدا. وقوله فلذلك ثبتنا على ما من الله به علينا من الايمان. فصدقنا بهذا القرآن امنا الكتاب الاول والكتاب الاخر. وغيرنا ينقض تكذيبه بهذا الكتاب. ايمانه بالكتاب الاول اولئك الذين امنوا بالكتابين يؤتون اجرهم مرتين اجرا على الايمان الاول واجرا على الايمان الثاني بما على الايمان وثبتوا على العمل فلم تزعزعهم عن ذلك شبهة ولا ثناهم عن الايمان رياسة ولا شهوة. ومن خصالهم الفاضلة التي من اثاري ايمانهم الصحيح انهم يدرؤون بالحسنة السيئة اي دأبهم وطريقتهم الاحسان لكل احد. حتى للمسيء اليهم بالقول والفعل قبلونه بالقول الحميد والفعل الجميل. لعلمهم بفضيلة هذا الخلق العظيم. وانه لا يوفق له الا ذو حظ عظيم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين واذا سمعوا اللغو من جاهل خاطبهم به قالوا مقالة عباد الرحمن اولي الالباب لنا اعمالنا ولكم اعمالكم اي كل سيجازى بعمله الذي عمله وحده ليس عليه من وزر غيره شيء. ولزم من ذلك انهم يتبرأون مما عليه الجاهلون. من اللغو والكلام الذي لا فائدة فيه. سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين. سلام عليكم اي لا تسمعون من الا الخير ولا نخاطبكم بمقتضى جهلكم. فانكم وان رضيتم لانفسكم هذا المرتع اللئيم. فانا ننزه انفسنا عنه ونصونها عن فيه لا نبتغي الجاهلين من كل وجه يخبر تعالى انك يا محمد وغيرك من باب اولى لا تقدر وعلى هداية احد ولو كان من احب الناس اليك فان هذا امر غير مقدور للخلق. هداية التوفيق وخلق الايمان في القلب وانما ذلك بيد الله سبحانه وتعالى يهدي من يشاء. وهو اعلم بمن يصلح للهداية فيهديه. ممن لا يصلح لها فيبقيه على ضلاله. واما اثبات الهداية للرسول في قوله تعالى وانك لتهدي الى صراط مستقيم. فتلك هداية البيان والارشاد. فالرسول يبين الصراط المستقيم. ويرغب ويبذل جهده في سلوك الخلق له. واما كونه يخلق في قلوبهم الايمان. ويوفقهم بالفعل. فحاشى وكلا. ولهذا لو كان قادرا عليها لهدى من وصل اليه احسانه ونصره ومنعه من قومه. عمه ابا طالب. ولكنه اوصل اليه من الاحسان بالدعوة للدين ونصح التام ما هو اعظم مما فعله معه عمه؟ ولكن الهداية بيد الله تعالى ولكن اكثرهم لا يعلمون. يخبر تعالى ان المكذبين من قريش واهل مكة يقولون للرسول صلى الله عليه وسلم ان نتبع الهدى معك نتخطف من ارضنا بالقتل والاسر ونهب الاموال. فان الناس قد عادوا وخالفوك فلو تابعناك لتعرظنا لمعاداة الناس كلهم ولم يكن لنا بهم طاقة. وهذا الكلام منهم يدل على سوء الظن بالله تعالى وانه لينصر دينه ولا يعلي كلمته بل يمكن الناس من اهل دينه فيسمونهم سوء العذاب وظنوا ان الباطل سيعلو على الحق قال الله مبينا لهم حالة هم بها دون الناس. وان الله اختصهم بها فقال اي او لم نجعلهم متمكنين ممكنين في ومن يكثره المنتابون ويقصده الزائرون. قد احترمه البعيد والقريب فلا يهاج اهله. ولا ينتقصونه بقليل ولا كثير والحال ان كل ما حولهم من الاماكن قد حف بها الخوف من كل جانب واهلها غير امنين ولا مطمئنين. فليحمدوا ربهم على هذا الامر التام الذي ليس فيه غيرهم وعلى الرزق الكثير. الذي يجيء اليهم من كل مكان. من الثمرات والاطعمة والبضائع. ما به يرتزقون ويتوسعون وليتبعوا هذا الرسول الكريم ليتم لهم الامن والرغد واياهم وتكذيبه والبطر بنعمة الله فيبدلوا من بعد بعد امنهم خوفا وبعد عزهم ذلا وبعد غناهم فقرا. ولهذا توعدهم بما فعل بالامم قبلهم. فقال اهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم الا وكم اهلكنا من قرية بطرت معيشتها اي فخرت بها والهتها واشتغلت عن الايمان بالرسل فاهلكهم الله وازال عنهم النعمة واحل بهم النقمة لتوالي الهلاك والتلف عليهم وايحاشها من بعدهم وكنا نحن الوارثين للعباد نميتهم. ثم ترجع الينا جميع ما متعناهم به من النعم. ثم نعيدهم الينا فنجازيهم باعمالهم ومن حكمته ورحمته الا يعذب الامم بمجرد كفرهم. قبل اقامة الحجة عليهم بارسال الرسول اليهم. ولهذا قال قال وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في امها رسول وما كان ربك مهلك القرى اي كفرهم وظلمهم حتى يبعث في امها. اي في القرية والمدينة التي اليها يرجعون. ونحوها يترددون. وكل ما حولها ينتجعها ولا تخفى عليه اخبارها. رسولا يتلو عليهم اياتنا الدالة على صحة ما جاء به. وصدق ما دعاهم اليه. فيبلغ قوله قاصيهم بخلاف بعث الرسل في القرى البعيدة والاطراف النائية. فان ذلك مظنة الخفاء والجفاء. والمدن الامهات مظنة الظهور وفي الغالب انهم اقل جفاء من غيرهم وما كنا مهلكي القرى الا واهلها ظالمون بالكفر والمعاصي. مستحقون للعقوبة. والحاصل ان الله لا يعذب احدا الا بظلمه واقامة الحجة عليه يا وزينتها وما عند الله خير وابقى افلا تعقلون. هذا حظ من الله من عباده على الزهد في الدنيا وعدم الاغترار بها وعلى الرغبة في الاخرى. وجعلها مقصود العبد ومطلوبه. ويخبرهم ان جميع ما اوتيت فيه الخلق من الذهب والفضة والحيوانات والامتعة. والنساء والبنين والمآكل والمشارب واللذات. كلها متاع الحياة الدنيا وزينتها اي يتمتع به وقتا قصيرا متاعا قاصرا محشو بالمنغصات ممزوج بالغصص. ويزين به زمانا يسيرا للفخر والرياء ثم يزول ذلك سريعا وينقضي جميعا. ولم يستفد صاحبه منه الا الحسرة والندم. والخيبة والحرمان وما عند الله من النعيم المقيم والعيش السليم خير وابقى. اي افضل في وصفه وكميته وهو دائم ابدا مستمر سرمدا. اي افلا يكون لكم عقول بها اي الامور اولى بالايثار؟ واي الدارين احق للعمل لها؟ فدل ذلك على انه بحسب عقل العبد يؤثر الاخرى على الدنيا. وانه ما اثر احد الدنيا الا لنقص في عقله. ولهذا نبه العقول على الموازنة بين عاقبة مؤثر الدنيا ومؤثري الاخرة. فقال متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين. افمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه. اي هل يستوي مؤمن ساع للاخرة سعيها؟ قد عمل على وعد ربه له. بالثواب الحسن الذي هو الجنة وما فيها من من النعيم العظيم فهو لاقيه من غير شك ولا ارتياب. لانه وعد من كريم صادق الوعد. لا يخلف الميعاد. لعبد قام بمرضاته وجانب سخطه فهو يأخذ فيها ويعطي ويأكل ويشرب ويتمتع كما تتمتع البهائم قد اشتغل بدنياه عن اخرته ولم يرفع بهدى الله رأسا ولم ينقض للمرسلين فهو لا يزال كذلك لا يتزود من دنياه الا الخساء والهلاك. ثم هو يوم القيامة من المحضرين للحساب. وقد علم انه لم يقدم خيرا لنفسه. وانما قدم جميع ما يضره. وانتقل الى دار الجزاء بالاعمال. فما ظنكم الى ما يصير اليه؟ وما تحسبون ما يصنع به فليختل العاقل لنفسه ما هو اولى بالاختيار واحق الامرين بالايثار كنتم تزعمون. هذا اخبار من الله تعالى عما يسأل عنه الخلائق يوم القيامة وانه يسألهم عن اصول الاشياء وعن عبادة الله واجابة رسله. فقال ويوم يناديهم اي ينادي من اشركوا به شركاء يعبدونهم ويرجون نفعهم ودفع الضرر عنهم فيناديهم ليبين لهم عجزها وضلالهم. فيقول اين شركائي؟ وليس لله ولكن ذلك بحسب زعمهم وافترائهم. ولهذا قال الذين كنتم تزعمون فاين هم بذواتهم؟ واين نفعهم اين دفعهم؟ ومن المعلوم انه يتبين لهم في تلك الحال ان الذي عبدوه ورجوه باطل مضمحل في ذاته وما رجوا منه. فيقرون على انفسهم بالضلالة والغواية. ولهذا الذين افضينا افضيناهم كما غوينا تبرأنا اليك ما كانوا ايانا يعبدون قال الذين حق عليهم القول الرؤساء والقادة في الكفر والشر مقرين بغوايتهم واغوائهم. ربنا هؤلاء التابعون الذين اغوينا اغويناهم كما غوينا. اي كلنا قد اشترك في الغواية وحق عليه كلمة العذاب تبرأنا اليك من عبادتهم. اي نحن براء منهم ومن عملهم. ما كان نحن ايانا يعبدون. وانما كانوا يعبدون الشياطين. وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم العذاب. ورأوا العذاب لو انهم كانوا يهتلون. وقيل لهم ادعوا شركاءكم على ما املتم فيهم من النفع. فامروا بدعائهم في ذلك الوقت الحرج. الذي يضطر فيه العابد الى من عبده. فدعا دعوهم لينفعوهم او يدفعوا عنهم من عذاب الله من شيء. فلم يستجيبوا لهم. فعلم الذين كفروا انهم كانوا كاذبين مستحقين للعقوبة ورأوا العذاب الذي سيحل بهم عيانا بابصارهم بعد ما كانوا به منكرين له. لو انهم كانوا يهتدون اي لما حصل عليهم ما حصل. وهدوا الى صراط الجنة كما اهتدوا في الدنيا. ولكن لم يهتدوا فلم يهتدوا. هل صدقتموهم اتبعتموهم ام كذبتموهم وخالفتموهم اي لم يحيروا عن هذا السؤال جوابا ولم يهتدوا الى الصواب. ومن المعلوم ان انه لا ينجي في هذا الموضع الا التصريح بالجواب الصحيح. المطابق لاحوالهم من اننا اجبناهم بالايمان والانقياد. ولكن لما علموا تكذيب وهم لهم وعنادهم لامرهم لم ينطقوا بشيء. ولا يمكن ان يتساءلوا ويتراجعوا بينهم في ماذا يجيبون به. ولو كان كذبا ان من تاب وامن وعمل صالحا فعسى ان يكون من المفلحين. لما ذكرت عائشة سؤال الخلق عن معبودهم وعن رسلهم. ذكر الطريق الذي ينجو به العبد من عقاب الله تعالى. وانه لا نجاة الا لمن اتصف بالتوبة من الشرك والمعاصي وامن بالله فعبده وامن برسله فصدقهم. وعمل صالحا متبعا فيه للرسل فعسى ان يكون من جمع هذه الخصال من المفلحين الناجحين بالمطلوب. الناجين من المرهوب فلا سبيل الى الفلاح بدون هذه الامور وربك يخلق ما يشاء ويختان ما كان لهم سبحان الله وتعالى عما يشركون ربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون. وهو الله لا اله الا هو له الحمد وله الحكم واليه ترجعون هذه ايات فيها عموم خلقه لسائر المخلوقات ونفوذ مشيئته بجميع البريات وانفراده باختيار من يختاره ويختصه من الاشخاص الاوامر والازمان والاماكن. وان احدا ليس له من الامر والاختيار شيء. وان الله تعالى منزه عن كل ما يشركون به. من الشريك والظهير والولد والصاحبة ونحو ذلك. مما اشرك به المشركون. وانه العالم بما اكنته الصدور وما اعلنوه. وانه وحده المعبود المحمود في الدنيا والاخرة على ما له من صفات الجلال والجمال وعلى ما اسداه الى خلقه من الاحسان والافضال. وانه هو الحاكم في الدارين في الدنيا بالحكم القدري الذي اثره جميع ما خلق وذرأ. والحكم الديني الذي اثره جميع الشرائع والاوامر والنواهي. وفي الاخرة بحكمه القدري والجزائي. ولهذا قال فيجازي كل منكم بعمله من خير وشر افلا تسمعون افلا تبصرون ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون هذا امتنان من الله على عباده يدعوهم به الى شكره. والقيام بعبوديته وحقه. انه جعل لهم من رحمته نهارا يبتغوا من فضل الله انتشر لطلب ارزاقهم ومعايشهم في ضيائه. والليل ليهدأوا فيه ويسكنوا وتستريح ابدانهم وانفسهم من تعب التصرف في النهار. فهذا من فضل ورحمته بعباده. فهل احد يقدر على شيء من ذلك؟ فلو جعل عليكم الليل سرمدا الى يوم القيامة. من اله غير الله يأتيكم بضيافة افلا تسمعون مواعظ الله واياته سماع فهم وقبول وانقياد. ولو جعل عليكم النهار سرمدا الى يوم القيامة. من اله خير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه. افلا تبصرون مواقع العبر ومواضع الايات؟ فتستنير بصائركم وتسلكوا الطريق المستقيم وقال في الليل افلا تسمعون؟ وفي النهار افلا تبصرون؟ لان سلطان السمع ابلغ في الليل من سلطان البصر. وعكسه النهر وفي هذه الايات تنبيه الى ان العبد ينبغي له ان يتدبر نعم الله عليه. ويتبصر فيها ويقيسها بحال عدمها. فانه اذا وازن بين حالة وجودها وبين حالة عدمها تنبه عقله لمواضع المنة بخلاف من جرى مع العوائد. ورأى ان هذا امر لم يزل مستمرة ولا يزال وعمي قلبه عن الثناء على الله بنعمه. ورؤية افتقاره اليها في كل وقت. فان هذا لا يحدث له فكرة شكرا ولا ذكرا ونزعنا من كل امة شهيدا فقلنا برهانكم فعلموا اي ويوم ينادي الله المشركين به العادلين به غيره الذين يزعمون ان له شركاء يستحقون ان يعبدوا وينفعون ويضرون. فاذا كان يوم القيامة اراد الله ان اظهر جرائتهم وكذبهم في زعمهم وتكذيبهم لانفسهم فيناديهم اي بزعمهم لا بنفس الامر كما قال وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء ان يتبعون الا الظن وان هم الا يخرصون. فاذا حضروا واياهم نزع من كل امة من الامم الكاذبة شهيدا. يشهد على ما جرى في الدنيا من شركهم واعتقادهم وهؤلاء بمنزلة المنتخبين. اي انتخبنا من رؤساء المكذبين من يتصدى للخصومة عنهم المجادلة عن اخوانهم ومن هم واياهم على طريق واحد. فاذا برزوا للمحاكمة حجتكم ودليلكم على صحة شرككم هل امرناكم بذلك؟ هل امرتكم رسلي؟ هل وجدتم ذلك في شيء من كتبي؟ هل فيهم احد يستحق شيئا من يوفق له الا الصابرون. الذين حبسوا انفسهم على طاعة الله وعن معصيته وعلى اقداره المؤلمة. وصبروا على جواذب الدنيا وشهواتها. ان تشغلهم عن ربهم وان تحول بينهم وبين ما خلقوا له. فهؤلاء الذين بطلان قولهم وفسادا ان الحق لله تعالى قد توجهت عليهم الخصومة وانقطعت حجتهم وافلجت حجة الله وظل عنهم ما كانوا يفترون من الكذب والافك اضمحل وتلاشى وعدم وعلموا ان الله قد عدل فيهم حيث لم يضع العقوبة الا بمن استحقها واستأهلها اذ قال له قومه لا تفرح ان الله لا يحب الفرحين. يخبر تعالى عن حالة قارون وما فعل وفعل به ونصح ووعظ فقال ان قارون كان من قوم موسى اي من بني اسرائيل الذين فضلوا على العالمين وفاقوهم في زمانهم. وامتن الله عليهم بما امتن به. فكانت حالهم مناسبة للاستقامة. ولكن قارون هذا بغى على قومه طغى بما اوتيه من الاموال العظيمة المطغية. واتيناه من الكنوز اي كنوز الاموال شيئا كثيرا. ما ان مفاتحه لتنوء بالعصبة اولي القوة والعصبة من العشرة الى التسعة الى السبعة ونحو ذلك. اي حتى ان مفاتح خزائن امواله لتثقل الجماعة القوية عن حملها هذه المفاتيح فما ظنك بالخزائن اذ قال له قومه ناصحين له محذرين له عن الطغيان. لا تفرح اي لا تفرح بهذه الدنيا العظيمة. وتفتخر بها وتلهك عن الاخرة. فان الله لا يحب الفرحين بها مكبين على محبتها وابتغي فيما اتاك الله الدار الاخرة. اي قد حصل عندك من وسائل الاخرة ما ليس عند غيرك من الاموال. فابتغ بها ما الله وتصدق ولا تقتصر على مجرد نيل الشهوات وتحصيل اللذات. ولا تنسى نصيبك من الدنيا. اي لا نأمرك ان تتصدق بجميع ما وتبقى ضائعا بل انفق لاخرتك واستمتع بدنياك استمتاعا لا يثلم دينك. ولا يضر باخرتك واحسن الى عباد كما احسن الله عليك بهذه الاموال. ولا تبغي الفساد في الارض بالتكبر والعمل بمعاصي الله. والاشتغال بالنعم عن المنعم ان الله لا يحب المفسدين. بل يعاقبهم على ذلك اشد العقوبة فقال قارون رادا لنصيحتهم كافرا لنعمة ربه. انما اوتيته على علم عندي. اي انما ادركت هذه الاموال بكسبي ومعرفتي بوجوه المكاسب. وحذقي او على علم من الله بحالي. يعلم اني اهل لذلك. فلم تنصحون على ما اعطاني الله تعالى. قال تعالى مبينا ان عطاءه ليس دليلا على حسن حالة معطى فما المانع من اهلاك قارون مع مضي عادتنا وسنتنا باهلاك من هو مثله واعظم. اذ فعل ما يوجب الهلاك فل يعاقبهم الله ويعذبهم على ما يعلمه منهم. فهم وان اثبتوا لانفسهم حالة حسنة. وشهدوا لها بالنجاة فليس قولهم مقبولا وليس ذلك دافعا عنهم من العذاب شيئا. لان ذنوبهم غير خفية فانكارهم لا محل له. فلم يزل قارون مستمرا على عناده وبغيه وعدم قبول نصيحة قومه فرحا بطلا قد اعجبته نفسه وغره ما اوتيه من الاموال في زينته. قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما اوتي قارون انه لذو حظ عظيم. فخرج ذات يوم في زينته اي بحالة ارفع ما يكون من احوال دنياه. قد كان له من الاموال ما كان وقد استعد وتجمل باعظم ما يمكنه. وتلك الزينة في العادة من مثله تكون هائلة. جمعت زينة الدنيا وزهرتها وبهجتها وغدارتها وفخرها. فرمقته في تلك الحالة العيون. وملأت بزته القلوب واختلبت زينته النفوس. فانقسم فيه الناظرون كل تكلم بحسب ما عنده من الهمة والرغبة لما اوتي قارون. قال الذين يريدون الحياة الدنيا اي الذين تعلقت ارادتهم فيها وصارت منتهى رغبتهم ليس لهم ارادة في سواها. يا ليت لنا مثل ما اوتي قارون من الدنيا ومتاعها وزهرتها وصدقوا انه لذو حظ عظيم. لو كان الامر منتهيا الى رغباتهم. وانه ليس وراء الدنيا دار اخرى. فانه قد اعطي منها ما به غاية التنعم بنعيم الدنيا. واقتدر بذلك على جميع مطالبه. فصار هذا الحظ العظيم بحسب همتهم ان همة جعلت هذا غاية مرادها ومنتهى مطلبها. لمن ادنى الهمم واسفلها وادناها. وليس لها ادنى صعود الى المردات العالية الغالية ولا يلقها الا الصابرون. وقال الذين اوتوا العلم الذين عرفوا حقائق الاشياء. ونظروا الى باطن الدنيا حين نظر اولئك الى ظاهرها ويلكم متوجعين مما تمنوا لانفسهم راثين لحالهم منكرين لمقالهم ثواب الله العاجل من لذة العبادة ومحبته. والانابة اليه والاقبال عليه والاجل من الجنة وما فيها. مما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين خير من هذا الذي تمنيتم ورغبتم فيه. فهذا حقيقة الامر. ولكن ما كل من يعلم ذلك يؤثر الاعلى على الادنى. فما يلقى ذلك يؤثرون ثواب الله على الدنيا الفانية. فلما انتهت بقارون حالة البغي والفخر. وزينت الدنيا عنده وكثر بها اعجابه. بغت انه العذاب فخسفنا به وبداره الارض جزاء من جنس عمله. فكما رفع نفسه على عباد الله انزله الله اسفل سافلين هو وما اغتر به من داره واثاثه ومتاعه. فما كان له من فئة اي جماعة وعصبة وخدم وجنود ينصرونه من دون الله. اي جاءه العذاب فما نصر ولا انتصر الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر. لولا ان منا الله علينا واصبح الذين تمنوا مكانه بالامس اي الذين يريدون الحياة الدنيا الذين قالوا يا ليت لنا مثل ما اوتي قارون يقولون متوجعين ومعتبرين وخائفين من وقوع العذاب بهم ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر. اي يضيقوا الرزق على من يشاء. فعلمنا حينئذ ان بسطه لقارون ليس دليلا على خير فيه واننا غالطون في قولنا انه لذو حظ عظيم لولا ان من الله علينا فلم يعاقبنا على ما قلنا فلولا فضله ومنته لخسف بنا. فصار هلاك قارون عقوبة له وعبرة وموعظة لغيره. حتى ان الذين غبطوا سمعت كيف ندموا وتغير فكرهم الاول اي لا في الدنيا ولا في الاخرة. تلك الدار الاخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا والعاقبة للمتقين. لما ذكر تعالى قارون وما اوتيه من الدنيا وما سارت اليه عاقبة امره. وان اهل العلم قالوا ثواب الله خير لمن امن وعمل صالحا. رغب تعالى في الدار الاخرة واخبر وبالسبب الموصل اليها فقال تلك الدار الاخرة التي اخبر الله بها في كتبه واخبرت بها رسله التي قد جمعت كل نعيم واندفع عنها كل مكدر ومنغص. نجعلها دارا وقرارا للذين لا يريدون علوا في الارض ولا فسادا. اي ليس لهم ارادة فكيف العمل للعلو في الارض على عباد الله والتكبر عليهم وعلى الحق ولا فساد وهذا شامل لجميع المعاصي فاذا ولا ارادة لهم في العلو في الارض والافساد. لزم من ذلك ان تكون ارادتهم مصروفة الى الله. وقصدهم الدار الاخرة. وحالهم التواضع لعباد الله والانقياد للحق والعمل الصالح. وهؤلاء هم المتقون الذين لهم العاقبة. ولهذا قال والعاقبة اي حالة الفلاح والنجاح. التي تستقر وتستمر لمن اتقى الله تعالى وغيرهم وان حصل لهم بعض الظهور والراحة فانه لا يطول وقته ويزول عن قريب. وعلم من هذا الحصر في الاية الكريمة ان الذين يريدون العلو في الارض او الفساد ليس لهم في الدار الاخرة نصيب. ولا لهم منها نصيب فما كانوا يعملون. يخبر تعالى عن مضاعفة فضله وتمام عدله. فقال من جاء بالحسنة شرط فيها ان يأتي بها العامل لانه قد يعملها ولكن يقترن بها ما لا تقبل منه او يبطنها. فهذا لم يجئ بالحسنة. والحسنة اسم جنس جميع ما امر الله به ورسوله. من الاقوال والاعمال الظاهرة والباطنة. المتعلقة بحق الله تعالى وحق عباده. فله خير منها اي اعظم واجل. وفي الاية الاخرى فله عشر امثالها. هذا التضعيف للحسنة لا بد منه. وقد يقترن بذلك من الاسباب ما به المضاعفة. كما قال تعالى والله يضاعف لمن يشاء. والله واسع عليم. بحسب حال العامل وعمله ونفعه ومحله مكانه ومن جاء بالسيئة. وهي كل ما نهى الشارع عنه نهي تحريم. فلا يجزى الذين عملوا السيئات الا ما كانوا يعملون كقوله تعالى من جاء بالحسنة فله عشر امثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الا مثلها وهم لا يظلمون ان الذي فرض عليك القرآن الى معادك يقول تعالى ان الذي فرض عليك القرآن اي انزله وفرض فيه الاحكام. وبين فيه الحلال والحرام. وامرك بتبليغه للعالمين. والدعوة لاحكام جميع المكلفين. لا يليق بحكمته ان تكون الحياة هي الحياة الدنيا فقط. من غير ان يثاب العباد ويعاقب. بل لابد ان يردك الى يجازى فيه المحسنون باحسانهم والمسيئون بمعصيتهم. وقد بينت لهم الهدى واوضحت لهم المنهج فان تبعوك فذلك حظهم وسعادتهم. وان ابوا الا عصيانك والقدح بما جئت به من الهدى. وتفضيل ما معهم من الباطل على الحق. فلم يبق للمجادلة محله ولم يبق الا المجازاة على الاعمال من العالم بالغيب والشهادة. والمحق والمبطل. ولهذا قال وقد علم ان رسوله هو المهتدي الهادي وان اعداءه هم الضالون المضلون وما كنت ترجو ان يلقى اليك الكتاب اي لم تكن متحريا لنزول هذا الكتاب عليك ولا مستعدا له ولا متصديا. الا رحمة من ربك بك وبالعباد. فارسلك بهذا الكتاب الذي رحم به العالمين وعلمهم ما لم يكونوا يعلمون. وزكاهم وعلمهم الكتاب والحكمة. وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين. فاذا علمت انه انزله اليك رحمة منه. علمت ان جميع ما امر به ونهى عنه. فانه رحمة وفضل من الله. فلا يكن في صدرك حرج من شيء منه تظن ان مخالفه اصلح وانفع. اي معينا لهم على ما هو من كفرهم ومن جملة مظاهرتهم ان يقال في شيء منه انه خلاف الحكمة والمصلحة والمنفعة من ايات الله بعد اذ انزلت اليك. بل ابلغها وانفذها ولا تبالي بمكرهم. ولا يخدعنك انهى ولا تتبع اهواءهم. وادع الى ربك اي اجعل الدعوة الى ربك منتهى قصدك وغاية عملك. فكل ما خالف ذلك فارفضه من رياء او سمعة او موافقة اغراض اهل الباطل فان ذلك داع الى الكون معهم ومساعدتهم على امرهم. ولهذا قال لا في شركهم ولا في فروعه وشعبه. التي هي جميع المعاصي ولا تدعو مع الله الها اخر بل اخلص لله عبادتك فانه لا اله الا هو فلا احد يستحق ان يؤله ويحب ويعبد. الا الله الكامل الباقي الذي كل شيء هالك الا وجهه. واذا كان كل شيء هالك مضمحلا سواه. فعبادة الهالك الباطل باطلة ببطلان غايتها وفساد نهايتها له الحكم في الدنيا والاخرة. واليه لا الى غيره ترجعون. فاذا كان ما سوى الله باطلا هالكا الله هو الباقي الذي لا اله الا هو وله الحكم في الدنيا والاخرة. واليه مرجع الخلائق كلهم. يجازيهم باعمالهم عين على من له عقل ان يعبد الله وحده لا شريك له. ويعمل لما يقربه ويدنيه. ويحذر من سخطه وعقابه. وان يقدم على ربه غيرة تائب ولا مقلع عن خطئه وذنوبه