المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله التسعون والمائتان الحديث الثالث عن ابن عباس رضي الله عنهما انه قال لو ان الناس غضوا من الثلث الى الربع فان رسول الله قال الثلث والثلث كثير رواه البخاري ومسلم قال الشيخ السعدي رحمه الله في تعليقاته ولهذا قال ابن عباس لو ان الناس غضوا من الثلث الى الربع فان رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم قال الثلث والثلث كثير ثم لما علم ان قصده الاجتهاد في الخير وطلب الافضل بين له ذلك فقال انك ان تذر ورثتك اغنياء خير لك من ان تذرهم عالة اي فقراء يتكففون الناس ان يسألون الناس باكفهم ويطلق التكفف على التعفف وعلى سؤال الناس بالاكف اي ان لك اجرا بتخليف المال لورثتك اذا احتسبت ذلك على الله ثم اخبره بحالة عامة في حال الحياة فقال وانك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله الا اجرت بها اي انك اذا احتسبت ونويت رضا الله بالنفقة على عائلتك ومالك اجرت عليه وان كان في ذلك لك مصلحة ثم خص الزم النفقات فقال حتى ما تجعل فيه في امرأتك اي في فمها ولا يجوز تشديد الياء لانه من الاسماء الخمسة اي انك تؤجر على جميع النفقات اذا كان لك قصد حسن ونية صالحة حتى اللقمة تجعلها في فم امرأتك مع انه اعظم النفقات واوجبها فانها لا تسقط ابدا وكذا يؤجر على علف بهائمه ونفقة والديه واولاده حتى اللقمة يجعلها في فم الطفل فاذا كان يؤجر على النفقة عليهم حال حياته فكذا اذا وفر المال لهم بعد وفاته والفرق بالاحتساب وفيه يتفاوت الناس فمنهم من ينفق على وجه العادة فهذا لا يؤجر عليه ومنهم من ينوي نية عامة في جميع ما ينفقه ونية خاصة عند كل جزئية من الجزئيات فهذا يؤجر بقدر نيته ثم قال لما ظن انه يموت من مرضه يا رسول الله تخلف بعد اصحابي اي شكا عليه الحال وتوجع من ذلك وان كان هذا ليس في اختياره اي لانه رضي الله عنه كان من المهاجرين الاولين ومن افاضل الصحابة وكان قد امر المهاجرون الا يقيموا في مكة اكثر من ثلاثة ايام لانهم تركوا اوطانهم لله فلا يرجعون في ذلك كما نهى عن الرجوع في الصدقة والهبة كما تقدم والهجرة احد الاعمال الثلاثة التي هي افضل الاعمال الايمان والجهاد والهجرة وكانوا يحبون ان يوافق القدر الشرع فلا يحبسهم القدر في الارض التي هاجروا منها ولو كانوا في ذلك معذورين فاخبره رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم ان في تخلفه خيرا له فقال انك لن تخلف فتعمل عملا تبتغي به وجه الله الا ازددت به درجة ورفعة وهذا توصية له في التزود من الاعمال الصالحة وحث له على اغتنام هذه الفرصة ثم ذكر انه يخلف تخليفا اخر غير هذا فقال ولعلك ان تخلف اي بعد وفاته صلى الله عليه وعلى اله وسلم حتى ينتفع بك اقوام ويضر بك اخرون اي انك تكون رئيسا بعد موتي حتى ينتفع بسببك اقوام وهم المؤمنون ويضر بك اي بسببك اخرون وهم الكفار والمنافقون وقد وقع كما اخبر صلى الله عليه وعلى اله وسلم فانه لما توفي وانفسنا له الفداء وصارت الخلافة الى ابي بكر وارتد من ارتد من العرب فقاتلهم حتى رجعوا ثم جهز الجيوش الى الفرس وهم اقوى دول العالم في ذلك الزمان فكان سعد رضي الله عنه قائدا عظيما من قواد جيوش المسلمين ورئيسا من رؤسائهم فانتفع به المسلمون وتضرر به الكافرون فكان هذا مصداقا لخبره صلى الله عليه وعلى اله وسلم ومعجزة من معجزات نبوته ثم دعا بعد ذلك لاصحابه عموما فقال اللهم امضي لاصحابي هجرتهم اي تقبلها منهم واجعلها كاملة موفرة ولا تردهم على اعقابهم اي لا تخيبهم ثم قال لكن البائس اي الحزين سعد بن خولة يرثي له رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم ان مات بمكة ان يتوجعوا له لانه كان مهاجرا ومات في مكة وهذا ليس عليه فيه نقص وفي هذا الحديث فوائد كثيرة من الاصول فمن ذلك المعجزة العظيمة لرسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم حيث اخبره انه سيخلف حتى ينتفع به اقوام وهم مؤمنون ويضر به اخرون ومنها مشروعية عيادة المريض وهي من المستحبات العظيمة وقيل بوجوبها ولكن الصحيح انها تختلف باختلاف احوال الناس ودرجاتهم فتجب عيادة من في ترك عيادته عقوق كالوالدين والاقارب والاصدقاء الاخصاء ونحو ذلك وتستحب عيادة غيرهم ومنها استحباب تذكيره الوصية لانه اذا كان يستحب للمسلم ان يكتبها في حال صحته فكيف في حال المرض وينبغي ان يأتي بكلام لطيف لانه اقرب لحصول المقصود ومنها انه ينبغي ان يستشير من هو اعلم منه في ذلك ويلزمه النصح له ومنها انه يلزم من امره ان يكتب وصية فيها حيث او اشهده عليها ان يخبره بانه لا يجوز الحيث ويبين طريق الشرع ومنها انه لا يجوز الزيادة على الثلث في الوصية وينبغي الا يبلغ الثلث ولهذا قال ابن عباس لو ان الناس غضوا من الثلث الى الربع فان رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم قال الثلث والثلث كثير اي لو انهم قللوا الوصية لكان خيرا لهم ومنها انه يؤجر في توفير المال لورثته اذا احتسب ذلك خصوصا اذا كانوا محاويج ومنها انه يؤجر في جميع ما ينفقه في حال حياته اذا ابتغى بذلك وجه الله اي كان مخلصا حسن القصد حتى اوجبوا النفقات والزمها نفقة الزوجة ومنها ان المهاجر لا يقيم في الارض التي هاجر عنها لانه تركها لله فلا يرجع فيها كالهبة والصدقة لا يجوز له الرجوع فيها ومنها انه اذا قام بغير اختياره لمرض ونحوه فانه معذور لا ينقص بذلك اجره ومنها ان الله تعالى كمل للصحابة اجرهم وتمم للمهاجرين هجرتهم وقوله ولعلك ان تخلف هذا للتحقيق لان لعل في كلام الله ورسوله واجبة اي محققة الوقوع