المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. اي ودليل لهم وبرهان على ان الله وحده المعبود لانه المنعم بالنعم الصارف للنقم. الذي من جملة نعمه انا حملنا ذريتهم. قال كثير من المفسرين المراد بذلك اباؤهم. وخلقنا لهم من مثله ما يركبون. وخلقنا له اي للموجودين من بعدهم من مثله. اي من مثل ذلك الفلك اي جنسه ما يركبون به. فذكر نعمتهم على الاباء في السفن لان النعمة عليهم نعمة على الذرية. وهذا الموضع من اشكل المواضع علي في التفسير. فانما ذكره كثير من المفسرين من ان المراد بالذرية الاباء مما لا يعهد في القرآن اطلاق الذرية على الاباء. بل فيها من الايهام واخراج الكلام عن موضوعه ما يأباه كلام رب العالمين. وارادته البيان والتوضيح لعباده. وثم احتمال احسن من هذا. وهو ان المراد بالذرية الجنس. وانه هم بانفسهم لانهم هم من ذرية بني ادم. ولكن ينقض هذا المعنى قوله وخلقنا لهم من مثله ما يركبون. ان اريد واخلقنا من مثل ذلك الفلك اي لهؤلاء المخاطبين ما يركبون من انواع الفلك. فيكون ذلك تكريرا للمعنى تأباه فصاحة القرآن فان اريد بقوله وخلقنا لهم من مثله ما يركبون. الابل التي هي سفن البر استقام المعنى واتضح. الا انه يبقى ايضا ان يكون الكلام فيه تشويش. فانه لو اريد هذا المعنى لقال واية لهم انا حملناهم في الفلك المشحون. وخلقنا لهم من به ما يركبون. فاما ان يقول في الاول وحملنا ذريتهم. وفي الثاني حملناهم. فانه لا يظهر المعنى. الا ان يقال الضمير عائد الى الذرية. والله اعلم بحقيقة الحال. فلما وصلت في الكتابة الى هذا الموضع ظهر لي معنى ليس ببعيد من مراد الله تعالى وذلك ان من عرف جلالة كتاب الله وبيانه التام من كل وجه للامور الحاضرة والماضية والمستقبلة. وانه يذكر من كل اعلن اعلاه واكمل ما يكون من احواله. وكانت الفلك من اياته تعالى ونعمه على عباده. من حين انعم عليهم بتعلمها الى يوم القيامة ولم تزل موجودة في كل زمان الى زمان المواجهين بالقرآن فلما خاطبهم الله تعالى بالقرآن وذكر حالة الفلك علم تعالى انه سيكون اعظم ايات الفلك في غير وقتهم. وفي غير زمانهم حين يعلمهم صنعة الفلك البحرية الشراعية منها والنار والجوية السابحة في الجو كالطيور ونحوها والمراكب البرية مما كانت الاية العظمى فيه لم توجد الا في الذرية في الكتاب على اعلى نوع من انواع اياتها فقال واية لهم انا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون اي المملوء ركبانا وامتعة. فحملهم الله تعالى ونجاهم بالاسباب التي علمهم الله بها من الغرق. ولهذا نبههم على نعمته عليهم حيث انجاهم مع قدرته على ذلك. فقال وان شأن اغرقهم فلا صريخ لهم. اي لا احد يصرخ لهم فيعاونهم على الشدة. ولا يزيل عنهم المشقة مما هم فيه الا رحمة منا ومتاعا الى حين حيث لم نغرقهم لطفا بهم وتمتيعا لهم الى حين. لعلهم يرجعون. او يستدركون ما فرط منهم لعلكم ترحمون. واذا قيل لهم اتقوا ما بين ايديكم وما خلفكم اي من احوال البرزخ والقيامة وما في الدنيا من العقوبات لعلكم ترحمون. اعرضوا عن ذلك فلم يرفعوا به رأسا ولو جاء كل اية ولهذا قال وفي اضافة الايات الى ربهم دليل على كمالها ووضوحها. لانه ما ابين من اية من ايات الله ولا بيانا وان من جملة تربية الله لعباده ان اوصل اليهم الايات التي يستدلون بها على ما ينفعهم في دينهم ودنياهم فقيل لهم انفقوا مما رزقكم الله. قال الذين كفروا للذين امنوا ان من لو يشاء الله وطعنه. ان انتم الا في ضلال مبين. واذا قيل لهم انفقوا مما رزقكم الله. اي من الرزق الذي من الله به عليكم. ولو شاء لسلبكم اياه. قال الذين كفروا للذين امنوا معارضين للحق محتجين بالمشيئة الا في ضلال مبين. ان انتم ايها المؤمنون الا في ضلال مبين. حيث تأمروننا بذلك. وهذا مما فيدل على جهلهم العظيم او تجاهلهم الوخيم فان المشيئة ليست حجة لعاص ابدا فانه وان كان ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن فانه تعالى مكن العباد واعطاهم من القوة ما يقدرون على فعل الامر واجتناب النهي. فاذا تركوا ما امروا به كان ذلك اختيارا منهم لا جبرا لهم وقهرا. ويقولون على وجه التكذيب والاستعجال. قال الله تعالى لا يستبعد ذلك فانه عن قريب ما ينظرون الا صيحة واحدة وهي نفخة الصور تأخذهم اي تصيبهم وهم يخصمون. اي وهم لاهون عنها لم تخطر على قلوبهم في حال خصومتهم وتشاجرهم بينهم. الذي لا يوجد في الغالب الا وقت الغفلة. واذا اخذتهم وقت غفلتهم انهم لا ينظرون ولا يمهلون. فلا يستطيعون توصية ولا الى اهلهم يرجعون فلا يستطيعون توصية اي لا قليلة ولا كثيرة. ونفخ في النفخة الاولى هي نفخة الفزع والموت وهذه نفخة البعث والنشور. فاذا نفخ في الصور خرجوا من الاجداث والقبور ينسلون الى ربهم. اي يسرعون بين يديه لا يتمكنون من التأخر والتأني. وفي تلك الحال يحزن المكذبون ويظهرون الحسرة والندم ويقولون هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا اي من رقدتنا في القبور. لانه ورد في بعض الاحاديث ان لاهل القبور رقدة قبيل النفخ في الصور فيجابون فيقال لهم اي هذا الذي وعدكم الله به هو وعدتكم به الرسل فظهر صدقهم رأي عين. ولا تحسب ان ذكر الرحمن في هذا الموضع لمجرد الخبر عن وعده. وانما ذلك للاخبار بانه في ذلك اليوم العظيم سيرون من رحمته ما لا يخطر على الظنون ولا حسب به الحاسبون. كقوله الملك يومئذ الحق الرحمن وخشعت الاصوات للرحمن ونحو ذلك. مما يذكر اسمه الرحمن في هذا ان كانت البعثة من القبور الا واحدة ينفخ فيها اسرافيل في الصور. فتحيا الاجساد الاولون والاخرون والانس والجن ليحاسبوا على اعمالهم ولا تجزون الا ما كنتم تعملون. فاليوم لا تظلم نفس شيئا لا ينقص من حسناتها ولا يزاد في سيئاتها. من خير او شر فمن وجد خيرا فليحمد الله على ذلك. ومن وجد غير ذلك فلا يلومن الا نفسه لما ذكر تعالى ان كل احد لا يجازى الا ما عمله. ذكر جزاء الفريقين فبدأ بجزاء اهل الجنة واخبر انهم في ذلك اليوم. اي في شغل مفكه للنفس ملذ لها من كل ما تهواه النفوس وتلذه العيون. ويتمناه المتمنون. ومن ذلك افتضاض العذار الجميلات كما قال متكئون هم وازواجهم من الحور العين. اللاتي قد جمعن حسن الوجوه والابدان وحسن الاخلاق. في ظلال على الارائك اي على السرور المزينة باللباس المزخرف الحسن متكئون عليها اتكاء على كمال الراحة والطمأنينة واللذة لهم فيها فاكهة كثيرة من جميع انواع الثمار اللذيذة من عنب وتين ورمان وغيرها. اي يطلبون فمهما طلبوه وتمنوه ادركوه ولهم ايضا سلام حاصل لهم من رب رحيم. ففي هذا كلام ربي تعالى لاهل الجنة وسلامه عليهم. واكده بقوله قولا واذا سلم عليه من رب رحيم حصلت لهم السلامة التامة من جميع الوجوه وحصلت لهم التحية التي لا تحية اعلى منها ولا نعيم مثلها. فما ظنك بتحية ملك الملوك؟ الرب العظيم الرؤوف الرحيم لاهل دار كرامته. الذي احل عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم ابدا. فلولا ان الله تعالى قدر الا يموت او تزول قلوبهم عن اماكنها من الفرح والبهجة والسرور لحصل ذلك. فنرجو ربنا الا يحرمنا ذلك النعيم وان يمتعنا بالنظر الى وجهه الكريم. لما ذكر تعالى جزاء المتقين ذكر جزاء وانهم يقال لهم يوم القيامة امتازوا اليوم ايها المجرمون. اي تميزوا عن المؤمنين وكونوا على حدة ليوبخهم يقرعهم على رؤوس الاشهاد قبل ان يدخلهم النار. فيقول لهم يا بني ادم الا تعبد الم اعهد اليكم اي امركم واوصيكم على السنة رسلي واقول لكم يا بني ادم لا تعبد الشيطان اي لا تطيعوه. وهذا التوبيخ يدخل فيه التوبيخ عن جميع انواع الكفر والمعاصي. لانها كلها طاعة الشيطان وعبادة الله فحذرتكم من غاية التحذير وانذرتكم عن طاعته واخبرتكم بما يدعوكم اليه وامرتكم ان اعبدوني بامتثال اوامري وترك زواجري هذا صراط مستقيم. هذا اي عبادتي وطاعتي ومعصية الشيطان صراط مستقيم فعلوم الصراط المستقيم واعماله ترجع الى هذين الامرين اي فلم تحفظوا عهدي ولم تعملوا بوصيتي فواليتم عدوكم ولقد اضل منكم جبلا كثيرا. افلم تكونوا تعقلون كن اضل منكم جبلا كثيرا اي خلقا كثيرا. اي فلا كان لكم عقل يأمركم موالاة ربكم ووليكم الحق. ويستركم عن اتخاذ اعدى الاعداء لكم وليا. فلو كان لكم عقل صحيح لما فعلتم ذلك. فاذ اطعتم الشيطان وعاديتم الرحمن وكذبتم بلقائه. وردتم القيامة دار الجزاء وحق عليكم القول بالعذاب. هذه جهنم انما التي كنتم توعدون. وتكذبون بها. فانظروا اليها عيانا. فهناك تنزعج منهم القلوب وتزوغ الابصار ويحصل الفزع الاكبر. ثم يكمل ذلك بان يؤمر بهم الى النار. ويقال لهم ايدخلوها على وجه تصلاكم ويحيط بكم حرها ويبلغ منكم كل مبلغ بسبب كفيكم بايات الله وتكذيبكم لرسل الله. قال الله تعالى في بيان وصفهم الفظيع في دار الشقاء على افواههم وتكلمنا ايديهم. وتكلمنا ايديهم تشهد ارجلهم وتكلمنا ايديهم وتشهد ارجلهم بما كانوا يكسبون. اليوم نختم على افواههم بان نجعلهم خرسا فلا يتكلمون. فلا يقدرون على انكار ما عملوه من الكفر والتكذيب وتكلمنا ايديهم وتشهد ارجلهم بما كانوا يكسبون. اي تشهد عليهم اعضاؤهم بما عملوه وينطقها الذي انطق كل شيء فاستبقوا الصراط فانى يبصرون. ولو نشاء لطمسنا على اعينهم بان نذهب ابصارهم. كما طمسنا على نطقهم فاستبقوا الصراط اي فبادروا اليه لانه الطريق الى الوصول الى الجنة وقد طمست ابصارهم. لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا ومضيا ولا يرجعون ولو نشاءوا لمسخناهم على مكانتهم. اي لاذهبنا حركتهم فما استطاعوا مضيا الى الامام ولا يرجعون الى ورائهم ليبعدوا عن النار. والمعنى ان هؤلاء الكفار حقت عليهم كلمة العذاب ولم يكن بد من عقابهم. وفي ذلك الموطن ما ثم الا النار قد برزت. وليس لاحد نجاة الا بالعبور على الصراط وهذا لا يستطيعه الا اهل الايمان. الذين يمشون في نورهم. واما هؤلاء فليس لهم عند الله عهد في النجاة من النار. فان شاء طمس اعينهم وابقى حركتهم فلم يهتدوا الى الصراط لو استبقوا اليه وبادروه. وان شاء اذهب حراكهم فلم يستطيعوا التقدم ولا التأخر. المقصود انهم لا يعبرونه فلا تحصل لهم النجاة