المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم. تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير تبارك الذي بيده الملك اي تعاظم وتعالى وكثر خيره وعم احسانه من عظمته ام بيده ملك عالم العلوي والسفلي فهو الذي خلقه ويتصرف فيه بما شاء من الاحكام القدرية والاحكام الدينية التابعة لحكمته ومن عظمته كمال قدرته التي يقدر بها على كل شيء. وبها اوجد ما اوجد من المخلوقات العظيمة. كالسماوات والارض الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم ايكم احسن عملا وهو العزيز الغفور. وخلق الموت والحياة اياه اي قدر لعباده ان يحييهم ثم يميتهم ليبلوكم ايكم احسن عملا. اي اخلصه واصوبه. فان الله ما خلق عباده واخرجهم لهذه الدار. واخبرهم انهم سينقلون منها. وامرهم ونهاهم. وابتلاهم بالشهوات المعارضة لامر فمن انقاد لامر الله واحسن العمل احسن الله له الجزاء في الدارين. ومن مال مع شهوات النفس ونبذ امر الله فله شر وهو العزيز الذي له العزة كلها التي قهر بها جميع الاشياء وانقادت له المخلوقات الغفور عن المسيئين والمقصرين والمذنبين خصوصا اذا تابوا وانابوا فانه يغفر ذنوبهم ولو بلغت عنان السماء ويستر عيوبهم ولو كانت ملء الدنيا الذي خلق سبع سماوات طباقا اي كل واحدة فوق الاخرى ولسنا طبقة واحدة وخلقها في غاية الحسن والاتقان. ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت اي خلل ونقص. واذا انتفى النقص من كل وجه صارت حسنة كاملة. متناسبة من كل وجه في لونها وهيئتها وارتفاعها وما فيها من الشمس والقمر والكواكب النيرات. الثوابت منهن والسيارات. ولما كان كمالها معلوما امر الله تعالى بتكرار اليها والتأمل في ارجائها. قال فارجع البصر. اي عده اليها ناظرا معتبرا. اي نقص واختلال ثم ارجع البصر كرتين والمراد بذلك كثرة التكرار. اي عاجزا عن ان وخللا او فطورا ولو حرص غاية الحرص. ثم صرح بذكر حسنها فقال آآ الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين. واعتدنا لهم عذابا اي ولقد جملنا السماء الدنيا التي ترونها وتليكم بمصابيح. وهي النجوم على اختلافها في النور والضياء فانه لولا ما فيها من النجوم لكان سقفا مظلما. لا حسن فيه ولا جمال. ولكن جعل الله هذه النجوم زينة للسماء جمالا ونورا وهداية يهتدى بها في ظلمات البر والبحر. ولا ينافي اخباره انه زين السماء الدنيا بمصابيح. ان يكون كثير من النجوم فوق السماوات السبع فان السماوات شفافة وبذلك تحصل الزينة للسماء الدنيا وان لم تكن الكواكب فيها وجعلناها المصابيح رجوما للشياطين الذين يريدون استراق خبر السماء. فجعل الله هذه النجوم حراسة للسماء عن تلقف الشياطين اخبار الارض ارض فهذه الشهب التي ترمى من النجوم اعدها الله في الدنيا للشياطين واعتدنا لهم في الاخرة عذاب السعير. لانهم تمردوا على الله واضلوا عباده. ولهذا كان اتباعهم من الكفار مثلهم. قد اعد الله لهم عذاب السعير. فلهذا قال الذي يهان به اهله غاية الهوان اذا القوا فيها على وجه الاهانة والذل. سمعوا لها شهيقا اي صوتا عاليا فظيعا. تكاد تميز تكاد تتميز من الغيظ اي تكاد على اجتماعها ان يفارق بعضها بعضا. وتتقطع من شدة غيظها على الكفار. فما ظنك ما تفعل بهم اذا حصلوا فيها ثم ذكر توبيخ الخزنة لاهلها فقال اي حالكم هذا واستحقاقكم النار كانكم لم تخبروا عنها ولم تحذركم النذر منها قالوا بلى غرجائنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء فجمعوا بين تكذيبهم الخاص والتكذيب العام بكل ما انزل الله ولم يكفهم ذلك حتى اعلنوا بضلال الرسل المنذرين. وهم الهداة المهتدون. ولم يكتفوا بمجرد الضلال. بل جعلوا ضلالهم ضلالا كبيرا فاي عناد وتكبر وظلم يشبه هذا وقالوا معترفين بعدم اهليتهم للهدى والرشاد فنفوا عن انفسهم طرق الهدى وهي السمع لما انزل الله وجاءت به الرسل والعقل الذي ينفع صاحبه ويوقفه على حقائق الاشياء وايثار الخير والانزجار عن كل ما عاقبته ذميمة فلا سمع له ولا عقل وهذا بخلاف اهل اليقين والعرفان وارباب الصدق والايمان. فانهم ايدوا ايمانهم بالادلة السمعية. فسمعوا ما جاء من الحمد لله وجاء به رسول الله علما ومعرفة وعملا. والادلة العقلية المعرفة للهدى من الضلال والحسن من القبيح الخير من الشر وهم في الايمان بحسب ما من الله به عليهم من الاقتداء بالمعقول والمنقول. فسبحان من يختص بفضله من يشاء ويمس على من يشاء من عباده ويخذل من لا يصلح للخير. قال تعالى عن هؤلاء الداخلين للنار المعترفين بظلمهم وعنادهم اي بعدا لهم وخسارة وشقاء فما وارضاهم حيث فاتهم ثواب الله. وكانوا ملازمين للسعير التي تستعر في ابدانهم. وتطلع على افئدتهم ان الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة لهم مغفرة واجر لما ذكر حالة الاشقياء الفجار ذكر حالة السعداء الابرار فقال ان الذين يخشون ربهم بالغيب اي في جميع احوالهم حتى في الحالة التي لا يطلع عليهم فيها الا الله. فلا يقدمون على معاصيه ولا يقصرون فيما امر به. لهم مغفرة لذنوبهم واذا غفر الله ذنوبهم وقاهم شرها ووقاهم عذاب الجحيم. ولهم اجر كبير وهو ما اعد الله لهم في الجنة. من النعيم المقيم والملك الكبير واللذات المتواصلات والمشتهيات. والقصور المنازل العاليات والحور الحسان والخدم والولدان. واعظم من ذلك واكبر رضى الرحمن الذي يحله الله على اهل جنان واسروا قولكم او اجهروا به انه عليم بذات الصدور هذا اخبار من الله بسعة علمه وشمول لطفه. فقال واسروا قولكم او اجهروا به. اي كلها سواء لديه. لا يخفى عليه منها خافية. اي بما فيها من النيات والايرادات. فكيف بالاقوال والافعال التي تسمع وترى. ثم قال مستدلا بدليل عقلي على علمه الا يعلم من خلق فمن خلق الخلق واتقنه واحسنه؟ كيف لا يعلمه الذي لطف علمه وخبره. حتى ادرك السرائر والضمائر والخبايا والخفايا والغيوب. وهو الذي يعلم السر واخفى ومن معاني اللطيف انه الذي يلطف بعبده ووليه فيسوق اليه البر والاحسان من حيث لا يشعر. ويعصمه من الشر من حيث لا يحتسب ويرقيه الى اعلى المراتب باسباب لا تكون من العبد على بال. حتى انه يذيقه المكاره ليتوصل بها الى المحاب الجليلة والمقامات النبيلة اي هو الذي سخر لكم الارض وذللها لتدركوا منها كل ما به حاجتكم من غرس وبناء وحرث وطرق يتوصل بها الى الاقطار النائية والبلدان الشاسعة. فامشوا في مناكبها اي لطلب الرزق والمكاسب اي بعد ان تنتقلوا من هذه الدار التي جعلها الله امتحانا. وبلغة يتبلغ بها الى الدار الاخرة. تبعثون بعد موتكم وتحشرون الى الله ليجازيكم باعمالكم الحسنة والسيئة هذا تهديد ووعيد لمن استمر في طغيانه وتعديه. وعصيانه الموجب للنكال وحلول العقوبة فقال اامنتم من في السماء وهو الله تعالى العالي على خلقه فاذا هي تمور بكم وتضطرب حتى تتلفكم وتهلككم من في السماء ان يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير في عذاب من السماء يحصدكم. وينتقم الله منكم. اي كيف يأتيكم ما انذرتكم به الرسل كتب فلا تحسبوا ان امنكم من الله ان يعاقبكم بعقاب من الارض ومن السماء ينفعكم. فستجدون عاقبة امركم سواء قال عليكم الزمان او قصر. فان من قبلكم كذبوا كما كذبتم. فاهلكهم الله تعالى. فانظروا كيف انكار الله عليهم لهم بالعقوبة الدنيوية قبل عقوبة الاخرة. فاحذروا ان يصيبكم ما اصابهم اولم يروا الى الطير فوقهم وهذا عتاب وحث على النظر الى حالة الطير التي سخرها الله وسخر لها الجو والهواء تصف فيه اجنحتها للطيران وتقبضها للوقوع. فتظل سابحة في الجو مترددة فيه بحسب ارادتها حاجتها ما يمسكهن الا الرحمن. فانه الذي سخر لهن الجو. وجعل اجسادهن وخلقتهن في حالة مستعدة للطيران فمن نظر في حالة الطير واعتبر فيها دلته على قدرة الباري وعنايته الربانية. وانه الواحد الاحد الذي لا تنبغي العبادة الا فهو المدبر لعباده بما يليق بهم وتقتضيه حكمته امن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن ان الكافرون الا في غور. يقول تعالى للعتاة النافلين عن امره. المعرضين عن الحق من هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن. ان ينصركم اذا اراد بكم الرحمن سوءا فيدفعه عنكم اي من الذي ينصركم على اعدائكم غير الرحمن؟ فانه تعالى هو الناصر المعز يذل وغيره من الخلق لو اجتمعوا على نصر عبد لم ينفعوا مثقال ذرة. على اي عدو كان. فاستمرار الكافرين على كفرهم بعد ان علموا انه لا ينصرهم احد من دون الرحمن غرور وسفه امسك رزقه بل لجوا في عتو ونفوس. اي الرزق كله من الله. فلو امسك عنكم رزقه فمن الذي يرسله لكم؟ فان الخلق لا يقدرون على رزق انفسهم فكيف بغيرهم؟ فالرازق المنعم الذي لا يصيب العباد هذا نعمة الا منه. هو الذي يستحق ان يفرد بالعبادة. ولكن الكافرون لجوا. اي استمروا في عتو. اي قسوة وعدم ان للحق ونفور اي شرود عن الحق اي اي الرجلين اهدى من كان تائها في الضلال غارقا في الكفر قد انتكس قلبه فصار الحق عنده باطلا والباطل حقا. ومن كان عالما بالحق مؤثرا له عاملا به يمشي على الصراط المستقيم في اقواله واعماله وجميع احواله. فبمجرد النظر الى حال هذين الرجلين الفرق بينهما والمهتدي من الضال منهما. والاحوال اكبر شاهد من الاقوال ثم جعل لكم السمع والابصار والافئدة. قليلا ما تشكرون يقول تعالى مبينا انه المعبود وحده. وداعيا عباده الى شكره وافراده بالعبادة. قل هو الذي انشأكم. اي اوجدكم من العدم من غير معاون ولا مظاهر. ولما انشأكم كمل لكم الوجود بالسمع والابصار والافئدة. التي هي انفع اعضاء البدن. واكملها القوى الجسمانية ولكنه مع هذا الانعام. قليلا ما تشكرون الله قليل منكم الشاكر وقليل منكم الشكر اي بثكم في اقطارها واسكنكم في ارجائها. وامركم ونهاكم. واسدى عليكم من النعم ما به ثم بعد ذلك يحشركم ليوم القيامة. ولكن هذا الوعد بالجزاء ينكره هؤلاء المعاندون. ويقولون تكذيبا ويقولون متى هذا الوعد ان كنتم صادقين جعلوا علامة صدقهم ان يخبروا وقت مجيئه وهذا ظلم وعناد انما انا نذير مبين فانما العلم عند الله لا عند احد من الخلق ولا ملازمة بين في هذا الخبر وبين الاخبار بوقته فان الصدق يعرف بادلته. وقد اقام الله من الادلة والبراهين على صحته ما لا يبقى معه ادنى شك لمن القى السمع وهو شهيد وقيل هذا الذي كنتم به تدعون يعني ان محل تكذيب الكفر وغرورهم به حين كانوا في الدنيا. فاذا كان يوم الجزاء ورأوا العذاب منهم زلفى اي قريبا ساءهم ذلك وافظعهم وقلقل افئدتهم فتغيرت لذلك وجوههم. ووبخوا على تكذيبهم وقيل لهم هذا الذي كنتم به تكذبون. فاليوم رأيتموه عيانا وانجلى لكم الامر وتقطعت بكم الاسباب ولم يبقى الا مباشرة العذاب لكني الله ومن معي او رحمنا فمن يجير الكافرين من عذاب اليم ولما كان المكذبون للرسول صلى الله عليه وسلم الذين يردون دعوته ينتظرون هلاكه ويتربصون به ريب المنون امره الله ان يقول لهم انتم وان حصلت لكم امانيكم واهلكني الله ومن معي. فليس ذلك بنافع لكم شيئا. لانكم ان كفرتم بايات الله واستحقيتم العذاب فمن يجيركم من عذاب اليم قد تحطم وقوعه بكم؟ فاذا تعبكم وحرصكم على هلاك غير مفيد ولا مجد عنكم شيئا آآ ومن قولهم انهم على هدى والرسول على ضلال قال اعادوا في ذلك وابدوا وجادلوا عليه وقاتلوا. فامر الله نبيه ان يخبر عن حاله وحال اتباعه. ما به يتبين لكل احد هداهم وتقواهم وهو ان يقولوا امنا به وعليه توكلنا. والايمان يشمل التصديق الباطن. والاعمال الباطنة والظاهرة ولما كانت الاعمال وجودها وكمالها متوقفة على التوكل. خص الله التوكل من بين سائر الاعمال. والا فهو داخل في ومن جملة لوازمه كما قال تعالى وعلى الله فتوكلوا ان كنتم مؤمنين. فاذا كانت هذه حال الرسول وحال من اتبعه وهي الحال التي تتعين للفلاح. وتتوقف عليها السعادة. وحال اعدائه بضدها. فلا ايمان لهم ولا توكل. علم بذلك من هو على هدى ومن هو في ضلال مبين. ثم اخبر عن انفراده بالنعم خصوصا بالماء الذي جعل الله منه كل شيء حي. فقال فمن قل ارأيتم ان اصبح ماؤكم غورا اي غائرا فمن يأتيكم بماء معين تشربون منه وتسقون انعامكم واشجاركم وزروعكم. وهذا استفهام بمعنى النفي. اي لا يقدر احد على ذلك غير الله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم. نون والقلم وما يسطرون يقسم تعالى بالقلم وهو اسم جنس شامل للاقلام التي تكتب وبها انواع العلوم. ويسطر بها المنثور والمنظوم. وذلك ان القلم وما يسطرون به من انواع الكلام. من ايات الله العظيمة التي تستحق ان يقسم الله بها على براءة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم مما نسبه اليه اعداؤه من الجنون نفى عنه الجنون بنعمة ربه عليه واحسانه. حيث من عليه بالعقل الكامل والرأي الجزل والكلام الفصل. الذي هو احسن ما جرى به الاقلام وسطره الانام. وهذا هو السعادة في الدنيا. ثم ذكر سعادته في الاخرة. فقال وان لك لاجرا اي عظيما. كما يفيده التنكير. غير ممنون اي غير مقطوع. بل هو دائم مستمر وذلك لما اسلفه النبي صلى الله عليه وسلم من الاعمال الصالحة والاخلاق الكاملة. ولهذا قال اي عاليا به مستعليا بخلقك الذي من الله عليك به. وحاصل خلقه العظيم ما فسرته ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها لمن سألها عنه فقالت كان خلقه القرآن وذلك نحو قوله تعالى له خذ عفوا فبما رحمة من الله لنت لهم لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليهما عن حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم. وما اشبه ذلك من الايات الدالات على اتصافه صلى الله عليه وسلم بمكارم الاخلاق والايات الحاثات على الخلق العظيم. فكان له منها اكملها واجلها. وهو في كل خصلة منها في الذروة العليا. فكان صلى الله عليه وسلم اهلا وسهلا لينا قريبا من الناس. مجيبا لدعوة من دعاه. قاضيا لحاجة من استقضاه. جابرا لقلب من سأله. لا يحرمه لا يرده خائبا. واذا اراد اصحابه منه امرا وافقهم عليه وتابعهم فيه. اذا لم يكن فيه محذور. وان عزم على امر لم يستبد به دونهم بل يشاورهم ويامرهم. وكان يقبل من محسنهم ويعفو عن مسيئهم. ولم يكن يعاشر جليسا له الا اتم عشرته واحسنها فكان لا يعبس في وجهه ولا يغلظ عليه في مقاله. ولا يطوي عنه بشره ولا يمسك عليه فلتات لسانه. ولا يؤاخذه وبما يصدر عنه من جفوة بل يحسن الى عشيره غاية الاحسان. ويحتمله غاية الاحتمال صلى الله عليه وسلم. فلما انزله الله في اعلى نازلة من جميع الوجوه. وكان اعدائه ينسبون اليه انه مجنون مفتون. قال وقد تبين انه اهدى الناس واكملهم لنفسه ولغيره. وان اعداءه اضل الناس وشر الناس للناس وانهم هم الذين فتنوا عباد الله واضلوهم عن سبيله. وكفى بعلم الله بذلك. فانه هو المحاسب المجازي ان ربك هو اعلم بما ضل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين وهذا فيه دين للضالين ووعد للمهتدين وبيان لحكمة الله. حيث كان يهدي من يصلح للهداية دون غيره يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم فلا تطع المكذبين الذين كذبوك وعاندوا فانهم ليسوا اهلا لان يطاعوا. لانهم لا يأمرون الا بما يوافق اهواءهم. وهم لا يريدون الا الباطل. فالمطيع لهم مقدم على ما يضر وهذا عام في كل مكذب. وفي كل طاعة ناشئة عن التكذيب. وان كان السياق في شيء خاص وهو ان المشركين طلبوا من النبي صلى الله الله عليه وسلم ان يسكت عن عيب الهتهم ودينهم. ويسكتوا عنه. ولهذا قال ودوا اي المشركون لو تدهن اي توافقهم على بعض ما هم عليه. اما بالقول او بالفعل او بالسكوت عما الكلام فيه. ولكن اصدع بامر الله واظهر دين الاسلام. فان تمام اظهاره بنقض ما يضاده اي بما يناقضه. ولا تطع كل حلاف مهين. ولا تطع كل حلاف اي كثير الحلف فانه لا كذلك الا وهو كذاب. ولا يكون كذابا الا وهو مهين. اي خسيس النفس. ناقص الهمة. ليس له همة في الخير. بل في شهوات نفسه الخسيسة اي كثير العيب للناس والطعن فيهم بالغيبة والاستهزاء وغير ذلك ان يمشي بين الناس بالنميمة وهي نقل كلام بعض الناس لبعض بقصد الافساد بينهم والقاء العداوة والبغضاء اعني الخير معتد اثير. مناع للخير الذي يلزمه القيام به من النفقات الواجبة. والكفارات والزكوات وغير ذلك معتد على الخلق في ظلمهم في الدماء والاموال والاعراض. اثيم اي كثير الاثم والذنوب المتعلقة في حق الله تعالى عتل بعد ذلك زنيم. عتل بعد ذلك اي غليظ شرس الخلق. قاس غير منقاد للحق زنيم اي دعي ليس له اصل ولا مادة ينتج منها الخير. بل اخلاقه اقبح الاخلاق ولا يرجى منه فلاح. له زنمة اي علامة في الشر يعرف بها. وحاصل هذا ان الله تعالى نهى عن طاعة كل حلاف كذاب. خسيس النفس سيء الاخلاق خصوصا الاخلاق المتضمنة للاعجاب بالنفس. والتكبر عن الحق وعلى الخلق والاحتقار للناس. كالغيبة والنميمة والطعن فيهم وكثرة المعاصي وهذه الايات وان كانت نزلت في بعض المشركين كالوليد بن المغيرة او غيره لقوله عنه اذا تتلى عليه اياتنا قال اساطير الاولين اي لاجل كثرة ما له وولده طغى واستكبر عن الحق ودفعه حين جاءه وجعله من جملة اساطير الاولين التي يمكن صدقها وكذبها فانها عامة في كل من اتصف بهذا الوصف. لان القرآن نزل لهداية الخلق كلهم ويدخل فيه اول الامة واخرهم. وربما نزل بعض والايات في سبب او في شخص من الاشخاص لتتضح به القاعدة العامة ويعرف به امثال الجزئيات الداخلة في القضايا العامة ثم توعد تعالى من جرى منه ما وصف الله بان الله سيسمه على خرطومه في العذاب وليعذبه عذابا ظاهرا يكون عليه سمة وعلامة في اشق الاشياء عليه وهو وجهه يقول تعالى ما بلون هؤلاء المكذبين بالخير وامهلناهم وامددناهم بما شئنا من مال وولد وطول عمر ونحو ذلك مما يوافق اهواءهم فلكرامتهم علينا بل ربما يكون استدراجا لهم من حيث لا يشعرون. فاغترارهم بذلك نظير اغترار اصحاب الجنة. الذين هم فيها شركاء حين زهت ثمارها واينعت اشجارها وان وقت صرامها وجزموا انها في ايديهم وطوع امرهم وانه ليس ثم مانع يمنعهم منها ولهذا اقسموا وحلفوا من غير استثناء انهم سيصرمونها اي يجدونها مصبحين. ولم يدروا ان الله بالمرصاد وان العذاب فبس يخلفهم عليها ويبادرهم اليها قائمون فطاف عليها طائف من ربك اي عذاب نزل عليها ليلا فابادها واتلفها. اي كالليل المظلم. ذهبت الاشجار والثمار هذا وهم لا يشعرون بهذا الواقع الملم. ولهذا تنادوا فيما بينهم لما اصبحوا يقول بعضهم لبعض فانطلقوا قاصدين له. وهم يتخافتون فيما بينهم. ولكن بمنع حق الله ويقولون اي بكروا قبل انتشار الناس وتواصوا او مع ذلك بمنع الفقراء والمساكين ومن شدة حرصهم وبخلهم انهم يتخافتون بهذا الكلام مخافته خوفا ان يسمعهم احد الفقراء وغدوا في هذه الحالة الشنيعة والقسوة وعدم الرحمة اي على امساك ومنع لحق الله. جازمين بقدرتهم عليها فلما رأوها على الوصف الذي ذكر الله كالصريم قالوا من الحيرة والانزعاج اي تائهون عنها لعلها غيرها فلما تحققوها ورجعت اليهم عقولهم قالوا هل نحن محرومون منها فعرفوا حينئذ انه عقوبة. قال اي اعدلهم واحسنهم طريقة. اي تنزهون الله عما لا يليق به ومن ذلك ظنكم ان قدرتكم مستقلة فلولا استثنيتم فقلتم ان شاء الله وجعلتم مشيئتكم تابعة لمشيئة الله ما جرى عليكم ما جرى فقالوا اي استدركوا بعد بعد ذلك ولكن بعدما وقع العذاب على جنتهم الذي لا يرفع ولكن لعل تسبيحهم هذا واقرارهم على انفسهم بالظلم ينفعهم في تخفيف الاثم ويكون توبة. ولهذا ندموا ندامة عظيمة فيما اجروه وفعلوه. اي متجاوزين للحد في الله وحق عباده فهم رجبوا الله ان يبدلهم خيرا منها. ووعدوا انهم سيرغبون الى الله. ويلحون عليه في الدنيا. فان كانوا كما قالوا فالظاهر ان الله ابدلهم في الدنيا خيرا منها. لان من دعا الله صادقا ورغب اليه ورجاه. اعطاه سؤله. قال تعالى مبينا ما وقع كذلك العذاب اي الدنيوي لمن اتى باسباب العذاب ان يسلب الله العبد الشيء الذي طغى به وبغى اثر الحياة الدنيا وان يزيله عنه احوج ما يكون اليه والعذاب الاخرة اكبر من عذاب الدنيا. لو كانوا يعلمون. فان من علم ذلك اوجب له الانزجار عن كل سبب يوجب العذاب ويحل العقاب افنجعل المسلمين كالمجرمين. ما لكم كيف تحكمون. ام لكم كتاب فيه ام لكم ايمان علينا بالغة يخبر تعالى بما اعده للمتقين للكفر والمعاصي من انواع النعيم والعيش السليم في جوار اكرم الاكرمين. وان حكمته تعالى الا تقتضي ان يجعل المسلمين القانتين لربهم المنقادين لاوامره متبعين لمراضيه كالمجرمين الذين اوضعوا في معاصيه. والكفر باياته ومعاندة رسله ومحاربة اوليائه. وان من ظن ان انه يسويهم في الثواب فانه قد اساء الحكم وان حكمه حكم باطل. ورأيه فاسد. وان المجرمين اذا ادعوا ذلك فليس لهم مستند كتاب فيه درسون ويتلون انهم من اهل الجنة. وان لهم ما طلبوا وتخيروا. وليس لهم عند الله عهد ويمين بالغة الى يوم القيامة ليس لهم ما يحكمون وليس لهم شركاء واعوان على ادراك ما طلبوا. فان كانوا لهم شركاء واعوان فليأتوا بهم ان كانوا صادقين. ومن معلومي ان جميع ذلك منتف فليس لهم كتاب ولا لهم عهد عند الله في النجاة. ولا لهم شركاء يعينونهم. فعلم ان دعواهم باطلة وقوله اي ايهم الكفيل بهذه الدعوة الفاسدة؟ فانه لا يمكن التصدر بها ولا الزعامة فيها يوم يكشف عن ساق ويدعون الى السجود فلا خاشعة ابصارهم ترهقهم ذلة. وقد كانوا يدعون الى اي اذا كان يوم القيامة وانكشف فيه من القلاقل والزلازل والاهوال ما لا يدخل تحت الوهم واتى لفصل القضاء بين عباده ومجازاتهم. فكشف عن ساقه الكريمة التي لا يشبهها شيء. ورأى الخلائق من جلال الله وعظمته ما لا يمكن التعبير عنه فحينئذ يدعون الى السجود لله فيسجد المؤمنون الذين كانوا يسجدون لله اوعا واختيارا ويذهب الفجار والمنافقون ليسجدوا فلا يقدرون على السجود. وتكون ظهورهم كصيص البقر لا يستطيعون الانحناء. وهذا الجزاء من جنس عملهم فانهم كانوا يدعون في الدنيا الى السجود لله وتوحيده وعبادته وهم سالمون. لا علة فيهم فيستكبرون عن ذلك ويأبون فلا تسأل يومئذ عن حالهم وسوء مآلهم فان الله قد سخط عليهم وحقت عليهم كلمة العذاب وتقطعت اسبابهم ولم تنفعهم الندامة وللإعتذار يوم القيامة. ففي هذا ما يزعج القلوب عن المقام على المعاصي. ويوجب التدارك مدة الإمكان. ول هذا قال تعالى اي دعني والمكذبين بالقرآن العظيم. فان علي جزاءهم ولا تستعجل لهم فنمدهم بالاموال والاولاد ونمدهم في الارزاق والاعمال يغتروا ويستمروا على ما يضرهم. فان هذا من كيد الله لهم وكيد الله متين قوي يبلغ من ضررهم وعذابهم فوق كل مبلغ مثقلون. اي ليس لنفورهم عنك وعدم تصديقهم لما جئت به. سبب يوجب لهم ذلك. فانك تعلمهم وتدعوهم الى لمحض مصلحتهم من غير ان تطلبهم من اموالهم مغرما يثقل عليهم فهم يكتبون ما كان عندهم من الغيوب. وقد وجدوا فيها انهم على حق. وان لهم الثواب عند الله. فهذا امر ما كان. وانما كانت حالهم حال معاند ظالم. فلم يبق الا الصبر لاذاهم. والتحمل لما يصدر منهم. والاستمرار على دعوتهم. ولهذا قال فاصبر لحكمك ربك اي لما حكم به شرعا وقدرا. فالحكم القدري يصبر على المؤذي منه. ولا يتلقى بالسخط والجزع. والحكم الشرعي يقابل وبالقبول والتسليم والانقياد التام لامره. وقوله ولا تكن كصاحب الحوت. وهو يونس ابن متى عليه الصلاة والسلام. اي ولا تشابهه في الحال التي اوصلته. واوجبت له الانحلال حباس في بطن الحوت وهو عدم صبره على قومه الصبر المطلوب منه. وذهابه مغاضبا لربه حتى ركب في البحر. فاقترع اهل السفينة حين ثقلت باهلها ايهم يلقون لكي تخف بهم؟ فوقعت القرعة عليه. فالتقمه الحوت وهو مليم. وقوله اذ نادى وهو مكبوم. اي وهو في بطنها قد كظمت عليه او نادى وهو مغتم مهتم بان قال لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين. فاستجاب الله له وقذفته الحوت من بطنها بالعراء وهو سقيم. وانبت الله عليه شجرة من يقطين ولهذا قال هنا لنبذ بالعراء اي لطرح في العراء وهي الارض الخالية لكن الله تغمده برحمته فنبذ وهو ممدوح وصارت حاله احسن من حاله الاولى. ولهذا قال فجعله من الصالحين فاجتباه ربه اي اختاره واصطفاه ونقاه من كل كدر اي الذين صلحت اعمالهم واقوالهم ونياتهم واحوالهم. فامتثل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم امر ربه فصبر لحكم ربه صبرا لا يدركه فيه احد من العالمين ويقولون انه لمجنون. فجعل الله له العاقبة والعاقبة للمتقين. ولم يدرك اعداءه فيه الا ما يسوؤهم. حتى انهم حرصوا على ان يزلقوه بابصارهم. ان يصيبوه باعينهم من حسدهم وغيظهم وحنقهم هذا منتهى ما قدروا عليه من الاذى الفعلي. والله حافظه وناصره. واما الاذى القولي فيقولون فيه في اقوالا بحسب ما توحي اليهم قلوبهم فيقولون تارة مجنون وتارة ساحر وتارة شاعر. قال الله تعالى اه وما هو الا ذكر للعالمين اي وما هذا القرآن الكريم؟ والذكر الحكيم الا ذكر للعالمين. يتذكرون به مصالح دينهم ودنياهم بسم الله الرحمن الرحيم. الحاقة من اسماء يوم القيامة لانها تحق وتنزل بالخلق وتظهر فيها حقائق الامور ومخبئات الصدور. فعظم تعالى شأنها وفخمه كرره من قوله فان لها شأنا عظيما وهولا جسيما. ومن عظمتها ان الله اهلك الامم المكذبة بها بالعذاب العاجل. ثم ذكر نموذجا من احوالها الموجودة في الدنيا. المشاهدة فيها. وهو ما احله من عقوبات البليغة بالامم العاتية فقال التمود وهم المشهورة سكان الحجر الذين ارسل الله اليهم رسوله صالحا عليه السلام ينهاهم عما هم عليه من الشرك ويأمرهم بالتوحيد ردوا دعوته وكذبوه وكذبوا ما اخبرهم به من يوم القيامة. وهي القارعة التي تقرع الخلق باهوالها. وكذلك عادوا الاولى سكان حضرموت حين بعث الله اليهم رسوله هودا عليه الصلاة والسلام يدعوهم الى عبادة الله وحده فكذبوه وكذبوا بما اخبر به من البعث. فاهلك الله الطائفتين بالهلاك المعجل وهي الصيحة العظيمة الفظيعة التي انصدعت منها قلوبهم وزهقت لها ارواحهم. فاصبحوا موتى لا يرى الا مساكنهم وجثثهم بريح صرصر اي قوية شديدة الهبوط لها صوت ابلغ من صوت الرعد القاصف عاتية اي عتت على خزانها على قول كثير من المفسرين او عتت على عاد وزادت على الحد كما هو الصحيح. اي لنحسن وشرا فظيعا عليهم فدمرتهم واهلكتهم نقل خاوية فترى القوم فيها صرعى اي هلكى موتى اي كأنهم جذوع النخل التي قد قطعت رؤوسها الخاوية. الساقط بعضها على بعض هذا استفهام بمعنى النفي المتقرر اي وكذلك غير هاتين الامتين الطاغيتين عاد وثمود. جاء غيرهم من الطغاة العتاة كفرعون مصر. الذي ارسل الله اليه له ورسوله موسى ابن عمران عليه الصلاة والسلام. واراه من الايات البينات ما تيقنوا بها الحق. ولكن جحدوا وكفروا ظلما وعلوا وجاء من قبله من المكذبين والمؤتفكات اي قرى قوم لوط الجميع جاءوا بالخاطئة. اي بالفعلة الطاغية وهي الكفر والتكذيب والظلم والمعاندة. ومنضم الى ذلك من انواع الفواحش والفسوق. فعصوا رسول ربهم فعصوا رسول ربهم وهذا اسم جنس اي كل من هؤلاء كذب الرسول الذي ارسله الله اليهم فاخذ الله الجميع. اي زائدة على الحد والمقدار الذي يحصل به هلاكهم. ومن جملة قوم نوح اغرقهم الله في اليم حين طغى الماء على وجه الارض. وعلى على مواضعها الرفيعة. وامتن الله على الخلق الموجودين قيل بعدهم ان الله حملهم في الجارية وهي السفينة في اصلاب ابائهم وامهاتهم الذين نجاهم الله. فاحمدوا الله واشكروا الذي نجاكم حين اهلك الطاغين. واعتبروا باياته الدالة على توحيده. ولهذا قال لنجعلها اي الجارية والمراد جنسها لكم تذكرة تذكركم اول سفينة صنعت وما قصتها؟ وكيف نجى الله عليها من امن به واتبع رسوله؟ واهلك اهل الارض كلهم فان جنس الشيء مذكر باصله وقوله اي تعقلها اولو الالباب ويعرفون المقصود منها ووجه الاية بها وهذا بخلاف اهل الاعراض والغفلة واهل البلادة وعدم الفطنة. فانهم ليس لهم انتفاع بايات الله. لعدم وعيهم عن الله وفكرهم بايات الله. وقوله لما ذكر ما فعله تعالى بالمكذبين لرسله. وكيف جازاهم وعجل لهم العقوبة في الدنيا. وان الله نجى الرسل واتباعهم. كان هذا لذكر الجزاء الاخروي وتوفية الاعمال كاملة يوم القيامة. فذكر الامور الهائلة التي تقع امام القيامة. وان اول ذلك انه ينفخ اسرافيل في الصور اذا تكاملت الاجساد نابتة نفخة واحدة فتخرج الارواح فتدخل كل روح في جسده فاذا الناس قيام لرب العالمين. وحملت الارض والجبال فدكتا دكا واحدة. اي فتت الجبال واضمحلت وخلطت بالارض ونسفت على الارض. فكان الجميع قاعا صفصفا. لا ترى فيها عوجا ولا امتى هذا ما يصنع بالارض وما عليها. واما ما يصنع بالسماء فانها تضطرب وتمور. وتتشقق ويتغير لونها. وتهي بعد تلك الصلابة والقوة العظيمة. وما ذاك الا لامر عظيم ازعجها. وكرب جسيم هائل او هاهاها واضعفها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية. والملك اي الملائكة الكرام على ارجائها اي على جوانب السماء واركانها خاضعين لربهم مستكينين لعظمته والملك على ارجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية. ثمانية تقنية املاك في غاية القوة. اذا اتى للفصل بين العباد والقضاء بينهم بعدله وقسطه وفضله. ولهذا قال اذ تعرضون لا تخفى منكم خافية. يومئذ تعرضون على الله تعرضون لا تخفى منكم خافية. لا من اجسامكم واجسادكم ولا من اعمالكم صفاتكم فان الله تعالى عالم الغيب والشهادة. ويحشر العباد حفاة عراة غرلا في ارض مستوية يسمعهم الداعي وينفذهم البصر. فحينئذ يجازيهم بما عملوا. ولهذا ذكر كيفية الجزاء فقال اقرؤوا كتابيه. وهؤلاء هم اهل السعادة يعطون كتبهم التي فيها اعمالهم الصالحة بايمانهم تمييزا لهم وتنويها بشأنهم ورفعا لمقدارهم. ويقول احدهم عند ذلك من الفضل الوحي والسرور ومحبة ان يطلع الخلق على ما من الله عليه به من الكرامة اقرؤوا كتابية. اي دونكم كتابي فاقرؤوه فانه يبشر بالجنات وانواع الكرامات ومغفرة الذنوب وستر العيوب. والذي اوصلني الى هذه الحال ما من الله به علي من الايمان بالبعث والحساب. والاستعداد له بالممكن من العمل. ولهذا قال اي ايقنت فالظن هنا بمعنى اليقين. اي جامعة لما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين وقد رضوها ولم يختاروا عليها غيرها. عالية المنازل والقصور عالية المحل. قطوفها دانية. اي ثمرها وجناها من انواع الفواكه قريبة سهلة تناول على اهلها ينالها اهلها قياما وقعودا ومتكئين. ويقال لهم اكراما كلوا واشربوا اي من كل طعام لذيذ وشراب شهي هنيئا ايتاما كاملا من غير بمكدر ولا منغص. وذلك الجزاء حصل لكم. من الاعمال الاعمال الصالحة من صلاة وصيام وصدقة وحج. واحسان الى الخلق وذكر لله وانابة اليه. وترك الاعمال السيئة فالاعمال جعلها الله سببا لدخول الجنة. ومادة لنعيمها واصلا لسعادتها تابوا بشماله فيقول يا ليتني لم اوت كتابية. هؤلاء اهل الشقاء يعطونكم كتب اعمالهم السيئة بشمالهم تمييزا لهم وخزيا وعارا وفضيحة. فيقول احدهم من الهم والغم والخزي فيقول يا ليتني لم اوت كتابية انه يبشر بدخول النار والخسارة الابدية. اي ليتني كنت نسيا منسيا ولم ابعث واحاسب. ولهذا قال اي يا ليت موتتي هي الموتة التي لا بعث بعدها ثم التفت الى ما له وسلطانه فاذا هو وبال عليه لم يقدم منه لاخرته ولم ينفعه في الابتداء من عذاب الله فيقول ما اغنى عني مالي اي ما نفعني لا في الدنيا لم اقدم منه شيئا ولا في الاخرة قد ذهب وقت نفعه. اي ذهب محل فلم تنفع الجنود الكثيرة ولا العدد الخطيرة ولا الجاه العريض. بل ذهب ذلك كله ادراج الرياح. وفاتت بسبب المتاجر والارباح وحضر بدله الهموم والغموم والاتراح. فحينئذ يؤمر بعذابه فيقال للزبانية الغلاظ خذوه فغلوه. ايجعلوا في عنقه غلا يخنقه اي قلبوه على جمرها ولهبها. ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا من سلاسل الجحيم. في غاية الحرارة سبعون ذراعا فاسلكوا اينضموه فيها بان تدخل في دبره وتخرج من فمه ويعلق عليها. فلا يزال يعذب هذا العذاب الفظيع بئس العذاب والعقاب. وحسرة من له التوبيخ والعتاب. فان السبب الذي اوصله الى هذا المحل. انه كان بان كان كافرا بربه معاندا لرسله رادا ما جاءوا به من الحق ولا يحض على طعام المسكين. اي ليس في قلبه رحمة يرحم بها الفقراء والمساكين. فلا يطعمهم من ما له ولا يحض غيره على اطعامهم لعدم الوازع في قلبه. وذلك لان مدار السعادة ومادتها امران. الاخلاص لله الذي اصله الايمان بالله والاحسان الى الخلق بوجوه الاحسان. الذي من اعظمها دفع ضرورة المحتاجين. باطعامهم ما يتقوى به وهؤلاء لا اخلاص ولا احسان. فلذلك استحقوا ما استحقوا. فليس له اليوم ها هنا اي يوم القيامة حميم قريب او صديق يشفع له لينجو من عذاب الله او يفوز بثواب الله. ولا تنفع الشفاعة عنده الا لمن اذن له ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع. وليس له طعام الا من غسلين. وهو صديد اهل النار الذي هو في غاية الحرارة ونتني الريح وقبح الطعم ومرارته لا يأكل هذا الطعام الذميم الا الخاطئون الذين اخطأوا الصراط المستقيم سبل الجحيم. فلذلك استحقوا العذاب الاليم. فلا اقسم بما تبصرون وما لا تبصرون ولا بقولك اقسم تعالى يبصر الخلق من جميع الاشياء وما لا يبصرونه. فدخل في ذلك كل الخلق بل يدخل في ذلك نفسه المقدسة على صدق الرسول بما جاء به من هذا القرآن الكريم وان الرسول الكريم بلغه عن الله تعالى ونزه الله رسوله عما رماه به اعداؤه من انه شاعر او ساحر وان الذي حملهم على ذلك عدم ايمانهم وتذكرهم. فلو امنوا وتذكروا لعلموا ما ينفعهم ويضرهم ومن ذلك ان ينظروا في حال محمد صلى الله عليه وسلم. ويرمقوا اوصافه واخلاقه. لرأوا امرا مثل الشمس يدلهم على انه رسول الله حقا وان ما جاء به تنزيل رب العالمين لا يليق ان يكون قول البشر. بل هو كلام دال على عظمة من تكلم به وجلالة اوصافه وكمال تربيته لعباده وعلوه فوق عباده. وايضا فان هذا ظن منهم بما لا يليق بالله فانه لو تقول عليه وافترى بعض الاقاويل الكاذبة وهو عرق متصل بالقلب. اذا انقطع مات منه الانسان. فلو قدر ان الرسول حاشى وكلا تقول على الله لعاجله بالعقوبة. واخذه اخذ عزيز مقتدر. لانه حكيم على كل شيء قدير. فحكمته تقتضي الا يمهل الكاذب عليه. الذي يزعم ان الله اباح له دماء من خالفه واموالهم. وانه هو واتباعه لهم النجاة ومن خالفه فله الهلاك. فاذا كان الله قد ايد رسوله بالمعجزات. وبرهن على صدق ما جاء به بالايات البينات. ونصره وعلى اعدائه ومكنه من نواصيهم فهو اكبر شهادة منه على رسالته. وقوله اي لو اهلكه ما امتنع هو بنفسه ولقدر احد ان يمنعه من عذاب الله تذكرة للمتقين وانه اي القرآن الكريم يتذكرون به مصالح دينهم ودنياهم فيعرفونها ويعملون عليها يذكرهم العقائد الدينية النية والاخلاق المرضية والاحكام الشرعية. فيكونون من العلماء الربانيين. والعباد العارفين والائمة المهديين انا لنعلم ان منكم مكذبين. وانا لنعلم ان منكم مكذبين به. وهذا فيه تهديد ووعيد للمكذبين فانه سيعاقبهم على تكذيبهم بالعقوبة البليغة فانهم لما كفروا به ورأوا ما وعدهم به تحسروا اذ لم يهتدوا به. ولم ينقادوا لامره ففاتهم الثواب وحصلوا على اشد العذاب وتقطعت بهم الاسباب. اي اعلى مراتب العلم فان اعلى مراتب العلم اليقين وهو العلم الثابت الذي لا يتزلزل ولا يزول. واليقين مراتبه ثلاثة كل واحدة اعلى مما قبلها اولها علم اليقين وهو العلم المستفاد من الخبر. ثم عين اليقين وهو العلم المدرك بحاسة البصر محق اليقين وهو العلم المدرك بحاسة الذوق والمباشرة. وهذا القرآن الكريم بهذا الوصف فان ما فيه من العلوم المؤيدة بالبراهين القطعية وما فيه من الحقائق والمعارف الايمانية يحصل به لمن ذاقه حق اليقين اي نزهه عما لا يليق بجلاله وقدسه بذكر اوصاف جلاله وجماله كماله بسم الله الرحمن الرحيم. سأل سائل بعذاب واقع. يقول تعالى لجهل المعاندين واستعجالهم لعذاب الله. استهزاء وتعنتا وتعجيزا. سأل سائل اي دعا داع واستفتح مستفتح للكافرين لاستحقاقهم له بكفرهم وعنادهم ليس له دافع من الله ذي المعارج اي ليس لهذا العذاب الذي استعجل به من استعجل من متمردي المشركين احد يدفعه قبل نزوله او يرفعه بعد نزوله. وهذا حين دعا النظر ابن الحارث القرشي او غيره من المشركين. فقال اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء او ائتنا بعذاب اليم. الى اخر الايات. فالعذاب لابد ان يقع عليهم من الله فاما ان يعجل لهم في الدنيا واما ان يؤخر عنهم الى الاخرة. فلو عرفوا الله تعالى وعرفوا وسعة سلطانه وكمال اسمائه وصفاته لما استعجلوا ولا استسلموا وتأدبوا. ولهذا اخبر تعالى من عظمته ما يضاد ردوا اقوالهم القبيحة فقال اي ذو العلو والجلال والعظمة والتدبير لسائر الخلق. الذي تعرج اليه الملائكة بما دبرها على تدبيره. وتعرج اليه الروح. وهذا اسم جنس يشمل الارواح كلها. برها وفاجرها. وهذا عند الوفاء فاما الابرار فتعرج ارواحهم الى الله فيؤذن لها من سماء الى سماء حتى تنتهي الى السماء التي فيها الله عز وجل حيي ربها وتسلم عليه وتحظى بقربه. وتبتهج بالدنو منه. ويحصل لها من الثناء والاكرام والبر والاعظام. واما ارواح الفجار فتعرج فاذا وصلت الى السماء استأذنت فلم يؤذن لها واعيدت الى الارض. ثم ذكر المسافة التي تعرج الى الله فيها الملائكة الارواح وانها تعرج في يوم بما يسر لها من الاسباب. واعانها عليه من اللطافة والخفة. وسرعة السير. مع ان تلك على السير المعتاد مقدار خمسين الف سنة. من ابتداء العروج الى وصولها ما حد لها. وما تنتهي اليه من الملأ الاعلى هذا الملك العظيم والعالم الكبير. علويه وسفليه جميعه قد تولى خلقه وتدبيره العلي الاعلى. فعلم احوالهم الظاهرة والباطنة وعلم مستقرهم ومستودعهم واوصلهم من رحمته وبره ورزقه ما عمهم وشملهم واجرى عليهم حكمه القدر وحكمه الشرعي وحكمه الجزائي. فبؤسا لاقوام جهلوا عظمته. ولم يقدروه حق قدره. فاستعجلوا بالعذاب على وجه التعجيز والامتحان وسبحان الحليم الذي امهلهم وما اهملهم واذوه فصبر عليهم وعافاهم ورزقهم هذا احد الاحتمالات في تفسير هذه الاية الكريمة. فيكون هذا العروج والصعود في الدنيا. لان السياق الاول يدل على هذا. ويحتمل ان ان هذا في يوم القيامة وان الله تبارك وتعالى يظهر لعباده في يوم القيامة من عظمته وجلاله وكبريائه ما هو اكبر دليل على الى معرفته مما يشاهدونه من عروج الملائكة والارواح. صاعدة ونازلة بالتدابير الالهية والشؤون في الخليقة. في ذلك كاليوم الذي مقداره خمسون الف سنة من طوله وشدته. لكن الله تعالى يخففه على المؤمن. وقوله اي اصبر على دعوتك لقومك صبرا جميلا. لا تضجر فيه ولا ملل. بل استمر على امر الله. وادعو عباده الى توحيده ولا يمنعك عنهم ما ترى من عدم انقيادهم وعدم رغبتهم. فان في الصبر على ذلك خيرا كثيرا فهم يرونه بعيدا ونراه قريبا. الضمير يعود الى البعث الذي يقع فيه عذاب السائلين بالعذاب اي ان حالهم حال المنكر له او الذي غلبت عليه الشكوة والسكرة حتى تباعد جميع ما امامه من البعث والنشور. والله او يراه قريبا لانه رفيق حليم لا يعجل. ويعلم انه لا بد ان يكون وكل ما هو ات فهو قريب. ثم ذكر اهوال ذلك اليوم وما يكون فيه فقال السماء كالمهل وتكون الجبال كالعهن ولا يسأل حميم حميما. اي يوم القيامة تقع فيه هذه الامور العظيمة. فتكون السماء وهو الرصاص المذاب من تشققها وبلوغ الهول منها كل مبلغ. وهو الصوف المنفوش ثم تكون بعد ذلك هباء منثورا فتضمحل. فاذا كان هذا القلق والانزعاج لهذه الاجرام الكبيرة الشديدة. فما ظنك بالعبد الضعيف الذي قد اثقل ظهره بالذنوب والاوزار. اليس حقيقة ان ينخلع قلبه وينزعج لبه ويذهل عن كل احد ولهذا قال ولا يسأل حميم حميما يبصرونهم اي شاهد الحميم وهو القريب حميمة فلا يبقى في قلبه متسع لسؤال حميمه عن حاله. ولا فيما يتعلق بعشرتهم ومودتهم. ولا يهمه الا نفسه يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه يود المجرم الذي حق عليه العذاب. وصاحبته واخيه وصاحبته اي زوجته. وفصيلته اي قرابته اي التي جرت عادتها في الدنيا ان تتناصر ويعين بعضها بعضا. ففي يوم القيامة لا ينفع احد احدا ولا يشفع احد الا باذنه الله. بل لو يفتدي المجرم المستحق للعذاب بجميع ما في الارض ثم ينجيه لم ينفعه ذلك. كلا اي الى حيلة ولا مناص لهم قد حقت كلمة ربك على الذين فسقوا انهم لا يؤمنون. وذهب نفع الاقارب والاصدقاء. كلا اي للاعضاء الظاهرة والباطنة من شدة بها تدعو من ادبر وتولى وجمع فاوعى. تدعو اليها من ادبر وتولى وجمع اي ادبر عن اتباع الحق واعرض عنه. فليس له فيه غرض وجمع الاموال بعضها فوق بعض واوعاها. فلم ينفق منها فان النار تدعوهم الى نفسها وتستعد للالتهاب بهم وهذا الوصف للانسان من حيث هو وصف طبيعته الاصلية انه هلوع وفسر الهلوع بانه فيجزع ان اصابه فقر او مرض او ذهاب محبوب له من مال او اهل او ولد ولا يستعمل في ذلك والرضا بما قضى الله. فلا ينفق مما اتاه الله ولا يشكر الله على نعمه وبره فيجزع في الضراء ويمنع في السراء. الموصوفين بتلك الاوصاف فانهم اذا مسهم شكروا الله وانفقوا مما خولهم الله. واذا مسهم الشر صبروا واحتسبوا. وقوله في وصفهم الذين هم على صلاتهم دائمون. اي مداومون عليها في اوقاتها بشروطها ومكملاتها. وليسوا فمن لا يفعلها او يفعلها وقتا دون وقت او يفعلها على وجه الناقص من زكاة وصدقة. للسائل الذي يتعرض للسؤال والمحروم وهو المسكين الذي لا يسأل الناس فيعطوه. ولا يفطن له فيتصدق عليه ان يؤمنون بما اخبر الله به واخبرت به رسله من الجزاء والبعث ويتيقنون ذلك. فيستعدون للاخرة ويسعون لها سعيها والتصديق بيوم الدين يلزم منه التصديق بالرسل وبما جاءوا به من الكتب اي خائفون وجلون فيتركون لذلك كل ما يقربهم من عذاب الله اي هو العذاب الذي يخشى ويحذر فلا يطأون بها وطأ محرما من زنا او لواط او وطئ في دبر او حيض ونحو ذلك ويحفظونها ايضا من النظر اليها ومسها. ممن لا يجوز له ذلك ويتركون ايضا وسائل المحرمات الداعية لفعل الفاحشة الا على ازواجهم او ما ملكت ايمانهم فانهم غير ملومين. الا على ازواجهم او ما ملكت ايمانهم ايسرياتهم. فانهم غير ملومين في وطئهم ان في المحل الذي هو محل الحرث فمن ابتغى وراء ذلك اي غير الزوجة وملك اليمين اي المتجاوزون ما احل الله الى ما حرم الله. ودلت هذه الاية على تحريم نكاح المتعة لكونها غير زوجة مقصودة ولا ملك يمين. والذين هم لاماناتهم وعهدهم اي مراعون لها حافظون مجتهدون على ادائها والوفاء بها. وهذا شامل لجميع الامانات التي بين العبد وبين ربه في السرية التي لا يطلع عليها الا الله. والامانات التي بين العبد وبين الخلق في الاموال والاسرار. وكذلك العهد كامل للعهد الذي عاهد عليه الله والعهد الذي عاهد عليه الخلق فان العهد يسأل عنه العبد هل قام به ووفاه ام رفضه خانة فلم يقم به. اي لا يشفع يشهدون الا بما يعلمونه. من غير زيادة ولا نقص ولا كتمان. ولا يحابي فيه قريبا ولا صديقا ونحوه. ويكون القصد بها وجه الله. قال تعالى واقيموا الشهادة لله. يا ايها الذين امنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله. ولو على انفسكم او الوالدين والاقربين. بمداومتها على اكمل وجوهها في جنات مكرمون اولئك اي الموصوفون بتلك الصفات. اي قد اوصل الله لهم من الكرامة والنعيم المقيم ما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين وهم فيها خالدون. وحاصل هذا ان الله وصف اهل السعادة والخير بهذه الاوصاف الكاملة والاخلاق الفاضلة من العبادات البدنية كالصلاة والمداومة عليها والاعمال القلبية كخشية خشية الله الداعية لكل خير. والعبادات المالية والعقائد النافعة والاخلاق الفاضلة. ومعاملة الله ومعاملة خلقه سنة معاملة من انصافهم وحفظ عهودهم واسرارهم والعفة التامة بحفظ الفروج عما يكره الله تعالى يقول تعالى مبينا اغترار الكافرين اي مسرعين. عن اليمين وعن الشمال اي قطعا متفرقة وجماعات وزع كل منهم بما لديه فرح. ايطمع كل امرئ منهم ان يدخل جنة نعيم باي سبب اطمعهم وهم لم يقدموا سوى الكفر والجحود برب العالمين. ولهذا قال انا خلقناهم من ما يعلمون. كلا اي ليس الامر بامانيهم ولا ادراك ما يشتهون بقوتهم. اي من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب. فهم ضعفاء لا يملكون لانفسهم نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا هذا اقسام منه تعالى بالمشارق والمغارب للشمس والقمر والكواكب لما فيها من الايات الباهرات على البعث وقدرته على تبديل امثالهم وهم باعيانهم كما قال تعالى وننشئكم فيما لا تعلمون اي ما احد يسبقنا ويفوتنا ويعجزنا اذا اردنا ان نعيده فاذا صار البعث والجزاء واستمروا على تكذيبهم وعدم انقيادهم لايات الله اي يخوضوا بالاقوال الباطلة والعقائد الفاسدة ويلعبوا بدينهم ويأكلوا ويشربوا ويتمتعوا فان الله قد اعد لهم فيه من ما هو عاقبة خوضهم ولعبهم؟ ثم ذكر حال الخلق حين يلاقون يومهم الذي يوعدون. فقال ينفضون يوم يخرجون من الاجداد اي القبور سراعا مجيبين لدعوة الداعي مهطعين اليها اي كانهم الى علم يأمون ويسرعون. اي فلا يتمكنون من الاستعصاء للداعي والالتواء لنداء المنادي. بل يأتون اذلاء مقهورين للقيام بين يدي رب العالمين وذلك ان الذلة والقلق قد ملك قلوبهم واستولى على افئدتهم فخشعت منهم الابصار وسكنت منهم الحركات وانقطعت الاصوات. فهذه الحال والمآل هو يومهم الذي كانوا يوعدون. ولابد من الوفاء بوعد الله بسم الله الرحمن الرحيم عذاب اليم. لم يذكر الله في هذه السورة سوى قصة نوح وحدها. لطول لبثه في قومه وتكرار دعوته الى التوحيد ناهيه عن الشرك. فاخبر تعالى انه ارسله الى قومه رحمة بهم وانذارا لهم من عذاب الله الاليم. خوفا من استمرارهم على كفرهم فيهلكهم الله هلاكا ابديا. ويعذبهم عذابا سرمديا. فامتثل نوح عليه السلام لذلك وابتدر لامر الله فقال قال يا قومي اني لكم نذير مبين. اي واضح النذارة بينها. وذلك لتوضيحهما انذر به وما انذر عنه وباي شيء تحصله النجاة؟ بين جميع ذلك بيانا شافيا. فاخبرهم وامرهم بزبدة ما يأمرهم به. فقال واتقوه واطيعوه يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم الى اجل مسمى. وذلك بافراد تعالى بالتوحيد والعبادة. والبعد عن الشرك وطرقه ووسائله. فانهم اذا اتقوا الله غفر ذنوبهم. واذا غفر ذنوبهم حصل لهم النجاة من العذاب والفوز بالثواب. ويؤخركم الى اجل مسمى. اي يمتعكم في هذه الدار ويدفع عنكم الهلاك الى اجل مسمى. اي مقدر البقاء في الدنيا بقضاء الله وقدره الى وقت محدود. وليس المتاع ابدا فان موتى لا بد منه. ولهذا قال لو كنتم تعلمون لما كفرتم بالله وعاندتم الحق. فلم يجيبوا لدعوته ولا انقادوا لامره. فقال شاكيا لربه قال اي نفورا عن الحق واعراضا. فلم يبق لذلك فائدة. لان فائدة الدعوة ان يحصل جميع المقصود او بعضه كما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا اصابعهم في اذانهم واستغشوا ثيابهم واصروا ثيابه اصروا واستكبروا استكبارا. واني كلما دعوتهم لتغفر لهم اي لاجل ان يستجيبوا. فاذا استجابوا غفرت لهم فكان هذا محض مصلحتهم. ولكنهم ابوا الا تماديا على باطلهم. ونفورا عن الحق. جعلوا اصابعهم في اذانهم حذر سماع ما يقول لهم نبيهم نوح عليه السلام. واستغشوا ثيابهم اي تغطوا بها غطاء يغشاهم بعدا عن الحق واصروا على كفرهم وشرهم واستكبروا على الحق استكبارا فشره مزداد وخيرهم بعد اني دعوتهم جهارا. اي بمسمع منهم كلهم كل هذا حرص ونصح. واتيانهم بكل باب يظن ان يحصل منه المقصود انه كان غفارا. فقلت استغفروا ربكم اي اتركوا ما انتم عليه من الذنوب. واستغفروا الله منها كثير المغفرة لمن تاب واستغفر فرغبهم بمغفرة الذنوب وما يترتب عليها من حصول الثواب واندفاع العقاب ورغبهم ايضا بخير الدنيا العاجل. فقال لو كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا. اي مطرا متتابعا يروي الشعاب والوهاد. ويحيي البلاد والعباد. ويمددكم باموال وبنين ان يكثروا اموالكم التي تدركون بها ما تطلبون من الدنيا واولادكم ويجعل لكم انهارا. وهذا من ابلغ ما يكون من لذات الدنيا ومطالبها الكم لا ترجون لله وقارا. اي لا تخافون لله عظمة. وليس لله عندكم قدر وقد خلقكم اطوارا. اي خلقا من بعد خلق في بطن الام ثم في الرضاع. ثم في سن الطفولة ثم ثم الشباب الى اخر ما وصل اليه الخلق. فالذي انفرد بالخلق والتدبير البديع. متعين ان يفرد بالعبادة والتوحيد وفي ذكر ابتداء خلقهم تنبيه لهم على الاقرار بالمعاد. وان الذي انشأهم من العدم قادر على ان يعيدهم بعد موتهم. واستدل ايضا عليهم بخلق السماوات التي هي اكبر من خلق الناس. فقال اي كل سماء فوق الاخرى وجعل القمر فيهن نورا لاهل الارض. ففيه تنبيه على عظم خلقه في هذه الاشياء وكثرة المنافع في الشمس والقمر. الدالة على رحمته وسعة احسانه. فالعظيم الرحيم يستحق ان يعظم ويحبب او يعبد ويخاف ويرجى. حين خلق اباكم ادم في صلبه ثم يعيدكم فيها عند الموت. ويخرجكم اخراجا للبعث والنشور. فهو الذي يملك الحياة والموت والنشور الله جعل لكم الارض بساطا لتسلكوا منها سبل فجاجا. اي مبسوطة مهيئة للانتفاع بها. فلولا انه بسطها لما امكن ذلك. بل ولا امكنهم حرثها وغرسها وزرعها. والبناء والسكون على ظهرها قال نوح شاكيا لربه ان هذا الكلام والوعظ والتذكير ما نجع فيهم ولا افاد. انهم عصوني فيما امرتهم به وولده الا خسارا. اي عصوا الرسول الناصح الدال على الخير. واتبعوا الملأ والاشراف الذين لم تزدهم اموالهم ولا اولادهم الا خسارا. اي هلاكا وتفويت للارباح. فكيف بمن انقاد لهم واطاعهم الهتكم ولا تذرن ودا. اي مكرا كبيرا بليغا في معاندة الحق. وقالوا لهم داعين الى الشرك مزينين له. لا تذرن الهتكم. فدعوهم الى التعصب على ما هم عليه من شرك والا يدعوا ما عليه اباؤهم الاقدمون. ثم عينوا الهتهم فقالوا وهذه اسماء رجال صالحين لما ماتوا زين الشيطان لقومهم ان يصوروا صورهم لينشطوا بزعمهم على الطاعة اذا رأوها. ثم طال الامد وجاء غير اولئك فقال لهم الشيطان ان اسلافكم يعبدونهم ويتوسلون بهم وبهم يسقون المطر فعبدوهم. ولهذا اوصى رؤساؤهم للتابعين لهم الا يدعوا عبادة هذه الالهة. اي وقد اضل الكبار والرؤساء بدعوتهم كثيرا من الخلق اي لو كان ضلالهم عند دعوتي اياهم بحق لكان مصلحة ولكن لا يزيدون بدعوة الرؤساء الا ضلالا. اي فلم يبق محل لنجاحهم ولا لصلاحهم. ولهذا ذكر الله عذابهم وعقوبتهم الدنيوية والاخروية فقال اما خطيئاتهم اغرقوا في اليم الذي احاط بهم فادخلوا نارا. فذهبت اجسادهم في الغرق وارواحهم والحرم وهذا كله بسبب خطيئاتهم. التي اتاهم نبيهم نوح ينذرهم عنها. ويخبرهم بشؤمها ومغبتها. فرفضوا ثم قال حتى حل بهم النكال ينصرونهم حين نزل بهم الامر الامر. ولا احد يقدر يعارض القضاء والقدر. وقال نوح الرب لا تذر على ديارا يدور على وجه الارض وذكر السبب في ذلك فقال تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا الا فاجرا كفارا. اي بقاؤهم مفسدة محضة لهم ولغيرهم. وانما قال نوح عليه السلام ذلك. لانه مع كثرة مخالطته اياهم. ومزاولته لاخلاقهم. علم بذلك نتيجة اعمالهم لا جرم ان الله استجاب دعوته فاغرقهم اجمعين. ونجى نوحا ومن معه من المؤمنين لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا. خص المذكورين لتأكد حقهم وتقديم برهم ثم عمم الدعاء فقال عن المؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين الا تبارا اه اي خسارا ودمارا وهلاكا بسم الله الرحمن الرحيم اي قل يا ايها الرسول للناس اوحي الي انه استمع نفر من الجن صرفهم الله الى رسوله لسماع ايات لتقوم عليهم الحجة وتتم عليهم النعمة ويكونوا منذرين لقومهم. وامر رسوله ان يقص نبأهم على الناس وذلك انهم لما حضروه قالوا انصتوا فلما انصتوا فهموا معانيه ووصلت حقائقه الى قلوبهم انا سمعنا قرآنا عجبا. اي من العجائب الغالية والمطالب العالية يهدي الى الرشد والرشد اسم جامع لكل ما يرشد الناس الى مصالح دينهم ودنياهم فجمعوا بين الايمان الذي يدخل فيه جميع اعمال الخير بين التقوى المتضمنة لترك الشر. وجعلوا السبب الداعي لهم الى الايمان وتوابعه. ما علموه من ارشادات القرآن. وما اشتمل عليه من المصالح والفوائد واجتناب المضار فان ذلك اية عظيمة. وحجة قاطعة لمن استنار به واهتدى بهديه. وهذا الايمان النافع المثمر كل خير المبني على هداية القرآن بخلاف ايمان العوائد والمربى والالف ونحو ذلك فانه ايمان تقليد تحت خطر الشبهات والعوارض الكثيرة. اي تعالت عظمته وتقدست اسماؤه فعلموا من جد الله وعظمته ما دلهم على بطلان من يزعم ان له صاحبة او ولدا. لان له العظمة والجلال في كل صفة كمال واتخاذ الصاحبة والولد ينافي ذلك لانه يضاد كمال الغنى اي قولا جائرا عن الصواب متعديا للحد. وما حمله على ذلك الا سفهه وضعف عقله والا فلو كان رزينا مطمئنا لعرف كيف يقول اي كنا مغترين قبل ذلك. غرتنا السادة والرؤساء من الجن والانس. فاحسنا بهم الظن وحسبناهم لا يتجرأون على الكذب على الله. فلذلك كنا قبل ذلك على طريقهم. فاليوم اذ بان لنا الحق سلكنا طريقه وانقذنا له ولم نبالي بقول احد من الخلق يعارض الهدى اي كان الانس يعوذون بالجن عند المخاوف والافزاع ويعبدونهم. فزاد الانس الجن رهقا اي طغيانا وتكبرا. لما رأوا الانس يعبدونهم ويستعيذون بهم. ويحتمل ان الضمير وهو الواو ارجع الى الجن اي زاد الجن الانس ذعرا وتخويفا لما رأوهم يستعيذون بهم ليلجئوهم الى الاستعاذة بهم فكان الانسي اذا نزل وادي المخوف قال اعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه اي فلما انكروا البعث اقدموا على الشرك والطغيان وانا لمسنا السماء اي اتيناها واختبرناها ووجدناها ملئت حرسا شديدا عن الوصول الى ارجائها. والدنو منها وشهبا يرمى بها من استرق السمع. وهذا مخالف الاولى فانا كنا نتمكن من الوصول الى خبر السماء وانا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فنتلقف من اخبار السماء ما شاء الله. اي مرصدا له معدا لاتلافه واحراقه اي وهذا له شأن عظيم ونبأ جسيم. وجزموا ان الله تعالى اراد ان يحدث في الارض حادثا كبيرا. من خير او شر. فلهذا قال قالوا اي لابد من هذا او هذا. لانه رأوا الامر تغير عليهم تغيرا انكروه. فعرفوا بفطنتهم ان هذا الامر يريده الله يحدثه في الارض وفي هذا بيان لادبهم اذ اضافوا الخير الى الله تعالى والشر حذفوا فاعله تأدبا وان منا الصالحون هنا ومنا دون ذلك اي فساق وفجار وكفار. اي فرقا متنوعة اجواء متفرقة كل حزب بما لديهم فرحون اي وان في وقتنا الان تبين لنا كمال قدرة الله وكمال عجزنا وان نواصينا بيد الله فلن نعجزه في الارض ولن نعجزه ان هربنا. وسعينا باسباب الفرار والخروج عن قدرته. لا ملجأ منه الا اليه وانا لما سمعنا الهدى وهو القرآن الكريم الهادي الى الصراط المستقيم. وعرفنا هدايته وارشاده اثر في قلوبنا فامنا به ثم ذكروا ما يرغب المؤمن فقالوا اي من امن به ايمانا صادقا فلا عليه نقص ولا اذى يلحقه واذا سلم من الشر حصل له الخير فالايمان سبب داع الى كل خير وانتفاء كل شر اي الجائرون العادلون عن الصراط المستقيم اي اصابوا طريق الرشد الموصل لهم الى الجنة ونعيمها. واما القاسطون فكانوا وذلك جزاء على اعمالهم لا ظلم من الله لهم وان لو استقاموا على الطريقة المثلى لاسقيناهم ما ان غدق اي هنيئا مريئا ولم يمنعه من ذلك الا ظلمهم وعدوانهم اي لنختبرهم فيه ونمتحنهم ليظهر الصادق من الكاذب ومن يعرض عن ذكر ربه عذابا صعدا. اي من اعرض عن ذكر الله الذي هو وكتابه فلم يتبعه وينقد له بل غفل عنه ولهى يسلكه عذابا صعدا اي شديدا بليغا اي لا دعاء عبادة ولا دعاء مسألة فان المساجد التي هي اعظم محال للعبادة. مبنية على الاخلاص لله. والخضوع لعظمته والاستكانة لعزته وانه لما قام عبد الله يدعو اي يسأله ويتعبد له ويقرأ القرآن كادوا اي الجن من تكاثرهم عليه يكونون عليه لبدا اي متلبدين متراكمين حرصا على سماع ما جاء به من الهدى احدا قل لهم يا ايها الرسول مبينا حقيقة ما تدعو اليه. انما ادعو ربي ولا اشرك به اي احده وحده لا شريك له واخلع ما دونه من الانداد والاوثان وكل ما يتخذه المشركون من دونه قل اني لا املك لكم ضرا ولا رشدا. فاني عبد ليس لي من الامر والتصرف شيء يجيرني من الله احد ولن اجد من دونه متحدا اي لا احد استجير به ينقذني من عذاب الله. واذا كان الرسول الذي هو اكمل الخلق لا يملك ضرا ولا رشدا. ولا يمنع نفسه من الله شيء ان اراده بسوء فغيره من الخلق من باب اولى واحرى اي ملجأ ومنتصرا. اي ليس لي مزية على الناس الا ان الله خصني بابلاغ رسالاته ودعوة خلقه اليه. وبذلك تقوم الحجة على الناس وهذا المراد به المعصية الكفرية. كما قيدتها النصوص الاخر المحكمة. واما مجرد المعصية فانه لا يوجب الخلود في النار. كما دلت على ذلك ايات القرآن والاحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم واجمع عليه سلف الامة وائمة هذه الامة حتى اذا رأوا ما يوعدون اي شاهدوه عيانا وجزموا انه واقع بهم وسيعلمون في ذلك الوقت حقيقة المعرفة من اضعف ناصرا واقل عددا؟ حين لا ينصرهم غيرهم ولا انفسهم ينتصرون واذ يحشرون فرادى كما خلقوا اول مرة قل لهم ان سألوك فقالوا متى هذا الوعد توعدون ان يجعل له ربي امدا. اي غاية طويلة فعلم ذلك عند الله. عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احدا من الخلق بل انفرد بعلم الضمائر والاسرار والغيوم الا من ارتضى من رسول اي فانه يخبره بما اقتضت حكمته ان يخبره به. وذلك لان الرسل ليس كغيرهم فان الله ايدهم بتأييد ما ايده احد من الخلق. وحفظ ما اوحاه اليهم حتى يبلغوه على حقيقته. من ان تقربه الشياطين فيزيد فيه او ينقص. ولهذا قال اي يحفظونه بامر الله ليعلم بذلك ان قد ابلغوا رسالات ربهم بما جعله لهم من الاسباب. واحاط بما لديهم اي بما عندهم وما اسروه وما اعلنوه واحصى كل شيء عددا. وفي هذه السورة فوائد كثيرة. منها وجود الجن وانهم مكلفون مأمورون مكلفون منهيون. مجازون باعمالهم كما هو صريح في هذه السورة. ومنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول الى الجن. كما هو رسول الى الانس. فان الله صرف نفر الجن ليستمعوا ما يوحى اليه. ويبلغوا قومهم. ومنها ذكاء الجن ومعرفتهم بالحق. وان الذي ساقهم الى الايمان هو ما تحققوه من هداية القرآن. وحسن ادبهم في خطابهم. ومنها اعتناء الله برسوله وحفظه لما جاء به. فحين ابتدأت بشائر نبوته والسماء محروسة بالنجوم. والشياطين قد هربت عن اماكنها وازعجت عن مراصدها وان الله رحم به الارض واهلها رحمة ما يقدر لها قدر. واراد بهم ربهم رشدا فاراد ان يظهر من وشرعه ومعرفته في الارض ما تبتهج له القلوب وتفرح به اولو الالباب وتظهر به شعائر الاسلام وينقمع به اهل الاوثان والاصل ومنها شدة حرص الجن لاستماع الرسول صلى الله عليه وسلم وتراكمهم عليه. ومنها ان هذه السورة قد اشتملت على امر بالتوحيد والنهي عن الشرك. وبينت حالة الخلق وان كل احد منهم لا يستحق من العبادة مثقال ذرة. لان الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم اذا كان لا يملك لاحد نفعا ولا ضرا بل ولا يملك لنفسه. علم ان الخلق كلهم كذلك. فمن الخطأ والغلط اتخاذ من هذا وصفه الها اخر مع الله. ومنها ان علوم الغيب قد انفرد الله بعلمها فلا يعلمها احد من الخلق. الا من ارتضاه الله وخص بعلم شيء منها بسم الله الرحمن الرحيم. المزمل تغطي بثيابه كالمدثر. وهذا الوصف حصل من رسول الله صلى الله عليه وسلم. حين اكرمه الله برسالته وابتدأه بانزال لوحيه بارسال جبريل اليه. فرأى امرا لم يرى مثله. ولا يقدر على الثبات له الا المرسلون. فاعتراه في ابتداء ذلك انزعاج حين رأى جبريل عليه السلام فاتى الى اهله فقال زملوني زملوني. وهو ترعد فرائسه. ثم جاءه جبريل فقال اقرأ فقال ما انا بقارئ فغطه حتى بلغ منه الجهد وهو يعالجه على القراءة. فقرأ صلى الله عليه وسلم ثم القى الله عليه الثبات وتابع عليه الوحي حتى بلغ مبلغا ما بلغه احد من المرسلين. فسبحان الله ما اعظم التفاوت بين ابتداء نبوته ونهايتها. ولهذا خاطبه الله بهذا الوصف الذي وجد منه في اول امره. فامره هنا بالعبادات المتعلقة به. ثم امره بالصبر على اذية اعدائه. ثم امره بالصدع بامره. واعلان دعوتهم الى الله امره هنا باشرف العبادات وهي الصلاة. وباكد الاوقات وافضلها. وهو قيام الليل. ومن رحمته تعالى انه لم مره بقيام الليل كله بل قال ثم قدر ذلك فقال او انقص منه اي من النصف قليلا بان يكون الثلث ونحوه او زد عليه اي على النصف فيكون الثلثين ونحوها فان ترتيل القرآن به يحصل التدبر والتفكر وتحريك القلوب به والتعبد باياته والتهيؤ والاستعداد التام فانه قال انا سنلقي عليك قولا سقيلا اي نوحي اليك هذا القرآن الثقيل اي العظيمة معانيه الجليلة اوصافه وما كان بهذا الوصف حقيق ان يتهيأ له ويرتل ويتفكر فيما يشتمل عليه ثم ذكر الحكمة في امره بقيام الليل فقال ان ناشئة الليل اي الصلاة فيه بعد النوم هي اشد وطئا واقوم قيلا اي اقرب الى تحصيل مقصود القرآن يتواطأ على القرآن القلب واللسان وتقل الشواغل. ويفهم ما يقول ويستقيم له امره وهذا خلاف النهار فانه لا يحصل به هذا المقصود. ولهذا قال اي ترددا على حوائجك ومعاشك. يوجب اشتغال القلب وعدم تفرغه التفرغ التام واذكر اسم ربك شامل لانواع الذكر كلها اي انقطع الى الله تعالى. فان الانقطاع الى الله والانابة اليه. هو الانفصال بالقلب عن الخلائق. والاتصال خافوا بمحبة الله وكل ما يقرب اليه ويدني من رضاه رب المشرق والمغرب. وهذا اسم جنس يشمل المشارق والمغارب كلها. فهو تعالى رب المشارق والمغارب وما يكون فيها من الانوار. وما هي مصلحة له من العالم العلوي والسفلي. فهو رب كل شيء وخالقه ومدبره. لا اله الا هو اي لا معبود الا وجهه الاعلى الذي يستحق ان يخص بالمحبة والتعظيم والاجلال والتكريم. ولهذا قال اي حافظا ومدبرا لامورك كلها فلما امره الله بالصلاة خصوصا وبالذكر عموما. وذلك يحصل للعبد ملكة قوية في تحمل الاثقال. وفعل الثقيل من الاعمال امره بالصبر على ما يقول فيه المعاندون له ويسبونه. ويسبون ما جاء به. وان يمضي على امر الله لا يصده عن صاد ولا يرده راد وان يهجرهم هدرا جميلا. وهو الهجر حيث اقتضت المصلحة الهجر الذي لا اذية فيه. فيقابلهم بالهجر والاعراض عنهم وعن اقوالهم التي تؤذيه وامره بجدالهم بالتي هي احسن وذرني والمكذبين اي اتركني واياهم. فسانتقم منهم. وان امهلتهم فلا اهملهم وقوله اولي النعمة اي اصحاب النعمة والغنى الذين طاووا حين وسع الله عليهم من رزقه وامد من فضله كما قال تعالى كلا ان الانسان ليطغى ان رآه استغنى. ثم توعدهم بما عنده من العقاب فقال اي ان عندنا انكالا اي عذابا شديدا جعلناه تنكيلا للذي لا يزال مستمرا على الذنوب وجحيما اي نارا حامية وطعاما ذا غصة وذلك لمرارته وبشاعته. وكراهة طعمه وريحه. الخبيث المنتن. وعذابا اليما اي موجعا مفظعا. وذلك يوم ترجف الارض والجبال من الهول العظيم. وكانت الجبال الراسيات الصم الصلاب. كثيبا المهيلة اي بمنزلة الرمل المنهال المنتثر. ثم انها تبس بعد ذلك فتكون كالهباء المنثور اليكم رسولا شاهدا عليكم كما ارسلنا الى فرعون رسولا فعصى فرعون يقول تعالى احمدوا ربكم على ارسال هذا النبي الامي العربي البشير للنذير الشاهد على الامة باعمالهم. واشكروه وقوموا بهذه النعمة الجليلة. واياكم ان تكفروها. فتعصوا رسولكم فتكون كفرعون حين ارسل الله اليه موسى ابن عمران فدعاه الى الله وامره بالتوحيد فلم يصدقه بل عصاه فاخذه الله اخذا وبيلا. اي شديدا بليغا كان وعده مفعولا كيف كيف يحصل لكم الفكاك والنجاة من يوم القيامة؟ اليوم المهيل امره. العظيم قدره. الذي يشيب الولدان وتذوب له الجمادات العظام فتتفطر به السماء وتنتظر به نجومها. اي لابد من وقوعه ولا حائل دونه اه اي ان هذه الموعظة التي نبأ الله بها من احوال يوم القيامة واهواله. تذكرة يتذكر بها المتقون وينزجر المؤمنون اي طريقا موصلا اليه وذلك باتباع شرعه فانه قد ابانه كل البيان واوضحه غاية الايضاح. وفي هذا دليل على ان الله تعالى اقدر العباد على افعالهم ومكنهم منها. لا كما يقوله الجبرية ان افعالهم تقع بغير مشيئتهم. فان هذا خلاف العقل والنقل اين معك؟ والله يقدر الليل والنهار علم ان لن تحصوه فتاب عليكم فاقرأوا ما تيسر واقيموا الصلاة واتوا الزكاة واقرضوا الله قرضا حسنا ان الله غفور رحيم ذكر الله في اولها هذه السورة انه امر رسوله بقيام نصف الليل او ثلثه او ثلثيه. والاصل ان امته اسوة له في الاحكام. وذكر في هذا انه امتثل ذلك هو وطائفة معه من المؤمنين. ولما كان تحرير الوقت المأمور به مشقة على الناس. اخبر انه سهل في ذلك غاية التسهيل. فقال والله يقدر الليل والنهار. اي يعلموا مقاديرهما وما يمضي منهما ويبقى ما ان لم تحصوه اي لن تعرفوا مقداره من غير زيادة ولا نقص. لكون ذلك يستدعي انتباها وعناء زائدا. اي فخفف عنكم بما تيسر عليكم سواء زاد على المقدر او نقص. فاقرأوا ما تيسر من القرآن اي مما تعرفون ومما لا يشق عليكم ولهذا كان المصلي بالليل مأمورا بالصلاة ما دام نشيطا فاذا فتر او كسل او نعس فليسترح لياتي الصلاة بطمأنينة ثم ذكر بعض الاسباب المناسبة للتخفيف فقال علم ان سيكون منكم مرضى يشق عليهم صلاة ثلثي الليل او نصفه او ثلثه فليصلي المريض المتسهل عليه ولا يكون ايضا مأمورا بالصلاة قائما عند مشقة ذلك. بل لو شقت عليه الصلاة النافلة له تركها وله اجر ما كان يعمل صحيحا اي وعلم ان منكم مسافرين يسافرون للتجارة ليستغنوا عن الخلق ويتكففوا عن الناس. اي فالمسافر حاله تناسب التخفيف ولهذا خفف عنه في صلاة الفرض فابيح له جمع الصلاتين في وقت واحد وقصر الصلاة الرباعية. وكذلك اخرون يقاتلون ان في سبيل الله فاقرأوا ما تيسر منه. فذكر تعالى تخفيفين تخفيفا للصحيح المقيم. يراعي فيه نشاطه من غير ان كلف عليه تحرير الوقت بل يتحرى الصلاة الفاضلة وهي ثلث الليل بعد نصفه الاول وتخفيفا للمريض او المسافر سواء كان سفره وهو للتجارة او لعبادة من قتال او جهاد او حج او عمرة ونحو ذلك. فانه ايضا يراعي ما لا يكلفه. فلله الحمد الثناء الذي ما جعل على الامة في الدين من حرج بل سهل شرعه وراعى احوال عباده ومصالح دينهم ودنياهم وابدانهم. ثم فامر العباد بعبادتين هما ام العبادات وعمادها. اقامة الصلاة التي لا يستقيم الدين الا بها. وايتاء الزكاة التي هي برهان الايمان. وبها تحصل المواساة للفقراء والمساكين. ولهذا قال واقيموا الصلاة باركانها وشروطها مكملاتها. اي خالصا لوجه الله من نية صادقة وتثبيتا من النفس ومال طيب ويدخل في هذا الصدقة الواجبة والمستحبة. ثم حث على عموم الخير وافعاله. فقال الحسنة بعشر امثالها الى سبعمائة ضعف الى اضعاف كثيرة اعلم ان مثقال ذرة من الخير في هذه الدار يقابله اضعاف اضعاف الدنيا وما عليها في دار النعيم المقيم من اللذات والشهوات وان الخير والبر في هذه الدنيا مادة الخير والبر في دار القرار. وبذره واصله واساسه. فواسفاه على مضت في الغفلات وهو حسرتاه على ازمان تقضت بغير الاعمال الصالحات. ووى غوثاه من قلوب لم يؤثر فيها وعظ بارئها ولم ينجح فيها تشويق من هو ارحم بها منها. فلك اللهم الحمد واليك المشتكى وبك المستغاث. ولا حول ولا قوة الا بك. واستغفروا الله ان الله غفور رحيم. وفي الامر بالاستغفار بعد الحث على افعال الطاعة والخير فائدة كبيرة. وذلك ان العبد ما يخلو من التقصير فيما امر به. اما الا يفعله اصلا او يفعله على وجه الناقص فامر بترقيع ذلك بالاستغفار. فان العبد يذنب اناء الليل والنهار. فمتى لم يتغمده الله برحمته ومغفرته فانه هالك بسم الله الرحمن الرحيم تقدم ان المزمل والمدثر بمعنى واحد وان الله قال رسوله صلى الله عليه وسلم بالاجتهاد في عبادات الله القاصرة والمتعدية. فتقدم هنالك الامر له بالعبادات الفاضلة والقاصرة والصبر على اذى قومه. وامره هنا بالاعلان بالدعوة والصدع بالانذار فقال قم اي بجد ونشاط فانذر الناس بالاقوال والافعال التي يحصل بها المقصود. وبيان حال المنذر عنه ليكون ذلك ادعى لتركه. وربك فكبر اي عظمه بالتوحيد واجعل قصدك في انذارك وجه الله. وان يعظمه العباد ويقوم بعبادته. وثيابك فطهر. يحتمل ان المراد بثياب اعماله كلها وبتطهيرها تخليصها والنصح بها وايقاعها على اكمل الوجوه. وتنقيتها عن المبطلات والمفسدات والمنقصات من شرك ورياء ونفاق وعجب وتكبر. مما يؤمر العبد باجتنابه في عباداته. ويدخل في ذلك تطهير الثياب من النجاسة فان ذلك من تمام التطهير للاعمال. خصوصا في الصلاة التي قال كثير من العلماء ان ازالة النجاسة عنها شرط من شروط الصلاة ويحتمل ان المراد بثيابه. الثياب المعروفة وانه مأمور بتطهيرها عن جميع النجاسات في جميع الاوقات خصوصا في الدخول في الصلوات. واذا كان مأمورا بتطهير الظاهر فان طهارة الظاهر من تمام طهارة الباطن. والرجز فاهجر يحتمل ان المراد بالرجز الاصنام والاوثان التي عبدت مع الله. فامره بتركها والبراءة منها. ومما نسب اليها من قول او عمل. ويحتمل ان المراد بالرجز اعمال الشر كلها واقواله فيكون امرا له بترك الذنوب صغارها وكبارها ظاهرها وباطنها. فيدخل وفي هذا الشرك فما دونه. ولا تمنن تستكثر اي لا تمنن على الناس بما اسديت اليه من النعم الدينية والدنيوية فتتكثر وبتلك المنة وترى لك الفضل عليهم باحسانك. بل احسن الى الناس مهما امكنك وانس عندهم احسانك. ولا تطلب اجره الا من الله تعالى قال واجعل من احسنت اليه وغيره على حد سواء. وقد قيل ان معنى هذا لا تعطي احدا شيئا. وانت تريد ان يكافئك عليه باكثر منه فيكون هذا خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم. ولربك فاصبر اي احتسب بصبرك واقصد به وجه الله تعالى فامتثل رسول الله صلى الله عليه وسلم لامر ربه وبادر اليه فانذر الناس واوضح لهم بالايات البينات جميع المطالب الالهية وعظم الله تعالى ودعا الخلق الى تعظيمه وطهر اعماله الظاهرة والباطنة من كل سوء وهجر كل ما يبعد عن الله من الاصنام والشر واهله وله المنة على الناس بعد منة الله من غير ان يطلب منهم على ذلك جزاء ولا شكورا. وصبر لله اكمل الصبر فصبر على طاعة الله وعن معاصي الله وعلى اقدار الله المؤلمة. حتى فاق اولي العزم من المرسلين. صلوات الله وسلامه عليه وعليهم اجمعين اي فاذا نفخ في الصور للقيام من القبور. وجمع الخلائق للبعث والنشور لكثرة اهواله وشدائده. لانهم قد ايسوا من كل خير وايقنوا بالهلاك والبغضاء ومفهوم ذلك انه على المؤمنين يسير. كما قال تعالى يقول الكافرون هذا يوم عسر هذه الايات نزلت في ابن المغيرة معاند الحق والمبارز لله ولرسوله بالمحاربة والمشاقة. فذمه الله ذما لم يذمه غيره. وهذا جزاء كل من عاند الحق ونابذه انا له الخزي في الدنيا ولعذاب الاخرة اخزى. فقال اي خلقته منفردا بلا مال ولا اهل ولا غيره. فلم ازل انميه واربيه دودا اي كثيرا. وجعلت له بنين اي ذكورا شهودا اي حاضرين عنده على الدوام يتمتع بهم ويقضي بهم حوائجه ويستنصر بهم. ومهدت له تمهيدا ثم يطمع ان اي مكنته من الدنيا واسبابها. حتى انقادت له مطالبه وحصل له ما يشتهي ويريد. ثم مع هذه النعم امدادات يطمع ان ازيد. اي يطمع ان ينال نعيم الاخرة. كما نال نعيم الدنيا كلا اي ليس الامر كما طمع. بل هو بخلاف مقصوده ومطلوبه. وذلك لانه اي معاندا. عرفها ثم انكرها ودعته الى الحق فلم ينقد لها. ولم يكفه انه اعرض وتولى عنها بل جعل يحاربها ويسعى في ابطالها. ولهذا قال عنه انه فكر. اي في نفسه وقدر ما فكر فيه. ليقول قولا يبطل به القلوب فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر. لانه قدر امرا ليس في طوره وتسور على ما لا يناله هو ولا امثاله. ثم نظر ما يقول ثم ثم عبس وبصر في وجهه وظاهره نفرة عن الحق وبغضا له. ثم ادبر اي تولى واستكبر نتيجة سعيه الفكري والعملي والقولي اي ما هذا كلام الله؟ بل كلام البشر وليس ايضا كلام البشر الاخيار بل كلام الفجار منهم والاشرار. من كل كاذب سحار فتبا له ما ابعده عن الصواب واحراه بالخسارة والتباب. كيف يدور في الاذهان؟ او يتصوره ضمير كل انسان ان يكون اعلى الكلام واعظمه. كلام الرب العظيم الماجد الكريم يشبه كلام المخلوقين الفقراء الناقصين. ام كيف تجرأوا هذا الكاذب العنيد على وصفه كلام المبدئ المعيد. فما حقه الا العذاب الشديد والنكال؟ ولهذا قال تعالى اي لا تبقي من الشدة ولا على المعذب شيئا الا وبلغه لواحة للبشر. اي تلوحهم وتصليهم في عذابها. وتقلقهم بشدة حرها وقرها تسعة عشر عليها تسعة عشر من الملائكة خزنة لها الى من شداد لا يعصون الله ما امرهم يفعلون ما يؤمرون فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين اوتوا الكتاب ويزداد الذين امنوا ايمانا كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وما يعلم جنود ربك الا هو وما هي الا ذكرى للبشر. وما جعلنا اصحاب فالنار الا ملائكة وذلك لشدتهم وقوتهم. وما جعلنا عدتهم الا فتنة للذين كفروا. يحتمل ان المراد الا لعذابهم وعقابهم في الاخرة ولزيادة نكالهم فيها. والعذاب يسمى فتنة. كما قال تعالى يومهم على النار يفتنون. ويحتمل ان مراد ان ما اخبرناكم بعدتهم الا لنعلم من يصدق ومن يكذب. ويدل على هذا ما ذكره بعده في قوله ايقن الذين اوتوا الكتاب ويزداد الذين امنوا ايمانا. فان اهل الكتاب اذا وافق ما عندهم وطابقهم ازداد يقينهم بالحق والمؤمنون كلما انزل الله اية فامنوا بها وصدقوا ازداد ايمانهم. ولا يرتاب الذين اوتوا كتابه المؤمنون اي ليزول عنهم الريب والشك. وهذه مقاصد جليلة يعتني بها اولو الالباب. وهي السعي في اليقين وزيادة ايماني في كل وقت وكل مسألة من مسائل الدين ودفع الشكوك والاوهام التي تعرض في مقابلة الحق فجعل ما انزله على رسوله لهذه المقاصد الجليلة ومميزا للصادقين من الكاذبين. ولهذا قال وليقول الذين في قلوبهم مرض اي شك وشبهة ونفاق والكافرون ماذا اراد الله بهذا مثلا؟ وهذا على وجه الحيرة والشك منهم والكفر بايات الله وهذا وذاك من هداية الله لمن يهديه واضلاله لمن يضله. ولهذا قال كذلك يضل الله من يشاء فمن هداه الله جعل ما انزله على رسوله رحمة في حقه وزيادة في ايمانه ودينه ومن اضل جعل ما انزله على رسوله زيادة شقاء عليه وحيرة وظلمة في حقه. والواجب ان يتلقى ما اخبر الله به ورسوله بالتسليم. وما يعلم جنود ربك من الملائكة وغيرهم الا هو. فاذا كنتم جاهلين بجنوده واخبركم بها العليم الخبير فعليكم ان تصدقوا خبره من غير شك ولا ارتياب. اي وما هذه الموعظة والتذكار مقصودا بها العبث واللعب. وانما المقصود به ان يتذكر به البشر ما ينفعهم فيفعلونه. وما يضرهم فيتركونه كلا والقمر والليل اذ ادبر الصبح اذا اسفر. انها لاحدى الكبر للبشر لمن شاء منكم ان يتقدم او يتأخر. كلا هنا بمعنى حقا او وبمعنى الاء الاستفتاحية فاقسم تعالى بالقمر وبالليل وقت ادباره والنهار وقت اسفاره لاشتمال المذكورات على ايات الله العظيمة الدالة على كمال قدرة الله وحكمته وسعة سلطانه وعموم رحمته واحاطة علمه. والمقسم عليه قوله انها لاحدى الكبر نذيرا للبشر لمن شاء منكم ان يتقدم اي ان النار. اي لاحدى العظائم الطامة والامور الهامة. فاذا اعلمناكم بها وكنتم على بصيرة من امرها فمن شاء منكم ان يتقدم فيعمل بما يقربه من ربه ويدنيه من رضاه ويزلفه من دار كرامته او يتأخر عما وعما يحبه الله ويرضاه فيعمل بالمعاصي. ويتقرب الى نار جهنم. كما قال الله تعالى وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر كل نفس بما كسبت من افعال الشر واعمال السوء رهينة بها موثقة بسعيها. قد الزم عنقها وغل في واستوجبت به العذاب. فانهم لم يرتهنوا بل اطلقوا وفرحوا يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر. اي في جنات قد حصل لهم فيها جميع مطلوباتهم وتمت لهم الراحة والطمأنينة حتى اقبلوا يتساءلون فافضت بهم المحادثة ان سألوا عن المجرمين اي حال وصلوا اليها؟ وهل وجدوا ما وعدهم الله؟ فقال بعضهم لبعض هل انتم مطلعون عليهم؟ فاطلعوا عليهم في وسط الجحيم يعذبون فقالوا لهم اي شيء ادخلكم فيها؟ وباي ذنب حققتموها. فلا اخلاص معبود ولا احسان ولا نفع للخلق المحتاجين. اي نخوض باطل ونجادل به الحق. هذا اثر الحامض بالباطل وهو التكذيب بالحق. ومن احق الحق يوم الدين الذي هو محل الجزاء على الاعمال. وظهور ملك الله وحكمه العدل لسائر الخلق فاستمرينا على هذا المذهب الفاسد. اي الموت فلما ماتوا على الكفر تعذرت حينئذ عليه ملحيل وانسد في وجوههم باب الامل لانهم لا يشفعون الا لمن ارتضى. وهؤلاء لا يرضى الله اعمالهم. فلما بين الله مآل المخالفين وبين ما بهم عطف على الموجودين بالعتاب واللوم فقال اي صاد دين غافلين عنها كانهم في نفرتهم الشديدة منها اي كانهم حمر وحش نفرت فنفر بعضها بعضا فزاد عدوها اسورة اي من صائد ورام يريدها او من اسد ونحوه. وهذا من اعظم ما يكون من النفور عن الحق. ومع هذا النفور والاعراض يدعون الدعاوى الكبار بل يريد كل امرئ منهم ان يؤتى صحفا منشرة نازلة عليه من السماء. يزعم انه لا ينقاد للحق الا بذلك. وقد كذبوا فانهم لو جاءتهم كل اية لم يؤمنوا حتى يروا العذاب الاليم. فانهم جاءتهم الايات البينات التي تبين الحق وتوضحهم فلو كان فيهم خير لامنوا. ولهذا قال كلا ان نعطيه طلبوا وهم ما قصدوا بذلك الا التعجيز. فلو كانوا يخافونها لما جرى منهم ما جرى كلا انه تذكرة. الضمير اما ان يعود على هذه السورة او على ما اشتملت عليه من هذه الموعظة لانه قد بين له السبيل ووضح له الدليل هو اهل التقوى واهل المغفرة. وما يذكرون الا ان يشاء الله فان مشيئة الله نافذة عامة لا يخرج عنها حادث قليل ولا كثير. ففيها رد على القدرية الذين لا يدخلون افعال العباد تحت مشيئة الله. والجبرية الذين يزعمون انه ليس للعبد مشيئة. ولا فعل حقيقة وانما هو مجبور على افعاله اثبت الله تعالى للعبد مشيئته حقيقة وفعلا. وجعل ذلك تابعا لمشيئته اي هو اهل ان يتقى ويعبد. لانه الاله الذي لا تنبغي العبادة الاله. واهل ان يغفر لمن اتقاه واتبع رضاه والله اعلم بسم الله الرحمن الرحيم ليست لاها هنا نافية ولا زائدة. وانما اتى بها للاستفتاح والاهتمام بما بعدها ولكثرة الاتيان بها مع اليمين لا يستغرب الاستفتاح بها. وان لم تكن في الاصل موضوعة للاستفتاح. فالمقسم به في هذا الموضع هو المقسم عليه وهو البعث بعد الموت وقيام الناس من قبورهم ثم وقوفهم ينتظرون ما يحكم به الرب عليهم النفس اللوامة يحسب الانسان ان لن نجمع عظامه. ولا اقسم بالنفس اللوامة وهي جميع نفوس الخيرة والفاجرة سميت لوامة لكثرة ترددها وتلومها. وعدم ثبوتها على حالة من احوالها. ولانها عند الموت تلوم صاحبها على ما عملت. بل نفس المؤمن تلوم صاحبها في الدنيا على ما حصل منه. من تفريط او تقصير في حق من الحقوق. او غفلة فجمع بين الاقسام بالجزاء وعلى الجزاء وبين مستحقي الجزاء. ثم اخبر مع هذا ان بعض المعاندين يكذب بيوم القيامة فقال ايحسب الانسان ان لن نجمع عظامه بعد الموت ما قال في الاية الاخرى قال من يحيي العظام وهي رميم. فاستبعد من جهله وعدوانه قدرة الله على خلق عظامه التي هي عماد البدن رد عليه بقوله اي اطراف اصابعه وعظامه. المستلزم ذلك لخلق جميع اجزاء البدن. لانها اذا وجدت الانامل والبنان فقد تمت خلقة الجسد. وليس انكاره لقدرة الله تعالى قصورا بالدليل الدال على ذلك. وانما وقع ذلك منه. لان ارادته وقصده التكذيب بما امامه من البعث فجور الكذب مع التعمد ثم ذكر احوال القيامة فقال القمر يقول اي اذا كانت القيامة برقة الابصار من الهول العظيم وشخصت فلا تطرف. كما قال تعالى انما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الابصار. مهطعين مقنعي رؤوسهم. لا يرتد اليهم حرفهم وافئدتهم هواء وخسف القمر. اي ذهب نوره وسلطانه وجمع الشمس والقمر. وهما لم يجتمعا منذ خلقهما الله تعالى فيجمع الله بينهما يوم القيامة ويخسف القمر وتكور الشمس ثم يقذفان في النار ليرى العباد انهما عبدان سخران وليرى من عبدهما انهم كانوا كاذبين. يقول الانسان يومئذ اين المفر يقول الانسان يومئذ اي حين يرى تلك القلاقل المزعجات اين المفر؟ اي اين الخلاص والفكاك؟ مما طرقنا والمنا نبينا اي لا ملجأ لاحد دون الله الى ربك يومئذ تقرر سائر العباد فليس في امكان احد ان يستتر او يهرب عن ذلك الموضع. بل لا بد من ايقافه ليجزى بعمله. ولهذا قال قال بجميع عمله الحسن في اول وقته واخره. وينبأ بخبر لا ينكره. بل الانسان على نفسه بصيرا اي شاهدا ومحاسبا. فانها معاذير لا تقبل بل يقرر بعمله فيقر به كما قال تعالى اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا. فالعبد وان انكر او اعتذر عما عمله فانكاره واعتذاره لا يفيدانه شيئا. لانه يشهد عليه سمعه وبصره. وجميع جوارحه بما كان يعمل. ولان استعتابه قد ذهب وقته وزال نفعه. فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون كان النبي صلى الله عليه وسلم اذا جاءه جبريل بالوحي وشرع في تلاوته عليه بادره النبي صلى الله عليه وسلم من الحرص قبل ان يفرغ وتلاه مع تلاوة جبريل اياه فنهاه الله عن هذا وقال ولا تعجل بالقرآن من قبل ان يقضى اليك اليك وحيه وقال هنا ثم ضمن له تعالى انه لابد ان يحفظه ويقرأه ويجمعه الله في صدره فقال فالحرص الذي في خاطرك انما الداعي له حذر الفوات والنسيان. فاذا ضمنه الله لك فلا موجب لذلك فاذا قرأناه فاتبع قرآنه. اي اذا اكمل جبريل ما يوحى اليك. فحينئذ اتبع ما قرأه فاقرأه اي بيان معانيه فوعده بحفظ لفظه وحفظ معانيه وهذا اعلى ما يكون امتثل صلى الله عليه وسلم لادب ربه فكان اذا تلى عليه جبريل القرآن بعد هذا انصت له فاذا فرغ قرأه وفي هذه اية ادب لاخذ العلم الا يبادر المتعلم للعلم قبل ان يفرغ المعلم من المسألة التي شرع فيها فاذا فرغ منها سأله عما اشكل عليه وكذلك اذا كان في اول الكلام ما يوجب الرد او الاستحسان الا يبادر برده او قبوله قبل الفراغ من ذلك ليتبين ما فيه من حق او باطل. وليفهمه فهما يتمكن فيه من الكلام فيه على وجه الصواب. وفيها ان النبي صلى الله عليه وسلم كما بين للامة الفاظ الوحي فانه قد بين لها معانيه اي هذا الذي اوجب لكم الغفلة والاعراض عن وعظ الله وتذكيره انكم تحبون العاجلة وتسعون فيما يحصلها وفي بلذاتها وشهواتها وتؤثرونها على الاخرة. فتذرون العمل لها. لان الدنيا نعيمها ولذاتها عاجلة. والانسان مولع بحب والاخرة متأخر ما فيها من النعيم المقيم. فلذلك غفلتم عنها وتركتموها كانكم لم تخلقوا لها. وكأن هذه الدار هي دار القرار الذي تبذل فيها نفائس الاعمار ويسعى لها اناء الليل والنهار. وبهذا انقلبت عليكم الحقيقة وحصل من الخسار ما حصل فلو اثرتم الاخرة على الدنيا ونظرتم للعواقب نظر البصير العاقل. لانجحتم وربحتم ربحا لا خسارة معه. وفزتم فوزا لا شقاء يصحبه. ثم ذكر ما يدعو الى ايثار الاخرة ببيان حال اهلها وتفاوتهم فيها. فقال في جزاء المؤثرين للاخرة على الدنيا اي حسنة بهية لها رونق ونور مما هم فيه من نعيم القلوب وبهجة النفوس ولذة الارواح. اي تنظر الى ربها على حسب مراتبهم. منهم من ينظره كل يوم بكرة وعشية. ومنهم من ينظره كل جمعة مرة واحدة يتمتعون بالنظر الى وجهه الكريم وجماله الباهر الذي ليس كمثله شيء. فاذا رأوه نسوا ما هم فيه من النعيم. وحصل لهم من اللذة والسرور ما لا يمكن التعبير عنه. ونظرت وجوههم وازدادوا جمالا الى جمالهم. فنسأل الله الكريم ان يجعلنا معهم. وقال المؤثرين العاجلة على الاجلة اي معبسة كدرة خاشعة ذليلة اي عقوبة شديدة وعذاب اليم. فلذلك تغيرت وجوههم وعبست وقيل مرض يعظ تعالى عباده بذكر المحتضر حال السياق وانه اذا بلغت روحه التراقي وهي العظام المكتنفة لثغرة النحر. فحين اذ يشتد الكرب ويطلب كل وسيلة وسبب يظن ان يحصل فيها الشفاء والراحة. ولهذا قال اي من يرقيه من الرقية لانهم انقطعت امالهم من الاسباب العادية. فتعلقوا بالاسباب الالهية. ولكن القضاء والقدر. اذا حتم وجاء فلا مرد له. وظن انه الفراق للدنيا والتفت الساق بالساق الى ربك يومئذ اي اجتمعت الشدائد والتفت. وعظم الامر وصعب الكرب. واريد ان تخرج الروح التي الفت البدن. ولم تزل معه. فتساق الى الله تعالى حتى يجازيها باعمالها ويقررها بفعالها. فهذا الزجر الذي ذكره الله يسوق القلوب الى ما فيه نجاتها عما فيه هلاكها ولكن المعاند الذي لا تنفع فيه الايات لا يزال مستمرا على بغيه وكفره وعناده صلى ولكن كذب وتولى. فلا صدق اي لا امن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر والقدر خيره وشره. ولا صلى ولكن كذب بالحق في مقابلة التصديق. وتولى عن الامر والنهي هذا وهو مطمئن قلبه غير خائف من ربه. بل يذهب الى اهله يتمطأ اي ليس على باله شيء. توعده بقوله وهذه كلمات وعيد كررها لتكرير وعيده. ثم ذكر الانسان بخلقه الاول فقال اي مهملا لا يؤمر ولا ينهى ولا يثاب ولا يعاقب. هذا حسبان باطل وظن بالله غير ما يليق بحكمته ثم كان علقة فخلق فسوى. ثم كان بعد المني علقة اي دما فخلق الله منها الحيوان فسوى اي اتقنه واحكمه اليس ذلك بقادر على ان يحيي الموتى اليس الذي خلق الانسان وطوره الى هذه الاطوار المختلفة بقادر على ان يحيي الموتى؟ بلى انه على كل شيء قدير والله اعلم بسم الله الرحمن الرحيم. هل اتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا انا خلقنا الانسان من نطفة امشى جن نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا. ذكر الله في هذه سورة الكريمة اول حالة الانسان ومبتدأها ومتوسطها ومنتهاها. فذكر انه مر عليه دهر طويل وهو الذي قبله وجوده وهو معدوم بل ليس مذكورا. ثم لما اراد الله تعالى خلقه خلق اباه ادم من طين. ثم جعل نسله من نطفة امشاج اي ماء مهين مستقذر نبتليه بذلك لنعلم هل يرى حاله الاولى ويتفطن لها ام ينساها وتغره نفسه؟ فانشأه الله وخلق له القوى الباطنة والظاهرة كالسمع والبصر وسائر الاعضاء. فاتم له وجعلها سالمة يتمكن بها من تحصيل مقاصده ثم ارسل اليه الرسل وانزل عليه الكتب وهداه الطريق الموصلة الى الله ورغبه فيها واخبره بما له عند الوصول الى الله ثم اخبره بالطريق الموصلة الى الهلاك ورهبه منها واخبره بماله اذا سلكها وابتلاه بذلك انقسم الناس الى شاكر لنعمة الله عليه. قائم بما حمله الله من حقوقه. والى كفور لنعمة الله عليه. انعم الله عليه بالنعم الدينية والدنيوية فردها وكفر بربه. وسلك الطريق الموصلة الى الهلاك. ثم ذكر تعالى حال الفريقين عند الجزاء فقال اي انا هيأنا وارصدنا لمن كفر بالله وكذب رسله وتجرأ على المعاصي سلاسل في نار جهنم. كما قال تعالى ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه واغلالا تغل بها ايديهم الى اعناقهم ويوثقون بها وسعيرا اي نارا بها اجسامهم وتحرق بها ابدانهم. كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب. وهذا العذاب ودائم لهم ابدا. مخلدون فيه سرمدا واما الابرار وهم الذين برت قلوبهم بما فيها من محبة الله ومعرفته والاخلاق الجميلة فبرت جوارحهم واستعملوها باعمال البر اخبر انهم يشربون من كأس اي شراب لذيذ من خمر قد مزج بكافور اي خلط ليبرده ويكسر حدته. وهذا الكافور في غاية اللذة قد سلم من كل مكدر ومنغص. موجود في كافور الدنيا فان الافة الموجودة في الاسماء التي ذكر الله انها في الجنة وهي في الدنيا تعدم في الاخرة. كما قال تعالى في سدر مخضوض وطلح منضود وازواج مطهرة لهم دار السلام عند ربهم. وفيها ما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين يفجرونها تفجيرا. اي ذلك الكأس اللذيذ الذي يشربون به لا يخافون نفاده. بل له مادة لا تنقطع وهي عين دائمة الفيضان والجريان. يفجرها عباد الله تفجيرا النشاء وكيف ارادوا. فان شاءوا صرفوها الى البساتين الزاهرات. او الى الرياض الناضرات. او بين جوانب القصور والمساكين المزخرفات او الى اي جهة يرونها من الجهات المونقات. وقد ذكر جملة من اعمالهم في اول هذه السورة. فقال يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا. يوفون بالنذر اي بما الزموا به انفسهم لله من النذور والمعاهدات. واذا كانوا يوفون بالنذر وهو لم يجب عليهم الا بايجابهم على انفسهم. كان فعلهم قيامهم بالفروض الاصلية من باب اولى واحرى. اي منتشرا فاشيا فخافوا ان ينالهم شره. فتركوا كل سبب موجب لذلك ويطعمون الطعام على حبه. اي وهم في حال يحبون فيها المال والطعام. لكنهم قدموا محبة الله على محبة نفوسهم. ويتحرون في اطعامهم اولى الناس واحوجهم ويقصدون بانفاقهم واطعامهم وجه الله تعالى. ويقولون بلسان الحال لا نريد منكم جزاء ولا شكورا. اي لا جزاء ماليا ولا ثناء قولي انا نخاف من ربنا يوما عبوسا قنطريرا. انا نخاف من ربنا يوما عبوسا لشديد الجهمة والشر قمطريرا اي ضنكا ضيقا فوقاهم الله شر ذلك اليوم فلا يحزنهم الفزع الاكبر. وتتلقاهم الملائكة. هذا يومكم الذي كنتم توعدون. ولقاهم اي اكرمهم واعطاهم نظرة في وجوههم وسرورا في قلوبهم. فجمع لهم بين نعيم الظاهر والباطن. وجزاهم بما صبر على طاعة الله فعملوا ما امكنهم منها وعن معاصي الله فتركوها وعلى اقدار الله المؤلمة فلم يتسخطوها جامعة لكل نعيم سالمة من كل مكدر ومنغص وحريرا. كما قال تعالى ولباسهم فيها حرير لعل الله انما خص الحرير لانه لباسهم الظاهر. الدال على حال صاحبه. متكئين فيها على لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا متكئين فيها على الارض الاتكاء التمكن من الجلوس في حال الرفاهية والطمأنينة والارائك هي السرر التي عليها اللباس المزين لا يرون فيها اي في الجنة شمسا يضرهم حرها ولا زمهريرة اي بردا شديدا. بل جميع اوقاتهم في ظل ظليل لا حر ولا برد. بحيث تلتذ به الاجساد ولا تتألم من حر ولا برد اي قربت ثمراتها من مريح تقريبا ينالها وهو قائم او قاعد او مضطجع ويطاف على اهل الجنة اي يدور عليهم الخدم والولدان قوارير من فضة قدروها تقديرا. قوارير من فضة اي مادتها من فضة. وهي على صفاء القوارير وهذا من اعجب الاشياء ان تكون الفضة الكثيفة من صفاء جوهرها وطيب معدنها على صفاء القوارير اي قدروا الاواني المذكورة على قدر ريهم. لا تزيد ولا تنقص. لانها لو زادت نقصت لذتها ولو نقصت لم تفي بريهم ويحتمل ان المراد قدرها اهل الجنة بنفوسهم بمقدار يوافق لذتهم فاتتهم على ما قدروا في خواطرهم ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا. ويسقون فيها اي في الجنة من كأس وهو الاناء المملوء من خمر ورحيق. كان مزاجها اي خلطها زنجبيلا. ليطيب طعمه وريحه تسمى سلسبيلا. عينا فيها اي في الجنة تسمى سلسبيلا. سميت لذلك بسلاستها ولذتها وحسنها ويطوف على اهل الجنة في طعامهم وشرابهم وخدمتهم ولدان مقلدون اي خلقوا من الجنة للبقاء. لا يتغيرون ولا يكبرون. وهم في غاية الحسن اذا رأيتهم منتشرين في خدمتهم حسبتهم من حسنهم لؤلؤا منثورا وهذا من تمام لذة اهل الجنة. ان يكون خدامهم الولدان المخلدون. الذين تسر رؤيتهم ويدخلون على مساكنهم امنين من تبعتهم ويأتونهم بما يدعون وتطلبه نفوسهم واذا رأيت ثم اي هناك في الجنة ورمقت ما هم فيه من النعيم فتجد الواحد منهم عنده من القصور والمساكن والغرف زينت المزخرفة ما لا يدركه الوصف ولديه من البساتين الزاهرة والثمار الدانية والفواكه اللذيذة والانهار الجارية والرياض المعجبة والطيور المطربة الشجية ما يأخذ بالقلوب ويفرح النفوس. وعنده من الزوجات اللاتي هن في في غاية الحسن والاحسان. الجامعات لجمال الظاهر والباطن. الخيرات الحسان. ما يملأ القلب سرورا ولذة وحضورا وحوله من الولدان المخلدين والخدم المؤبدين ما به تحصل الراحة والطمأنينة. وتتم لذة العيش وتكمل الغبطة ثم علاوة ذلك ومعظمه الفوز برؤية الرب الرحيم. وسماع خطابه ولذة قربه والابتهاج برضاه. والخلود الدائم وتزايد ما هم فيه من النعيم كل وقت وحين. فسبحان الملك المالك الحق المبين الذي لا تنفذ خزائنه ولا يقل خيره. فكما لا نهاية لاوصافه. فلا نهاية لبره واحسانه عاليهم ثياب سندس خضر. اي قد جللتهم ثياب السندس والاستبرق الاخضران. اللذان هما اجل انواع حرير فالسندس ما غلظ من الديباج والاستبرق ما رق منه وسقاهم ربهم شردا طهورا وحلوا اساور من فضة اي حلوا في ايديهم اساور الفضة ذكورهم واناثهم وهذا وعد وعدهم الله وكان وعده مفعولا. لانه لا اصدق منه قيلا ولا حديثا قوله وسقاهم ربهم شرابا طهورا. اي لا كدر فيه بوجه من الوجوه. مطهرا لما في بطونه من كل اذى وقذى ان هذا الجزاء الجزيل والعطاء الجميل. كان لكم جزاء على ما اسلفتموه من الاعمال اي القليل منه. يجعل الله لكم به من النعيم المقيم ما لا يمكن حصره. وقوله تعالى لما ذكر نعيم الجنة فيه الوعد والوعيد وبيان كل ما يحتاجه العباد فيه الامر بالقيام باوامره وشرائعه اتم القيام. والسعي في تنفيذها والصبر على ذلك. ولهذا قال ربك ولا تطع منهم اثمنوا كفورا. اي اصبر لحكمه القدري فلا تسخطه. ولحكمه الديني فامض عليه ولا يعوقك عنه عائق. ولا تطع من المعاندين الذين يريدون ان يصدوك لمن اي فاعلا اثما ومعصية ولا كفورا. فان طاعة الكفار والفجار والفساق لا بد ان تكون في المعاصي فلا يأمرون الا بما تهواه نفوسهم. ولما كان الصبر يساعده القيام بعبادة الله. والاكثار من ذكره. امره الله بذلك فقال والكر اسم ربك بكرة واصيلا. اي اول النهار واخره. فدخل في ذلك الصلوات المكتوبات وما يتبعها من النوافل والذكر والتسبيح والتهليل والتكبير في هذه الاوقات ومن الليل فاسجد له. اي اكثر له من السجود. ولا يكون ذلك الا بالاكثار من الصلاة وقد تقدم تقييد هذا المطلق بقوله يا ايها المزمل قم الليل الا قليلا. وقوله ان هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ان هؤلاء اي المكذبين لك ايها الرسول بعدما بينت لهم الايات ورغبوا ورهبوا ومع ذلك لم يفدوا فيهم ذلك شيئا بل لا يزالون يؤثرون العاجلة ويطمئنون اليها. ويذرون ان يتركون العمل ويهملون وراءهم اي امامهم يوما ثقيلا وهو يوم القيامة الذي مقداره خمسون الف سنة مما تعدون. وقال تعالى يقول يقول الكافرون هذا يوم عسر. فكأنهم ما خلقوا الا للدنيا والاقامة فيها. ثم استدل عليهم وعلى بعثهم بدليل عقلي والدليل الابتداء فقال نحن خلقناهم وشددنا اسرهم واذا شئنا بدلنا امثالهم تبديلا نحن خلقناهم اي اوجدناهم من العدم. وشددنا اسرهم. اي احكمنا خلقتهم بالاعصاب والعروق والاوتار والقوة الظاهرة والباطنة حتى تم الجسم واستكمل وتمكن من كل ما يريده. فالذي اوجدهم على هذه الحالة قادر على ان يعيدهم بعد موتهم لجزائهم. والذي نقلهم في هذه الدار الى هذه الاطوار. لا يليق به ان يتركهم سدى. لا يؤمرون ولا ينهون ولا يثابون ولا يعاقبون. ولهذا قال اي انشأناكم للبعث نشأة اخرى واعدناكم باعيانكم وهم بانفسهم امثالهم ان هذه تذكرة. ايتذكر بها المؤمن فينتفع بما فيها من التخويف والترغيب. اي طريقا موصلا اليه. فالله يبين الحق والهدى ثم يخير الناس بين الاهتداء بها او النفور عنها. مع قيام الحجة عليهم. وما تشاؤون الا فان مشيئة الله نافذة. فله الحكمة في هداية المهتدي واضلال الضال. فيختصه بعنايته ويوفقه لاسباب السعادة ويهديه لطرقها والظالمين الذين اختاروا الشقاء على الهدى. بظلمهم وعدوانهم اخوانهم بسم الله الرحمن الرحيم. والمرسلات عرفا فالعاصفات اقسم تعالى على البعث والجزاء على الاعمال بالمرسلات عرفا وهي الملائكة التي يرسلها الله بشؤونه القدرية. وتدبير العالم وبشؤونه الشرعية. ووحيه الى رسله حال من المرسلات اي ارسلت بالعرف والحكمة والمصلحة لا بالنكر والعبث. فالعاصفات عصفا وهي ايضا الملائكة التي يرسلها الله تعالى وصفها بالمبادرة لامره. وسرعة تنفيذ اوامره كالريح العاصف. او ان العاصفات الرياح الشديدة التي يسرع هبوبها والناشرات نشرا. يحتمل ان المراد بها الملائكة تنشر ما دبرت على نشره. او انها السحاب التي يبشر بها الله الارض فيحييها بعد موتها. فالملقيات ذكرا هي الملائكة تلقي اشرف الاوامر. وهو الذكر الذي يرحم الله به عباده عبادة ويذكرهم فيه منافعهم ومصالحهم تلقيه الى الرسل. عذرا او نذرا اي اعذارا وانذارا للناس. تنذر الناس ما امامهم من المخاوف وتقطع معذرتهم. فلا يكون لهم حجة على الله. انما توعدون من البعث والجزاء على الاعمال لواقع اي متحتم وقوعه من غير شك ولا ارتياب السماء فرجت واذا الجبال نسفت واذا الرسل اقتت لاي يوم اجلت فاذا وقع حصل من التغيير والاهوال الشديدة للعالم ما يزعج القلوب وتشتد له الكروب. فتنطمس النجوم اي تتناثر وتزول عن اماكنها وتنسف الجبال فتكون كالهباء المنثور. وتكون هي والارض قاعا صفصفا. لا ترى فيها عوجا ولا امتى وذلك اليوم هو اليوم الذي اقتتت فيه الرسل واجلت بالحكم بينها وبين اممها ولهذا قال لاي يوم اجلت استفهام للتعظيم والتفخيم والتهويل. ثم اجاب بقوله اي بين الخلائق بعضهم لبعض وحساب كل منهم منفردا. ثم توعد المكذب بهذا اليوم فقال اي يا حسرتهم وشدة عذابهم وسوء منقلبهم اخبرهم الله واقسم لهم فلم يصدقوه. فلذلك استحقوا العقوبة البليغة اي اما اهلكنا المكذبين السابقين ثم نتبعهم باهلاك من من الاخرين وهذه سنته السابقة واللاحقة في كل مجرم لابد من عقابه. فلما لا تعتبرون بما ترون وتسمعون ويل يومئذ للمكذبين. بعدما شاهدوا من الايات البينات والعقوبات والمثلات اي اما خلقناكم ايها الادميون من ماء مهين اي في غاية الحقارة. خرج من بين الصلب والترائب حتى جعله الله في قرار مكين. وهو الرحم به يستقر وينمو الى قدر معلوم ووقت مقدر. فقدرنا اي قدرنا ودبرنا ذلك الجنين في تلك الظلمات ونقلناه من النطفة الى الى المضغة الى ان جعله الله جسدا. ثم نفخ فيه الروح. ومنهم من يموت قبل ذلك يعني بذلك نفسه المقدسة. لان قدره تابع لحكمته موافق للحمد اي عليكم وانعمنا بتسخير الارض لمصالحكم فجعلناها كفاة لكم احياء في الدور وامواتا في القبور. فكما ان الدور والقصور صورة من نعم الله على عباده ومنته. فكذلك القبور رحمة في حقهم وستر لهم عن كون اجسادهم بادية للسباع وغيرها وجعلنا فيها رواسي شامخات واسقيناكم ماء فراتا. وجعلنا ان فيها رواسي اي جبالا ترسي الارض لان لا تميد باهلها فثبتها الله بالجبال الراسيات الشامخات اي طوال العراض واسقيناكم ماء فراتا اي عذبا زلالا. قال تعالى افرأيتم الماء الذي تشربون اانتم انزلتموه من نحن المنزلون لو نشاء جعلناه اجاجا فلولا تشكرون. ويل يومئذ للمكذبين مع ما اراهم الله من النعم التي انفرد بها واختصهم بها فقابلوها بالتكذيب هذا من الويل الذي اعد للمجرمين المكذبين ان يقال لهم يوم القيامة ثم فسر ذلك بقوله اي الى ظل نار جهنم التي تتمايز في خلاله ثلاث شعب اي قطع من النار تتعاوره وتتناوبه وتجتمع به. لا ضليل ذلك الظل. اي لا راحة فيه لا طمأنينة ولا يغني من مكث فيه من اللهب. بل اللهب قد احاط به. يمنة ويسرة ومن كل جانب. كما قال تعالى لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل. لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش. وكذلك نجزي الظالمين. ثم ذكر عظم شرر النار الدالة على عظمها وفظاعتها وسوء منظرها. فقال انها ترمي بشرر كالقصر وهي السود التي تضرب الى لون فيه صفرة. وهذا يدل على ان النار مظلمة وجمرها وشررها وانها سوداء. كريهة المنظر شديدة الحرارة. نسأل الله العافية منها. ومن الاعمال المقربة منها اي هذا اليوم العظيم الشديد على المكذبين. لا ينطقون فيه من الخوف والوجل الشديد اي لا تقبل معذرتهم ولو اعتذروا. فيومئذ لا ينفع الذين قلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون. هذا يوم الفصل جمعناكم لنفصل بينكم ونحكم بين الخلائق. فان كان لكم كيد تقدرون على الخروج من ملكي وتنجون به من عذابي فكيدون. اي ليس لكم قدرة ولا سلطان. كما قال تعالى يا معشر الجن والانس ان استطعتم ان تنفذوا من اقطار السماوات والارض فانفذوا لا تنفذون الا بسلطان. ففي ذلك اليوم تبطل حيل الظالمين ويضمحل مكرهم وكيدهم ويستسلمون لعذاب الله. ويبين لهم كذبهم في تكذيبهم لما ذكر عقوبة ذكر ثواب المحسنين فقال ان المتقين اي للتكذيب المتصفين بالتصديق في اقوالهم وافعالهم واعمالهم ولا يكونون كذلك الا بادائهم الواجبات. وتركهم المحرمات. في ظلال من كثرة الاشجار المتنوعة. الزاهية البهية وعيون جارية من السلسبيل والرحيق وغيرهما. اي من خيار فواكه واطيبها ويقال لهم كلوا واشربوا من الماكل الشهية والاشربة اللذيذة. هنيئا اي من غير منغص ولا مكدر. ولا يتم هناءه حتى اسلم الطعام والشراب من كل افة ونقص. وحتى يجزموا انه غير منقطع ولا زائل فاعمالكم هي السبب الموصل لكم الى جنات النعيم المقيم. وهكذا كل من احسن في عبادة الله واحسن الى عباد الله ولهذا قال ولو لم يكن لهم من هذا الويل الا فوات هذا النعيم. لكفى به حرمانا وخسرانا هذا تهديد ووعيد للمكذبين انهم وان اكلوا في الدنيا وشربوا وتمتعوا باللذات. وغفلوا عن القربات فانهم مجرمون. يستحقون ما يستحقون المجرمون فستنقطع عنهم اللذات وتبقى عليهم التبعات ومن اجرامهم انهم اذا امروا بالصلاة التي هي اشرف العبادات. وقيل لهم اركعوا امتنعوا من ذلك. فاي ومن فوق هذا واي تكذيب يزيد على هذا؟ ويل يومئذ للمكذبين ومن الويل اليهم انهم تنسد عليهم ابواب التوفيق ويحرمون كل خير. فانهم اذا كذبوا هذا القرآن الكريم الذي هو اعلى مراتب الصدق واليقين على الاطلاق ابي الباطل الذي هو كاسمه لا يقوم عليه شبهة فضلا عن الدليل ام بكلام مشرك كذاب افاك مبين؟ فليس بعد النور المبين الا دياج الظلمات ولا بعد التصديق الذي قامت عليه الادلة والبراهين القاطعة الا الافك الصراح والكذب المبين الذي لا يليق الا بمن فتبا لهم ما اعماهم. وويحا لهم ما اخسرهم واشقاهم. نسأل الله العفو والعافية. انه جواد كريم