المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. لما ذكر تعالى نعيمهم وتمامهم سرورهم بالمآكل والمشارب والازواج الحسان والمجالس الحسنة. ذكر تذاكرهم فيما بينهم ومطارحتهم للاحاديث عن الامور ماضية وانهم ما زالوا في المحادثة والتساؤل حتى افضى ذلك بهم الى ان قال قائل منهم اني كان لي قرين في الدنيا ينكر البعث. ويلومني على تصديقي به ويقول لي يقول اي مجازون باعمالنا اي كيف تصدق بهذا الامر البعيد الذي في غاية الاستغراب وهو اننا اذا تمزقنا فصرنا ترابا وعظاما اننا نبعث ونعاد ثم نحاسب ونجازى باعمالنا. اي يقول صاحب لاخوانه هذه قصتي وهذا خبري انا وقريني ما زلت انا مؤمنا مصدقا وهو ما زال مكذبا منكرا حتى متنا ثم بعثنا فوصلت انا الى ما ترون من النعيم الذي اخبرتنا به الرسل. وهو لا شك انه قد وصل الى العذاب الجحيم فهل انتم مطلعون لننظر اليه؟ فنزداد غبطة وسرورا بما نحن فيه. ويكون ذلك رأي عين. والظاهر من حال اهل سنة وسرور بعضهم ببعض وموافقة بعضهم بعضا انهم اجابوه لما قال. وذهبوا تبعا له للاطلاع على قرينه الجحيم. فاطلع فرأى قرينه في سواء الجحيم. اي في وسط العذاب وغمراته. والعذاب قد احاط به. فقال له نائما على حاله. وشاكرا لله على نعمته ان نجاه من كيده. قال اي تهلكني بسبب ما ادخلت علي من الشبه بزعمك ولولا نعمة ربي على ان ثبتني على الاسلام لكنت من المحضرين في العذاب معي اي يقوله المؤمن مبتهجا بنعمة الله على اهل الجنة بالخلود الدائم فيها. والسلامة من العذاب. استفهام بمعنى الاثبات والتقرير. ان يقولوا لقرينه المعذب افتزعم اننا لسنا نموت سوى الموتة الاولى ولا بعث بعدها ولا عذاب. وقوله فاقبل بعضهم على بعض يتساءلون وحذف المعمول والمقام مقام لذة وسرور. فدل ذلك على انهم يتساءلون بكل ما يلتذون بالتحدث به. والمسائل التي وقع فيها النزاع والاشكال. ومن المعلوم ان لذة اهل العلم بالتساؤل عن العلم والبحث عنه. فوق اللذات الجارية في احاديث الدنيا فلهم من هذا النوع النصيب الوافر. ويحصل لهم من انكشاف الحقائق العلمية في الجنة. ما لا يمكن التعبير عنه. فلما ذكر تعالى نعيم الجنة ووصفه بهذه الاوصاف الجميلة مدحه وشوق العاملين وحثهم على العمل فقال الذي حصل لهم به كل خير. وكل ما تهوى الانفس وتشتهي. واندفع عنهم به كل محذور ومكروه فهل فوز يطلب فوقه؟ ام هو غاية الغايات ونهاية النهايات؟ حيث حل عليهم رضا رب الارض والسماوات وفرحوا به وتنعموا بمعرفته واستروا برؤيته وطربوا لكلامه فهو احق ما انفقت فيه نفائس الانفاس. واولى ما شمر اليه العارفون الاكياس. والحسرة كل الحسرة ان يمضي على الحازم في وقت من اوقاته وهو غير مشتغل بالعمل الذي يقرب لهذه الدار. فكيف اذا كان يسير بخطاياه الى دار البوار ذلك خير اي ذلك النعيم الذي وصفناه لاهل الجنة خير؟ ام عذاب الذي يكون في الجحيم من جميع اصناف العذاب. فاي الطعامين اولى؟ الذي وصف في الجنة؟ ام طعام اهل النار وهو شجرة الزقوم انا جعلناها فتنة للظالمين. انا جعلناها فتنة اي عذابا ونكالا للظالمين انفسهم بالكفر والمعاصي. اي وسط فهذا مخرجها ومعدنها اشر المعادن واسوأها. وشر المغرس يدل على شر الغراس وخسته. ولهذا نبهنا الله على شرها فيما ذكر اين تنبت به وبما ذكر من صفة ثمرتها. وان رؤوس الشياطين فلا تسأل بعد هذا عن طعمها وما تفعل في اجوافهم وبطونهم وليس لهم عنها ممدوحة ولا معدن لهذا قال فهذا طعام اهل النار فبئس الطعام طعامهم. ثم ذكر شرابهم فقال ثمان لهم عليها اي على اثر هذا الطعام لشوبا من حميم. اي ماء حارا قد انتهى كما قال تعالى وان يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه. بئس الشراب وساءت مرتفقا. وكما قال تعالى وسقوا ماء حميما فقط قطع امعائهم. ثم ان مرجعهم اي مآلهم ومقرهم ومأواهم. ليذوقوا من عذابه الشديد وحره العظيم. ما ليس عليه مزيد من الشقاء وكانه قيل ما الذي اوصلهم الى هذه الدار؟ فقال انهم الفوا اي وجدوا اباءهم ضالين اي يسرعون في الضلال. فلم يلتفتوا الى ما دعتهم اليه الرسل. ولا الى ما حذرتهم عنه الكتب. ولا الى وللناصحين بل عارضوهم بان قالوا انا وجدنا ابائنا على امة وانا على اثارهم مقتدون ولقد ضل قبلهم اي قبل هؤلاء المخاطبين اكثر الاولين وقليل من انهم امن واهتدى. ينذرونهم عن غيهم وضلالهم انظر كيف كان عاقبة المنذرين الا عباد الله للمخلصين كانت عاقبتهم الهلاك والخزي والفضيحة. فليحذر هؤلاء ان يستمروا على ضلالهم. فيصيبهم مثل ما اصابهم ما كان المنظرون ليسوا كلهم ضالين. بل منهم من امن واخلص الدين لله. استثناه الله من الهلاك فقال اي الذين اخلصهم الله وخصهم برحمته لاخلاصهم فان عواقبهم صارت حميدة. ثم ذكر انموذجا من عواقب الامم المكذبين فقال وجعلنا ذريتهم وتركنا عليه في الاخرين. سلام على نوح في العالمين كذلك نجزي المحسنين انه من عبادنا المؤمنين ثم اغرقنا اخرين. يخبر تعالى عن عبده ورسوله نوح عليه السلام. اول الرسل انه لما دعا قومه الى الله تلك المدة الطويلة فلم يزدهم دعاؤه الا فرارا. انه نادى ربه فقال رب لا تذر على الارض من الكافرين ديارا. وقال رب انصرني على القوم المفسدين فاستجاب الله له ومدح تعالى نفسه فقال المجيبون لدعاء الداعين وسماع تبتلهم وتضرعهم اجابه اجابة طابق ما سأل. نجاه اهله من الكرب العظيم واغرقت جميع الكافرين وابقى نسله وذريته متسلسلين. فجميع الناس من ذرية نوح عليه السلام. وجعل له ثناء حسنا مستمرا الى وقت الاخرين. وذلك لانه محسن في عبادة الخالق. محسن الى الخلق. وهذه سنته تعالى في المحسنين. ان ينشر لهم من الثناء على حسب احسانهم. ودل قوله انه من عبادنا المؤمنين ان الايمان ارفع منازل العباد. وانه مجتمع على جميع شرائع الدين واصوله وفروعه. لان الله مدح به خواص خلقه اي وان من شيعة نوح عليه السلام ومن هو على طريقته في النبوة والرسالة ودعوة الخلق الى الله واجابة الدعاء دعاء ابراهيم الخليل عليه السلام من الشرك والشبه والشهوات المانعة من تصور الحق والعمل به. واذا كان قلب العبد سليما سلم من كل شر وحصل له كل خير ومن سلامته انه سليم من غش الخلق وحسدهم وغير ذلك من مساوئ الاخلاق. ولهذا نصح الخلق في الله وبدأ فيه وقومه فقال هذا استفهام بمعنى الانكار والزام لهم بالحجة. اي اتعبدون من دونه الهة كذبا؟ ليست بالهة ولا تصلح للعبادة. فما ظنكم برب العالمين ان يفعل بكم وقد عبدتم معه غيره. وهذا ترهيب لهم بالجزاء بالعقاب على الاقامة على شركهم. وما الذي ظننتم برب العالمين من النقص حتى جعلتم له اندادا وشركاء فاراد عليه السلام ان يكسر اصنامهم ويتمكن من ذلك فانتهز الفرصة في حين في غفلة منهم لما ذهبوا الى عيد من اعيادهم فخرج معهم في الحديث الصحيح لم يكذب ابراهيم عليه السلام الا ثلاث كذبات قوله اني سقيم وقوله بل فعله كبيرهم هذا وقوله عن زوجته انها اختي والقصد انه تخلف عنهم ليتم له الكيد بالهتهم. فلهذا فلما وجد الفرصة فراغ الى الهتهم اي اسرع اليها على وجه الخفية والمراوغة فقال متهكما بها. اي فكيف يليق ان وهي انقص من الحيوانات التي تأكل او تكلم. فهذه جماد لا تأكل ولا تكلم اي جعل يضربها بقوته ونشاطه. حتى جعلها جذاذا الا كبيرا لهم. لعلهم اليه يرجعون اي يسرعون ويهرعون اي يريدون ان يوقعوا به بعدما بحثوا قالوا من فعل هذا بالهتنا انه لمن الظالمين. وقيل لهم سمعنا فتى يذكرهم يقال له ابراهيم يقول تالله لاكيدن اصنامكم بعد ان تولوا مدبرين. فوبخوه ولاموه. فقال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوه هم ان كانوا ينطقون فرجعوا الى انفسهم فقالوا انكم انتم الظالمون. ثم نكسوا على رؤوسهم. لقد علمت ما هؤلاء ينطقون قال افتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم. وقال هنا اي تنحتونه بايديكم وتصنعونه فكيف وانتم الذين صنعتموهم وتتركون الاخلاص لله. الذي خلقكم وما تعملون قالوا ابنوا له بنيانا اي عاليا مرتفعا. واوقدوا فيها النار فالقوه في الجحيم. جزاء على ما فعل من تكسير الهتهم فارادوا به كيدا ليقتلوه اشنع قتله رد الله كيدهم في نحورهم وجعل النار على ابراهيم بردا وسلاما. ولما فعلوا فيه هذا الفعل واقام عليهم الحجة واعذر منهم قال اني ذاهب الى ربي اي مهاجر اليه. قاصد الى الارض المباركة. ارض الشام. يدلني لا ما فيه الخير لي من امر ديني ودنياي. وقال في الاية الاخرى واعتزلكم وما تدعون من دون الله. وادعو ربي عسى ان لا اكون دعاء ربي شقيا. رب هب لي ولدا يكون من الصالحين. وذلك عندما ليس من قومه ولم يرى فيهم خيرا دعا الله ان يهب له غلاما صالحا ينفع الله به في حياته وبعد مماته. فاستجاب الله له وقال قال وهذا اسماعيل عليه السلام بلا شك فانه ذكر بعده البشارة باسحاق ولان الله تعالى قال في بشراه باسحاق فبشرناها باسحاق ومن وراء اسحاق يعقوب فدل على ان اسحاق غير الذبيح ووصف الله اسماعيل عليه السلام بالحلم. وهو يتضمن الصبر وحسن الخلق وسعة الصدر. والعفو عن من جنى فلما بلغ معه السعي قال يا بني. فلما بلغ الغلام معه السعي اي ادرك ان يسعى معه وبلغ سنا يكون في الغالب احب ما يكون لوالديه. قد ذهبت مشقته واقبلت منفعته. فقال له ابراهيم عليه السلام. قال قال يا بني اني ارى في المنام اني اذبحك. اي قد رأيت في النوم رؤيا ان الله يأمرني بذبحك ورؤيا الانبياء وحي. فان امر الله تعالى لابد من تنفيذه قال اسماعيل صابرا محتسبا مرضيا لربه وبارا بوالده ستجدني ان شاء الله من الصابرين يا ابت افعل ما تؤمر اي امضي امرك الله ستجدني ان شاء الله من الصابرين اخبر اباه انه وموطن نفسه على الصبر. وقارن ذلك بمشيئة الله تعالى. لانه لا يكون شيء بدون مشيئة الله تعالى ما اسلم وتله للجبين فلما اسلما اي ابراهيم وابنه اسماعيل جاز من بقتل ابنه وثمرة فؤاده امتثالا لامر ربه وخوفا من عقابه. والابن قد وطن نفسه على الصبر. وهانت عليه في طاعته ربه ورضا والده. اي تل ابراهيم اسماعيل على جبينه. ليضجعه فيذبحه وقد انكب لوجهه لئلا ينظر وقت الذبح الى وجهه وناديناه في تلك الحال المزعجة والامر المدهش. ان يا ابراهيم كذلك نجزي المحسنين. قد صدقت اي قد فعلت ما امرت به فانك وطنت نفسك على ذلك وفعلت كل سبب ولم يبق الا امرار السكين على حلقه انا كذلك نجزي المحسنين في عبادتنا المقدمين رضانا على شهوات انفسهم ان هذا الذي امتحنا به ابراهيم عليه السلام اي الواضح الذي تبين به صفاء ابراهيم. وكمال محبته لربه وخلته. فان اسماعيل عليه السلام لما وهبه الله لابراهيم احبه حبا شديدا وهو خليل الرحمن والخلة اعلى انواع المحبة وهو منصب لا تقبل المشاركة ويقتضي ان تكون جميع اجزاء القلب متعلقة بالمحبوب. فلما تعلقت شعبة من شعب قلبه بابنه اسماعيل اراد الله تعالى ان يصفي وده ويختبر خلته. فامره ان يذبح من زاحم حبه حب ربه. فلما قدم حب الله واثر على هواه وعزم على ذبحه. وزال ما في القلب من المزاحم. بقي الذبح لا فائدة فيه. فلهذا قال هذا لهو البلاء المبين. وفديناه بذبح عظيم اي صار بدله ذبح من الغنم عظيم. ذبحه ابراهيم. فكان عظيما من جهة انه كان فداء لاسماعيل. ومن جهة انه جملة العبادات الجليلة ومن جهة انه كان قربانا وسنة الى يوم القيامة ايوة ابقينا عليه ثناء صادقا في الاخرين. كما كان في الاولين. فكل وقت بعد ابراهيم عليه السلام. فانه فيه محبوب معظم مثنى عليه. اي تحيته عليه كما قال تعالى وللحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى. كذلك نجزي المحسنين انا كذلك نجزي المحسنين في عبادة الله ومعاملة خلقه ان نفرج عنهم الشدائد ونجعل لهم العاقبة والثناء الحسن انه من عبادنا المؤمنين بما امر الله بالايمان به. الذين بلغ بهم الايمان الى درجة اليقين كما قال تعالى وكذلك نري ابراهيم ملكوت السماوات والارض وليكون من الموقنين هذه البشارة الثانية باسحاق الذي من ورائه يعقوب فبشر بوجوده وبقائه ووجود ذريته وكونه نبيا من الصالحين. فهي بشارات متعددة اي انزلنا عليهما البركة التي هي النمو هو الزيادة في علمهما وعملهما وذريتهما. فنشر الله من ذريتهما ثلاث امم عظيمة. امة العرب من ذرية اسماعيل وامة بني اسرائيل وامة الروم من ذرية اسحاق هو ظالم لنفسه مبين. اي منهم الصالح والطالح. والعادل والظالم الذي تبين ظلمه كفره وشركه ولعل هذا من باب دفع الايهام فانه لما قال وباركنا عليه وعلى اسحاق اقتضى ذلك البركة في ذريتهم وان من تمام البركة ان تكون الذرية كلهم محسنين. فاخبر الله تعالى ان منهم محسنا وظالما. والله اعلم