المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبد الرحمن ابن ناصر السعدي رحمه الله الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. اما بعد قال العلام عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى في مصنفه اصول الدين. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب اليه. ونعوذ بالله من شرور انفسنا وسيئات اعمالنا. من يهدي الله فلا مضل ومن يضلل فلا هادي له. واشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى اله واصحابه واتباعه. اما بعد فان الله تعالى يقول ومن يبتغي غير الاسلام دينا فلن يقبل منه. وقال تعالى ان الدين عند الله الاسلام. وقال تعالى فان تولوا فقولوا بانا مسلمون. وقد فسر الله الاسلام في مواضع من كتابه مثل قوله بلى من اسلم وجهه لله وهو محسن فله اجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون. ففسره باسلام الوجه الذي هو انقياد والظاهر لله خالصا. وهو محسن في هذا الانقياد. بان يكون على الصراط المستقيم. الذي هو الرسل صلوات الله وسلامه عليهم. وكذلك قوله تعالى قولوا امنا بالله وما انزل الينا وما انزل الى ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والاسباط وما اوتي موسى وعيسى. وما اوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين احد منهم ونحن له مسلمون. ففسره بالاعتقادات والايمان بالله ما له من الاسماء الحسنى والصفات العليا. وبالايمان بكل رسول ارسله الله. وبكل كتاب انزله الله على جميع الرسل خصوصا ما سمى بهذه الاية الكريمة من صفوة الرسل اهل الشرائع الكبار. وبالخضوع والانقياد لله ظاهرا باطن بطاعته وطاعة رسله. وبين تعالى ان هذا هو الهدى. وانه لا يحصل الاهتداء بغير هذا الطريق ولهذا قال فان امنوا بمثل ما امنتم به فقد اهتدوا. وان تولوا فانما هم في شقاق. فبين على انه لا يحصل الهدى والاهتداء بغير هذا الطريق. كما قال قل ان الهدى هدى الله. وهو الذي هدى به عباده السنة رسله. خصوصا الهدى العظيم التام. الذي جاء به خاتم الرسل وامامهم محمد صلى الله عليه وسلم الحق علما وعملا واعتقادا وسلوكا. وهو الصدق في اخباره النافعة والعدل في اوامره ونواهيه كما قال تعالى وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا. واذا اردت بيان ذلك والاشارة اليه على وجه التفصيل. فان ان دين الاسلام امر العباد ان يؤمنوا بالرب العظيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور. الذي احاط بكل شيء رحمة وعلما. وقدرة ومشيئة فانه بكل شيء عليم. وعلى كل شيء قدير. ونفذت مشيئته في جميع الموجودات. فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وقع بكمال قدرته ومشيئته. فانه حكيم في كل ما خلقه من المخلوقات وحكيم في جميع التصرفات. وحكيم في كل ما شرعه من الشرائع. فما خلق شيئا عبثا بل نفس خلقه صادر عن حكمته. وما اوجده من المخلوقات فانه مشتمل على غاية الحكمة. وهو والحسن والاتقان والانتظام الذي تشهده الابصار والبصائر. وتصريف الامور كلها وتقليبها من حال الى حال كله على سعته موافق للحكمة والرحمة والمصلحة. وكذلك ما شرعه من الشرائع وحكم به من الاحكام الشرعية بين عباده. جميعه اصوله وفروعه وغاياته مشتمل على الحكمة التي لا غاية لها. ولا منتهى لكمالها وحسنها. وكما انه بكل شيء عليم على كل شيء قدير. وله الحكمة في خلقه وامره وقضائه وشرعه. فان ذلك كله مملوء من رحيم التي من اثارها الخيرات. والبركات وانواع المنافع. والمصالح الدينية والدنيوية الظاهرة والباطنة وفيها من النعم والخيرات ما لا يعبر عنه المعبرون. ولا يقدر ان يصفه الواصفون. بل هي نعم لا تعد ولا تحصى. ولا يحصي احد ثناء عليه. وما بكم من نعمة فمن الله. ثم اذا مسكم الضر فاليه تجأرون. وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها. ان الله لغفور رحيم. وهذا امر قد اعترف به البر والفاجر. ولهذا اخبر الله عز وجل عن المشركين انهم يعترفون ان الله عز وجل هو الخالق وحده. المالك وحده. المدبر وحده. المنعم وحده. وانما يتخذون اوثانهم ومعبوداتهم انها تقربهم الى الله زلفى. والا فهم يعلمون عجزها وفقرها. وغير ذلك من صفات النقص اذا علم ان الله تعالى هو الذي له الاسماء العظيمة الحسنى. والصفات الكاملة العليا. وانه المتفرد بكل كمال وعظمة وجلال. وانه الخالق الرازق المدبر. ومن سواه مخلوق فقير اليه مدبر وان جميع النعم والفضل والخيرات والمنافع من الله وحده. وانه الدافع لكل شر وسوء. فهو الذي يستحق ان يكون هو الاله المألوه وحده. وهو الذي في السماء اله وفي الارض اله. اي هو اله اهل السماء واله اهل الارض. الذي يعظمه ويحبه ويدعوه اهل السماء والارض. دعاء عبادة ودعاء دعاء مسألة وهذا هو الغاية والمقصود الاعظم من خلق جميع المكلفين. ليعرفوه باسمائه وصفاته وافعاله وليعبدوه وحده لا شريك له فيخلص له الدين. يقومون بالايمان والاسلام والاحسان على الوجه الذي ينبغي على وجه الاخلاص والذل لله الواحد القهار. وهذا هو التوحيد الذي دعت اليه جميع الرسل. كما قال تعالى وما ارسلنا من قبلك من رسول الا نوحي اليه انه لا اله الا انا فاعبدون. فاخبر انه اوحى الى جميع ان يعترفوا بالهيته وحده. وان يقوموا بعبوديته ظاهرا وباطنا. وهذه العبودية التي امر الله بها عبادة هي طاعته وطاعة رسوله بتصديق خبر الله ورسوله وامتثال امر الله وامر رسوله بنهي الله ورسوله. وذلك هو القيام بحقه تعالى على عباده. وبالقيام بحقوق العباد بحسب حالهم ومراتبهم وذلك كله مبناه على العدل. فان اصل العدل واساسه عبادة الله وحده لا شريك له. فان توحيده واوجب الواجبات وافرض الفرائض شرعا وعقلا. والاخلال بالاخلاص اظلموا الظلم كما قال تعالى ان الشرك لظلم عظيم. واي ظلم اعظم من ظلم من تفرد الله عز وجل بخلقه وتدبيره عبد سواه وتفرد بالاحسان اليه وايصال الفضل اليه بكل سبيل. فصرف شكره لغيره اذا كان الشرك اظلم الظلم فما الظن بما هو افظع من الشرك وهو الانكار والالحاد والاستكبار عن عبادته او عن الاعتراف به. فكل من لم يؤمن بالله ولم يخلص اعماله لله فهو ظالم على تفاوت في عظمة وشناعته. وكذلك حكمه واحكامه بين عباده في المعاملات والحقوق الخاصة والعامة على كثرتها وتبحرها كل ذلك مبني على العدل. الذي تعترف بحسنه وكماله العقول السليمة والفطر المستقيمة. ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون. وقد ذكر الله اصول العدل والاحسان في اصول الدين وفروعه. قال تعالى قل تعالوا اتلوا ما حرم ربكم عليكم الا تشركوا به شيئا. الى قوله ذلكم وصاكم به لعلكم وقال تعالى وقضى ربك الا تعبدوا الا اياه وبالوالدين احسانا. الى قوله ذلك مما اوحى اليك ربك من الحكمة. فتأمل هذه الاوامر الجليلة الجميلة. وما فيها من الخيرات وما تضمنته من اداء حقوقي التي هي افرض الحقوق شرعا وعقلا. وما نهت عنه من اصناف المحرمات المحتوية على الظلم والشر والضرر والفساد قال تعالى ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون. فقد جمعت هذه الاية الكريمة الامر بكل عدل واحسان وخير حثت على اداء الحقوق العامة والخاصة. ونهت عن كل منكر وفحشاء في حق الله. وبغي على عباد الله بدمائه واموالهم واعراضهم. وقد جمع الله ايضا اصول العدل في قوله تعالى قل امر ربي بالقسط. واقيم وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين. كما جمع اصول الشر والظلم في الاية الاخرى. قل انما حرم من الفواحش ما ظهر منها وما بطن. والاثم والبغي بغير الحق. وان تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وان تقولوا على الله ما لا تعلمون. وهذه المحرمات في كل شريعة وكل زمان ومكان. لان الشر الضرر والفساد ملازم لها حيثما كانت. وقال تعالى في بيان اصول البر والتقوى التي هي روح العدل ليس البر ان تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب. ولكن البر من امن بالله واليوم الاخر والملائكة والكتاب النبيين واتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل. والسائلين وفي الرقاب واقام الصلاة اتى الزكاة والموفون بعهدهم اذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس. اولئك الذين صدقوا واولئك هم المتقون. فهذه الايات الكريمة اشتملت على اصول الشريعة وبيان صدقها وعظمتها الهة ومراعاتها للعدل والقسط والمصالح في كل زمان ومكان. وفي كل حالة من الاحوال وتفاصيل شريعة كلها تفصيل لما نصت عليه هذه الايات. وذلك اكبر برهان على انها تنزيل من حكيم حميد عالم بمصالح عباده. رحيم بهم حيث حثهم على ما ينفعهم وحذرهم عما يضرهم. وارشدهم الى كل خير وهدى ونهاهم عن كل شر وسوء وردى. وهي كلها حق مصدق يعترف اولو الالباب بها تخضع العقول الصحيحة لها. ويعلم ان كل ما ناقضها وخالفها فانه شر وغي وضلال. فماذا بعد الحق الا الضلال. ويرى الذين اوتوا العلم الذي انزل اليك من ربك هو الحق ويهدي الى صراط العزيز الحميد. فاخبر ان الذين اوتوا العلم الحقيقي هم الذين يرون ويعترفون ان الذي انزل على محمد صلى الله عليه وسلم والحق في ذاته واوصافه وانه يهدي الى الصراط المستقيم الموصل الى الله العزيز الحميد. يعني ويرون ان ما خالفه وناقضه هو الباطل في ذاته واوصافه. وما يوصل اليه من غي وضلال وجهل وشر. فهو تعالى الحق ودينه حق ووعده حق وقوله حق. وما خالف ذلك باطل. قال تعالى ذلك بان الله هو وان ما يدعون من دونه هو الباطل. وقال سبحانه فاصبر ان وعد الله حق. وقال تعالى والله يقول الحق وهو يهدي السبيل وقال ومن اصدق من الله قيلا وقال سبحانه ومن اصدق من الله حديثا والحق هو الصلاح وبه الصلاح المطلق. وضده هو الفساد. قال تعالى ولو اتبع الحق اهون لفسدت السماوات والارض ومن فيهن. فاخبر ان الحق لو كان تابعا لاهواء كل مخالف للرسول صلى الله عليه وسلم لحصل منه الفساد العام والضرر العظيم. فكل شريعة وقانون وسياسة للمخلوق تنافي ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فان شرها مستطير وضررها كبير. والتجربة والمشاهدة اكبر شاهد على ذلك وحيث كان الحق وصف الدين اللازم الملازم. قاوم كل ما عارضه من جيوش الباطل المتكاثرة الجبارة. فصم لها وقاومها وابطلها ومحقها. وهو لا يزال ولله الحمد في كل وقت مستعد لمقاومات المعتدين ومنازلة الظالمين وتحدي كل معتد كفار اثيم. قال تعالى هو الذي ارسل رسوله بالهدى الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون. وقال وقل جاء الحق وزهق الباطل. ان الباطل اذا كان زهوقا فانظر الى حالة النبي صلى الله عليه وسلم وما عانى من مقاومات المبطلين وكيف ايده الله عز وجل بالحق على جميع طوائف الظالمين. مع حنقهم وتكالبهم وتناصرهم على باطلهم. حتى خرجوا منتصرا بالحق الذي ايده الله. قال تعالى واذكروا اذ انتم قليل مستضعفون في الارض تخافون ان يتخطفكم الناس فاواكم وايدكم بنصره. ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون. وقال سبحانه الا تنصروا فقد نصره الله. اذ اخرجه الذين كفروا ثاني اثنين اذ هما في الغار. اذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا انا فانزل الله سكينته عليه وايده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا. والله عزيز حكيم. ثم تأمل ما قام به الخلفاء الراشدون ومن معهم من الصحابة الاخيار. ومن بعد من الملوك العادلين. وكيف فتحوا القلوب بالعلم والايمان. وفتحوا الامصار والحق معهم ملازم لهم والنصر من الله مؤيدهم. ولم يزل الدين الاسلامي قد خضع له اهل المشارق والمغارب. وقد تقبلوا وقبلوه بما فيه من العدل والرحمة والخير. الذي لا يوجد في غيره. فلما تحللوا بعد ذلك عن هذا الدين حقي شيئا فشيئا. تقلص عزهم وسلطت عليهم الاعداء من كل مكان. وهو مع كثرة الاعداء وشدة حنقيهم واتفاقهم على محقه وابطاله. ومع قلة اهله الحقيقيين ووقوع التخاذل بين المنتسبين اليه. مع كذلك لم يزل ولله الحمد قائم الاصول محفوظا بحفظ الله مقاوما كل جيش يغزوه من اصناف دار المحاربين المعلنين محاربته. ومن الزنادقة المنافقين الملحدين. الذين يظهرون الحادهم والذين يخفونه يعملون في الباطن على القضاء عليه. ولكنهم في كل وقت مخدولون يبدون المقاومات المتنوعة. في ظهر للخلق باطلهم والحادهم ومكرهم. ولا يروج باطلهم الا على من لا بصيرة له ولا حق معه. ولما علموا بذلك وعرفوا انه ليس في امكانهم مقاومة الحق. سعوا في اضعاف الحق من قلوب من ينتسب اليه. ففتحوا المدارس التي تحت سيطرتهم وطردوا عنها علوم الدين او جعلوه اسما بلا مسمى. ليتمكنوا من بذر باطلهم في قلوب المتعلمين فيها الذين ليس عندهم علم بالحق يقاوم مكر هؤلاء وخداعهم. وكان هذا من اكبر النكبات التي اصيب بها المسلمون ومن اكبر السلاح لاعداء الاسلام حتى صار الخريج منها قد تسلح بسلاح اعداء الاسلام. وصار اكبر عودة على من ينتسب اليهم دينا وقومية ووطنا. ففضل دين الاجانب الاعداء وقوميتهم ووطنيتهم على دينهم دينه وقومه ووطنه. فزال دينه وفسدت اخلاقه وذهبت مروءته وانسانيته. فيتعين على كل احد السعي في اصلاح التعليم. ولا سبيل الى ذلك الا بالتعاليم الدينية. ومراعاة الاخلاق والمحافظة على المتعلمين وملاحظتهم فان اصلاح التعليم هو السبب الوحيد لحفظ الدين. ومقاومة كل شر وفساد. وسبب كل صلاح الامور كلها. قال تعالى يا ايها الذين امنوا قوا انفسكم واهليكم نارا وقودها الناس والحجارة وذلك بالتعليم والالزام بالحق علما وعملا. فمن اهمل اولاده ومن يقوم عليهم مما هو مسترع عليه فقد عصى امر الله وامر رسوله صلى الله عليه وسلم وعرضهم للعقوبات فكيف اذا اهملهم عن التعاليم النافعة والاداب الصالحة واشغلهم بضدها من التعاليم الضارة. فما اعظم خسارة من خسر اولاده. بل ما اعظم حسرة من كان اولاده الذين كان يرجو نفعهم باهماله اياهم وتوجيههم للعلوم الضارة. قد صاروا اعظم نكبة عليه وخسر دينه ودنياه. وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال كل مولود يولد على الفطرة فابواه يهودانه او ينصرانه او يمجسانه. وذلك بالتعاليم المنحرفة. وهذه المدارس الالحادية تخرج الناشئين فيها من الاديان كلها. لان هذا هو الغرض المقصود بها. ولانها تلقي في اذهان قاعدة من اخبث او اخبث اصول الالحاد. وهي ان العلم الحقيقي عندهم ما يدرك بالحواس فقط وما لم يدرك بالحواس فليس عندهم بعلم. ولا يعد من الحقائق الصحيحة. وهذه القاعدة الخبيثة خالفوا فيها جميع الاديان الصحيحة. بل خالفوا فيها جميع العقلاء. فان مدارك العلم كثيرة متنوعة. مدركات الحس مدركات العقل ومدركات الاخبار الصحيحة. والنوعان الاخيران مدركاتهما اعظم واكمل واوسع فاذا نفيت لم يبق الا المدركات التي تدرك بالحس. وهي دائرة ضيقة توقع اهلها في المهالك. فاعظم اثارها وابطلها انكار علوم الغيب كلها. وهو انكار جميع ما اخبرت به الرسل والكتب المنزلة من السماء من توحيد الله عز وجل وتفرده بصفات الكمال وتوحده بالخلق والتدبير وانكار البعث والجزاء في الدار الاخرة. وانكار الملائكة والجن. وجميع ما اخبر الله به واخبرت به الرسل من انباء الغيب الواسعة المنتشرة. التي قامت البراهين المتنوعة على حقها وصدقها وعدم الريب فيها. فانكرها هؤلاء الملحدون كما انكرها اسلافهم الدهريون الذين قالوا ما هي الا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا الا الدهر وما لهم بذلك من علم انهم الا يظنون. وقد علم ان ايات التوحيد وايات البعث وايات صدق الرسل والبراهين الدالة على ذلك. التي لا يمكن احصاؤها كلها. تبطل قولها هؤلاء الملحدين وتخبر انهم كما خرجوا من الدين خرجوا من العقل الصحيح. وخالفوا فطرة الله التي فطر الله عباده عليها. فجميع ما اخبر الله به في كتبه. وعلى السنة رسله من امور الغيب التي هي ما انواع الصدق انكرها هؤلاء الملاحدة. ومن المعلوم عند العقلاء المعتبرين ان من لم يؤمن بذلك الحق المبين الذي قامت الادلة والبراهين بصدقه وحقيقته ويقينه. لم يكن عنده علم وحق يؤمن به. فباي حديث بعد الله واياته يؤمنون. ويل لكل افاك اثيم. يسمع ايات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كان لم يسمع فبشره بعذاب اليم. وقد تحدت الرسل عليهم الصلاة والسلام جميع من كذبهم. ان يعارضوا ما به من الآيات البينات والمعجزات الباهرات. فظهر عجز المكذبين. وبانت مكابرتهم وانهم ليسوا على شيء وانهم كانوا كاذبين. وقد تحدى الله الانس والجن ان يأتوا بمثل هذا القرآن واخبر انهم لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا. والتحدي قائم منذ نزل القرآن والى ان تقوم ساعة وعجز المعارضين المكذبين قد ظهر لكل احد. وهذا من اعظم البراهين الموجبة جميع ما اخبر به من علوم الغيب والشهادة. كما ان من اعظم البراهين احكام هذا الدين وصدق ما جاء به من الاخبار عن الاولين والاخرين. وعن جميع امور الغيب. وانه لم يأتي ولن يأتي علم صحيح لا محسوس ولا معقول ينقض خبرا من اخباره. كما ان احكامه اعدل الاحكام واهداها اقومها وبها الصلاح المطلق في كل زمان ومكان. وقد بان لكل عاقل ان الامور العامة والخاصة لا يمكن صلاحها واستقامتها واعتدالها حتى تطبق على احكام الله بين عباده. ومن احسن من الله حكما قومي يوقنون ولا ينكر هذا ولا يكابر فيه الا احد رجلين. اما معاند مكابر ينكر الحقائق الواضحة والبراهين الساطعة. واما ضال جاهل من اعظم الضالين. فالعناد والضلال لا يستغرب على صاحبهما انكار اعظم ايات الله. واعظم البراهين والمعجزات الدالة على صدق الرسل. وحقيقة ما جاءوا به فهؤلاء داخلون في قوله تعالى الذين كذبوا بالكتاب وبما ارسلنا به رسلنا فسوف يعلمون اذ الاغلال في اعناقهم والسلاسل يسحبون. فهم كذبوا بجميع ايات الله التي هي ابين الايات واعظم واوضحها. وبما ارسل الله به رسله من الحق النافع والصدق. فصل وحيث كان الملحد المكذبون بايات الله وبما ارسل به رسله. قد علموا انه متى تقابل ما جاءت به الرسل من الحق مع لم يكن لباطلهم ادنى ثبوت. بل اضمحل كما قال تعالى بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فاذا هو زاهق. فحيث علموا بهذا الامر مكروا مكرا كبارا. وقد مكروا مكرهم الله مكرهم وان كان مكرهم لتزول منه الجبال. فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله. الذي من من جملته ظهور الحق على الباطل. وانتصاره في هذه الدنيا ويوم يقوم الاشهاد. فمن اعظم مكرهم ما اليه سابقا باضعاف علوم الدين او منعها من مدارسهم. ومنها انهم قالوا يجب ان تكون الافكار حرة والا تتقيد بشيء من القيود. وذلك لقصد التحلل عما جاءت به الرسل والاديان الصحيحة. لانهم اذا ان لكل احد فكرة. وانه مهما خطر بباله من الافكار والعقائد الهدامة. فله ان يبوح بها ويدعو اليها والا يعارضها بعقيدة صحيحة ولا فاسدة. كان مضمون هذا وجوب التحلل عن الاديان عدم التقيد بها. وهذا هو الالحاد والزندقة. وهؤلاء اعظم جرما واشد طغيانا من اخوانهم السابقين الذين قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما اوتي رسل الله. فاولئك معهم نوع اعتراف بالله صحبه الاستكبار الانقياد للرسل. واما هؤلاء فقلوبهم منكرة للحق الذي جاءت به الرسل. وهم مستكبرون عن الانقياد لرسله الله وكتبه. بل مستكبرون عن الايمان بالله. ومن المعلوم الذي لا يتمارى فيه العقلاء. ان اطلاق الحرية للأفكار وعدم تقيدها بالحق الثابت الذي قامت البراهين على صدقه وحقيته هو الكفر بالرسل وهو الفوضى الذي يؤدي باهله الى الهلاك الدنيوي قبل الهلاك الاخروي. ففوضوية الافكار هي فوضوية الافعال فعلى ذلك فليفعل كل احد ما اراد من فسق وفجور وتهتك. وليطلق لحريته ما شاء نفسه الامارة بالسوء من فحشاء ومنكر وبغي. لا يتقيد بشريعة ولا بمروءة ولا بانسانية فلينتقلوا من طور الانسانية الى طور البهائم. بل الى طور الشياطين وهذا ما ارادوه. وهذا ما وصلوا اليه المتوغلون منهم والباقون يسعون خلفهم. ثم انه من المعلوم ان حرية الافكار واعطاء فكل احد ان يتكلم بما يريد ويشتهي. والإرادات متباينة. والأغراض مختلفة. ان في هذا هلاك الحكومات والشعوب فالخلق في غاية الضرورة الى ضابط يضبطهم. والى قوانين صارمة قوية تحجزهم عن الشرور متنوعة. ومتى اعطوا حريتهم مرجت اقوالهم؟ واختلت اعمالهم وتباينت افعالهم فوقعوا في الفوضى المهلكة والشرور القاتلة والامم التي تعمل على هذا هي ساعية في طريق هلاكها الدنيوي قبل الهلاك الاخروي. فالافكار الصحيحة هي الافكار السليمة المتقيدة بالحق. التي غايتها الحق مع الحق وهي الافكار التي دعا الله عباده الى التفكير فيها. في اياته المتلوة واياته المشهودة ليعرف الحق ويعمل بالحق. وذلك هو الصلاح للظاهر والباطن. وحيث قد علم اهل العلم والهدى رشد ان ما جاء به الرسول هو الحق وهو الذي يهدي الى كل خير كان الواجب المتعين والفرد الاكيد التقيد بهذا الحق علما وارادة وعملا. فتكون الافكار حائمة حول هذا الحق المبين. لاستخراج الخوت لتحسين باطلهم وتقبيح ما جاءت به الرسل. وانهم يتواصون بذلك ويفترون على الله الكذب وانه يغتر به من لا علم له ولا بصيرة ولا ايمان. فهؤلاء اخذوا كلما افتراه الاولون من اسلافهم المكلف علومه ومعارفه النافعة. وحول ارشاداته ومواعظه لسلوك الصراط المستقيم. وهذا التقيد الذي هو افرض الفروض على المكلفين وينبوع العلم واصل الخير. ومدار صلاح الدين والدنيا عليه. وهو المانع من فوضى ومن الانطلاق في الهلاك. فيتقيد العبد بهذا الحق. ولا يتقيد باي قول يعارضه. ولا باي عمل ينافيه ولو صدر من اكابر الناس. لان ما سوى الرسول صلى الله عليه وسلم غير معصوم. واما ما جاء به الكتاب الكتاب والسنة من الحقائق في الاصول والفروع. فهو محكم معصوم. يدل على كمال اليقين العلمي واليقين العملي ومن اصدق من الله قيلا. ومن اصدق من الله حديثا. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ان هذا القرآن يهدي للتي هي اقوم. سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انهم الحق تلك ايات الله نتلوها عليك بالحق. فباي حديث بعد الله واياته يؤمنون. واذا اردت ان تعرف الفرق العظيم بين من يدعو الى تحرير الافكار من كل القيود وبين من يلتزم الحق الذي جاءت به الرسل فلا يبالي بمن خالف ذلك. وبين من يلتزم العمل بالحق. وبين من يمشي بعمله مع غريزته ودواعي نفسه فاضرب لذلك مثلين. احدهما من قلبه خال من التزام الحق والعمل به. وهو يجري في اله واقواله على مقتضى ما تدعوه اليه نفسه. من الارادات المتنوعة فانه لا يبالي بالظلم والبغي والفحشاء والمنكر. فان النفس امارة بالسوء. فمن اطاعها طاعة عمياء قادته الى الهلاك والخسار تجد مثل هذا افكاره متضاربة. ونظرياته متناقضة وعلومه غير صحيحة. فهو في امر في فكره وسعيه وعمله وجميع تصرفاته. والثاني من الرجلين رجل عرف الحق والتزمه وعرف ان ما جاءت به الرسل حق. وان الكتاب القرآن وسنة محمد صلى الله عليه وسلم. جاء بكل علم صحيح وبكل حق وصدق وبكل هدى ورشاد وبكل خير عاجل واجل. فحصر افكار في هذا الميدان الجليل واستخرج من كنوز الكتاب والسنة كل حق وهدى ورشد. وتحلت نفسه بكل خلق يدعو اليه الشرع وتخلت عن كل خلق رذيل فصار عارفا بالحق عاملا بالحق فهذا الا تسأل عما يحصل له من المعارف الجليلة والعلوم اليقينية والاخلاق الجميلة والسير في جميع تصرفاته على العدل الذي هو الصراط المستقيم. فهل يستوي هذا وذاك؟ افمن يمشي مكبا على وجهه جاء من يمشي سويا على صراط مستقيم. فالاول ضال غاو ساع الى الهلاك والخسران. والثاني مهدي عالم بالحق عامل به يسعى الى كل خير وبر وكرامة. والمقصود ان الملحدين والمغتر بهم ابدأ واعادوا في الدعوة الى حرية الافكار. والغرض من هذا التحلل من اديان الرسل ومن الاخلاق الجميلة لتنطلق النفوس فيما شاءت. فتكون البهائم احسن حالا منها. والعقول والافكار دار متفاوتة في ادراكها. وفي مقاصدها وفي غاياتها كالايرادات. بل الارادات تبع الافكار. ولو ان انهم قيدوا افكارهم بالحق الذي جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام. واراداتهم باتباع ما نزل الله عز وجل لكان خيرا لهم واقوم. بل اتبع الذين ظلموا اهواءهم بغير علم. ومن اضل ممن اتبع هواه بغيرهم من الله ان الله لا يهدي القوم الظالمين. وقال صلى الله عليه وسلم لا يؤمن احدكم حتى يكون هواه تبعا ما جئت به. فمن كان هواه تبعا لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم لا يزيغ عنه. فهو المؤمن الحقيقي. وهو الذي هدي للتي هي اقوم. في علومه ومعارفه واخلاقه. وهو الذي اطمأنت نفسه الى الصدق والحق. فان طمأنينة والكذب ريبة والباطل صاحبه في امر مريج. فصل. ومما روج به الملحدون باطلهم وعلومهم المخالفة للدين انهم زخرفوا لها العبارات فسموها تجديدا رقيا وتقدما. ونحوها من الاسماء التي يغرر بها ويغتر بها من لا بصيرة له. وسموا الحق الذي جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام جمودا ورجعية ورجوعا الى الوراء وتخديرا. كما قال تعالى الا عن اسلافهم. وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الانس والجن. يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون. ولتصغى اليه افئدة الذين لا يؤمنون بالاخرة. وليرضوه فليقترفوا ما هم مقترفون. فاخبر تعالى ان هذا دأب اعداء الرسل في كل زمان. انهم يزخرفون العبارة وزادوا زيادات كم اصطادوا فيها من ضعفاء البصائر. وليس ما جاءت به الرسل جمودا ولا رجوعا الى الوراء وانما هو الحق والنور والحياة والرشد. الذي لا حياة للوجود ولا للقلوب الا به. ولا نورا الا باقتباس نوره. وهو الموقظ للهمم والعزائم الى كل خصلة حميدة. والى كل رقي صحيح وتقدم نافع فان من اصول الشريعة الكبرى العمل بالاسباب النافعة والحث على كل عمل ومصلحة والاستثمار الاستعانة بالله في تحقيق ذلك. ومن المعلوم ان من تحقق بهذين الوصفين بذل المجهود والاستعانة بالمعبود فانه لا يزال في تقدم مضطرد في اصلاح الدين واصلاح الدنيا المعينة على الدين. في الصحيح عنه وصلى الله عليه وسلم انه قال احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز. وهذا شامل للامر بالحرص على ما ينفع في العاجل والاجل. وكم في كتاب الله من الامر بالاعمال الصالحة النافعة. والامر بالاستعانة بالله التي هي رح الاعمال. وبها قوامها فان من استعان بالله كفاه واعانه. وقواه وايده بروح منه ومن يتوكل على الله فهو حسبه. وقال تعالى في الامر بالصبر على الجهاد ومقاومة الاعداء والترغيب في ثواب ذلك. ان تكونوا تألمون فانهم يألمون كما تألمون. وترجون من الله ما الا يرجون وقال سبحانه واصبروا ان الله مع الصابرين. فهذا الامر بملازمة الصبر على كل عمل النافع والبشارة لهم بمعية الله ومعونته. واما العلوم المادية الخالية من رح الدين وروحه فانها تقدم الى الهلاك والدمار. وتقدم الى هدم كل خلق جميل. والاتصاف بكل خلق الرذيل والمشاهدة والحس اكبر شاهد على هذا. وذلك انه من الممتنع المحال ان يحصل التقدم الصحيح الا اذا صحبه الدين الصحيح الملازم للحق. فان الباطل وان كان له نوع صولة. فاخره الزوال وليضمحلال ومنتهاه الخسار والهلاك والتبار. فعند هؤلاء الملحدين ان التجديد والرقي هو الاندماج في معنوية الاجانب اعداء الاديان كلها. وزوال شخصياتهم في شخصيات اولئك. والتشبه بهم في ولباسهم وعوائدهم الدقيقة والجليلة. ومن تشبه بقوم فهو منهم. فيرون البقاء على دينهم وقومهم التي هي الاخلاق العالية. يرون البقاء عليها جمودا. والانحلال عنها هو الرقي فاستبدلوا الادنى الخسيس بالاعلى الكامل النفيس. فصاروا مع اعدائهم في ظاهرهم وباطنهم. وصاروا وبذلك اكبر سلاح للاعداء على دينهم وقومهم. وبهذه الحال تنحل معنوياتهم ويندمجون في غيرهم في كل شيء. وهذا ابلغ ما يريده الاعداء من المتسمين بالاسلام. فصل. ومما ما يروج به المنحرفون باطلهم. لهجهم الشديد بالثقافة العصرية. زاعمين ان الاخلاق لا تتهذب ولا تتعدل الا بها ويطنبون في مدحها والثناء عليها ومدح المتصفين بها. وذم من لم تكن له هذه الثقافة. والسخرية منه وهم يفسرونها تفاسير متباينة منحرفة. كل يتكلم بما يخطر له. لان العلوم اذا كانت فوضى والاخلاق تتبعها هكذا يكون اهلها. لا يتفقون في نظرياتهم واعمالهم واخلاقهم. ولا يمكن شرح ما يقولونه عن هذه الثقافة المنحرفة. ولكنه قد علم اهل العلم والحجة واهل العقول الراقية ان الثقافة التي يلهجون بها هبوط اخلاق وذهاب المعنويات الصحيحة والزهو والعجب والكبر الذي هو اكبر داء يبتلى به العبد. وانما الثقافة الصحيحة والتهذيب النافع وما جاء به الدين الاسلامي. فان انه محال ان تتهذب النفوس وتكتسب الفضائل. بعلوم المادة المحضة واعمالها. والمشاة شهادة اكبر شاهد على ذلك. فانها مع تطورها وتبحرها. عجزت كل العجز عن اصلاح الاخلاق حسابها الفضائل. وعجزت عن ترفعها عن الرذائل. وانما الذي يتكفل بهذا الاصلاح. ويتولى هذا التهذيب الصحيح ويوجه الافكار الى العلوم الصادقة. والاعمال الى الخير والهدى والصلاح. ويزجرها عن كل شر وما جاء به الدين الاسلامي فهو مصلح للظاهر والباطن. للعقائد والاخلاق والاعمال. حث على كل به مثقال حبة منه لا يدخل الجنة. وهكذا خلف هؤلاء السلف الطالح. فانهم قد اتفقت كلمة سفه ومعانديهم انهم لا يؤمنون ولا ينقادون الا لما دخل تحت حواسهم وتجاربهم وما سوى ذلك انكروه وقالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما اوتي رسل الله. وقد علم عقلا وشرعا فضيلة زاجر عن كل رذيلة. فروح ما دعا اليه الدين الاسلامي الايمان بالغيب. المتضمن للايمان بالله العظيم وما له من الاسماء الحسنى والصفات الكامنة العليا والافعال الحميدة والتصاريف السديدة ويتضمن الايمان بالجزاء العاجل والاجل عن الاعمال الصالحة. والاعمال السيئة التي لا تعرف تفاصيلها الا من جهة الرسل. وهي التي تزرع في القلوب الرغبة في فعل الفضائل والخيرات. والتنافس في اكتساب الاحسان في عبادة الله. والاحسان الى الخلق وتزرع فيها كراهة الشرور والرذائل. وهي التي يكون التأثير العظيم في اصلاح الافراد والجماعة. قال تعالى في وصف المؤمنين ولكن الله حبب اليكم الايمان وزينه في قلوبكم وكره اليكم الكفر والفسوق والعصيان. اولئك هم الراشدون. فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم. فهو الذي يوجه الافكار والارادات والاعمال الى كل خير. ويزجرها عن كل ضرر ويأمرها بالعدل الاحسان وايتاء ذي القربى وينهاها عن الفحشاء والمنكر والبغي على الخلق في دمائهم واموالهم واعراضهم وحقوقهم واما علوم المادة المحضة فانها جافة لا تنهض باصحابها الى مكرمة. ولا تزجرهم عن منكر وسوء. وان انما نفوسهم الية محضة اخس من نفوس السباع الضارية. لا تسعى الا الى اغراضها مهما كانت. فكم بين قلب مملوء من الايمان بالله ومن الرغبة في ثوابه ورضاه. والخشية من سخطه وعقابه واخلاقه اكمل الاخلاق وافضلها. قد اثر هذا الايمان وتوابعه في توجهه وتوجيهه وسعيه. فكانت اعماله صالحة وكان مخلصا لله ومؤديا لحقوق عباده. يرعى العهود والامانات. ويحترم الحقوق والمعاملات قد اطمأن كل احد في ثقته وامانته وقيامه بما عليه من الحقوق. كم بين هذا وبين من هو بضده ليس في قلبه من الايمان مثقال ذرة ولا رغبة في الخير ورهبة من الشر. لا يرعى العهود والامانات ولا يطمئن الى ثقته كل من علمه وخبر حاله. ولا عنده خشية لله تردعه عن المحرمات والخيانات قد هبطت به اخلاقه الى اسفل سافلين. ثقافته وهمته مصروفة الى تنميق بدنه وشعره وتجميل لباسه وهيئته وكلامه. وليس وراء هذا شيء الا العار والدمار. لما هو عليه من الاخلاق هدامة لاحواله ولمن يتصل به. فبين هذا وهذا كما بين السماء والارض. وهذا الفرق العظيم عائد الى الاتصاف بالثقافة العصرية الجافة. او الثقافة الدينية التي روحها الرحمة والعدل والقسط والامانة الوفاء بالحقوق. فاعظم نعمة ينعم الله عز وجل بها على العبد. ان يكون عنده بصيرة يبصر بها الاشياء على ما هي عليه فيعرف الحق ويعمل به. ويعرف الباطل فيدعه. والله هو الموفق وحده. ولا تنظر الى من تسمى بالاسلام ونبذ اخلاقه وراء ظهره. وتحتج به على الاسلام والمسلمين في صفته وجموده وهبوط اخلاقه. فان الاسلام والمسلمين الحقيقيين يتبرأون ممن هذه حاله. وان تسمى بالاسلام وليس له منه الا رسمه فان الدين الاسلامي دين الرفعة والعزة والرقي الصحيح. فتعاليمه وارشاداته واخلاقه واعماله كلها في غاية الاحكام والانتظام. وهي الغاية في توجيه المتصفين بها الى كل خير وصلاح واصلاح. كما هو معروف عند كل احد ما كان عليه المسلمون الاولون من الكمال والقيام بجميع المقومات الدينية والدنيوية. وبهم يضرب المثل في الكمال الانساني الذي ليس له نظير. فمن اراد ان يعرف تأثيرات الدين الجميلة. فلينظر الى هؤلاء واما من اراد المكابرة والتغرير فله نظر غير هذا والله المستعان. فصل قال الله تعالى انا ان الذين يجادلون في ايات الله بغير سلطان اتاهم ان في صدورهم الا كبر ما هم ببالغين فاستعذ بالله انه هو السميع البصير. وقال تعالى وجعلنا لهم سمعا وابصارا وافئدة. فما اغنى عنهم سمعهم ولا ابصارهم ولا افئدتهم من شيء. اذ كانوا يجحدون بايات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون اخبر تعالى في هذه الايات وغيرها ان المكذبين بالرسول والجاحدين لايات الله انما حملهم على ذلك كالكبر الذي في صدورهم واحتقارهم واستهزائهم بما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام. وفرحهم بعلومهم المنافية لعلوم الرسل. فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم. وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون وهذا الذي ذكره الله عز وجل هو افظع واشنع اثار الكبر الذي هو شر الاخلاق. الذي من في قلبه وفطرة ان العلوم والحقائق التي لا تدخل تحت الحواس. وتدرك بالعلوم التي جاءت بها الرسل. وبالعقول والفطر قد علم انها اكمل العلوم واقواها وانفعها. فهم جحدوها رأسا الا ما احاطت به معارفهم مما يدخل تحت الحواس. فلو فرض الفرض المحال ان جميع العلوم المدركة بالحواس. قد احاطوا لكانت ضئيلة جدا بالنسبة الى علوم الرسل. ومدركات العقول. فكيف وما ادركوه من علوم الطبيعة والكون قليل بالنسبة الى ما لم يعرفوه. وهم معترفون بذلك. ولا يزالون يحدثون نظريات وتجارب يحكمون عليها ثم بعد ذلك يتبين لهم اخطائها. ويستأنفون غيرها. وهكذا فاذا كان هذا وتقصيرهم في علوم المادة. التي انما تكبروا وافتخروا بعلمها. فكيف بالعلوم العظيمة التي لم يشمها رائحتها علوم الشرع واصوله وفروعه وعلوم الغيب وتفاصيل ما اخبر الله عز وجل به واخبرت به رسله قال تعالى سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق. فقد ارى الله عز وجل عباده في هذه الاوقات من مخترعاتهم. ومما عملته ايديهم من الخوارق والايات. ما يزداد به المؤمن ايمانا وتقوم به الحجة على المعاند المكابر. فهذه الكهرباء وما نتج عنها من الاعمال العظيمة المعروفة. وهي من اعمال البشر الذي علم الله الانسان ما لم يعلم. فقبل ان يشاهدوها لو قيل لهم عن بعض اعمالها. انها ستكون تقع لبادروا بالانكار كما بادر اسلافهم من المكذبين للنبي صلى الله عليه وسلم. حين حدثهم بالاسراء معراج مع انها من ايات الرسل وخوارقهم. التي لا تزال يشاهد نظيرها او ما يقاربها. فاذا كانوا يجحدون لما لم يحيطوا به علما. وقد حدث من المخترعات البشرية ما يكذبهم. ويبطل الاصل الذي به يحتجون مع ان هذه الخوارق من صنع الادميين والله هو الذي علمهم اياها. فكيف ينكرون ما اخبر الله به واخبر به الرسل من امور الغيب. اذ لم تدخل تحت مداركهم ومعلوماتهم. وعجزت عقولهم عن ادراكها. وهذه الحالة هي دأب الامم المكذبين للرسل. اذا اخبرتهم الرسل بما لم يعرفوه انكروه وجحدوه واستكبروا عنه بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتيهم تأويله. كذلك كذب الذين من قبلهم. وقال الذين كفروا هل ندل على رجل ينبئكم اذا مزقتم كل ممزق انكم لفي خلق جديد. افترى على الله كذبا ام به جنة بل الذين لا يؤمنون بالاخرة في العذاب والضلال البعيد. وهل اعظم شقاء وضلالا ممن ينكر قدرة الخلاق العليم وهو يشاهد من اياته في الافاق والانفس امورا كثيرة. تبطل حجته وتزهق باطله. كذلك ما اتى الذين من قبلهم من رسول الا قالوا ساحر او مجنون. اتواصوا به؟ بل هم قوم طاغون. فطغيانهم الشنيع كبرهم البليغ حملهم على هذا القول الفظيع. وهم احق بالجنون اذ زعموا ان هذه الموجودات العظيمة التي هي في غاية الاتقان والانتظام في خلقها وتصريفها وتدبيرها. وغاياتها الحميدة وحكمها البديعة. جعل انها وليدة المصادفة واثار الطبيعة. من غير خالق خلقها ولا مبدع ابدعها واتقنها ما ينظر العاقل ويتصور قولهم هذا يعلم انهم قد ابتلوا ببلية هي اعظم البلايا. وكيف سولت لهم نفوسهم ان يتفوهوا بهذا القول. الذي هو اكبر معبر عن ضلالهم وجهلهم وحماقتهم. بل هو من اقوال المجانين الذين يهذون بما لا يدرون. فمن تأمل بعض المخلوقات وما اودعها الله عز وجل من الخلق العجيب والنظام المحكم والتدابير العجيبة جزم جزما لا يمتري فيه بكذب هؤلاء وافترائهم في جحدهم ومكابرتهم للمحسوسات. فضلا عن المعقولات وما جاءت به الرسل. قال تعالى قالت رسلهم افلا شك فاطر السماوات والارض. وقال تعالى ام خلقوا من غير شيء ام هم الخالقون؟ ام خلقوا السماوات والارض بل لا يوقنون. وقال سبحانه وقالوا ائذا كنا عظاما ورفاتا ائنا لمبعوثون خلقا جديدة قل كونوا حجارة او حديدا. او خلقا مما يكبر في صدوركم. فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم اول مرة فسينغضون اليك رؤوسهم اي من الكبر الذي في صدورهم. ويقولون متى قل عسى ان يكون قريبا