المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله قصة ابراهيم خليل الرحمن عليه السلام. قد ذكر الله في كتابه سيرة واخبارا كثيرة من سيرة ابراهيم فيها لنا الاسوة بالانبياء عموما وبه على وجه الخصوص. ان الله امر نبينا وامرنا باتباع ملته. وهي ما كان عليه من عقائد واخلاق واعمال قاصرة ومتعدية. فقد اتاه الله رشده وعلمه الحكمة منذ كان صغيرا. واراه ملكوتا السماوات والارض ولهذا كان اعظم الناس يقينا وعلما وقوة في دين الله ورحمته بالعباد. وكان قد بعثه الله الى قوم مشركين يعبدون الشمس والقمر والنجوم وهم فلاسفة الصابئة الذين هم اخبث الطوائف واعظمها ضررا الخلق فدعاهم بطرق شتى. فاول ذلك دعاهم بطريقة لا يمكن صاحب عقل ان ينفر منها. ولما كانوا دون السبع السيارات التي منها الشمس والقمر وقد بنوا لها البيوت وسموها الهياكل. قال لهم ناظرا ومناظرا هلم يا قوم ننظر هل يستحق منها شيء الالهية والربوبية؟ فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا رب والمناظرة تخالف غيرها في امور كثيرة. منها ان المناظر يقول الشيء الذي لا يعتقده ليبني عليه حجته وليقيم الحجة على خصمه. كما قال في تكسيره الاصنام لما قالوا له اانت فعلت هذا بالهتنا يا ابراهيم فاشار الى الصنم الذي لم يكسره فقال بل فعله كبيرهم هذا ومعلوم ان غرضه الزامهم بالحجة وقد حصلت فهنا يسهل علينا فهم معنى قوله هذا ربي. اي ان كان يستحق الالهية بعد النظر في حالته ووصفه فهو ربي مع انه يعلم العلم اليقيني انه لا يستحق من الربوبية والالهية مثقال ذرة. ولكن اراد ان يلزمهم بالحجة فلما افل اي غاب قال لا احب الافلين. فان من كان له حال وجود وعدم او حال حضور وغيبة قد علم كل عاقل انه ليس بكامل فلا يكون الها. ثم انتقل الى القمر فلما رآه بازغا قال هذا ربي فلما افل قال لان لم يهدني ربي لاكونن من القوم الضالين. يريهم صلوات الله وسلامه عليه. وقد صور نفسه بصورة الموافق لهم. لكن على وجه التقليد بل يقصد اقامة البرهان على الهية النجوم والقمر فالان وقد افلت وتبين بالبرهان العقلي مع السمعي بطلان الهيتها. فانا الى الان لم يستقر لي قرار على رب واله عظيم. فلما رأى الشمس بازغة قال هذا اكبر من النجوم ومن القمر. فان جرى عليها ما جرى عليهما كانت مثلهما. فلما افل وقد تقرر عند الجميع فيما سبق ان عبادة من يأفل من ابطل الباطل فحينئذ الزمهم بهذا الالزام. ووجه عليهم حجة فقال يا قومي اني بريء مما تشركون. اني وجهت وجهي اي ظاهري وباطني. للذي مطر السماوات والارض حنيفا وما انا من المشركين. فهذا برهان عقلي واضح ان الخالق للعالم العلوي والسفلي هو الذي يتعين ان يقصد بالتوحيد والاخلاص. وان هذه الافلاك والكواكب وغيرها مخلوقات مدبرات. ليس لها من الاوصاف ما اتستحق العبادة لاجلها؟ فجعلوا يخوفونه الهتهم ان تمسه بسوء. وهذا دليل على ان المشركين عندهم من الخيالات والاراء الرديئة ما يعتقدون ان الهتهم تنفع من عبدها وتضر من تركها او قدح فيها. فقال لهم مبينا انه ليس ليس عليه شيء من الخوف وانما الخوف الحقيقي عليكم فقال وكيف اخاف ما اشركتم ولا تخافون انكم اشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا. فاي الفريقين احق بالامن ان كنتم تعلمون. فاجاب الله هذا الاستفهام جواد يعم هذه القصة وغيرها في كل وقت فقال الذين امنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم. اي بشرك اولئك لهم الامن وهم مهتدون. فرفع الله خليله ابراهيم بالعلم واقامة الحجة. وعجزوا عن نصر باطلهم ولكنهم صمموا على الاقامة على ما هم عليه. ولم ينفع فيهم الوعظ والتذكير واقامة الحجج. فلم يزل يدعوهم الى الله عما كانوا يعبدون نهيا عاما وخاصة. واخص من دعاه ابوه ازر. فانه دعاه بعدة طرق نافعة. ولكن ان الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون. ولو جاءتهم كل اية حتى يروا العذاب الاليم من جملة مقالاته لابيه يا ابتي لما تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا. يا ابتي اني قد جاء جاءني من العلم ما لم يأتك؟ انظر الى حسن هذا الخطاب الجاذب للقلوب. لم يقل لابيه انك جاهل لالا ينفر من كلامي الخشن. بل قال له هذا القول فاتبعني اهدك صراطا سويا. يا ابتي لا تعبد الشيطان ان الشيطان كان للرحمن عصيا. يا ابتي اني اخاف ان يمسك عذاب من الرحمن. فتكون للشيطان وليا فانتقل بدعوته من اسلوب لاخر لعله ينجح فيه او يفيد. ولكنه مع ذلك قال له ابوه اراغب انت عن الهتي يا ابراهيم لان لم تنتهي لارجمنك واهجرني مليا. هذا وابراهيم لم يغضب ولم يقابل اباه ببعض قال بل قابل هذه الاساءة الكبرى بالاحسان. فقال سلام عليك اي لا اتكلم معك الا بكلام طيب لا غلظتك فيه ولا خشونة. ومع ذلك فلست بايس من هدايتك ساستغفر لك ربي انه كان بي حفيا. اي برا رحيما قد عودني لطفه واجراني على عوائده الجميلة ولم يزل لدعائي مجيبا. فلم يزل ابراهيم مع قومه في دعوة وجدال. وقد افحمهم وكسر جميع حججهم وشبههم فاراد صلى الله عليه وسلم ان يقاومهم باعظم الحجج. وان يصمد لبطشهم وجبروتهم وقدرتهم وقوتهم. غير هائب ان ولا وجل. فلما خرجوا ذات يوم لعيد من اعيادهم وخرج معهم فنظر نظرة في النجوم. فقال اني سقيم انه خشي ان تخلف لغير هذه الوسيلة لم يدرك مطلوبه لانه تظاهر بعداوتها والنهي الاكيد عنها وجهاد اهلها فلما برزوا جميعا الى الصحراء كر راجعا الى بيت اصنامهم فجعلها جذاذا كلها الا صنما كبيرا ابقى عليه ليلزمهم بالحجة. فلما رجعوا من عيدهم بادروا الى اصنامهم صبابة ومحبة. فرأوا فيها افظع منظر رآه اهلها. فقالوا من فعل هذا بالهتنا انه لمن الظالمين. قالوا سمعنا فتى يذكرهم اي يعيبها ويذكرها باوصاف النقص والسوء. يقال له ابراهيم فلما تحققوا انه الذي كسرها قالوا فاتوا به على اعين الناس لعلهم يشهدون. اي بحضرة الخلق العظيم. ووبخوه اشد عند التوبيخ ثم نكلوا به. وهذا الذي اراد ابراهيم يظهر الحق بمرأى الخلق ومسمعهم. فلما جمع الناس وحضروا وحضروا ابراهيم قالوا اانت فعلت هذا بالهتنا يا ابراهيم؟ قال بل فعله كبيرهم هذا. مشيرا الى الصنم الذي سلم من تكسيره وهم في هذا بين امرين اما ان يعترفوا بالحق وان هذا لا يدخل عقل احد ان جمادا معروفا من مواد معروفة لا يمكن ان يفعل هذا الفعل واما ان يقولوا نعم هو الذي فعلها وانت سالم ناج من تبعتها. وقد علم انهم لا يقولون الاحتمال الاخير. قال فاسألوهم ان كانوا ينطقون. وهذا تعليق بالامر الذي يعترفون انهم محال. فحين اذ ظهر الحق وبان. واعترفوا هم بالحق. فرجعوا الى انفسهم فقالوا انكم انتم هم الظالمون ثم نكسوا على رؤوسهم اي ما كان اعترافهم ببطلان الهيتها الا وقتا قصيرا. ظهرت الحجة فمباشرة التي لا يمكن مكابرتها. ولكن ما اسرع ما عادت عليهم عقائدهم الباطلة التي رسخت في قلوبهم صفات ملازمة ان وجد ما ينافيها فانه عارض يعرض ثم يزول. ثم نكسوا على رؤوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون. فحينئذ وبخهم بعد اقامة الحجة التي اعترف بها الخصوم على رؤوس الاشهاد. فقال لهم تعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم اف لكم ولما تعبدون من دون الله افلا تعقلون فلو كان لكم عقول صحيحة لم تقيموا على عبادة ما لا ينفع ولا يضر ولا يدفع عن نفسه من يريده بسوء. فلما اعيته المقاومة بالبراهين والحجج عدلوا الى استعمال قوتهم وبطشهم وجبروتهم في عقوبة ابراهيم فقالوا حرقوه طوروا الهتكم ان كنتم فاعلين. فاوقدوا نارا عظيمة جدا. فالقوه بها. وقال وهو في تلك الحال حسبي الله ونعم الوكيل. فقال الله للنار يا نار كوني بردا وسلاما على ابراهيم. فلم تضره بشيء. وارادوا به كيدا لينصروا الهتهم. ويقيموا لها في قلوبهم وقلوب اتباعهم الخضوع والتعظيم. فكان مكرهم وبالا عليهم وكان انتصارهم لالهتهم نصرا عظيما عند الحاضرين والغائبين والموجودين والحادثين عليهم. وانتصر الخليل على الخواص والعوام والرؤساء والمرؤوسين. حتى ان ملكهم حاج ابراهيم في ربه بغيا وطغيانا. ان اتاه الله الملك. فقال ابراهيم ربي الذي يحيي ويميت. قال انا احيي واميت. فالزمه الخليل بطرد دليله بالتصرف اطلاق. فقال فان الله يأتي بالشمس من المشرق. فاتي بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم ظالمين فصل. ثم خرج من بين اظهرهم مهاجرا وزوجته وابن اخيه لوط الى الديار الشامية. وفي اثناء مدة اقامته بالشام ذهب الى مصر بزوجته سارة. وكانت احسن امرأة على الاطلاق. فلما رآها ملك مصر وكان جبارا عنيد ده لم يملك نفسه حتى ارادها على نفسها. فدعت الله عليه فكاد ان يموت. ثم اطلق ثم عاد ثانية وكلما ارادها دعت عليه فصرع ثم دعت عليه فاطلق فكفاها الله شره. ووهب لها هاجر جارية قبطية. وكانت عاقرا منذ كانت شابة فوهبت هذه الجارية لابراهيم ليتسررها لعل الله يرزقه منها ولدا. فاتت هاجر باسماعيل على كبر ابراهيم ففرح به فرحا شديدا. وكانت سارة رضي الله عنها ادركتها الغيرة فحلفت ان لا يساكن قناها بها. وذلك لما يريده الله. وهذا من جملة الاسباب لذهابه بها الى موضع البيت الحرام. والا فهو متقرر عنده صلى الله عليه وسلم. فذهب بها وبابنها اسماعيل الى مكة. وهي في ذلك الوقت ليس فيها ساكن ولا مسكن ولا ماء ولا زرع ولا غيره وزودها بسقاء فيه ماء. وجراب فيه تمر ووضعهما عند دوحة قريبة من محل بئر زمزم. ثم قفى اعنهما فلما كان في الثنية بحيث يشرف عليهما دعا الله تعالى فقال ربنا اني اسكنت من ذريتي واد غير ذي زرع عند بيتك المحرم. ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل افئدة من الناس تهوي اليك وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون. الى اخر الدعاء ثم استسلمت لامر الله وجعلت تأكل من ذلك التمر وتشرب من ذلك الماء حتى نفد. فعطشت ثم عطش ولدها فجعل يتلوى من العطش. ثم ذهبت في تلك الحال لعلها ترى احد غدا او تجد مغيثا فصعدت ادنى جبل منها وهو الصفا. فتطلعت فلم ترى احدا. ثم ذهبت الى المروة فصعدت عليه فتطلعت فلم ترى احدا ثم جعلت تتردد في ذلك الموضع وهي مكروبة مضطرة مستغيثة بالله لها ولابنها وهي تمشي يلفت اليه خشية السباع عليه. فاذا هبطت الوادي سعت حتى تصعد من جانبه الاخر. لان لا يخفى على بصرها ابنها. والفرج مع كرب والعسر يتبعه اليسر. فلما تمت سبع مرات تسمعت حس الملك. فبحث في الموضع الذي فيه زمزم فنبع الماء اشتد فرح ام اسماعيل به فشربت منه وارضعت ولدها. وحمدت الله على هذه النعمة الكبرى. وحوطت على الماء لئلا يسيح قال النبي صلى الله عليه وسلم رحم الله ام اسماعيل لو تركت ماء زمزم اي لم تحوطه لكانت زمزم عينا معينا ثم عثر بها قبيلة من قبائل العرب يقال لهم جرهم. فنزلوا عندها وتمت عليهم النعمة. وشب اسماعيل شبابا حسنا واعجب القبيلة باخلاقه وعلو همته وكماله. فلما بلغ تزوج منهم امرأة ففي اثناء هذه المدة ماتت امه رضي الله عنها وجاء ابراهيم بغيبة اسماعيل يتصيد. فدخل على امرأته فسألها عن زوجها وعن عيشهم. فاخبرته ان قد ذهب يتصيد وان عيشهم عيش الشدة فقال لها اذا جاء زوجك فاقرئيه مني السلام وقولي له يغير عتبك ثبت بابه ورجع من ثوره لحكمة ارادها الله. فلما جاء اسماعيل كانه انس شيئا. فسأل امرأته فاخبرته انه جاءهم شيء بهذا الوصف وانه سأل عنك فاخبرته. وسألنا عن عيشنا فاخبرته اننا في شدة. وانه يقرأ عليك السلام. ويقول لك غير عتبة بابك. فقال ذاك ابي وانت العتبة. الحقي باهلك. ثم تزوج اسماعيل غيرها. ثم جاء ابراهيم مرة اخرى واسماعيل ايضا في الصيد. فدخل على امرأته فسألها عن اسماعيل فاخبرته. وسألها عن عيشهم. فاخبرته انهم في نعمة وخير. وكانت امرأة طيبة شاكرة لله. وشاكرة لزوجها. ثم قال لها اذا جاء زوجك فاقرئي عليه الام وقولي له يثبت عتبة بابه. ثم رجع ايضا من فوره قبل مواجهة اسماعيل لحكمة ارادها الله تعالى. فلما رجع اسماعيل من صيده قال هل جاءكم من احد؟ فقالت جاءنا شيخ بهذا الوصف. فقالت سألنا عنك فاخبرته. وسألنا عن عيشنا انى في نعمة واثنيت على الله. فقال فما قال؟ قال هو يقرأ عليك السلام. ويأمرك ان تثبت عتبة بابك. فقال ابي وانت العتبة امرني ان امسكك. ثم عاد ابراهيم المرة الثالثة فوجد اسماعيل يبري نبلا عند زمزم. فلما رآه وقام اليه فصنعا كما يصنع الوالد الشفيق والولد الشفيق. فقال يا اسماعيل ان الله امرني ان ابني ها هنا بيتا يكون ومعبدا للخلق الى يوم القيامة. قال ساعينك على ذلك. فجعلا يرفعان القواعد من البيت. ابراهيم يبني واسماعيل اوله الحجارة وهما يقولان ربنا تقبل منا انك انت السميع العليم. ربنا واجعلنا مسلمين لك من ذريتنا امة مسلمة لك. وارنا مناسكنا وتب علينا انك انت التواب الرحيم. ربنا وضعت فيهم رسولا منهم يتلو عليهم اياتك. ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم. انك انت العزيز الحكيم. فلما تم بنيانه وتم للخليل هذا الاثر الجليل امره الله ان يدعو الناس ويؤذن فيهم بحج هذا بيت فجعل يدعو الناس وهم يفدون الى هذا البيت من كل فج عميق. ليشهدوا منافع دنياهم واخراهم. ويسعدوا ويزول عنهم شقاؤهم. وفي هذه الاثناء حين تمكن حب اسماعيل من قلبه واراد الله ان يمتحن ابراهيم لتقديم محبة ربه وخلته التي لا تقبل المشاركة والمزاحمة. فامره في المنام ان يذبح اسماعيل. ورؤيا الانبياء وحي من الله. فقال قال لاسماعيل اني ارى في المنام اني اذبحك فانظر ماذا ترى. قال يا ابتي افعل ما تؤمر ستجدني ان شاء الله من الصابرين. فلما اسلما اي خضع لامر الله وانقاد لامره ووطنا انفسهما على هذا الامر المزعج الذي لا تكاد النفوس تصبر على عشر معشاره. وتلهو للجبين. نزل الفرج من الرحمن الرحيم. وناديناه ان يا ابراهيم قد صدقت الرؤيا فحصل توطين النفس على هذه المحنة والبلوة الشاقة المزعجة. وحصلت المقدمات والجزم المصمم وتم لهما الاجر والثواب وحصل لهما الشرف والقرب والزلفة من الله. وما ذلك من الطاف الرب بعزيز. قال تعالى انا كذلك نجزي المحسنين. ان هذا لهو البلاء المبين. وفديناه بذبح عظيم واي ذبح اعظم من كونه حصل به مقصود هذه العبادة التي لا يشبهها عبادة وصار سنة في عقبه الى يوم القيامة يتقرب به الى الله ويدرك به ثوابه ورضاه. وتركنا عليهم في الاخرين. سلام على ابراهيم فصل ثمان الله اتم النعمة على ابراهيم ورحم زوجته سارة على الكبر والعقم واليأس. بالبشارة بالابن وهو اسحاق ومن وراء اسحاق يعقوب. فحين ارسل الله لوطا الى قومه وتمردوا عليه وحطم الله عقوبتهم لوط صلى الله عليه وسلم تلميذا لابراهيم. ولابراهيم عليه حقوق كثيرة. فمرت الملائكة الذين ارسلوا لاهلاك قوم لوط بابراهيم بسورة ادميين. فلما دخلوا عليه وسلموا رد عليهم السلام وبادرهم بالضيافة. وكان الله قد طه الرزق الواسع والكرم العظيم. وكان بيته مأوى للأضياف. فبالحال راغ الى اهله بسرعة وخفية منهم. فجاء بعجل ثمين محنوذ مشوي على الردف فقربه اليهم فقال الا تأكلون؟ فلما رأى ايديهم لا تصل اليه نكرهم واوجسهم فمنهم خيفة. اذ ظن انهم لصوص. قالوا لا تخف انا ارسلنا الى قوم لوط. وكانت سارة قائمة في خدمتهم وبشروه بغلام عليم. فصرخت صارت وصكت وجهها متعجبة ومستبشرة ومترددة ومتحيرة. فقالت االد انا عجوز وقبل ذلك كنت عقيما. وهذا بعلي شيخا. ان هذا لشيء عجيب. قالوا اتعجبين من امر الله؟ رحمة الله وبركاته عليكم اهل البيت انه حميد مجيد. فبشروهما باسحاق وانه يعيش ويولد له يعقوب ويدركانه. ولهذا حمد الله ابراهيم على تمام نعمته. فقال الحمد لله الذي وهب لي على الكبر اسماعيل واسحاق. ان ربي لسميع الدعاء فصل فيما في قصة الخليل من الفوائد. ليعلم ان جميع ما قصه الله علينا من سيرة ابراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم فاننا مأمورون به امرا خاصا. قال تعالى ملة ابيكم ابراهيم اي الزموها. ثم اوحينا اليك ان اتبع ملة ابراهيم حنيفا. قد كانت لكم اسوة حسنة في ابراهيم والذين معه. اذ قالوا لقومهم الان اية فما هو عليه في التوحيد والاصول والعقائد والاخلاق وجميع ما قص علينا من نبأه فان اتباعنا اياه من ديننا ولهذا لما كان هذا امرا عاما لاحواله كلها استثنى الله حالة من احواله فقال الا قول ابراهيم لابيه لاستغفرن لك. اي فلا تقتدوا به في هذه الحال بالاستغفار للمشركين. فان استغفار ابراهيم لابيه انما كان عن موعدتي وعدها اياه. فلما تبين له انه عدو لله تبرأ منه. ومنها ان الله اتخذه خليلا. والخلة واعلى درجات المحبة وهذه المرتبة لم تحصل لاحد من الخلق الا للخليلين ابراهيم ومحمد صلى الله عليهما وسلم لم ومنها ما اكرمه الله به من الكرامات المتنوعة جعل في ذريته النبوة والكتاب واخرج من صلبه امتين هما الامم العرب وبنو اسرائيل واختاره الله لبناء بيته الذي هو اشرف بيت واول بيت وضع للناس ووهب له الاولاد بعد الكبر واليأس. ملأ بذكره ما بين الخافقين. وامتلأت قلوب الخلق من محبته والسنتهم من الثناء عليه منها ان الله رفعه بالعلم واليقين وقوة الحجج. قال جل ذكره وكذلك نري ابراهيم ملكوت السماوات والارض ليكون من الموقنين. وقال وتلك حجتنا اتيناها ابراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء ان ربك حكيم عليم. ومن شوقه الى الوصول الى غاية العلم ونهايته. ان سأل ربه رب ارني كيف فتحي الموتى. قال اولم تؤمن؟ قال بلى ولكن ليطمئن قلبي. قال فخذ اربعة من الطير. فصرهن اليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا. واعلم ان الله عزيز حكيم ومنها ان من عزم على فعل الطاعات وبذل مقدوره في اسبابها ثم حصل مانع يمنع من اكمالها ان اجره قد وجب على الله كما قال الله ذلك في المهاجر الذي يموت قبل ان يصل الى مهاجره. وكما ذكره الله في قصة الذبح. وان الله اتم اجر لابراهيم واسماعيل حين اسلما لله واذعنا لامره. ثم رفع عنهما المشقة واوجب لهما الاجر الدنيوي والاخروي ومنها ما في قصصه من اداب المناظرة وطرقها ومسالكها النافعة. وكيفية الزام الخصم بالطرق الواضحة التي يعترف بها اهل العقول والجاؤه الخصم الالد الى الاعتراف ببطلان مذهبه. واقامة الحجة على المعاندين وارشاد المسترشدين ومنها ان من نعمة الله على العبد هبة الاولاد الصالحين. وان عليه في ذلك ان يحمد الله ويدعو الله لذريته كما فعل الخير صلى الله عليه وسلم في قوله الحمدلله الذي وهب لي على الكبر اسماعيل واسحاق. الى اخر الدعاء. وقال جل ذكره اكره في الثناء عموما على من يدعو الله بصلاح ذريته حتى اذا بلغ اشده وبلغ اربعين سنة. قال رب اوزعني ان اشكر نعمتك التي انعمت علي وعلى والدي. وان اعمل صالحا ترضاه واصلح لي في ذريتي اني تبت اليك واني من المسلمين. فان العبد اذا مات انقطع عمله الا من ثلاث صدقة جارية او علم ينتفع به او ولد صالح يدعو له. ومنها ان المشاعر ومواضع الانساك من جملة الحكم فيها ان فيها تذكيرات بمقامات الخير ليلي واهل بيته في عبادات ربهم وايمان بالله ورسله وحث على الاقتداء بهم في كل احوالهم الدينية لقوله تعالى قال واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى. ومنها ان الامر بتطهير المسجد الحرام من الانجاس. ومن جميع المعاصي القولية والفعلية تعظيما لله واعانة وتنشيطا للمتعبدين فيه. ومثله بقية المساجد لقوله عز وجل طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود. وقال ببيوت اذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه ومنها ان افضل الوصايا على الاطلاق ما وصى به ابراهيم بنيه ويعقوب وهي الوصية بملازمة القيام بالدين وتقوى الله والاجتماع على ذلك وهي وصيته تعالى للاولين والاخرين اذ بها السعادة الابدية والسلامة من شرور الدنيا والاخرة ومنها ان العامل كما عليه ان يتقن عمله ويجتهد في ايقاعه على اكمل الوجوه فعليه مع ذلك ان يكون بين الخوف والرجاء. وان يتضرع الى ربه في قبوله وتكميل نقصه. والعفو عما وقع فيه من خلل او نقص كما كان ابراهيم واسماعيل يرفعان القواعد من البيت وهما بهذا الوصف الكامل. ومنها ان الجمع بين الدعاء لله بمصالح الدنيا والدين. من سبيل انبياء الله وكذلك السعي في الدين هو الاصل والمقصود الذي خلق له الخلق. والدنيا وسيلة ومعونة عليه. لدعاء الخليل لاهل البيت الحرام امرين وتعليله الدعاء بالامور الدنيوية انه وسيلة الى الشكر. فقال وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ومنها ما اشتملت عليه قصة ابراهيم من مشروعية الضيافة وادابها. فان الله اخبر عن ضيفه انهم مكرمون يعني انهم كرماء على الله. وايضا ابراهيم اكرمهم بضيافته قولا وفعلا فاكرام الضيف من الايمان وانه خدمهم بنفسه وبادر بضيافتهم قبل كل شيء. واتى باطيب ما له عجل حنيذ سمين وقربه اليهم ولم يحوجهم الى الذهاب الى عمل اخر وعرض عليهم الاكل بلفظ رقيق. فقال الا تأكلون ومنها مشروعية السلام وان المبتدأ فيه هو الداخل وهو الماشي انه يجب رده ومشروعية الوقوف على اسم من يتصل بك من صاحب ومعامل وضيف. لقوله قوم منكرون اي لا اعرفكم فاحب ان تعرفوني بانفسكم. وهذا الطف من قوله انكرتكم ونحوه. ومنها الترغيب في ان يكون اهل الانسان ومن يتولى شؤون بيته حازنين مستعدين لكل ما يرد منهم من الشؤون. والقيام بمهمات البيت. فان ابراهيم في بادر الى اهله فوجد طعام ضيوفه حاضرا لا يحوج الى تقديمه ومنها ان اتيان الولد والبشارة به من سارة وهي عجوز عقيم يعد معجزة لابراهيم وكرامة لسارة ففيه معجزة بين وكرامة ولي. ونظيره بشارة الملائكة لمريم بعيسى. وبشارتهم بيحيى لزكريا وزوجته. وكون زكريا جعل الله اية وجود المبشر به الا يكلم الناس ثلاثة ايام. وهو سوي لا افة فيه الا بالرمز والاشارة. وكل هذا وما اشبهه من ايات الله. واعجب من هذا ايجاده ادم من تراب. فسبحان من هو على كل شيء قدير ومنها ثناء الله على ابراهيم. انه اتى ربه بقلب سليم. وقد قال يوم لا ينفع مال ولا بنون الا يا من اتى الله بقلب سليم. والجامع لمعناه انه سليم من الشرور كلها. ومن اسبابها ملآن من والبر والكرم. سليم من الشبهات القادحة في العلم واليقين ومن الشهوات الحائلة بين العبد وبين كماله. سليم من الكبر ومن الرياء والشقاق والنفاق وسوء الاخلاق وسليم من الغل والحقد. ملآن بالتوحيد والايمان والتواضع للحق وللخلق. والنصيحة للمسلمين والرغبة في عبودية الله وفي نفع عباد الله. ومنها ما ذكره في قصة نوح وابراهيم وموسى وهارون والياس سلام على نوح في العالمين. سلام على ابراهيم اتبعها بقوله انا كذلك نجزي المحسنين فوعد الباري ان كل محسن في عبادته محسن الى عباده ان الله يجزيه الثناء الحسن. والدعاء من العالمين بحسب احسانه وهذا ثواب عاجل واجل. وهو من البشرى في الحياة الدنيا. ومن علامات السعادة