دفع حاجة المعطى تريدون بذلك وجه الله؟ اي المضاعف لهم الاجر الذين تربوا نفقاتهم عند الله ويربيها الله لهم حتى تكون شيئا كثيرا. ودل قوله وما اتيتم من زكاة ان الصدقة المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم فلكم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم وهو العزيز الرحيم. كانت الفرس والروم في ذلك الوقت من اقوى دول الارض وكان يكون بينهما من الحروب والقتال. ما يكون بين الدول المتوازنة. وكانت الفرس مشركين يعبدون النار. وكانت الروم اهل كتاب ينتسبون الى التوراة والانجيل. وهم اقرب الى المسلمين من الفرس. فكان المؤمنون يحبون غلبتهم وظهورهم على الفرس. وكان مشركون لاشتراكهم والفرس في الشرك يحبون ظهور الفرس على الروم. فظهر الفرس على الروم فغلبوهم غلبا لم يحطم ملكهم بل بادنى ارضهم ففرح بذلك مشركوا مكة وحزن المسلمون. فاخبرهم الله ووعدهم ان الروم ستغلب الفرس في بضع سنين تسع او ثمان ونحو ذلك مما لا يزيد على العشر ولا ينقص عن الثلاث. وان غلبة الفرس للروم ثم غلبة الروم للفرس. كل ذلك بمشيئته وقدره. ولهذا قال فليس الغلبة والنصر لمجرد وجود الاسباب. وانما هي لابد ان يقترن بها القضاء اول قدر ويومئذ اي يوم يغلب الروم الفرس ويقهرونهم. يفرح المؤمنون بنصر الله. ينصر من يشاء. اي يفرحون بانتصارهم على الفرس وان كان الجميع كفارا. ولكن بعض الشر اهون من بعض. ويحزن يومئذ المشركون وهو العزيز الذي له العزة التي قهر بها الخلائق اجمعين. يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء. ويعز من من يشاء ويذل من يشاء. الرحيم بعباده المؤمنين. حيث قيد لهم من الاسباب التي تسعدهم وتنصرهم. ما لا يدخل في الحساب وعد الله لا يخلف الله وعده. فتيقنوا ذلك واجزموا به. واعلموا انه لا بد من وقوعه. فلما نزلت هذه الايات التي فيها هذا الوعد في كتاب الله الى يوم البعث. لقد لبثتم في كتاب الله اي في قضائه وقدره الذي كتبه الله عليكم. وفي الى يوم البعث اي عمرتم عمرا يتذكر فيه المتذكر. ويتدبر فيه المتدبر. ويعتبر فيه المعتبر. حتى صار البعث بها المسلمون وكفر بها المشركون. حتى تراهن بعض المسلمين وبعض المشركين على مدة سنين عينوها. فلما جاء الاجل الذي ضربهم الله انتصر الروم على الفرس واجلوهم من بلادهم التي اخذوها منهم وتحقق وعد الله. وهذا من الامور الغيبية التي اخبر الله بها قبل وقوعها ووجدت في زمان من اخبرهم الله بها من المسلمين والمشركين ولكن اكثر الناس لا يعلمون ان ما وعد الله به حق. فلذلك يوجد فريق منهم يكذبون بوعد الله. ويكذبون اياته وهؤلاء الذين لا يعلمون اي لا يعلمون بواطن الاشياء وعواقبها وانما يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا فينظرون الى الاسباب ويجزمون بوقوع الامر الذي فيه برأيهم انعقدت اسباب وجوده ويتيقنون عدم الامر الذي لم يشاهدوا له من الاسباب المقتضية لوجوده شيئا. فهم واقفون مع الاسباب خير ناظرين الى مسببها المتصرف فيها. قد توجهت قلوبهم واهوائهم الى الدنيا وشهواتها وحطامها. فعملت لها وسعت واقبلت بها وادبرت. وغفلت عن الاخرة. فلا الجنة تشتاق اليها ولا النار تخافها وتخشاها. ولا المقام بين يدي الله ولقائه يروعها ويزعجها. وهذا علامة الشقاء. وعنوان الغفلة يعني الاخرة ومن العجب ان هذا القسم من الناس قد بلغت بكثير منهم الفطنة والذكاء في ظاهر الدنيا الى امر يحير العقول ويدهش الالباب واظهروا من العجائب الذرية والكهربائية والمراكب البرية والبحرية والهوائية. ما فاقوا به وبرزوا واعجبوا بعقولهم ورأوا غيرهم عاجزا عما اقدرهم الله عليه. فنظروا اليهم بعين الاحتقار والازدراء. وهم مع ذلك ابلد الناس في امر دينهم. واشد غفلة عن اخرتهم واقلهم معرفة بالعواقب. قد رآهم اهل البصائر النافذة في جهلهم يتخبطون وفي ضلالهم يعمهون وفي باطلهم يترددون نسوا الله فانساهم انفسهم اولئك هم الفاسقون. ثم نظروا الى ما اعطاهم الله واقدرهم عليه. من الافكار الدقيقة في الدنيا وظاهرها. وما حرموا من العقل العالي. فعرفوا ان الامر لله. والحكم له في عباده. وان هو الا توفيقه هو خذلانه فخافوا ربهم وسألوه ان يتم لهم ما وهبهم. من نور العقول والايمان حتى يصلوا اليه ويحلوا بساحته. وهذه لو قارنها الايمان وبنيت عليه لاثمرت الرقي العالي والحياة الطيبة. ولكنها لما بني كثير منها على الالحاد لم تثمر الا هبوط الاخلاق واسباب الفناء والتدمير اي افلم يتفكر هؤلاء المكذبون لرسول الله ولقائه في انفسهم فان في انفسهم ايات يعرفون بها ان الذي اوجدهم من العدم سيعيدهم بعد ذلك. وان الذي نقلهم اطوارا من نطفة الى علقة الى مضغة الى ادمي قد نفخ فيه الروح الى طفل الى شاب الى شيخ الى هرم غير لائق ان يتركهم سدى لا ينهون ولا يؤمرون ولا يثابون ولا يعاقبون ما خلق الله السماوات والارض وما بينهما الا بالحق. اي ليبلوكم ايكم احسن عملا واجل مسمى اي مؤقت بقاؤهما الى اجل تنقضي به الدنيا وتجيء به القيامة وتبدل الارض غير الارض والسماوات فلذلك لم يستعدوا للقائه ولم يصدقوا رسله التي اخبرت به وجاء آآ وهذا الكفر عن غير دليل. بل الادلة القاطعة قد دلت على البعث والجزاء. ولهذا نبههم على السير في الارض والنظر في عاقبة الذين كذبوا رسلهم وخالفوا امرهم ممن هم اشد من هؤلاء قوة واكثر اثارا في الارض من بناء قصور ومصانع ومن غرس ومن زرع واجراء انهار. فلم تغني عنهم قوتهم ولا نفعتهم اثارهم. حين كذبوا رسلهم الذين جاءوهم بالبينات الدالة على الحق وصحة ما جاءوهم به فانهم حين ينظرون في اثار اولئك لم يجدوا الا امما بائدة وخلقا مهلكين ومنازل بعدهم وذما من الخلق عليهم متتابع. وهذا جزاء معجل. نموذج للجزاء الاخروي ومبتدأ له. وكل هذه الامم مهلكة لم يظلمهم الله بذلك الاهلاك. وانما ظلموا انفسهم وتسببوا في هلاكها ثم كان عاقبة الذين اساءوا السوء اي الحالة السيئة الشنيعة وصار ذلك داعيا لهم لان كذبوا بايات الله فهذا عقوبة لسوءهم وذنوبهم. ثم ذلك الاستهزاء والتكذيب يكون سببا لاعظم من عقوبات واعظم المثلات ويوم تقوم الساعة يجلس وكانوا بشركائهم كافرين. يخبر تعالى انه المتفرد بابداء المخلوقات. ثم يعيدهم ثم اليه يرجعون بعد اعادتهم ليجزيهم باعمالهم. ولهذا ذكر جزاء اهل الشر ثم جزاء اهل الخير فقال ويوم تقوم ساعة ان يقوم الناس لرب العالمين ويريدون القيامة عيانا يومئذ يبلس المجرمون. اي ييأسون من كل خير ذلك انهم ما قدموا لذلك اليوم الا الاجرام. وهي الذنوب من كفر وشرك ومعاصي. فلما قدموا اسباب العقاب ولم يخلطوها بشيء من الثواب ايسوا وابلسوا وافلسوا. وضل عنهم ما كانوا يفترون. من نفع شركائهم. وانهم يشفعون لهم. ولهذا قال ولم يكن لهم من شركائهم التي عبدوها مع الله شفعاء تبرأ المشركون ممن اشركوهم مع الله وتبرأ المعبودون قالوا تبرأنا اليك ما كانوا ايانا يعبدون. والتعنوا وابتعدوا. ويوم تقوم الساعة يومئذ وفي ذلك اليوم يفترق اهل الخير والشر. كما افترقت اعمالهم في الدنيا فاما الذين امنوا وعملوا الصالحات امنوا بقلوبهم صدقوا ذلك بالاعمال الصالحة فهم في روضة فيها سائر انواع النبات واصناف المشتهيات يحظرون اي يسرون وينعمون اكل اللذيذة والاشربة والحور الحسان والخدم والولدان والاصوات المطربات والسماع المشجي والمناظر المعجبة والروائح الطيبة والفرح والسرور واللذة والحبور مما لا يقدر احد ان يصفه فاولئك في العذاب محضرون. واما الذين كفروا وجحدوا نعمه وقابلوها بالكفر. وكذبوا باياتنا التي جاءتهم بها رسلنا محضرون فيه قد احاطت بهم جهنم من جميع جهاتهم. واطلع العذاب الاليم على افئدتهم. وشوى الحمير وجوههم وقطع امعائهم. فاين الفرق بين الفريقين؟ واين التساوي بين المنعمين والمعذبين هذا اخبار عن تنزهه عن السوء والنقص. وتقدسه عن ان يماثله احد من الخلق. وامر للعباد ان يسبحوه حين يمسون حين يصبحون ووقت العشي ووقت الظهيرة. فهذه الاوقات الخمسة اوقات الصلوات الخمس. امر الله عباده بالتسبيح فيها والحمد ويدخل في ذلك الواجب منه كالمشتملة عليه الصلوات الخمس. والمستحب كاذكار الصباح والمساء وادبار الصلوات. وما يقترن من النوافل لان هذه الاوقات التي اختارها الله لاوقات المفروضات هي افضل من غيرها. فالتسبيح والتحميد فيها والعبادة فيها افضل من غيرها بل العبادة وان لم تشتمل على قول سبحان الله فان الاخلاص فيها تنزيه لله بالفعل ان يكون له شريك في العبادة وان يستحق احد من الخلق ما يستحقه من الاخلاص والانابة يخرج الحي من الميت كما يخرج النبات من الارض الميتة السنبلة من الحبة والشجرة من النواة والفرخ من البيضة والمؤمن من الكافر ونحو ذلك. ويخرج الميت من الحي المذكور. ويحي الارض بعد موتها فينزل عليها وهي ميتة هامدة. فاذا انزل عليها الماء اهتزت وربت. وانبتت من كل زوج بهيج وكذلك تخرجون من قبوركم. فهذا دليل قاطع وبرهان ساطع. ان الذي احيا الارض بعد موتها فانه يحيي الاموات فلا فرق في نظر العقل بين الامرين ولا موجب لاستبعاد احدهما مع مشاهدة الاخر هذا شروع في تعداد اياته الدالة على انفراده بالاله هي وكمال عظمته ونفوذ مشيئته وقوة اقتداره وجميل صنعه وسعة رحمته واحسانه. فقال ومن اياته في ان خلقكم من تراب وذلك بخلق اصل النسل. ادم عليه السلام اي الذي خلقكم من اصل واحد ومادة واحدة. وبثكم في اقطار الارض وارجائها. ففي ذلك ايات على ان الذي انشأكم من هذا اصلي وبثكم في اقطار الارض هو الرب المعبود. الملك المحمود والرحيم الودود الذي سيعيذكم بالبعث بعد الموت اياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة ومن اياته الدالة على رحمته وعنايته بعباده وحكمته العظيمة وعلمه المحيط. ان خلق لكم من انفسكم ازواجا تناسبكم وتناسبونهن. وتشاكلكم وتشاكلونهن لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة. بما رتب على الزواج من الاسباب الجالبة للمودة واحنا فحصل بالزوجة الاستمتاع واللذة والمنفعة بوجود الاولاد وتربيتهم. والسكون اليها. فلا تجد بين احد في الغالب مثل ما بين الزوجين من المودة والرحمة. يعملون افكارهم وهم ويتدبرون ايات الله وينتقلون من شيء الى شيء والعالمون هم اهل العلم الذين يفهمون العبر ويتدبرون الايات. والايات في ذلك كثيرة. ومن ايات خلق السماوات والارض وما فيهما. ان ذلك دال على عظمة الله وكمال اقتداره الذي اوجد هذه المخلوقات العظيمة. وكمال حكمته لما فيها من الاتقان وسعة علمه. لان الخالق لابد ان يعلم ما خلقه. الا يعلم من خلق وعموم رحمته وفضله لما في ذلك من المنافع الجليلة. وانه المريد الذي يختار ما يشاء لما فيها من التخصيصات والمزايا. وانه وحده الذي يستحق ان يعبد ويوحد. لانه المنفرد بالخلق. فيجب ان يفرد بالعبادة كل هذه ادلة عقلية. نبه الله العقول اليها وامرها بالتفكر واستخراج العبرة منها. وكذلك في اختلاف السنتكم والوانكم على كثرتكم وتباينكم مع ان الاصل واحد ومخارج الحروف واحدة. ومع ذلك لا تجد صوتين متفقين من كل وجه ولا لونين متشابهين من كل وجه الا وتجد من الفرق بين ذلك ما به يحصل التمييز. وهذا دال على كمال قدرته ونفوذ مشيئته ومن عنايته بعباده ورحمته بهم ان قدر ذلك الاختلاف. لان لا يقع التشابه فيحصل الاضطراب. ويفوت كثير من المقاصد والمطالب اي سماع تدبر وتعقل للمعاني والايات في ذلك ان ذلك دليل على رحمة الله تعالى. كما قال ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه. ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون. وعلى تمام حكمته اذ حكمته اقتضت سكون الخلق في وقت ليستريحوا به ويستجموا وانتشارهم في وقت لمصالحهم الدينية والدنيوية. ولا يتم ذلك الا بتعاقب الليل والنهار عليهم. والمنفرد بذلك هو المستحق للعبادة اي ومن اياته ان ينزل عليكم المطر الذي تحيا به البلاد والعباد. ويريكم قبل نزوله مقدماته من الرعد والبرق الذي يخاف ويطمع فيه. ان في ذلك لايات دالة على عموم باحسانه وسعة علمه وكمال اتقانه وعظيم حكمته. وانه يحيي الموتى كما احيا الارض بعد موتها. لقوم يعقلون اي لهم عقول تعقل بها ما تسمعه. وتراه وتحفظه وتستدل به على ما جعل دليلا عليه تخرجون. اي ومن اياته العظيمة ان قامت السماوات والارض واستقرتا. وثبتتا بامره فلم تتزلزلا. ولم تسقط السماء على الارض فقدرته العظيمة التي بها امسك السماوات والارض ان تزول يقدر بها انه اذا دعا الخلق دعوة من الارض اذا فهم يخرجون لخلق السماوات والارض اكبر من خلق الناس وله من في السماوات والارض. الكل خلقه ومماليكه. المتصرف فيه من غير منازع ولا معاون ولا معارض. وكل هم قانتون لجلاله خاضعون لكماله وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده. وهو اي الاعادة للخلق بعد موتهم. اهون عليه من ابتداء خلقهم هذا بالنسبة الى الاذهان والعقول. فاذا كان قادرا على الابتداء الذي تقرون به كانت قدرته على الاعادة التي اهون اولى واولى ولما ذكر من الايات العظيمة ما به يعتبر المعتبرون. ويتذكر المؤمنون ويتبصر المهتدون. ذكر الامر العظيم والمطلب الكبير فقال وهو كل صفة كمال والكمال من تلك الصفة. والمحبة والانابة التامة الكاملة في قلوب عباده المخلصين. والذكر والعبادة منهم. فالمثل الاعلى هو وصفه الاعلى وما ترتب عليه. ولهذا كان اهل العلم يستعملون في حق الباري قياس اولى فيقولون كل صفة كمال في المخلوقات فخالقها احق بالاتصاف بها. على وجه لا يشاركه فيها احد وكل نقص في المخلوق ينزه عنه. فتنزيه الخالق عنه من باب اولى واحرى اي له العزة الكاملة والحكمة الواسعة فعزته اوجد بها المخلوقات واظهر المأمورات وحكمته اتقن بها ما صنعه احد فيها ما شرعه فيما رزقناكم فانتم فيه سواء تخافونهم تخافونهم كخيفتكم انفسكم. كذلك هذا مثل ضربه الله لقبح الشرك وتهجينه مثلا من انفسكم لا يحتاج الى حل وترحال واعمال الجمال. هل لكم مما ملكت ايمانكم من شركاء فيما رزقناكم؟ اي هل احد من عبيدكم دمائكم الارقاء يشارككم في رزقكم. وترون انكم وهم فيه على حد سواء اي كالاحرار الشركاء في الحقيقة الذين يخاف من قسمه واختصاص كل شيء بحاله. ليس الامر كذلك فانه ليس احد مما ملكت ايمانكم شريكا لكم فيما رزقكم الله تعالى. هذا ولستم الذين خلقتموهم ورزقتموهم. وهم ايضا مماليك مثلكم فكيف ترضون ان تجعلوا لله شريكا من خلقه؟ وتجعلونه بمنزلته وعديلا له في العبادة. وانتم لا ترضون مساواة مماليككم هذا من اعجب الاشياء. ومن ادل شيء على سفه من اتخذ شريكا مع الله. وان ما اتخذه باطل مضمحل. ليس مساويا لله ولا له من العبادة شيء. كذلك نفصل الايات توضيحها بامثلتها لقوم يعقلون الحقائق ويعرفون. واما من لا يعقل فلو فصلت له الايات وبينت له البينات لم يكن له عقل يبصر به ما تبين. ولا لب يعقل به ما توضح. فاهل العقول والالباب هم الذين يساق اليهم الكلام. ويوجه خطاب واذا علم من هذا المثال ان من اتخذ من دون الله شريكا يعبده ويتوكل عليه في اموره. فانه ليس معه من الحق شيء. فما الذي اوجب لهم الاقدام على امر باطل. توضح له بطلانه وظهر برهانه. لقد اوجب لهم ذلك اتباع الهوى. فلهذا قال من اتبع الذين ظلموا بغير علم فمن يهدي من اضل الله اه من اتبع الذين ظلموا اهواءهم بغير علم. هويت انفسهم الناقصة التي ظهر من نقصانها ما تعلق به هواها. امر يجزم العقل بفساده. والفطر برنده بغير علم دلهم عليه. ولا برهان قادهم اليه اي لا تعجبوا من عدم هدايتهم. فان الله تعالى اضلهم بظلمهم. ولا طريق لهداية من اضل الله. لانه ليس معارضا لله او منازعا له في ملكه. وما لهم من ناصرين ينصرونهم حين تحق عليهم كلمة العذاب وتنقطع بهم الوصل والاسباب والله التي فطر الناس عليها لا تبدين لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن ان اكثر الناس لا يعلمون. يأمر تعالى بالاخلاص له في جميع الاحوال. واقامة دينه. فقال فاقم وجهك انصبه ووجهه الى الدين الذي هو الاسلام والايمان والاحسان بان تتوجه بقلبك وقصدك وبدنك الى اقامة الشرائع الدين الظاهرة كالصلاة والزكاة والصوم والحج ونحوها. وشرائعه الباطنة كالمحبة والخوف والرجاء والانابة. والاحسان في الشرائع الظاهرة والباطنة بان تعبد الله فيها كانك تراه. فان لم تكن تراه فانه يراك. وخص الله اقامة الوجه. لان اقبال الوجه تبع لاقبال القلب ويترتب على الامرين سعي البدن. ولهذا قال حنيفا اي مقبلا على الله في ذلك معرضا عمن وهذا الامر الذي امرناك به هو ووضع في عقولهم واستقباح غيرها فان جميع احكام الشرع الظاهرة والباطنة قد وضع الله في قلوب الخلق كلهم الميل اليها فوضع في قلوبهم محبة الحق وايثار الحق. وهذا حقيقة الفطرة. ومن خرج عن هذا الاصل. فلعارض عرض لفطرته افسدها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم كل مولود يولد على الفطرة فابواه يهودانه او ينصرانه او يمجسانه لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن اكثر الناس لا يعلمون لا تبديل لخلق الله. اي لا احد يبدل خلق الله. فيجعل المخلوق على غير الوضع الذي وضعه الله. ذلك الذي امرنا به الدين ابن القيم اي الطريق المستقيم الموصل الى الله والى كرامته. فان من اقام وجهه للدين حنيفا فانه سالك الصراط المستقيم في جميع شرائعه وطرقه. فلا يتعرفون الدين القيم وان عرفوه لم يسلكوه منيبين اليه واتقوه. وهذا تفسير لاقامة الوجه للدين. فان الانابة انابة القلب وانجذاب دواعيه لمرض الله تعالى. ويلزم من ذلك حمل البدن بمقتضى ما في القلب. فشمل ذلك العبادات الظاهرة والباطنة. ولا يتم ذلك الا بترك المعاصي الظاهرة والباطنة. فلذلك قال واتقوه فهذا يشمل فعل المأمورات وترك المنهيات. وخص من المأمورات الصلاة لكونها تدعو الى الانابة والتقوى. لقوله تعالى واقم الصلاة ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر. فهذا اعانتها على التقوى. ثم قال ولذكر الله اكبر. فهذا حثها على الانابة. وخص من المنهيات اصلها. والذي لا يقبل ومعه عمل وهو الشرك فقال لكون الشرك مضادا للانابة التي روحها الاخلاص من كل وجه. ثم ذكر حالة المشركين مهجنا لها ومقبحا. فقال ثم كانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون من الذين فرقوا دينهم مع ان الاصل واحد وهو اخلاص العبادة لله وحده. وهؤلاء المشركون فرقوه منهم من يعبد الاوثان والاصنام ومنهم من يعبد الشمس والقمر ومنهم من يعبد الاولياء والصالحين. ومنهم يهود ومنهم نصارى. ولهذا قال وكانوا شيعا اي كل فرقة من فرق الشرك تألفت وتعصبت على نصر ما معها من الباطل. ومنابذة غيرهم ومحاربتهم كل حزب بما لديه من العلوم المخالفة لعلوم الرسل فرحون به يحكمون لانفسهم بانه الحق. وان غيرهم على باطل. وفي هذا تحذير للمسلمين من تشتتهم وتفرقهم فرقا كل فريق يتعصب لما معهم من حق وباطل. فيكونون مشابهين بذلك للمشركين في التفرق. بل الدين واحد والرسول واحد الاله واحد واكثر الامور الدينية وقع فيها الاجماع بين العلماء والائمة والاخوة الايمانية قد عقدها الله وربطها تم ربط فما بال ذلك كله يلغى ويبنى التفرق والشقاق بين المسلمين على مسائل خفية او فروع خلافية بها بعضهم بعضا. ويتميز بها بعضهم عن بعض. فهل هذا الا من اكبر نزغات الشيطان واعظم مقاصده التي كاد بها المسلم وهل السعي في جمع كلمتهم وازالة ما بينهم من الشقاق المبني على ذلك الاصل الباطل الا من افضل الجهاد في سبيل سبيل الله وافضل الاعمال المقربة الى الله. ولما امر تعالى بالانابة اليه وكان المأمور بها هي الانابة الاختيارية. التي تكون وفي حالي العسر واليسر والسعة والضيق. ذكر الانابة الاضطرارية التي لا تكون مع الانسان الا عند ضيقه وكربه. فاذا زال عنه ضيق نبذها وراء ظهره وهذه غير نافعة. فقال واذا مس الناس ضر مرض او خوف من ونحو دعوا ربهم منيبين اليه. ونسوا ما كانوا به يشركون في تلك الحال. لعلمهم انه لا يكشف الضر الا الله. ثم فاذا اذاقهم منه رحمة شفاهم من مرضهم وامنهم من خوفهم. اذا فريق منهم ينقضون تلك الانابة التي صدرت منهم ويشركون به من لا دفع عنهم ولا اغنى. ولا افقر ولا اغنى. وكل هذا كفر بما اتاهم الله ومن بهم عليه. حيث انجاهم وانقذهم من الشدة وازال عنهم المشقة. فهلا قابلوا هذه النعمة الجليلة بالشكر والدوام على الاخلاص له في جميع الاحوال انزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون. ام انزلنا عليهم سلطانا انا اي حجة ظاهرة فهو اي ذلك السلطان. ويقول له اثبتوا على شرككم واستمروا على شككم. فانما انتم عليه هو الحق. وما دعتكم الرسل اليه باطل. فهل ذلك القانون موجود عندهم حتى يوجب لهم شدة التمسك بالشرك؟ ام البراهين العقلية والسمعية؟ والكتب السماوية والرسل الكرام وسادات الانام قد نهوا اشد النهي عن ذلك وحذروا من سلوك طرقه الموصلة اليه. وحكموا بفساد عقلي ودين من ارتكبه فالشرك هؤلاء بغير حجة ولا برهان. وانما هو اهواء النفوس ونزغات الشيطان يخبر تعالى عن طبيعة اكثر الناس في حالي الرخاء والشدة انهم اذا اذاقهم الله منه رحمة من صحة وغنى ونصر ونحو ذلك بذلك فرح مطر لا فرح شكر وتبجح بنعمة الله. وان تصبهم سيئة. اي حال تسوءهم. وذلك بما قدمت ايديهم من المعاصي اذا هم يقنطون. ييأسون من زوال ذلك الفقر والمرض ونحوه. وهذا جهل منهم وعدم معرفة ويقدر. فالقنوط بعدما بما ان الخير والشر من الله والرزق سعته وضيقه من تقديره. ضائع ليس له محل. فلا تنظر ايها العاقل لمجرد الاسباب بل اجعل نظرك لمسببها ولهذا قال فهم الذين يعتبرون بسط الله لمن يشاء وقبضه. ويعرفون بذلك حكمة الله ورحمته وجوده. وجذب القلوب لسؤاله في جميع طالب الرزق الله واولئك هم المفلحون. اي فاعط القريب منك على حسب قربه وحاجته الذي اوجبه الشارع او حض عليه من النفقة الواجبة والصدقة والهدية والبر والسلام والاكرام والعفو عن زلته والمسامحة عن هفوته وكذلك اتي المسكين الذي اسكنه الفقر والحاجة. ما تزيل به حاجته وتدفع به ضرورته. من اطعامه وكسوته وابن السبيل الغريب المنقطع به في غير بلده الذي في مظنة شدة الحاجة لانه لا مال معه ولا كسب قد دبرنا نفسه به في سفره بخلاف الذي في بلده فانه وان لم يكن له مال ولكن لابد في الغالب ان يكون في حرفة او صناعة ونحوها تسد حاجته ولهذا جعل الله في الزكاة حصة للمسكين وابن السبيل. ذلك خير للذين يريدون وجه الله ذلك ايتاء ذي القربى والمسكين وابن السبيل. خير للذين يريدون بذلك العمل وجه الله. اي خير غزير وثواب كثير لانه من افضل الاعمال الصالحة والنفع المتعدي الذي وافق محله المقرون به الاخلاص. فان لم يرد به وجه الله لم كن خيرا للمعطي وان كان خيرا ونفعا للمعطى. كما قال تعالى لا خير في كثير من نجواهم الا من امر بصدقة او معروف او اصلاح بين الناس. مفهومها ان هذه المثبتات خير لنفعها المتعدي. ولكن من يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله وسوف نؤتيه اجرا عظيما. وقوله واولئك الذين عملوا هذه الاعمال وغيرها لوجه الله هم المفلحون الفائزون بثواب الله. الناجون من عقابه. ولما ذكر العمل الذي يقصد به وجهه من النفقات ذكر العمل الذي يقصد به مقصد دنيوي. فقال اي ما اعطيتم من اموالكم الزائدة عن حوائجكم. وقصدكم بذلك ان يربوا ان يزيدوا في اموالكم بان تعطوها لمن تطمعون ان يعاوضكم عنها باكثر منها. فهذا العمل لا يربو اجره عند الله معدوم الشرط الذي هو الاخلاص ومثل ذلك العمل الذي يراد به الزيادة في الجاه والرياء عند الناس فهذا كله ولا يربو عند الله وما اتيتم من زكاة اي ما لم يطهركم من الاخلاق الرذيلة. ويطهر اموالكم من البخل بها. ويزيد في مع اضطرار من يتعلق بالمنفق او مع دين عليه لم يقضه. ويقدم عليه الصدقة ان ذلك ليس بزكاة يؤجر عليه العبد. ويرد تصرفه شرعا. كما قال تعالى في الذي يمدح الذي يؤتي ماله يتزكى. فليس مجرد ايتاء المال خيرا. حتى يكون بهذه صفة وهو ان يكون على وجه يتزكى به المؤتي. الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم هل من شركاء يفعل من سبحانه وتعالى عما يشركون. يخبر تعالى انه وحده المنفرد بخلقكم ورزقكم واماتتكم واحيائكم وانه ليس احد من الشركاء التي يدعوهم المشركون من يشارك الله في شيء من هذه الاشياء فكيف يشركون بمن انفرد بهذه الامور؟ من ليس له تصرف فيها بوجه من الوجوه فسبحانه وتعالى وتقدس وتنزه وعلا عن شركهم فلا يضره ذلك وانما وبالهم عليهم اي استعلن الفساد في البر والبحر اي فساد معايشهم ونقصها وحلول الافات بها وفي من الامراض والوباء وغير ذلك. وذلك بسبب ما قدمت ايديهم من الاعمال الفاسدة. المفسدة بطبعها. هذه المذكورة ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون. ليذيقهم بعض الذي عملوا. اي ليعلموا ان انه مجازي على الاعمال. فعجل لهم نموذجا من جزاء اعمالهم في الدنيا. لعلهم يرجعون عن اعمالهم. التي اثرت لهم من الفساد ما فتصلح احوالهم ويستقيم امرهم. فسبحان من انعم ببلائه وتفضل بعقوبته. والا فلو اذاقهم نعم كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة والامر بالسير في الارض يدخل فيه السير بالابدان والسير في القلوب للنظر والتأمل بعواقب المتقدمين. تجدون عاقبتهم شر العواقب ومآلهم شر عذاب استأصلهم وذم ولعن من خلق الله يتبعهم وخزي متواصل. فاحذروا ان تفعلوا فعالهم. يحذى بكم حذوهم فان عدل الله وحكمته في كل زمان ومكان اي اقبل وتوجه بوجهك واسعى ببدنك. لاقامة الدين القيم المستقيم. فنفذ اوامره ونواهيه بجد واجتهاد. وقم بوظائف الظاهرة والباطنة وبادر زمانك وحياتك وشبابك وهو يوم القيامة الذي اذا جاء لا يمكن رده ولا يرجأ العاملون ان يستأنفوا العمل. بل من الاعمال لم يبقى الا جزاء العمال. اي يتفرقون عن ذلك اليوم ويصدرون اشتاتا متفاوتين ليروا اعمالهم ليجزي الذين امنوا وعملوا الصالحات من فضله انه لا يحب الكافرين. من كفر منهم فعليه كفره. ويعاقب هو بنفسه. لا تزر وازرة وزر اخرى ومن عمل صالحا من الحقوق التي لله او التي للعباد الواجبة والمستحبة فلانفسهم لا لغيرهم يمهدون ايها ولانفسهم يعمرون اخرتهم ويستعدون للفوز بمنازلها وغرفاتها. ومع ذلك جزاؤهم ليس مقصورا على اعمالهم بل يجزيهم الله من فضله الممدود وكرمه غير المحدود ما لا تبلغه اعمالهم. وذلك لانه احبهم واذا اذا احب الله عبدا صب عليه الاحسان صبا واجزل له العطايا الفاخرة وانعم عليه بالنعم الظاهرة والباطنة. وهذا بخلاف الكافرين فان الله لما ابغضهم ومقتهم عاقبهم وعذبهم ولم يزدهم كما زاد من قبلهم. فلهذا قال اياته ان يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته بامره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون. اي ومن الادلة الدالة على رحمته وبعثه الموت وانه الاله المعبود والملك المحمود. ان يرسل الرياح امام المطر مبشرات باثارتها للسحاب. ثم جمعها فتبشر بذلك النفوس قبل نزوله. وليذيقكم من رحمته. فينزل عليكم من رحمته مطرا. تحيا به البلاد والعباد تذوقون من رحمته ما تعرفون ان رحمته هي المنقذة للعباد. والجالبة لارزاقهم. فتشتاقون الى الاكثار من الاعمال الصالحة فاتحة لخزائن الرحمة ولتجري الفلك في البحر بامره القدري. ولتبتغوا من فضله بالتصرف في معايشكم ومصالحكم ولعلكم تشكرون ما سخر لكم الاسباب وسير لكم الامور. فهذا المقصود من النعم ان تقابل بشكر الله تعالى ليزيدكم الله منها ويبقيها عليكم. واما مقابلة النعم بالكفر والمعاصي. فهذه حال من بدل نعمة الله كفرا. ونعم محنة وهو معرض لها للزوال. والانتقال منه الى غيره الى قومهم فجاءوا هم بالبينات. فانتقمنا من الذين اجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين اي ولقد ارسلنا من قبلك في الامم السابقين رسلا الى قومهم حين جحدوا توحيد الله وكذبوا بالحق. فجاءتهم رسلهم يدعونهم الى التوحيد والاخلاص. والتصديق بالحق ما هم عليه من الكفر والضلال. وجاءوهم بالبينات والادلة على ذلك. فلم يؤمنوا ولم يزولوا عن غيهم حقا علينا نصر المؤمنين فانتقمنا من الذين اجرموا ونصرنا المؤمنين اتباع الرسل. اي اوجبنا ذلك على انفسنا وجعلناه من جملة الحقوق المتعينة ووعدناهم به. فلا بد من وقوعه. فانتم ايها المكذبون لمحمد صلى الله عليه وسلم ان بقيتم على تكذيبكم حلت بكم العقوبة ونصرناه عليكم. الله الذي يرسل الرياح فتثير كيف يشاء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الود قد يخبر تعالى عن كمال قدرته وتمام نعمته. انه يرسل الرياح فتثير سحابا من الارض. فيبسطه في السماء ان يمده ويوسعه كيف يشاء اي على اية حالة ارادها من ذلك ثم يجعله اي ذلك السحاب الواسع اي سحابا ثخينا. قد طبق بعضه فوق بعض. اي السحاب نقطا صغارا متفرقة لا تنزل جميعا فتفسد ما اتت عليه فاذا اصاب به بذلك المطر من يشاء من عباده اذا هم يستبشرون. يبشر بعضهم بعضا بنزوله. وذلك لشدة حاجتهم وضرورتهم اليه. ولهذا قال كانوا من قبل ان ينزل عليهم من قبله لمبلسين. اي قانتين لتأخر وقت مجيئه. اي فلما نزل في تلك الحال صار له موقع عظيم عندهم. وفرح واستبشار كيف يحيي الارض بعد موتها. فاهتزت ورمت وانبتت من كل زوج كريم ان ذلك الذي احيا الارض بعد موتها وهو على كل شيء قدير فقدرته تعالى لا يتعصى عليها شيء وان تعصى على قدر خلقه ودق عن افهامهم وحارت فيه عقولهم يخبر تعالى عن حالة الخلق وانه مع هذه نعم عليهم باحياء الارض بعد موتها. ونشر رحمة الله تعالى لو ارسلنا على هذا النبات الناشئ عن المطر وعلى زروعهم ريحا مضرة متلفة او منقصة فرأوه مصفرا التداعى الى التلف فينسون النعم الماضية ويبادرون الى الكفر. وهؤلاء لا ينفع فيهم وعظ ولا زجر فانك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم دعاء وبالاولى. فان الموانع قد توفرت فيهم عن الانقياد والسماع النافع. كتوفر هذه المواد المذكورة عن سماع الصوت الحسي. لانهم لا يقبلون الابصار بسبب عماهم فليس منهم قابلية له فهؤلاء الذين ينفع فيهم اسماع الهدى المؤمنون باياتنا بقلوبهم المنقادون لاوامرنا المسلمون انا لان معهم الداعي القوي لقبول النصائح والمواعظ. وهو استعدادهم للايمان بكل اية من ايات الله. واستعدادهم لتنفيذ ما يقدرون عليه من اوامر الله ونواهيه فيشاء وهو العليم القدير. يخبر تعالى عن سعة علمه وعظيم اقتداره. وكمال حكمته ابتدأ خلق الادميين من ضعف. وهو الاطوار الاول من خلقه. من نطفة الى علقة الى مضغة. الى ان صار حيوانا في الارحام. الى ولد وهو في سن الطفولية وهو اذ ذاك في غاية الضعف وعدم القوة والقدرة. ثم ما زال الله يزيد في قوته شيئا فشيئا حتى بلغ سن الشباب واستوت قوته وكملت قواه الظاهرة والباطنة. ثم انتقل من هذا الطور ورجع الى الضعف والشيبة والهرم اخلق ما يشاء وهو العليم القدير. يخلق ما يشاء بحسب حكمته. ومن حكمته ان يري العبد ضعفه. وان قوته محفوفة بضعفين. وانه ليس له من نفسه الا النقص. ولولا تقوية الله له لما وصل الى قوة وقدرة ولو استمرت قوته في الزيادة لطغى وبغى وعتى. وليعلم العباد كمال قدرة الله التي لا تزال مستمرة يخلق بها الاشياء ويدبر بها الامور. ولا يلحقها اعياء ولا ضعف ولا نقص. بوجه من الوجوه ساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة. يخبر تعالى عن يوم القيامة وسرعة مجيئه. وانه اذا قامت الساعة يقسم المجرمون بالله انهم ما لبثوا في الدنيا الا ساعة. وذلك اعتذار منهم لعل انه ينفعهم العذر واستقصار لمدة الدنيا. ولما كان قولهم كذبا لا حقيقة له. قال تعالى اي ما زالوا هم في الدنيا يؤفكون عن الحقائق. ويأتفكون الكذب ففي الدنيا كذبوا الحق الذي جاءتهم به المرسلون وفي الاخرة انكروا الامر المحسوس. وهو اللبس الطويل في الدنيا. فهذا خلقهم القبيح. والعبد يبعث على ما مات عليه قال الذين اوتوا العلم والايمان لقد لبثتم في كتاب الله الى يوم البعث. وقال الذين اوتوا العلم والايمان اي من الله عليهم بهما وصار وصفا لهم العلم بالحق والايمان المستلزم ايثار الحق. واذا كانوا بالحق مؤثرين له لزم ان يكون قولهم مطابقا للواقع مناسبا لاحوالهم. فلهذا قالوا الحق وصلتم الى هذه الحال فلذلك في الدنيا وانكرتم اقامتكم في الدنيا وقتا تتمكنون فيه من الانابة والتوبة. فلم يزل الجهل شعاركم واثاره من التكذيب الخسائر دثاركم فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم. فان كذبوا وزعموا انهم ما قامت عليهم الحجة. او ما تمكنوا من الايمان قال كذبهم بشهادة اهل العلم والايمان. وشهادة جلودهم وايديهم وارجلهم. وان طلبوا الاعذار وانهم يردون ولا يعودون دون لما نهوا عنه لم يمكنوا فانه فات وقت الاعذار فلا تقبل معذرتهم. اي يزال عتبهم والعتاب عنهم ايوه لقد ضربنا لاجل عنايتنا ورحمتنا ولطفنا وحسن تعليمنا للناس في هذا القرآن من كل مثل. تتضح به الحقائق وتعرف به الامور وتنقطع به الحجة. وهذا عام في الامثال التي يضربها الله في تقريب الامور المعقولة بالمحسوسة. وفي الاخبار بما سيكون وجلاء حقيقته حتى كأنه وقع. ومنه في هذا الموضع ذكر الله تعالى ما يكون يوم القيامة. وحالة مجرمين فيه وشدة اسفهم وانه لا يقبل منهم عذر ولا عتاب. ولكن ابى الظالمون الكافرون الا معاندة الحق الواضح. ولهذا هذا قال ولئن جئتهم باية ليقولن الذين كفروا ان مبطنون. ولئن جئتهم باية اي اي اية تدل على صحة ما جئت به اي قالوا للحق انه باطل. وهذا من كفرهم وجراءتهم طبع الله على قلوبهم وجهلهم المفرط. ولهذا قال حين لا يعلمون. كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون فلا يدخلها خير. ولا تدرك الاشياء على حقيقتها. بل ترى الحق باطلا والباطل حقا ان وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون اصبر على ما امرت به. وعلى دعوتهم الى الله. ولو رأيت منهم اعراضا فلا يصدنك ذلك ان وعد الله حق اي لا شك فيه. وهذا مما يعين على الصبر. فان العبد اذا علم ان عمله غير ضائع. بل سيجده كاملا هان عليه ما يلقاه من المكاره. ويسر عليه كل عسير. واستقل من عمله كل كثير لك الذين لا يوقنون اي قد ضعف ايمانهم وقل يقينهم فخفت لذلك احلامهم وقل صبرهم. فاياك ان يستخفنك هؤلاء فانك ان لم تجعلهم منك على بال وتحذر منهم. والا استخفوك وحملوك على عدم الثبات على الاوامر والنواهي. والنفس تساعدهم على هذا. وتطلب التشبه والموافقة. وهذا مما يدل على ان كل مؤمن موقن رزين العقل يسهل عليه الصبر. وكل ضعيف اليقين ضعيف العقل خفيفه. فالاول بمنزلة اللب والاخر بمنزلة القشور فالله المستعان