المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم اي عن اي شيء يتساءل المكذبون بايات الله ثم بين ما يتساءلون عنه فقال العظيم الذي هم فيه مختلفون. اي عن الخبر العظيم الذي طال فيه نزاعهم. وانتشر فيه خلافهم على وجه التكذيب والاستبعاد. وهو النبأ الذي لا يقبل الشك ولا يدخله الريب. ولكن المكذبون بلقاء ربهم لا يؤمنون. ولو جاء كل اية حتى يروا العذاب الاليم. ولهذا قال اي سيعلمون اذا نزل بهم العذاب ما كانوا به يكذبون. حين يدعون الى نار جهنم دعا. ويقال لهم هذه النار التي كنتم بها تكذبون. ثم بين تعالى النعم والادلة الدالة على صدق ما اخبرت به الرسل. فقال اي اما انعمنا عليكم بنعم جليلة فجعلنا لكم لكم الارض مهادا اي ممهدة مهيئة لكم ولمصالحكم من الحروث والمساكن والسبل خلقناكم ازواجا. والجبال اوتادا تمسك الارض لئلا تضطرب بكم وتميد. وخلقناكم ازواجا. اي ذكورا اناثا من جنس واحد ليسكن كل منهما الى الاخر. فتكون المودة والرحمة وتنشأ عنهم الذرية وفي ضمن هذا الامتنان بلذة المنكح وجعلنا نومكم سباتا اي راحة لكم وقطعا لاشغالكم التي متى تمادت بكم اضرت بابدانكم فجعل الله الليل والنوم يغشى الناس تنقطع حركاتهم الضارة وتحصل راحتهم النافعة وبنينا فوقكم سبعا شدادا اي سبع سماوات في غاية القوة والصلابة والشدة. وقد امسكها الله بقدرته وجعلها سقفا للارض. فيها عدة منافع لهم. ولهذا ذكر من منافعهم الشمس فقال نبه بالسراج على النعمة بنورها الذي صار كالضرورة للخلق وبالوهاج الذي فيه الحرارة على حرارتها وما فيها من المصالح وانزلنا من المعصرات اي السحاب ماء فجاجا اي كثيرا جدا لنخرج به حبا من بر وشعير وذرة وارز وغير ذلك مما يأكله الادميون ونباتا يشمل سائر النبات الذي جعله الله قوتا لمواشيهم اي بساتين ملتفة فيها من جميع اصناف الفواكه اللذيذة. فالذي انعم عليكم بهذه النعم العظيمة التي لا يقدر قدرها ولا يحصى عددها. كيف تكفرون به وتكذبون ما اخبركم به من البعث والنشور؟ ام كيف بنعمه على معاصيه وتجحدونها افواجا وفتحت السماء فكانت ابوابا وسيرت الجبال فكانت سرابا ذكر تعالى ما يكون في يوم القيامة الذي يتساءل عنه المكذبون ويجحده المعاندون انه يوم عظيم وان الله جعله ميقاتا خلق يوم ينفخ في الصور فتأتون افواجا. ويجري فيه من الزعازع والقلاقل ما يشيب له الوليد. وتنزعج له القلوب فتسير الجبال حتى تكون كالهباء المبثوث. وتشقق السماء حتى تكون ابوابا. ويفصل الله بين الخلائق بحكمه الذي لا يجور وتوقد نار جهنم التي ارصدها الله واعدها للطاغين. وجعلها مثوى لهم ومآبا. وانهم يلبثون فيها كثيرة والحقب على ما قاله كثير من المفسرين ثمانون سنة وهم اذا وردوها اي لا ما يبرد جلودهم ولا ما يدفع ظمأهم الا حميما اي ماء حارا يشوي وجوههم ويقطع امعائهم وغساقا. وهو صديد اهل النار. الذي هو وفي غاية النتن وكراهة المذاق وانما استحقوا هذه العقوبات الفظيعة جزاء لهم ووفاقا على ما عملوا من الاعمال الموصلة اليهم لم يظلمهم الله ولكن ظلموا انفسهم. ولهذا ذكر اعمالهم التي استحقوا بها هذا الجزاء. فقال هم كانوا لا يرجون حسابا. اي لا يؤمنون بالبعث. ولان الله يجازي الخلق بالخير والشر. فلذلك اهملوا العمل للاخر اي كذبوا بها تكذيبا واضحا صريحا. وجاءتهم البينات فعاندوها وكل شيء احصيناه كتابا. وكل شيء من قليل وكثير وخير وشر اي كتبناه في اللوح المحفوظ. فلا يخشى المجرمون انا عذبناهم بذنوب لم يعملوها. ولا يحسبوا انه يضيع من اعمالهم شيء او ينسى منها مثقال ذرة. كما قال تعالى اوضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه. ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها. ووجدوا ما عملوا حاضرا. ولا يظلم ربك احدا فذوقوا ايها المكذبون هذا العذاب الاليم والخزي الدائم. وكل وقت وحين يزداد وعذابهم وهذه الاية اشد الايات في شدة عذاب اهل النار اجارنا الله منها لما ذكر حال المجرمين ذكر مآل المتقين فقال ان للمتقين مفازا اي الذين اتقوا سخط ربهم بالتمسك بطاعته والانكفاف عما يكرهه فلهم مفاز ومنجى وبعد عن النار. وفي ذلك المفاز لهم حدائق وهي البساتين الجامعة لاصناف الزاهية في الثمار التي تتفجر بين خلالها الانهار. وخص الاعناب لشرفه وكثرته في تلك الحدائق. ولهم فيها زوجات على مطالب النفوس كواعب وهي النواهد التي لم تتكسر ثديهن من شبابهن وقوتهن ونضارتهن اتراب اللاتي على سن واحد متقارب. ومن عادة الاتراب ان يكن متآلفات متعاشرات. وذلك السن الذي هن فيه ثلاث وثلاثون سنة في اعدل سن الشباب. اي مملوءة من رحيق لذة للشاربين لا يسمعون فيها لغوا اي كلاما لا فائدة فيه ولا كذابا اي اثم كما قال تعالى لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما. الا قيلا سلاما سلاما. وانما اعطاهم الله هذا الثواب الجزيل من فضله واحسانه من ربك لهم اي بسبب اعمالهم التي وفقهم الله لها وجعلها ثمنا سنته ونعيمها اي الذي اعطاهم هذه العطايا هو ربهم رب السماوات والارض الذي خلقها ودبرها الرحمن الذي رحمته وسعت كل شيء فرباهم ورحمهم ولطف بهم. حتى ادركوا ما ادركوا لا يتكلمون الا من اذن له الرحمن وقال صوابا ثم ذكر عظمته وملكه العظيم يوم القيامة. وان جميع الخلق ذلك اليوم ساكتون لا يتكلمون الا من اذن له الرحمن وقال صوابا. فلا يتكلم احد الا بهذين الشرطين. ان يأذن الله له في الكلام وان يكون ما تكلم به صوابا. لان ذلك اليوم هو الحق الذي لا يروج فيه الباطل. ولا ينفع فيه الكذب. وفي ذلك اليوم يقوم الروح وهو جبريل عليه السلام الذي هو اشرف الملائكة والملائكة ايضا يقوم الجميع صفا خاضعين لله لا يتكلمون الا بما اذن لهم الله به. فلما رغب ورهب وبشر وانذر. قال اي عملا وقدم صدق يرجع اليه يوم القيامة لانه قد ازف مقبلا. وكل ما هو ات فهو قريب المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا. يوم ينظر المرء ما قدمت يداه. اي هذا الذي يهمه ويفزع اليه. فلينظر في هذه الدنيا اليه. كما قال تعالى يا ايها الذين امنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد. واتقوا الله ان الله خبير بما تعملون. فان وجد خيرا فليحمد الله وان وجد غير ذلك فلا يلومن الا نفسه. ولهذا كان الكفار يتمنون الموت من شدة الحسرة والندم. نسأل الله ان يعافينا من الكفر والشر كله انه جواد كريم بسم الله الرحمن الرحيم. والنازعات غربا والناشطات نشطا هذه الاقسامات بالملائكة الكرام وافعالهم الدالة على كمال من قيادهم لامر الله واسراعهم في تنفيذ امره. يحتمل ان المقسم عليه الجزاء والبعث. بدليل الاتيان باحوال القيامة بعد كذلك ويحتمل ان المقسم عليه والمقسم به متحدان وانه اقسم على الملائكة لان الايمان بهم احد اركان الايمان الستة ولان في ذكر افعالهم هنا ما يتضمن الجزاء الذي تتولاه الملائكة عند الموت وقبله وبعده. فقال والنازعات غرقا وهم الملائكة التي تنزع الارواح بقوة وتغرق في نزعها حتى تخرج الروح فتجازى بعملها والناشطات نشطا وهم الملائكة ايضا تجتذب الارواح بقوة ونشاط. او ان النزع يكون لارواح المؤمنين. والنشط لارواح الكفار والسابحات اي المترددات في الهواء صعودا ونزولا سبحا. فالسابقات لغيرها سبقا. فتبادر لامر وتسبق الشياطين في ايصال الوحي الى رسول الله حتى لا تسترقه. فالمدبرات امرا. الملائكة الذين وكلهم الله ان كثيرا من امور العالم العلوي والسفلي. من الامطار والنبات والاشجار والرياح والبحار. والاجنة والحيوانات والجنة والنار وغير ذلك يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة قلوب يومئذ واجفة ابصارها خاشعة. يوم ترجف الراجفة وهي قيام الساعة تتبعها الرادفة. اي الرجفة الاخرى التي تردفها وتأتيت تلوها قلوب يومئذ واجفة. اي موجفة ومنزعجة من شدة ما ترى وتسمع. ابصارها خاشعة. اي طيلة حقيرة قد ملك قلوبهم الخوف واذهل افئدتهم الفزع. وغلب عليهم التأسف واستولت عليهم الحسرة. يقولون اي الكفار في الدنيا على وجه التكذيب اي بالية فتاتا اي استبعدوا ان يبعثهم الله ويعيدهم بعدما كانوا عظاما نخرة. جهلا منهم بقدرة الله وتجرؤا عليه. قال الله في بيان سهولة هذا الامر عليه فانما هي زجرة واحدة ينفخ فيها في الصور. فاذا الخلائق كلهم بالساهرة اي على وجه الارض. قيام ينظرون فيجمعهم الله ويقضي بينهم بحكمه العدل ويجازيهم. يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وهذا الاستفهام عن امر عظيم متحقق وقوعه اي هل اتاك كحديثه اذ ناداه ربه بالوادي المقدس طوى. وهو المحل الذي كلمه الله فيه وامتن عليه بالرسالة واختصه بالوحي والاجتباء. فقال له ترى اي فانها وعن طغيانه وشركه وعصيانه. بقول لين وخطاب لطيف لعله يتذكر او يخشى فقل له هل لك الى ان تزكى؟ اي هل لك في خصلة حميدة ايه ده ومحمدة جميلة يتنافس فيها اولو الالباب وهي ان تزكي نفسك وتطهرها من دنس الكفر والطغيان الى الايمان العمل الصالح واهديك الى ربك اي ادلك عليه وابين لك مواقع من مواقع سخطه. فتخشى الله اذا علمت الصراط المستقيم. فامتنع فرعون مما دعاه اليه موسى فاراه الاية الكبرى اي جنس الاية الكبرى فلا ينافي تعددها. فالقى عصاه فاذا هي ثعبان مبين ونزع يده فاذا هي بيضاء للناظرين فكذب بالحق وعصى الامر. اي يجتهد في مبارزة الحق ومحاربته فحشر جنوده اي جمعهم فنادى فقال انا ربكم الاعلى فاخذهم فقال لهم انا ربكم الاعلى فاذعنوا له واقروا بباطله حين استخفهم الله نكال الاخرة والاولى. اي صارت عقوبته دليلا وزاجرا. ومبينة لعقوبة الدنيا والاخرة فان من يخشى الله هو الذي ينتفع بالايات والعبر فاذا رأى عقوبة فرعون عرف ان كل من تكبر وعصى وبارز الملك الاعلى عاقبه في الدنيا والاخرة اما من ترحلت خشية الله من قلبه فلو جاءته كل اية لم يؤمن بها بناها. يقول تعالى مبينا دليلا واضحا لمنكري البعث. ومستبعدي اعادة الله للاجساد انتم ايها البشر اشد خلقا ام السماء؟ ذات الجرم العظيم والخلق القوي والارتفاع الباهر. بناها رفع سمكها اي جرمها وصورتها فسواها باحكام واتقان يحير العقول ويذهل الالباب واغطش ليلها واخرج ضحاها واغطش ليلها اي اظلمه فعمت الظلمات جميع ارجاء السماء فاظلم وجه الارض. اي اظهر فيه النور العظيم. حين اتى بالشمس امتد الناس في مصالح دينهم ودنياهم. والارض بعد ذلك دحاها. والارض بعد ذلك اي بعد خلق السماء دحاها اي اودع فيها منافعها. وفسر ذلك بقوله اي ثبتها في الارض. فدحي الارض بعد خلق السماء كما هو نص هذه الايات الكريمة. واما خلق نفس الارض فمتقدم على خلق السماء. كما قال تعالى قل ائنكم لتكفرون بالذي خلق الارض في يومين الى ان قال ثم استوى الى السماء وهي دخان. فقال لها وللارض ائتيا طوعا او كرها. قالتا اتينا فالذي خلق السماوات العظام وما فيها من الانوار والاجرام والارض الكثيفة الغبراء وما فيها من ضروريات الخلق وما لابد ان يبعث الخلق المكلفين فيجازيهم على اعمالهم فمن احسن فله الحسنى ومن اساء فلا يلومن الا نفسه ولهذا ذكر بعد هذا قيام الساعة ثم الجزاء فقال اي اذا جاءت الكبرى والشدة العظمى التي يهون عندها كل شدة. فحينئذ يذهل الوالد عن ولده. الصاحب عن صاحبه. وكل محب عن حبيبه ما سعى في الدنيا من خير وشر فيتمنى زيادة مثقال ذرة في حسناته. ويغمه ويحزن لزيادة مثقال ذرة في سيئاته. ويعلم اذ ذاك ان مادة ربحه وخسرانه ما سعاه في الدنيا وينقطع كل سبب ووصلة كانت في الدنيا سوى الاعمال اي جعلت في البراز ظاهرة لكل احد. قد برزت لاهلها واستعدت لاخذهم. منتظرة لامر بها فاما من طغى اي جاوز الحد بان تجرأ على المعاصي الكبار ولم يقتصر على ما حده الله. واثر الحياة الدنيا على الاخرة فصار سعيه لها ووقته مستغرقا في حظوظها وشهواتها. ونسي الاخرة وترك العمل لها ان الجحيم هي المأوى. فان الجحيم هي المأوى له. اي المقر والمسكن لمن هذه حاله من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فان الجنة هي المأوى واي خاف القيام عليه ومجازاته بالعدل. فاثر هذا الخوف في قلبه فنهى نفسه عن هواها الذي يقيدها عن طاعة الله وصار هواه تبعا لما جاء به الرسول وجاهد الهوى والشهوة الصادين عن الخير فان الجنة المشتملة على كل خير وسرور ونعيم. هي المأوى لمن هذا وصفه ان يسألك المتعنتون المكذبون بالبعث عن الساعة متى وقوعها وايام مرساها فاجابهم الله بقوله اي ما الفائدة لك ولهم في ذكرها ومعرفة وقت مجيئها. فليس تحت ذلك نتيجة. ولهذا لما كان علم العباد للساعة ليس لهم فيه مصلحة دينية ولا دنيوية بل المصلحة في خفائه عليهم طواع المذلك عن جميع الخلق واستأثر بعلمه فقال آآ اي اليه ينتهي علمها. كما قال في الاية الاخرى يسألونك عن الساعة ايان مرساها. قل انما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها الا هو. ثقلت في السماوات والارض. لا تأتيكم الا بغتة. يسألونك كانك حفي عنها. قل انما علمها عند الله ولكن اكثر الناس لا يعلمون. اي انما لمن يخشى مجيء الساعة ويخاف الوقوف بين يديه. فهم الذين لا يهمهم سوى الاستعداد لها. والعمل لاجلها واما من لا يؤمن بها فلا يبالي به ولا بتعنته. لانه تعنت مبني على العناد والتكذيب. واذا وصل الى هذه الحال كانت الاجابة عنه عبثا ينزه الحكيم عنه. والحمد لله رب العالمين بسم الله الرحمن الرحيم اما من استغنى فانت له تصدى وما عليك الا يجزك سبب نزول هذه الايات الكريمات انه جاء رجل من المؤمنين اعمى يسأل النبي صلى الله عليه وسلم ويتعلم منه وجاء له رجل من الاغنياء وكان صلى الله عليه وسلم حريصا على هداية الخلق فمال صلى الله عليه وسلم واصغى الى الغني وصده عن الاعمى الفقير رجاء لهداية ذلك الغني وطمعا في تزكيته. فعاتبه الله بهذا العتاب اللطيف. فقال عبس اي في وجهه وتولى في بدنه لاجل مجيء الاعمى له. ثم ذكر الفائدة في الاقبال عليه فقال وما يدريك لعله اي الاعمى يزكى ان يتطهر عن الاخلاق الرذيلة ويتصف بالاخلاق الجميلة. اي يتذكر ما ينفع فيعمل بتلك الذكرى وهذه فائدة كبيرة هي المقصودة من بعثة الرسل ووعظ الوعاظ وتذكير المذكرين فاقبالك على من جاء بنفسه مفتقرا لذلك منك هو الاليق الواجب. واما تصديك وتعرضك للغني المستغني. الذي لا يسأل ولا لعدم رغبته في الخير مع تركك من هو اهم منه فانه لا ينبغي لك فانه ليس عليك الا يزكى فلو لم يتزكى فلست بمحاسب على ما عمله من الشر. فدل هذا على القاعدة المشهورة انه لا يترك امر معلوم لامر موهوم ولا مصلحة متحققة لمصلحة متوهمة. وانه ينبغي الاقبال على طالب العلم المفتقر اليه. الحريص عليه ازيد من غيره كلا انها تذكرة. يقول تعالى كلا انها تذكرة اي حقا ان هذه الموعظة تذكرة من الله يذكر بها عباده ويبين لهم في كتابه ما يحتاجون اليه. ويبين الرشد من الغي. فاذا تبين ذلك ان شاء ذكره. اي عمل به. كقوله تعالى وقل الحق من ربكم. فمن شاء فليؤمن. ومن شاء فليكفر ثم ذكر محل هذه التذكرة وعظمها ورفع قدرها فقال مرفوعة القدر والرتبة مطهرة من الافات. وعن ان تنالها ايدي الشياطين او يسترقون بل هي بايدي سفرة. وهم الملائكة الذين هم السفراء بين الله وبينهم بين عباده كرام اي كثير الخير والبركة. بررة قلوبهم واعمالهم. وذلك كله حفظ من الله لكتابه. ان على السفراء فيه الى الرسل الملائكة الكرام الاقوياء الاتقياء. ولم يجعل للشياطين عليه سبيلا. وهذا مما يوجب الايمان به وتلقيه بالقبول ولكن مع هذا ابى الانسان الا كفورا. ولهذا قال تعالى ما اكثره لنعمة الله وما اشد معاندته للحق بعدما تبين وهو ما هو هو من اضعف الاشياء. خلقه الله من ماء مهين. ثم قدر خلقه سواه بشرا سويا واتقن قواه الظاهرة والباطنة. اي يسر له الاسباب الدينية والدنيوية وهداه السبيل وبينه وامتحنه بالامر والنهي. اي اكرمه بالدفن. ولم اجعله كسائر الحيوانات التي تكون جيفها على وجه الارض ثم اذا شاء انشره اي بعثه بعد موته للجزاء فالله هو المنفرد بتدبير الثاني وتصريفه بهذه التصاريف لم يشاركه فيه مشارك. وهو مع هذا لا يقوم بما امره الله. ولم يقض ما فرضه عليه بل لا يزال مقصرا تحت الطلب. ثم ارشده تعالى الى النظر والتفكر في طعامه. وكيف وصل اليه بعدما تكررت عليه طبقات عجيبة ويسره له فقال فلينظر الانسان الى طعامه صبا. اي انزلنا المطر على الارض بكثرة ثم شققنا الارض للنبات شقا فانبتنا فيها اصنافا مصنفة من انواع الاطعمة اللذيذة والاقوات الشهية حبا وهكذا هذا شامل لسائر الحبوب على اختلاف اصنافها وعنبا وقباء وهو القت وخص هذه الاربعة لكثرة فوائدها ومنافعها وحدائق غلبا اي بساتين فيها الاشجار الكثيرة الملتفة وفاكهة وابا. الفاكهة ما يتفكه فيه الانسان من طين وعنب وخوخ ورمان. وغير ذلك. والاب ما تأكله البهائم والانعام. ولهذا قال التي خلقها الله وسخرها لكم فمن نظر في هذه النعم اوجب له ذلك شكر ربه وبذل الجهد في الانابة اليه والاقبال على طاعته والتصديق باخباره اي اذا جاءت صيحة القيامة التي تصح لهولها الاسماع وتنزعج لها الافئدة يومئذ مما يرى الناس من الاهوال وشدة الحاجة لسالف الاعمال يفر المرء من اعز الناس اليه واشفقهم لديه. من اخيه وصاحبته اي زوجته وبنيه وذلك لانه اي قد اشغلته نفسه واهتم لفكاكه ولم يكن له التفات الى غيرها. فحينئذ ينقسم الخلق الى فريقين سعداء واشقياء. فاما السعداء وجوههم يومئذ مسفرة. وجوه يومئذ مسفرة. اي قد ظهر فيها السرور والبهجة. مما اعرف من نجاتهم وفوزهم بالنعيم فيها غبرة ترهقها قترة. ووجوه الاشقياء يومئذ عليها غبرة. ترهقها اي تغشاها قترة فهي سوداء مظلمة مدلهمة. قد ايست من كل خير وعرفت شقائها وهلاكها اولئك الذين بهذا الوصف اي الذين كفروا بنعمة الله وكذبوا بايات الله وتجرأوا على محارمه. نسأل الله العفو والعافية. انه جواد كريم بسم الله الرحمن الرحيم اي اذا حصلت هذه الامور الهائلة تميز الخلق وعلم كل احد ما قدمه لاخرته. وما احضره فيها من خير وشر. وذلك اذا كان يوم القيامة تكور الشمس اي تجمع وتلف ويخسف القمر ويلقيان في النار. اي تغيرت وتساقطت من افلاكها اي صارت كتيبا مهيلا ثم صارت كالعهن المنفوش ثم تغيرت هباء منبثا وسيرت عن اماكنها. اي عطل الناس حينئذ نفائس اموالهم. التي كانوا يهتمون لها ويراعونها في جميع الاوقات. فجاءهم ما يذهلهم عنها. فنبه بالعشار وهي النوق التي تتبعها اولادها وهي انفس اموال العرب اذ ذاك عندهم على ما هو في معناها من كل نفيس. اي جمعت يوم القيامة ليقتص الله من بعضها لبعض. ويرى العباد كمال عدله. حتى انه ليقتص من القرناء للجماء. ثم يقول له كوني ترابا. اي اوقدت فصارت على عظمها نارا تتوقد النفوس زوجت. اي قرن كل صاحب عمل مع نظيره. فجمع الابرار مع الابرار. والفجار مع الفجار. وزوج المؤمنون بالحور العين والكافرون بالشياطين. وهذا كقوله تعالى وسيق الذين كفروا الى جهنم زمرا الذين اتقوا ربهم الى الجنة زمرا. احشروا الذين ظلموا وازواجهم واذا الموؤدة سئلت وهي التي كانت الجاهلية الجهلاء تفعله من دفن البنات وهن احياء من غير سبب الا خشية الفقر فتسألت ومن المعلوم انها ليس لها ذنب ففي هذا لا توبيخ وتقريع لقاتليها. واذا الصحف المشتملة على ما عمله العاملون من خير وشر وفرقت على اهلها فاخذ كتابه بيمينه. واخذ كتابه بشماله. او من وراء ظهره اي ازيلت كما قال تعالى يوم تشقق السماء بالغمام. يوم نطوي السماء كطي السجل الكتب والارض جميعا قبضته يوم القيامة. والسماوات مطويات بيمينه. اي اوقد عليها فاستعرت والتهبت التهابا لم يكن لها قبل ذلك. اي قربت للمتقين علمت نفس اي كل نفس لاتيانها في سياق الشرط ما احضرت اي ما حضر لديها من الاعمال التي قدمتها كما قال تعالى ووجدوا ما عملوا حاضرا. وهذه الاوصاف التي وصف الله بها يوم القيامة من الاوصاف التي تنزعج لها القلوب وتشتد من اجلها الكروب وترتعد الفرائص وتعم المخاوف وتحث اولي الباب للاستعداد لذلك اليوم. وتزجرهم عن كل ما يوجب اللوم. ولهذا قال بعض السلف من اراد ان ينظر ليوم القيامة كأنه رأي عين فليتدبر سورة اذا الشمس كورت اذا عسعس والصبح اذا تنفس. اقسم تعالى بالخنس وهي الكواكب التي تخنس. اي تتأخر عن سير الكواكب المعتادة الى جهة المشرق وهي النجوم السبعة السيارة. الشمس والقمر والزهرة والمشتري والمريخ وزحل وعطارد. فهذا السبعة لها سيران. سير الى جهة المغرب مع باقي الكواكب والافلاك. وسير معاكس لهذا من جهة المشرق. تختار به هذه السبعة دون غيرها. فاقسم الله بها في حال انوسها اي تأخرها. وفي حال جريانها. وفي حال كنوزها اي استتارها بالنهار. ويحتمل ان المراد بها جميع النجوم. الكواكب السيارة وغيرها والليل اذا عسعس اي ادبر وقيل اقبل. اي بانت الائم الصبح وانشق النور شيئا فشيئا حتى يستكمل وتطلع الشمس. وهذه ايات عظام. اقسم الله بها على علو سند القرآن وجلالته وحفظه من كل شيطان رجيم. فقال وهو جبريل عليه السلام نزل به من الله تعالى كما قال تعالى وانه لتنزيل رب العالمين. نزل به الروح الامين الى قلبك لتكون من المنذرين. ووصفه الله بالكريم بكرم اخلاقه. وكثرة خصاله الحميدة فانه افضل الملائكة واعظمهم رتبة عند ربه. ذي قوة على ما امره الله به. ومن بقوته انه قلب ديار قوم لوط بهم فاهلكهم. عند ذي العرش اي جبريل مقرب عند الله له منزلة رفيعة وخصيصة من الله اختصه بها مكين. اي له مكانة ومنزلة فوق منازل الملائكة كلهم مطاعم ثم اي جبريل مطاعم في الملأ الاعلى لديه من الملائكة المقربين جنود نافذ فيهم امره مطاع رأيه امين اي ذو امانة وقيام بما امر به. لا يزيد ولا ينقص ولا يتعدى ما حد له. وهذا كله يدل على القرآن عند الله تعالى فانه بعث به هذا الملك الكريم الموصوف بتلك الصفات الكاملة. والعادة ان الملوك لا ترسل الكريم عليها الا في اهم المهمات واشرف الرسائل. ولما ذكر فضل الرسول الملكي الذي جاء بالقرآن ذكر فضل الرسول البشري الذي نزل عليه القرآن ودعا اليه الناس فقال وما صاحبكم بمجنون؟ وما صاحبكم وهو محمد صلى الله عليه وسلم بمجنون كما يقوله اعداؤه المكذبون برسالته المتقولون عليه من الاقوال التي يريدون ان اطفئوا بها ما جاء به ما شاءوا وقدروا عليه. بل هو اكمل الناس عقلا. واجزلهم رأيا واصدقهم لهجة اي رأى محمد صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام بالافق البين الذي هو اعلى ما يلوح للبصر اي وما هو على ما اوحاه الله اليه بمتهم يزيد فيه او ينقص او يكتم بعضه بل هو صلى الله عليه وسلم امين اهل السماء واهل الارض. الذي بلغ رسالات ربه البلاغ المبين. فلم يشح بشيء منه عن غني ولا فقير ولا رئيس ولا مرؤوس ولا ذكر ولا انثى ولا حضاري ولا بدوي. ولذلك بعثه الله في امة جاهلة جهلاء فلم يمت صلى الله عليه وسلم حتى كانوا علماء ربانيين واحبارا متفرسين اليهم اية في العلوم واليهم المنتهى في استخراج الدقائق والفهوم. وهم الاساتذة وغيرهم قصاراه ان يكون من تلاميذهم لما ذكر جلالة كتابه وفضله بذكر الرسولين الكريمين الذين وصلا الى الناس على ايديهم واثنى الله عليهما بما اثنى دفع عنه كل افة ونقص مما يقدح في صدقه فقال اي في غاية البعد عن الله وعن قربه. فاين تذهبون؟ اي كيف يخطر هذا ببالكم؟ واين عزبت عنكم اذهانكم حتى جعلتم الحق الذي هو في اعلى درجات الصدق بمنزلة الكذب الذي هو انزل ما يكون وارذل واسفل الباطل هل هذا الا من انقلاب الحقائق؟ يتذكرون به ربهم وما له من صفات كمال وما ينزه عنه من النقائص والرذائل والامثال. ويتذكرون به الاوامر والنواهي وحكمها. ويتذكرون به الاحكام القدرية والشرعية والجزائية وبالجملة يتذكرون به مصالح الدارين وينالون بالعمل به السعادتين بعد ما تبين الرشد من الغي والهدى من الضلال اي فمشيئته نافذة لا يمكن وان تعارض او تمانع. وفي هذه الاية وامثالها رد على فرقتي القدرية النفاة. والقدرية المجبرة كما تقدم مثلها والله اعلم والحمدلله بسم الله الرحمن الرحيم اي اذا انشقت السماء وانفضت وانتثرت نجومها وزال جمالها وفجرت البحار فصارت بحرا واحدا وبعثرت القبور بان اخرجت ما فيها من الاموال وحشروا للموقف بين يدي الله للجزاء على الاعمال. فحينئذ ينكشف الغطاء ويزول ما كان خفيا. وتعلم كل كل نفس ما معها من الارباح والخسران. هنالك يعض الظالم على يديه اذا رأى اعماله باطلة وميزانه قد خف. والمظالم قد تداعت اليه والسيئات قد حظرت لديه. وايقن بالشقاء الابدي والعذاب السرمدي. وهنالك يفوز المتقون المقدمون لصالح الاعمال بالفوز العظيم والنعيم المقيم والسلامة من عذاب الجحيم يقول تعالى معاتبا للانسان المقصر في حقه المتجرأ على معاصيه اتهاونا منك في حقوقه؟ ام احتقارا منك لعذابه ام عدم ايمان منك بجزائه اليس هو الذي خلقك فسواك في احسن تقويم. فعدلك وركبك تركيبا قويما معتدلا. في احسن الاشكال واجمل الهيئات هل يليق بك ان تكفر نعمة المنعم او تجحد احسان المحسن؟ ان هذا الا من جهلك وظلمك وعنادك وغشمك. فاحمد الله اذ لم يجعل صورتك صورة كلب او حمار. او نحوهما من الحيوانات. ولهذا قال تعالى وقوله مع هذا الوعظ والتذكير لا تزالون مستمرين على التكذيب بالجزاء وانتم لابد ان تحاسبوا على ما عملتم. وقد اقام الله وعليكم ملائكة كراما يكتبون اقوالكم وافعالكم ويعلمون افعالكم ودخل في هذا افعال القلوب وافعال الجوارح بكم ان تكرموهم وتجلوهم وتحترموهم. ان الابرار لفي نعيم. المراد بالابرار هم القائمون بحقوق الله وحقوق عباده. الملازمون للبر في اعمال القلوب واعمال الجوارح. فهؤلاء جزاؤهم النعيم في القلب والروح والبدن في دار الدنيا وفي دار البرزخ وفي دار القرار ان الفجار الذين قصروا في حقوق الله وحقوق عباده. الذين فجرت قلوبهم ففجرت اعمالهم لفي جحيم. اي ابن اليم في دار الدنيا ودار البرزخ وفي دار القرار. يصلونها يعذبون بها اشد العذاب يوم الدين. اي يوم الجزاء على الاعمال اي بل هم ملازمون لها لا يخرجون منها في هذا تهوين لذلك اليوم الشديد الذي يحير الاذهان ولو كانت لها قريبة او حبيبة مصافية فكل مشتغل لا يطلب الفكاك لغيرها فهو الذي يفصل بين العباد ويأخذ للمظلوم حقه من ظالمه. والله اعلم بسم الله الرحمن الرحيم. ويل كلمة عذاب ووعيد للمطففين. وفسر والله المطففين بقوله اي اخذوا منهم وفاء عما ثبت لهم هم قبله يستوفونه كاملا من غير نقص. اي اذا اعطوا الناس حقهم الذي للناس عليهم بكيل او وزن يخسرون اي ينقصونهم ذلك اما بمكيال وميزان ناقصين او بعدم ملء المكيال والميزان او نحو ذلك. فهذا سرقة لاموال الناس. وعدم انصاف لهم منهم. واذا كان هذا الوعيد على الذين يبخسون الناس المكيال والميزان فالذي يأخذ اموالهم قهرا او سرقة اولى بهذا الوعيد من المطففين ودلت الاية الكريمة على ان الانسان هناك ما يأخذ من الناس الذي له يجب عليه ان يعطيهم كل ما لهم من الأموال والمعاملات بل يدخل في عموم هذا الحجج والمقالات فانه كما ان المتناظرين قد جرت العادة ان كل واحد منهما يحرص على ما له من الحجج فيجب عليه ايضا ان يبين ما لخصمه من الحجج التي لا يعلمها وان ينظر في ادلة خصمه كما ينظر في ادلته هو وفي هذا الموضع يعرف انصاف الانسان من تعصبه واعتسابه وتواضعه من كبره وعقله من سفهه. نسأل الله التوفيق لكل خير. ثم توعد المطففين وتعجب من حالهم واقامتهم على ما هم عليه. فقال فالذي جرأهم على التطفيف عدم ايمانهم باليوم الاخر والا فلو امنوا به وعرفوا انهم يقومون بين يدي الله يحاسبهم على القليل والكثير لاقلعوا عن ذلك وتابوا منه. يقول تعالى كلا ان كتاب الفجار لفي سجيل. وهذا شامل لكل فاجر من انواع الكفرة والمنافقين والفاسقين. ثم فسر ذلك بقوله اي كتاب مذكور فيه اعمالهم الخبيثة والسجين المحل الضيق الضنك وسجين ضد عليين الذي هو محل كتاب الابرار كما سيأتي وقد قيل ان السجين هو اسفل الارض السابعة مأوى الفجار ومستقرهم في معادهم ويل يومئذ للمكذبين. ثم بين المكذبين بانهم اي يوم الجزاء. يوم يدين الله فيه الناس باعمالهم وما يكذب به الا كل معتد على محارم الله. متعد من الحلال الى الحرام. اثيم. اي كثير فهذا الذي يحمله عدوانه على التكذيب. ويوجب له كبره رد الحق. ولهذا اذا تتلى عليه اياتنا الدالة على الحق وعلى صدق ما جاءت به رسله كذبها وعاندها اي من ترهات المتقدمين واخبار الامم الغابرين. ليس من عند الله تكبرا وعنادا عن ربهم يومئذ لمحجوبون. واما من انصف وكان مقصوده الحق المبين. فانه لا يكذب بيوم الدين لان الله قد اقام عليه من الادلة القاطعة. والبراهين الساطعة ما يجعله حق اليقين. وصار لقلوبهم مثل الشمس للابصار. بخلاف في مران على قلبه كسبه وغطته معاصيه فانه محجوب عن الحق. ولهذا جوزي على ذلك بان حجب عن الله كما حجب في الدنيا عن ايات الله. ثم انهم مع هذه العقوبة البليغة اتصال الجحيم ثم يقال لهم توبيخا وتقريعا فذكر لهم ثلاثة انواع من العذاب. عذاب الجحيم وعذاب التوبيخ واللوم وعذاب الحجاب من رب العالمين متضمنا لسخطه وغضبه عليهم. وهو اعظم عليهم من عذاب النار. ودل مفهوم الاية على ان المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة وفي الجنة ويتلذذون بالنظر اليه اعظم من سائر اللذات. ويبتهجون بخطابه ويفرحون بقربه. كما ذكر الله ذلك في عدة ايات من القرآن وتواتر فيه النقل عن رسول الله وفي هذه الايات التحذير من الذنوب. فانها ترين على القلب وتغطيه شيئا فشيء حتى ينطمس نوره وتموت بصيرته فتنقلب عليه الحقائق فيرى الباطل حقا والحق باطلا وهذا من بعض الذنوب كتاب مرقوق. يشهده المقربون. لما ذكر ان كتاب التجار في اسفل الامكنة واضيقها ذكر ان كتاب الابرار في اعلاها واوسعها وافسحها وان كتابهم المرقوم من الملائكة الكرام وارواح الانبياء والصديقين والشهداء. وينوه الله بذكرهم في الملأ الاعلى وعليون اسم لاعلى الجنة. فلما ذكر كتابهم ذكر انهم في نعيم. وهو اسم جامع لنعيم القلب والروح على الارائك اي على السرر المزينة بالفرش الحسان. ينظرون الى ما اعد الله لهم من النعيم. وينظرون الى وجه ربهم الكريم تعرف ايها الناظر اليهم اي بهاء النعيم ونضارته ورونقه. فان توالي اللذة والسرور يكسب الوجه نورا وحسنا وبهجة يسقون من رحيق مختوم. يسقون من رحيق وهو من اطيب ما يكون من الاشربة والذها. مختوم ومن ذلك الشراب. ختامها مسك يحتمل ان المراد مختوم عن ان يداخله شيء ينقص لذته او يفسد طعمه وذلك الختام الذي ختم به مسك. ويحتم ان المراد انه الذي يكون في اخر الاناء الذي يشربون منه الرحيق حثالة وهي المسك الاظفر. فهذا الكدر منه الذي جرت العادة في الدنيا انه يراق يكون في الجنة بهذه المثابة وفي ذلك النعيم المقيم الذي لا يعلم مقداره وحسنه الا الله يتسابق في المبادرة اليه والاعمال الموصلة اليه. فهذا اولى ما بذلت فيه نفائس الانفاس. واحرى ما تزاحمت للوصول اليه فحول الرجال ومزاج هذا الشراب من تسنيم وهي عين يشرب بها المقربون صرفا. وهي اعلى اشربة الجنة على الاطلاق. فلذلك كانت خالصة للمقربين. الذين هم اعلى الخلق منزلة وممزوجة لاصحاب اليمين اي مخلوطة بالرحيق وغيره من الاشربة اللذيذة من الذين امنوا يضحكون. واذا مروا بهم يتغامزون. لما ذكر تعالى جزاء المجرمين وجزاء المؤمنين. وذكر ما بينهما من التفاوت العظيم. اخبر ان المجرمين كانوا في الدنيا يسخرون بالمؤمنين. ويستهزئون بهم ويضحكون منهم ويتغامزون بهم عند مرورهم عليهم احتقارا لهم وازدراء. ومع هذا تراهم مطمئنين لا يخطر الخوف على بالهم واذا انقلبوا الى اهلهم صباحا او مساء انقلبوا فكيهين. اي مسرورين مغتبطين. وهذا من اعظم ما يكون من الاغترار. انهم جمعوا غاية الاساءة والامن في الدنيا حتى كأنهم قد جاءهم كتاب من الله وعهد انهم من اهل السعادة. وقد حكموا لانفسهم انهم اهل الهدى وان المؤمنين ضالون افتراء على الله وتجرأ على القول عليه بلا علم. قال تعالى وما ارسلوا عليهم ايه وما ارسل وكلاء على المؤمنين. ملزمين بحفظ اعمالهم حتى يحرصوا على رميهم بالضلال. وما هذا فمنهم الا تعنت وعناد وتلاعب. ليس له مستند ولا برهان. ولهذا كان جزاؤهم في الاخرة من جنس عملهم. قال تعالى فاليوم اي يوم القيامة الذي امنوا من الكفار يضحكون. حين يرونهم في غمرات العذاب يتقلبون. وقد ذهب عنهم ما كانوا يفترون. والمؤمنون في غاية الراحة والطمأنينة على الارائك وهي السرر المزينة ينظرون الى ما اعد الله لهم من النعيم وينظرون الى وجه ربهم الكريم اي هل يجوز من جنس عملهم؟ فكما ضحكوا في الدنيا من المؤمنين ورموهم بالضلال. ضحك المؤمنون منهم في الاخرة ورأوهم في العذاب والنكال الذي هو عقوبة الغي والضلال. نعم ثوبوا ما كانوا يفعلون عدلا من الله وحكمة. والله عليم حكيم بسم الله الرحمن الرحيم ارض مدت والقت ما فيها وتخلت. يقول تعالى مبينا لما يكون في يوم القيامة من تغير الاجرام العظام اذا السماء انشقت اي انفطرت وتمايز بعضها من بعض. وانتثرت نجومها وخسف بشمسها وقمرها واذنت لربها اي استمعت لامره والقت سمعها واصاخت لخطابه وحق لها ذلك فانها مسخرة مدبرة تحت مسخر ملك عظيم لا يعصى امره ولا يخالف حكمه واذا الارض مدت اي رجفت وارتجت ونسفت عليها جبالها كما عليها من بناء ومعلم. فسويت ومدها الله تعالى مد الاديم. حتى صارت واسعة جدا. تسع اهل الموقف على كثرتهم فتصير قاعا صفصفا لا ترى فيه عوجا ولا امتا. والقت ما فيها من من الاموات والكنوز وتخلت منهم فانه ينفخ في الصور. فتخرج الاموات من الاجداث الى وجه الارض. وتخرج الارض كنوزها حتى تكون كل اسطوان عظيم يشاهده الخلق ويتحسرون على ما هم فيه يتنافسون اي انك ساع الى الله وعامل باوامره ونواهيه. ومتقرب اليه اما بالخير واما بالشر. ثم تلاقي الله يوم القيامة فلا تعدم منه جزاء بالفضل ان كنت سعيدا. او بالعدل ان كنت شقيا. ولهذا ذكر تفصيل الجزاء فقال ما من اوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا. فاما من اوتي كتابه بيمينه وهم اهل السعادة. وهو العرض اليسير على قال الله فيقرره الله بذنوبه حتى اذا ظن العبد انه قد هلك. قال الله تعالى له اني قد سترتها عليك في الدنيا فانا استرها لك اليوم. وينقلب الى اهله في الجنة سرورا بانه نجا من العذاب وفاز بالثواب واما من اوتي كتاب وراء ظهره اي بشماله من خلفه. من الخزي والفضيحة وما في كتابه من الاعمال التي قدمها ولم يتب منها. اي تحيط به السعير من كل جانب ويقلب على عذابها وذلك لانه في الدنيا. لا البعث على باله وقد اساء. ولم يظن انه راجع الى ربه. وموقوف بين يديه فلا يحسن ان يتركه سدى. لا يؤمر ولا ينهى ولا يثاب ولا يعاقب انا اقسم بالشفقة. اقسم في هذا الموضع بايات الليل فاقسم بالشفق الذي هو بقية نور الشمس. الذي هو مفتتح ليل والليل وما وسق. اي احتوى عليه من حيوانات وغيرها. والقمر اذا اتسق. اي امتلأ نورا بابداره وذلك احسن ما يكون واكثر منافع. والمقسم عليه قوله لتركبن اي ايها الناس طبقا عن طبق اي اطوارا متعددة واحوالا متباينة من النطفة الى العلقة الى المضغة الى نفخ الروح. ثم يكون وليدا وطفلا ثم مميزا. ثم يجري عليه قلم التكليف والامر والنهي ثم يموت بعد ذلك ثم يبعث ويجازى باعماله. فهذه الطبقات المختلفة الجارية على العبد دالة على ان ان الله وحده هو المعبود الموحد المدبر لعباده بحكمته ورحمته. وان العبد فقير عاجز تحت تدبير العزيز ومع هذا فكثير من الناس لا يؤمنون اي لا يخضعون للقرآن ولا ينقادون لاوامره ونواهيه والله اعلم بما يوعون. اي يعاندون الحق بعد ما تبين. فلا يستغرب عدم ايمانهم وعدم انقيادهم للقرآن فان المكذب بالحق عنادا لا حيلة فيه اي بما يعملونه وينوونه سرا. فالله يعلم سرهم وجهرهم. وسيجازيهم باعمالهم. ولهذا قال فبشرهم بعذاب اليم وسميت البشارة بشارة لانها تؤثر في البشرة سرورا او غما فهذه حال اكثر الناس. التكذيب بالقرآن وعدم الايمان به امنوا وعملوا الصالحات لهم اجر غير ممنون ومن فريق هداهم الله. فامنوا بالله وقبلوا ما جاءت به الرسل. فامنوا وعملوا الصالحات. فهؤلاء لهم اجر غير ممنون اي غير مقطوع بل هو اجر دائم مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر بسم الله الرحمن الرحيم والسماء ذات البروج. اي ذات المنازل المشتملة على منازل الشمس والقمر. والكواكب المنتظرة في سيرها على اكمل ترتيب ونظام دال على كمال قدرة الله تعالى ورحمته وسعة علمه وحكمته الموعود وشاهد ومشهود واليوم الموعود وهو يوم القيامة الذي وعد الله الخلق ان يجمعهم فيه ويضم فيه اولهم واخرهم وقاصيهم ودانيهم. الذي لا يمكن ان يتغير ولا يخلف الله الميعاد شمل هذا كل من اتصف بهذا الوصف اي مبصر ومبصر وحاضر ومحضور وراء ومرئي والمقسم عليه ما تضمنه هذا القسم من ايات الله الباهرة وحكمه الظاهرة ورحمته الواسعة. وقيل ان المقسم عليه قتل اصحاب وهذا دعاء عليهم بالهلاك والاخدود. الحفر التي تحفر في الارض. وكان اصحاب الاخدود هؤلاء قوما كافرين. ولديهم قوم فراودوهم للدخول في دينهم. فامتنع المؤمنون من ذلك. فشق الكافرون اخدودا في الارض. وقذفوا فيها النار حولها وفتنوا المؤمنين وعرضوهم عليها. فمن استجاب لهم اطلقوه ومن استمر على الايمان قذفوه في النار. وهذا في غاية المحاربة لله ولحزبه المؤمنين. ولهذا لعنهم الله واهلكهم وتوعدهم فقال النار ذات الوقود اذ هم عليها قعود. ثم فسر الاخدود بقوله النار ذات الوقود وهذا من اعظم ما يكون من التجبر وقساوة القلب. لانهم جمعوا بين الكفر بايات الله ومعاندتها. ومحاربة اهلها وتعذيبهم بهذا العذاب الذي تنفطر منه القلوب وحضورهم اياهم عند القائهم فيها الحميد. والحال انهم ما نقموا من المؤمنين الا خصلة يمدحون عليها وبها سعادتهم. وهي انهم كانوا يؤمنون بالله العزيز الحميد. اي الذي له العزة التي قهر بها كل شيء. وهو في اقواله واوصافه وافعاله الذي له ملك السماوات والارض خلقا وعبيدا. يتصرف فيهم تصرف المالك بملكه الذين هم ملك السماوات والارض والله على كل شيء شهيد. علما وسمعا وبصرا. افلا خاف هؤلاء المتمردون على الله؟ ان يبطش بهم العزيز المقتدر. اوما علموا انهم جميعهم مماليك ليس لاحد على احد سلطة من دون اذن المالك او خفي عليهم ان الله محيط باعمالهم مجاز لهم على فعالهم كلا ان الكافر في غرور. والظالم في جهل وعمل عن سواء السبيل. ثم وعدهم واوعدهم وعرض عليهم التوبة فقال لهم عذاب جهنم فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق اي العذاب الشديد المحرق. قال الحسن رحمه الله انظروا الى هذا الكرم والجود. هم قتلوا اولياءه واهل طاعته هو يدعوهم الى التوبة. ولما ذكر عقوبة الظالمين ذكر ثواب المؤمنين فقال لهم جنات تجري من تحتها ان الذين امنوا بقلوبهم وعملوا الصالحات فرحهم لهم جنات تجري من تحتها الانهار. ذلك الفوز الكبير الذي حصل به الفوز برضا الله ودار كرامته وهو الغفور الودود اي ان عقوبته لاهل الجرائم والذنوب العظام لقوية شديدة وهو بالمصاد للظالمين. كما قال الله تعالى وكذلك اخذ ربك اذا اخذ القرى وهي ظالمة. ان اخذه اليم شديد الغفور الودود. اي هو المنفرد بابداء الخلق واعادته. فلا مشارك له في ذلك وهو الغفور الذي يغفر الذنوب جميعها لمن تاب. ويعفو عن السيئات لمن استغفره وانا الودود الذي يحبه احبابه محبة لا يشبهها شيء. فكما انه لا يشابهه شيء في صفات الجلال والجمال. والمعاني افعال فمحبته في قلوب خواص خلقه. التابعة لذلك لا يشبهها شيء من انواع المحاب. ولهذا كانت محبته اصل العبودية وهي المحبة التي تتقدم جميع المحاب وتغلبها. وان لم يكن غيرها تبعا لها كانت عذابا على اهلها. وهو تعالى الودود الود لاحبابه. كما قال تعالى يحبهم ويحبونه. والمودة هي المحبة الصافية. وفي هذا السر اللطيف يقارن الودود بالغفور ليدل ذلك على ان اهل الذنوب اذا تابوا الى الله وانابوا غفر لهم ذنوبهم واحبهم فلا يقال بل تغفر ذنوبهم ولا يرجع اليهم الود. كما قاله بعض الغالطين. بل الله افرح بتوبة عبده حين يتوب. من رجل له عليها طعامه وشرابه وما يصلحه. فاضلها في ارض فلاة مهلكة فايس منها. فاضطجع في ظل شجرة ينتظر الموت فبينما هو على تلك الحال اذ راحلته على رأسه فاخذ بخطامها فالله اعظم فرحا بتوبة العبد من هذا براحلته وهذا اعظم فرح يقدر. فلله الحمد والثناء. وصفو الوداد ما اعظم بره واكثر خيره. واغزر احسانه واوسع امتنانة. اي صاحب العرش العظيم الذي من عظمته انه وسع السماوات والارض والكرسي. فهي بالنسبة الى العرش كحلقة ملقاة في فلاة. بالنسبة لسائر الارض. وخص الله العرش بالذكر لعظمته ولانه اخص المخلوقات بالقرب منه تعالى. وهذا على قراءة الجر. يكون المجيد نعتا للعرش. واما على قراءة في الرفع فان المجيد نعت لله والمجد سعة الاوصاف وعظمتها. اي مهما ما اراد شيء فعله اذا اراد شيئا قال له كن فيكون وليس احد فعالا لما يريد الا الله. فان المخلوقات ولو اراد شيئا فانه لا بد لارادتها من معاون وممانع. والله لا معاون لارادته ولا ممانع له مما اراد. ثم ذكر من هذه الدالة على صدق ما جاءت به رسله. فقال وكيف كذبوا المرسلين؟ فجعلهم الله من المهلكين. من الذين كفروا في تكذيب اي لا يزالون مستمرين على التكذيب والعناد لا تنفع فيهم الايات ولا تجدي لديهم العظات اي قد احاط بهم علما وقدرة. كقوله ان ربك لبالمرصاد. ففيه الوعيد الشديد للكافرين. من عقوبة من هم في قبضة وتحت تدبيره بل هو قرآن مجيد اي وسيع المعاني. عظيمها كثير الخير والعلم محفوظ من التغيير والزيادة والنقص. ومحفوظ من الشياطين وهو اللوح المحفوظ الذي قد اثبت الله فيه كل شيء وهذا يدل على دلالة القرآن وجزالته. ورفعة قدره عند الله تعالى. والله اعلم بسم الله الرحمن الرحيم يقول الله تعالى والسماء والطارق وما ادراك ما الطارق. ثم فسر بقوله النجم الثاقب اي المضيء الذي يثقب نوره فيخرق السماوات فينفذ حتى يرى في الارض. والصحيح انه اسم جنس يشمل سائر النجوم الثواقب. وقد قيل انه زحل الذي يخرق السماوات السبع. وينفذ فيها فيرى منها. وسمي لانه يطرق ليلا والمقسم عليه قوله يحفظ عليها اعمالها الصالحة والسيئة. وستجازى بعملها المحفوظ عليها فلينظر الانسان مما خلق اي فليتدبر خلقته ومبدأه فانه مخلوق من ماء دافق. وهو المني الذي يحتمل انه من بين صلب الرجل وترائب المرأة. وهي ثدياها. ويحتمل ان المراد المني الدافق. وهو مني الرجل وان محله الذي يخرج منه ما بين صلبه وترائبه ولعل هذا اولى. فانه انما وصف الله به الماء الدافئ الذي يحس به ويشاهد دفقه وهو مني الرجل. وكذلك لفظ الغرائب فانها تستعمل في الرجل. فان الترائب للرجل بمنزلة ذات الثديين للانثى فلو اريدت الانثى لقال من بين الصلب والثديين ونحو ذلك والله اعلم فالذي اوجد الانسان من ماء دافق يخرج من هذا الموضع الصعب قادر على رجعه في الاخرة واعادته للبعث والنشور والجزاء. وقد قيل ان معناه ان الله على رجع الماء المدفوق في الصلب لقادر. وهذا وان كان كان صحيحا فليس هو المراد من الاية. ولهذا قال بعده اي تختبر سرائر الصدور ويظهر ما كان في القلوب من خير وشر على صفحات الوجوه. قال تعالى يوم تبيض وجوه اسود وجوه ففي الدنيا تنكتم كثير من الامور. ولا تظهر عيانا للناس. واما في القيامة فيظهر بر الابرار فجور الفجار وتصير الامور علانية فما من قوة يدفع بها عن نفسه ولا ناصر خارجي ينتصر به. فهذا القسم على حالة العاملين وقت عملهم وعند جزائهم ثم اقسم قسما ثانيا على صحة القرآن فقال اي ترجع السماء بالمطر كل عام. وتنصدع الارض للنبات فيعيش بذلك الادميون والبهائم السماء ايضا بالاقدار والشؤون الالهية كل وقت. وتنصدع الارض عن الاموات وما هو بالهزل. انه اي القرآن لقول فصل. اي حق وصدق. بين واضح اي جد ليس بالهزل وهو القول الذي يفصل بين الطوائف والمقالات وتنفصل به الخصومات انهم اي المكذبين للرسول صلى الله عليه وسلم وللقرآن يكيدون كيدا ليدفعوا بكيدهم الحق. ويؤيد الباطل واكيد كيدا لاظهار الحق ولو كره الكافرون. ولدفع ما جاءوا به من الباطل. ويعلم بهذا من الغالب. فان الادمي اضعف واحقر من ان يغالب القوي العليم في كيده اي قليلا فسيعلمون عاقبة امرهم حين ينزل بهم العقاب بسم الله الرحمن الرحيم. سبح اسم ربك الاعلى الذي خلق فسواه الذي قدر فهدى والذي يأمر تعالى بتسبيحه المتضمن لذكره وعبادته. والخضوع لجلاله والاستكانة لعظمته. وان يكون تسبيح يليق بعظمة الله تعالى. بان تذكر اسماؤه الحسنى العالية على كل اسم. بمعناها الحسن العظيم. وتذكر افعاله التي منها انه خلق المخلوقات فسواها اي اتقنها واحسن خلقها والذي قدر تقديرا تتبعه جميع المقدرات. فهدى الى ذلك جميع المخلوقات. وهذه الهداية العامة التي مضمونها انه هدى كل مخلوق لمصلحته. وتذكر فيها نعمه الدنيوية. ولهذا قال فيها اي انزل من السماء ماء فانبت به انواع النبات والعشب الكثير. فرتع فيها الناس والبهائم وكل حيوان. ثم بعد ان استكمل ما قدر قال له من الشباب الوى نباته وصوح عشبه. اي اسود اي اله هشيما رميما. ويذكر فيها نعمه الدينية. ولهذا امتن الله باصلها ومنشأها. وهو القرآن. فقال اي سنحفظ ما اوحينا اليك من الكتاب ونعيه قلبك. فلا تنسى منه شيئا. وهذه بشارة كبيرة من الله لعبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ان الله سيعلمه علما لا ينساه الا ما شاء الله مما اقتضت حكمته ان ينسيكه لمصلحة بالغة الجهر وما يخفى. ومن ذلك انه يعلم ما يصلح عباده. اي فلذلك يشرع ما اراد. ويحكم بما يريد. وان وهذه ايضا بشارة كبيرة ان الله ييسر رسوله صلى الله عليه وسلم لليسرى في جميع اموره ويجعل شرعه ودينه يسرا. فذكر بشرع الله واياته اي ما دامت الذكرى مقبولة. والموعظة مسموعة سواء حصل من الذكرى جميع المقصود او بعضه. ومفهوم الاية انه ان لم تنفع الذكرى بان كان التذكير يزيد في الشر او ينقص من الخير لم تكن الذكرى مأمورا بها بل منهيا عنها فالذكرى وينقسم الناس فيها قسمين منتفعون وغير منتفعين. فاما المنتفعون فقد ذكرهم الله بقوله يخشى سيتذكر من يخشى الله تعالى فان خشية الله تعالى وعلمه بان سيجازيه على اعماله. توجب للعبد الانكفاف عن المعاصي والسعي في الخيرات. واما غير المنتفعين فذكرهم بقوله وهي النار الموقدة التي تطلع على الافئدة آآ اي يعذب عذابا اليما من غير راحة ولا استراحة. حتى انهم يتمنون الموت فلا يحصل لهم. كما قال تعالى لا عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها. اي قد فاز وربح من طهر نفسه نقاها من الشرك والظلم ومساوئ الاخلاق. اي اتصف بذكر الله وانصبغ به فاوجب له ذلك العمل بما يرضي الله. خصوصا الصلاة التي هي ميزان الايمان. فهذا معنى الاية الكريمة. واما من فسر قوله له تزكى بمعنى اخرج زكاة الفطر وذكر اسم ربه فصلى انه صلاة العيد فانه وان كان داخلا في اللفظ وبعض جزئياته فليس هو المعنى وحده. اي تقدمونها على الاخرة. وتختارون نعيمها المنغم بصل مكدر الزائل على الاخرة. وللاخرة خير من الدنيا في كل وصف مطلوب وابقى لكونيها دار خلد وبقاء وصفاء والدنيا دار فناء. فالمؤمن العاقل لا يختار الاردأ على الاجود ولا يبيع لذة ساعة بترحة الابد. فحب الدنيا وايثارها على الاخرة. رأس كل خطيئة ان هذا المذكور لكم في هذه السورة المباركة من الاوامر الحسنة والاخبار المستحسنة. الذين هما اشرف المرسلين سوى النبي محمد صلى الله عليه وسلم. فهذه اوامر في كل شريعة لكونها عائدة الى مصالح الدارين وهي مصالح في كل زمان ومكان بسم الله الرحمن الرحيم. هل اتاك حديث الغاشية؟ يذكر تعالى احوال يوم القيامة وما فيها من الاهوال الطامة وانها تغشى الخلائق بشدائدها. فيجازون باعمالهم ويتميزون الى فريقين. فريقا في الجنة وفريقا في السعير فاخبر عن وصفك لا الفريقين فقال في وصف اهل النار وجوه يومئذ خاشعة اي يوم يوم القيامة خاشعة من الذل والفضيحة والخزي. عاملة ناصبة اي تاعبة في العذاب تجر على وجوهها وتغشى وجوههم النار ويحتمل ان المراد بقوله وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة في الدنيا لكونهم في الدنيا اهل عبادات عمل ولكنه لما عدم شرطه وهو الايمان صار يوم القيامة هباء منثورا. وهذا الاحتمال وان كان صحيحا من حيث المعنى. فلا عليه سياق الكلام بل الصواب المقطوع به هو الاحتمال الاول. لانه قيده بالظرف وهو يوم القيامة. ولان المقصود هنا بيان وصف اهل النار عموما. وذلك الاحتمال جزء قليل من اهل النار. بالنسبة الى اهلها. ولان الكلام في بيان حال الناس عند غشيانه الغاشية فليس فيه تعرض لاحوالهم في الدنيا. وقوله نارا حامية. اي شديدا حرها تحيط بهم من كل مكان تسقى من عين انية. اي حارة شديدة الحرارة وان يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه فهذا شرابهم واما طعامهم ليس لهم طعام الا من ولا وذلك ان المقصود من الطعام احد امرين. اما ان يسد جوع صاحبه ويزيل عنه المه. واما ان بدنه من الهزال. وهذا الطعام ليس فيه شيء من هذين الامرين. بل هو طعام في غاية المرارة والنتن والخسة. نسأل الله العافية. واما اهل الخير فوجوههم يوم القيامة ناعمة. اي قد جرت عليهم نظرة النعيم. فنظرت ابدانهم واستنارت وجوههم. وسروا غاية السرور لسعيها الذي قدمته في الدنيا من الاعمال الصالحة والاحسان الى عباد الله راضية. اذ وجدت ثوابه مدخرا مضاعفا. فحمدت عقباه وحصل لها كل ما تتمناه. وذلك انها في جنة جامعة لانواع النعيم كلها عالية في محلها ومنازلها. فمحلها في اعلى عليين ومنازلها مساكن عالية. لها غرف ومن فوق الغرف غرف مبنية. يشرفون منها على ما اعد الله لهم من الكرامة لا تسمع فيها لاغية. لا تسمع فيها اي الجنة لاغية. اي كلمة لغو وباطل. فضلا عن الكلام محرم بل كلامهم كلام حسن نافع مشتمل على ذكر الله تعالى وذكر نعمه المتواترة عليهم وعلى الاداب المستحسنة من المتعاشرين الذي يسر القلوب ويشرح الصدور. وهذا اسم جنز اي فيها العيون الجارية التي يفجرونها ويصرفونها كيف شاءوا. وانا ارادوا والسرور جمع السرير وهي المجالس المرتفعة في ذاتها وبما عليها من الفرش اللينة الوطيئة. اي اوان ممتلئة من انواع الاشربة اللذيذة قد وضعت بين ايديهم واعدت لهم وصارت تحت طلبهم واختيارهم. يطوف بها عليهم الولدان المخلدون. اي وسائد من الحرير والاستبرق وغيرهما مما لا يعلمه الا الله. قد صفت للجلوس والاتكاء عليها وقد اريحوا عن ان يضعوها ويصفوها بانفسهم والزرابي هي البسط الحسان مبثوثة اي مملوءة بها مجالسهم من كل جانب ينظرون الى الابل كيف خلقت. يقول تعالى حثا للذين لا يصدقون الرسول صلى الله عليه وسلم. ولغيرهم من الناس ان يتفكروا في مخلوقات الله الدالة على توحيده. اي الا ينظرون الى البديع وكيف سخرها الله للعباد وذللها لمنافعهم الكثيرة التي يضطرون اليها كيف نصبت بهيئة باهرة حصل بها استقرار الارض وثباتها عن الاضطراب. واودع الله فيها من المنافع الجليلة ما اودع اي مدت مدا واسعا وسهلت غاية التسهيل ليستقر الخلائق على ظهرها ويتمكنوا من وغراسها والبنيان فيها وسلوك الطرق الموصلة الى انواع المقاصد فيها. واعلم ان تسطيحها لا ينافي انها كرة مستديرة قد احاطت الافلاك فيها من جميع جوانبها كما دل على ذلك العقل والنقل والحس والمشاهدة كما هو مذكور معروف عند اكثر الناس خصوصا في هذه الازمنة التي وقف الناس على اكثر ارجائها بما اعطاهم الله من الاسباب المقربة للبعيد. فان التسطيح انما هنا في كروية الجسم الصغير جدا الذي لو سطح لم يبقى له استدارة تذكر. واما جسم الارض الذي هو في غاية الكبر والسعة فيكون مسطحا ولا يتنافى الامران كما يعرف ذلك ارباب الخبرة اي ذكر الناس وعظهم وانذرهم وبشرهم. فانك مبعوث لدعوة الخلق الى الله وتذكيرهم ولم تبعث مسيطرا عليهم مسلطا موكلا باعمالهم. فاذا قمت بما عليك فلا عليك بعد ذلك لوم كقوله تعالى وما انت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد. وقوله اي لكن من تولى عن الطاعة وكفر بالله. اي الشديد الدائم اي رجوع الخليقة وجمعهم في يوم القيامة فنحاسبهم على ما عملوا من خير وشر بسم الله الرحمن الرحيم الظاهر ان المقسم به هو المقسم عليه. وذلك جائز مستعمل. اذا كان امرا ظاهرا مهم وهو كذلك في هذا الموضع فاقسم تعالى بالفجر الذي هو اخر الليل ومقدمة النهار لما في ادبار الليل واقبال النهار من الايات الدالة على كمال قدرة الله تعالى. وانه وحده المدبر لجميع الامور. الذي لا تنبغي العبادة الا له ويقع في الفجر صلاة فاضلة معظمة. يحسن ان يقسم الله بها. ولهذا اقسم بعده بالليالي العشر. وهي على الصحيح ليالي عشر رمضان او عشر ذي الحجة فانها ليالي مشتملة على ايام فاضلة. ويقع فيها من العبادات والقربات ما لا يقع في غيرها. وفي ليالي عشر رمضان ليلة القدر التي هي خير من الف شهر. وفي نهارها صيام اخر رمضان الذي هو ركن من اركان الاسلام. وفي ايام عشر ذي الحجة الوقوف بعرفة. الذي يغفر الله فيه لعباده مغفرة يحزن لها الشيطان. فما رؤي الشيطان احقر ولا ادحر منه في يوم عرفة. لما يرى من تنزل الاملاك والرحمة من الله لعباده ويقع فيها كثير من افعال الحج والعمرة وهذه اشياء معظمة مستحقة لان يقسم الله بها والليل اذا اي وقت سريانه وارخائه ظلامه على العباد. فيسكنون ويستريحون ويطمئنون. رحمة منه تعالى وحكمة هل في ذلك المذكور قسم لذي حجر؟ اي لذي عقل. نعم بعض ذلك يكفي لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد. يقول تعالى الم ترى بقلبك وبصيرتك كيف فعل بهذه الامم الطاغية؟ وهي ارم القبيلة المعروفة في اليمن ذات العماد اي القوة الشديدة والعتو والتجبر التي لم يخلق مثلها اي مثل عاد في البلاد اي في جميع البلدان في القوة والشدة. كما قال لهم النبي فيهم هود عليه السلام. واذكروا اذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة. فاذكروا الاء الله لعلكم تفلحون وثمود الذين جابوا الصخر بالوادي اي وادي القرى نحتوا بقوتهم الصخور فاتخذوها مساكن اي ذي الجنود الذين ثبتوا ملكه كما تثبت الاوتاد ما يراد امساكه بها. هذا عائد الى عاد وثمود وفرعون ومن تبعهم. فانهم طغوا في بلاد الله واذوا عباد الله في دينهم ودنياهم هذا قال قالت فاكثروا فيها الفساد. وهو العمل بالكفر وشعبه. من جميع اجناس المعاصي. وسعوا في محاربة الرسل وصد الناس عن لله. فلما بلغوا من العتو ما هو موجب لهلاكهم. ارسل الله عليهم من عذابه ذنوبا وسوط عذاب ان ربك لبالمرصاد لمن عصاه يمهله قليلا ثم يأخذه اخذ عزيز مقتدر يخبر تعالى عن طبيعة الانسان من حيث هو. وانه جاهل ظالم لا علم له بالعواقب. يظن الحالة التي تقع فيه تستمر ولا تزول. ويظن ان اكرام الله في الدنيا وانعامه عليه يدل على كرامته عنده وقربه منه. وانه اذا لا قدر عليه رزقه اي ضيقه فصار بقدر قوته لا يفضل منه ان هذا اهانة من الله له. فرد الله عليه هذا الحسبان قوله كلا اي ليس كل من نعمته في الدنيا فهو كريم علي. ولكل من قدرت عليه رزقه فهو مهان لدي. وانما والفقر والسعة والضيق. ابتلاء من الله وامتحان يمتحن به العباد. ليرى من يقوم له بالشكر والصبر. فيثيبه على ذلك الثواب الجزيل ممن ليس كذلك. فينقله الى العذاب الوبيل. وايضا فان وقوف همة العبد عند مراد نفسه فقط. من ضعف الهمة ولهذا لامهم الله على عدم اهتمامهم باحوال الخلق المحتاجين. فقال الذي فقد اباه وكاسبه واحتاج الى جبر خاطره والاحسان اليه. فانتم لا تكرمونه بل تهينونه هذا يدل على عدم الرحمة في قلوبكم وعدم الرغبة في الخير اي لا يحض بعضكم بعضا على اطعام المحاويج من المساكين والفقراء وذلك لاجل الشح على الدنيا ومحبتها الشديدة المتمكنة من القلوب ولهذا قال هنا المال حبا جما. وتأكلون التراث اي المال المخلف اكلا لما اي ذريعا لا تبقون على شيء منه. اي كثيرا شديدا. وهذا كقوله تعالى بل تؤثرون الحياة الدنيا والاخرة خير وابقى. كلا بل لا تحبون العاجلة. وتذرون الاخرة كلا اذا دكت الارض دكا دكا وجاء ربك والملك صفا صفا وجاء ربك والملك صمم يومئذ بجهنم كلا اي ليس فكل ما احببتم من الاموال وتنافستم فيه من اللذات بباقي لكم. بل امامكم يوم عظيم وهول جسيم. تدك فيه الارض والجبال وما عليها حتى تجعل قاعا صفصفا لا عوج فيه ولا امت. ويجيء الله تعالى لفصل القضاء بين عباده في ظلل من الغمام وتجيء الملائكة الكرام اهل السماوات كلهم صفا صفا اي صفا بعد صف. كل سماء يجيء ملائكة يحيطون بمن دونهم من الخلق. وهذه الصفوف صفوف خضوع وذل للملك الجبار يومئذ بجهنم. تقودها الملائكة بالسلاسل. فاذا وقعت هذه يومئذ يتذكر الانسان ما قدمه من خير وشر. فقد فات اوانها وذهب زمانها يقول متحسرا على ما فرط في جنب الله يا ليتني قدمت لحياتي الدائمة الباقية. عملا صالحا. كما قال تعالى. يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتني لم اتخذ فلانا خليلا. وفي هذه الاية دليل على ان الحياة التي ينبغي السعي في وكمالها وفي تتميم لذاتها هي الحياة في دار القرار. فانها دار الخلد والبقاء لمن اهمل ذلك اليوم ونسي العمل له. ولا يوثق وساقه احد فانهم يقرنون بسلاسل من نار. ويسحبون على وجوههم في الحميم. ثم في النار يسجرون. فهذا جزاء المجرمين واما من اطمئن الى الله وامن به وصدق رسله فيقال له النفس المطمئن ترجعين الى ربك راضية. ارجعي الى ربك راضية مرضية. يا ايتها النفس المطمئنة الى ذكر الله. الساكنة الى حبه. التي قرت عينه بالله. ارجعي الى ربك الذي رباك بنعمته واسدى عليك من احسانه ما صرت به من اوليائه واحبابه. راضية مرضية اي راضية عن الله وعن ما اكرمها به من الثواب. والله قد رضي عنها وهذا تخاطب به الروح يوم القيامة. وتخاطب به في حال الموت. والحمد لله رب العالمين بسم الله الرحمن الرحيم. لا اقسم بهذا البلد وانت حل بهذا البلد ووالد وما ولد تعالى بهذا البلد الامين الذي هو مكة المكرمة. افضل البلدان على الاطلاق. خصوصا وقت حلول الرسول صلى الله عليه وسلم في ووالد وما ولد. اي ادم وذريته. والمقسم عليه قوله يحتمل ان المراد بذلك ما يكابده ويقاسيه من الشدائد في الدنيا. وفي البرزخ ويوم يقوم الاشهاد. وانه ينبغي له وان يسعى في عمل يريحه من هذه الشدائد. ويوجب له الفرح والسرور الدائم. وان لم يفعل فانه لا يزال يكابد العذاب الشديد اذا ابد الاباد ويحتمل ان المعنى لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم واقوم خلقة يقدر على التصرف والاعمال الشديدة ومع ذلك فانه لم يشكر الله على هذه النعمة العظيمة. بل بطر بالعافية وتجبر على خالقه. فحسب بجهله وظلمه ان هذه الحالة ستدوم له. وان سلطان تصرفه لا ينعزل. ولهذا قال تعالى ويطغى ويفتخر بما انفق من الاموال على شهوات نفسه. اي كثيرا بعضه فوق بعض. وسمى الله تعالى الانفاق في الشهوات والمعاصي اهلاكا. لانه لا ينتفع المنفق بما انفق. ولا يعود اليه من انفاقه الا الندم والخسار والتعب والقلة. لا كمن انفق في مرضاة الله في سبيل الخير. فان هذا قد تاجر مع الله اضعاف اضعاف ما انفق. قال الله متوعدا هذا الذي يفتخر بما انفق في الشهوات. اي ايحسب في فعله هذا ان الله لا يراه ويحاسبه على الصغير والكبير. بل قد رآه الله وحفظ عليه اعماله ووكل به الكرام كاتبين لكل ما عمله من خير وشر. ثم قرره بنعمه فقال للجمال والبصر والنطق وغير ذلك من المنافع الضرورية فيها. فهذه نعم الدنيا. ثم قال في نعم الدين وهديناهن نجدين اي طريقي الخير والشر. بينا له الهدى من الضلال. والرشد فمن الغي فهذه المنن الجزيلة تقتضي من العبد ان يقوم بحقوق الله. ويشكر الله على نعمه والا يستعين بها على معاصيه ولكن هذا الانسان لم يفعل ذلك. وما ادراك ما العقبة فك رقبة. فلا اقتحم العقبة اي لم يقتحمها ويعبر عليها. لانه متبع لشهواته. وهذه العقبة شديدة عليه. ثم فسر هذا العقبة بقوله فك رقبة اي فكها من الرق بعتقها او مساعدتها على اداء كتابتها. ومن باب اولى فكاك الاسير المسلم عند الكفار. اي مجاعة شديدة بان يطعم وقت الحاجة اشد الناس حاجة يتيما ذا مقربة او مسكينا ذا متربة يتيما ذا مقربة اي جامعا بين كونه يتيما فقيرا ذا قرابة او مسكينا ذا متربة اي قد لزق بالتراب من الحاجة والضرورة الذين امنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة. ثم كان من الذين امنوا اي امنوا بقلوبهم بما يجب الايمان وعملوا الصالحات بجوارحهم من كل قول وفعل واجب او مستحب. وتواصوا بالصبر على طاعة الله وعن معصيته وعلى اقدار الله المؤلمة بان يحث بعضهم بعضا على الانقياد لذلك. والاتيان به كاملا منشرحا به الصدر. مطمئنة به النفس وتواصوا بالمرحمة للخلق من اعطاء محتاجهم وتعليم جاهلهم والقيام بما يحتاجون اليه من جميع الوجوه ومساعدتهم على المصالح الدينية والدنيوية. وان يحب لهم ما يحب لنفسه. ويكره لهم ما يكره لنفسه. اولئك الذين قاموا بهذه الاوصاف. الذين وفقهم الله لاقتحام هذه العقبة. لانهم ادوا ما امر الله به من حقوقه وحقوق عباده وتركوا ما نهوا عنه. وهذا عنوان السعادة وعلامتها والذين كفروا باياتنا بان نبذوا هذه الامور وراء ظهورهم فلم يصدقوا بالله ولا امنوا به ولا صالحا ولا رحموا عباد الله عليهم نار مقصدة اي مغلقة في عمد ممددة قد مد من ورائها لئلا تنفتح ابوابها حتى يكونوا في ضيق وهم وشدة. والحمدلله بسم الله الرحمن الرحيم. اقسم تعالى بها هذه الايات العظيمة على النفس المفلحة. وغيرها من النفوس الفاجرة. فقال والشمس وضحاها اي نورها ونفعها الصادر منها. والقمر اذا تلاها اي تبعها في المنازل والنور. والنهار اذا جلاها اي جلى ما على في الارض واوضحه وما بناها والارض وما طحاها اذا يغشاها اي يغشى وجه الارض فيكون ما عليها مظلما. فتعاقب الظلمة والضياء والشمس والقمر على هذا بانتظام واتقان وقيام لمصالح العباد. اكبر دليل على ان الله بكل شيء عليم. وعلى كل شيء قدير. وان المعبود وحده الذي كل معبود سواه فباطل. والسماء وما بناها يحتمل النماء موصولة. فيكون الاقسام بالسماء وبانيها. الذي هو الله تبارك وتعالى ويحتمل انها مصدرية. فيكون الاقسام بالسماء وبنيانها. الذي هو وغاية ما يقدر من الاحكام والاتقان والاحسان. ونحو ذلك قوله والارض وما طحاها اي مدها ووسعها تمكن الخلق حينئذ من الانتفاع بها. بجميع وجوه الانتفاع اتقوا الله ونفس وما سواها. يحتمل ان المراد نفس سائر المخلوقات الحيوانية. كما يؤيد هذا العموم. ويحتمل ان المراد بالاقسام بنفس الانسان المكلف بدليل ما يأتي بعده. وعلى كل فالنفس اية كبيرة من ايات الله التي حقيقة بالاقامة بها فانها في غاية اللطف والخفة سريعة التنقل والحركة والتغير والتأثر والانفعالات النفسية من الهم والارادة القصد والحب والبغض. وهي التي لولاها لكان البدن مجرد تمثال لا فائدة فيه. وتسويتها على هذا الوجه اية من ايات الله العظيمة وقوله قد افلح من زكاها طهر نفسه من الذنوب ونقاها من العيوب. ورقاها بطاعة الله وعلاها بالعلم النافع والعمل الصالح اي اخفى نفسه الكريمة التي ليست حقيقة بقمعها واخفائها. بالتدنس بالرذائل والدنو من العيوب والاقتراف للذنوب وترك ما يكملها وينميها واستعمال ما يشينها ويدسيها كذب التمود بطغواها اي بسبب طغيانها وترفعها عن الحق وعتوها على رسل الله اذ انبعث اشقاها اي اشقى القبيلة وهو قدر ابن سالف لعقرها حين اتفقوا على ذلك وامروه فائتمر لهم فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها. فقال لهم رسول الله صالح عليه السلام محذرا ناقة الله وسقياها. اي احذروا عقر ناقة الله. التي جعلها لكم اية عظيمة. ولا تقابلوا نعمة الله عليكم بسقيل بنين فيها ان تعقروها فكذبوا نبيهم صالحا فسواها اي دمر عليهم وعمهم بعقابه. وارسل عليهم الصيحة من فوقهم. والرجفة من تحتهم. فاصبحوا جاثمين على بهم لا تجد منهم داعيا ولا مجيبا. فسواها عليهم اي سوى بينهم بالعقوبة اي تبعتها؟ وكيف يخاف من هو قاهر؟ لا يخرج عن قهره وتصرفه مخلوق. الحكيم في كل ما قال الله وشرع بسم الله الرحمن الرحيم هذا قسم من الله بالزمان الذي تقع فيه افعال العباد على تفاوت احوالهم فقال والليل اذا يغشى ان يعم الخلق بظلامه فيسكن كل الى مأوى وهو مسكنه ويستريح العباد من الكد والتعب اذا تجلى للخلق فاستضاءوا بنوره وانتشروا في مصالحهم. وما خلق الذكر والانثى ان كانت ما موصولة كان اقساما بنفسه الكريمة الموصوفة بانه خالق الذكور والاناث. وان كانت مصدرية كان من بخلقه للذكر والانثى وكمال حكمته في ذلك ان خلق من كل صنف من الحيوانات التي يريد بقاءها ذكرا وانثى ليبقى النوع ولا يضمحل. وقاد كلا منهما الى الاخر بسلسلة الشهوة. وجعل كلا منهما مناسبا للاخر. فتبارك الله احسن الخالقين وقوله ان سعيكم لشتى. هذا هو المقسم عليه. اي ان سعيكم ايها المكلفون لمتفاوتون كن تفاوتا كثيرا وذلك بحسب تفاوت نفس الاعمال ومقدارها والنشاط فيها. وبحسب الغاية المقصودة بتلك الاعمال. هل هو وجه الله الاعلى الباقي فيبقى السعي له ببقائه وينتفع به صاحبه؟ ام هي غاية مضمحلة فانية؟ فيبطل السعي ببطلانها ويضمحل باضمحلالها. وهذا كل عمل يقصد به غير وجه الله تعالى بهذا الوصف. ولهذا فصل الله تعالى العاملين ووصف اعمالهم فقال فاما من اعطى اي ما امر به من العبادات المالية كالزكوات الكفارات والنفقات والصدقات والانفاق في وجوه الخير. والعبادات البدنية كالصلاة والصوم ونحوهما والمركبة منهما كالحج والعمرة ونحوهما. واتقى ما نهي عنه من المحرمات والمعاصي على اختلاف اجناسها وصدق بالحسنى اي صدق بلا اله الا الله وما دلت عليه من جميع العقائد الدينية وما ترتب عليها من الجزاء الاخروي. اي نسهل عليه امره ونجعله ميسر له كل خير ميسرا له ترك كل شر. لانه اتى باسباب التيسير فيسر الله له ذلك قيل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى. واما من بخل بما امر به فترك الانفاق الواجب يستحب ولم تسمح نفسه باداء ما وجب لله واستغنى عن الله. فترك عبوديته جانبا ولم يرى نفسه مفتقرة غاية الى ربها. الذي لا نجاة لها ولا فوز ولا فلاح. الا بان يكون هو محبوبها ومعبودها. الذي تقصده وتتوجه اليه وكذب بالحسنى اي بما اوجب الله على العباد التصديق به من العقائد الحسنة. اي للحالة العسرة والخصال الذميمة بان يكون ميسرا للشر اينما كان. ومقيدا له افعال المعاصي. نسأل الله العافية وما يغني عنه ما له الذي اطغاه واستغنى به وبخل به اذا هلك ومات. فان انه لا يصحبه الا عمله الصالح. واما ما له الذي لم يخرج منه الواجب. فانه يكون وبالا عليه. اذ لم يقدم منه لاخرته به شيئا ان علينا للهدى اي ان الهدى مستقيم طريقه يوصل الى الله ويدني من رضاه. واما الضلال فطرق مسدودة عن الله لا توصل صاحبها الا للعذاب الشديد ملكا وتصرفا ليس له فيهما مشارك فليرغب الراغبون اليه في الطلب ينقطع رجاؤهم عن المخلوقين. اي تستعر وتتوقد الذي كذب بالخبر وتولى عن الامر بان يكون قصده به تزكية نفسه وتطهيرها من الذنوب والعيوب قاصدا به وجه الله تعالى فدل هذا على انه اذا تضمن الانفاق المستحب ترك واجب كدين ونفقة ونحوهما فانه غير مشروع. بل تكون عطيته مردودة عند كثير من العلماء. لانه لا يتزكى بفعل مستحب. يفوت عليه الواجب اي ليس لاحد من الخلق على هذا الاتقى نعمة تجزى الا وقد بها وربما بقي له الفضل والمنة على الناس. فتمحض عبدا لله لانه رقيق احسانه وحده. واما من بقي عليه نعمة قل للناس لم يجزها ويكافئها فانه لا بد ان يترك للناس ويفعل لهم ما ينقص اخلاصه. وهذه الاية وان كانت متناولة لابي بكر الصديق رضي الله عنه بل قد قيل انها نزلت في سببه فانه رضي الله عنه ما لاحد عنده من نعمة تجزى حتى اولا رسول الله صلى الله عليه وسلم الا نعمة الرسول التي لا يمكن جزاؤها. وهي نعمة الدعوة الى دين الاسلام وتعليم الهدى ودين الحق فان لله ورسوله المنة على كل احد منة لا يمكن لها جزاء ولا مقابلة. فانها متناولة لكل من اتصف بهذا الوصف الفاضل فلم يبق لاحد عليه من الخلق نعمة تجزى فبقيت اعماله خالصة لوجه الله تعالى. ولهذا قال ولسوف يرضى هذا الاتقى بما يعطيه الله من انواع الكرامات والمثوبات والحمد لله رب العالمين بسم الله الرحمن الرحيم اقسم تعالى بالنهار اذا انتشر ضياؤه بالضحى. وبالليل اذا سجى وادلهمت ظلمته على اعتناء الله برسوله به صلى الله عليه وسلم فقال اي ما تركك منذ اعتنى بك ولا اهملك منذ رباك من لم يزل يربيك احسن تربية ويعليك درجة بعد درجة وما قلاك الله اي ما ابغضك منذ احبك. فان نفي الضد دليل على ثبوت ضده. والنفي المحض لا يكون مدحا الا اذا تضمن امن ثبوت كمال فهذه حال الرسول صلى الله عليه وسلم الماضية والحاضرة. اكمل حال واتمها محبة الله له واستمرارها وترقيته في درج الكمال ودوام اعتناء الله به. واما حاله المستقبلة فقال اي كل حالة متأخرة من احوالك. فان لها الفضل على الحالة السابقة. فلم يزل صلى الله عليه وسلم يصعد في درج المعالي ويمكن الله له دينه وينصره على اعدائه ويسدد له احواله حتى مات. وقد وصل الى حال لا يصل اليها الاولون والاخرون من الفضائل والنعم وقرة العين وسرور القلب. ثم بعد ذلك لا تسأل عن حاله في الاخرة. من تفاصيل الاكرام الانعام ولهذا قال وهذا امر لا يمكن التعبير عنه بغير هذه العبارة الجارية الشاملة ثم امتن عليه بما يعلمه من احواله الخاصة فقال اي وجد كلام ولا اب. بل قد مات ابوه وامه وهو لا يدبر نفسه. فاواه الله وكفله جده عبدالمطلب. ثم لما مات جده كفله الله عمه ابا طالب. حتى ايده الله بنصره وبالمؤمنين. ووجدك ووجدك عائلا فاغنى. اي وجدك لا تدري ما الكتاب ولا الايمان. فعلمك ما لم تكن تعلم ووفقك لاحسن الاعمال والاخلاق. ووجدك عائلا اي فقيرا فاغنى بما فتح الله وعليك من البلدان التي جبيت لك اموالها وخراجها. فالذي ازال عنك هذه النقائص سيزيل عنك كل نقص. والذي اوصلك الى واواك ونصرك وهداك قابل نعمته بالشكران. ولهذا قال اي لا تسيء معاملة اليتيم ولا يضيق صدرك عليه ولا تنهره بل اكرمه واعطه ما تيسر. واصنع به كما تحب ان يصنع بولدك من بعدك اي لا يصدر منك الى السائل كلام يقتضي رده عن مطلوبه. بنهر وشراسة خلق بل اعطه ما تيسر عندك. او رده بمعروف واحسان. وهذا يدخل فيه السائل للمال. والسائل للعلم. ولهذا كان علموا مأمورا بحسن الخلق مع المتعلم. ومباشرته بالاكرام والتحنن عليه. فان في ذلك معونة له على مقصده. واكراما لمن كان يسعى في نفع العباد والبلاد. واما بنعمة ربك وهذا يشمل النعم الدينية والدنيوية فحدث. اي اثني على الله بها وخصصها بالذكر ان كان هناك مصلحة. والا فحدث بنعم الله على الاطلاق فان التحدث بنعمة الله داع لشكرها. وموجب لتحبيب القلوب الى من انعم بها. فان القلوب مجبولة على محبة المحسن. بسم الله الرحمن الرحيم. يقول تعالى ممتنا على رسوله. اي نوسعه لشرائع الدين والدعوة الى الله والاتصاف بمكارم الاخلاق والاقبال على الاخرة وتسهيل الخيرات. فلم يكن ضيقا حرجا. لا يكاد ينقاد لخير ولا تكاد تجده منبسطا ووضعنا عنك وزرك الذي انقض ظهرك ورفعنا لك ذكرك ووضعنا عنك وزرك اي ذنبك الذي انقض اي اثقل ظهرك. كما قال تعالى ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ورفعنا لك ذكرك. اي اعلينا قدرك وجعلنا لك الثناء الحسن العالي. الذي لم يصل اليه احد من الخلق. فلا يذكر الله الا ذكر معه رسوله صلى الله عليه وسلم كما في الدخول في الاسلام وفي الاذان والاقامة والخطب وغير ذلك من الامور التي اعلى الله بها ذكرى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. وله في قلوب امته من المحبة والاجلال والتعظيم. ما ليس لاحد غيره بعد الله تعالى قال فجزاه الله عن امته افضل ما جزى نبيا عن امته. وقوله بشارة عظيمة. انه كلما وجد عسر وصعوبة فان اليسر يقارنه ويصاحبه. حتى لو دخل العسر جحر ضبه الا دخل عليه اليسر فاخرجه. كما قال تعالى سيجعل الله بعد عسر يسرا. وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم وان خرج مع الكرب وان مع العسر يسرا. وتعريف العسر في الايتين. يدل على انه واحد وتنكير اليسر يدل على تكراره فلن يغلب عسر يسرين. وفي تعريفه بالالف واللام الدالة على الاستغراق والعموم. يدل على ان كل عسر وان بلغ من صعوبة ما بلغ فانه في اخره التيسير ملازم له. ثم امر الله رسوله اصلا والمؤمنين تبعا بشكره والقيام بواجبه نعمه فقال اي اذا تفرغت من اشغالك ولم يبقى في قلبك ما يعوقه فاجتهد في العبادة والدعاء. والى ربك وحده فارغب. اي اعظم الرغبة في اجابة دعائك اول عباداتك ولا تكن ممن اذا فرغوا وتفرغوا لعبوا واعرضوا عن ربهم وعن ذكره. فتكون من الخاسرين. وقد قيل ان مقوله فاذا فرغت من الصلاة واكملتها فانصب في الدعاء والى ربك فارغب في سؤال مطالبك واستدل من قال بهذا القول على مشروعية الدعاء والذكر عقب الصلوات المكتوبات. والله اعلم بذلك بسم الله الرحمن الرحيم. والتين والزيتون. التين هو التين المعروف. وكذلك الزيتون. اقسم بهاتين الشجرتين لكثرة منافع شجرهما وثمرهما. ولان سلطانهما في ارض الشام محل نبوة عيسى ابن مريم عليه السلام فطور سنين وهذا البلد الامين. وطور سنين اي طور سيناء محل نبوة موسى عليه الصلاة والسلام هذا البلد الامين. وهي مكة المكرمة محل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم. فاقسم تعالى بهذه المواضع المقدسة التي اختارها وابتعث منها افضل النبوات واشرفها. والمقسم عليه قوله اي تام الخلق متناسب الاعضاء منتصب القامة. لم يفقد مما يحتاج اليه ظاهرا او باطنا شيئا ومع هذه النعم العظيمة التي ينبغي منه القيام بشكرها. فاكثر الخلق منحرفون عن شكر المنعم. مشتغلون باللهو واللعب قد رضوا لانفسهم باسافر الامور وسفساف الاخلاق فردهم الله في اسفل سافلين اي اسفل النار موضع العصاة المتمردين على ربهم الا من من الله عليه بالايمان والعمل الصالح والاخلاق الفاضلة العالية فلهم بذلك المنازل العالية. واجر غير ممنون اي غير مقطوع. بل لذات متوافرة وافراح متواترة ونعم متكاثرة في ابد لا يزول ونعيم لا يحول. اكلها دائم وظلها اي اي شيء يكذبك ايها الانسان بيوم الجزاء على الاعمال. وقد رأيت من ايات الله الكثيرة ما به يحصل لك اليقين ومن نعمه ما يوجب عليك الا تكفر بشيء مما اخبرك به فهل تقتضي حكمته ان يترك الخلق سدى؟ لا يؤمرون ولا ينهون. ولا يثابون ولا يعاقبون. ام الذي خلق الانسان اطواره بعد اطوار واوصل اليهم من النعم والخير والبر ما لا يحصونه. وربهم التربية الحسنة. لا بد ان يعيدهم الى دار مستقرهم وغايتهم التي اليها يقصدون ونحوها يأمون بسم الله الرحمن الرحيم. اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الانسان من علق. هذه السورة اول سور القرآنية نزولا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فانها نزلت عليه في مبادئ النبوة. اذ كان لا يدري ما الكتاب ولا الايمان فجاءه جبريل عليه الصلاة والسلام بالرسالة وامره ان يقرأ فامتنع وقال ما انا بقارئ فلم يزل به حتى قرأ فانزل الله عليه اقرأ باسم ربك الذي خلق الخلق ثم خص الانسان وذكر ابتداء خلقه من علق. فالذي خلق الانسان واعتنى بتدبيره لابد ان يدبره بالامر والنهي. وذلك بارسال الرسول اليهم. وانزال الكتب عليهم. ولهذا ذكر بعد الامر بالقراءة القهو للانسان ثم قال اقرأ وربك الاكرم اي كثير صفات واسعها كثير الكرم والاحسان. واسع الجود الذي من كرمه ان علم بالعلم فانه تعالى اخرجه من بطن امه لا يعلم شيئا. وجعل له السمع والبصر والفؤاد. ويسر له اسباب العلم فعلمه القرآن وعلمه الحكمة وعلمه بالقلم الذي به تحفظ العلوم وتضبط الحقوق وتكون رسل للناس تنوب مناب خطابهم فلله الحمد والمنة. الذي انعم على عباده بهذه النعم. التي لا يقدرون لها على جزاء ولا شكور ثم من عليهم بالغنى وسعة الرزق ولكن الانسان لجهله وظلمه اذا رأى نفسه غنيا طغى وبغى وتجبر عن الهدى ونسي ان ربه الرجعى ولم يخف الجزاء. بل ربما وصلت به الحال انه يترك الهدى بنفسه. ويدعو غيره الى تركه. فينهى عن الصلاة التي هي افضلها افضل اعمال الايمان يقول الله لهذا المتمرد العاتي ارأيت الذي ينهى عبدا اذا صلى ارأيت ايها الناهي للعبد اذا صلى ان كان العبد المصلي على الهدى العلم بالحق والعمل به. او امر غيره بالتقوى فهل يحسن ان ينهى من هذا وصفه؟ اليس نهيه من اعظم المحادة لله والمحاربة للحق؟ فان النهي لا يتوجه الى الا لمن هو في نفسه على غير الهدى او كان يأمر غيره بخلاف التقوى. ارأيت ان كذب ناهي بالحق وتولى عن الامر. اما يخاف الله ويخشى عقابه؟ الم يعلم بان الله يرى ما يعمل ويفعل ثم توعده ان استمر على حاله فقال الناصية كلا لئن لم ينته عما يقول ويفعل. اي لنأخذن بناصيته اخذا وهي حقيقة بذلك فانها اي كاذبة في قولها خاطئة في فعلها فليدعو هذا الذي حق عليه العقاب نادية اي اهل مجلسه واصحابه ومن حوله ليعينوه على ما نزل به. اي خزنة جهنم لاخذه وعقوبته فلينظر اي الفريق اقوى واقدر. فهذه حالة الناهي وما توعد به من العقوبة. واما حالة المنهي فامره الله الا يصغي الى هذا الناهي ولا ينقاد عاد لنهيه فقال كلا لا تطعه اي فانه لا يأمر الا بما فيه خير خسارة الدارين واسجد لربك واقترب منه في السجود وغيره من انواع الطاعات والقروبات. فانها كلها تدني من رضاه وتقربه منه وهذا عام لكل ناه عن الخير ومنهي عنه. وان كانت نازلة في شأن ابي جهل حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة وعبث به واذاه بسم الله الرحمن الرحيم. يقول تعالى مبينا لفضل القرآن وعلو قدره كما قال تعالى انا انزلناه في ليلة مباركة وذلك ان الله تعالى ابتدأ بانزاله في رمضان في ليلة في القدر ورحم الله بها العباد رحمة عامة. لا يقدر العباد لها شكرا. وسميت ليلة القدر لعظم قدرها وفضلها عند الله ولانه يقدر فيها ما يكون في العام من الاجال والارزاق. والمقادير القدرية ثم فخم شأنها وعظم مقدارها فقال اي فان شأنها جليل وخطرها عظيم اي تعادل في فضلها الف شهر. فالعمل الذي يقع فيها خير من العمل في الف شهر. خالية منها وهذا مما تتحير فيه الالباب وتندهش له العقول حيث من نتعالى على هذه الامة الضعيفة القوة والقوى بليلة يكون العمل فيها يقابل ويزيد على الف شهر. عمر رجل معمر عمرا طويلا. نيفا وثمانين سنة تنزل الملائكة والروح فيها اي يكثر فيها من كل امر. سلام هي اي سالمة من كل وشر وذلك لكثرة خيرها. اي مبتداها من غروب الشمس. ومنتهاها طلوع الفجر وقد تواترت الاحاديث في فضلها وانها في رمضان. وفي العشر الاواخر منه خصوصا في اوتاره. وهي باقية في كل سنة الى قيام الساعة. ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف. ويكثر من التعبد في العشر الاواخر من رمضان. رجاء ليلة القدر والله اعلم بسم الله الرحمن الرحيم. يقول تعالى لم يكن الذين كفروا من اهل الكتاب والمشركين حتى تأتيهم البينة. لم يكن الذين كفروا من اهل الكتاب اي من اليهود والنصارى والمشركين من سائر اصناف الامم منفكين عن كفرهم وضلالهم الذي هم عليه. اي لا يزالون في غيهم وضلالهم لا يزيدهم مرور السنين الا كفرا حتى تأتيهم البينة الواضحة. والبرهان الساطع ثم فسر تلك البينة فقال رسول من الله يتلو صحفا مطهرة. اي ارسله الله يدعو الناس الى الحق. وانزل عليه كتابا يتلوه ليعلم الناس الحكمة تزكيهم ويخرجهم من الظلمات الى النور. ولهذا قال اي محفوظة عن قربان الشياطين لا يمسها الا المطهرون لانها في اعلى ما يكون من الكلام. ولهذا قال عنها فيها اي في تلك الصحف كتب قيمة. اي اخبار صادقة واوامر عادلة. تهدي الى الحق والى طريق مستقيم. فاذا جاءك هذه البينة فحين اذ يتبين طالب الحق ممن ليس له مقصد في طلبه فيهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة وما تفرق الذين اوتوا الكتاب الا من بعد ما جاءتهم البينة. واذا لم يؤمن اهل الكتاب لهذا الرسول انقادوا له فليس ذلك ببدع من ضلالهم وعنادهم. فانهم ما تفرقوا واختلفوا وصاروا احزابا الا من بعد ما جاءتهم البينة التي توجب لاهلها الاجتماع والاتفاق. ولكنهم لرداءتهم ونذالتهم لم يزدهم الهدى الا ضلالا. ولا البصيرة الا عمى. مع ان الكتب كلها جاءت باصل واحد ودين واحد. وما امروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة فما امروا في سائر الشرائع الا ان يعبدوا الله مخلصين له الدين. اي قاصدين بجميع عباداتهم الظاهرة والباطنة وجه الله وطلب الزلفى لديه دين القيمة. حنفاء اي معرضين مائلين عن سائر الاديان المخالفة لدين التوحيد. وخص الصلاة والزكاة بالذكر مع انهما داخلان في قوله ليعبدوا الله مخلصين. بفضلهما وشرفهما. وكونهما العبادتين اللتين من قام بها قام بجميع شرائح الدين. وذلك اي التوحيد والاخلاص في الدين هو دين القيمة. اي الدين المستقيم الموصل الى جنات النعيم وما سواه فطرق موصلة الى الجحيم. ثم ذكر جزاء الكافرين بعدما جاءتهم البينة. فقال الذين كفروا من اهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها. في نار جهنم قد احاط بهم عذابها واشتد عليهم عقابها خالدين فيها لا يفتر عنهم العذاب وهم فيه مبلسون لانهم عرفوا الحق وتركوه وخسروا الدنيا والاخرة صالحات اولئك هم خير البرية. لانهم عبدوا الله وعرفوه. وفازوا بنعيم الدنيا والاخرة جنات عدن تجري. جزاؤهم عند ربهم جنات عدن اي جنات اقامة لا ضعن فيها ولا رحيل ولا طلب لغاية فوقها رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه. رضي الله عنهم ورضوا عنه. فرضي عن بما قاموا به من مراضيه. ورضوا عنه بما اعد لهم من انواع الكرامات وجزيل المثوبات ذلك الجزاء الحسن لمن خشي ربه. اي لمن خاف الله فاحجم عن معاصيه. وقام بواجباته بسم الله الرحمن الرحيم. يخبر تعالى عما يكون يوم القيامة وان الارض تتزلزل ترجف وترتج حتى يسقط ما عليها من بناء وعلم. فتندك جبالها وتسوى تلالها وتكون قاعا صفصفا. لا عوج في ولا انت اي ما في بطنها من الاموات والكنوز ما لها. وقال الانسان اذا رأى ما عراها من الامر العظيم مستعظما لذلك ما لها. اي شيء عرض لها يومئذ تحدث الارض اخبارها اي تشهد على العاملين بما عملوا على ظهرها من خير وشر. فان الارض من جملة الشهود الذين يشهدون على العباد باعمالهم ذلك ربك اوحى لها. اي وامرها ان تخبر بما عمل عليها فلا تعصي لامره يومئذ يصدر الناس من موقف القيامة حين يقضي الله بينهم اشتاتا اي فرقا متفاوتة اي ليريهم الله ما عملوا من الحسنات والسيئات ويريهم جزاءه موفرا هذا شامل عام للخير والشر كله. لانه اذا رأى مثقال الذرة التي هي احقر الاشياء وجوزي عليها فما فوق ذلك من من باب اولى واحرى. كما قال تعالى يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا. وما عملت من سوء. تود لو ان بينها بينه امدا بعيدا. ووجدوا ما عملوا حاضرا. وهذه الاية فيها غاية الترغيب في فعل الخير ولو قليلا. والترهيب من فعل الشر ولو حقيرا بسم الله الرحمن الرحيم. والعاديات ضبحا. اقسم الله تعالى بالخيل لما فيها من ايات الله الباهرة ونعم هذه الظاهرة ما هو معلوم للخلق؟ واقسم تعالى بها في الحال التي لا يشاركها فيه غيرها من انواع الحيوانات. فقال اي العاديات عدوا بليغا قويا. يصدر عنه الضبح. وهو صوت نفسها في صدرها عند اشتداد العدو الموريات قدحا. فالموريات بحوافرهن ما يطأن عليه من الاحجار قدحا. اي تقدح النار من صلابة حوافرهن وقوتهن اذا عدون. فالمغيرات على الاعداء صبحا. وهذا امر اغلبي. ان الغارة تكون صباحا فاثرن به نقعا. فاثرن به اي بعدوهن وغارتهن نقعا. اي غبارا فوسطنا به اي براقبهن جمعا اي توسطن به جموع الاعداء الذين اغار والمقسم عليه قوله اي لمنوع للخير الذي عليه لربه فطبيعة الانسان وجبلته ان نفسه لا تسمح بما عليه من الحقوق. فتؤديها كاملة موفرة بل طبيعتها الكسل والمنع لما عليه من المالية والبدنية الا من هداه الله وخرج عن هذا الوصف الى وصف السماح باداء الحقوق اي ان الانسان على ما يعرف من نفسه من المنع والكند لشاهد بذلك. لا يجحده ولا ينكره. لان ذلك امر بين واضح ويحتمل ان الضمير عائد الى الله تعالى. اي ان العبد لربه لكنود. والله شهيد على ذلك. ففيه الوعيد والتهديد الشديد لمن هو لربه كنود بان الله عليه شهيد. وانه لحب الخير لشديد. وانه اي ان الانسان لحب الخير اي المال لشديد. اي كثير الحب للمال وحبه لذلك هو الذي اوجب له ترك الحقوق الواجبة عليه عليه قدم شهوة نفسه على حق ربه. وكل هذا لانه قصر نظره على هذه الدار. وغفل عن الاخرة. ولهذا قال له على خوف يوم الوعيد. افلا يعلم اي هلا هذا المغتر. اي اذا اخرج الله الاموات من قبورهم لحشرهم نشورهم اي ظهر وبان ما فيها وما استتر في الصدور من كمائن الخير والشر فصار السر علانية والباطن ظاهرا وبان على وجوه الخلق نتيجة اعمالهم اي مطلع على اعمالهم الظاهرة والباطنة. الخفية والجلية ومجازيهم عليها وخص خبره بذلك اليوم مع انه خبير بهم في كل وقت. لان المراد بذلك الجزاء بالاعمال الناشئ عن علم الله واطلاعه بسم الله الرحمن الرحيم. القارعة ما القارعة؟ وما ادراك ما يوم يكون الناس كالفراش المبثوث القارعة من اسماء يوم القيامة سميت بذلك. لانها تقرع الناس وتزعجهم باهوالها. ولهذا عظم امرها وفخمه بقول القارعة ما القارعة؟ وما ادراك ما القارعة ثم يكون الناس كالفراش المدسوس. يوم يكون الناس من شدة الفزع والهول كالفراش المبثوث. اي كالجراد المنتشر الذي يموج بعضه في بعض. والفراش هي الحيوانات التي تكون في الليل يموج بعضها ببعض لا تدري اين توجه. فاذا اوقد لها نار تهافتت اليها بضعف ادراكها هذه حال الناس اهل العقول. واما الجبال بالصم الصلاب فتكون كالعهن المنفوش اي كالصوف المنفوش الذي بقي ضعيفا جدا تطير به ادنى ريح. قال تعالى وترى الجبال تحسبها جامدة. وهي تمر مر السحاب. ثم بعد ذلك تكون هباء منثورا. فتضمحل ولا يبقى منها شيء يشاهد. فحينئذ تنصب الموازين وينقسم الناس قسمين سعداء واشقياء ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية. فاما من ثقلت موازينه اي رجحت حسناته على سيئاته. في جنات النعيم واما من خفت موازينه بان لم تكن له حسنات تقاوم سيئاته. اي مأواه ومسكنه النار التي من اسمائها الهاوية تكون له بمنزلة الام الملازمة. كما قال تعالى ان عذابها كان غراما. وقيل الى ان معنى ذلك فام دماغه هاوية في النار. اي يلقى في النار على رأسه وهذا تعظيم لامرها. ثم فسرها بقوله اي شديدة الحرارة قد زادت حرارتها على حرارة نار الدنيا بسبعين ضعفا نستجير بالله منها بسم الله الرحمن الرحيم. الهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر. يقول تعالى موبخا عباده عن اشتغاله عما خلقوا له من عبادته وحده لا شريك له. ومعرفته والانابة اليه. وتقديم محبته على كل شيء. الهاكم الهاكم عن ذلك المذكور التكاثر ولم يذكر المتكاثر به ليشمل ذلك كله كما يتكاثر به المتكاثرون ويفتخر به المفتخرون من التكاثر في الاموال والاولاد والانصار والجنود والخدم والجاه وغير ذلك مما يقصد منه مكاثرة كل واحد للاخر. وليس المقصود به الاخلاص لله تعالى. فاستمرت غفلتكم ولهوتكم وتشاغلكم فانكشف لكم حينئذ الغطاء. ولكن بعدما تعذر عليكم استئنافه. ودل قوله ان البرزخ دار مقصود منها النفوذ الى الدار الباقية. لان الله سماهم زائرين ولم يسمهم مقيمين فدل ذلك على البعث والجزاء بالاعمال في دار باقية غير فانية. ولهذا توعدهم بقوله ثم كلا سوف تعلمون. كلا لو تعلمون علم اليقين اي لو تعلمون ما امامكم علما يصل الى القلوب. لما الهاكم التكاثر ولبادرتم الى الاعمال الصالحة. ولكن عدم العلم الحقيقي سيركم الى ما ترون. لترون الجحيم. اي لتريدن القيامة. فلترون الجحيم التي الله للكافرين. اي رؤية بصرية كما قال تعالى ورأى المجرمون النار فظنوا انهم مواقعوها. ولم يجدوا عنها مصرفا الذي تنعمتم به في دار الدنيا هل قمتم بشكره واديتم حق الله فيه؟ ولم استعينوا به على معاصيه. فينعمكم نعيما اعلى منه وافضل. ام اغتربتم به ولم تقوموا بشكره؟ بل ربما استعنتم به على معاصي فيعاقبكم على ذلك. قال تعالى ويوم يعرض الذين كفروا على النار. اذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم فاليوم تجزون عذاب الهون بسم الله الرحمن الرحيم اقسم تعالى بالعصر الذي هو الليل والنهار محل افعال العباد واعمالهم ان كل الخاسر والخاسر ضد الرابح والخسار مراتب متعددة متفاوتة. قد يكون خسارا مطلقا كحال من خسر الدنيا والاخرة وفاته النعيم واستحق الجحيم. وقد يكون خاسرا من بعض الوجوه دون بعض. ولهذا عمم الله الخسارة لكل انسان. الا من اتصف باربع صفات الايمان بما امر الله بالايمان به. ولا يكون الايمان بدون العلم. فهو فرع عنه. لا يتم الا به العمل الصالح وهذا شامل لافعال الخير كلها الظاهرة والباطنة المتعلقة بحق الله وحق عباده الواجبة والمستحبة وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر. والتواصي بالحق الذي هو الايمان والعمل الصالح. ان يوصي بعضهم بعضا بذلك ويحثه عليه ويرغبه فيه. والتواصي بالصبر على طاعة الله وعن معصية الله وعلى اقدار الله المؤلمة فبالامرين الاولين يكمل الانسان نفسه. وبالامرين الاخيرين يكمل غيره. وبتكميل الامور الاربعة يكون الانسان وقد سلم من الخسار وفاز بالربح العظيم بسم الله الرحمن الرحيم. ويل لكل همزة لمزة. ويل اي وعيد ووبال وشدة عذاب الذي يهمز الناس بفعله ويلمزهم بقوله فالهماز الذي يعيب الناس ويطعن عليه بالاشارة والفعل واللماز الذي يعيبهم بقوله. ومن صفة هذا الهماز اللماز انه لا هم له سوى جمع المال وتعديده والغبطة به وليس له رغبة في انفاقه في طرق الخيرات وصلة الارحام ونحو ذلك اخلده كلا. يحسب بجهله ان ماله اخلده في الدنيا. فلذلك كان كده وسعيه كله في تنمية ماله الذي يظن انه ينمي عمره. ولم يدري ان البخل يقصف الاعمار ويخرب الديار. وان البر يزيد في العمر وما ادراك ما الحطمة نار الله. كلا ليلة اي ليطرحن في الحطمة. وما ادراك ما الحطمة نار الله تعظيم لها وتهويل لشأنها ثم فسرها بقوله الموقدة التي وقودها الناس تجارة التي من شدتها اي تنفذ من الاجسام الى القلوب ومع هذه الحرارة البليغة هم محبوسون فيها قد ايسوا من الخروج منها. ولهذا قال اي مغلقة. في عمد من خلف الابواب وبمددة لئلا يخرجوا منها. كلما ارادوا ان يخرجوا منها اعيدوا فيها. نعوذ بالله من ذلك ونسأله العفو العافية بسم الله الرحمن الرحيم. اي اما رأيت من قدرة الله وعظيم شأنه ورحمته بعباده وادلة توحيده وصدق رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. ما فعله الله باصحاب الفيل الذين كادوا الحرام وارادوا اخرابه فتجهزوا لاجل ذلك. واستصحبوا معهم الفيلة لهدمه. وجاؤوا بجمع لا قبل للعرب به. من واليمن فلما انتهوا الى قرب مكة ولم يكن بالعرب مدافعة. وخرج اهل مكة من مكة خوفا على انفسهم منهم كيدهم في تضليل وارسل عليهم طيرا ابابيل. ارسل الله عليهم طيرا ابابيل. اي متفرقة تحمل حجارة محماة من سجيل فرمتهم بها وتتبعت معاصيهم ودانيهم. فخمدوا وهمدوا وصاروا كعصف مأكول وكفى الله شرهم ورد كيدهم في نحورهم. وقصتهم معروفة مشهورة وكانت تلك السنة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصارت من جملة ارهاصات دعوته ومقدمات رسالته فلله الحمد والشكر بسم الله الرحمن الرحيم قال كثير من المفسرين ان الجار والمجرور متعلق بالسورة التي قبلها اي فعلنا ما فعلنا باصحاب الفيل لاجل قريش وامنهم واستقامة مصالحهم وانتظام رحلتهم في الشتاء لليمن والصيف للشام لاجل التجارة والمكاسب فاهلك الله من ارادهم بسوء وعظم امر الحرم واهله في قلوب العرب حتى احترموهم ولم يعترضوا لهم في اي سفر ارادوا ولهذا امرهم الله بالشكر فقال اي ليوحدوه ويخلصوا له الذي اطعمهم من جوع وامنهم من خوف فرغد الرزق والامن من المخاوف من اكبر النعم الدنيوية الموجبة لشكر الله تعالى. فلك اللهم الحمد والشكر على نعمك الظاهرة والباطنة وخص الله بالربوبية البيت لفضله وشرفه. والا فهو رب كل شيء بسم الله الرحمن الرحيم. يقول تعالى ذاما لمن ترك حقوقه وحقوق عباده. ارأيت الذي يكذب بالدين؟ اي البعث والجزاء فلا يؤمن بما جاءت به الرسل. اي يدفعه بعنف وشدة ولا لقساوة قلبه ولانه لا يرجو ثوابا ولا يخشى عقابا. ولا يحض على طعام المسكين. ولا يحض غيرها وعلى طعام المسكين ومن باب اولى انه بنفسه لا يطعم المسكين. فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم فويل للمصلين اي الملتزمون لاقامة الصلاة. ولكنهم ساهون اي مضيعون لها تاركون لوقتها مفوتون لاركانها. وهذا لعدم اهتمامهم بامر الله. حيث ضيعوا الصلاة التي هي الطاعات وافضل القربات. والسهو عن الصلاة هو الذي يستحق صاحبه الذم واللوم. واما السهو في الصلاة فهذا يقع من كل احد حتى من النبي صلى الله عليه وسلم. ولهذا وصف الله هؤلاء بالرياء والقسوة وعدم الرحمة. فقال الذين هم يراؤون اي يعملون الاعمال لاجل رئاء الناس هنا الماعون اي يمنعون اعطاء الشيء الذي لا يضر اعطاؤه على وجه العارية او الهبة كالاناء والدلو والفأس ونحو ذلك مما جرت العادة ببذله والسماحة به. فهؤلاء لشدة حرصهم يمنعون الماعون. فكيف بما هو اكثر منه وفي هذه السورة الحث على اكرام اليتيم والمساكين والتحضيض على ذلك ومراعاة الصلاة والمحافظة عليها وعلى الاخلاص فيها وفي جميع الاعمال. والحث على فعل المعروف وبذل الامور الخفيفة كعارية الاناء والدلو والكتاب ونحو ذلك. لان الله من لم يفعل ذلك والله سبحانه وتعالى اعلم بالصواب. والحمد لله رب العالمين بسم الله الرحمن الرحيم. انا اعطيناك الكوثر. يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ممتنا عليه اي الخير الكثير والفضل الغزير الذي من جملته ما يعطيه الله لنبيه صلى الله عليه وسلم يوم القيامة من النهر الذي يقال له الكوثر ومن الحوض طوله شهر وعرضه شهر ماؤه اشد بياضا من اللبن واحلى من العسل. انيته كنجوم السماء في كثرتها واستنارتها. من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها ابدا ولما ذكر منته عليه امره بشكرها فقال خص هاتين العبادتين بالذكر لانهما فمن افضل العبادات واجل القربات. ولان الصلاة تتضمن الخضوع في القلب والجوارح لله. وتنقلها في انواع العبودية. وفي النحر الى الله بافضل ما عند العبد من النحائر. واخراج للمال الذي جبلت النفوس على محبته والشح به. ان شانئك هو الابتر ان شانئك اي مبغضك وذامك ومنتقصك هو الابتر اي المقطوع من كل خير مقطوع العمل مقطوع الذكر واما محمد صلى الله عليه وسلم فهو الكامل حقا الذي له الكمال الممكن في حق المخلوق من رفع الذكر وكثرة الانصاري والاتباع صلى الله عليه وسلم بسم الله الرحمن الرحيم ولا انتم عابدون ما اعبد لكم دينكم اي قل للكافرين معلنا ومصرحا. اي تبرأ مما كانوا يعبدون من دون الله ظاهرا وباطنا. لعدم اخلاصكم لله في عبادته فعبادتكم له المقترنة بالشرك لا تسمى عبادة. ثم كرر ذلك ليدل الاول على عدم وجود الفعل. والثاني على ان قد صار وصفا لازما. ولهذا ميز بين الفريقين وفصل بين الطائفتين فقال كما قال تعالى قل كل يعمل على شاكلته. انتم بريئون مما اعمل. وانا بريء مما تعملون بسم الله الرحمن الرحيم فسبح بحمد ربك فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا غابات. في هذه السورة الكريمة بشارة وامر لرسوله عند حصولها. واشارة وتنبيه على ما يترتب على ذلك البشارة هي البشارة بنصر الله لرسوله. وفتحه مكة ودخول الناس في دين الله افواجا. بحيث يكون كثير منهم من اهله وانصاره بعد ان كانوا من اعدائه وقد وقع هذا المبشر به. واما الامر بعد حصول النصر والفتح. فامر الله رسوله ان يشكر ربه على ذلك ذلك ويسبح بحمده ويستغفره. واما الاشارة فان في ذلك اشارتين. اشارة لان يستمر النصر لهذا الدين. ويزداد عند حصول التسبيح بحمد الله واستغفاره من رسوله. فان هذا من الشكر. والله يقول لئن شكرتم لازيدنكم. وقد وجد ذلك في زمن الخلفاء الراشدين وبعدهم في هذه الامة لم يزل نصر الله مستمرا حتى وصل الاسلام الى ما لم يصل اليه دين من الاديان ودخل فيهما لم يدخل في غيره حتى حدث من الامة من مخالفة امر الله ما حدث. فابتلاهم الله بتفرق الكلمة وتشتت الامر فحصل ما حصل ومع هذا فلهذه الامة وهذا الدين من رحمة الله ولطفه ما لا يخطر بالبال او يدور في الخيال. واما الاشارة الثانية فهي الاشارة الى ان اجل رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قرب ودنى. ووجه ذلك ان عمره عمر فاضل اقسم الله وقد عهد ان الامور الفاضلة تختم بالاستغفار كالصلاة والحج وغير ذلك. فامر الله لرسوله بالحمد والاستغفار في هذه الحال اشارة الى ان اجله قد انتهى. فليستعد ويتهيأ للقاء ربه. ويختم عمره بافضل ما يجده صلوات الله وسلامه عليه فكان صلى الله عليه وسلم يتأول القرآن ويقول ذلك في صلاته يكثر ان يقول في ركوعه وسجوده. سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي بسم الله الرحمن الرحيم. تبت يدا ابي لهب وتب ابو لهب هو عم النبي صلى الله عليه وسلم وكان شديد العداوة والاذية للنبي صلى الله عليه وسلم فلا فيه دين ولا للقرابة قبحه الله. فذمه الله بهذا الذم العظيم الذي هو خزي عليه الى يوم القيامة. فقال ابي لهب اي خسرت يداه وشقي وتب فلم يربح ما اغنى عنه ما له الذي كان عنده واطغاه. ولا ما كسبه فلم يرد عنه شيئا من عذاب الله اذ نزل به اي ستحيط به النار من كل جانب هو وكانت ايضا شديدة الاذية لرسول الله صلى الله عليه وسلم. تتعاون هي وزوجها على الاثم والعدوان. وتلقي الشر تسعى غاية ما تقدر عليه في اذية الرسول صلى الله عليه وسلم. وتجمع على ظهرها من الاوزار بمنزلة من يجمع حطبا قد اعد له وهو في عنقه حبلا اي من ليث او انها تحمل في النار الحطب على زوجها متقلدة في عنقها حبلا من مسد وعلى كل ففي هذه السورة اية باهرة من ايات الله. فان الله انزل هذه السورة وابو لهب وامرأته لم يهلكا. واخبر انهما سيعذبان في النار ولابد ومن لازم ذلك انهما لا يسلمان. فوقع كما اخبر عالم الغيب والشهادة بسم الله الرحمن الرحيم يكن له كفوا احد. اي قل قولا جازما به معتقدا له عارفا بمعناه هو الله احد. اي قد صارت فيه الاحدية فهو الاحد المنفرد بالكمال. والذي له الاسماء الحسنى والصفات الكاملة العليا والافعال المقدسة الذي لا نظير له ولا مثيل. اي المقصود في جميع الحوائج. فاهل العالم العلوي والسفلي مفتقرون اليه فيه غاية الافتقار يسألونه حوائجهم ويرغبون اليه في مهماتهم لانه الكامل في اوصافه. العليم الذي قد كمل في علمه الحليم الذي قد كمل في حلمه الرحيم الذي كمل في رحمته الذي وسعت رحمته كل شيء وهكذا سائر اوصافه ومن كماله لكمال غناه. لا في اسمائه ولا في ولا في افعاله تبارك وتعالى. فهذه السورة مشتملة على توحيد الاسماء والصفات بسم الله الرحمن الرحيم. اي قل متعوذا اعوذ اي الجأ والوذ واعتصم برب الفلق اي فالق الحب والنوى وفالق الاصباح. وهذا يشمل جميع ما خلق الله من انس وجن وحيوانات فيستعاذ بخالقها من الشر الذي فيها. ثم خص بعدما عم فقال اي من شر ما يكون في الليل حين يغشى الناس وتنتشر فيه كثير من الارواح الشريرة والحيوانات المؤذية اي ومن شر السواحر التي يستعين على سحرهن بالنفث في العقد التي يعقدنها على السحر والحاسد هو الذي يحب زوال النعمة عن المحسود فيسعى في زوالها بما عليه من الاسباب. فاحتيج الى الاستعاذة بالله من شره. وابطال كيده. ويدخل في الحاسد العاين. لانه لا تصدر العين الا فمن حاسد شرير الطبع خبيث النفس. فهذه السورة تضمنت الاستعاذة من جميع انواع الشر. عموما وخصوصا. ودلت على ان السحر له حقيقة يخشى من ضرره ويستعاذ بالله منه ومن اهله بسم الله الرحمن الرحيم من شر الوسواس الخناس. الذي يوسوس في صدور وهذه السورة مشتملة على الاستعاذة برب الناس ومالكهم من الشيطان الذي هو اصل الشرور كلها ومادتها. الذي من فتنته وشره انه يوسوس في صدور الناس. فيحسن لهم الشر ويريهم اياه في صورة حسنة. وينشط ايراداتهم لفعله. ويقبح لهم الخير ويثبطهم عنه. ويريهم اياه في صورة غير صورته. وهو دائما بهذه الحال يوسوس ويخنس. اي يتأخر اذا ذكر العبد ربه واستعان به على دفعه. فينبغي ينبغي له ان يستعين ويستعيذ ويعتصم بربوبية الله للناس كلهم. وان الخلق كلهم داخلون تحت الربوبية والملك. فكل دابة هو اخذ بناصيتها. وبالوهيته التي خلقهم لاجلها. فلا تتم لهم الا بدفع شر عدوهم. الذي يريد ان يقتطعهم عنها او يحول بينهم وبينها. ويريد ان يجعلهم من حزبه ليكونوا من اصحاب السعير. والوسواس كما يكون من الجن. يكون من الانس ولهذا قال والحمد لله رب العالمين اولا واخرا وظاهرا وباطنا