ما انزل الينا من ربنا. فالمتبع لاوامر ربه في هذه الامور ونحوها. هو المنيب المسلم وبغتة وانتم لا تشعرون. وكل هذا حث على المبادرة وانتهاز الفرصة. ثم حذرهم الا يستمروا على غفلتهم المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي انما اوتيته على علم بل هي فتنة. بل هي فتنة ولكن اكثرهم لا يعلمون. يخبر تعالى عن حالة الانسان وطبيعته انه حين يمسه ضر من مرض او شدة او كرب دعانا ملحا في تفريج ما نزل به ثم اذا خولناه منا فكشفنا ضره وازلنا مشقته. عاد بربه كافرا. ولمعروفه منكرا. وقال انما اوتيته على علم اي علم من الله اني له اهل واني مستحق له لاني كريم عليه او على علم مني بطرق تحصيله. قال الله تعالى بل هي فتنة يبتلي الله به عباده لينظر من يشكره ممن ولكن اكثرهم لا يعلمون. فلذلك يعدون الفتنة منحة. ويشتبه عليهم الخير المحو. بما قد يكون سببا للخير او للشر قال الله تعالى قد قالها الذين من قبلهم اي قولهم انما اوتيته على علم. فما زالت متوارثة عند المكذبين. لا يقرون بنعمة ربهم ولا يرون له حقا فلم يزل دأبهم حتى اهلكوا ولم يغن عنهم ما كانوا يكسبون. حين جاءهم العذاب. فاصابهم سيئات ما كسبوا والسيئات في هذا الموضع العقوبات لانها تسوء الانسان وتحزنه والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا فليسوا خيرا من اولئك ولم يكتب لهم براءة في الزبر. اولم يعلموا ان الله يبسط الرزق لمن يشاء آآ ويقدر ان في ذلك لايات لقوم يؤمنون. ولما ذكر انهم اغتروا بالمال وزعموا بجهلهم انه يدل على حسن حال صاحبه. اخبرهم تعالى ان رزقه لا يدل على ذلك. وانه يبسط الرزق لمن يشاء من عباده سواء كان صالحا او طالحا. ويقدر الرزق ان يضيقه على من يشاء صالحا او طالحا. فرزقه مشترك بين البرية والايمان والعمل الصالح يخص به خير البرية. اي بسط الرزق وقبضه لعلمهم ان مرجع ذلك عائد الى الحكمة والرحمة. وانه اعلم بحال عبيده. فقد يضيق عليهم الرزق لطفا بهم لانه لو بسطه لبغوا في الارض. فيكون تعالى مراعيا في ذلك صلاح دينهم. الذي هو مادة سعادتهم وفلاحهم. والله اعلم يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا. انه هو الغفور الرحيم يخبر تعالى عباده المسرفين بسعة كرمه. ويحثهم على الانابة قبل ان لا يمكنهم ذلك. فقال قل يا ايها الرسول ومن قام مقامهم من الدعاة لدين الله مخبرا للعباد عن ربهم. يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم باتباع ما تدعوهم اليه انفسهم من الذنوب في مساخط علام الغيوب. اي لا تيأسوا منها فتلقوا بايديكم الى التهلكة وتقول قد كثرت ذنوبنا وتراكمت عيوبنا. فليس لها طريق يزيلها ولا سبيل يصرفها. فتبقون بسبب ذلك مصرين على العصيان. متزودين ما يغضب عليكم الرحمن. ولكن اعرفوا ربكم باسمائه الدالة على كرمه وجوده. واعلموا انه يغفر الذنوب جميعا من الشرك والقتل والزنا والربا والظلم. وغير ذلك من الذنوب الكبار والصغار اي وصفه المغفرة والرحمة وصفان لازمان ذاتيان لا تنفك ذاته عنهما ولم تزل اثارهما في الوجود مالئة للموجود. تصح يداه من الخيرات اناء الليل والنهار. ويوالي النعم على العباد والفواضل في السر والجهار والعطاء احب اليه من المنع. والرحمة سبقت الغضب وغلبته ان يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون. ولكن لمغفرته ورحمته ونيلهما اسباب ان لم يأت بها العبد. فقد اغلق على نفسه باب الرحمة والمغفرة. اعظمها واجلها من لا سبب لها غيره. الانابة الى الله تعالى بالتوبة النصوح. والدعاء والتضرع والتأله والتعبد. فهلم الى هذا السبب الاجل والطريق الاعظم. ولهذا امر تعالى بالانابة اليه والمبادرة اليها فقال وانيبوا الى ربكم واسلموا له. وانيبوا الى ربكم بقلوبكم واسلموا له بجوارحكم. اذا افردت الانابة دخلت فيها اعمال الجوارح. واذا جمع بينهما كما في هذا الموضع كان المعنى ما ذكرنا. وفي قوله الى ربكم واسلموا دليل على الاخلاص. وانه من دون اخلاص لا تفيد الاعمال الظاهرة والباطنة شيئا من قبل ان يأتيكم العذاب مجيئا لا يدفع ثم لا تنصرون فكأنه قيل ما هي الانابة والاسلام وما جزئياتها واعمالها؟ فاجاب تعالى بقوله واتبعوا احسن ما انزل اليكم من ربكم واتبعوا احسن ما انزل اليكم من ربكم مما امركم من الاعمال الباطنة كمحبة الله وخشيته وخوفه ورجائه والنصح لعباده ومحبة الخير لهم وترك ما يضاد ذلك ومن الاعمال الظاهرة كالصلاة والزكاة والصيام والحج والصدقة. وانواع الاحسان ونحو ذلك مما امر الله به. وهو حتى يأتيهم يوم يندمون فيه ولا تنفع الندامة. ان تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنبي اي في جانب حقه. وان كنت في الدنيا لمن الساخرين في اتيان الجزاء حتى رأيته عيانا. او تقول لو ان الله هداني لكنت ولو في هذا الموضع للتمني اليت ان الله هداني فاكون متقيا له فاسلم من العقاب واستحق والثواب وليست له هنا شرطية. لانها لو كانت شرطية لكانوا محتجين بالقضاء والقدر على ضلالهم. وهو حجة باطلة يوم القيامة تطمحل كل حجة باطلة. او تقول حين ترى العذاب لو ان لي كرة فاكون من محسنين او تقول حين ترى العذاب وتجزم بوروده لو ان لي كرة اي رجعة الى الدنيا لكنت من المحسنين قال الله تعالى ان ذلك غير ممكن ولا مفيد. وان هذه اماني باطلة لا حقيقة لها. اذ لا يتجدد للعبد لو رد بيان بعد البيان الاول. بلى قد جاءتك اياتي فكذبت بها تكبرت وكنت من الكافرين. بلى قد جاءتك ايات الدالة دلالة لا يمترى فيها على الحق. فكذبت بها واستكبرت عن اتباعها وكنت من الكافرين. فسؤال الرد الى الدنيا نوع عبث. ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه. وانهم لكاذبون ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة. اليس في في جهنم مسوا للمتكبرين. يخبر تعالى عن خزي الذين كذبوا عليه. وان وجوههم يوم القيامة قيامة مسودة كانها الليل البهيم. يعرفهم بذلك اهل الموقف. فالحق ابلج واضح كأنه الصبح. فكما سودوا وجه الحق كذب سود الله وجوههم جزاء من جنس عملهم. فلهم سواد الوجوه ولهم العذاب الشديد في جهنم. ولهذا قال اليسوا ففي جهنم مسوا للمتكبرين. اليس في جهنم مثوى للمتكبرين عن الحق؟ وعن عبادة ربهم المفترين عليه. بلى والله ان فيها لعقوبة وخزيا وسخطا. يبلغ من المتكبرين كل مبلغ. ويؤخذ الحق ومنهم بها والكذب على الله يشمل الكذب عليه باتخاذ الشريك والولد والصاحبة والاخبار عنه بما لا يليق بجلاله او ادعاء النبوة او القول في شرعه بما لم يقله. والاخبار بانه قاله وشرعه. ولما ذكر حالة المتكبرين ذكر حالة المتقين. فقال وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم. لا يمسهم السوء وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم اي بنجاتهم وذلك لان معهم الة النجاة. وهي تقوى الله تعالى التي هي العدة عند كل هول وشدة ولا هم يحزنون لا يمسهم السوء. اي العذاب الذي يسوء ولا هم يحزنون. فنفى عنهم مباشرة العذاب وخوفه. وهذا غاية الامان. فلهم الامن التام يصحبهم حتى يوصلهم الى السلام فحينئذ يأمنون من كل سوء ومكروه. وتجري عليهم نظرة النعيم ويقولون الحمدلله الذي اذهب عنا الحزن ان ربنا لغفور شكور الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل يخبر تعالى عن عظمته وكماله الموجب لخسران من كفر به. فقال الله خالق كل شيء. هذه العبارة وما اشبهها. مما هو كثير في القرآن تدل على ان جميع الاشياء غير الله مخلوقة ففيها رد على كل من قال بقدم بعض المخلوقات كالفلاسفة القائلين بقدم الارض والسماوات القائلين بقدم الارواح ونحو ذلك من اقوال اهل الباطل. المتضمنة تعطيل الخالق عن خلقه. وليس كلام الله من الاشياء المخلوقة الكلام صفة المتكلم والله تعالى باسمائه وصفاته اول ليس قبله شيء. فاخذ اهل الاعتزال من هذه الاية ونحوها انه مخلوق من اعظم الجهل فانه تعالى لم يزل باسمائه وصفاته. ولم يحدث له صفة من صفاته. ولم يكن معطلا عنها بوقت من الاوقات. والشاهد من هذا ان الله تعالى اخبر عن نفسه الكريمة انه خالق لجميع العالم العلوي والسفلي قيل وانه على كل شيء وكيل. والوكالة التامة لابد فيها من علم الوكيل بما كان وكيلا عليه. واحاطته بتفاصيله ومن قدرة تامة على ما هو وكيل عليه ليتمكن من التصرف فيه. ومن حفظ لما هو وكيل عليه. ومن حكمة ومعرفة بوجوه التصرفات. ليصرفها او يدبرها على ما هو الاليق. فلا تتم الوكالة الا بذلك كله. فما نقص من ذلك فهو نقص فيها. ومن المعلوم المتقرر ان الله وتعالى منزه عن كل نقص في صفة من صفاته. فاخماره بانه على كل شيء وكيل. يدل على احاطة علمه بجميع الاشياء. وكمال قدرته على تدبيرها وكمال تدبيره. وكمال حكمته التي يضع بها الاشياء مواضعها والذين كفروا بايات الله اولئك هم الخاسرون. له مقاليد السماوات والارض اي مفاتيحها علما وتدبيرا. فما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها. وما يمسك فلا مرسل له من بعده. وهو العزيز حكيم فلما بين من عظمته ما يقتضي ان تمتلئ القلوب له اجلالا واكراما. ذكر حال من عكس القضية فلم يقدره حق قدره. فقال والذين كفروا بايات الله اولئك هم الخاسرون. والذين كفروا بايات الله على الحق اليقين والصراط المستقيم. اولئك هم الخاسرون. خسروا ما به تصلح القلوب من التأله والاخلاص لله. وما به تصلح الالسنة من اشغالها بذكر الله. وما تصلح به الجوارح من طاعة الله. وتعوضوا عن ذلك كل مفسد للقلوب والابدان. وخسروا جنات النعيم عوضوا عنها بالعذاب الاليم قل يا ايها الرسول لهؤلاء الجاهلين الذين دعوك الى عبادة غير الله اني اعبد ايها الجاهلون. اي هذا الامر صدر من جهلكم. والا فلو كان لكم علم بان الله تعالى الكامل من جميع الوجوه في جميع النعم هو المستحق للعبادة دون من كان ناقصا من كل وجه لا ينفع ولا يضر. لم تأمروني بذلك. وذلك لان الشرك بالله محبط للاعمال مفسد للاحوال. ولهذا قال ولقد اوحي اليك والى الذين من قبلك من جميع الانبياء لان ليحبطن عملك هذا مفرد مضاف يعم كل عمل. ففي نبوة جميع الانبياء ان الشرك محبط لجميع الاعمال. كما قال تعالى في سورة عام لما عدد كثيرا من انبيائه ورسله قال عنهم ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو اشركوا لحبط عنهم ما كانوا ولتكونن من الخاسرين دينك واخرتك فبالشرك تحبط الاعمال ويستحق العقاب والنكال. ثم قال بل الله فاعبد. لما اخبر ان ان الجاهلين يأمرونه بالشرك واخبر عن شناعته امره بالاخلاص فقال بل الله فاعبد اي اخلص له العبادة وحده لا شريك له وكن من الشاكرين لله على توفيق الله تعالى. فكما انه تعالى يشكر على النعم الدنيوية صحة الجسم وعافيته وحصول الرزق وغير ذلك. كذلك يشكر ويثنى عليه بالنعم الدينية. كالتوفيق للاخلاص والتقوى بل نعم الدين هي النعم على الحقيقة. وفي تدبر انها من الله تعالى والشكر لله عليها سلامة من افة العجب التي تعرض لكثير من العاملين. بسبب جهلهم والا فلو عرف العبد حقيقة الحال لم يعجب بنعمة تستحق عليه زيادة الشكر