المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الفصل الثلاثون في الصحيحين مرفوعا يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا. ما اجل هذا الحديث وانفعه واجمعه لكل خير ويجمع جميع الاسباب التي تنشط العاملين وتبعث عزائمهم على الخير. ذلك ان الداعي الى الخير لا تتم له الدعوة ولا تحصل ثمراتها المطلوبة منها الا بترغيب المدعوين وتذكيرهم بالاسباب المرغبة الداخلية والخارجية وابعاد الاسباب المثبطة حسب الامكان. وهي كلها مجتمعة في هذا الحديث الجليل فان التيسير لاعمال الخير وتهوينها على العاملين والاقتناع بما تيسر وسمحت به هممهم وعزائمهم وامر كل عابد ودعوته بما يناسب حاله وتقتضيه نفسه وطبيعته ويهون عليه لا ريب في نفعه وسهولة الاجابة اليه. وخصوصا اذا ضم الى التيسير التبشير بخيره وثمراته العاجلة والاجلة ونفعه اللازم والمتعدي. وسلوك طرق التيسير والسهولة وتبشير العاملين وترغيبهم لا ريب في نفعه واما سلوك الطريق المضادة لهذا من التعسير وتصعيب الامور على الناس وعدم قبول ما جاء منهم حتى يكمل من كل وجه فانه اعظم منفر عن الخير واعظم مثبط ومكسل عن الخير والواقع والتجربة خير شاهد لهذا. الا ترى ان الصلاة وهي اعظم شرائع الدين وهي العمل الذي ليشتركوا فيه جميع المسلمين. قد امر النبي صلى الله عليه وسلم فيها بما يكون سهلا حتى على العاجزين. حيث قال ايها الناس ايكم اما الناس فليخفف فان فيهم الصغير والكبير والمريض والضعيف وذا الحاجة. فقال لامام امره باحكام الصلاة واقتد باضعفهم. وقال انس صليت وراء امام قط اخف صلاة ولا اتم صلاة من النبي صلى الله عليه وسلم. فالتخفيف الذي تتم به الصلاة ولا يحصل منه اخلال بشيء من امورها لا شك في نفعه وترغيبه للمصلي ولمن يصلي خلفه ويقتدي به. وقال صلى الله عليه وسلم في الخطبة ان طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه فاطيلوا الصلاة وقصروا الخطبة. وكان صلى الله عليه وسلم يتخول اصحابه بالموعظة مخافة السآمة عليه وقال صلى الله عليه وسلم منكرا على المتبتلين الذين يريدون استغراق زمانهم بالصلاة والصيام والخشونة. اما انا اصلي وانام واصوم وافطر واكل اللحم واتزوج النساء. فمن رغب عن سنتي فليس مني. وقال صلى الله عليه وسلم ان نفسك عليك حقا ولاهلك عليك حقا ولزوجك عليك حقا فات كل ذي حق حقه. ولما بال الاعرابي الجاهل في المسجد ظهره الناس زجرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركه حتى قضى بوله ثم دعاه وعلمه بلطف ورفق وقال ان هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا القذر انما بنيت للصلاة والقراءة والذكر والعبادة. ولما اغلظ له بعض الاعراب الجافين بالقول اما به الصحابة رضي الله عنهم قال صلى الله عليه وسلم دعوه ثم الان له القول وبذل له شيئا من المعروف فانقاد الى الحق وحصل المقصود منه. وقال صلى الله عليه وسلم للناس انما مثلي ومثلكم كمثل رجل له راحلة انفلتت منه. فذهب الناس في طلبها صراعا من كل جانب فلم يزدها ذلك الا نفورا. فقال صاحبها للناس دعوني وراحلتي فلم يزل يناديها ويأخذ من نبات في الارض ليعطيها فلم يزل كذلك حتى اخذ بزمامها. وكان صلى الله عليه وسلم في دعوته للخلق يدعو كل احد بما يناسب حاله وبالطريق التي يعلم حصول المقصود منه بها. وامر اصحابه ان يدعوا الناس بذلك. وقال لمعاذ حين بعثه الى اليمن انك تأتي قوما من اهل اهل الكتاب ادعهم الى شهادة ان لا اله الا الله واني رسول الله. فانهم اطاعوك لذلك فاخبرهم ان الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فانهم اطاعوك لذلك فاخبرهم ان عليهم صدقة تؤخذ من اغنيائهم فترد على فقرائهم هكذا شريعته كلها مبنية على السهولة واليسر في ذاتها واحكامها وشرائعها. وفي دعوتها للخلق والامر والنهي. ومن النصوص الجامعة في في هذا النوع قوله تعالى ادعوا الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة. وقوله ولا تجادلوا اهل الكتاب الا بالتي هي احسن. وقوله سبحانه اذهبا الى فرعون انه فقولا له قولا لينا لعله يتذكر او يخشى. وقوله سبحانه وقولوا الناس حسنا. وغيرها من الايات الدالة على هذا المعنى. وعلى هذا على من اراد التعليم ان يراعي اذهان الطلبة من الدروس ما يتيسر عليهم فهمه. ويربيهم بصغار العلم قبل كباره. ولا يحمل اذهانهم ما لا يتحملون. وكذلك تعليم الجهال العلوم ينبغي مراعاة الامور التي يحتاجونها وان تشرح لهم شرحا يسهل عليهم فهمه. وكذلك تمرين الصغار من الاولاد الذكور والاناث على الصلاة وامور الخير ينبغي فيه مراعاة قواهم ورغباتهم وترغيبهم بالقول والفعل والاكتفاء بما تيسر مما سمحت به طبائعهم مم. وتدريجهم من شيء الى اخر. بل وكذلك دعوة المخالفين للدين. ينبغي مراعاة هذا الاصل فيها لما يحصل فيه من النفع العظيم. ولهذا ايضا جاءت الترغيبات المتنوعة على اعمال الخير واقوال الخير وعلى ترك المحرمات لانها من اقوى الدواعي الى توجيه الخلق الى طاعة الله ورسوله