المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي بسم الله الرحمن الرحيم. تنزيل من الرحمن الرحيم. يخبر تعالى عباده ان هذا الكتاب الجليل والقرآن الجميل. تنزيل صادر من الرحمن الرحيم هذه وسعة رحمته كل شيء. الذي من اعظم رحمته واجلها انزال هذا الكتاب. الذي حصل به من العلم والهدى والنور والشفاء والرحمة والخير الكثير. ما هو من اجل نعمه على العباد. وهو الطريق للسعادة في الدارين. ثم اثنى على الكتاب بتمام البيان فقال كتاب فصلت اياته قرآنا عربيا لقومه يعلمون. فصلت اياته اي فصل كل كل شيء من انواعه على حدته. وهذا يستلزم البيان التام والتفريق بين كل شيء وتمييز الحقائق. قرآنا عربيا اي باللغة الفصحى اكمل اللغات فصلت اياته وجعل عربيا لقوم يعلمون. اي لاجل ان يتبين لهم معناه وكما تبين لفظه ويتضح لهم الهدى من الضلال والغي من الرشاد. واما الجاهلون الذين لا يزيدهم الهدى الا ضلالا وللبيان الا عمى فهؤلاء لم يسق الكلام لاجلهم. وسواء عليهم اانذرتهم ام لم تنذرهم لا يؤمنون. بشيرا بشيرا ونذيرا اي بشيرا بالثواب العاجل والاجل ونذيرا من عقاب العاجل والاجل. وذكر تفصيلهما وذكر الاسباب والاوصاف التي تحصل بها البشارة والنذارة. وهذه الاوصاف للكتاب مما يوجب ان يتلقى بالقبول والاذعان والايمان والعمل به. ولكن اعرض اكثر الخلق عنه اعراض المستكبرين فهم لا يسمعون له سماع قبول واجابة. وان كانوا قد سمعوه سماعا تقوم عليهم به الحجة الشرعية ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل اننا عاملون وقالوا اي هؤلاء المعرضون عنه مبينين عدم انتفاعهم به بسد الابواب الموصلة اليه. قلوبنا في ان اي اغطية مغشاة مما تدعونا اليه وفي اذاننا وقر. اي صمم فلا نسمع لك. ومن بيننا وبين دينك حجاب فلا نراك. القصد من ذلك انهم اظهروا الاعراض عنه من كل وجه. واظهروا بغضه والرضا بما هم عليه. ولهذا قال اي كما رضيت بالعمل بدينك فاننا راضون كل الرضا بالعمل في ديننا هذا من اعظم الخذلان حيث رضوا بالضلال عن الهدى واستبدلوا الكفر بالايمان وباعوا الاخرة بالدنيا قل لهم يا ايها النبي انما انا بشر مثلكم يوحى الي اي هذه صفة ووظيفتي اني بشر مثلكم. ليس بيدي من الامر شيء. ولا عندي ما تستعجلون به. وانما فضلني الله عليكم وميزني وخصني بالوحي الذي اوحاه الي. وامرني باتباعه ودعوتكم اليه. فاستقيموا اليه. اي سلكوا الصراط الموصل الى الله تعالى بتصديق الخير الذي اخبر به واتباع الامر واجتناب النهي. هذه حقيقة الاستقامة. ثم الدوام على ذلك وفي قوله اليه تنبيه على الاخلاص. وان العامل ينبغي له ان يجعل مقصوده غايته التي يعمل لاجلها. الوصول الى الله والى دار كرامته. فبذلك يكون عمله خالصا صالحا نافعا. وبفواته يكون عمله باطلا. ولما كان العبد ولو حرص على الاستقامة لا بد ان يحصل منه خلل بتقصير بمأمور او ارتكاب منهي امر بدواء ذلك بالاستغفار المتضمن للتوبة فقال واستغفروه ثم توعد من ترك الاستقامة فقال وويل للمشركين الذين لا يأتون اي الذين عبدوا من دونه من لا يملك نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. ودنسوا انفسهم فلم يزكوها بتوحيد ربهم والاخلاص له. ولم يصلوا ولا زكوا. فلا اخلاص للخالق بالتوحيد والصلاة ولا نفع للخلق بالزكاة وغيرها. اي لا يؤمنون بالبعث ولا بالجنة والنار. فلذلك لما زال الخوف من قلوبهم اقدموا على ما اقدموا عليه مما يضرهم في الاخرة. ولما ذكر الكافرين ذكر المؤمنين ووصفهم وجزاءهم فقال وممنون. ان الذين امنوا بهذا الكتاب وما اشتمل عليه مما دعا اليه من الايمان. وصدقوا ايمانهم بالاعمال الصالحة جامعة للاخلاص والمتابعة لهم اجر اي عظيم غير ممنون اي غير مقطوع ولا نافذ بل هو مستمر مدى الاوقات متزايد على الساعات مشتمل على جميع اللذات والمشتهيات ذلك رب العالمين. وجعل فيها رواسيا من فوقها وبارك فيها وقدر فيها اقواتها في اربعة ايام سواء للسائلين ينكر تعالى ويعجب من كفر الكافرين الذين جعلوا معه اندادا يشركونهم معه. ويبذلون لهم ما يشاؤون من عباداتهم. ويسوونهم بالرب العظيم. الملك الكريم الذي خلق الارض الكثيفة العظيمة في يومين ثم دحاها في يومين بان جعل فيها رواسي من فوقها ترسيها عن الزوال والتزلزل وعدم الاستقرار. فكمل خلقها ودحاها واخراج اقواتها وتوابع ذلك. في اربعة ايام سواء للسائلين عن ذلك فلا ينبئك مثل خبير. فهذا الخبر الصادق الذي لا زيادة فيه ولا نقص السماء وهي دخان فقال لها فقال لها وللارض ائتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين. ثم بعد ان خلق الارض استوى اي قصد الى خلق السماء وهي دخان. قد سار على وجه الماء فقال لها ولما كان هذا التخصيص يوهم الاختصاص عطف عليه بقوله وللارض ائتيا عن اوكمها اي انقاد لامر طائعتين او مكرهتين فلا بد من نفوذه ليس لنا ارادة تخالف ارادتك فقضاهن سبع سماوات في يومين فتم خلق السماوات والارض في ستة ايام اولها يوم الاحد واخرها يوم الجمعة. مع ان قدرة الله ومشيئته صالحة لخلق الجميع في لحظة واحدة. ولكن مع انه قدير فهو حكيم رفيق. فمن حكمته ورفقه ان جعل خلقها في هذه المدة المقدرة. واعلم ان ظاهر هذه الاية مع قوله تعالى في النازعات لما ذكر خلق السماوات قال والارض بعد ذلك دحاها يظهر منهما التعارض مع ان كتاب الله والله لتعارض فيه ولا اختلاف. والجواب عن ذلك ما قاله كثير من السلف ان خلق الارض وصورتها متقدم على خلق السماوات كما هنا ودحي الارض بان اخرج منها ماءها ومرعاها والجبال ارساها متأخر عن خلق السماوات كما في سورة النازعات. ولهذا قال فيها والارض بعد ذلك دحاها. اخرج منها الى اخره. ولم يقل والارض بعد ذلك خلقها. وقوله واوحى في كل سماء امرها. اي الامر والتدبير اللائق بها. التي اقتضته حكمة احكم الحاكمين وزينا السماء الدنيا بمصابيح هي النجوم يستنار بها ويهتدى وتكون زينة وجمالا للسماء ظاهرة وجمالا لها باطنا. بجعلها رجوما للشياطين. لئلا يسترق السمع فيها. ذلك تقدير العزيز ذلك المذكور من الارض وما فيها والسماء وما فيها تقدير العزيز العليم الذي قهر بها الاشياء ودبرها وخلق بها المخلوقات. العليم الذي احاط علمه بالمخلوقات والغائب والشاهد ترك المشركين الاخلاص لهذا الرب العظيم الواحد القهار. الذي انقادت المخلوقات لامره ونفذ فيها قدره. من اعجب الاشياء واتخاذهم له اندادا يسوونهم به. وهم ناقصون في اوصافهم وافعالهم اعجب واعجب. ولا دواء لهؤلاء ان استمر اعراضهم الا العقوبات الدنيوية والاخروية. فلهذا خوفهم بقوله اي فان اعرض هؤلاء المكذبون بعدما بين لهم انهم من اوصاف القرآن الحميدة ومن صفات الاله العظيم فقل انذرتكم صاعقة اي عذابا يستأصلكم ويجتاحكم مثل صاعقة عاد وثمود. القبيلتين المعروفتين. حيث اجتاحهما العذاب. وحل عليهم وبل العقاب. وذلك بظلمهم وكفرهم حيث جاءتهم الرسل من بين ايديهم ومن خلفهم ان يتبع بعضهم بعضا متوالين. ودعوتهم جميعا واحدة. الا تعبدوا الله ان يأمرون بالاخلاص لله وينهونهم عن الشرك. فردوا رسالتهم وكذبوهم اي واما انتم فبشر مثلنا وهذه الشبهة لم تزل متوارثة بين المكذبين من الامم. وهي من اوهى الشبه فانه وليس من شرط الارسال ان يكون المرسل ملكا. وانما شرط الرسالة ان يأتي الرسول بما يدل على صدقه. فليقدحه ان استطاعوا بصدق بقادح عقلي او شرعي. ولن يستطيعوا الى ذلك سبيلا