المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي هذا تفصيل لقصة هاتين الامتين عاد وثمود. فاما عاد فكانوا مع كفرهم بالله احدهم بايات الله وكفرهم برسله. مستكبرين في الارض. قاهرين لمن حولهم من العباد. ظالمين لهم. قد اعجبتهم قوتهم وقالوا من اشد منا قوة؟ قال تعالى ردا عليهم بما يعرفه كل احد فلولا خلقه اياهم لم يوجدوا فلو نظروا الى هذه الحال نظرا صحيحا لم يغتروا بقوة قوتهم فعاقبهم الله عقوبة تناسب قوتهم التي اغتروا بها لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا فارسلنا عليهم ريحا صرصرا اي ريحا عظيمة من قوتها وشدتها لها صوت مزعج كالرعد القاصف. فسخرها الله عليهم سبع ليال وثمانية ايام حسوما. فترى القوم فيها صرعى كانهم اعجاز نخل خاوية. نحسات فدمرتهم واهلكتهم. فاصبحوا لا يرى الا مساكنهم وقال هنا لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا. الذي اختزوا به وافتضحوا بين الخليقة اي لا يمنعون من عذاب الله ولا يمنعون انفسهم فاخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون واما ثمودهم المعروفة الذين سكنوا الحجر وحواليه الذين ارسل الله اليهم صالحا عليه السلام يدعوهم الى توحيد ربهم وينهاهم عن الشرك واتاهم الله الناقة اية عظيمة. لها شرب ولهم شرب يوم معلوم. يشربون لبنها يوما ويشربون من الماء يوما وليسوا ينفقون عليها بل تأكل من ارض الله. ولهذا قال هنا واما ثمود فهديناهم. اي هداية بيان كما نص عليهم وان كان جميع الامم المهلكة قد قامت عليهم الحجة وحصل لهم البيان. لان اية ثمود اية باهرة قد رآها صغيرهم وكبيرهم وذكرهم وانثاهم. وكانت اية مبصرة. فلهذا خصهم بزيادة البيان والهدى انهم من ظلمهم وشرهم استحبوا العمى الذي هو الكفر والضلال على الهدى الذي هو العلم والايمان فاخذهم العذاب بما كانوا يكسبون لا ظلما من الله لهم. ونجينا الذين امنوا وكانوا يتقون اي نجى الله صالحا عليه السلام ومن اتبعه من المؤمنين المتقين للشرك والمعاصي يخبر تعالى عن اعدائه الذين بارزوه بالكفر به وباياته وتكذيب رسله ومعاداتهم ومحاربتهم وحالهم الشنيعة حين يحشرون. اي يجمعون الى النار فهم يوزعون اي يرد اولهم على اخرهم ويتبع اخرهم اولهم. ويساقون اليها سوقا عنيفا. لا يستطيعون امتناع ولا ينصرون انفسهم ولا هم ينصرون ثم ابصارهم وجلودهم حتى اذا ما جاءوها اي حتى اذا وردوا على النار وارادوا الانكار او انكروا ما عملوه من المعاصي شهد عليهم سمعهم وابصارهم وجلودهم. عموم بعد خصوص بما كانوا يعملون. اي شهد عليهم كل من اعضائهم فكل عضو يقول انا فعلت كذا وكذا يوم كذا وكذا وخص هذه الاعضاء الثلاثة لان اكثر الذنوب انما تقع بها او بسببها. فاذا شهدت عليهم عاتبوها قالوا انطقنا الله الذي وهو خلقكم اول مرة واليه ترجعون وقالوا لجلودهم هذا دليل على ان الشهادة تقع من كل عضو كما ذكرنا. لما شهدتم علينا ونحن ندافع عنكم فليس في امكاننا عن الشهادة حين انطقنا الذي لا يستعصي عن مشيئته احد وهو خلقكم اول مرة. فكما خلقكم بذواتكم واجسامكم. خلق ايضا صفاتكم ومن ذلك الانطاق. واليه ترجعون في الاخرة فيجزيكم بما عملتم. ويحتمل ان المراد بذلك الاستدلال على البعث بالخلق الاول كما هو طريقة القرآن عليكم سمعكم ولا ابصاركم ولا جلودكم. اي وما كنتم تختفون عن شهادة اعضائكم عليكم ولا تحاذرون من ذلك ولكن ظننتم باقدامكم على المعاصي فلذلك صدر منكم ما صدر. وهذا الظن صار سبب هلاكهم وشقائهم. ولهذا قال وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم الظن السيء حيث ظننتم به ما لا يليق بجلاله. ارداكم اي اهلككم من الخاسرين فاصبحتم من الخاسرين لانفسهم واهليهم واديانهم بسبب الاعمال التي اوجبها لكم ظنكم القبيح بربكم. فحقت عليكم كلمة العقاب والشقاء ووجب عليكم الخلود الدائم في العذاب الذي لا يفتر عنهم ساعة فان اصبروا فالنار مثوى لهم. فلا جلد عليها ولا صبر. وكل حالة قدر امكان الصبر عليها. فالنار لا يمكن الصبر عليها الصبر على نار قد اشتد حرها. وزادت على نار الدنيا بسبعين ضعفا. وعظم غليان حميمها وزاد نتن صديدها وتضاعف برض زمهريرها وعظمت سلاسلها واغلالها. وكبرت مقامعها وغلظ خزانها. وزال ما في بهم من رحمتهم وختام ذلك سخط الجبار. وقوله لهم حين يدعونه ويستغيثون. اخسئوا فيها ولا تكلمون وان يستعقبوا فما هم من المعتدين وان يستعتبوا ان يطلبوا ان زال عنهم العتب ويرجعوا الى الدنيا ليستأنفوا العمل. لانه ذهب وقته وعمر ما يعمر فيه من تذكر. وجاءهم النذير. وانقطعت حجتهم مع ان استعتابهم كذب منهم ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وانهم لكاذبون. وقيدنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين ايديهم اي وقيدنا لهؤلاء الظالمين الجاحدين للحق قرناء من الشياطين. كما قال تعالى الم ترى ان ارسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم ازا اي تزعجهم الى المعاصي وتحثهم عليها بسبب ما زينوا لهم ما بين بين ايديهم وما خلفهم فالدنيا زخرفوها باعينهم ودعوهم الى لذاتها وشهواتها المحرمة حتى افتتنوا فاقدموا على معاصي الله وسلكوا ما شاءوا من محاربة الله ورسله والاخرة بعدوها عليهم وانسوهم ذكرها. وربما اوقعوا عليهم الشبه بعدم وقوعها فترحل خوفها من قلوبهم فقادوهم الى الكفر والبدع والمعاصي. وهذا التسليط والتقييد من الله للمكذبين الشياطين بسبب اعراضهم عن ذكر الله واياته وجحودهم الحق. كما قال تعالى ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطان فهو له قرين. وانهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون انهم مهتدون. وحق عليهم القول في امم وحق عليهم من قول اي وجب عليهم ونزل القضاء والقدر بعذابهم في جملة امم قد خلت من قبلهم من الجن والانس كانوا خاسرين. انهم كانوا خاسرين لاديانهم واخرتهم. ومن خسر فلا بد ان يذل ويشقى ويعذب وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغو فيه لعلكم تغضبون. يخبر تعالى عن اعراب بعض الكفار عن القرآن وتواصيهم بذلك. فقال وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن. اي اعرضوا عنه باسماعكم. واياكم ان تلتفتوا او تصغوا اليه ولا الى من جاء به. فان اتفق انكم سمعتموه او سمعتم الدعوة الى احكامه. فالغوا فيه اي تكلموا بالكلام الذي لا فائدة فيه. بل فيه المضرة ولا تمكنوا مع قدرتكم احدا يملك عليكم الكلام به وتلاوة ومعانيه. هذا لسان حالهم ولسان مقالهم في الاعراض عن هذا القرآن. لعلكم ان فعلتم ذلك تغلبون وهذه شهادة من الاعداء. واوضح الحق ما شهدت به الاعداء فانهم لم يحكموا بغلبتهم لمن جاء بالحق الا في حال الاعراض عنه والتواصي بذلك. ومفهوم كلامهم انهم ان لم يلغوا فيه بل استمعوا اليه والقوا اذهانهم انهم لا يغلبون فان الحق غالب غير مغلوب. يعرف هذا اصحاب الحق واعداؤه. ولما كان هذا ظلما منهم وعنادا. لم يبقى فيه مطمع للهداية فلم يبقى الا عذابهم ونكالهم ولهذا قال وهو الكفر والمعاصي فان ما اسوأ ما كانوا يعملون لكونهم يعملون المعاصي وغيرها. فالجزاء بالعقوبة انما هو على عمل الشر. ولا يظلم ربك احد النار لهم فيها دار باياتنا يجحدون. ذلك جزاء اعداء الله الذين حين حاربوه وحاربوا اولياءه بالكفر والتكذيب والمجالدة والمجادلة. النار لهم فيها دار الخلد. اي الخلود الدائم الذي لا يفتر عنهم العذاب ساعة ولا هم ينصرون وذلك اياتنا يجحدون. فانها اية واضحة وادلة قاطعة مفيدة لليقين. فاعظم الظلم اكبر العناد جحدها الكفر بها وقال الذين كفروا ربنا ارنا الذين اضلانا من الجن والانس نجعل نجعلهما تحت اقدامنا ليكونا من الاسفلين. وقال الذين اي الاتباع منهم بدليل ما بعده على وجه الحنق على من اضلهم. ربنا ارنا الذين اضلانا من الجن والانس اي الصنفين الذين قادانا الى الضلال والعذاب من شياطين الجن وشياطين الانس. الدعاة الى جهنم اي الاذلين المهانين كما اضلونا وفتنونا وصاروا سببا لنزولنا ففي هذا بيان حنق بعضهم على بعض وتبري بعضهم من بعض