منها ويشكر على العمل القليل بالاجر الكثير. فبمغفرته يغفر الذنوب ويستر العيوب. وبشكره يتقبل الحسنات ويضاعفها اضعافا كثيرة المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي هنا كلمة سبقت من ربك الى اجل مسمى لقضي بينهم. وان الذين لما امر تعالى باجتماع المسلمين على دينه ونهاهم عن التفرق اخبرهم انكم لا تغتروا بما انزل الله عليكم من الكتاب. فان اهل الكتاب لم يتفرقوا حتى انزل الله الكتاب الموجب للاجتماع. ففعلوا ضد ما يأمر به كتابهم. وذلك كله بغيا وعدوانا منهم. فانهم تباغضوا وتحسدوا وحصلت بينهم المشاحنة والعداوة فوقع الاختلاف. فاحذروا ايها المسلمون ان تكونوا مثلهم. ولولا كلمة سبقت من ربك اي تأخير العذاب القاضي الى اجل مسمى لقضي بينهم. ولكن حكمته وحلمه اقتضى تأخير ذلك عنهم وان الذين اورثوا الكتاب من بعدهم اي الذين ورثوهم وصاروا خلفا لهم ممن ينتسب الى العلم منهم. اي لفي اشتباه كثير يوقع في الاختلاف. حيث اختلف سلفهم بغيا وعنادا. فان خلفهم اختلفوا شكا وارتياب. والجميع مشتركون في خلاف المذموم الله ربنا وربكم لنا اعمالنا ولكم اعمالكم لا بيننا بينكم الله يجمع بيننا واليه المصير. فلذلك فادعوا اي فلدين القويم والصراط المستقيم الذي انزل الله به كتبه وارسل رسله فادعو اليه امتك وحضهم عليه. وجاهد عليه من لم يقبله. واستقم بنفسك كما ما امرت اي استقامة موافقة لامر الله لا تفريط ولا افراط. بل امتثالا لاوامر الله واجتنابا لنواهيه. على وجه الاستمرار على ذلك فامره بتكميل نفسه بلزوم الاستقامة وبتكميل غيره بالدعوة الى ذلك. ومن المعلوم ان امر الرسول صلى الله وعليه وسلم امر لامته اذا لم يرد تخصيص له. اي اهواء المنحرفين عن الدين من الكثرة والمنافقين اما باتباعهم على بعض دينهم او بترك الدعوة الى الله او بترك الاستقامة فانك ان اتبعت اجواءهم من بعد ما جاءك من العلم انك اذا لمن الظالمين. ولم يقل ولا تتبع دينهم لان حقيقة دينهم الذي شرعه الله لهم هو دين الرسل كلهم ولكنهم لم يتبعوه. بل اتبعوا اهواءهم واتخذوا دينهم لهوا ولعبا. وقل لهم عند جدالهم ومناظرهم وقل امنت بما انزل الله من كتاب وامرت لاعدل بينكم امنت بما انزل الله من كتاب. اي لتكن مناظرتك لهم مبنية على هذا الاصل العظيم الدال على شرف الاسلام وجلالته وهيمنته على سائر الاديان. وان الدين الذي يزعم اهل الكتاب انهم عليه جزء من الاسلام وفي هذا ارشاد الى ان اهل الكتاب ان ناظروا مناظرة مبنية على الايمان ببعض الكتب او ببعض الرسل دون غيره فلا يسلم لهم ذلك لان الكتاب الذي يدعون اليه والرسول الذي ينتسبون اليه من شرطه ان يكون مصدقا بهذا القرآن وبمن جاء به كتابنا ورسولنا لم يأمرنا الا بالايمان بموسى وعيسى والتوراة والانجيل. التي اخبر بها وصدق بها واخبر انها له ومقرة بصحته. واما مجرد التوراة والانجيل وموسى وعيسى الذين لم يوصفوا لنا ولم يوافقوا لكتابنا فلم يأمرنا بالايمان بهم. وامرت لاعدل بينكم اي في الحكم فيما اختلفتم فيه. فلا تمنعوني عداوتكم وبغضكم يا اهل الكتاب من العدل بينكم ومن العدل في الحكم بين اهل الاقوال المختلفة من اهل الكتاب وغيرهم ان يقبل ما معهم من الحق ويرد ما معهم من الباطل الله ربنا وربكم لنا اعمالنا ولكم اعمالكم الله ربنا وربكم اي هو رب الجميع لستم باحق به منا لنا لنا اعمال لنا ولكم اعمالكم من خير وشر. لا حجة بيننا وبينكم. اي بعدما تبينت الحقائق واتضح الحق من الباطل. والهدى من الضلال لم يبق للجدال والمنازعة محل. لان المقصود من الجدال انما هو بيان الحق من الباطل. ليهتدي الراشد. ولتقوم على الغاوي وليس المراد بهذا ان اهل الكتاب لا يجادلون. كيف والله يقول ولا تجادلوا اهل الكتاب الا بالتي هي احسن وان المراد ما ذكرنا لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا واليه المصير الله يجمع بيننا واليه المصير يوم القيامة. فيجزي كلا بعمله. ويتبين حينئذ الصادق من الكاذب في الله من بعدنا استجيب له. حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد وهذا تقرير لقوله لا حجة بيننا وبينكم. فاخبر هنا ان الذين يحاجون في الله بالحجج الباطلة. والشبه المتناقضة من بعد ما استجيب له. اي من بعد ما استجاب لله اولو الالباب والعقول. لما بين لهم من الايات القاطعة والبراهين الساطعة. فهؤلاء المجادلون للحق من بعد ما تبين حجتهم داحضة اي باطلة مدفوعة عند ربهم. لانها مشتملة على رد الحق وكل ما خالف الحق فهو باطل. وعليهم غضب لعصيانهم واعراضهم عن حجج الله وبيناته وتكذيبها هو اثر غضب الله عليهم. فهذه عقوبة كل مجادل للحق بالباطل الله الذي انزل الكتاب بالحق والميزان. وما يدريك لعل الساعة قريب. لما ذكر تعالى ان حججه واضحة بينة. حيث استجاب لها كل ما فيه خير. ذكر اصلها وقاعدتها بل جميع الحجج التي اوصلها فالى العباد فقال الله الذي انزل الكتاب بالحق والميزان. فالكتاب هو هذا القرآن العظيم. نزل بالحق واشتمل على الحق والصدق واليقين وكله ايات بينات وادلة واضحات على جميع المطالب الالهية والعقائد الدينية. فجاء باحسن واوضح الدلائل واما الميزان فهو العدل والاعتبار بالقياس الصحيح والعقل الرجيح. فكل الدلائل العقلية من الايات الافاقية والنفسية والاعتبارات الشرعية والمناسبات والعلل والاحكام والحكم داخلة في الميزان الذي انزله الله تعالى الا ووضعه بين عباده. ليزنوا به ما اشتبه من الامور. ويعرف به صدق ما اخبر به واخبرت رسله. فما خرج عن هذين الامرين عن والميزان مما قيل انه حجة او برهان او دليل او نحو ذلك من العبارات فانه باطل متناقض. قد فسدت اصوله هدمت مبانيه وفروعه. يعرف ذلك من خمر المسائل ومآخذها. وعرف التمييز بين راجح الادلة من مرجوحها. والفرق بين الحجج والشبه واما من اغتر بالعبارات المزخرفة والالفاظ المموهة ولم تنفذ بصيرته الى المعنى المراد فانه ليس من اهل هذا الشأن ولا من فرسان هذا الميدان فوفاقه وخلافه سيان. ثم قال تعالى مخوفا للمستعجلين لقيام الساعة المنكرين لها فقال اي ليس بمعلوم بعدها ولا متى تقوم فهي في كل وقت متوقع وقوعها مخوف وجبتها. عنادا وتكذيبا لربهم والذين امنوا مشفقون منها ويعلمون انها الحق. والذين امنوا مشفقون منها اي خائفون لايمانهم بها. وعلمهم بما تشتمل عليه من الجزاء بالاعمال. وخوفهم لمعرفتهم بربهم. الا تكون اعمالهم منجية لهم ولا مسعدة. ولهذا قال ويعلمون انها الحق الذي لا مرية فيه ولا شك يعتريه. الا الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد. اي بعدما ان تروا فيها ما روا الرسل واتباعهم باثباتهم فهم في شقاق بعيد. اي معاندة ومخاصمة غير قريبة من الصواب. بل في غاية البعد عن الحق. واي بعد ابعد ممن كذب بالدار التي هي الدار على الحقيقة. وهي الدار التي خلقت للبقاء الدائم والخلود السرمد. وهي دار الجزاء التي يظهر الله فيها عدله بفضل الله. وانما هذه الدار بالنسبة اليها كراكب قال في ظل شجرة ثم راح وتركها. وهي دار عبور وممر لا محل الاستقرار فصدقوا بالدار المنحلة الفانية. حيث رأوها وشاهدوها وكذبوا بالدار الاخرة. التي تواترت بالاخبار عنها الكتب الالهية والرسل الكرام واتباعهم. الذين هم اكمل الخلق عقولا واغزرهم علما. واعظمهم فطنة وفهما الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز يخبر تعالى بلطفه لعباده ليعرفوه ويحبوه ويتعرضوا للطفه وكرمه. واللطف من اوصافه تعالى معناه الذي يدرك الضمائر والسرائر الذي يوصل عباده وخصوصا المؤمنين الى ما فيه الخير لهم من حيث لا يعلمون ولا يحتسبون. فمن لطفه بعبده المؤمن ان هداه الى الخير هداية لا تخطر بباله. بما يسر له من الاسباب الداعية الى ذلك. من فطرته على محبة الخلق والانقياد له تعالى لملائكته الكرام ان يثبتوا عباده المؤمنين ويحثوهم على الخير ويلقوا في قلوبهم من تزيين الحق ما يكون داعيا باتباعه ومن لطفه ان امر المؤمنين بالعبادات الاجتماعية التي بها تقوى عزائمهم وتنبعث هممهم ويحصل منهم التنافس على الخير والرغبة فيه واقتداء بعضهم ببعض. ومن لطفه ان قيض لعبده كل سبب يعوقه. ويحول بينه وبين المعاصي حتى انه تعالى اذا علم ان الدنيا والمال والرياسة ونحوها مما يتنافس فيه اهل الدنيا تقطع عبده عن طاعته او على الغفلة عنه او على معصية صرفها عنه وقدر عليه رزقه. ولهذا قال هنا يرزق من يشاء بحسب اقتضاء بحكمته ولطفه. الذي له القوة كلها فلا حول ولا قوة لاحد من المخلوقين الا به الذي دانت له جميع الاشياء. ثم قال تعالى ان كان يريد حرث الاخرة اي اجرها وثوابها فامن بها وصدق وسعى لها سعيها نزد له في حرثه بان نضاعف عمله له وجزاءه اضعافا كثيرة. كما قال تعالى ومن اراد الاخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن. فاولئك كان سعيهم مشكورا ومع ذلك فنصيبه من الدنيا لابد ان يأتيه ومن كان يريد حرث الدنيا بان كانت الدنيا هي مقصودة وغاية مطلوبه فلم يقدم لاخرته وتكون سببا للتوفيق لعمل اخر. ويزداد بها عمل المؤمن ويرتفع عند الله وعند خلقه. ويحصل له الثواب العاجل الاجل ان الله غفور شكور. يغفر الذنوب العظيمة. ولو بلغت ما بلغت عند التوبة ولا رجى ثوابها ولم يخشى عقابها نؤته منها نصيبه الذي قسم له قد حرم الجنة ونعيمها. واستحق النار وجحيمها. وهذه الاية شبيهة بقوله تعالى من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها. نوفي اليهم اعمالهم فيها. وهم فيها لا يبخسون. الى اخر الايات وان الظالمين لهم عذاب اليم. يخبر تعالى ان المشركين اتخذوا شركاء يوالونهم ويشتركونهم واياهم في الكفر واعماله من شياطين الانس الدعاة الى الكفر. شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله من الشرك والبدع وتحريم ما احل الله وتحليل ما حرم الله ونحو ذلك مما اقتضت اهوائهم. مع ان الدين لا يكون الا ما شرعه الله تعالى ليدين به العباد ويتقربوا به اليه. فالاصل الحجر على كل احد ان يشرع شيئا ما جاء عن الله وعن رسوله. فكيف بهؤلاء المشتركين هم واباؤهم على الكفر. اي لولا الاجل المسمى الذي ضربه الله فاصلا بين الطوائف المختلفة وانه سيؤخرهم اليه لقضي بينهم في الوقت الحاضر بسعادة المحق واهلاك المبطل. لان المقتضي للاهلاك موجود ولكن امامهم العذاب الاليم في الاخرة. هؤلاء وكل ظالم. وفي ذلك اليوم والذين امنوا وعملوا الصالحات في روضات ترى الظالمين انفسهم بالكفر والمعاصي. مشفقين اي خائفين وجلين ما كسبوا ان يعاقبوا عليه. ولما كان الخائف قد يقع بهما اشفق منه وخافه. وقد لا يقع اخبر انهم واقع بهم عقاب الذي خافوه لانهم اتوا بالسبب التام الموجب للعقاب من غير معارض من توبة ولا غيرها ووصلوا موضعا فات فيه الانذار والامهال والذين امنوا بقلوبهم بالله وبكتبه ورسله وما جاءوا به. وعملوا الصالحات يشمل كل عمل صالح من اعمال القلوب واعمال الجوارح من الواجبات والمستحبات. فهؤلاء في روضات الجنات اي الروضات المضافة الى الجنات. والمضاف يكون بحسب المضاف اليه فلا تسأل عن بهجة تلك الرياض المونقة وما فيها من الانهار المتدفقة والفياض المعشبة والمناظر الحسنة والاشجار المثمرة والطيور المغردة والاصوات الشجية المطربة والاجتماع بكل حبيب والاخذ من المعاشرة والمنادامة ما لي نصيب. رياض لا تزداد على طول المدى الا حسنا وبهاء. ولا يزداد اهلها الا اشتياقا الى لذاتها وودادا يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير. لهم ما يشاؤون فيها اي في الجنات فمهما ارادوا فهو حاصل ومها طلبوا حصل مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب لبشر وهل فوز اكبر من الفوز برضا الله تعالى؟ والتنعم بقربه في دار كرامته اي هذه البشارة العظيمة. التي هي اكبر البشائر على الاطلاق. بشر بها الرحيم الرحمن على يد افضل خلق لاهل الايمان والعمل الصالح. فهي اجل الغايات والوسيلة الموصلة اليها افضل الوسائل عليه اجرا الا المودة في القربى. قل لا اسألكم عليه اي على تبليغي اياكم هذا القرآن. ودعوة الى احكامه اجرا فلست اريد اخذ اموالكم ولا التولي عليكم والترأس ولا غير ذلك من الاغراض لا المودة في القربى احتمل ان المراد لا اسألكم عليه اجرا الا اجرا واحدا هو لكم. وعائد نفعه اليكم وهو ان تودوني وتحبوني في القرابة. اي لاجل القرابة ويكون على هذا المودة الزائدة على مودة الايمان فان مودة الايمان بالرسول وتقديم محبته على جميع المحاب بعد محبة الله. فرض على كل مسلم. وهؤلاء طلب منهم زيادة على ذلك ان يحبوه لاجل القرابة. لانه صلى الله عليه وسلم قد باشر بدعوته اقرب الناس اليه. حتى انه قيل انه ليس ففي بطون قريش احد الا ولرسول الله صلى الله عليه وسلم فيه قرابة. ويحتمل ان المراد الا مودة الله تعالى الصادقة وهي التي يصحبها التقرب الى الله والتوسل بطاعته الدالة على صحتها وصدقها. ولهذا قال الا المودة في القربى اي في التقرب الى الله وعلى كلا القولين فهذا الاستثناء دليل على انه لا يسألهم عليه اجرا بالكلية الا ان يكون شيئا ان يعود نفعه اليهم فهذا ليس من الاجر في شيء. بل هو من الاجر منه لهم صلى الله عليه وسلم. كقوله تعالى وما نقموا منه الا ان يؤمنوا بالله العزيز الحميد. وقولهم ما لفلان ذنب عندك الا انه محسن اليك ومن يقترف حسنة من صلاة او صوم او حج او احسان الى الخلق نزد له فيها حسنا. بان يشرح الله صدره وييسر امره