فهذه خصال الكمال قد جمعوها. ويلزم من قيامهم فيها فعل ما هو دونها. وانتفاء ضدها المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي يعني ام يقول المكذبون للرسول صلى الله عليه وسلم جرأة منهم وكذبا افترى على الله كذبا. فرموه باشنع الامور واقبحها. وهو الافتراء على الله بادعاء النبوة والنسبة الى الله ما هو بريء منه. وهم يعلمون صدقك وامانتك فكيف يتجرأون على هذا الكذب الصراح؟ بل تجرأوا بذلك على الله تعالى فانه قدح في الله حيث مكنك من هذه الدعوة المتضمنة على موجب زعمهم اكبر الفساد في الارض حيث مكنه الله من التصريح بالدعوة ثم بنسبتها اليه ثم يؤيده بالمعجزات الظاهرات والادلة القاهرات والنصر المبين والاستيلاء على من خالفه. وهو تعالى قادر على حسم هذه الدعوة من ومادتها وهو ان يختم على قلب الرسول صلى الله عليه وسلم فلا يعي شيئا ولا يدخل اليه خير واذا ختم على قلبه ان حسم الامر كله وانقطع. فهذا دليل قاطع على صحة ما جاء به الرسول. واقوى شهادة من الله له على ما قال. ولا توجد شهادة اعظم منها ولا اكبر. ولهذا من حكمته ورحمته وسنته الجارية. ان يمحو الباطل ويزيله. وان كان له صولة في بعض الاوقات فان عاقبته الاضمحلال. ويحق الحق بكلماته الكونية التي لا تغير ولا تبدل. ووعده الصادق وكلماته الدينية التي تحقق ما شرعه من الحق. وتثبته في القلوب وتبصر اولي الالباب. حتى ان من جملة احقاقه تعالى الحق ان يقيض له الباطل ليقاومه. فاذا قاومه صال عليه الحق ببراهينه وبيناته. فظهر من نوره وهداه ما به يضمحل الباطل وينقمع. ويتبين بطلانه لكل احد. ويظهر الحق كل الظهور لكل احد اي بما فيها. وما اتصفت به من خير وشر. وما اكنته ولم تبده يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون. هذا لكمال كرم الله تعالى وسعة جوده وتمام لطفه. بقبول التوبة الصادرة من عباده حين يقلعون عن ذنوبهم ويندمون عليها ويعزمون على الا يعاودوها اذا قصدوا بذلك وجه ربهم. فان الله يقبلها بعدما انعقدت سببا للهلاك. ووقوع العقوبات الدنيوية والدينية ويعفو عن السيئات ويمحوها ويمحو اثرها من العيوب. وما اقتضته من العقوبات. ويعود التائب عنده كريما كانه ما عمل سوءا قط. ويحبه ويوفقه لما يقربه اليه. ولما كانت التوبة من الاعمال العظيمة التي قد تكون كاملة بسبب تمام الاخلاص والصدق فيها. وقد تكون ناقصة عند نقصهما. وقد تكون فاسدة اذا كان القصد منها بلوغ غرض من الاغراض الدنيوية. وكان محل ذلك القلب الذي لا يعلمه الا الله. ختم هذه الاية بقوله فالله تعالى دعا جميع العباد الى الانابة اليه والتوبة من التقصير. فانقسموا بحسب الاستجابة له الى قسمين مستجيبين ووصفهم بقوله وعملوا من فضله والكافرون لهم عذاب شديد ويستجيب الذين امنوا وعملوا الصالح الصالحات ان يستجيبون لربهم لما دعاهم اليه. وينقادون له ويلبون دعوته. لان ما معهم من الايمان والعمل الصالح. يحملهم على الى ذلك. فاذا استجابوا له شكر الله لهم وهو الغفور الشكور. وزادهم من فضله توفيقا ونشاطا على العمل. وزادهم مضاعفة في الاجر زيادة عن ما تستحقه اعمالهم من الثواب والفوز العظيم. واما غير المستجيبين لله وهم المعاندون. الذين به وبرسله فلهم عذاب شديد في الدنيا والاخرة. ثم ذكر ان من لطفه بعباده انه لا يوسع عليهم الدنيا سعة تضر اديانهم فقال انه بعباده خبير بصير ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الارض. اي لغفلوا عن طاعة الله واقبلوا على التمتع بشهوات الدنيا. فاوجبت لهم الاكباب كما تشتهيه نفوسهم ولو كان معصية وظلما. ولكن ينزل بقدر ما يشاء ولكن ينزل بقدر ما يشاء بحسب صباح لطفه وحكمته. انه بعباده خبير بصير. كما في بعض الاثار ان الله تعالى يقول ان من عبادي من لا يصلح ايمانه الى الغنى ولو افقرته لافسده ذلك وان من عبادي من لا يصلح ايمانه الفقر ولو اغنيته لافسده ذلك. وان من عبادي من لا يصلح ايمانه الا الصحة. ولو امرظته لافسده ذلك. وان من عبادي من لا يصلح ايمانه الا المرض. ولو عافيته لافسده ذلك. اني ادبر امر عبادي بعلمي بما في قلوبهم. اني تعبير بصير وهو الذي ينزل الغيث اي المطر الغزير الذي به يغيث البلاد والعباد من بعد ما قنطوا وانقطع عنهم مدة ظنوا انه لا يأتيهم. وايسوا وعملوا لذلك الجدب اعمالا. فينزل الله الغيب وينشر به رحمته من اخراج الاقوات للادميين وبهائمهم. فيقع عندهم موقعا عظيما. ويستبشرون بذلك وهو الولي الذي يتولى عباده بانواع التدبير ويتولى القيام وبمصالح دينهم ودنياهم الحميد في ولايته وتدبيره الحميد على ما له من الكمال. وما اوصله الى خلقه من انواع الافضال اي ومن ادلة العظيمة وانه سيحيي الموتى بعد موتهم خلق هذه السماوات والارض على عظمهما وسعتهما. الدال على قدرته وسعة سلطانه وما فيهما من الاتقان والاحكام. دال على حكمته وما فيهما من المنافع والمصالح. دال على رحمته. وذلك يدل على انه المستحق لانواع العبادة كلها. وان الهية ما سواه باطلة. وما بث فيهما. اي نشر في السماوات والارض من اصناف التي جعلها الله مصالح ومنافع لعباده وهو على جمعهم اي جمع الخلق بعد موتهم لموقف القيامة فقدرته ومشيئته صالحان لذلك. ويتوقف وقوعه على وجود الخبر الصادق. وقد علم انه قد تواترت اخبار المرسلين وكتبهم بوقوعه. وما اصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم يخبر تعالى انه ما اصاب العباد من مصيبة في ابدانهم واموالهم واولادهم اولادهم وفيما يحبون ويكون عزيزا عليهم الا بسبب ما قدمته ايديهم من السيئات. وان ما يعفو الله عنه اكثر. فان ان الله لا يظلم العباد ولكن انفسهم يظلمون. ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة. وليس اهمال منه تعالى تأخير العقوبات ولا عجزا وما انتم بمعجزين في الارض اي معجزين قدرة الله عليكم بل انتم عاجزون في الارض. ليس عندكم امتناع عما ينفذه الله فيكم. وما لكم من دون الله من ولي يتولاكم فيحصل لكم المنافع ولا نصير يدفع عنكم المضار الاعلام اي ومن ادلة رحمته وعنايته بعباده. الجواري في البحر من السفن والمراكب النارية والشراعية. التي من عظمها كالاعلام وهي الجبال الكبار. التي سخر لها البحر العجاج وحفظها من التطام الامواج. وجعلها تحملكم ثم تحمل امتعتكم الكثيرة الى البلدان والاقطار البعيدة. وسخر لها من الاسباب ما كان معونة على ذلك. ثم نبه على هذه الاسباب بقوله ان يشأ يسكن الريح التي جعلها الله سببا لمشيها فيضللن. اي الجواري رواكد على ظهر البحر. لا تتقدم ولا تتأخر ولا ينتقض هذا نارية فان من شرط مشيها وجود الريح. وان شاء الله تعالى اوبق الجواري بما كسب اهلها. اي اغرقها في البحر واتلفها ولكنه يحلم ويعفو عن كثير. اي للصبر على ما تكرهه نفسه ويشق عليها فيكرهها عليه. من مشقة طاعة او ردع داع الى معصية او ردع نفسه عند المصائب عنه للتسخط شكور في الرخاء وعند النعم. يعترف بنعمة ربه ويخضع له. ويصرفها في مرضاته. فهذا الذي ينتفع بايات الله واما الذي لا صبر عنده ولا شكر له على نعم الله فانه معرض او معاند لا ينتفع بالايات. ثم قال تعالى الذين يجادلون في اياتنا ما لهم من نحيص. ويعلم الذين يجادلون في اياتنا بباطلهم. اي لا ينقذهم منقذ مما حل بهم من العقوبة هذا تزهيد في الدنيا وترغيب في الاخرة. وذكر الاعمال الموصلة اليها فقال فما اوتيتم من شيء من ملك ورياسة واموال وبنين وصحة وعافية بدنية فمتاع الحياة الدنيا لذة نغاسة منقطعة وما عند الله من الثواب الجزيل والاجر الجليل والنعيم المقيم خير من لذات الدنيا خيرية لا نسبة بينهما وابقى لانه نعيم لا منغص فيه ولا كدر ولا انتقال. ثم ذكر لمن هذا الثواب فقال اي جمعوا بين الايمان الصحيح المستلزم لاعمال الايمان الظاهرة والباطنة. وبين التوكل الذي هو الالة لكل عمل. فكل عمل لا يصحبه التوكل. فغير وهو الاعتماد بالقلب على الله في جلب ما يحبه العبد. ودفع ما يكرهه مع الثقة به تعالى الاثم والفواحش واذا ما غضبوهم يغفرون. والذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش والفرق بين الكبائر والفواحش مع ان جميعهما كبائر ان الفواحش هي الذنوب الكبار التي في النفوس داع اليها كالزنا ونحوه والكبائر ما ليس كذلك. هذا عند الاقتران. واما مع افراد كل منهما عن الاخر. فان الاخر يدخل فيه اي قد تخلقوا بمكارم الاخلاق ومحاسن الشيم. فصار الحلم لهم سجية وحسن الخلق لهم طبيعة حتى اذا اغضبهم احد بمقاله او فعاله كظموا ذلك الغضب فلم ينفذوه بل غفروه ولم يقابلوا المسيء الا بالاحسان الثاني والعفو والصفح. فترتب على هذا العفو والصفح من المصالح ودفع المفاسد في انفسهم وغيرهم شيء كثير. كما قال تعالى ادفع بالتي هي احسن. فاذا الذي بينك وبينه عداوة كانه ولي حميم. وما يلقاها الا الذين صبروا وما يلقاها الا ذو حظ عظيم ينفقون. والذين استجابوا لربهم اي انقادوا لطاعته. ولبوا دعوته وصار قصدهم رضوانه. وغايتهم الفوز قربه ومن الاستجابة لله. اقامة الصلاة وايتاء الزكاة. فلذلك عطفهما على ذلك من باب عطف العام على الخاص. الدال على شرفه وفضله فقال واقاموا الصلاة اي ظاهرها وباطنها فرضها ونفلها من النفقات الواجبة كالزكاة والنفقة على الاقارب ونحوهم. والمستحبة كالصدقات على عموم الخلق. وامرهم الديني والدنيوي شورى بينهم. اي لا يستبد احد منهم برأيه في امر من الامور المشتركة بينهم. وهذا لا يكون الا طبعا عن اجتماعه وتوالفهم وتواددهم وتحاببهم وكمال عقولهم انهم اذا ارادوا امرا من الامور التي تحتاج الى اعمال الفكر رأي اجتمعوا لها وتشاوروا وبحثوا فيها. حتى اذا تبينت لهم المصلحة انتهزوها وبادروها. وذلك كالرأي في الغزو والجهاد وتولية الموظفين لامارة او قضاء او غيره. وكالبحث في المسائل الدينية عموما. فانها من الامور المشتركة. والبحث فيها لبيان الصواب مما يحبه الله وهو داخل في هذه الاية والذين اذا اصابهم البغي اي وصل اليهم من اعدائهم هم ينتصرون لقوتهم وعزتهم ولم يكونوا اذلاء عاجزين عن الانتصار فوصفهم بالايمان والتوكل على الله واجتناب الكبائر والفواحش الذي تكفر به الصغائر والانقياد التام والاستجابة لربهم واقامة الصلاة والانفاق في وجوه الاحسان والمشاورة في امورهم والقوة والانتصار على اعدائهم