المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي ذكر الله في هذه الاية مراتب العقوبات وانها على ثلاث راتب عدل وفضل وظلم. فمرتبة العدل جزاء السيئة بالسيئة مثلها. لا زيادة ولا نقص. فالنفس بالنفس وكل كل جارحة بالجارحة المماثلة لها والمال يضمن بمثله. ومرتبة الفضل العفو والاصلاح عن المسيء. ولهذا قال فمن عفا واصلح فاجره على يجزيه اجرا عظيما وثوابا كثيرا. وشرط الله في العفو فيه ليدل ذلك على انه اذا كان الجاني لا يليق العفو عنه. وكانت المصلحة الشرعية تقتضي عقوبته فانه في هذه الحال لا يكون مأمورا به. وفي جعل اجر العافي على الله ما يهيج على العفو. وان يعامل العبد الخلق بما يحب ان يعامله الله به فكما يحب ان يعفو الله عنه فليعفو عنهم. وكما يحب ان يسامحه الله فليسامحهم. فان الجزاء من جنس العمل. واما مرتبة الظلم فقد ذكرها بقوله الذين يجنون على غيرهم ابتداء او قابلون الجاني باكثر من جنايته. فالزيادة ظلم ولمن انتصر بعد ظلمه. اي انتصر ممن ظلمه بعد وقوع الظلم عليه اي لا حرج عليهم في ذلك. ودل قوله والذين اذا اصابهم البغي وقوله ولمن انتصر بعد ظلمه انه لابد من اصابة البغي والظلم ووقوعه. واما ارادة البغي على الغير وارادة ظلمه من غير ان يقع منهم شيء فهذا لا يجازى بمثله. وانما يؤدب تأديبا يردعه عن قول او فعل صدر منه انما السبيل اي انما تتوجه الحجة بالعقوبة الشرعية على الذين يظلمون الناس. ويبغون في الارض بغير الحق. وهذا شامل للظلم والبغي على الناس في دمائهم واموالهم واعراضهم. اولئك لهم عذاب اليم. اي موجع للقلوب والابدان حسب ظلمهم وبغيهم. ولمن صبر على ما يناله من الخلق وغفر لهم بان سمح لهم عما يصدر منهم. اي لمن الامور التي حث الله الله عليها واكدها واخبر انه لا يلقاها الا اهل الصبر والحظوظ العظيمة. ومن الامور التي لا يوفق لها الا اولو العزائم والهمم وذوي الالباب والبصائر. فان ترك الانتصار للنفس بالقول او الفعل من اشق شيء عليها. والصبر على الاذى والصفح عنه مغفرته ومقابلته بالاحسان اشق واشق. ولكنه يسير على من يسره الله عليه. وجاهد نفسه على الاتصاف به. واستعان ان الله على ذلك ثم اذا ذاق العبد حلاوته ووجد اثاره تلقاه برحب الصدر وسعة الخلق والتلذذ فيه ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده. وترى الظالمين لما رأوا العين يخبر تعالى انه المنفرد بالهداية والاضلال وانه يملي لله بسبب ظلمه فما له من ولي من بعده يتولى امره ويهديه. وترى الظالمين لما رأوا العذاب مرأى منظرا فظيعا صعبا شنيعا يظهرون الندم العظيم والحزن على ما سلف منهم اي هل لنا طريق او حيلة الى رجوعنا الى الدنيا لنعمل غير الذي كنا نعمل. وهذا طلب للامر المحال الذي لا يمكن وتراهم يعرضون عليها اي على النار خاشعة من الذل اي ترى اجسامهم خاشعة للذل الذي في قلوبهم. ينظرون من طرف خفي اي ينظرون الى النار مسارقة من هيبتها وخوفها الا ان الظالمين في عذاب وقال الذين امنوا حين ظهرت عواقب الخلق وتبين اهل الصدق من غيرهم ان الخاسرين على الحقيقة الذين خسروا انفسهم واهليهم يوم القيامة حيث فوتوا انفسهم جزيل الثواب. وحصلوا على اليم العقاب. وفرق بينهم وبين اهليهم. فلم يجتمعوا بهم اخر ما عليهم الا ان الظالمين في عذاب الا ان الظالمين انفسهم بالكفر والمعاصي في سواءه ووسطه منغمرين لا يخرجون منه ابدا ولا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون. وما كان لهم من اولياء ينصرونهن وما كان لهم من اولياء ينصرون انهم من دون الله كما كانوا في الدنيا يمنون بذلك انفسهم. ففي القيامة يتبين لهم ولغيرهم ان اسبابهم التي املوها وانه حين جاءهم عذاب الله لم يدفع عنهم. ومن يضلل الله فما له من سبيل فما له من سبيل تحصل به هدايته. فهؤلاء ضلوا. حيث زعموا في شركائهم النفع. ودفع الضر. فتبين حين من ضلالهم