المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله قصة شعيب عليه السلام نبأه الله وارسله الى اهل مدين. وكانوا مع شركهم يبخسون المكاييل والموازين. ويغشون في المعاملات وينقصون ناس اشياءهم فدعاهم الى توحيد الله ونهاهم عن الشرك به وامرهم بالعدل في المعاملات. وزجرهم عن البخس في المعاملات وذكرهم الخير الذي اضره الله عليهم والارزاق المتنوعة وانهم ليسوا بحاجة الى ظلم الناس في اموالهم وخوفهم العذاب المحيط في الدنيا قبل الاخرة. فاجابوا ساخرين وردوا عليه متهكمين فقالوا يا شعيب اصلاتك تأمرك ان نترك ما يعبد اباؤنا او ان نفعل في اموالنا ما نشاء انك لانت الحليم الرشيد اي فنحن جازمون على عبادة ما كان اباؤنا يعبدون. وجازمون على اننا نفعل في اموالنا ما نريد من اي معاملة ان تكون فلا ندخل تحت اوامر الله واوامر رسله. وقال لهم يا قومي ارأيتم ان كنتم على بينة من ربي ورزقني منه رزق رزقا حسنا اي اغناني الله. وما اريد ان اخالفكم الى ما انهاكم عنه اي ما نهيتكم عن المعاملات الخبيثة وظلم الناس فيها الا وانا اول تارك لها. مع ان الله اعطاني ووسع علي وانا محتاج الى هذه المعاملة ولكني متقيد بطاعة ربي ان اريد في فعلي وامري لكم الا الاصلاح اي ان تصلح احوالكم الدينية والدنيوية ما استطعت وما توفيقي الا بالله عليه توكلت واليه انيب ثم خوفهم اخذات الامم التي حولهم في الزمان والمكان فقال لا يجرمنكم شقاقي ان يصيبكم مثل ما اصابكم قوم نوح او قوم هود او قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد ثم عرض عليهم التوبة ورغبهم فيها فقال واستغفروا ربكم ثم توبوا اليه ان ربي رحيم ودود فلم يفد فيهم فقالوا ما نفقه كثيرا مما تقول. وهذا لعنادهم وبغضهم البليغ للحق. وانا لنراك في اضعيفا ولولا رهتك لرجمناك وما انت علينا بعزيز قال يا قومي ارهتي اعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا. ان ربي بما تعملون محيط ثم لما رأى عتوهم قال سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب. وارتقبوا اني معكم ورقيب. ولما جاء امرنا نجينا شعيبا والذين امنوا معه برحمة منا. فارسل الله عليهم حرب اخذ بانفاسهم حتى كادوا يختنقون من شدته. ثم في اثناء ذلك ارسل سحابة باردة فاضلتهم فتنادوا الى ظلها غير الظليل فلما اجتمعوا فيها التهبت عليه النار فاحرقتهم واصبحوا خامدين معذبين مذمومين ملعونين في جميع الاوقات وفي قصة شعيب فوائد متعددة منها ان بخس المكاييل والموازين خصوصا وبخس الناس اشياءهم عموما من اعظم الجرائم الموجبة لعقوبات الدنيا والاخرة. ومنها ان المعصية الواقعة لمن عدم منه الداعي والحاجة اليها اعظم. ولهذا فكان الزنا في الشيخ اقبح من الشباب والكبر في الفقير اقبح من الغني. والسرقة ممن ليس بمحتاج اعظم من وقوعها من المحتاج. لهذا قال شعيب لقومه اني اراكم بخير. اي بنعم كثيرة فاي امر احوجكم الى الهلع الى ما بايدي الناس بطرق محرمة. ومنها قوله بقية الله خير لكم. فيه الحث على رضا بما اعطى الله والاكتفاء بحلاله عن حرامه. وقصر النظر على الموجود عندك من غير تطلع الى ما عند الناس. ومنها فيه دلالة على ان الصلاة سبب لفعل الخيرات وترك المنكرات وللنصيحة لعباد الله قد علم ذلك الكفار بما قالوا لشعيب اصلاتك تأمرك ان نترك ما يعبد اباؤنا او ان نفعل قال في اموالنا ما نشاء انك لانت الحليم الرشيد. وقال تعالى ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر. ومن ها هنا تعرف حكمة الله ورحمته. في انه فرض علينا الصلوات تتكرر في اليوم والليلة لعظم وقعها وشدة نفعها وجميل اثارها. فلله على ذلك اتم الحمد. ومنها ان العبد في حركات بدنه وتصرفاته وفي معاملاته المالية داخل تحت حجر الشريعة. فما ابيح له منها فعله. وما منعه ترعو تعين عليه تركه. ومن يزعم انه في ما له حر له ان يفعل ما يشاء من معاملات طيبة وخبيثة فهو بمنزلة من يرى ان عمل بدنه كذلك وانه لا فرق عنده بين الكفر والايمان والصدق والكذب وفعل الخير والشر. الكل مباح ومن المعلوم ان هذا هو مذهب الاباحيين الذين هم شر الخليقة. ومذهب قوم شعيب يشبه هذا. لانهم انكروا على شعيب من لما نهاهم عن المعاملات الظالمة. واباح لهم سواها ردوا عليه انهم احرار في اموالهم لهم ان يفعلوا فيها ما يريدون. ونظير هذا قول من قال انما البيع مثل الرب فمن سوى بينما اباحه وبينما حرمه الله وقد انحرف في فطرته وعقله بعدما انحرف في دينه. ومنها ان الناصح للخلق الذي يأمرهم وينهاهم من تمام قبول الناس له انه اذا امرهم بشيء ان يكون اول الفاعلين له. واذا نهاهم عن شيء كان اول التاركين. لقول شعيب وما اريد ان اخالفكم الى ما انهاكم عنه. ومنها ان الانبياء جميعهم بعثوا بالاصلاح والصلاح. ونهوا عن الشرور تاد. فكل صلاح واصلاح ديني ودنيوي. فهو دين الانبياء. وخصوصا امامهم وخاتمهم محمدا صلى الله عليه سلم فانه ابدى واعاد في هذا الاصل ووضع للخلق الاصول النافعة التي يجرون عليها في الامور العادية والدنيوية كما وضع لهم الاصول في الامور الدينية. وانه كما ان على العبد السعي والاجتهاد في فعل الصلاح والاصلاح. فعليه ان يستمد من ربه على ذلك وان يعلم انه لا يقدر على ذلك ولا على تكميله الا بالله. لقول شعيب ان اريد الا الاصلاح ما استطعت. وما توفيقي الا بالله. عليه توكلت واليه انيب ومنها ان الداعية الى الله يحتاج الى الحلم وحسن الخلق. ومقابلة المسيئين باقوالهم وافعالهم بضد ذلك. والا يحفظه اذى الخلق ولا يصده عن شيء من دعوته. وهذا الخلق كماله للرسل صلوات الله عليهم وسلم. فانظر الى شعيب عليه السلام وحسن خلقه مع قومه. ودعوته لهم بكل طريق. وهم يسمعونه الاقوال السيئة. ويقابلونه المقابلة الفعلية. وهو عليه السلام يحلم عليهم ويصفح. ويتكلم معهم كلام من لم يصدر منهم له في حقه الا الاحسان. ويهون هذا الامر ان هذا خلق من ظفر به وحازه فقد فاز بالحظ العظيم. وان لصاحبه عند الله المقامات العالية والنعيم المقيم ويهونه انه يعالج امما قد طبعوا على اخلاق ازالتها وقلعها اصعب من قلع الجبال الرواسي. ومرنوا على قائدة ومذاهب بذلوا فيها الاموال والارواح. وقدموها على جميع المهمات عندهم. افتظن مع هذا ان امثال هؤلاء يقتنعون بمجرد القول بان هذه مذاهب باطلة واقوال فاسدة؟ ام تحسبهم يغتفرون لمن نالها بسوء كلا والله ان هؤلاء يحتاجون الى معالجات متنوعة بالطرق التي دعت اليها الرسل. يذكرون بنعم الله وان الذي تفرد بالنعم. يتعين ان يتفرد بالعبادة. ويذكرون بما في مذاهبهم من الزيغ والفساد والاضطراب. والتناقض للعقائد الداعي لتركها ويذكرون بما في ايديهم وما خلفهم من ايام الله ووقائعه بالامم المكذبة للرسل المنكرة للتوحيد. ويذكرون بما في الايمان بالله وتوحيده ودينه. من المحاسن والمصالح والمنافع الدينية والدنيوية الجاذبة للقلوب المسهلة لكل مطلوب. ومع هذا كله فيحتاج الخلق الى الاحسان اليهم وبذل المعروف واقل ذلك الصبر على اذاهم وتحمل ما يصدر منهم ولين الكلام معهم وسلوك كل سبيل حكمة معهم التنقل معهم في الامور بالاكتفاء ببعض ما تسمح به انفسهم ليستدرج بهم الى تكميله. والبداءة بالاهم فالاهم. واعظمهم قياما بهذه الامور وغيرها. سيدهم وخاتمهم وامام الخلق على الاطلاق محمد صلى الله عليه وسلم