المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله قصة موسى وهارون عليهما السلام قد ذكر الله لموسى ابن عمران ومعه اخوه هارون عليهما السلام سيرة طويلة. وساق قصصه في مواضع من كتابه باساليب متنوعة واختصار او بسط يليق بذلك المقام. وليس في قصص القرآن اعظم من قصة موسى. لانه عالم فرعون وجنوده وعالج بني اسرائيل اشد المعالجة. وهو اعظم انبياء بني اسرائيل. وشريعته وكتابه التوراة ومرجع انبياء بني اسرائيل وعلمائهم واتباعه اكثر اتباع الانبياء غير امة محمد صلى الله عليه وسلم له من القوة العظيمة في اقامة دين الله والدعوة اليه. والغيرة العظيمة ما ليس لغيره. وقد ولد في وقت قد اشتد فيه فرعون على بني اسرائيل فكان يذبح كل مولود ذكر يولد من بني اسرائيل ويستحيي النساء للخدمة والامتهان. فلما ولدته امه خافت عليه خوفا شديدا. فان فرعون جعل على بني اسرائيل يرقب نسائهم ومواليدهم وكان بيتها على ضفة نهر النيل فالهمها الله ان وضعت له تابوتا اذا خافت عليه احدا القته في اليم. وربطته بحبل لان لا يجري به جرية الماء. ومن لطف الله بها انه اوحى لها ولا تخافي ولا تحزني. انا رادوه اليك وجاعلوه من المرسلين فلما القته ذات يوم انفلت رباط التابوت فذهب الماء بالتابوت الذي في وسطه موسى. ومن قدر الله ان وقع في يد ال فرعون. وجيء به الى امرأة فرعون اسية. فلما رأته احبته حبا شديدا. وكان الله قد القى عليه المحبة في القلوب. وشاع الخبر ووصل الى فرعون. فطلبه ليقتله فقالت امرأته لا تقتلوه قرة عين لي ولك عسى ان ينفعنا او نتخذه ولدا. فنجا بهذا السبب من قتلهم. وكان هذا الاثر الطيب والمقدمة الصالحة من السعي المشكور عند الله فكان هذا من اسباب هدايتها وايمانها بموسى بعد ذلك اما ام موسى فانها فزعت واصبح فؤادها فارغا. وكاد الصبر ان يغلب فيها. ان كادت لتبدي به لولا ان ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين وقالت لاخته قصيه. وتحسسي عنه. وكانت امرأة فرعون قد عرضت عليه المراضع فلم يقبل ادي امرأة وعطش وجعل يتلوى من الجوع واخرجوه الى الطريق. فلعل الله ان ييسر له احدا. فحانت من اخته هي نظرة اليه فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون. بشأنها فلما اقبلت عليه وفهمت منهم انهم يطلبون له قالت لهم هل ادلكم على اهل بيتي يكفلونه لكم وهم له ناصحون فرددناه الى امه كي تقر عينها اولا تحزن ثم ذكر الله في هذه السورة قصة مفصلة واضحة وكيف تنقلت به الاحوال قراءتها كافية عن شرح معناها لوضوء روحها وتفصيلاتها الله تعالى ما فصل لنا الا ما ننتفع به ونعتبر. ولكن في قصته من العبر والفوائد شيء كثير ننبه على بعضها ذكر الفوائد المستنبطة نصا او ظاهرا او تعميما او تعليلا من قصة موسى عليه السلام منها لطف الله بام موسى بذلك الالهام الذي به سلم ابنها ثم تلك البشارة من الله لها برده اليها التي لولاها لقضى عليها الحزن على ولدها ثم رده اليها بالجاءه اليها قدرا بتحريم المراضع عليه. وبذلك وغيره يعلم ان الطاف الله على اوليائه اتتصورها العقول ولا تعبر عنها العبارات تأمل موقع هذه البشارة وانه اتاها ابنها ترضعه جهرا وتأخذ عليه اجرا وتسمى امه شرعا وقدرا. وبذلك اطمئن قلبها وازداد ايمانها. وفي هذا مصداق لقوله تعالى وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم. فلا اكره لام موسى من وقوع ابنها بيد ال فرعون. ومع ذلك ظهرت عواقبه الحميدة واثاره الطيبة ومنها ان ايات الله وعبره في الامم السابقة انما يستفيد منها ويستنير بها المؤمنون. والله يسوق القصص لاجلهم. كما قال تعالى في هذه القصة نتلو عليك من النبأ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون. ومنها ان الله اذا اراد شيئا هيأ اسبابه واتى به شيئا ان فشيئا. بالتدريج الى دفعة واحدة ومنها ان الامة المستضعفة ولو بلغت في الضعف ما بلغت لا ينبغي ان يستولي عليها الكسل عن السعي في حقوقها. ولا اليأس من الارتقاء الى اعلى الامور. خصوصا اذا كانوا مظلومين كما استنقض الله بني اسرائيل على ضعفها واستعبادها لفرعون وملأه منهم ومكنهم في الارض وملكهم بلادهم. ومنها ان الامة ما دامت ذليلة مقهورة لا تطالب بحقها. لا يقوم لها امر دينها كما لا يقوم لها امر دنياها. ومنها ان الخوف الطبيعي من الخلق لا ينافي الايمان ولا يزيله. كما جرى لام موسى موسى من تلك المخاوف ومنها ان الايمان يزيد وينقص لقوله لتكون من المؤمنين. والمراد بالايمان هنا زيادته وزيادة طمأنينته ومنها ان من اعظم نعم الله على العبد تثبيت الله له عند المقلقات والمخاوف. فانه كما يزداد به ايمانه وثوابه فانه يتمكن من القول الصواب والفعل الصواب. ويبقى رأيه وافكاره ثابتة واما من لم يحصل له هذا الثبات فانه لقلقه وروعه يضيع فكره. ويذهل عقله ولا ينتفع بنفسه في تلك الحال ومنها ان العبد وان عرف ان القضاء والقدر حق. وان وعد الله نافذ لابد منه. فانه لا يهمل فعل الاسباب التي تنفع فان الاسباب والسعي فيها من قدر الله فان الله قد وعد ام موسى ان يرده عليها ومع ذلك لما التقطه ال فرعون سعت بالاسباب وارسلت اخته لتقصه وتعمل بالاسباب المناسبة لتلك الحال. ومنها جواز خروج المرأة في حواء وتكليمها للرجال. اذا انتفى المحظور كما صنعت اخت موسى وابنتا صاحب مدين. ومنها جواز اخذ الاجرة على الكفالة رضاع كما فعلت ام موسى. فان شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد من شرعنا ما ينسخه. ومنها ان قتل الكافر الذي له هو عهد بعقد او عرف لا يجوز فان موسى ندم على قتله القبطي واستغفر الله منه وتاب اليه ومنها ان الذي يقتل النفوس بغير حق يعد من الجبارين المفسدين في الارض ولو كان غرضه من ذلك الارهاب. ولو زعم انه مصلح حتى يرد الشرع بما يبيح قتل النفس. ومنها ان اخبار الغير بما قيل فيه وعنه على وجه التحذير له من شر يقع به لا يكون نميمة. بل قد يكون واجبا كما ساق الله خبر ذلك الرجل الذي جاء من اقصى المدينة يسعى محذرا لموسى على وجه الثناء عليه ومنها اذا خافت تلف بالقتل بغير حق في اقامته في موضع فلا يلقي بيده الى التهلكة ويستسلم للهلاك بل يفر من ذلك الموضع مع القدرة كما فعل موسى. ومنها اذا كان لا بد من ارتكاب احدى مفسدتين تعين ارتكاب الاخف فمنهما الاسلم دفعا لما هو اعظم واخطر فان موسى لما دار الامر بين بقائه في مصر ولكنه يقتل او ذهابه الى بعض البلدان البعيدة التي لا يعرف الطريق اليها وليس معه دليل يدله غير هداية ربه. ومعلوم انها ارجى للسلامة لا جرم اثرها موسى. ومنها فيه تنبيه لطيف على ان الناظر في العلم عند الحاجة الى العمل او التكلم به اذا لم يترجح عنده احد القولين فانه يستهدي ربه ويسأله ان يهديه الى الصواب بين القولين بعد ان يقصد الحق بقلبه ويبحث عنا ان الله لا يخيب من هذه حاله. كما جرى لموسى لما قصدت القاء مدين ولا يدري الطريق المعين اليها. قال عسى اربي ان يهديني سواء السبيل. وقد هداه الله واعطاه ما رجاه وتمناه. ومنها ان الرحمة والاحسان على الخلق من عرفه العبد ومن لا يعرفه من اخلاق الانبياء وان من جملة الاحسان الاعانة على سقي الماشية وخصوصا اعانة العاجز كما فعل موسى مع ابنتي صاحب مدين حين سقى لهما لما رآهما عاجزتين عن سقي ماشيتهما قبل صدور الرعاة. ومنها ان الله كما يحب من الداعي ان توسل اليه باسمائه وصفاته ونعمه العامة والخاصة انه يحب منه ان يتوسل اليه بضعفه وعجزه وفقره. وعدم قدرته على تحصيل مصالحه ودفع الاضرار عن نفسه كما قال موسى ربي اني لما انزلت الي من خير فقير لما في ذلك من اظهار التضرع والمسكنة والافتقار لله الذي هو حقيقية كل عبد. ومنها ان الحياة والمكافأة على الاحسان لم يزل دأب الامم الصالحين ومنها ان العبد اذا عمل العمل لله خالصا ثم حصل به مكافأة عليه بغير قصده فانه لا يلام على ذلك ولا يخل باخلاصه واجره. كما قبل موسى مكافأة صاحب مدين عن معروفه الذي لم يطلبها. ولم يستشرف له على ومنها جواز الاجارة على كل عمل معلوم في نفع معلوم او في زمن مسمى. وان مرد ذلك الى العرف وانه تجوز الاجارة وتكون المنفعة البضع كما قال صاحب مدين اني اريد ان انكحك احدى ابنتي هاتين. وانه يجوز للانسان ان يخطب الرجل لابنته. ونحوها ممن هو ولي عليها ولا نقص في ذلك. بل قد يكون نفعا وكمالا كما فعل صاحب مدينا مع موسى ومنها قوله ان خير من استأجرت القوي الامين. هذان الوصفان بهما تمام الاعمال كلها. فكل عمل من الولايات او من مات او من الصناعات او من الاعمال التي القصد منها الحفظ والمراقبة على العمال والاعمال اذا جمع الانسان الوصفين ان يكون قويا على ذلك العمل بحسب احوال الاعمال وان يكون مؤتمنا عليه. تم ذلك العمل وحصل مقصوده وثمرته والخلل والنقص سببه الاخلال بهما او باحدهما. ومنها من اعظم مكارم الاخلاق تحسين الخلق مع كل من يتصل بك. من خادم واجير وزوجة وولد ومعامل وغيرهم لذلك تخفيف العمل عن العامل لقوله وما اريد ان اشق عليك. ستجدني ان شاء الله من الصالحين ان وفيه انه لا بأس ان يرغب المعامل في معاملته بالمعاوضات والايجارات بان يصف نفسه بحسن المعاملة بشرط ان يكون صادقا في ذلك. ومنها جواز عقد المعاملات من ايجارة وغيرها بغير اشهاد لقوله. والله على ما فنقول وكيل اتقدم ان الاشهادة تنحفظ به الحقوق. وتقل به المنازعات والناس في هذا الموضع درجات متفاوتة وكذلك الحقوق. ومنها الايات البينات التي ايد الله بها موسى. من انقلاب الذي عصاه التي كان يعرفها حية تسعى ثم عودها سيرتها الاولى. وان يده اذا ادخلها في جيبه ثم اخرجها صارت بيضاء من غير سوء للناظرين. ومن رحمة الله وحمايته لموسى وهارون من فرعون وملأه. ومن انفلاق البحر لما اضربه موسى بعصاه فصار اثني عشر طريقا وسلكه هؤلاء فنجوا وقوم فرعون فهلكوا وغير ذلك من الايات المتتابعات التي هي براهين وايات لمن رآها وشاهدها. وبراهين لمن سمعها فانها نقلتها معظم مصادر اليقين الكتب السماوية ونقلتها القرون كلها ولم ينكر مثل هذه الايات الا جاهل مكابر زنديق. وجميع يأتي الانبياء بهذه المثابة. ومنها ان ايات الانبياء وكرامات الاولياء وما يخرقه الله من الايات ومن تغيير الاسباب او منع سببيتها او احتياجها الى اسباب اخر او وجود موانع تعوقها هي من البراهين العظيمة على وحدانية الله. وانه على كل شيء قدير. وان اقدار الله لا يخرج عنها حادث جليل ولا حقير. وان هذه المعجزات والكرامات والتغييرات لا تنافي ما جعل الله في هذه المخلوقات من الاسباب المحسوسة والنظامات المعهودة. وانك لا تجد لسنة الله تبديلا ولا تحويل فان سنن الله في جميع الحوادث السابقة واللاحقة قسمان احدهما وهو جمهور الحوادث والكائنات والاحكام الشرعية والقدرية واحكام الجزاء لا تتغير ولا تتبدل عما يعهده الناس ويعرفون اسبابه. وهذا القسم ايضا مندرج في قدرة الله وقضائه. ويستفاد من هذا العلم بكمال حكمة الله في خلقه وشرعه. وان الاسباب والمسببات من سلك طرقها على وجه كامل افضت به الى نتائجها وثمراتها ومن لم يسلكها او سلكها على وجه ناقص لم يحصل له الثمرات التي رتبت على الاعمال شرعا ولا قدرا وهذه توجب للعبد ان يجد ويجتهد في الاسباب الدينية والدنيوية النافعة مع استعانته بالله. والثناء على ربه في تيسيرها وتيسير اسبابها والاتها. وكل ما تتوقف عليه. والقسم الثاني حوادث معجزات الانبياء التي تواترت تواترا لا يتواتر مثله في جميع الاخبار. وتناقلتها القرون كلها. وكذلك ما يكرم الله به عباده من اجابة الدعوات وتفريج الكربات وحصول المطالب المتنوعة ودفع المكاره التي لا قدرة للعبد على دفعها. والفتوحات الربانية والالهامات الالهية والانوار التي يقذفها الله في بقلوب خواص خلقه فيحصل لهم بذلك من اليقين والطمأنينة والعلوم المتنوعة. ما لا يدرك بمجرد الطلب وفعل السبب ومن نصره للرسل واتباعهم وخذلانه لاعدائه وهو مشاهد في كثير من الاوقات فهذا القسم ليس عند الخلق اهتداء الى اسباب هذه الحوادث. ولا جعل لهم في الاصل وصول الى حقيقتها وكونهها. وانما هي السادس قدرها الرب العظيم الذي هو على كل شيء قدير. باسباب وحكم وسنن لا يعقلها الخلق. ولا لحواس وتجاربهم وصول اليها بوجه من الوجوه. وبها امن الرسل من اولهم الى اخرهم واتباعهم الاولون منهم والاخرون وبها يعرف عظمة الباري. وان نواصي العباد بيده. وانه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. ويعرف بذلك صحة ما جاءت به الرسل كما يعرف ايضا بالقسم الاول. وكما انه لا سبيل الى العباد في هذه الدار. الى ادراك كنه صفات اليوم الاخر وكنهما في الجنة والنار. وانما يعلمون منها ما علمتهم به الرسل. ونزلت به الكتب ولا سبيل اهل هذا الكون الارضي للوصول الى العالم السماوي. ولا سبيل لهم الى احياء الموتى وايجاد الارواح في الجمادات فكذلك هذا النوع العظيم من حوادث الكون. وانما اطلنا الكلام على هذه المسألة. وان كانت تستحق من البسط اكثر من هذا لامرين احدهما ان الزنادقة المتأخرين الذين انكروا وجود الباري وانكروا جميع ما اخبرت به الرسل والكتب السماوية من امور الغيب ولم يثبتوا من العلوم الا ما وصلت اليه حواسهم وتجاربهم القاصرة على بعض علوم الكون وانكروا ما سوى ذلك وزعموا ان هذا العالم وهذا النظام الموجود فيه لا يمكن ان يغيره مغير او يغير شيئا من اسبابه وانه وجد صدفة من غير ايجاد موجد. وانه الة تمشي بنفسها وطبيعتها. ليس لها مدبر ولا رب ولا خالق وهؤلاء جميع اهل الاديان يعرفون مكابرتهم ومباهتتهم. لانهم كما عدموا الدين بالكلية فقد اختلت عقولهم الحقيقية. اذ انكروا اجل الحقائق واوضحها. واعظمها براهين وايات وتاهوا بعقولهم القاصرة واراؤهم الفاسدة. هؤلاء امرهم معلوم ولكن الامر الثاني ان بعض اهل العلم العصريين الذين يتظاهرون بنصر الاسلام والدخول مع هؤلاء الزنادقة في الجدال عنه يريدون باجتهادهم او اغترارهم ان يطبقوا السنن الالهية وامور الاخرة على ما يعرفه العباد بحواسهم ويدركون او بتجاربهم فحرفوا لذلك المعجزات وانكروا الايات البينات ولم يستفيدوا الا الضرر على انفسهم وعلى من قرأ كتاباتهم في هذه المباحث اذ ضعف ايمانهم بالله بتحريفهم لمعجزات الانبياء تحريفا يؤول الى انكارها. وانكارهم هذا النوع العظيم من قضاء الله وقدره وضعف ايمان من وقف على كلامهم ممن ليست له بصيرة. ولا عنده من العلوم الدينية ما يبطل هذا النوع. ولم يحصل قل ما زعموه من جلب الماديين الى الهدى والدين. بل زادوهم اغراء في مذاهبهم. لما رأوا امثال هؤلاء يحاولون ارجاع النصوص الدينية ومعجزات الانبياء وامور الغيب الى علوم هؤلاء القاصرة على التجارب والمدركات بالحواس فيا عظم المصيبة ويا شدة الجرم المزوق ولكن ضعف البصيرة والاعجاب بزنادقة الدهريين اوجب الخضوع والهم فلا حول ولا قوة الا بالله. ومنها ان من اعظم العقوبات على العبد ان يكون اماما في الشر وداعيا اليه كما ان من اعظم نعم الله على العبد ان يجعله اماما في الخير هاديا مهديا قال تعالى في فرعون وملته وجعلناهم ائمة يدعون الى النار. وقال وجعلناهم ائمة يهدون بامرنا ومنها ما في هذه القصة من الدلالة على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم. اذ اخبر بهذه القصة وغيرها خبرا مفصل طلا مطابقا وتأصيلا موافقا. خصه قصا صدق به المرسلين. وايد به الحق المبين. وهو لم يحضر في شيء من تلك المواضع ولا درس شيئا عرف به احوال هذه التفصيلات ولجالس واخذ عن احد من اهل العلم ان هو الا رسالة الرحمن الرحيم. وحي انزله عليه الكريم المنان ينذر به العباد اجمعين. ولهذا يقول في اخر هذه القصة وما كنت بجانب الغربي اذ قضينا الى موسى الامر وما كنت ساويا في اهل مدين. وهذا نوع من انواع براهين رسالته. ومنها ذكر كثير من اهل العلم انه يستفاد من قوله تعالى عن جواب موسى لربه لما سأله عن العصا فقال وما تلك بيمينك يا موسى؟ قال هي عصايا اتوكل وعليها واهش بها على غنمي. استحباب استصحاب العصا لما فيه من هذه المنافع المعينة والمجملة في قوله مآرب اخرى وانه يستفاد منها ايضا الرحمة بالبهائم والاحسان اليها والسعي في ازالة ضررها. ومنها ان قوله جل ذكره واقم الصلاة لذكري. اي ان ذكر العبد به هو الذي خلق له العبد. وبه صلاحه وفلاحه. وان المقصود من اقامة الصلاة اقامة هذا المقصود الاعظم. ولو الصلاة التي تتكرر على المؤمنين في اليوم والليلة لتذكرهم بالله ويتعاهدون فيها قراءة القرآن والثناء على الله ودعاءه والخضوع له الذي هو روح الذكر لولا هذه النعمة لكانوا من الغافلين. وكما ان الذكر هو الذي خلق الخلق لاجله. والعبادات كلها ذكر لله فكذلك الذكر يعين العبد على القيام بالطاعات وانشقت ويهون عليه الوقوف بين يدي الجبابرة. ويخوف عليه الدعوة الى الله. قال تعالى في هذه القصة كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا. وقال اذهب انت واخوك باياتي ولا تنيا في ذكري. ومنها احسان موسى صلى الله عليه وسلم على اخيه هارون طلب من ربه ان يكون نبيا معه. وطلب المعاونة على الخير والمساعدة عليه. اذ قال واجعل لي وزيرا من اهلي هارون اخي اشدد به ازري واشركه في امري. ومنها ان الفصاحة والبيان مما يعين على التعليم. وعلى اقامة الدعوة لهذا طلب موسى من ربه ان يحل عقدة من لسانه ليفقهوا اقواله وان اللثغة لا عيب فيها اذا حصل الفهم للكلام ومن كمال ادب موسى مع ربه انه لم يسأل زوال اللذغة كلها. بل سأل ازالة ما يحصل به المقصود. ومنها ان الذي في مخاطبة الملوك والرؤساء ودعوتهم وموعظتهم الرفق والكلام اللين الذي يحصل به الافهام بلا تشويش ولا غلظة وهذا يحتاج اليه في كل مقام. لكن هذا اهم المواضع وذلك لانه الذي يحصل به الغرض المقصود. وهو قوله لعله يتذكر او يخشى. ومنها ان من كان في طاعة الله مستعينا بالله. واثقا بوعد الله راجيا الله فان الله معه. ومن كان الله معه فلا خوف عليه لقوله تعالى لا تخافا ثم علله بقوله انني معكما اسمع وارى. وقال تعالى اذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا ومنها ان اسباب العذاب منحصرة في هذين الوصفين انا قد اوحي الينا ان العذاب على من كذب وتولى اي كذب خبر الله وخبر رسله. وتولى عن طاعة الله وطاعة رسله. ونظيرها قوله تعالى لا لها الا الاشقى. الذي كذب وتولى. ومنها ان قوله تعالى واني لغفار لمن تاب وامن وعمل صالحا ثم اهتدى. استوعب الله بها الاسباب التي تدرك بها مغفرة الله. احدها التوبة وهي الرجوع عما يكرهه الله ظاهرا وباطنا الى ما يحبه الله ظاهرا وباطنا. وهي تجب ما قبلها من الذنوب صغارها وكبارها الايمان وهو الاقرار والتصديق الجازم العام بكل ما اخبر الله به ورسوله الموجب لاعمال القلوب ثم تتبعه اعمال الجوارح ولا ريب ان ما في القلب من الايمان بالله وكتبه ورسله واليوم الاخر الذي لا ريب فيه اصل الطاعة واكبرها واساسها. ولا ريب انه بحسب قوته يدفع السيئات يدفع ما لم يقع فيمنع صاحبه من وقوعه ويدفع ما وقع بالاتيان بما ينافيه وعدم اصرار القلب عليه. فان المؤمن ما في قلبه من الايمان ونوره لا يجامع المعاصي الثالث العمل الصالح وهذا شامل لاعمال القلوب واعمال الجوارح واقوال اللسان. والحسنات يذهبن السيئات الرابع استمرار على الايمان والهداية والازدياد منها. فمن كمل هذه الاسباب الاربعة فليبشر بمغفرة الله الشاملة. ولهذا اتى فيه بوصف المبالغة فقال واني لغفار. ولنكتفي من قصة موسى بهذه مع ان فيها فوائد كثيرة للمتأملين