المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم. انا فتحنا لك فتحا مبينا. هذا الفتح المذكور هو صلح الحديبية حين صد المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جاء معتمرا في قصة طويلة صار اخر امرها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم على وضع الحرب بينه وبينهم عشر سنين. وعلى ان يعتمر من العام المقبل. وعلى ان من اراد ان يدخل في عهد قريش وحلفهم دخل ومن احب ان يدخل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعقده فعل. وبسبب ذلك لما امن الناس بعضهم بعضا اتسعت دائرة الدعوة لدين الله عز وجل. وصار كل مؤمن باي محل كان من تلك الاقطار يتمكن من ذلك وامكن الحريص على الوقوف على حقيقة الاسلام. فدخل الناس في تلك المدة في دين الله افواجا. فلذلك سماه الله فتحا. ووصفه بانه فتح مبين اي ظاهر جلي. وذلك لان المقصود في فتح بلدان المشركين اعزاز دين الله وانتصار المسلمين اذا حصل بذلك الفتح ورتب الله على هذا الفتح عدة امور. فقال ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما. ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر والله اعلم بسبب ما حصل بسببه من الطاعات الكثيرة والدخول في الدين بكثرة. وربما تحمل صلى الله عليه وسلم من تلك الشروط التي لا يصبر عليها الا اولو العزم من المرسلين. وهذا من اعظم مناقبه وكراماته صلى الله عليه وسلم. ان غفر الله له ما تقدم ما من ذنبه وما تأخر. ويتم نعمته عليك اعزاز دينك ونصرك على اعدائك واتساع كلمتك. ويهديك صراطا مستقيما. تنال به السعادة الابدية والفلاح السرمدي وينصرك الله نصرا عزيزا. اي قويا لا يتضعضع فيه الاسلام. بل يحصل الانتصار التام. وقمع الله ويعقدون العقد معه. حتى انه من شدة تأكده انه قال يد الله فوق ايديهم. اي كانهم بايعوا الله وصافحوه بتلك المبايعة وكل هذا لزيادة التأكيد والتقوية وحملهم على الوفاء بها. ولهذا قال كافرين وذلهم ونقصهم. مع توفر قوى المسلمين ونموهم ونمو اموالهم. ثم ذكر اثار هذا الفتح على المؤمنين هو الذي انزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا ايمانا مع ايمانهم يخبر تعالى عن منته على المؤمنين بانزال السكينة في قلوبهم وهي السكون والطمأنينة. والثبات عند نزول المحن المقلقة والامور الصعبة. التي تشوش القلوب وتزعج الالباب. وتضعف النفوس فمن نعمة الله على عبده في هذه الحال ان يثبته ويربط على قلبه وينزل عليه السكينة ليتلقى هذه المشقات بقلب ثابت ونفس مطمئنة فيستعد بذلك لاقامة امر الله في هذه الحال. فيزداد بذلك ايمانه ويتم ايقانه. فالصحابة رضي الله عنهم لما جرى ما جرى بين رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركين. من تلك الشروط التي ظاهرها انها غضاضة عليهم. وحق من اقدارهم وتلك لا تكاد تصبر عليها النفوس. فلما صبروا عليها ووطنوا انفسهم لها ازدادوا بذلك ايمانا مع ايمانهم. وقوله ولله جنود السماوات والارض وكان الله عليما حكيما. ولله جنود السماوات والارض اي جميع ما في ملكه وتحت تدبيره وقهره. فلا يظن المشركون ان الله لا ينصر دينه ونبيه. ولكنه تعالى عليم حكيم. فتقتضي حكمة المداولة بين الناس في الايام وتأخير نصر المؤمنين الى وقت اخر الانهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند الله فوزا عظيما. فهذا اعظم ما يحصل للمؤمنين ان يحصل لهم المرغوب المطلوب بدخول الجنات. ويزيل عنهم المحظور السيئات وكان ذلك الجزاء المذكور للمؤمنين عند الله عظيما فهذا ما يفعل بالمؤمنين في ذلك الفتح المبين عليهم السوء وغضب الله عليهم ولعنهم واعد لهم جهنم واعد لهم جهنم ان موسى نصيرا. واما المنافقون والمنافقات والمشركون والمشركات ان الله يعذبهم بذلك. ويرهم ما يسوؤهم حيث كان مقصودهم خذلان المؤمنين. وظنوا بالله الظن السوء انه لا ينصر دينه ولا يعلي كلمته وان اهل الباطل ستكون لهم الدائرة على اهل الحق. فادار الله عليهم ظنهم وكانت دائرة السوء عليهم في الدنيا وغضب الله عليهم بما اقترفوه من المحادة لله ولرسوله. ولعنهم اي ابعدهم واقصاهم عن رحمته اعد لهم جهنم نصيرا ولله جنود السماوات الارض وكان الله عزيزا حكيما. كرر الاخبار بان له ملك السماوات والارض وما فيهما من الجنود. ليعلم العباد انه تعالى هو المعز المذل. وانه سينصر جنوده المنسوبة اليه. كما قال تعالى وان جندنا لهم الغالبون. وكان الله عزيزا اي قويا غالبا قاهرا لكل شيء. ومع عزته وقوته فهو حكيم في خلقه وتدبيره. يجري على ما تقتضيه حكمته واتقانه اي انا ارسلناك ايها الرسول الكريم شاهدا لامتك بما فعلوه من خير وشر. وشاهدا على المقالات والمسائل حقها وباطلها. وشاهدا لله تعالى بالوحدانية. والانفراد بالكمال من كل وجه. ومبشرا من اطاعك واطاع الله بالثواب الدنيوي والديني والاخروي. ومنذر من عصى الله بالعقاب العاجل والاجل اجل ومن تمام البشارة والنذارة بيان الاعمال والاخلاق التي يبشر بها وينذر. فهو المبين للخير والشر والسعادة والشقاوة والحق من الباطل. ولهذا رتب على ذلك قوله لتؤمنوا بالله ورسوله اي بسبب دعوة الرسول لكم. وتعليمه لكم ما ينفعكم ارسلناه لتقوموا بالايمان بالله ورسوله. المستلزم ذلك لطاعتهما في جميع الامور. وتعزروه وتوقروه اي تعزر الرسول صلى الله عليه وسلم وتوقروه اي تعظموه وتجلوه وتقوموا بحقوقه. كما كانت له المنة العظيمة برقابكم وتسبحوه اي تسبحوا لله بكرة واصيلا. اي اول النهار واخرة فذكر الله في هذه الاية الحق المشترك بين الله وبين رسوله وهو الايمان بهما والمختص بالرسول وهو التعزير توقير والمختصة بالله وهو التسبيح له والتقديس بصلاة او غيرها يد الله فوق ايديهم من اوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه اجرا عظيما. هذه المبايعة التي اشار الله اليها هي بيعة الرضوان التي بايع الصحابة رضي الله عنهم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم على الا يفروا عنه فهي عقد خاص من لوازمه الا يفروا ولو لم يبق منهم الا القليل ولو كانوا في حال يجوز الفرار فيها. فاخبر تعالى ان الذين بايعوك حقيقة الامر انهم يبايعون فمن نكث فلم يف بما عاهد الله عليه فانما يمكث على نفسه. اي لان وبال ذلك راجع اليه توبته واصلة له. ومن اوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه اجرا عظيما. ومن اوفى بما عاهد عليه الله اي اتى به كاملا موفرا. فسيؤتيه اجرا عظيما. لا يعلم عظمه وقدره الا الذي اتاه اياه