المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي هذه بشارة من الله لعباده المؤمنين بنصرهم على اعدائهم الكافرين وانهم لو قابلوهم وقاتلوهم لولو الادبار ثم لا يجدون وليا يتولى امرهم ولا نصيرا ينصرهم ويعينهم على قتالكم. بل هم مخدولون مغلوبون. سنة تالله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا. وهذه سنة الله في الامم السابقة ان جند الله هم الغالبون يقول تعالى عالم ممتنا على عباده بالعافية من شر الكفار ومن قتالهم. فقال وهو الذي كف ايديهم اي اهل مكة عنكم عنهم ببطن مكة من بعد ان اظفركم عليهم. اي من بعد ما قدرتم عليهم وصاروا تحت ولايتكم بلا عقد ولا عهد. وهم نحو رجلا انحدروا على المسلمين ليصيبوا منهم غرة فوجدوا المسلمين منتبهين فامسكوهم فتركوهم ولم يقتلوهم رحمة من الله بالمؤمنين اذ لم يقتلوهم. فيجازي كل عامل بعمله ويدبركم ايها بتدبيره الحسن ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم ان تطأوهم آآ لو تزينون عذبنا الذين كفروا منهم عذابا اليما. ثم ذكر تعالى الامور المهيجة على كقتال المشركين وهي كفرهم بالله ورسوله. وصدهم رسول الله ومن معه من المؤمنين. ان يأتوا للبيت الحرام زائرين معظمين له بالحج والعمرة وهم الذين ايضا صدوا الهدي معكوفا. اي محبوسا ان يبلغ محله. وهو محل ذبحه وهو مكة فمنعوه من الوصول اليه ظلما وعدوانا. وكل هذه امور موجبة وداعية الى قتالهم. ولكن ثم مانع وهو وجود رجال نساء من اهل الايمان بين اظهر المشركين. وليسوا متميزين بمحلة او مكان. يمكن الا ينالهم اذى. فلولا هؤلاء الرجال المؤمنون والنساء المؤمنات الذين لا يعلمهم المسلمون ان تطؤوهم اي خشية ان تطأوهم فتصيبكم منهم مع بغير علم والمعرة ما يدخل تحت قتالهم من نيلهم بالاذى والمكروه. وفائدة اخروية وهو انه ليدخل في رحمته من يشاء فيمن عليهم بالايمان بعد الكفر. وبالهدى بعد الضلال فيمنعكم من قتالهم لهذا السبب. لو تزينوا من الذين كفروا منهم عذابا اليما. لو تزيلوا اي لو زالوا من بين اظهرهم لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا اليم بان نبيح لكم قتالهم ونأذن فيه وننصركم عليهم. اذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمد الجاهلية فانزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين. والزمهم كلمة التقوى او كانوا احق بها واهلها وكان الله بكل شيء علي ما يقول تعالى اذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية حيث انفوا من كتابة بسم الله الرحمن الرحيم. وانفوا من دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين اليهم في تلك السنة. لان لا يقول الناس دخلوا مكة قاهرين لقريش. وهذه الامور ونحوها من امور الجاهلية لم تزل في قلوبهم حتى اوجبت لهم ما اوجبت من كثير من المعاصي فلم يحملهم الغضب على مقابلة المشركين بما قابلوهم به. بل صبروا لحكم الله والتزموا الشروط التي فيها تعظيم حرمات الله ولو كانت ما كانت. ولم يبالوا بقول القائلين ولا لوم لائمين. والزمهم كلمة التقوى وكانوا احق بها واهلها والزمهم كلمة التقوى. وهي لا اله الا الله وحقوقها. الزمهم القيام بها التزموها وقاموا بها وكانوا احق بها من غيرهم. وكانوا اهلها الذين استأهلوها. لما يعلم الله عندهم وفي قلوبهم من الخير ولهذا قال الله امنين فعلم ما لم تعلموا فجعل قريبا. يقول تعالى لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق. وذلك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في المدينة رؤيا اخبر بها اصحابه انهم سيدخلون مكة ويطوفون بالبيت. فلما جرى يوم الحديبية ما جرى ورجعوا من غير دخول لمكة كثر في ذلك الكلام منهم حتى انهم قالوا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم الم تخبرنا انا سنأتي البيت ونطوف به؟ فقال اخبرتكم انه العام قالوا لا. قال فانكم ستأتونه وتطوفون به. قال الله هنا لقد صدق الله رسوله رؤيا بالحق اي لابد من وقوعها وصدقها ولا يقدح في ذلك تأخر تأويلها ان شاء الله امنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون. اي في هذه هل المقتضية لتعظيم هذا البيت الحرام؟ وادائكم للنسك وتكميله بالحلق والتقصير وعدم الخوف. فعلم ما لم تعلمه فعلم من المصلحة والمنافع ما لم تعلموا. فجعل من دون ذلك الدخول بتلك الصفة فتحا قريبا. ولما كانت هذه الواقعة مما تشوشت بها قلوب بعض المؤمنين. وخفيت عليهم حكمتها بين تعالى حكمتها ومنفعتها. وهكذا سائر احكامه الشرعية. فانها كلها هدى ورحمة. اخبر بحكم عام فقال والذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله وكفى بالله شهيدا. هو الذي ارسل رسوله بالهدى الذي هو العلم النافع. الذي يهدي من الضلالة ويبين طرق الخير والشر. ودين الحق اي الدين الموصوف بالحق. وهو العدل والاحسان والرحمة. وهو كل عمل صالح مزك للقلوب مطهر للنفوس مربي للاخلاق معلن للاقدار ليظهره بما بعثه الله به على الدين كله بالحجة والبغض برهان ويكون داعيا لاخضاعهم بالسيف والسنان الذين معه اشداؤ على الكفار رحماء اين هم تراهم تراهم ركعا سجدين يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من اثر خذ ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الانجيل كزرع اخرج شطأه فازره واجرا عظيما. يخبر تعالى عن رسوله صلى الله عليه وسلم واصحابه من المهاجرين والانصار انهم باكمل الصفات واجل الاحوال وانهم اشداء على الكفار اي جادون ومجتهدون في عداوتهم وساعون في ذلك بغاية فلم يروا منهم الا الغلظة والشدة. فلذلك ذل اعداؤهم لهم وانكسروا وقهرهم المسلمون. رحماء بينهم اي متحابون متراحمون متعاطفون. كالجسد الواحد يحب احدهم لاخيه ما يحب لنفسه. هذه معاملتهم مع الخلق ما معاملتهم مع الخالق؟ فانك تراهم ركعا سجدا. اي وصفهم كثرة الصلاة التي اجل اركانها الركوع والسجود. يبتغون بتلك العبادة فضلا من الله ورضوانا. اي هذا مقصودهم بلوغ رضا ربهم والوصول الى ثوابه. اي قد اثرت العبادة من كثرتها وحسنها في وجوههم حتى استنارت لما استنارت بالصلاة بواطنهم استنارت بالجلال ظواهرهم. ذلك مثلهم في التوراة اي هذا وصفهم الذي وصفهم الله به مذكور بالتوراة هكذا. ومثلهم في الانجيل كزبر واما مثلهم في الانجيل فانهم بوصف اخر وانهم في كمالهم وتعاونهم كزرع اخرج شطأه فازره اي اخرج فراخه فوازرته فراخه في الشباب والاستواء. فاستغلظ ذلك الزرع اي قوي وغلظ. فاستوى على سوقه جمع ساق يعجب الزراع من كماله واستوائه وحسنه واعتداله ذلك الصحابة رضي الله عنهم هم كالزرع في نفعهم للخلق واحتياج الناس اليهم فقوة ايمانهم واعمالهم بمنزلة قوة عروق زرع وسوقه وكون الصغير والمتأخر اسلامه. قد لحق الكبير السابق ووازره وعاونه على ما هو عليه. من اقامة دين الله الدعوة اليه كالزرع الذي اخرج شطأه فازره فاستغلظ. ولهذا قال ليغيظ بهم الكفار حين يرون اجتماعهم على دينهم وحين يتصادمونهم وهم في معارك النزال ومعامع القتال فالصحابة رضي الله عنهم الذين جمعوا بين الايمان والعمل الصالح. قد جمع الله لهم بين المغفرة التي من لوازمها وقاية الشرور الدنيا والاخرة والاجر العظيم في الدنيا والاخرة