المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. اما بعد. قال العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى في مصنفه قواعد مهمة وفوائد جمة مقدمة الحمد لله الذي شرح لعباده قواعد الاحكام واوضح وكشف لهم الحلال والحرام ويسر قالهم العلم والعمل بدين الاسلام. احمده على نعمه العظام واشكره على مننه الجسام. واستغفره واتوب اليه من جميع الذنوب والاثام. واسأله الاعانة والتسديد فيما قصدته واردته. فانه لا يتم امر ولا الا باعانة الملك العلام. واصلي واسلم على محمد سيد الانام. ومصباح الظلام وعلى اله واصحابه والتابعين لهم على مدى الايام وتواصل الاعوام. اما بعد فاني قد امليت على الطلبة قواعد مهمة وضوابط جمة. غير انها تحتاج الى توضيح وتبيين وامثلة تحققها وتكشفها. فسألوني ان عليها تعليقا لطيفا يحصل به المقصود. فاستعنت الله تعالى وشرعت في هذا الشرح المبارك عليها. وسألت الله الكريم ان يعين عليه وييسره ولا حول ولا قوة الا بالله. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله وصحبه اجمعين. اما بعد. فهذه قواعد فقهية جامعة لمسائل كثيرة لا يستغني عنها طالب العلم. القاعدة الاولى الامور بمقاصدها. اعلم ان هذه قاعدة عظيمة النفع كثيرة الجمع ودليلها حديث عمر رضي الله عنه انه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول انما الاعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى. متفق عليه. فمما يدخل تحتها هذه القاعدة جميع العبادات. ومنها الوضوء والتيمم والغسل والصلاة فرضها ونفلها عينها وكفايتها والزكاة والصيام والاعتكاف فرض الكل ونفله. والكفارات والجهاد والعتق والتدبير والكتابة بمعنى حصول الثواب في هذه الاربعة يتوقف على قصد التقرب الى الله عز وجل. بل يسري ذلك الى جميع المباحات اذا قصد بها التقرب الى الله عز وجل بنية التقوي على طاعته واجمام النفس لتنشط للعبادة كالاكل والشرب والنوم واكتساب المال والنكاح والوطء فيه وفي الامة اذا قصد به الاعفاف او تحصيل الولد او تكثير الامة فائدة من الاشياء ما لا يعتبر له نية ويعبر عنه الفقهاء بالتروك. وهو الذي يقصد ازالته وبراءة الذمة منه. كازالة النجاسة من البدن والثوب والبقعة. فانها لا تشترط لازالتها نية. والله اعلم القاعدة الثانية. ويدخل تحتها ثلاث قواعد. احدها الضرورات تبيح المحظورات اي اذا اضطر المكلف لفعل محرم. بان خاف على نفسه ان لم يفعله الضرر. او التلف فانه يباح له فعله لقوله تعالى وما جعل عليكم في الدين من حرج. وقوله تعالى يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر وقوله تعالى فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا اثم عليه. ويدخل تحت هذه القاعدة من الصور لا حصر له وذلك كأكل الميتة وشرب الماء النجس ونحوه عند الضرورة. فانه يجوز. وكالعمل الكثير للمتوالي في الصلاة مع الضرورة فانه لا يبطلها. وكذلك محظورات الاحرام اذا اضطر اليها المحرم جاز له فعلها لكن تلزمه الفدية. وكذلك نكاح الحر للامة لا يجوز الا مع خوف العنت وعدم الطول. ومن اضطر الى كمال الغير من طعام او غيره جاز له تناوله من غير اذن صاحبه ولا رضاه. الا مع اضطرار صاحبه فلا يزال الضرر بالضرر. الى غير ذلك من المسائل التي اذا اضطر اليها الانسان ابيحت. ومن الكلام بين الفقهاء لا محرم مع اضطرار ولا واجب مع عدم اقتدار. والثانية الحاجات تزيل المكروهات. يعني ان كل مكروه فعله اذا احتيج الى فعله زالت الكراهة. او كل مكروه اذا احتيج الى تركه زالت الكراهة. لقوله تعالى وما جعل عليكم في الدين من حرج. وقوله تعالى يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر. ولقوله صلى الله عليه وسلم ان الدين يسر متفق عليه ويدخل تحتها من المسائل ما لا حصر له. فمنها المياه التي يكره استعمالها كالمتغير من غير ممازج او مستعمل بطهارة مستحبة ونحوهما. فاذا احتيج الى استعماله لم يكره. وكذلك الاواني المكروهة والثياب اذا احتيج اليها لم تكره. ويكره دخول الخلاء بشيء فيه ذكر الله عز وجل لغير حاجة. ويكره الالتفات في الصلاة وافتراء ذراعيه ساجدا وحركته اليسيرة ونحو ذلك الا لحاجة. فائدة قد تكون الحاجة سببا لاباحة محرم اذا كان التحريم خفيفا. كالذي يحرم تحريم الوسائل. فمن ذلك اباحة لبس الحرير لحاجة مرض او حكة او جرب ونحوها. واباحة بيع العرايا خرصا للحاجة الى الرطب. واباحة النسأ بين اذا كان احد الغرضين نقدا. وغير ذلك من المسائل والصور. والثالثة مما اشتملت عليه القاعدة الثانية الضرورة تقدر بقدرها. يعني ان المحرم اذا ابيح للضرورة لم يكن بمنزلة المباح مطلقا. بل بحالة الاضطرار. فاذا زالت الضرورة وجب الكف. لانه ابيح للضرورة. فاذا زالت بقي على حد فيدخل في هذا اذا ابيحت الميتة للضرورة تناول منها مقدار ما يسد به رمقه. ومن هذا ايضا طهارة التيمم وطهارة من به حدث دائم. فانها تتقيد بالوقت لكونها طهارة ضرورة وكذلك المكره على الطلاق او الخلع او اليمين او العتق او البيع او الاجارة او الاقرار او غير ذلك لا يقع منه ما اكره عليه. فان اكره على شيء من ذلك ففعل او تصرف بغير ما اكره عليه. وقع منه صحيحا لانه غير مكره عليه. مثال ذلك ان يكره على طلقة واحدة فيطلق اكثر او يكره على طلاق زوجته هند. فيطلق زوجته فاطمة. او اكره على بيع داره. فباع عبده او اكره على الاقرار بدرهم فاقر بدينار ونحو ذلك. والله اعلم. القاعدة الثالثة احكام الوسائل احكام المقاصد وما لا يتم الواجب الا به فهو واجب. يعني ان وسائل الاحكام اي طرقها ومتمماتها تعطى احكام المقاصد. لان ما لا يتم الشيء بدونه يدخل في حكمه ضرورة. لانه لازم له. فاذا كان مأمورا بشيء كان ايضا مأمورا بما لا يتم الا به. فما لا يتم الواجب الا به فهو واجب وما لا يتم المسنون الا به فهو مسنون. وان كان منهيا عن شيء كان منهيا عن جميع ذرائعه ووسائله وطرقه الموصلة اليه. سواء كان محرما او مكروها. مثال ذلك الصلاة الفريضة والزكاة والصوم الحج والعمرة والجهاد المتعين. واداء الحقوق الواجبة كحقوق الله وحقوق الوالدين. والاقارب والزوجات مماليك ونحو ذلك. فجميع ما لا تتم هذه الامور الا به فهو واجب. كالمشي الى موضع الصلاة والطهارة لها سترة وجميع شروطها. وقس على ذلك. اما المسنون فكالصلاة النافلة والصدقة والصيام. والحج والعمرة في غير الفريضة وعيادة المريض وحضور مجالس الذكر ونحو ذلك. فما لا تتم الا به فانه مسنون. كالمشي ونحوه. وكذلك المحرمات كالشرك والقتل والزنا وشرب الخمر واكل الربا. فكل طريق موصل الى ذلك فانه محرم منهي عنه. وكذلك يدخل في هذا جميع الحيل التي يتوصل بها الى الربا وسائر المحرمات انه ينظر الى مقصودها وما تؤول اليه مثل مسألة العينة وتحريم ربا الفضل ونكاح المحلل ونحو ذلك كذلك الوسيلة الى المكروه مكروهة. والله اعلم. القاعدة الرابعة المشقة تجلب التيسير. وذلك لان الشرع مبناه على الرأفة والرحمة والتسهيل. لقوله تعالى وما جعل عليكم في الدين من حرج. فالامور نوعان نوع لا المكلفون فهذا لا يكلفهم الله به لقوله تعالى لا يكلف الله نفسا الا وسعها. ونوع يطيقونه ولا يكلفهم فعله ولا تركه. لكونه لا تقتضيه الحكمة الالهية. وما اقتضت الحكمة الالهية امرهم به او نهيهم عنه فاذا حصل فيه مشقة وعسر لامر من الامور فلا بد ان يقع فيه التخفيف والتيسير اما باسقاطه كله او اسقاط بعضه. ويدخل في هذه القاعدة انواع من الفقه. منها في العبادات التيمم وعند مشقة استعمال الماء على حسب تفاصيله في كتب الفقه. والقعود في الصلاة عند مشقة القيام في الفرض وفي النافلة مطلقا وقصر الصلاة في السفر والجمع بين الصلاتين ونحو ذلك من رخص السفر وغيرها. ومن التخفيفات ايضا دار الجمعة والجماعة. وتعجيل الزكاة والتخفيفات في العبادات والمعاملات والمناكحات والجنايات. ومن التخفيفات المطلقة فروض الكفايات وسننها. والعمل بالمظنون لمشقة الاطلاع على اليقين. القاعدة الخامسة درء المفاسد اولى من جلب المصالح. وان تزاحم مصلحتان قدم ارجحهما. وقد تعرض للمفضول ما يصيره افضل من غيره. وان تزاحم مفسدتان فعل اهونهما. هذه القاعدة قيمة النفع واسعة الفروع وهي تشتمل على اربع قواعد. احدها قوله درء المفاسد او من جلب المصالح اعلم ان المفاسد هي المحرمات والمكروهات. كما ان المصالح هي الواجبات والمستحبات فاذا دار الامر بين جلب مصلحة ودرء مفسدة كان الاولى بل المتعين درء المفسدة ولو فاتت المصلحة لان المصلحة لا تتم ولا تكمل الا بترك المفسدة. فالتخلي عن الرذائل مقدم على التحلي بالفضائل ولهذا لا تصح الصلاة في الارض المغصوبة. وكذلك الثوب المغصوب او المحرم كالحرير للذكر. والوضوء بالماء المغصوب وان كان الوضوء والصلاة عبادة. لاشتمالها على فعل المحرم فلا تصح الثانية وان تزاحم مصلحتان بالا يمكن فعلهما معا. بل ان فعل احداهما فاتت الاخرى قدم ارجحهما. فان كان احدهما مسنونا والاخر واجبا فانه يقدم الواجب. ولهذا لا يصح النفل المطلق ممن عليه فوائت. واذا اقيمت الصلاة او ضاق الوقت لم تصح النافلة. وكذلك من عليه قضاء رمضان لا يصح ان يصوم غيره حتى يقضيه. وكذلك من عليه حجة الاسلام لم يصح تنفله بالحج. ولا ان حج عن غيره وان كانا واجبين قدما اوجبهما واكدهما. فيقدم الواجب باصل الشرع على الواجب ويقدم حق الله تعالى الواجب على طاعة من تجب طاعته من والد وزوج وامير ونحوه ويقدم حق الزوج على حق الوالدين. ويقدم فرض العين على فرض الكفاية. وان كان مستحب قدم افضلهما. فتقدم الرواتب على غيرها. ويقدم من العبادات ما فيه نفع متعد على ما نفعه الثالثة وقد يعرض للعمل المفضول ما يصيره افضل من غيره. وذلك بان يقترن عملي المفضول سبب من الاسباب فيوجب تفضيله على الفاضل. فمن اسباب التفضيل ان يكون العمل المفضول مأمورا به بخصوص هذا الموطن. كالاذكار في الصلاة وبعدها. والاذكار الموظفة في واسبابها تكون افضل من القراءة في ذلك الموطن. مع ان جنس القراءة افضل من جنس الدعاء ولكن لما اقترن به من التخصيص صار افضل. ومن اسباب التفضيل ان يكون العمل المفضول مشتملا على مصلحة لا تكون في الفاضل. كحصول تأليف به ونفع متعد لا يحصل بالفاضل. وفي المفضول دفع مفسدة يظن حصولها في الفاضل. ومن اسباب التفضيل ان يكون العمل المفضول ازيد مصلحة للقلب من الفاضل. كما قال الامام احمد رضي الله عنه لمن سأله عن بعض الاعمال فقال انظر لما هو لقلبك فافعله. واسباب التفضيل كثيرة جدا. وفيما اشرت اليه كفاية تنبه على ما وراءها وان تزاحم مفسدتان فافعل اهونهما. اي اخفهما فان تزاحم مكروه ومحرم ان يكون لابد من فعل احدهما فعل المكروه لدفع الحرام. ارتكابا لاهون الشرين. مثل ان يشتبه ما مشتبه بمال حرام ولم يكن له بد من احدهما. وان تزاحم محرمان فعل اهونهما تقدم ثياب الحرير على الثياب المغصوبة. ويقدم في المخمصة الميتة التي تحل بالذكاة. كميتة الشاة نحوها على الميتة التي لا تحلها الذكاة. كالكلب ونحوه. وان تزاحم مكروهان فعل اخف فالذي فيه حرام يسير اخف من المال الذي قد كثر فيه الحرام. وتقوى الكراهة وتضعف بحسب قلة الحرام وكثرته. القاعدة السادسة النية والاسلام والعقل والتمييز. شرط لصحة في جميع الاعمال الا التمييز في الحج والعمرة والردة تبطل سائر الاعمال. فلا تصح العبادات كلها فرضها ونفلها. الا من قاصد لها مسلم عاقل مميز. فهذه شروط الصحة في جميع الاعمال فالعبادة من دون نية العمل او نية المعمول له باطلة لا يعتد بها وكذلك الكافر لا تصح اعماله كلها حتى يسلم. واذا اسلم لم يؤمر بقضائها. والمجلس النون لا تصح عباداته. ولا تجب عليه لعدم عقله وقصده. والطفل وهو الذي دون سبع سنين على المشهور او الذي يفهم الخطاب ويرد الجواب على الصحيح. لا تصح عباداته لعدم قصده. او لكونه مظنة لذلك الا الحج والعمرة فيصحان حتى من الطفل. ويحرم عنه وليه في ما له. بمعنى انه ينوي ويفعل عنه من افعالهما ما يعجزه. فالحج والعمرة يخالفان سائر الاعمال في امور. منها ان التمييز ليس بشرط في صحتهما كما علمت. وشرط في صحة سائر الاعمال. ومنها ان من شرع في نفل صلاة او صيام او غيرهما لا يلزمه اتمامه الا الحج والعمرة. ومنها ان من عليه حجة الاسلام واحرم بنية النفل. او احرم عن غيره او عن نذره. لم يصح وينقلب بغير اختياره الى حجة الاسلام. ومنها ان كل عبادة اذا فسدت خرج منها ولم يجب اتمامها الا الحج والعمرة. فاذا فسد بالوطء وجب اتمامه وقضاؤه. وغير ذلك من الامور التي يخالفان بها سائر الاعمال فائدة التكليف وهو العقل والبلوغ شرط لوجوب سائر الاعمال. فالصغير والذي هنا البلوغ والمجنون لا يجب عليهما شيء من الاعمال. وانما ضرب الصغير اذا تم عشر سنين على تركه الصلاة والصيام ونحوهما تأديبا وتمرينا. والردة عن الاسلام وهي ان يأتي في اثناء العمل بقول او فعل يخرج به عن الاسلام. كما هو مفصل في باب حكم المرتد. تبطل كل عمل وجدت فيه فتبطل الوضوء والغسل والتيمم. والصلاة مطلقا والصيام كذلك. والحج والعمرة. وغير ذلك لقوله تعالى لان اشركت ليحبطن عملك. واما العمل الذي عمله في حال الاسلام قبل ردته فهل يبطل بالردة اذا رجع الى الاسلام ام لا؟ الصحيح انه يعود اليه عمله قبل الردة اذا اسلم. لقوله تعالى ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فاولئك حبطت اعمالهم. الاية القاعدة السابعة مخالفة الكفار مشروعة. وهذه قاعدة عظيمة مقصودة للشارع في كثير من الامور. وقد صنف فيها شيخ الاسلام مصنفا سماه اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة اصحاب الجحيم. فشفى في وكفى فرحمه الله رضي عنه. فمن ذلك النهي عن التشبه بهم في اللباس والهيئات. كما هو مفصل في باب احكام الذمة. وكذلك كثير من مناسك الحج خالف فيه النبي صلى الله عليه وسلم هدي المشركين كالدفع من عرفة بعد الغروب. ومن مزدلفة قبل شروق الشمس. ولقوله صلى الله عليه وسلم من تشبه بقوم فهو منهم. فالضابط لهذه القاعدة ان كل امر اختص به المشركون من اهل الكتاب وغيرهم انه ينهى عن التشبه بهم. لان التشبه بالظاهر يوجب الموافقة في الباطن. بل اهل البدع يشرع مخالفتهم كما يكره تخصيص الجبهة على شيء يسجد عليه مخالفة للرافضة. وكذلك تخصيص واهل البيت بالصلاة عليهم. يمنع منها مخالفة لهم. والله اعلم. القاعدة الثامنة الذكر الانثيين في مسائل منها الميراث والدية والعقيقة عن الجارية شاة وعن الغلام شاتان ومنها الشهادة والعتق وعطية الاولاد في حال الحياة. وغير ذلك والله اعلم قاعدة التاسعة اذا اجتمعت عبادتان من جنس واحد واستوت افعالهما اكتفي منهما بفعل واحد هذا على نوعين احدهما ان يحصل له بالفعل الواحد العبادتان جميعا. فيشترط ان ينويهما على المشهور ومن امثلة ذلك من عليه حدثان اكبر واصغر فالمذهب انه يكفيه افعال الطهارة الكبرى عنهما ومنها القارن اذا نوى الحج والعمرة كفاه لهما طواف واحد وسعي واحد على المشهور والنوع الثاني ان يحصل له احدى العبادتين بنيتها وتسقط عنه الاخرى. ولذلك امثلة منها اذا دخل المسجد وقد اقيمت الصلاة سقطت عنه التحية اذا صلى معهم ومنها اذا قدم المعتمر مكة فانه يبدأ بطواف العمرة. ويسقط عنه طواف القدوم. ومنها اذا ادرك الامام راكعا فكبر صار للإحرام فإنه تسقط عنه تكبيرة الركوع على المشهور. وكذلك إذا اجتمع عيد وجمعة اكتفي بحضور احد فيهما عن الاخر. وكذلك اذا اتفق وقت الاضحية ووقت العقيقة. اجزأت العقيقة عن التضحية. وكذلك اذا الاسباب التي تجب بها الكفارات وتتداخل في الايمان والحج والصيام والظهار وغيرها. فاذا اخرج كفارة واحدة عن واحد منها معين اجزأه وسقطت سائر الكفارات. القاعدة العاشرة العبرة بالغالب ولا عبرة بالنادر. يعني ان المسائل اذا اتفقت على وتيرة واحدة وعلة واحدة ثم تخلفت عنها بعض الصور بان لم توجد فيها العلة المشروعة تلك المسائل لاجلها. فانها تلحق الغالب في الحكم وان تكن فيها العلة. ويدل على ذلك ان السفر شرع فيه رخص كثيرة من والجمع والفطر وغيرها. لانه مظنة المشقة. فاذا فرض وجود مسافر لا مشقة عليه اصلا فلا يقال لا يترخص برخص السفر لعدم العلة في حقه. بل يجوز له الترخص بجميع رخص السفر كغيره الحاقا للنادر بالغالب. وكذلك الجمع في الحضر للمطر يجوز حتى لمن في المسجد او في بيت طريقه تحت سباط. وكذلك المحرمات لضررها. اذا فرض وجود من لم يتضرر به حرمت ايضا في حقه كغيره. القاعدة الحادية عشرة اليقين لا يزول بالشك. ومعنى هذا ان الانسان متى تحقق شيئا ثم شك؟ هل زال الشيء المتحقق ام لا؟ الاصل بقاء حقق فيبقى الامر على ما كان متحققا. فلو شك في امرأة هل تزوجها؟ لم يكن له وطؤها استصحابا لحكم التحريم. وكذلك لو شك هل طلق زوجته ام لا؟ لم تطلق له ان يطأها استصحابا للنكاح. وكذلك لو شك في الحدث بعد تيقنه الطهارة. او عكسه او شك في عدد الركعات او الطواف او السعي او الرمي ونحوه. فانه يبني على اليقين وهو الاقل. ولكن قد يشتبه الاصل الذي يرجع اليه عند الشك. فيحتاج الى ذكر اصول كثير من الاحكام. فلهذا قلت ويدخل تحت هذه القاعدة اصول. الاصل في الاشياء الطهارة. فاذا اصاب بدن المكلف او ثوبه ماء او رطوبة او وطئ روثة او سقط في الماء روثة او عظم وشك في طهارة ذلك ونجاسة فانه يحكم بطهارته استصحابا للاصل. حتى ولو غلب على الظن نجاسته. فانه طاهر حتى تتحقق نجاسته. والاصل في الاطعمة الحل. لان الله تعالى خلق لعباده جميع ما على الارض ينتفعون به اكلا وشربا. وغيرهما من انواع الانتفاع. واباح له ذلك. فلا يحرم من الاطعمة الشريبة الا ما حرمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. والاصل في الوطء التحريم فلا يباح من الا ما اباحه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. وهي الزوجة والمملوكة لقوله تعالى والذين هم لفروجهم حافظون الا على ازواجهم او ما ملكت ايمانهم فانهم غير ملومين. فمن ابتغى وراء ذلك اولئك هم العادون. فاذا حصل الشك في حالة من الاحوال هل يباح الوطء ام لا؟ فالاصل التحريم حتى حقق الحل. والاصل في دماء المعصومين واموالهم واعراضهم التحريم. فلا تحل الا بحق يعني ان الاصل في المعصوم وهو المسلم او الكافر الذمي او الذي له امان. ان ما له ودمه وعرضه محرم. لا يجوز تناوله بوجه من الوجوه حتى نتحقق الحل. ولا نتحقق الحل الا بنص الشارع على ذلك لا يباح دم المسلم الا باحدى ثلاث. الثيب الزاني والنفس بالنفس. والتارك لدين الاسلام. وكذلك كافر المعصوم لا يجوز قتله ولا قطع طرفه الا بسبب موجب لذلك شرعا. وكذلك اموال المسلمين واهل الذمة ومن له امان. لا تحل الا بحق شرعي. وكذلك اعراضهم. وتفاصيل حقوق الشرعية في النفوس والاموال والاعراض كثيرة جدا. لا يمكن ذكرها في هذا المختصر وقد ذكرها الفقهاء في كتب الفقه والاحكام فليرجع اليها. والاصل في العبادات التحريم فلا يشرع منها الا ما شرع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. والاصل في العادات الاباحة فلا يحرم منها الا ما حرمه الله رسوله صلى الله عليه وسلم القاعدة الثانية عشرة. العرف والعادة يرجع اليه في كل حكم حكم به الشارع ولم يحده بحد. وهذا اصل واسع موجود في المعاملات والحقوق وغيرها وذلك ان جميع الاحكام يحتاج كل واحد منها الى امرين. معرفة حدها وتفسيرها ثم بعد ذلك يحكم عليها بالحكم الشرعي. فاذا وجدنا الشارع قد حكم عليها بايجاب او استحباب او تحريم او كراهة او اباحة. فان كان قد حدها وفسرها وميزها رجعنا الى تفسير الشارع كما امر بالصلاة وذكر فضلها وثوابها. وقد حدها الشارع وذكر تفاصيل احكامها التي تميز عن غيرها. فنرجع في ذلك الى ما حده الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. وكذلك الزكاة والصيام والحج قد وضحها الشارع توضيحا لا يبقي اشكالا. واما اذا حكم الشارع عليها ولم يحدها. فانه حكم على العباد بما يعرفونه ويعتادونه. وقد يصرح لهم بالرجوع الى ذلك. كما في قوله تعالى وعاشروا بالمعروف. وقد يدخل في ذلك المعروف شرعا والمعروف عقلا. مثل قوله وامر بالعرف ويدخل في هذا الاصل مسائل كثيرة جدا. منها ان الله عز وجل امر بالاحسان الى الوالدين والاقارب والمساكين وابن السبيل. وكذلك الاحسان الى جميع الخلق. فكل ما شمله الاحسان مما يتعارفه الناس. فهو داخل في هذه الاوامر الشرعية. لان الله عز وجل اطلق ذلك والاحسان ضد الاساءة. بل وضد لعدم ايصال الاحسان القولي والفعلي والمالي. وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح كل معروف صدقة وهذا نص صريح ان كل ما فعله العبد مع الخلق من انواع الاحسان والمعروف فهو صدقة. وكذلك اشترط الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في عقود المعاوضات. وعقود التبرعات الرضا بين الطرفين. ولم يشترط تارك العقد لفظا معينا. فاي لفظ واي فعل دل على العقد والتراضي حصل به المقصود. ولهذا قال العلماء وتنعقد العقود بكل ما دل عليها من قول او فعل. ولكنهم استثنوا منها بعض مسائل اشترطوا لعقدها القول لخطرها مثل النكاح. قالوا لابد فيه من ايجاب وقبول بالقول كذلك الطلاق لا يقع الا باللفظ او الكتابة. ومن فروع هذا الاصل ان العقود التي اشترط لها القبض فالقبض ما عده الناس قبضا. ويختلف ذلك باختلاف الاحوال. وكذلك الحرز. حيث اوجبوا حفظ الاموال للمؤتمن عليها الانسان في حرز مثلها. وحيث اشترطوا في السرقة ان يكون ذلك من حرز. والحرز يتبع العرف فالاموال النفيسة لها احراز وغيرها لها احراز كل شيء بحسبه. ومن ذلك ان الامير حين اذا فرط او تعدى فهو ضامن. فكل ما عده الناس تفريطا او تعديا علق به الحكم. ومن ذلك ان من وجد لقطة لزمه ان يعرفها حولا كاملا بحسب العرف. ثم اذا لم يجد صاحبها ملكها. ومن فروعها ان الاوقاف يرجع في مصارفها الى شروط الواقفين التي لا تخالف الشرع. فان جهل شرط الموقف رجع في ذلك الى العادة والعرف الخاص. ثم الى العرف العام في صرفها في طرقها. ومن ذلك الحكم باليد والمجاراة لمن كان بيده عين يتصرف فيها مدة طويلة. يحكم انها له الا ببيت تدل على خلاف ذلك. ومن فروعها الرجوع الى المعروف في نفقة الزوجات والاقارب والمماليك والاجراء ونحوهم. كما صرح الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بالرجوع الى العرف في معاشرة الزوجات. والمعاشرة اعم من النفقة. فتشمل جميع ما يكون بين الزوجين من المعاشرة القولية والفعلية بين الطرفين وانه يتعين في جميعها الرجوع الى العرف. ومن فروعها رجوع المستحاضة التي لا تمييز لها الى عادل الخاصة فان تعذر ذلك بنسيان او غيره رجعت الى عادة نسائها ثم الى عادة نساء بلد ومن ذلك العيوب والغبن والتدريس يرجع ذلك الى العرف. فما عده الناس عيبا او او غبنا او تدليسا علق به الحكم. وكذلك الرجوع الى قيمة المثل في المتقومات والمتلفات. والضمانات وغيرها. وكذلك الرجوع الى مهور المثل لمن وجب لها مهر ولم يسم. او سمي تسمية فاسدة ويختلف ذلك باختلاف النساء والاوقات والامكنة. وقس على هذه الامثلة ما اشبهها. وهي كثيرة مذكورة في كتب الاحكام