تحققنا امره فكانه قيل مع عقلها هذا ورأيها السديد. فكيف كانت تعبد غير الله؟ وكيف اجتمع العقل عبادة ما الا ينفع ولا يضر وانما يضر من عبده. حاصل الجواب قوله المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله قصة داوود وسليمان عليهما الصلاة والسلام. وكان من اعظم انبياء بني اسرائيل. وجمع الله لهما بين النبوة الحكمة والملك العظيم القوي اما داوود صلى الله عليه وسلم فكان من جملة العسكر الذين مع طالوت الذي اختاره احد انبياء بني اسرائيل ملكا على بني اسرائيل لشجاعته وقوته وعلمه في السياسة ونظام الجيوش كما قال تعالى وزاده بسطة في العلم والجسم. ولما برزوا لجالوت وجنوده وصبر عسكر طالوت واستعانوا بالله تفوق داوود عليه السلام على الجميع بالشجاعة العظيمة. فباشر بنفسه قتل ملكهم جالوت قالت الهزيمة على بقيتهم. ونصر الله بني اسرائيل ذلك النصر. نبأ الله داود واعطاه الحكمة والملك القوي كما قال تعالى وشددنا ملكه واتيناه الحكمة وفصل الخطاب. وكان قد اعطاه الله قوة في العبادة وبصيرة ووصفه الله بهذين الوصفين اللذين بهما كمال العبد فقال اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داوود ذا ايدي انه اواب. فوصفه بالقوة على ما امر الله وبانه اواب لكمال معرفته بالله. وكان الله تعالى قد سخر له الطير والجبال تسبح الله معه. وكان قد اعطي من حسن الصوت ورخامته ما لم يؤت احد من العالمين وكان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه ويصوم يوما ويفطر يوما. وكان اذا لاقى العدو رأى الخلق من ساعته ما يعجب الناظرين. وقد الان الله له الحديد. وعلمه صنعة الدروع الواقية في الحروب. وهو اول من صنع دروع السردية ذوات الحلق التي يحصل فيها الوقاية وهي خفيفة المحمل. وقد عاتبه الله بسبب ذنب اذنبه بان ارسل اليه ملكين بصورة خصمين. فدخلا عليه وهو في محرابه ففزع منهما. لانهما دخلا عليه في وقت لا يدخل عليه فيه احد وتصوروا المحراب وقال لا تخف قصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا الى سواء الصراط. ثم قص عليه احدهما القصة فقال ان هذا اخي له تسع وتسعون نعجة. والمراد بها المرأة ولي نعجة واحدة فقال اكفلنيها وعزني في الخطاب اي صار خطابه اقوى مني فغلبني. فقال داود صلى الله عليه وسلم لقد ظلمك بسؤال نعجتك الى نعاجه. وان ان كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض. الا الذين امنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم الامام داوود انه هو المراد بهذه القضية انتبه لذلك وظن داوود ان ما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا واناب فغفرنا له ذلك وانه وان له عندنا لزلفى وحسن مئاب. فمحى الله عنه الذنب وعاد به بعد التوبة احسن مما كان قبل ذلك حصل له القرب العظيم من ربه وحسن العاقبة وقال الله له يا داوود انا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله واما سليمان بن داود عليه السلام فان الله اعطاه النبوة وورث اباه علمه ونبوته وملكه وزاده الله ملكا عظيما لم يحصل لاحد قبله ولا بعده. سخر الله له الريح تجري بامره وتدبيره رخاء اي بسهولة حيث اراد غدوها شهر ورواحها شهر. وسخر الله له الجن والشياطين والعفاريت يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات وتذهب وتجيء بامره الى حيث اراد. وسخر له من الجنود من الانس والجن والطير فهم يوزعون بتدبير عجيب ونظام غريب. علمه الله منطق الطير وسائر الحيوانات فكانت تخاطبه ويفهم ما تكلم به لهذا خاطب الهدهد وراجعه تلك المراجعة وسمع النملة التي نادت في قومها يا ايها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون. فحذرت وامرت بما يقي من الخطر واعتذرت عن سليمان وجنوده. فلهذا ابتسم سليمان ضاحكا من قولها وقال رب اوزعني ان اشكر نعمتك التي انعمت علي وعلى والدي. وان اعمل صالحا ترضاه. وادخلني برحمتك في عبادك كالصالحين ومن حسن نظامه وحزمه انه يتفقد الجنود بنفسه. مع انه قد جعل لهم مدبرين. فان قوله فهم يوزعون كن دليل على ذلك حتى انه تفقد الطيور لينظر هل هي ملازمة لمراكزها فقال ما لي لا ارى الهدهد ام كان من الغائبين. وليس الامر كما يقول كثير من المفسرين انه طلبه لينظر له الارض وبعد مائها فان هذا خلاف اللفظ القرآني. فان الله لم يقل وطلب الهدهد. بل قال وتفقد الطير ثم توعده لمخالفته لامره ولما كان ملكه مبنيا على كمال العدل استثنى فقال لاعذبنه عذابا شديدا او لاذبحنه او ليأتيني بسلطان ضان مبين. فمكث غير بعيد فقال احط بما لم تحط به. وجئتك من سبأ بنبأ يقين اني وجدت امرأة تملكهم واوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم. وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان اعمالهم. فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون. الا يسجدوا لله الذي يخرج الخبأ في السماوات والارض ويعلم ما تخفون وما تعلنون. الله لا اله الا هو رب ذو العرش العظيم. ففي هذه المدة القصيرة جاء الهدهد بهذه المعلومات العظيمة. اخبر سليمان عن ملك الديار اليمانية وان ملكتهم امرأة وانها قد اعطيت من كل شيء يحتاج الملك اليه. وان لها عرشا عظيما ومع فهمه لملكهم وقوتهم فهم ايضا دينهم. وانهم مشركون يعبدون الشمس وانكر الهدهد عليهم غاية الانكار. هذا من الادلة على ان الحيوانات تعرف ربها وتسبحه وتوحده. وتحب المؤمن مؤمنين وتدين ربها بذلك وتبغض الكفار المكذبين. وتدين الله بذلك فقال له سليمان سننظر اصدقت ام كنت من الكاذبين؟ اذهب بكتابي هذا فالقه اليهم. ثم تول عنهم فانظر ما يرجعون فذهب بالكتاب فالقاه في حجر المرأة ملكة سبأ. فلما قرأته عظمته جدا وارعبت منه فزعا وجمعت رؤساء قومها فقالت يا ايها الملأ اني القي الي كتاب كريم. انه من سليمان وانه بسم الله الرحمن الرحيم قيم الا تعلوا علي واتوني مسلمين كتاب مختصر جامع فيه المقصود كله. قالت يا ايها الملأ افتوني في امري اي اشيروا علي وهذا من حزمها وحسن تدبيرها استعملت المشورة مع رؤساء قومها ما كنت قاطعة امرا حتى تشهدون قالوا نحن اولو قوة واولو بأس شديد. والامر اليك فانظري ماذا تأمرين. اي مستعدين لما تقولين حربا وسلما وارجعنا الامر الى ما تختارين. فمن عزمها وحزمها وبعد نظرها عدلت عن الحرب. واختارت السلم. لكن بصورة حازمة. فقالت ساهدي له هدية حاضرة. فناظرة بما يرجع المرسلون. ان كان من الملوك الذين ليس لهم هم الا دنيا فربما ان ربما ان الهدية كسرت سورته وفلت عزيمته وسالمن وسالمنا وسالمناه من بعيد. وان كان غير ذلك بان لنا الامر وارسلت اناسا ذوي عقل وحزم وخبرة ومعرفة. فلما جاءوا سليمان بالهدية قال اتمدونني بمال فما اتاني الله خير مما اتاكم. بل انتم بهديتكم تفرحون. فبين لهم انه لا غرض له في الدنيا انما غرضه اقامة الدين. ودخول عباد الله في الاسلام ثم وصى الرسل واستغنى بذلك عن الكتاب. وقال للرسول ارجع اليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها اذلة وهم صاغرون. وعلم سليمان انهم سينقادون ويسلمون. فقال لاهل مجلسه يأتيني بعرشها قبل ان يأتوني مسلمين. قال عفريت من الجن انا اتيك به قبل ان تقوم من مقامك واني عليه لقوي امين. وسليمان بالديار الشامية وبينه وبينها مسافة شهرين ذهابا وشهرين ايابا ثم قال الذي عنده علم من الكتاب انا اتيك به قبل ان يرتد اليك طرفك. يحتمل انه كما قال اكثر المفسرين انه رجل صالح قد اعطي الاسم الاعظم الذي اذا دعي الله به اجاب. وانه دعا الله فاتى به قبل ان يرتد طرفه ويحتمل ان الذي عنده علم من الكتاب عنده من الاسباب التي سخرها الله لسليمان. اسباب يحصل بها تقريب المواصلات وجلب الاشياء البعيدة. وعلى كل فهذا ملك عظيم بلحظة يحضر له هذا العرش العظيم. لهذا لما رآه مستقرا عنده حمد الله على ذلك. فقال هذا من فضل ربي ليبلوني ااشكر ام اكفر؟ ومن شكر فانما يشكر بنفسه ومن كفر فان ربي غني كريم. ثم خاطب من حوله قال نكروا لها عرشها. اي غيروا فيه وزيدوا وانقصوا انظر اتهتدي ام تكون من الذين لا يهتدون؟ وكان قد مدح له رأيها وعقلها. فاحب ان يقف على الحقيقة. فلما جاءت قيل اهكذا عرشك؟ وعرض عليها فلما رأته عرفته. ورأت ما فيه من التنكير فانكرته. فقالت مرددة للاحتمالين كانه لم تقل هو لما فيه من التغيير. ولم تنفي انه هو لما كانت تعرفه. فاتت بلفظ صالح للامرين. فعرف سليمان رجاء عقلها واوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين. ان كان هذا من كلام سليمان ومعناه اننا اخبرنا عن عقلها وعلمنا بذلك قبل هذه الحالة فتحققناها لما صبرناها وان كان الكلام كلام ملكة سبأ فانها تقول واوتينا العلم عن ملك سليمان وانه ملك نبوة ورسالة وقوة هائلة من قبل هذه الحالة. وكنا مسلمين مذعنين. لما قاله سليمان بعدما وصدها ما كانت تعبد من دون الله انها كانت من قوم كافرين. اي العقائد التي نشأت عليها والمذاهب الفاسدة تسيطر على عقل العاقل وتذهب لب اللبيب حتى يقيض له من الاسباب المباركة ما يبين له الحق ويمن عليه باتباعه. وكان له صرح من قوارير اجرى تحته الانهار. فكان من ينظر اليه يظنه ماء ان يجري لان الزجاج شفاف. فلما قيل لها دخول الصرح فرأته لجة وكشفت عن ساقيها. قال انه صرح ممرد من قوارير. قالت ربي اني ظلمت نفسي واسلمت مع سليمان لله رب العالمين. فاسلمت لله واتبعها قومها. فيقال ان سليمان تزوجها. فالله اعلم ولما كانت الشياطين زمن سليمان قد سخرهم الله له وبلغه انهم باجتماعهم بالانس يعلمونهم السحر فجمعهم وتوعدهم واخذ كتبهم ودفنها فلما توفي سليمان جاءت الشياطين للناس فقالوا ان ملك سليمان مشيد على السحر واستخرجوا الكتب التي دفنها واشاعوا من اغوائهم للناس انها مأخوذة من سليمان. وان سليمان ساحر وروج ذلك طائفة من اليهود. فبرأ الله سليمان من هذا الامر وبين ان السحر من العلوم الضارة فقال تعالى واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان ان وما كفر سليمان اي بتعليم السحر والرضا به. ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وهذا من عظمة القرآن. انه يأمر الخلق بالايمان بجميع الرسل. ويذكرهم باوصافهم الجميلة. وينزههم عما اقاله الناس فيهم مما ينافي رسالتهم وكان الله قد ابتلى سليمان والقى على كرسيه جسدا. اي شيطانا عتابا له على بعض الهفوات ارجاعا له الى كمال الخضوع لربه. ولهذا قال تعالى ثم اناب الى الله بقلبه ولسانه وبدنه بظاهره وباطنه فقال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي. انك انت الوهاب فاستجاب الله له دعاءه واعطاه جميع ما طلب كما تقدم. وقد اثنى الله على داوود وسليمان بالعلم والحكم. وخص سليمان بزيادة الفهم فقال وداوود وسليمان وداوود وسليمان اذ يحكمان في الحرث اذ نفشت فيه غنم القوم. اي دخلت الغنم بستانه ليلى قرعت زرعه واشجاره وحكم داود بحسب اجتهاده وتقديره ان الغنم تكون لصاحب الحرث لظنه ان الذي تلف من الحرث يقابل قيمتها ثم رفعت القضية الى سليمان فحكم على صاحب الغنم ان يقوم على حرث صاحب البستان بالسقي والتعمير والملاحظة حتى يعود كما كان قبل نفشها. ويدفع له صاحب الغنم الغنم ينتفع بدرها ولبنها ودهنها. وصوفها ومغلها مقابلة ما كان بصدد ان ينتفع بحرثه في هذه المدة. فكان هذا الحكم من سليمان اقرب الى الصواب. وانفع لصاحب الغنم والحرث؟ فلهذا قال تعالى ففهمناها سليمان وكلا اتينا حكما وعلما ونظير هذه القضية حكم داود وسليمان بين المرأتين اللتين خرجتا ومع كل واحدة ابنها. فعدا الذئب على ابني الكبرى. فادعت الكبرى على الصغرى ان الذئب اكل ابني الصغرى. وان الذي سلم من الذئب ابنها. والمرأة الصغرى انكرت وقالت بل الذئب اكل ابن الكبرى فتحاكما الى داوود فلم يرى لكل منهما بينة الا قولها. رأى ان يحكم به للكبرى اجتهادا ورحمة بها بكبرها. وان الصغرى في مستقبل عمرها سيرزقها الله ولدا بدله ثم رفعت القضية الى سليمان فقال لهما ائتوني بالسكين اشقه بينكما. فرضيت الكبرى وقالت الصغرى قالت الصغرى لما دار الامر بين تلفه او بقائه بيد غيرها وهو اهون الامرين عليها هو ابنها يا نبي الله فعلم سليمان بهذا الامر الطبيعي الذي هو من اقوى البينات انه ليس ابنا للكبرى. لكونها رضيت بشقه واتلافه. وان على الاخرى انما حملها عليها الحسد. وانه ابن الصغرى حين فزعت من شقه الى التنازل عن دعواها. فقضى به سليمان للصغرى. ولا ريب ان استخراج الصواب في القضايا بالبينات والقرائن وشواهد احوال من الفهم الذي يخص الله به من يشاء فصل في بعض الفوائد المستنبطة من قصة داوود وسليمان عليهما السلام فمنها ان الله يقص على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم اخبار من قبله لتثبيت فؤاده وتطمين نفسه. ويذكر له من عباداتهم وشدة صبرهم وانابتهم ما يشوق الى منافستهم. والتقرب الى الله الذي تنافسوا في قربه والصابر على اذى قومه. ولهذا ذكر الله تعالى في اول سورة صاد ما قاله المكذبون لمحمد صلى الله عليه وسلم وما اذوه به قال بعدها اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داوود ذا الايد انه اواب. ومنها ان قوله ذا الايدي انه اواب. مدح عظيم من الله لهذين الوصفين. قوة القلب والبدن على طاعة الله والانابة باطنا وظاهرا الى الله. المستلزمة لمحبته وكمال معرفته. وان هذين الوصفين للانبياء على وجه الكمال ولمن بعدهم من اتباعهم على حسب اتباعهم. والثناء من الله عليهما. يقتضي الحث على جميع الاسباب التي تعين على القوة والانابة وان يكون العبد رجاعا الى الله في حال السراء والضراء وفي جميع الاحوال ومنها ما اكرم الله به نبيه داود عليه السلام من حسن الصوت ورخامته. وان الجبال والطيور تسبح الله معه وذلك من زيادة درجاته ومقاماته العالية. ومنها ان من اكبر نعم الله على عبده ان يرزقه العلم النافع ويعرف الحكم بين الناس في المقالات والمذاهب وفي الخصومات والمشاحنات كما قال تعالى واتيناه الحكمة وفصل الخطاب. ومنها كمال اعتناء المولى بانبيائه واصفيائه. عندما تقع من بعض الهفوات بفتنته اياهم وابتلائهم بما يزيل عنهم المحذور. حتى يعودوا اكمل من احوالهم الاولى. كما جرى داوود وسليمان ومنها ان الانبياء معصومون فيما يبلغون عن الله فان الله امر بطاعتهم مطلقا. ومقصود الرسالة لا الا بذلك. وقد جرى منهم احيانا بعض مقتضيات الطبيعة من المخالفات ولكن الله تعالى يبادرهم بلطفه ويتداركهم بالتوبة والانابة. ومنها ان داود في اغلب اوقاته ملازم محرابه خدمة ربه وله وقت يجلس فيه لحوائج الخلق. فقد اتم القيام بحق الله وحق عباده ومنها انه ينبغي استعمال الادب في الدخول على الناس خصوصا الحكام والرؤساء ان الخصمين لما دخلا على داوود في حالة غير معتادة ومن غير الباب فزع منهم واشتد عليه ذلك ورآه غير لائق بالحال. ومنها انه لا يمنع الحاكم من الحكم بالحق سوء ادب الخصم. وفعله ما لا ينبغي. ومنها حلم داوود فانه ما غضب منهما حين جاءه بغير استئذان. ولا انتهرهما ولا وبخهم ولا وبخهما منها جواز قول المظلوم لمن ظلمه انت ظلمتني او يا ظالم ونحوه او يا باغي لقوله خصمان بغى بعضنا على بعض ومنها ان المنصوح ولو كان كبير القدر كثير العلم عليه الا يغضب ولا يشمئز. بل يبادر بقبول النصيحة والشكر لمن نصحه ويحمد الله اذ قيض له النصيحة على يد الناصح. فان داود لم يشمئز من قول الخصمين فاحكم بيننا بالحق ولا تشتت واهدنا الى سواء الصراط. بل حكم بالحق الصرف ومنها ان المخالطة بين الاقارب والاصحاب والمعاملين وكثرة التعلقات الدنيوية المالية موجبة للتعادي بعضهم على بعض وانه لا يرد عن هذا الداء العضال الا التقوى والصبر والايمان والعمل الصالح. وان هذا من اقل شيء في الناس ومنها اكرام الله لداوود وسليمان بالزلفة عنده وحسن المآب. فلا يتوهم احد ان ما جرى منهما منقص لدرجتهما عند الله. هذا من تمام لطفه بعباده المخلصين. لانه اذا غفر لهم وازال عنهم اثر الذنوب. ازال الاثار المترتبة عليها حتى ما يقع في قلوب الخلق وما ذلك على فضل الكريم بعزيز ومنها ان مرتبة الحكم بين الناس مرتبة دينية تولاها رسل الله وخواص خلقه. وان على القائم بها الحكم بالحق والا يتبع الهوى فالحكم بالحق يقتضي العلم بالامور الشرعية والعلم بصورة القضية المحكوم بها وكيفية ادخالها في الاحكام الشرعية الكلية. فالجاهل بواحد من هذه الامور لا يحل له الاقدام على الحكم بين الناس ومنها ان سليمان يعد من فضائل داود ومن منن الله عليه. قال تعالى ووهبنا لداوود سليمان نعم العبد انه وهذا اعظم تزكية واكبر فخر لسليمان. ومنها كثرة الخير وفضله على عبيده الاخيار. يمن عليهم بالاخلاق والاعمال الصالحة ثم يثني عليهم بها ويرتب عليها من الثواب انواعا منوعة. وهو المتفضل بالاسباب ومسبباتها ومنها ان سليمان قدم محبة الله على محبة كل شيء. واتلف الخيل التي الهته عن ذكر ربه. حتى توارت الشمس بالحجاب هو مشؤوم فليفارقه وليقبل على ما هو انفع له. ومنها انه يؤخذ من ان سليمان لما اتلف الخيل الجياد. التي الهته عن طاعة الله سخر الله له الريح والشياطين ان من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه. ومنها ان تسخير الشياطين وتسخير على الوجه الذي سخرت لسليمان لا تكون لاحد بعد سليمان. ولهذا لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ان يأخذ الشيطان الذي تفلت عليه ليلة فيربطه في سارية المسجد قال ذكرت دعوة اخي سليمان فتركته. ومنها ان سليمان كان ملكا نبيا مباحا له ان يفعل ما يريد. ولكنه لكماله لا يريد الا الخير والعدل. وهذا بخلاف النبي العبد. فانه لا يكون له ارادة مستقلة بل ارادته تابعة لمراد الله منه. فلا يفعل ولا يترك الا تبعا للامر. كحال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومنها ان الله اعطى سليمان ملكا عظيما. فيه امور لا يمكن ان تدرك بالاسباب. وانما هي من تقدير الملك الوهاب مثل تسخير الريح تبعا لامره وتسخير الشياطين وكون جنوده من الانس والجن والطير. وان الطيور كانت تخدمه الخدمة العظيمة يرسلها للجهات توصل منه الاخبار. وتأتيه باخبار تلك الجهات وقد اعطاها الله من الفهم ومعرفة احوال الادميين. ما قص الله علينا نبأه في هذه القصة. وكذلك الذي عنده علم من الكتاب حين استعد ان يأتيه بعرش ملكة سبأ قبل ان يرتد اليه طرفه. وهذه ايات انبياء. ولهذا مهما بلغ الخلق من الترقي في علوم الطبيعة والمهارة بالمخترعات فلن يصلوا الى ما اعطيه سليمان. ومنها انه ينبغي للملوك والرؤساء ان يسألوا عن احوال الامراء والرؤساء والرجال المتميزين ولا يكتفوا بمجرد السؤال بل يختبرونهم ويختبرون معرفتهم للامور وعقولهم. كما فعل سليمان مع ملكة سبأ. امتحنها ليستدل على كمال عقلها ورجاحته. ولم يكتفي بالسؤال. وهذا فيه للملوك فوائد عظيمة. وهم محتاجون لهذا اشد الحاجة تمام الملك ان يدير دفته الرجال الكاملون