حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي اي افرأيتم ابتداء خلقتكم من المني الذي تمنون؟ فهل انتم خالقون ذلك المني؟ وما ينشأ منه؟ ام الله تعالى الخالق الذي خلق فيكم من الشهوة والتها. من الذكر والانثى وهدى كلا منهما لما هنالك. وحبب بين الزوجين بينهما من المودة والرحمة. ما هو سبب للتناسل؟ ولهذا احالهم الله تعالى على الاستدلال بالنشأة الاولى على النشأة الاخرى. فقال قال فلولا تذكرون ان القادر على ابتداء خلقكم قادر على اعادتكم. وهذا امتنان منه على عباده يدعوهم به الى توحيده وعبادته والانابة اليه. حيث انعم عليهم بما يسره لهم من الحرث للزروع والثمار. فتخرج من ذلك من الاقوات والارزاق والفواكه ما هو من ضروراتهم وحاجاتهم ومصالحهم. التي لا يقدرون ان يحصوها فضلا عن شكرها واداء حقها قررهم بمنته فقال اي اانتم اخرجتم هنا باتا من الارض ام انتم الذين نميتموه؟ ام انتم الذين اخرجتم سنبله وثمره؟ حتى صار حبا حصيدا وثمرا نضيجا ام الله الذي انفرد بذلك وحده وانعم به عليكم وانتم غاية ما تفعلون ان تحرثوا الارض وتشقوها تلقوا فيها البذور. ثم بعد ذلك لا علم عندكم بما يكون بعد ذلك. ولا قدرة لكم على اكثر من ذلك. ومع ذلك فنبههم على ان ذلك الحرث معرض للاخطار لولا حفظ الله وابقائه لكم بلغة ومتاعا الى حين. فقال آآ لو نشاء لجعلناه اي الزرع المحروث وما فيه من الثمار حطاما اي فتاتا متحطما لا نفع فيه ولا رزق. فظلت اي فصرتم بسبب جعله حطاما. بعد ان تعبتم فيه وانفقتم النفقات الكثيرة. تفكهون اي تندمون وتحسرون على ما اصابكم ويزول بذلك فرحكم وسروركم وتفكهكم فتقولون اي انا قد نقصنا واصابتنا مصيبة اجتاحتنا. ثم تعرفون بعد ذلك من اين اوتيتم؟ وباي سبب دهيتم؟ فتقولون بل نحن محرومون فاحمدوا الله تعالى حيث زرعه الله لكم ثم ابقاه وكمله لكم ولم يرسل عليه من الافات ما به تحرمون نفعه وخيره انتم انزلتموه من المزن ام نحن المنزلون جعلناه اجاجا. فلولا تشكرون. لما تعالى نعمته على عباده بالطعام. ذكر نعمته عليهم بالشراب العذب الذي منه يشربون. وانهم لولا ان الله يسره وسهله ما كان لكم سبيل اليه وانه الذي انزله من المزن وهو السحاب والمطر. ينزله الله تعالى فيكون منه الانهار الجارية على وجه الارض وفي بطنها ويكون منه الغدران المتدفقة. ومن نعمته ان جعله عذبا فراتا. تصيغه النفوس. ولو شاء لجعله ملحا مكروها للنفوس لا ينتفع به. فلولا تشكرون الله تعالى على ما انعم به عليكم افرأيتم النار التي وهذه نعمة تدخل في الضروريات التي لا غنى للخلق عنها. فان الناس محتاجون اليها في كثير من امورهم وحوائجهم فقررهم تعالى بالنار التي اوجدها في الاشجار. وان الخلق لا يقدرون ان ينشئوا شجرها. وانما الله تعالى الذي انشأها من الشجر الاخضر فاذا هي نار توقد بقدر حاجة العباد فاذا فرغوا من حاجتهم اطفؤوها واخمدوها نحن جعلناها تذكرة للعباد بنعمة ربهم وتذكرة بنار جهنم التي اعدها الله للعاصين. وجعلها سوطا يسوق به عباده الى دار النعيم متاعا للمقوين اي المنتفعين او المسافرين. وخص الله المسافرين. لان نفع المسافر بذلك اعظم من غيره ولعل السبب في ذلك لان الدنيا كلها دار سفر. والعبد من حين ولد فهو مسافر الى ربه. فهذه النار جعلها الله ومتاعا للمسافرين في هذه الدار. وتذكرة لهم بدار القرار. فلما بين من نعمه ما يوجب الثناء عليه من عباده. وشكره وعبادته امر بتسبيحه وتحميده فقال اي نزه ربك العظيم كامل والصفات كثير الاحسان والخيرات واحمده بقلبك ولسانك وجوارحك. لانه اهل لذلك وهو المستحق لان يشكر فلا يكفر ويذكر فلا ينسى ويطاع فلا يعصى. اقسم تعالى بالنجوم ومواقعها اي مساقطها في مغاربها. وما يحدث الله في تلك الاوقات من الحوادث الدالة على عظمته وكبريائه وتوحيده ثم عظم هذا المقسم به. وانما كان القسم عظيما. لان في وجريانها وسقوطها عند مغاربها. ايات وعبرا لا يمكن حصرها واما المقسم عليه فهو اثبات القرآن. وانه حق لا ريب فيه. ولا شك يعتريه. وانه كريم. اي كثير الخير وزير العلم فكل خير وعلم فانما يستفاد من كتاب الله ويستنبط منه اي مستور عن اعين الخلق وهذا الكتاب المكنون هو اللوح المحفوظ. اي ان هذا القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ. معظم عند الله وعند ملائكته في الملأ الاعلى. ويحتمل ان المراد بالكتاب المكنون والكتاب الذي بايدي الملائكة الذين ينزلهم الله بوحيه وتنزيله وان المراد بذلك انه مستور عن الشياطين لا قدرة لهم على تغييره ولا الزيادة والنقص منه واستراقه يمسه الا المطهرون. اي لا يمس القرآن الا الملائكة الكرام. الذين طهرهم الله تعالى من الافات والذنوب والعيوب واذا كان لا يمسه الا المطهرون. وان اهل الخبث والشياطين لا استطاعة لهم ولا يدان الى مسه. دلت الاية بتنبيهها على انه لا يجوز ان يمس القرآن الا طاهر. كما ورد بذلك الحديث. ولهذا قيل ان الاية خبر بمعنى النهي اي لا يمس القرآن الا طاهر. اي ان هذا القرآن الموصوف بتلك الصفات الجليلة هو تنزيل رب العالمين. الذي يربي عباده بنعمه الدينية والدنيوية. ومن اجل تربية ربى بها عباده. انزاله القرآن الذي قد اشتمل على مصالح الدارين. ورحم الله به العباد رحمة لا يقدرون لها شكورا. ومما يجب عليهم ان يقوموا به ويعلنوه ويدعوا اليه ويصدعوا به. ولهذا قال اي افبهذا الكتاب العظيم والذكر الحكيم انتم تدهنون اي تختفون وتدلسون خوفا من الخلق وعارهم والسنتهم. هذا لا ينبغي ولا يليق انما يليق ان يداهن بالحديث الذي لا يثق صاحبه منه. واما القرآن الكريم فهو الحق الذي لا يغالب به مغالب الا غلب ولا يصول به صائل الا كان العالي على غيره. وهو الذي لا يداهن به ولا يختفى. بل يصدع به ويعلن. وقول وتجعلون رزقكم انكم تكذبون. اي وتجعلون مقابلة منة الله عليكم بالرزق. التكبير والكفر لنعمة الله. فتقولون مطرنا بنوء كذا وكذا وتضيفون النعمة لغير مسديها وموليها. فهلا شكرتم الله تعالى على احسانه. اذ انزله الله اليكم ليزيدكم من فضله. فان التكذيب والكفر داع لرفع النعم وحلول النقم آآ اذا بلغت الحلقوم وانتم حينئذ تنظرون اي فهلا اذا بلغت الروح الحلقوم انتم تنظرون المحتضرة في هذه الحالة والحال انا نحن اقرب اليه منكم بعلمنا وملائكتنا ولكن لا تبصرون اي فهلا اذا كنتم تزعمون انكم غير مبعوثين ولا محاسبين ومجازين. ترجعون الروح الى بدنكم وانتم تقرون انكم عاجزون عن ردها الى موضعها فحينئذ اما ان تقروا بالحق الذي جاءكم به محمد صلى الله عليه وسلم. واما ان تعاندوا وتعلم حالكم سوء مآلكم ذكر الله تعالى احوال الطوائف الثلاث المقربين واصحاب اليمين والمكذبين الضالين في اول السورة في دار القرار. ثم ذكر احوالهم في اخرها عند والموت فقال فاما ان كان الميت من المقربين هم الذين ادوا الواجبات والمستحبات. فتركوا المحرمات والمكروهات وفضول المباحات وجنة نعيم فلهم روح اي راحة وطمأنينة سرور وبهجة ونعيم القلب والروح. وريحان وهو اسم جامع لكل لذة بدنية. من انواع المآكل والمشارب وغيرهما وقيل الريحان هو الطيب المعروف. فيكون تعبيرا بنوع شيء عن جنسه العام جامعة للامرين كليهما فيها ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. فيبشر المقربون عند الاحتضار بهذه البشارة التي تكاد تطير منها الارواح من الفرح والسرور. كما قال تعالى ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تنزل عليهم الملائكة الا تخافوا ولا تحزنوا. وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون. نحن اولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الاخرة ولكم فيها ما تشتهي انفسكم ولكم فيها ما تدعون. نزلا من غفور رحيم. وقد اول قوله تبارك وتعالى لهم هم البشرى في الحياة الدنيا وفي الاخرة ان هذه البشارة المذكورة هي البشرى في الحياة الدنيا وقوله اصحاب اليمين. واما ان كان من اصحاب اليمين وهم الذين ادوا الواجبات وتركوا المحرمات. وان حصل منهم التقصير في بعض الحقوق التي لا تخل بتوحيدهم وايمانهم فيقال لاحدهم اي سلام حاصل لك من اخوانك اصحاب اليمين ان يسلمون عليه ويحيونه عند وصوله اليهم ولقائهم له. او يقال له سلام لك من الافات ذو البليات والعذاب لانك من اصحاب اليمين الذين سلموا من الذنوب الموبقات واما ان كان من المكذبين ضالين اي الذين كذبوا بالحق وضلوا عن الهدى. فنزل من حميم اي ضيافتهم يوم قدومهم على ربهم تصلية الجحيم التي تحيط بهم وتصل الى افئدتهم. واذا استغاثوا من شدة العطش والظمأ يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه. بئس الشراب وساءت مرتفقا ان هذا الذي ذكره الله تعالى من جزاء العباد باعمالهم خيرها وشرها وتفاصيلها لذلك له حق اليقين. اي الذي لا شك فيه ولا مرية بل هو الحق الثابت الذي لا بد من وقوعه. وقد اشهد الله عباده الادلة قواطع على ذلك حتى صار عند اولي الالباب كانهم ذائقون له مشاهدون له. فحمدوا الله تعالى على ما خصهم به من هذه النعمة عظيمة والمنحة الجسيمة. ولهذا قال تعالى فسبحان ربنا العظيم وتعالى وتنزه عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا. والحمد لله رب العالمين