المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم. سبح لله ما في السماوات والارض وهو العزيز الحكيم يخبر تعالى عن عظمته وجلاله وسعة سلطانه ان جميع ما في السماوات والارض من الحيوانات الناطقة والصامتة وغيرها والجوامد تسبح بحمد ربها وتنزهه عما لا يليق بجلاله. وانها قانتة لربها منقادة لعزة قد ظهرت فيها اثار حكمته. ولهذا قال فهذا فيه بيان عموم افتقار المخلوق العلوية والسفلية لربها. في جميع احوالها وعموم عزته وقهره للاشياء كلها. وعموم حكمته في خلقه وامره ثم اخبر عن عموم ملكه فقال له ملك السماوات والارض يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير له ملك السماوات والارض يحيي ويميت. اي هو الخالق لذلك. الرازق المدبر لها بقدرته. وهو على كل شيء قدير هو الاول والاخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم. هو الاول الذي ليس قبله شيء. والاخر الذي ليس بعده شيء والظاهر الذي ليس فوقه شيء والباطن الذي ليس دونه شيء. قد احاط علمه بالظواهر والبواطن والسرائر والخفايا والامور المتقدمة والمتأخرة ستة ايام ثم استوى على العرش يعلم ما يرد في الارض وما يخرج منها وما ينزل من السماء والله بما تعملون هو الذي خلق السماوات والارض في ستة ايام. اولها يوم الاحد واخرها يوم الجمعة. ثم استوى على العرش استواء يليق بجلاله فوق جميع خلقه. يعلم ما يلج في الارض من حب وحيوان ومطر. وغير ذلك وما يخرج منها من نبات وشجر وحيوان وغير ذلك. وما ينزل من السماء من الملائكة والاقدار والارزاق. وما يعرج فيها من الملائكة والارواح والادعية والاعمال وغير ذلك. كقوله ما يكون من نجوى ثلاثة الا هو رابعهم. ولا خمسة الا هو سادسهم. ولا ادنى من ذلك ولا اكثر الا هو معهم اينما كانوا. وهذه المعية معية العلم والاطلاع ولهذا توعد ووعد على المجازاة بالاعمال بقوله والله بما تعملون بصير. اي هو تعالى بصير بما يصدر منكم من الاعمال وما صدرت عنه تلك الاعمال من بر وفجور. فمجازيكم عليها وحافظها عليكم له ملك السماوات والارض ملكا وخلقا وعبيدا يتصرف فيهم بما شاءه من اوامرهم القدرية والشرعية الجارية على الحكمة الربانية. والى الله ترجع الامور من الاعمال والعمال. فيعرض عليه العباد فيميز الخبيث من الطيب ويجازي المحسن باحسانه والمسيء باساءته وفي الليل وهو عليم بذات الصدور. يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل. اي يدخل الليل على النهار فيغشيهم الليل بظلامه فيسكنون ويهدأون ثم يدخل النهار على الليل فيزول ما على الارض من الظلام ويضيء الكون فيتحرك العباد ويقومون الى مصالحهم ومعايشهم. ولا يزال الله يكور الليل على النهار. والنهار على الليل ويداول بينهما في الزيادة والنقص والطول والقصر حتى تقوم بذلك الفصول وتستقيم الازمنة. ويحصل من المصالح ما يحصل بذلك. فتبارك الله رب العالمين وتعالى الكريم الجواد الذي انعم على عباده بالنعم الظاهرة والباطنة. اي بما تكون في صدور العالمين فيوفق من يعلم انه اهل لذلك ويخذل من يعلم انه لا يصلح لهدايته فالذين امنوا منكم يأمر تعالى عباده بالايمان وبرسوله وبما جاء به. وبالنفقة في سبيله من الاموال جعلها الله في ايديهم واستخلفهم عليها لينظر كيف يعملون. ثم لما امرهم بذلك رغبهم وحثهم عليه بذكر ما رتب عليه من الثواب فقال فالذين امنوا من وانفقوا اي جمعوا بين الايمان بالله ورسوله. والنفقة في سبيله لهم اجر كبير. اعظمه واجله رضا ربهم. والفوز كرامته وما فيها من النعيم المقيم. الذي اعده الله للمؤمنين والمجاهدين. ثم ذكر السبب الداعي لهم الى الايمان. وعدم مانع منه فقال وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد اخذ ميثاقكم ايوه ما الذي يمنعكم من الايمان؟ والحال ان الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم افضل الرسل واكرم داع دعا الى الله يدعوكم. فهذا مما يوجب المبادرة الى اجابة دعوته. والتلبية والاجابة للحق الذي جاء به وقد اخذ عليكم العهد والميثاق بالايمان ان كنتم مؤمنين. ومع ذلك من لطفه وعنايته بكم انه لم يكتفي بمجرد اخوة الرسول الذي هو اشرف العالم بل ايده بالمعجزات. ودلكم على صدق ما جاء به بالايات البينات. فلهذا قال على عبده ايات بينات ليخرجكم من الظلمات الى النور هو الذي ينزل على عبده ايات بينات. اي ظاهرات تدل اهل العقول على صدق كل ما جاء به. وانه حق اليقين ليخرجكم بارسال الرسول اليكم. وما انزله الله على يده من الكتاب والحكمة. من الظلمات الى النور. اي من ظلمات الجهل والكفر الى نور العلم والايمان. وهذا من رحمته بكم ورأفته. حيث كان ارحم بعباده من الوالدة بولدها. وان الله بكم لرؤوف رحيم وما لكم الا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السماوات والارض ايوة ما الذي يمنعكم من النفقة في سبيل الله؟ وهو طرق الخير كلها ويوجب لكم ان تبخلوا. والحال انه ليس لكم شيء بل لله يبعث السماوات والارض. فجميع الاموال ستنتقل من ايديكم او تنقلون عنها. ثم يعود الملك الى مالكه تبارك وتعالى. فاغتنم الانفاق ما دامت الاموال في ايديكم. وانتهزوا الفرصة. ثم ذكر تعالى تفاضل الاعمال بحسب الاحوال والحكمة الالهية. فقال لا يستوي منكم من انفق من قبر الفتح وقاتل اولئك اعظم درجة من الذين وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير المراد بالفتح هنا هو فتح الحديبية. حين جرى من الصلح بين الرسول وبين قريش. مما هو اعظم الفتوحات التي حصل بها نشر الاسلام صراط المسلمين بالكافرين. والدعوة الى الدين من غير معارض. فدخل الناس من ذلك الوقت في دين الله افواجا. واعتز الاسلام عزا عظيما كان المسلمون قبل هذا الفتح لا يقدرون على الدعوة الى الدين. في غير البقعة التي اسلم اهلها كالمدينة وتوابعها. وكان من اسلم من اهل مكة وغيرها من ديار المشركين يؤذى ويخاف. فلذلك كان من اسلم قبل الفتح وانفق وقاتل اعظم درجة واجرا وثوابا ممن لم يسلموا ويقاتل وينفق الا بعد ذلك. كما هو مقتضى الحكمة. ولذلك كان السابقون وفضلاء الصحابة غالبهم اسلم قبل الفتح. ولما كانت التفضيل بين الامور قد يتوهم منه نقص وقدح في المفضول. احترز تعالى من هذا بقوله وعد الله الحسنى الله بما تعملون خبير. وكلا وعد الله الحسنى. اي الذين اسلموا وقاتلوا وانفقوا من قبل الفتح وبعده. كلهم وعده الله الجنة. وهذا يدل على فضل الصحابة كلهم. رضي الله عنهم حيث شهد الله لهم بالايمان. ووعدهم الجنة. والله بما تعملون خبير. فيجازي كلا منكم على ما يعلمه من عمله. ثم حث على النفقة في سبيله. لان الجهاد متوقف على النفقة فيه وبذل الاموال في التجهز له فقال له وله اجر كريم. من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا؟ وهي النفقة الطيبة التي تكون خالصة لوجه الله موافقة لمرضاة الله من مال حلال طيب. طيبة به نفسه وهذا من كرم الله تعالى حيث سماه قرضا والمال ماله والعبد عبده ووعد بالمضاعفة عليه اضعافا كثيرة. وهو الكريم الوهاب وتلك المضاعفة. محلها وموضعها يوم القيامة يوم كل يتبين فقره ويحتاج الى اقل شيء من الجزاء الحسن. ولذلك قال