المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم. سبح لله ما في السماوات وما في الارض وهو العزيز هو الذي اخرج الذين كفروا من اهل الكتاب من ديارهم لاول الحشر هذه السورة تسمى سورة بني النضير. وهم طائفة كبيرة من اليهود في جانب المدينة. وقت بعثة النبي صلى الله عليه وسلم. فلما بعثت النبي صلى الله عليه وسلم وهاجر الى المدينة كفروا به في جملة من كفر من اليهود. فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم الى المدينة هادن خسائر طوائف اليهود الذين هم جيرانه في المدينة. فلما كان بعد وقعة بدر بستة اشهر او نحوها. خرج اليهم النبي صلى الله عليه وسلم وكلمهم ان يعينوه في دية الكلابيين الذين قتلهم عمرو بن امية الضمري. فقالوا نفعل يا ابا القاسم اجلس ها هنا حتى لنقضي حاجتك فخلا بعضهم ببعض وسول لهم الشيطان الشقاء الذي كتب عليهم. فتآمروا بقتله صلى الله عليه وسلم. وقال ايكم يأخذ هذه الرحى فيصعد فيلقيها على رأسه يشتخه بها. فقال اشقاهم عمرو بن جحاش انا. فقال لهم سلام ابن مشكم لا تفعلوا فوالله ليخبرن بما هممتم به. وانه لينقض العهد الذي بيننا وبينه. وجاء الوحي على الفور اليهم من ربه بما هموا به. فنهض مسرعا فتوجه الى المدينة ولحقه اصحابه. فقالوا نهضت ولم نشعر بك. فاخبرهم ما همة يهود به وبعث اليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ان اخرجوا من المدينة ولا تساكنوني بها وقد اجلتكم عشرا. فما ان وجدت بعد ذلك بها ضربت عنقه فاقاموا اياما يتجهزون وارسل اليهم المنافق عبدالله بن ابي بن سلول الا تخرجوا من ديار فان معي الفين يدخلون معكم حصنكم فيموتون دونكم. وتنصركم قريظة وحلفاؤكم من غطفان. وطمع رئيسهم حيي ابن فيما قال له وبعث الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول انا لا نخرج من ديارنا فاصنع ما بدا لك. فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه. ونهضوا اليهم وعلي بن ابي طالب يحمل اللواء. فاقاموا على حصونهم يرمون بالنبل والحجارة. واعتزل قريظة وخانهم ابن ابي وحلفاؤهم من غطفان. فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقطع نخلهم وحرق. فارسلوا اليه نحن نخرج من المدينة فانزلهم على ان يخرجوا منها بنفوسهم وذراريهم وان لهم ما حملت ابلهم الا السلاح وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم الاموال والسلاح. وكانت بنو النضير خالصة لرسوله صلى الله عليه وسلم. لنوائبه ومصالح المسلمين. ولم لان الله افاءها عليه. ولم يوجف المسلمون عليها بخير ولا ركاب. واجلاهم الى خيبر وفيهم حيي بن اخطب كبيرهم. واستولى على ارضهم وديارهم وقبض السلاح فوجد من السلاح خمسين درعا وخمسين بيضة وثلاثمائة واربعين سيفا. هذا حاصل قصتهم كما ذكرها اهل السير افتتح تعالى هذه السورة بالاخبار ان جميع من في السماوات والارض تسبح بحمد ربها وتنزهه عما لا يليق بجلاله وتعبده وتخضع لجلاله لانه العزيز الذي قد قهر كل شيء فلا يمتنع عليه شيء ولا يستعصي عليه مستعصي. الحكيم في خلقه وامره فلا يخلق شيئا عبثا ولا يشرع ما لا مصلحة فيه. ولا يفعل الا ما هو مقتضى حكمته. ومن ذلك نصر الله لرسوله صلى الله عليه وسلم على الذين كفروا من اهل الكتاب وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم من بني النضير حين غدروا برسوله فاخرجهم من واوطانهم التي الفوها واحبوها. وكان اخراجهم منها اول حشر وجلاء كتبه الله عليهم. على يد رسوله محمد صلى الله عليه وسلم فجلوا الى خيبر ودلت الاية الكريمة ان لهم حشرا وجلاء غير هذا فقد وقع حين اجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم خيبر ثم عمر رضي الله عنه اخرج بقيتهم منها ما ظننتم ايها المسلمون ان يخرجوا من ديارهم لحصانتها ومنعتها وعزهم فيها وظنوا انهم مانعتهم حصونهم من الله فاعجبوا بها وغرتهم وحسبوا انهم لا ينالون بها ولا يقدر عليها احد الله تعالى وراء ذلك كله. ولا تغني عنه الحصون والقلاع. ولا تجدي فيه القوة والدفاع. ولهذا قال فاتاهم الله من حيث لم يحتسبوا اي من الامر والباب الذي لم يخطر ببال ان يؤتوا منه وهو انه تعالى قذف في قلوبهم الرعب. وهو الخوف الشديد الذي هو جند الله الاكبر. الذي لا ينفع معه عدد ولا عدة ولا قوة ولا شدة. فالامر الذي يحتسبونه ويظنون ان الخلل يدخل عليهم منه ان دخل. هو الحصون التي تحصنوا بها واطمأنت نفوسهم اليها ومن وثق بغير الله فهو مخذول. ومن ركن الى غير الله فهو عليه وبال. فاتاهم امر سماوي نزل على قلوبهم التي هي محل الثبات والصبر او الخور والضعف. فازال الله قوتها وشدتها. واورثها ضعفا وخورا وجبنا. لا حيلة لهم ولا معه فصار ذلك عونا عليهم. ولهذا قال وذلك انهم صالحوا النبي صلى الله عليه وسلم على ان لهما حملة الابل. فنقضوا لذلك كثيرا من سقوفهم التي استحسنوها وسلطوا المؤمنين بسبب بغيهم على اخراب ديارهم وهدم حصونهم. فهم الذي جنوا على انفسهم وصاروا من اكبر عون عليها. اي البصائر النافذة والعقول الكاملة في هذا معتبرا يعرف به صنع الله تعالى في المعاندين للحق. المتبعين لاهوائهم الذين لم تنفعهم عزتهم ولا منعتهم قوتهم ولا حصنتهم حصونهم. حين جاءهم امر الله ووصل اليهم النكال بذنوبهم. والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. فان هذه الاية تدل على الامر بالاعتبار. وهو اعتبار النظير بنظيره. وقياس الشيء على مثله. والتفكر فيما تضمنته الاحكام من المعاني والحكم التي هي محل العقل والفكرة. وبذلك يزداد العقل وتتنور البصيرة ويزداد الايمان. ويحصل الفهم الحقيقي ثم ثم اخبر تعالى ان هؤلاء اليهود لم يصبهم جميع ما يستحقون من العقوبة. وان الله خفف عنهم. فلولا انه كتب عليهم الجلاء الذي اصاب فهم وقضاه عليهم وقدره بقدره. الذي لا يبدل ولا يغير. لكان لهم شأن اخر من عذاب الدنيا ونكالها. ولكنهم وان اتهم العذاب الشديد الدنيوي فان لهم في الاخرة عذاب النار. الذي لا يمكن ان يعلم شدته الا الله تعالى. فلا يخطر ببالهم ان عقوبتهم قد انقضت وفرغت ولم يبق لهم منها بقية. فما اعد الله لهم من العذاب في الاخرة اعظم واطم ومن وذلك لانهم شاقوا الله ورسوله وعادوهما وحاربوهما. وسعوا في معصيتهما. وهذه عادته وسنته في من شاق ما قطعتم من لينة او تركتموها قائمة على اصولها ولما نام بنو النضير رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين في قطع النخيل والاشجار وزعموا ان ذلك من الفساد وتوصلوا بذلك الى الطعن بالمسلمين. اخبر تعالى ان قطع النخيل انقطعوه او ابقائهم اياه ان او انه باذنه تعالى وامره حيث سلطكم على قطع نخلهم وتحريقها ليكون ذلك نكالا لهم وخزيا في الدنيا وذلا يعرف به عجزهم التام. الذي ما قدروا على استنقاذ نخلهم الذي هو مادة قوتهم. واللينة قسم يشمل سائر النخيل على اصح الاحتمالات واولاها. فهذه حال بني النضير. وكيف عاقبهم الله في الدنيا؟ ثم ذكر من انتقلت اليه اموال حالهم وامتعتهم فقال الله على رسوله منهم فما اوجهتم عليه من ولكن الله يسلط رسله على من يشاء آآ والله على كل شيء قدير. وما افاء الله على رسوله منهم اي من اهل هذه القرية وهم بنو النضير فانكم يا معشر المسلمين ما اوجفتم اي اجلبتم واسرعتم وحشدتم عليه من خيل ولا ركاب الم تتعبوا بتحصيلها لا بانفسكم ولا بمواشيكم بل قذف الله في قلوبهم الرعب فاتتكم صفوا عفوا ولهذا قال لكن الله يسلط رسله على من يشاء. والله على كل شيء ومن تمام قدرته انه لا يمتنع منه ممتنع ولا يتعزز من دونه قوي وما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا. واتقوا الله ان الله الله شديد العقاب. وتعريف الفيء في اصطلاح الفقهاء هو ما اخذ من مال الكفار بحق من غير قتال. كهذا ما للذي فروا وتركوه خوفا من المسلمين. وسمي فيئا لانه رجع من الكفار الذين هم غير مستحقين له. الى المسلمين الذين لهم الحق الاوفق وحكمه العام كما ذكره الله في قوله ما افاء الله على رسوله من اهل القرى عموما سواء افاء الله في وقت رسوله او بعده لمن يتولى من بعده امته سبيل. وهذه الاية نظير الاية التي في سورة الانفال. في قوله واعلموا ان ما غنمتم من شيء فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل. فهذا الفيء يقسم خمسة اقسام. خمس لله ولرسوله يصرف في مصالحه المسلمين العامة وخمس لذوي القربى وهم بنو هاشم وبنو المطلب حيث كانوا يسوى فيه بين ذكورهم واناثهم. وانما دخل بنو في خمس الخمس مع بني هاشم ولم يدخل بقية بني عبد مناف. لانهم شاركوا بني هاشم في دخولهم الشعب. حين تعاقدت قريش على هجرهم وعداوتهم فنصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف غيرهم. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في بني عبد المطلب انهم لم يفارقوني في جاهلية ولا اسلام. وخمس لفقراء اليتامى وهم من لا اب له. ولم يبلغ وخمس للمساكين سهم لابناء السبيل وهم الغرباء المنقطع بهم في غير اوطانهم. وانما قدر الله هذا التقدير وحصر الفيء في هؤلاء المعنيين كي لا يكون دولة بين الاغنياء منكم. لكي لا يكون دونه اي مداولة واختصاص بين الاغنياء منكم. فانه لو لم يقدره لتداولته الاغنياء الاقوياء. ولما حصل لغيره من العاجزين منه شيء في ذلك من الفساد ما لا يعلمه الا الله. كما ان في اتباع امر الله وشرعه من المصالح ما لا يدخل تحت الحصر. ولذلك امر الله بالقاعدة الكلية اصل العام فقال وما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا. وهذا شامل لاصول وفروعه ظاهره وباطنه. وان ما جاء به الرسول يتعين على العباد الاخذ به واتباعه. ولا تحل مخالفته. وان نص الرسول على حكم شيء كنص الله تعالى لا رخصة لاحد ولا عذر له في تركه. ولا يجوز تقديم قول احد على قوله. ثم امر بتقواه التي بها عمارة القلوب والارواح والدنيا والاخرة. وبها السعادة الدائمة والفوز العظيم. وباضاعتها الشقاء الابدي والعذاب الصمدي قال واتقوا الله ان الله شديد العقاب. على من ترك التقوى واثر اتباع الهوى للفقراء المهاجرين الذين اخرجوا من ديارهم واموالهم يبتغون فضلا اولئك هم الصادقون. والذين تبوءوا الدار والايمان من قبلهم يحبون من هاجر اليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما اوتوا ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة. ومن يوق شح نفسه فاولئك اولئك هم المفلحون. ثم ذكر تعالى الحكمة والسبب الموجب لجعله تعالى الاموال اموال الفيء لمن قدرها له انهم حققون بالاغاثة مستحقون لان تجعل لهم وانهم ما بين مهاجرين قد هجروا المحبوبات والمألوفات من الديار والاوطان والاحباب والخلان والاموال. رغبة في الله ونصرة لدين الله. ومحبة لرسول الله. فهؤلاء هم الصادقون الذين عملوا بمقتضى ايمانهم اتقوا ايمانهم باعمالهم الصالحة والعبادات الشاقة بخلاف من ادعى الايمان وهو لم يصدقه بالجهاد والهجرة وغيرهما من العبادات وبين وهم الاوس والخزرج الذين امنوا بالله ورسوله طوعة ومحبة واختيارا. واووا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنعوه ومن الاحمر والاسود وتبوأوا دار الهجرة والايمان. حتى صارت موئلا ومرجعا يرجع اليه المؤمنون. ويلجأ اليه المهاجرون. ويسكن المسلمون. اذ كانت البلدان كلها بلدان حرب وشرك وشر. فلم يزل انصار الدين تأوي الى الانصار. حتى انتشر الاسلام وقوي جعل يزيد شيئا فشيئا وينمو قليلا قليلا حتى فتحوا القلوب بالعلم والايمان والقرآن. والبلدان بالسيف والسنان. الذين من جملة اوصافهم الجميلة انهم يحبون من هاجر اليهم. وهذا لمحبتهم لله ولرسوله. احبوا احبابه واحبوا من نصر دينه ولا يجدون في صدورهم حاجة اي لا يحسدون المهاجرين على ما اتاهم الله من فضله وخصهم به من الفضائل والمناقب التي هم اهلها. وهذا يدل على سلامة صدورهم. وانتفاء الغل والحقد والحسد عنها. ويدل ذلك على ان المهاجرين افضل من الانصار. لان الله قدمهم بالذكر. واخبر ان الانصار لا يجدون في صدورهم حاجة مما اوتوا. فدل على ان الله تعالى اتاهم ما لم يؤتي الانصار ولا غيرهم. ولانهم جمعوا بين النصرة والهجرة. وقوله ويؤثرون على اي ومن اوصاف الانصار التي فاقوا بها غيرهم. وتميزوا بها على من سواهم الايثار وهو اكمل انواع الجود. وهو الايثار بمحاب النفس من الاموال وغيرها. وبذلها للغير مع الحاجة اليها. بل مع الضرورة والخصاصة هذا لا يكون الا من خلق ذكي. ومحبة لله تعالى مقدمة على محبة الشهوات النفس ولذاتها. ومن ذلك قصة الانصاري الذي نزلت الاية بسببه حين اثر ضيفه بطعامه وطعام اهله واولاده. وباتوا جياعا. والايثار عكس الاثرة. فالايثار محمود والاثرة مذمومة لانها من خصال البخ والشح. ومن رزق الايثار فقد وقي شح نفسه هم المفلحون. ووقاية شح النفس يشمل وقايتها الشح في جميع ما انزل فانه اذا وقي العبد شح نفسه سمحت نفسه باوامر الله ورسوله. ففعلها طائعا منقادا منشرحا بها صدره. وسمحت نفسه بتركه ما نهى الله عنه. وان كان محبوبا للنفس تدعو اليه وتطلع اليه. وسمحت نفسه ببذل الاموال في سبيل الله وابتغاء مرضاه وبذلك يحصل الفلاح والفوز بخلاف من لم يوق شح نفسه بل ابتلي بالشح بالخير الذي هو اصل الشر ومادته فهذان الفاضلان الزكيان هم الصحابة الكرام والائمة الاعلام. الذين حازوا من السوابق والفضائل والمناقب. ما سبقوا به من بعدهم وادركوا به من قبلهم فصاروا اعيان المؤمنين وسادات المسلمين وقادات المتقين