فلنفي بعض مستحباتها تنعقد العقود وتنفسخ بكل ما دل على ذلك من قول او فعل. المسائل مجمع عليها فتحتاج الى تصور وتصوير والى اقامة الدليل عليها ثم يحكم عليها بعد سبب ويراد بالخاص العام وعكسه مع وجود القرائن الدالة على ذلك. وخطاب الشارع لواحد من الامة او كلامه في قضية جزئية يشمل جميع الامة وجميع الجزئيات الا اذا دل دليل على الخصوص. وفعل صلى الله عليه وسلم الاصل فيه ان امته اسوته في الاحكام الا اذا دل دليل على انه خاص واذا نفى الشارع عبادة او معاملة فهو لفسادها. او نفى بعض ما يلزم فيها فلا تنفى المكتبة السمعية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله رسالة في القواعد الفقهية للشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى. مقدمة المصنف بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله نحمده على ما له من الاسماء الحسنى والصفات الكاملة العليا وعلى احكامه القدرية العامة لكل مكون وموجود. واحكامه الشرعية الشاملة لكل مشروع واحكام الجزاء بالثواب للمحسنين. والعقاب للمجرمين. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له في اسماء والصفات والعبادة والاحكام. واشهد ان محمدا عبده ورسوله الذي بين الحكم والاحكام ووضح الحلال والحرام واصل الاصول وفصلها حتى استتم هذا الدين واستقام. اللهم صل وسلم على محمد وعلى اله واصحابه واتباعه. خصوصا العلماء الاعلام. اما بعد فهذه رسالة لطيفة في اصول الفقه سهلة الالفاظ واضحة المعاني. معينة على تعلم الاحكام لكل متأمل نسأل الله ان ينفع بها جامعها وقارئها انه جواد كريم. تعريف اصول الفقه فصله اصول الفقه هي العلم بادلة الفقه الكلية. وذلك ان الفقه اما مسائل يطلب الحكم عليها احد الاحكام الخمسة واما دلائل يستدل بها على هذه المسائل. فالفقه هو معرفة المسائل والدلائل. وهذه الدلائل نوعان كلية تشمل كل حكم من جنس واحد من اول الفقه الى اخره. كقولنا الامر للوجوب والنهي للتحريم ونحوهما. وهذه هي اصول الفقه. وادلة جزئية تفصيلية تفتقر الى ان تبنى على الادلة الكلية. فاذا تمت حكم على الاحكام بها. فالاحكام مضطرة الى ادلتها التفصيلية والادلة التفصيلية مضطرة الى الادلة الكلية. وبهذا نعرف الضرورة والحاجة الى معرفة اصول الفقه وانها معينة عليك. وهي اساس النظر والاجتهاد في الاحكام. فصل الاحكام التي يدور الفقه عليها خمسة الواجب الذي يثاب فاعله ويعاقب تاركه. والحرام ضده. والمسنون الذي يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه. والمكروه ضده. والمباح مستوي الطرفين. وينقسم الواجب الى فرض عين يطلب فعله من كل مكلف بالغ عاقل. وهو جمهور احكام الشريعة الواجبة. والى فرض كفاية وهو الذي يطلب حصوله وتحصيله من المكلفين لا من كل واحد بعينه. كتعلم العلوم والصناعات النافعة الاذان والامر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحو ذلك. وهذه الاحكام الخمسة تتفاوت تفاوتا كثيرا بحسب حالها ومراتبها واثارها. فما كانت مصلحته خالصة او راجحة امر به الشارع وامر ايجاب او استحباب وما كانت مفسدته خالصة او راجحة نهى عنه الشارع نهي تحريم او كراهة. فهذا الاصل يحب بجميع المأمورات والمنهيات. واما المباحات فان الشارع اباحها واذن فيها. وقد يتوصل بها الى الخير ستلحق بالمأمورات والى الشر فتلحق بالمنهيات. فهذا اصل كبير ان الوسائل لها احكام المقاصد وبه نعلم ان ما لا يتم الواجب الا به فهو واجب. وما لا يتم المسنون الا به فهو مسنون وما يتوقف الحرام عليه فهو حرام. ووسائل المكروه مكروهة. فصل. الادلة التي تمد منها الفقه اربعة. الكتاب والسنة وهما الاصل الذي خوطب به المكلفون. وانبنى دينهم عليه. والاجماع ما اول قياس الصحيح وهما مستندان الى الكتاب والسنة. فالفقه من اوله الى اخره لا يخرج عن هذه الاصول الاربع واكثر الاحكام المهمة تجتمع عليها الادلة الاربعة. تدل عليها نصوص الكتاب والسنة. ويجمع اليها العلماء ويدل عليها القياس الصحيح لما فيها من المنافع والمصالح ان كانت مأمورا بها ومن المضارين ان كانت منهيا عنها. والقليل من الاحكام يتنازع فيه العلماء. واقربهم الى الصواب فيها من احسن الى هذه الاصول الاربعة. فصل في الكتاب والسنة. اما الكتاب فهو هذا القرآن العظيم. كلام رب العالمين نزل به الروح الامين على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين للناس كافة في كل ما يحتاجون اليه من مصالح دينهم ودنياهم. وهو المقروء بالالسنة المكتوب في المصاحف المحفوظ في الصدور. الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من الحميد. واما السنة فهي اقوال النبي صلى الله عليه وسلم وافعاله. وتقريراته على الاقوال والافعال فالاحكام الشرعية تارة تؤخذ من نص الكتاب والسنة. وهو اللفظ الواضح الذي لا يحتمل الا ذلك المعنى وتارة تؤخذ من ظاهرهما. وهو ما دل على ذلك على وجه العموم اللفظي او المعنوي. وتارة تؤخذ من المنطوق وهو ما دل عليه الحكم في محل النطق. وتارة تؤخذ من المفهوم وهو ما دل عليه الحكم بمفهوم موافقة ان كان مساويا للمنطوق او اولى منه او بمفهوم المخالفة. اذا خالف المنطوق في حكمه لكون المنطوق وصف بوصف او شرط فيه شرط اذا تخلف ذلك الوصف او الشر تخلف الحكم والدلالة من الكتاب والسنة ثلاثة اقسام. دلالة مطابقة اذا طبقنا اللفظ على جميع المعنى. ودلالة تضمن اذا استدللنا باللفظ على معنى ودلالة التزام اذا استدللنا بلفظ الكتاب والسنة ومعناهما على ذلك ومتمماته وشروطه. وما لا يتم ذلك المحكوم فيه او المخبر عنه الا به. فصل الاصل في اوامر الكتاب والسنة انها للوجوب. الا اذا دلت دليل على الاستحباب او الاباحة. والاصل في النواة انها للتحريم الا اذا دل الدليل على الكراهة. والاصل في الكلام الحقيقة فلا يعدل به الى المجاز. ان قلنا الا اذا تعذرت الحقيقة. والحقائق ثلاثة شرعية ولغوية وعرفية. فما حكم به الشارع وحده وجب الرجوع فيه الى الحد الشرعي. وما حكم به ولم يحده اكتفاء بظهور معناه اللغوي وجب الرجوع فيه الى اللغة. وما لم يكن له حد في الشرع ولا في اللغة رجع فيه الى عادة الناس وعرفهم وقد يصرح الشارع بارجاع هذه الامور الى العرف. كالامر بالمعروف والمعاشرة بالمعروف ونحوهما. فاحفظ هذه الاصول التي يضطر اليها الفقيه في كل تصرفاته الفقهية. فصل ونصوص الكتاب والسنة منها ها هو عام وهو اللفظ الشامل لاجناس او انواع او افراد كثيرة. وذلك اكثر النصوص ومنها خاص يدل على بعض الاجناس او الانواع او الافراد. فحيث لا تعارض بين العام والخاص عمل بكل منهما. وحيث تعارضهما خص العام بالخاص. ومنها مطلق عن القيود ومقيد بوصف او قيد معتبر فيحمل المطلق على المقيد. ومنها مجمل ومبين. فما اجمله الشارع في موضع وبينه ووضحه في موضع اخر وجب الرجوع فيه الى بيان الشارع. وقد اجمل في القرآن كثير من الاحكام. وبينتها السنة فوجب الرجوع الى بيان الرسول صلى الله عليه وسلم فانه المبين عن الله. ونظير هذا ان منها محكما ومتشابها فيجب ارجاع المتشابه الى المحكم. ومنها ناسخ ومنسوخ. والمنسوخ في الكتاب والسنة قليل فمتى امكن الجمع بين النصين وحمل كل منهما على حال وجب ذلك. ولا يعدل الى النسخ الا بنص من الشارع او تعارض النصين الصحيحين اللذين لا يمكن حمل كل منهما على معنى مناسب فيكون المتأخر ناسخا للمتقدم. فان تعذر معرفة المتقدم والمتأخر رجعنا الى الترجيحات ولهذا اذا تعارض قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله قدم قوله لانه امر او نهي الامة وحمل فعله على الخصوصية له. فخصائص النبي صلى الله عليه وسلم تنبني على هذا الاصل. وكذلك اذا فعل شيئا على وجه العبادة ولم يأمر به فالصحيح انه للاستحباب. وان فعله على وجه العادة الا على الاباحة وما اقره النبي صلى الله عليه وسلم من الاقوال والافعال حكم عليه بالاباحة او غيرها على الوجه الذي اقره فصل. واما الاجماع فهو اتفاق العلماء المجتهدين على حكم حادثة. فمتى قطعنا باجماعهم وجب الرجوع الى اجماعهم ولم تحل مخالفتهم. ولابد ان يكون هذا الاجماع مستندا الى دلالة الكتاب والسنة. واما القياس الصحيح فهو الحاق فرع باصل لعلة تجمع بينهما. فمتى نص الشارع على مسألة ووصفها بوصف او استنبط العلماء انه شرعها لذلك الوصف ثم وجد ذلك الوصف في مسألة اخرى لم ينص الشارع على عينها من غير فرق بينها وبين النصوص وجب الحاقها بها في حكمها لان الشارع حكيم لا يفرق بين المتماثلات في اوصافها كما لا يجمع بين المختلفات. وهذا القياس صحيح هو الميزان الذي انزله الله. وهو متضمن للعدل وما يعرف به العدل. والقياس انما يعدل اليه وحده اذا فقد النص فهو اصل يرجع اليه اذا تعذر غيره. وهو مؤيد للنص فجميع ما نص والفاظ الامور ككل وجميع. والمفرد المضاف والنكرة في سياق النهي او النفي او الاستفهام او الشرط والمعرف الدالة على الجنس او الاستغراق كلها تقتضي العموم. والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص الشارع على حكمه فهو موافق للقياس لا مخالف له. فصل قواعد وضوابط فقهية اخذها الاصوليون من الكتاب والسنة. واخذ الاصوليون من الكتاب والسنة اصولا كثيرة. بنوا عليها احكاما كثيرة جدا ونفعوا وانتفعوا بها. فمنها اليقين لا يزول بالشك. ادخلوا فيه من العبادات والمعاملات والحقوق شيئا كثيرا. فمن حصل له الشك في شيء منها رجع الى الاصل المتيقن. وقالوا الاصل الطهارة في كل شيء. والاصل الاباحة الا ما دل الدليل على نجاسته او تحريمه. والاصل براءة الذمم من واجباتي ومن حقوق الخلق حتى يقوم الدليل على خلاف ذلك. والاصل بقاء ما اشتغلت به الذمم من حقوق الله وحقوق عباده حتى يتيقن البراءة والاداء. ومنها ان المشقة تجلب التيسير. وبنوا على هذا وجميع رخص السفر والتخفيف في العبادات والمعاملات وغيرها. ومنها قولهم لا واجب مع العجز ولا وحرم مع الضرورة. فالشارع لم يوجب علينا ما لا نقدر عليه بالكلية. وما اوجبه من الواجبات فعجز عنه العبد سقط عنه واذا قدر على بعضه وجب عليه ما يقدر عليه وسقط عنه ما يعجز عنه وامثلتها جدا. وكذلك ما احتاج الخلق اليه لم يحرمه عليهم. والخبائث التي حرمها اذا اضطر اليها العبد فلا اثم عليه. فالضرورات تبيح المحظورات الراتبة والمحظورات العارضة. والضرورة تقدر بقدرها تخفيفا للشر. فالضرورة تبيح المحرمات من المآكل والمشارب والملابس وغيرها. ومنها بمقاصدها. فيدخل في ذلك العبادات والمعاملات. وتحريم الحيل المحرمة مأخوذ من هذا الاصل وانصراف الفاظ الكنايات والمحتملات الى السرائح من هذا الاصل. وصورها كثيرة جدا. ومنها دار اعلى المصلحتين ويرتكب اخف المفسدتين عند التزاحم. وعلى هذا الاصل الكبير ينبني مسائل كثيرة وعند التكافؤ فدرء المفاسد اولى من جلب المصالح. ومن ذلك قولهم لا تتم الاحكام الا بوجود شروط شروطها وانتفاء موانئها. وهذا اصل كبير بني عليه من مسائل الاحكام وغيرها شيء كثير. فمتى ما فقد شرط العبادة او المعاملة او ثبوت الحقوق لم تصح ولم تثبت. وكذلك اذا وجد مانعها لم صحة ولن تنفذ. وشروط العبادات والمعاملات كل ما تتوقف صحتها عليها. ويعرف ذلك بالتتبع والاستقراء الشرعي. وباصل التتبع حصر الفقهاء فرائض العبادات وشروطها وواجباتها. وكذلك شروط المعاملات وموانئها. والحصر اثبات الحكم في المذكور ونفيه عما عدا. فيستفاد من حصر الفقهاء شروط الاشياء وامورها ان ما عداها لا يثبت له الحكم المذكور. ومن ذلك قولهم الحكم يدور مع ثبوتا وعدما. فالعلل التامة التي يعلم ان الشارع رتب عليها الاحكام. متى وجدت؟ وجد الحكم ومتى فقدت لم يثبت الحكم. ومن ذلك قولهم الاصل في العبادات الحظر. الا ما ورد عن الشارع تشري والاصل في العادات الاباحة الا ما ورد عن الشارع تحريمه. لان العبادة ما امر به الشارع امر ايجابه او استحباب. فما خرج عن ذلك فليس بعبادة. ولان الله خلق لنا جميع ما على الارض لننتفع بجميع انواع الانتفاعات الا ما حرمه الشارع علينا. ومنها اذا وجدت اسباب العبادات والحقوق ثبتت ووجبت. الا اذا قارنها المانع. ومنها الواجبات تلزم المكلفين. والتكليف يكون بالبلوغ والعقل والاتلافات تجب على المكلفين وغيرهم. فمتى كان الانسان بالغا عاقلا وجبت عليه العبادات التي وجوبها عام. ووجبت عليه العبادات الخاصة اذا اتصف بصفات من وجبت عليهم باسبابهم والناسي والجاهل غير مؤاخذين من جهة الاثم لا من جهة الضمان في المتلفات. فصل قول الصحابي وهو من اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا ومات على الايمان. اذا اشتهر ولم ينكر بل اقره الصحابة عليه فهو اجماع. فان لم يعرف اشتهارك ولم يخالفه غيره فهو حجة على الصحيح. فان خالفت غيره من الصحابة لم يكن حجة. فصل قواعد وضوابط فقهية متنوعة. الامر بالشيء نهي عن ضده والنهي عن الشيء امر بضده. ويقتضي الفساد الا اذا دل الدليل على الصحة. والامر بعد الحظر يرده الى ما كان عليه قبل ذلك. والامر والنهي يقتضيان الفور. ولا يقتضي الامر التكرار الا اذا علق على سبب فيجب ان يستحب عند وجود سببه. والاشياء المخير فيها ان كان للسهولة على المكلف هو تخيير رغبة واختيار. وان كان لمصلحة ما ولي عليه فهو تخيير يجب تعيين ما ترجحت مصلحته والاستدلال وقسم فيها خلاف. فتحتاج مع ذلك الى الجواب عن دليل المنازع. هذا في حق المجتهد مستدل واما المقلد فوظيفته السؤال لاهل العلم. والتقليد قبول قول الغير من غير دليل. فالقادر على الاستدلال عليه الاجتهاد والاستدلال. والعاجز عن ذلك عليه التقليد والسؤال. كما ذكر الله الامرين في قوله وما ارسلنا قبلك الا رجالا نوحي اليهم فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون. والله الله اعلم وصلى الله على محمد رسول الله وعلى اله وصحبه وسلم