بين يديه تعالى ليحكم بينهم بحكمه العدل الذي لا يظلم مثقال ذرة. وان تك حسنة يضاعفها ويؤتي من لدنه اجرا عظيما وجعلنا فيها جنات من نخيل واعناب. وجعلنا فيها جنات على نصح قومه حين سمع ما دعت اليه الرسل وامن به. وعلم ما رد به قومه عليهم. فقال لهم فامرهم باتباعهم ونصحهم على ذلك. وشهد لهم بالرسالة ثم ذكر تأييدا لما شهد به ودعا اليه. فقال المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم فلكم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم. يس والقرون على صراط مستقيم ان زين العزيز الرحيم. هذا قسم من الله تعالى بالقرآن الحكيم. الذي وصفه الحكمة وهي وضع كل شيء وضع الامر والنهي في الموضع اللائق بهما. ووضع الجزاء بالخير والشر في محلهما اللائق بهما. فاحكامه الشرعية والجزائية كلها مشتملة على غاية الحكمة. هذا المقسم عليه وهو رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وانك من جملة المرسلين فلست ببدع من الرسل. وايضا فجئت بما جاء به الرسل من الاصول الدينية. وايضا فمن تأمل قال المرسلين واوصافهم وعرف الفرق بينهم وبين غيرهم عرف انك من خيار المرسلين بما فيك من الصفات الكاملة والاخلاق الفاضلة ولا يخفى ما بين المقسم به وهو القرآن الحكيم. وبين المقسم عليه وهو رسالة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم من الاتصال وانه لو لم يكن لرسالته دليل ولا شاهد الا هذا القرآن الحكيم لكفى به دليلا وشاهدا على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم بل القرآن العظيم اقوى الادلة المتصلة المستمرة على رسالة الرسول. فادلة القرآن كلها ادلة لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم ثم اخبر باعظم اوصاف الرسول صلى الله عليه وسلم الدالة على رسالته وهو انه معتدل موصل الى الله والى دار كرامته. وذلك الصراط المستقيم مشتمل على اعمال وهي الاعمال الصالحة المصلحة للقلب والبدن والدنيا والاخرة. والاخلاق الفاضلة المزكية للنفس المطهرة للقلب المنمية للاجر فهذا الصراط المستقيم الذي هو وصف الرسول صلى الله عليه وسلم ووصف دينه الذي جاء به. فتأمل جلالة هذا القرآن الكريم كيف جمع بين القسم باشرف الاقسام على اجل مقسم عليه؟ وخبر الله وحده كاف ولكنه تعالى اقام من الادلة الواضحة والبراهين الساطعة في هذا الموضع على صحة ما اقسم عليه. من رسالة رسوله ما نبهنا عليه. واشرنا اشارة لطيفة لسلوك طريقه وهذا الصراط المستقيم. فهو الذي انزل به كتابه وانزله طريقا لعباده لهم اليه فحماه بعزته عن التغيير والتبديل. ورحم به عباده رحمة اتصلت بهم. حتى اوصلتهم الى دار رحمته. ولهذا ختم الاية بهذين الاسمين الكريمين العزيز الرحيم. فلما اقسم تعالى على رسالته واقام الادلة عليها ذكر شدة الحاجة اليها واقتضاء الضرورة لها فقال وهم العرب الاميون. الذين لم يزالوا خاليين من الكتب عادمين الرسل. قد عمتهم الجهالة وغمرتهم الضلالة فاضحكوا عليهم وعلى سفههم عقول العالمين. فارسل الله اليهم رسولا من انفسهم يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة. وان من قبل لفي ضلال مبين. فينذر العرب الاميين. ومن لحق بهم من كل امي. ويذكر اهل الكتب بما عندهم من الكتب. فنعم الله به على العرب خصوصا وعلى غيرهم عموما. ولكن هؤلاء الذين بعثت فيهم لانذارهم بعدما انذرتهم انقسموا قسمين قسم رد لي ما جئت به ولم يقبل النذارة وهم الذين قال الله فيهم لا يؤمنون. اي نفذ فيهم القضاء والمشيئة انهم لا يزالون في كفرهم وشركهم. وانما حق عليهم القول بعد ان عرض عليهم الحق فرفضوه فحينئذ عوقبوا بالطبع على قلوبهم. وذكر الموانع من وصول الايمان لقلوبهم. فقال انا جعلنا في اعناقهم اغلالا وهي جمع غل والغل ما يغل به العنق. فهو للعنق بمنزلة القيد للرجل. وهذه الاغلال التي في الاعناق عظيمة قد وصلت الى اذقانهم ورفعت رؤوسهم الى فوق. اي رافعوا رؤوسهم من شدة الغل الذي في اعناقهم فلا يستطيعون ان يخفضوها فاغشيناهم فهم لا يبصرون. وجعلنا من بين ايديهم سدا ومن خلفهم سدا. اي حاجزا يحجزهم عن الايمان قد غمرهم الجهل والشقاء من جميع جوانبهم فلم تفد فيهم النذارة وكيف يؤمن من طبع على قلبه ورأى الحق باطلا والباطل حقا. والقسم الثاني الذين قبلوا النذارة وقد ذكرهم بقوله انما تنذر اي انما تنفع نذارتك. ويتعظ بنصحك من اتبع الذكر ايمن قصده اتباع الحق وما ذكر به. وخشي الرحمن بالغيب. اي من اتصف بهذين الامرين. القصد الحسن في طلب الحق وخشية الله تعالى فهم الذين ينتفعون برسالتك ويزكون بتعليمك وهذا الذي وفق لهذين الامرين فبشره بمغفرة لذنوبه واجر كريم لاعماله الصالحة ونيته الحسنة سنة انا نحن نحيي الموتى اي نبعثهم بعد موتهم لنجازيهم على الاعمال ونكتب ما قدموا من الخير والشر. وهو اعمالهم التي عملوها وباشروها في حال حياتهم. واثارهم وهي اثار الخير واثار الشر التي كانوا هم السبب في ايجادها في حال حياتهم وبعد وفاتهم. وتلك الاعمال التي نشأت من اقوالهم وافعالهم واحوالهم فكل خير عمل به احد من الناس بسبب علم العبد وتعليمه ونصحه او امره بالمعروف او نهيه عن المنكر او علم اودعه عند اليمين او في كتب ينتفع بها في حياته وبعد موته. او عمل خيرا من صلاة او زكاة او صدقة او احسان. فاقتدى به غيره او عمل مسجدا او محلا من المحال التي يرتفق بها الناس. وما اشبه ذلك فانها من اثاره التي تكتب له. وكذلك عمل الشر ولهذا من سن سنة حسنة فله اجرها واجر من عمل بها الى يوم القيامة. ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزرها من عمل بها الى يوم القيامة. وهذا الموضع يبين لك علو مرتبة الدعوة الى الله. والهداية الى سبيله بكل وسيلة وطريق موصل الى ذلك ونزول درجة الداعي الى شر الامام فيه. وانه اسفل الخليقة واشدهم جرما واعظمهم اثما. وكل شيء من الاعمال والنيات وغيرها اي كتاب هو ام الكتب واليه الكتب التي تكون بايدي الملائكة وهو اللوح المحفوظ اي واضرب لهؤلاء المكذبين برسالتك الراضين لدعوتك. مثلا يعتبرون به ويكون لهم موعظة ان وفقوا للخير وذلك المثل اصحاب القرية وما جرى منهم من التكذيب لرسول الله وما جرى عليهم من عقوبته ونكاله وتعيين تلك لو كان فيه فائدة لعينها الله. فالتعرض لذلك وما اشبهه من باب التكلف والتكلم بلا علم. ولهذا اذا تكلم احد في مثله لهذا تجد عنده من الخبط والخلط والاختلاف الذي لا يستقر له قرار. ما تعرف به ان طريق العلم الصحيح الوقوف مع الحقائق. وترك ما لا فائدة فيه. وبذلك تزكوا النفس. ويزيد العلم من حيث يظن الجاهل ان زيادته بذكر الاقوال التي لا دليل عليها. ولا حجة فعليها ولا يحصل منها من الفائدة الا تشويش الذهن واعتياد الامور المشكوك فيها. والشاهد ان هذه القرية جعلها الله مثلا اذ جاءها المرسلون من الله تعالى يأمرونهم بعبادة الله وحده واخلاص الدين له وينهونهم عن الشرك والمعاصي اذ ارسلنا اليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث. اي قويناهما بثالث. فصاروا ثلاثة رسل. اعتناء من الله بهم واقامة للحجة بتوالي الرسل اليهم. فقالوا لهم انا اليكم مرسلون. فاجابوهم بالجواب الذي ما زال مشهورا عند رد دعوة الرسل قالوا ما انتم الا بشر مثلنا. اي فما الذي فضلكم علينا وخصكم من دوننا؟ قالت الرسل ممهم ان نحن الا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده. وما انزل الرحمن من شيء اي انكروا عموم ثم انكروا ايضا المخاطبين لهم فقالوا فقالت هؤلاء الرسل الثلاثة ربنا يعلم انا اليكم لمرسلون. فلو كنا كاذبين لاظهر الله خزينا ولبادرنا بالعقوبة اي البلاغ المبين الذي يحصل به توضيح الامور المطلوب بيانها. وما عدا هذا من ايات الاقتراح ومن سرعة العذاب فليس الينا وانما وظيفتنا التي هي البلاغ المبين قمنا بها وبيناها لكم فان اهتديتم فهو حظكم وتوفيقكم وان ظللتم فليس لنا من الامر شيء. فقال اصحاب القرية لرسولهم خيرنا بكم لان لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب اليم. ان سيرنا بكم اي لم نر على قدومكم علينا واتصالكم بنا الا الشر. وهذا من اعجب العجائب. ان يجعل من قدم عليهم باجل نعمة ينعم الله بها بها على العباد واجل كرامة يكرمهم بها وضرورتهم اليها فوق كل ضرورة. قد قدم بحالة شر. زادت على الشر الذي هم عليه واستشأموا بها ولكن الخذلان وعدم التوفيق يصنع بصاحبه اعظم مما يصنع به عدوه. ثم توعدوهم فقالوا لئن لم تنتهوا لنرجمنكم لنقتلنكم ردما بالحجارة اشنع القتلات؟ فقالت لهم رسلهم قالوا طائر معكم. اان ذكرتم بل انتم قوم مسرفون طائركم معكم وهو ما معهم من الشرك والشر. المقتضي لوقوع المكروه والنقمة وارتفاع المحبوب والنعمة ان ذكرتم اي بسبب انا ذكرناكم ما فيه صلاحكم وحظكم. قلتم لنا ما قلتم متجاوزون للحد متجرهمون في قولكم فلم يزدهم دعاؤهم الا نفورا واستكبارا. وجاء من المدينة رجل يسعى قال يا قومي اتبعوا المرسلين. وجاء من اقصى المدينة رجل يسعى حرصا اتبعوا من لا يسألكم اجرا اي اتبعوا من نصحكم نصحا يعود اليكم بالخير وليس يريد منكم اموالكم ولا اجرا على نصحه لكم وارشاده اياكم. فهذا موجب لاتباع من هذا وصفه ان يقال فلعله يدعو ولا يأخذ اجرة ولكنه ليس على الحق فدفع هذا الاحتراز بقوله لا يدعون الا لما يشهد العقل الصحيح بحسنه. ولا ينهون الا بما يشهد العقل الصحيح بقبحه. فكأن قومه لم يقبلوا نصحه. بل عادوا لا له على اتباع الرسل واخلاص الدين لله وحده فقال وما لي لا اعبد الذي فطرني واليه ترجعون ايها ما المانع لي من عبادة من هو المستحق للعبادة؟ لانه الذي فطرني وخلقني ورزقني واليه مآل جميع الخلق فيجازيهم باعمالهم. فالذي بيده الخلق والرزق والحكم بين العباد في الدنيا والاخرة. هو الذي يستحق ان يعبد ويثنى عليه ويمجد دون من لا يملك نفعا ولا ضرا ولا عطاء ولا منعا ولا حياة ولا موتا ولا نشورا. ولهذا قال لانه لا احد يشفع عند الله الا باذنه. فلا تغني شفاعتهم عني شيئا ولا هم ينقذوني من الضر الذي ارادهم الله بي اني اذا اي ان عبدت الهة هذا وصفها. فجمع في هذا الكلام بين والشهادة للرسل بالرسالة والاهتداء والاخبار بتعين عبادة الله وحده. وذكر الادلة عليها وان عبادة غيره باطلة وذكر البراهين عليها والاخبار بضلال من عبدها. والاعلان بايمانه جهرا. مع خوفه الشديد من قتلهم. فقال فقتله قومه لما سمعوا منه وراجعهم بما راجعهم به فقيل له في الحال. ادخل الجنة. فقال مخبرا بما وصل اليه من الكرامة على توحيده واخلاصه. وناصحا لقومه بعد وفاته. كما نصح لهم في حياته. يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين بما غفر لي ربي اي باي شيء غفر لي فازال عني انواع العقوبات. بانواع المثوبات والمسرات اي لو وصل علم ذلك الى قلوبهم لم يقيموا على شركهم. قال الله في عقوبة قومه اي ما احتجنا ان نتكلف في عقوبتهم فننزل جندا من السماء لاتلافهم لعدم الحاجة الى ذلك وعظمة اقتدار الله تعالى وشدة ضعف بني ادم وانهم ادنى شيء من عذاب الله يكفيهم ان كانت اي كانت عقوبتهم الا صيحة واحدة. اي صوتا واحدا تكلم به بعض ملائكة الله قد تقطعت قلوبهم في اجوافهم وانزعجوا لتلك الصيحة فاصبحوا خامدين لا صوت ولا حركة ولا حياة بعد ذلك العتو الاستكبار ومقابلة اشرف الخلق بذلك الكلام القبيح. وتجبرهم عليهم. يا حسرة على العباد اي ما اعظم شقاءهم وابطل عناءهم واشد حيث كانوا بهذه الصفة القبيحة التي هي سبب لكل شقاء وعذاب ونكاد يقول تعالى الامير هؤلاء ويعتبروا بمن قبلهم من القرون المكذبة. التي اهلكها الله تعالى واوقع بها عقابها. وان جميع قد باد وهلك فلم يرجع الى الدنيا ولن يرجع اليها. وسيعيد الله الجميع خلقا جديدا. ويبعثهم بعد موتهم. ويحضرون ليأكلوا من ثمنه وما عملت سبحان الذي خلق الازواج كلها مما تنبت الارض اي واية لهم على البعث والنشور والقيام بين يدي الله تعالى للجزاء على الاعمال هذه الارض الميتة انزل الله عليها المطر فاحياها بعد موتها من جميع اصناف الزروع. ومن جميع اصناف النبات التي تأكله انعامهم. وجعلنا فيها اي في تلك الارض ميتة جنات اي بساتين فيها اشجار كثيرة وخصوصا النخيل والاعناب اللذان هما اشرف الاشجار وفجرنا فيها اي في الارض من العيون جعلنا في الارض تلك الاشجار والنخيل والاعناب ليأكلوا من ثمره قوتا وفاكهة ادمن ولذة والحال ان تلك الثمار ما عملته ايديهم. وليس لهم فيه صنع ولا عمل. ان هو الا صنعة احكم الحاكمين. وخير وايضا فلم تعمله ايديهم بطبخ ولا غيره. بل اوجد الله هذه الثمار غير محتاجة لطبخ ولا شيء. تؤخذ من اشجارها فتؤكل في الحال. افلا يشكرون من ساق لهم هذه النعم؟ واسبغ عليهم من جوده واحسانه. ما به تصلح امور دينهم ودنياهم. اليس الذي احيا الارض بعد موتها؟ فانبت فيها الزروع والاشجار. واودع فيها لذيذ الثمار. واظهر ذلك من تلك الغصون وفجر الارض اليابسة الميتة بالعيون. بقادر على ان يحيي الموتى. بل انه على كل شيء قدير سبحان الذي خلق الازواج كلها اي الاصناف كلها مما تنبت الارض. فنوع فيها من الاصناف ما يعصر تعداده. ومن انفسهم تنوعهم الى ذكر وانثى وفاوت بين خلقهم وخلقهم واوصافهم الظاهرة والباطنة. ومما لا يعلمون من المخلوقات التي قد خلقت وغابت عن علمنا والتي لم تخلق بعد. فسبحانه وتعالى ان يكون له شريك او ظهير. او عويل او وزير او صاحبة او ولد او سمي او شبيه او مثيل في صفات كماله ونعوت جلاله. او يعجزه شيء يريده. واية لهم الليل نسلخ اي واية لهم على نفوذ مشيئة الله وكمال اقتداره. واحيائه موتى بعد موتهم الليل نسلخ منه النهار. اي نزيل الضياء العظيم الذي طبق الارض. فنبدله بالظلمة ونحلها محله وكذلك نزيل هذه الظلمة التي عمتهم وشملتهم فتطلع الشمس فتضيء الاقطار وينتشر الخلق لمعاشهم ومصالحهم. ولهذا قال والشمس تجري لمستقر لها. اي دائما تجري لمستقر لها. قدره الله لها لا تتعداه ولا تقصر عن وليس لها تصرف في نفسها ولا استعصاء على قدرة الله تعالى. ذلك تقدير العزيز الذي بعزته دبر هذه المخلوقات العظيمة باكمل تدبير واحسن نظام. العليم الذي بعلمه جعلها مصالح لعباده. ومنافع في دينهم ودنياهم حتى عاد كالعرجون القديم. والقمر قدرناه منازل ينزل بها كل ليلة ينزل منها واحدة حتى يصغروا جدا فيعود. اي عرجون النخلة الذي من قدمه نش وصغر حجمه وانحنى ثم بعد ذلك ما زال يزيد شيئا فشيئا حتى يتم نوره ويتسق ضياؤه. وكل من الشمس والقمر الليل والنهار قدره الله تقديرا لا يتعداه. وكل له سلطان ووقت. اذا وجد عدم الاخر. ولهذا قال وكل لا الشمس ينبغي لها ان تدرك القمر اي في سلطانه الذي هو الليل فلا يمكن ان توجد الشمس في الليل فيدخل عليه قبل انقضاء سلطانه. وكل من الشمس والنجوم وكل في فلك اي يترددون على الدوام. فكل هذا دليل ظاهر وبرهان باهر. على عظمة الخالق وعظمة اوصافه. خصوصا وصف القدرة والحكمة والعلم في هذا الموضع. واية له اي ودليل لهم وبرهان على ان الله وحده المعبود لانه انعم بالنعم الصارف للنقم. الذي من جملة نعمه انا حملنا ذريتهم. قال كثير من المفسرين المراد بذلك ابائهم وخلقنا لهم من مثله ما يركبون. وخلقنا لهم اي للموجودين من بعدهم من مثل اي من مثل ذلك الفلك اي جنسه ما يركبون به. فذكر نعمتهم على الاباء بحملهم في السفن. لان النعمة عليهم على الذرية وهذا الموضع من اشكل المواضع علي في التفسير. فانما ذكره كثير من المفسرين من ان المراد بالذرية الاباء مما لا يعهد في القرآن اطلاق الذرية على الاباء. بل فيها من الايهام واخراج الكلام عن موضوعه. ما يأباه كلام رب العالمين. وارادته والتوضيح لعباده. وثم احتمال احسن من هذا. وهو ان المراد بالذرية الجنس. وانهم هم بانفسهم. لانهم هم من ذرية بني ادم ولكن ينقض هذا المعنى قوله وخلقنا لهم من مثله ما يركبون. ان اريد واخلقنا من مثل ذلك الفلك اي لهؤلاء مخاطبين ما يركبون من انواع الفلك فيكون ذلك تكريرا للمعنى. تأباه فصاحة القرآن. فان اريد بقوله وخلقنا لهم من مثل ما يركبون الابل التي هي سفن البر استقام المعنى واتضح. الا انه يبقى ايضا ان يكون الكلام فيه تشويش انه لو اريد هذا المعنى لقال واية لهم انا حملناهم في الفلك المشحون وخلقنا لهم من مثله ما يركبون. فاما ان يقول في الاول وحملنا ذريتهم وفي الثاني حملناهم فانه لا يظهر المعنى. الا ان يقال الضمير عائد الى الذرية. والله اعلم حقيقة الحال فلما وصلت في الكتابة الى هذا الموضع ظهر لي معنى ليس ببعيد من مراد الله تعالى. وذلك ان من عرف جلالة كتاب الله وبيانه التام من كل وجه للامور الحاضرة والماضية والمستقبلة. وانه يذكر من كل معنى اعلاه واكمل ما يكون من احواله كانت الفلك من اياته تعالى ونعمه على عباده. من حين انعم عليهم بتعلمها الى يوم القيامة. ولم تزل موجودة في كل زمان الى زمان المواجهين بالقرآن فلما خاطبهم الله تعالى بالقرآن وذكر حالة الفلك وعلم تعالى انه سيكون اعظم ايات الفلك في غير وقتهم وفي غير زمانهم حين يعلمهم صنعة الفلك البحرية الشراعية منها والنارية والجوية السابحة في الجو كالطيور ونحوها والمراكب البرية مما كانت الاية العظمى فيه لم توجد الا في الذرية. نبه في الكتاب على اعلى نوع من انواع اياتها فقال واية لهم انا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون اي المملوء ركبانا وامتعة فحملهم الله تعالى ونجاهم بالاسباب التي علمهم الله بها من الغرق. ولهذا نبههم على نعمته عليهم حيث انجاهم مع قدرته على ذلك فقال نغرقهم فلا صريخ لهم. اي لا احد يصرخ لهم فيعاونهم على الشدة. ولا يزيل عنهم المشقة. ولا هم ينقذون مما هم فيه الا رحمة منا ومتاعا الى حين. حيث لم نغرقهم لطفا بهم وتمتيعا لهم الى حين لعلهم يرجعون. او يستدركون ما فرط منهم واذا قيل لهم اتقوا ما بين ايديكم وما خلفكم اي من احوال البرزخ والقيامة وما في الدنيا من العقوبات لعلكم ترحمون. اعرضوا عن ذلك فلم يرفعوا به رأسا. ولو جاءتهم كل اية. ولهذا قال وما وفي اضافة الايات الى ربهم دليل على كمالها ووضوحها. لانهما ابين من اية من ايات الله ولا اعظم بيانا. وان من جملة تربية الله لعباده ان اوصل اليهم الايات التي يستدلون بها على ما ينفعهم في دينهم ودنياهم. واذا قيل لهم انفقوا من ما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين امنوا انطعم من لو يشاء واذا قيل لهم انفقوا مما رزقكم الله اي من الرزق الذي من الله به عليكم. ولو شاء لسلبكم اياه. قال الذين كفروا للذين امنوا. معارضين للحق. محتجين بالمشيئة ونطعم من لو يشاء الله وطعامه ان انتم ايها المؤمنون الا في ضلال مبين. حيث تأمروننا بذلك. وهذا مما يدل على جهلهم العظيم. او تجاهلهم وخيم فان المشيئة ليست حجة لعاص ابدا. فانه وان كان ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. فانه تعالى مكن العباد واعطاه من القوة ما يقدرون على فعل الامر واجتناب النهي. فاذا تركوا ما امروا به كان ذلك اختيارا منهم. لا جبرا لهم وقهرا ويقولون متى هذا الوعد ان كنتم صادقين. ويقولون على وجه التكذيب والاستعجال قال الله تعالى لا يستبعد ذلك فانه عن قريب ما ينظرون الا صيحة واحدة وهي نفخة تأخذهم اي تصيبهم وهم يخصمون. اي وهم لاهون عنها لم تخطر على قلوبهم في حال خصومتهم تشاجرهم بينهم الذي لا يوجد في الغالب الا وقت الغفلة. واذا اخذتهم وقت غفلتهم فانهم لا ينظرون ولا يمهلون يستطيعون توصية ولا الى اهلهم يرجعون. فلا يستطيعون توصية اي لا قليل ولا كثيرا. ولا الى اهلهم يرجعون ونفخ في الصور فاذا هم من الاجدا النفخة الاولى هي نفخة الفزع والموت. وهذه نفخة البعث والنشور فاذا نفخ في الصور خرجوا من الاجداث والقبور ينسلون الى ربهم اي يسرعون للحضور بين يديه لا يتمكنون من التأخر والتأني وفي تلك الحال يحزن المكذبون ويظهرون الحسرة والندم ويقولون يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا اي من رقدتنا في القبور. لانه ورد في بعض الاحاديث ان لاهل القبور رقدة قبيل النفخ في الصور. فيجابون فيقال لهم هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون. اي هذا الذي وعدكم الله به ووعدتكم به الرسل. فظهر صدقهم يا عين ولا تحسب ان ذكر الرحمن في هذا الموضع لمجرد الخبر عن وعده. وانما ذلك للاخبار بانه في ذلك اليوم العظيم. سيرون رحمته ما لا يخطر على الظنون ولا حسب به الحاسدون. كقوله الملك يومئذ الحق للرحمن. وخشعت الاصوات للرحمن ونحو ذلك مما يذكر اسمه الرحمن في هذا ان كانت البعثة من القبور الا صيحة واحدة ينفخ فيها اسرافيل في فتحي الاجساد. الاولون والاخرون والانس والجن ليحاسبوا على اعمالهم فاليوم لا تظلم نفس شيئا لا ينقص من حسناتها. ولا يزاد في سيئاتها يجزون الا ما كنتم تعملون. من خير او شر. فمن وجد خيرا فليحمد الله على ذلك. ومن وجد غير ذلك فلا يلومن الا نفسه لما ذكر تعالى ان كل احد لا يجازى الا ما عمله. ذكر جزاء الفريقين فبدأ بجزاء اهل الجنة. واخبر انهم في ذلك اليوم اي في شغل مفكه للنفس. ملذ لها من كل ما تهواه النفوس وتلذذ العيون ويتمناه المتمنون. ومن ذلك افتضاض العذار الجميلات. كما قال هم وازواجهم من الحور العين التي قد جمعنا حسن الوجوه والابدان وحسن الاخلاق. في ظلال على الارائك اي على السرور المزينة باللباس المزخرف الحسن. متكئون اي ما هذا الذي جاء به الا ذكر يتذكر به اولو الالباب؟ جميع المطالب الدينية فهو مشتمل عليها تم اشتمال وهو يذكر العقول ما ركز الله في فطرها من الامر بكل حسن والنهي عن كل قبيح عليها اتكاء على كمال الراحة والطمأنينة واللذة لهم فيها فاكهة كثيرة. من جميع انواع الثمار اللذيذة من عنب وتين ورمان وغيرها اي يطلبون. فمهما طلبوه وتمنوه ادركوه ولهم ايضا سلام حاصل لهم من رب رحيم. ففي هذا كلام الرب تعالى لاهل الجنة وسلامه عليهم واكده بقوله قولا واذا سلم عليهما الرب الرحيم حصلت لهم السلامة التامة من جميع الوجوه وحصلت لهم التحية التي لا تحية اعلى منها ولا نعيم مثلها. فما ظنك بتحية ملك الملوك؟ الرب العظيم الرؤوف الرحيم. لاهل دار كرامته الذي احل عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم ابدا. فلولا ان الله تعالى قدر الا يموتوا او تزول قلوبهم عن اماكنها من الفرح والبذل والسرور لحصل ذلك. فنرجو ربنا الا يحرمنا ذلك النعيم. وان يمتعنا بالنظر الى وجهه الكريم لما ذكر تعالى جزاء المتقين ذكر جزاء المجرمين وانهم يقال لهم يوم القيامة امتازوا اليوم ايها المجرمون. اي تميزوا عن المؤمنين. وكونوا على حدة ليوبخهم ويقرعهم على رؤوس الاشهاد قبل ان يدخلهم النار فيقول لهم يا بني ادم الا تعبدوا الم اعهد اليكم اي امركم واوصيكم على السنة رسلي. واقول لكم يا بني ادم لا تعبدوا الشيطان. اي لا تطيعوه وهذا التوبيخ يدخل فيه التوبيخ عن جميع انواع الكفر والمعاصي. لانها كلها طاعة للشيطان وعبادة له لكم عدو مبين وان اعبدوني. فحذرتكم منه غاية التحذير وانذرتكم عن طاعته واخبرتكم بما يدعوكم اليه. وامرتكم ان اعبدوني بامتثال اوامري وترك زواجري. هذا صراط مستقيم هذا اي عبادتي وطاعتي. ومعصية الشيطان صراط مستقيم. فعلوم الصراط المستقيم واعماله الى هذين الامرين اي فلم تحفظوا عهدي ولم تعملوا بوصيتي فواليتم عدوكم افلم تكونوا تعقلون. اضل منكم جبلا كثيرا اي خلقا كثيرا. اي فلا كان لكم عقل يأمركم بموالاة ربكم ووليكم الحق. ويزدركم عن اتخاذ اعدى الاعداء لكم وليا. فلو كان لكم عقل صحيح لما فعلتم ذلك. فاذ اطعتم الشيطان وعاديتم الرحمن. وكذبتم وردتم القيامة دار الجزاء وحق عليكم القول بالعذاب وتكذبون بها فانظروا اليها عيانا. فهناك تنزعج منهم القلوب وتزوغ الابصار ويحصل الفزع الاكبر ثم يكمل ذلك بان يؤمر بهم الى النار. ويقال لهم بما كنتم تكفرون ايدخلوها على وجه تصلاكم. ويحيط بكم حرها ويبلغ منكم كل مبلغ. بسبب كفيكم بايات الله وتكذيبكم لرسل الله قال الله تعالى في بيان وصفهم الفظيع في دار الشقاء ثم تكلمنا ايدينا وتكلمنا ايديهم وتشهد ارجلهم ايديهم وتشهد ارجلهم بما كانوا يكسبون. اليوم نختم على بان نجعلهم خرسا فلا يتكلمون. فلا يقدرون على انكار ما عملوه من الكفر والتكذيب اي تشهد عليهم اعضاؤهم بما عملوه وينطقها الذي انطق كل شيء انا يبصرون. ولو نشاء لطمسنا على اعينهم بان نذهب ابصارهم كما طمسنا على نطقهم. فاستبقوا الصراط اي فبادروا اليه لانه الطريق الى الوصول الى الجنة. وقد طمست ابصارهم لمسخناهم على مكانتهم فنستطاعوا مضيا ولا يرجعون ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم. اي لاذهبنا حركتهم فما استطاعوا مضيا الى الامام سيرجعون الى ورائهم ليبعدوا عن النار. والمعنى ان هؤلاء الكفار حقت عليهم كلمة العذاب ولم يكن بد من عقابهم وفي ذلك الموطن ما ثم الا النار قد برزت. وليس لاحد نجاة الا بالعبور على الصراط. وهذا لا يستطيعه الا اهل الايمان. الذي حين يمشون في نورهم. واما هؤلاء فليس لهم عند الله عهد في النجاة من النار. فان شاء طمس اعينهم وابقى حركتهم. فلم يهتدوا الى الصراط لو استبقوا اليه وبادروه وان شاء اذهب حراكهم فلم يستطيعوا التقدم ولا التأخر. المقصود انهم لا يعبرونه فلا تحصل لهم النجاة. يقول تعالى ومن نعمره من بني ادم نكسوا في الخلق ان يعودوا الى الحالة التي ابتدأ حالة الضعف. ضعف العقل وضعف القوة. افلا يعقلون ان الادمي ناقص من كل وجه يتدارك قوتهم وعقولهم فيستعملونها في طاعة ربهم ينزه تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم عما رماه به المشركون. من انه شاعر وان الذي جاء به شعر فقال وما علمناه الشعر وما ينبغي له ان يكون شاعرا اي هذا من جنس المحال ان يكون شاعرا لانه رشيد مهتد والشعراء غاوون يتبعهم الغاوون. ولان الله تعالى حسم جميع الشبه التي يتعلق بها ضالون على رسوله فحسم ان يكون يكتب او يقرأ واخبر انه ما علمه الشعر وما ينبغي له اي مبين لما يطلب بيانه. ولهذا حذف المعمول ليدل على انه مبين لجميع الحق. بادلته التفصيلية والاجمالية والباطل وادلة بطلانه. انزله الله كذلك على رسوله قال الكافرين. لينذر من كان حيا اي حي القلب واعية. فهو الذي يزكو على هذا القرآن وهو الذي يزداد من العلم منه ويكون القرآن لقلبه بمنزلة المطر للارض الطيبة الزاكية. لانهم قامت عليهم به حجة الله وانقطع احتجاجهم فلم يبق لهم ادنى عذر وشبهة يدلون بها ما عملت ايدينا انعاما فهم لها مالكون. ودللناها لهم فمنها ركوبهم افلا يشكرون يأمر تعالى العباد بالنظر الى ما سخر لهم من الانعام وذللها وجعلهم مالكين لها مطاوعة لهم في كل امر يريدونه منها. وانه جعل لهم فيها منافع كثيرة من حملهم وحمل اثقالهم ومحاملهم. وامتعتهم من محل الى محل. ومن اكلهم منها وفيها دفء. ومن اوبارها واصوافها اثاثا ومتاعا الى حين. وفيها زينة وجمال وغير ذلك من المنافع المشاهدة منها. افلا يشكرون الله تعالى على الذي انعم بهذه النعم ويخلصون له العبادة ولا يتمتعون بها تمتعا خاليا من العبرة والفكرة بسم الله الهة لعلهم ينصرون. لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند هذا بيان لبطلان الهة المشركين. التي اتخذوها مع الله تعالى. ورجو نصرها وشفعها. فانها في غاية العجز لا يستطيعون نصرهم ولا انفسهم ينصرون. فاذا كانوا لا يستطيعون نصرهم فكيف ينصرونهم؟ والنصر له شرطان الطاعة والارادة فاذا استطاع يبقى هل يريد نصرة من عبده ام لا؟ فنفي الاستطاعة ينفي الامرين كليهما لهم جند محضرون. اي محضرون هم وهم في العذاب. ومتبرئ بعضهم من بعض. افلا تبرأوا في الدنيا من عبادة هؤلاء اولى واخلصوا العبادة للذي بيده الملك والنفع والضر. والعطاء والمنع وهو الولي النصير انا نعلم ما يسرون وما يعلنون. اي فلا يحزنك يا ايها الرسول قول المكذبين. والمراد قول ما دل عليه السياق كل قول يقدحون فيه في الرسول او فيما جاء به. اي فلا تشغل قلبك بالحزن عليهم لا نعلم ما يسرون وما يعلنون. فنجازيهم على حسب علمنا بهم. والا فقولهم لا يضرك شيئا هذه الايات الكريمات فيها ذكر شبهة منكري البعث. والجواب عنها باتم جواب واحسنه واوضحه. فقال تعالى او لم يرى الانسان منكر للبعث والشاك فيه امرا يفيده اليقين التام بوقوعه. وهو ابتداء خلقه من نطفة ثم تنقله في الاطوار شيئا فشيئا حتى كبر وشب وتم عقله واستتب. بعد ان كان ابتداء خلقه من نطفة ينظر التفاوت بين هاتين الحالتين وليعلم ان الذي انشأه من العدم قادر على ان يعيده بعدما تفرق وتمزق من باب اولى وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم. وضرب لنا مثلا لا ينبغي لاحد ان يضربه. وهو قياس قدرة الخالق بقدرة المخلوق. وان الامر المستبعد على قدرة المخلوق. مستبعد على قدرة الخالق قلق فسر هذا المثل بقوله. قال ذلك الانسان من يحيي العظام وهي رميم اي هل احد يحييها استفهام انكار؟ اي لا احد يحييها بعدما بليت وتلاشت هذا وجه الشبهة والمثل وهو ان هذا امر في غاية البعد على ما يعهد من قدرة البشر. وهذا القول الذي صدر من هذا الانسان غفلة منه ونسيان لابتداء خلقه فلو فطن لخلقه بعد ان لم يكن شيئا مذكورا فوجد عيانا لم يظرب هذا المثل. فاجاب تعالى عن هذا الاستبعاد بجواب شاف كاف فقال قل يحييها الذي انشأها اول مرة. وهذا بمجرد تصوره يعلم به علما يقينا لا شبهة فيه. ان الذي انشأها اول مرة قادر على الاعادة ثاني مرة. وهو اهون على القدرة اذا تصوره المتصور. هذا ايضا دليل ثان من صفات الله تعالى. وهو ان علمه تعالى محيط بجميع مخلوقاته في جميع احوالها. في جميع الاوقات. ويعلم ما تنقص ارض من اجساد الاموات وما يبقى. ويعلم الغيب والشهادة. فاذا اقر العبد بهذا العلم العظيم. علم انه اعظم واجل من احياء الله الموت من قبورهم ثم ذكر دليلا ثالثا فاذا اخرج النار اليابسة من الشجر الاخضر. الذي هو في غاية الرطوبة مع تضاده وشدة تخالفهما فاخراجه الموتى من قبورهم مثل ذلك. ثم ذكر دليلا رابعا فقال اوليس الذي خلق السماوات والارض بقادر على ان يخلق مثلهم بلى. بلا وهو الخلق بلى وهو الخلاق العليم. اوليس الذي خلق السماوات والارض على سعتهما وعظمهما بقادر على ان يخلق مثلهم. اي ان يعيدهم باعيانهم. بلى قادر على ذلك. فان خلق السماوات والارض اكبر من خلق الناس. وهذا دليل خامس فانه تعالى الخلاق الذي جميع المخلوقات متقدمها ومتأخرها صغيرها وكبيرها كلها اثر من اثار خلقه وقدرته وانه لا يستعصي عليه مخلوق اراد خلقه فاعادته للاموات فرد من افراد اثار خلقه. ولهذا قال انما امره اذا اراد شيئا نكرة في سياق الشرط فتعم كل شيء. كن فيكون. اي في الحال من غير تمام فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء واليه ترجعون. فسبحان سبحان الذي بيده ملكوت كل شيء. وهذا دليل سادس فانه تعالى هو الملك المالك لكل شيء. الذي جميع ما سكن في العالم العلوي ملك له وعبيد مسخرون ومدبرون. يتصرف فيهم باقداره الحكمية واحكامه الشرعية واحكامه الجزائية فاعادته اياهم بعد موتهم لينفذ فيهم حكم الجزاء من تمام ملكه. ولهذا قال من غير افتراء ولا شك لتواتر البراهين القاطعة والادلة الساطعة على ذلك. فتبارك الذي جعل في كلامه الهدى الهدى والشفاء والنور