المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم. يا ايها الذين امنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم هم اولياء تلقون اليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون تصلون اليهم بالمودة وانا اعلم بما اخفيتم وما اعلنتم. وما ذكر كثير من المفسرين رحمهم الله ان سبب نزول هذه الايات الكريمات في قصة حاطب بن ابي بلتعة حين غزى النبي صلى الله عليه وسلم غزوة الفتح فكتب حاطب الى قريش يخبرهم بمسير رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهم. ليتخذ بذلك يدا عندهم. لا شكا ونفاقا ارسله مع امرأة فاخبر النبي صلى الله عليه وسلم بشأنه فارسل الى المرأة قبل وصولها واخذ منها الكتاب وعاتبها فاعتذر رضي الله عنه بعذر قبله النبي صلى الله عليه وسلم. وهذه الايات فيها النهي الشديد عن موالاة الكفار من المشركين وغيرهم والقاء المودة اليهم. وان ذلك مناف للايمان. ومخالف لملة ابراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام ناقض للعقل الذي يوجب الحذر كل الحذر من العدو. الذي لا يبقي من مجهوده في العداوة شيئا. وينتهز الفرصة في ايصال الضرر الى عدوك فقال تعالى يا ايها الذين امنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم اولياء تلقون اليهم يا ايها الذين امنوا اعملوا بمقتضى ايمانكم من ولاية من قام بالايمان ومعاداة من عاداه فانه عدو لله وعدو للمؤمنين. فلا تتخذوا عدو الله وعدوكم اولى تلقون اليهم بالمودة. اي تسارعون في مودتهم وفي السعي باسبابها. فان المودة اذا حصلت تبعتها النصرة قال فخرج العبد من الايمان وصار من جملة اهل الكفران. وانفصل عن اهل الايمان. وهذا المتخذ للكافر وليا. عادم ايضا فانه كيف يوالي اعداء اعدائه الذي لا يريد له الا الشر. ويخالف ربه ووليه الذي يريد به الخير. ويأمره به ويحثه عليه. ومما يدعو المؤمن ايضا الى معاداة الكفار. انهم قد كفروا بما جاء المؤمنين من الحق. ولا اعظم من هذه مخالفة والمشاقة. فانهم قد كفروا باصل دينكم. وزعموا انكم ضلال على غير هدى. والحال انهم كفروا بالحق الذي لا شك فيه ولا مرية ومن رد الحق فمحال ان يوجد له دليل او حجة تدل على صحة قوله. بل مجرد العلم بالحق يدل على بطلان قول رده وفساده يخرجون الرسول واياكم ان تؤمنوا بالله ربكم ان كنتم خرجتم جهادا ومن عداوتهم البليغة انهم يخرجون الرسول واياكم ايها المؤمنون من دياركم ويشردونكم من اوطانكم ولا ذنب لكم في ذلك عندهم. الا انكم تؤمنون بالله ربكم الذي يتعين على الخلق كلهم القيام بعبوديته. لانه رباهم وانعم عليهم بالنعم الظاهرة والباطنة. وهو الله تعالى. فلما اعرضوا عنها هذا الامر الذي هو اوجب الواجبات. وقمتم به عادوكم واخرجوكم من اجله من دياركم. فاي دين واي مروءة وعقل يبقى مع العبد اذا والى الكفار الذين هذا وصفهم في كل زمان او مكان ولا يمنعهم منه الا خوف او مانع قوي كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وافتراء مرضاتي. اي ان كان خروجكم مقصودكم به الجهاد في سبيل الله لاعلاء كلمة الله وابتغاء مرضات الله. فاعملوا بمقتضى هذا من موالاة اولياء الله ومعاداة اعدائه. فان ان هذا هو الجهاد في سبيله. وهو من اعظم ما يتقرب به المتقربون الى ربهم. ويبتغون به رضاه. تصلون اليهم اي كيف تسرون المودة للكافرين وتخفونها؟ مع ان الله عالم بما تخفون وما تعلنون. فهو وان خفي على المؤمنين فلا يخفى على الله تعالى. وسيجازي العباد بما يعلمه منك من الخير والشر. ومن يفعله منكم اي موالاة الكافرين بعدما حذركم الله منها فقد ضل سواء السبيل. لانه سلك مسلكا مخالفا للشرع وللعقل والمروءة الانسانية ثم بين تعالى شدة عداوتهم تهييجا للمؤمنين على عداوتهم وودوا لو تكفرون. ان يثقفوكم ان يجدوكم وتسنح لهم الفرصة في اذاكم. يكون لكم اعداء ظاهرين ويبسط اليكم ايديهم بالقتل والضرب ونحو ذلك. والسنتهم بالسوء اي بالقول الذي يسوء من شتم وغيره. وود لو تكفرون. فان هذا غاية ما يريدون منكم يوم القيامة يفصل بينكم ما الله بما تعملون بصير. فان احتج حججتم وقلتم نوالي الكفار لاجل القرابة والاموال. فلن تغني عنكم اموالكم ولا اولادكم من الله شيئا. والله بما تعملون دون بصير. فلذلك حذركم من موالاة الكافرين الذين تضركم موالاتهم والذين معه اذ قالوا لقومهم انا اذ قالوا لقومهم انا ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغاء ابدا حتى تؤمنوا بالله وحده الا قول ابراهيم لابيه لاستغفار لك وما املك لك من الله من شيء. ربنا عليك توكلنا واليك انا بالنا واليك قد كان لكم يا معشر المؤمنين اسوة حسنة اي قدوة صالحة وائتمام ينفعكم في ابراهيم والذين معه من المؤمنين. لانكم قد امرتم ان تتبعوا ملة ابراهيم حنيفا. اذ قالوا لقومهم انا برآء اي اذ تبرأ ابراهيم عليه السلام معه من المؤمنين من قومهم المشركين ومما يعبدون من دون الله. ثم صرحوا بعداوتهم غاية التصريح. فقالوا كفرنا ما بكم وبدأ اي ظهر وبان بيننا وبينكم العداوة والبغضاء. اي البغض بالقلوب وزوال مودتها والعداوة الابدان وليس لتلك العداوة والبغضاء وقت ولا حد. بل ذلك ابدا ما دمتم مستمرين على كفركم. حتى تؤمنوا اهي واحدة اي فاذا امنتم بالله وحده زالت العداوة والبغضاء وانقلبت مودة وولاية فلكم ايها المؤمنون اسوة حسنة في إبراهيم ومن معه في القيام بالايمان والتوحيد والقيام بلوازم ذلك ومقتضياته وفي كل شيء تعبدوا به لله وحده الا في خصلة واحدة. وهي قول ابراهيم لابيه ازر المشرك الكافر المعاند. حين دعاه الى الايمان والتوحيد فامتنع نعم فقال ابراهيم لاستغفرن لك. والحال اني لا املك لك من الله من شيء. لكني ادعو ربي عسى ان لا اكون دعاء ربي شقيا. فليس لكم ان تقتدوا بابراهيم في هذه الحالة التي دعا بها للمشرك. فليس لكم ان تدعوا للمشركين وتقولوا ان في ذلك متبعون لملة ابراهيم. فان الله ذكر عذر ابراهيم في ذلك بقوله. وما كان استغفار ابراهيم لابيه الا عن موعدته وعدها اياه. فلما تبين له انه عدو لله تبرأ منه. ان ابراهيم لاواه حليم. ولكم اسوة حسنة في ومن معه حين دعوا الله وتوكلوا عليه وانابوا اليه واعترفوا بالعجز والتقصير. فقالوا ربنا عليك توكلنا اي اعتمدنا عليك في جلب ما ينفعنا ودفع ما يضرنا ووثقنا بك يا ربنا في ذلك. واليك انبنا اي رجعنا الى طاعتك ومرضاتك. وجميع ما يقرب اليك فنحن في ذلك ساعون وبفعل الخيرات مجتهدون. ونعلم انا اليك نصير. فنستعد للقدوم عليك ونعمل ما يقربنا الزور اليك ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا انك انت العزيز الحكيم. ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا. اي لا سلطهم علينا بذنوبنا فيفتنونا ويمنعونا مما يقدرون عليه من امور الايمان. ويفتنون ايضا بانفسهم فانهم اذا رأوا لهم الغلبة ظنوا انهم على الحق وان على الباطل فازدادوا كفرا وطغيانا انت العزيز الحكيم. واغفر لنا ما اقترفنا من الذنوب والسيئات. وما قصرنا به من المأمورات. ربنا انك انت العزيز القاهر لكل شيء. الحكيم الذي يضع الاشياء مواضعها. فبعزتك وحكمتك انصرنا على اعدائنا واغفر لنا ذنوبنا واصلح عيوبنا. ثم كرر الحث لهم على الاقتداء بهم. فقال لقد كان لكم فيهم اسوة حسنة لمن كان يرجو الله لمن كان يرجو الله واليوم الاخر لقد كان لكم في فيهم اسوة حسنة. وليس كل احد تسهل عليه هذه الاسوة. وانما تسهل على من كان يرجو الله واليوم الاخر. فان الايمان واحتساب الاجر والثواب يسهل على العبد كل عسير. ويقلل لديه كل كثير. ويوجب له الاكثار من الاقتداء بعباد الله الصالحين. والامن الانبياء والمرسلين فانه يرى نفسه مفتقرا ومضطرا الى ذلك غاية الاضطرار ومن يتولى عن طاعة الله والتأسي برسول الله فلن يضر الا نفسه ولا يضر الله شيئا فان الله هو الغني. الذي له الغنى التام المطلق من جميع الوجوه. فلا يحتاج الى احد من خلقه بوجه الحميد في ذاته واسمائه وصفاته وافعاله. فانه محمود على ذلك كله ان الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم. ثم اخبرت على ان هذه العداوة التي امر الله بها المؤمنين للمشركين. ووصفهم بالقيام بها انهم ما داموا على شركهم وكفرهم. وانهم ان الى الايمان فان الحكم يدور مع علته. فان المودة الايمانية ترجع. فلا تيأسوا ايها المؤمنون من رجوعهم الى الايمان. فعسى الله ان يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة. سببها رجوعهم الى الايمان. والله قدير على كل شيء. ومن ذلك هداية القلوب وتقليبها من حال الى حال. والله غفور رحيم. لا يتعاظمه ذنب ان يغفره. ولا يكبر عليه عيب ان يستره قل يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله. ان الله يغفر الذنوب جميعا. انه هو الغفور الرحيم. وفي هذا هذه الاية اشارة وبشارة الى اسلام بعض المشركين. الذين كانوا اذ ذاك اعداء للمؤمنين. وقد وقع ذلك ولله الحمد منة ولما نزلت هذه الايات الكريمات المهيجة على عداوة الكافرين. وقعت من المؤمنين كل موقع. وقاموا بها اتم القيام وتأثموا من صلة بعض اقاربهم المشركين. وظنوا ان ذلك داخل فيما نهى الله عنه. فاخبرهم الله ان ذلك لا يدخل في المحرم فقط قال تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين. اي لا ينهاكم الله عن البر والصلة المكافأة بالمعروف والقسط للمشركين من اقاربكم وغيرهم. حيث كانوا بحال لم ينتصبوا لقتالكم في الدين والاخراج من دياركم فليس عليكم جناح ان تصلوهم فان صلتهم في هذه الحالة لا محظور فيها ولا مفسدة. كما قال تعالى عن الابوين المشركين اذا كان ولدهما مسلما. وان جاهداك على ان تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما. وصاحبهما في الدنيا معروفا انما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين واخرجوكم من دياركم اخراجكم ان تولوهم. ومن يتولهم فاولئك هم الظالمون. انما ينهاكم الله عن للذين قاتلوكم في الدين اي لاجل دينكم عداوة لدين الله ولمن قام به. واخرجوكم من دياركم وظاهروا اي عاونوا غيرهم على اخراجكم نهاكم الله ان تولوهم بالمودة والنصرة بالقول والفعل واما بركم واحسانكم الذي ليس بتول للمشركين فلم ينهكم الله عنه. بل ذلك داخل في عموم الامر بالاحسان الى الاقارب وغيرهم من الادميين وغيرهم ان يتولهم فاولئك هم الظالمون. وذلك الظلم يكون بحسب التولي. فان كان توليا تاما صار ذلك كفرا مخرجا عن دائرة الاسلام. وتحت ذلك من المراتب ما هو غليظ. وما هو دون ذلك