فتعصوا رسولكم فتكونوا كفرعون حين ارسل الله اليه موسى بن عمران فدعاه الى الله وامره بالتوحيد فلم يصدقه بل عصاه. فاخذه الله اخذا وبيلا اي شديدا بليغا السماء منفطر به كان وعد المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم المزمل المتغطي بثيابه كالمدثر. وهذا الوصف حصل من رسول الله صلى الله عليه وسلم. حين اكرمه الله برسالته وابتدأه بانزال وحيه بارسال جبريل اليه. فرأى امرا لم يرى مثله. ولا يقدر على الثبات له الا المرسلون كن فاعتراه في ابتداء ذلك انزعاج حين رأى جبريل عليه السلام فاتى الى اهله فقال زملوني زملوني وهو ترعد فرائسه ثم جاءه جبريل فقال اقرأ فقال ما انا بقارئ فغطه حتى بلغ منه الجهد وهو يعالجه على القراءة فقرأ صلى الله عليه وسلم ثم القى الله عليه الثبات وتابع عليه الوحي حتى بلغ مبلغا ما بلغه احد من المرسلين فسبحان الله ما اعظم التفاوت بين ابتداء نبوته ونهايتها. ولهذا خاطبه الله بهذا الوصف الذي وجد منه في اول امره فامره هنا بالعبادات المتعلقة به. ثم امره بالصبر على اذية اعدائه. ثم امره بالصدع بامره واعلان دعوتهم الى الله فامره هنا باشرف العبادات وهي الصلاة وباكد الاوقات وافضلها وهو قيام الليل من رحمته تعالى انه لم يأمره بقيام الليل كله بل قال ثم قدر ذلك فقال او انقص من اي من النصف قليلا بان يكون الثلث ونحوه. او زد عليه اي على النصف. فيكون الثلثين ونحوها فان ترتيل القرآن به يحصل التدبر والتفكر وتحريك القلوب به والتعبد باياته والتهيؤ والاستعداد التام له فانه قال انا سنلقي عليك قولا سقيلا اي نوحي اليك هذا القرآن الثقيل اي العظيمة معانيه الجليلة اوصافه. وما كان بهذا الوصف حقيق ان يتهيأ له ويرتل ويتفكر فيما يشتمل عليه. ثم ذكر الحكمة في امره بقيام الليل. فقال هي اشد وطئا واقوم قيلا. ان ناشئة الليل اي الصلاة فيه بعد النوم هي اشد وطئا واقوم قيلا اي اقرب الى تحصيل مقصود القرآن. يتواطأ على القرآن القلب واللسان. وتقل الشواغل. ويفهم ما يقول ويستقيم له امره وهذا بخلاف النهار فانه لا يحصل به هذا المقصود. ولهذا قال اي ترددا على حوائجك ومعاشك. يوجب اشتغال القلب وعدم تفرغه التفرغ التام واذكر اسم ربك وتبتل اليه تبتيلا. واذكر اسم ربك شامل لانواع الذكر كلها اي انقطع الى الله تعالى فان الانقطاع الى الله والانابة اليه هو الانفصال قالوا بالقلب عن الخلائق والاتصاف بمحبة الله. وكل ما يقرب اليه ويدني من رضاه لا اله الا هو فاتخذه وكيلا. رب المشرق والمغرب. وهذا اسم جنس يشمل المشارق والمغارب كلها. فهو تعالى رب المشارق والمغارب. وما يكون فيها من الانوار. وما هي مصلحة له من العالم العلوي والسفلي. فهو رب كل شيء وخالقه ومدركه لا اله الا هو اي لا معبود الا وجهه الاعلى. الذي يستحق ان يخص بالمحبة والتعظيم. والاجلال والتكريم لهذا قال اي حافظا ومدبرا لامورك كلها فلما امره الله بالصلاة خصوصا وبذكر عموما. وذلك يحصل للعبد ملكة قوية في تحمل الاثقال وفعل الثقيل من الاعمال. امره بالصبر على ما يقول فيه المعاندون له ويسبونه. ويسبون ما جاء به. وان على امر الله لا يصده عنه صاد ولا يرده راد وان يهجرهم هدرا جميلا وهو الهجر حيث اقتضت المصلحة الهجر الذي لا فيه فيقابلهم بالهجر والاعراض عنهم وعن اقوالهم التي تؤذيه وامره بجدالهم بالتي هي احسن وذرني والمكذبين اي اتركني واياهم منهم وان امهلتهم فلا اهملهم. وقوله اولي النعمة اي اصحاب النعمة والغنى الذين الله عليهم من رزقه وامدهم من فضله كما قال تعالى كلا ان الانسان ليطغى ان رآه استغنى ثم وعدهم بما عنده من العقاب فقال اي ان عندنا انكالا اي عذابا شديدا جعلناه تنكيلا للذي لا يزال مستمرا على الذنوب وجحيما اي نارا حامية. وطعاما ذا غصة وذلك لمرارته وبشاعته. وكراهة طعمه وريحه. الخبيث وعذابا اليما. اي موجعا مفظعا. وذلك يوم ترجف الارض والجبال من الهول العظيم. وكانت الجبال الراسية الصم الصلاب كثيبا مهيلا. اي بمنزلة الرمل المنهال المنتثر. ثم انها تبس بعد ذلك فتكون كالهباء المنثور انا ارسلنا اليكم رسولا شاهدا عليكم كما ارسلنا اليك يقول تعالى احمدوا ربكم على ارساله لهذا النبي الامي العربي البشير النذير. الشاهد على الامة باعمالهم واشكروه وقوموا بهذه النعمة الجليلة. واياكم ان اي فكيف يحصل لكم الفكاك والنجاة من يوم القيامة؟ اليوم المهيل امره العظيم قدره. الذي يشيب الولدان وتذوب له الجمادات العظام. فتتفطر به السماء وتنتثر به نجومها آآ اي لابد من وقوعه. ولا حائل دونه. ان هذه تذكرة الى ربه سبيلا. اي ان هذه الموعظة التي نبأ الله بها من احوال يوم القيامة واهواله. تذكرة بها المتقون وينزجر بها المؤمنون طريقا موصلا اليه وذلك باتباع شرعه. فانه قد ابانه كل البيان واوضحه غاية الايضاح. وفي هذا دليل على ان الله تعالى اقدر العبادة على افعالهم ومكنهم منها. لا كما يقوله الجبرية ان افعالهم تقع بغير مشيئتهم. فان هذا خلاف العقل والنقل والله يقدر الليل والنهار علم ان لن تحصوه فتاب عنه علم ان سيكون منكم تقرأ ما تيسر منه واقيموا الصلاة واتوا الزكاة واقرضوا الله قرضا حسنا وما واستغفروا الله ان الله غفور رحيم ذكر الله في اول هذه السورة انه امر رسوله بقيام نصف الليل او ثلثه او ثلثيه. والاصل ان امته اسوة له في الاحكام وذكر في هذا الموضع انه امتثل ذلك هو وطائفة معه من المؤمنين. ولما كان تحرير الوقت المأمور به مشقة على اخبر انه سهل عليهم في ذلك غاية التسهيل. فقال والله يقدر الليل والنهار. اي يعلم مقاديرهما فيمضي منهما ويبقى علم ان لن تحصوه. اي لن تعرفوا مقداره من غير زيادة ولا نقص. لكون ذلك يستدعي انتباها وعناء زائدا اي فخفف عنكم وامركم بما تيسر عليكم. سواء زاد على المقدر او نقص. فاقرأوا ما تيسر من القرآن اي مما تعرفونه مما لا يشق عليكم. ولهذا كان المصلي بالليل مأمورا بالصلاة ما دام نشيطا. فاذا فتر او كسل او نعس فليسترح لاتي الصلاة بطمأنينة وراحة. ثم ذكر بعض الاسباب المناسبة للتخفيف. فقال علم ان سيكون منكم مرضى يشق صلاة ثلثي الليل او نصفه او ثلثه. فليصلي المريض المتسهل عليه ولا يكون ايضا مأمورا بالصلاة قائما عند مشقة ذلك لو شقت عليه الصلاة النافلة فله تركها وله اجر ما كان يعمل صحيحا اي وعلم ان منكم مسافرين يسافرون للتجارة ليستغنوا عن الخلق ويتكففوا عن الناس. اي المسافر حاله تناسب التخفيف. ولهذا خفف عنه في صلاة الفرض فابيح له جمع الصلاتين في وقت واحد وقصر الصلاة الرباعية وكذلك اخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرأوا ما تيسر منه. فذكر تعالى تخفيفين تخفيفا للصحيح المقيم معي فيه نشاطه من غير ان يكلف عليه تحرير الوقت. بل يتحرى الصلاة الفاضلة وهي ثلث الليل بعد نصفه الاول. وتخفيفا للمريض او المسافر سواء كان سفره للتجارة او لعبادة من قتال او جهاد او حج او عمرة ونحو ذلك فانه ايضا يراعي ما الا يكلفه فلله الحمد والثناء الذي ما جعل على الامة في الدين من حرج. بل سهل شرعه وراعى احوال عباده ومصالح دينه دنياهم وابدانهم ثم امر العباد بعبادتين هما ام العبادات وعمادها. اقامة الصلاة التي لا يستقيم الدين الا بها وايتاء الزكاة التي هي برهان الايمان. وبها تحصل المواساة للفقراء والمساكين. ولهذا قال واقيموا الصلاة باركانها وشروطها ومكملاتها. اي خالصا لوجه الله من نية صادقة وتثبيتا من النفس ومال طيب. ويدخل في هذا الصدقة الواجبة والمستحبة. ثم حث على عموم الخير وافعاله قال الحسنة بعشر امثالها الى سبعمائة ضعف الى اضعاف كثيرة. وليعلم ان مثقال ذرة من الخير في هذه الدار. يقابله اضعاف اضعاف الدنيا. وما عليها في دار النعيم المقيم من اللذات والشهوات. وان الخير والبر في هذه الدنيا مادة الخير والبر في دار القرار. وبذره واصله فواسفاه على اوقات مضت في الغفلات. وهو حسرتاه على ازمان تقضت بغير الاعمال الصالحات. وواغوثاه من قلوب لم يؤثر فيها وعظ بارئها. ولم ينجح فيها تشويق من هو ارحم بها منها. فلك اللهم الحمد واليك المشتكى بك المستغاث ولا حول ولا قوة الا بك. واستغفروا الله ان الله غفور رحيم وفي الامر بالاستغفار بعد الحث على افعال الطاعة والخير فائدة كبيرة. وذلك ان العبد ما يخلو من التقصير فيما امر به. اما الا يفعله اصلا او يفعله على وجه الناقص. فامر بترقيع ذلك بالاستغفار. فان العبد يذنب اناء الليل والنهار. فمتى لم يتغمده الله برحمته ومغفرته فانه هالك