المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله كتاب الاشربة قال الشيخ السعدي رحمه الله في تعليقاته قوله كتاب الاشربة لما ذكر الاطعمة واستكمل انواعها اتبعها بذكر الاشربة وتقدم ان بعضهم يفرد الاشربة وبعضهم يذكرها مع الاطعمة لانها منها والاصل في الاشربة الحل كالاطعمة ولو كانت لذيذة جدا والمحرم منها ثلاثة اشياء احدها النجس فيحرم لنجاسته الثاني الخبيث في حرم لخبثه الثالث الخمر وهو الذي يزيل العقل بالسكر والنشوة التي تترتب عليه الثالث والثمانون والثلاثمائة الحديث الاول عن ابن عمر رضي الله عنهما ان عمر قال على منبر رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم اما بعد ايها الناس انه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير والخمر ما خامر العقل ثلاث وجدت ان رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم كان عهد الينا فيهن عهدا ننتهي اليه الجد والكلالة وابواب من ابواب الربا رواه البخاري ومسلم قال الشيخ السعدي رحمه الله في تعليقاته وقوله في حديث ابن عمر ان عمر قال على منبر رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم اي بمحضر جملة من الصحابة فاقروه على ذلك فكان اجماعا سكوتيا منهم فانهم لو لم يوافقوه على ما قال لانكروا عليه وقوله اما بعد ايها الناس انه نزل تحريم الخمر وهي خمسة اي ان المستعمل حين نزول التحريم هذه الخمسة فيعمها التحريم خلافا للكوفيين حيث قالوا لا يحرم الا نبيذ العسل ولكنهم محجوجون بادلة كثيرة جدا ولم يحدث الخلاف في هذه المسألة الا اخيرا وكأن عمر رضي الله عنه الهم ذلك حيث خطب الناس واخبرهم بذلك مع انهم لم يختلفوا فيها فانه رضي الله عنه كان محدثا ملهما ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم ان في الامم قبلكم محدثون فان كان من امتي محدث فهو عمر بن الخطاب او كما قال عليه السلام وقوله من العنب والتمر والعسل فهذه الثلاثة من الحلويات والحنطة والشعير فهذان من الحبوب ثم لما ظن انه يتوهم بعض الناس ان الخمر لا يكون الا من هذه الخمسة قال والخمر ما خامر العقل اي غطاه ومن ذلك تسمية الخمار لانه يتغطى به اي فكلما غطى العقل وحصل به سكر ونشوة فهو حرام قليلا كان او كثيرا ولهذا ورد ما اسكر قليله وفي رواية الفرق منه فملئ الكف منه حرام وتقدم في الحدود ان الله تعالى رتب حد الخمر حفظا للعقول والحد يترتب على شرب المسكر سواء سكر ام لا فكيف يرضى العاقل بذهاب عقله الذي هو الفارق بينه وبين البهائم فاذا سكر الانسان والعياذ بالله لم يبالي بما فعل من القتل والزنا وربما بال على نفسه او قتل نفسه وانما رتب الشارع العقوبة على شرب الخمر لان في النفس داعيا الى ذلك واما شرب الاشياء النجسة غير الخمر فلم يرتب عليها حدا لان الوازع الطبعي يمنع عن ذلك وهذه قاعدة في الاشياء المحرمة فما في النفس وازع الى فعله منها حذر الشارع عنه ورتب عليه العقوبة وما في النفس وازع طبعي يحث على تركه حذر الشارع منه ولم يرتب عليه العقوبة ثم قال رضي الله عنه ثلاث وددت ان رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم كان عهد الينا فيهن عهدا ننتهي اليه اي ثلاث مسائل خفي حكمها عليه رضي الله عنه والظاهر انه توفي وهي مشكلة عليه وتمنى ان الرسول صلى الله عليه وعلى اله وسلم نص عليها نصا صريحا وينبغي ان يعلم ان رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم قد بين هذه الثلاثة كغيرها من مسائل الدين فلم يمت صلى الله عليه وعلى اله وسلم حتى بين جميع ما يحتاج اليه الناس من اصول الدين وفروعه هذا مما لا يرتاب فيه مؤمن ولكن قد يخفى على بعض الامة شيء ويكون علمه عند غيره كما خفيت هذه المسائل على عمر وفي هذا فضل عمر رضي الله عنه حيث لم يدع علم ما لم يعلم وهكذا ينبغي للعالم اذا سئل عما لا يعلم ان يتوقف ويخبر انه لا يعلم ذلك وهذا من غزارة العلم وحسن توفيق العالم ثم بين هذه الثلاثة فقال الجد اي ميراث الجد مع الاخوة لغير ام فقد اختلف فيه الصحابة فمن بعدهم فذهب بعضهم الى التشريك وجعله كاخ منهم على ما بسطوه في كتب الفقه في باب الجد مع الاخوة وهذا مذهب زيد ابن ثابت وبه اخذ مالك والشافعي وهو المشهور من مذهب احمد رحمهم الله تعالى ودليلهم على ذلك القياس لا غير قالوا فان الجد مدل بالاب والاخوة كذلك فاستووا في القرب من الميت وذهب بعضهم الى ان الجد كالاب يسقط الاخوة وهذا مذهب ابي بكر الصديق وهو مذهب ابي حنيفة ورواية عن احمد اختارها كثير من اصحابه منهم ابن عقيل وابو حفص وشيخ الاسلام وتلاميذه ودليلهم الكتاب والقياس وتناقض القول الاخر فان الله تعالى سمى الجد ابا في مواضع كثيرة من القرآن وجعله كالاب عند فقده في الميراث وهذا مقتضى القياس فكما ان ابن لابنك لابن مع عدمه بالاتفاق فكذلك ابو الاب اب ولا فرق بينهما ولان القول الاخر متناقض من وجوه كثيرة كما يظهر ذلك لمن تأمله وتتبع مسائله ولا يمكنهم ايضا طرد قياسهم فانه لو وجد ابو الجد وابن الاخ ورث ابو الجد وسقط ابن الاخ بالاتفاق مع انهما استويا في القرب من الاب واذا كان القياس منتقضا في بعض المسائل دل على ضعفه وهذا القول هو الصحيح بلا شك واما الاخوة للام فيحجبهم الجد بالاتفاق وقوله والكلالة هذه مما اشكل على عمر ولهذا سأل عنها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال له تكفيك اية الصيف اي الاية التي نزلت في الصيف وهي اخر اية في سورة النساء اي تأملها تعلم ما هي الكلالة وقد بانت لابي بكر رضي الله عنه وفسرها واتفق الناس بعد ذلك على تفسيره فقال هي من لا ولد له ولا والد فقوله تعالى وان كان رجل يورث كلالة او امرأة وله اخ او اخت اي من ام كما في قراءة بعض الصحابة يدل على ان الاخوة للام لا يرثون بوجود الاب او الجد وان علا ولا بوجود الابن او البنت او الابن لابن او بنت لابن وان نزل وقوله وابواب من ابواب الربا اي مسائل من مسائل الربا ولم يبينها فلهذا تخرصها العلماء بعده فهذا عمر رضي الله عنه مع علمه العظيم حق انه لم يكن في الامة بعد ابي بكر اعلم منه ولما توفي قال بعض الصحابة احسب انه ذهب تسعة اعشار العلم اي ان مع عمر تسعة اعشاره ومع من بعده عشرة ومع ذلك خفيت عليه هذه المسائل ولم تزل مشكلة عليه حتى مات رضي الله عنه وهكذا تكون مسائل العلم فانها تخفى على بعض الامة ويعلمها بعضهم فيخفى على هؤلاء شيء ويعلمه غيرهم والله اعلم