المتوفى عام سبع وعشرين ومئتين. قال اخبرنا محمد بن فظل وهو محمد ابن الفضل ابن غزوان توفي عام خمس وتسعين ومئة. قال حدثنا يحيى بن سعيد وهو يحيى بن سعيد الانصاري بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. قال الامام البخاري يرحمه الله تعالى باب صوم رمضان احتسابا من الايمان الحديث الثامن والثلاثون قال الامام البخاري حدثنا ابن سلام وهو محمد ابن سلام ابن فرج ان يحيى ابن سعيد ابن قيس الانصاري المتوفى عام اربع واربعين وهي. عن ابي سلمة وهو ابو سلمة ابن عبد الرحمن ابن المتوفى عام اربع وتسعين. عن ابي هريرة وهو الصحابي الجليل ابو هريرة. توفي عام تسع وخمسين. قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صام رمضان ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه هذا الحديث من الاحاديث العظيمة وهو من الاحاديث المهمة جدا وفيه من الفوائد والعوائد الشيء الكثير. وقبل ان نبدأ هذا نتحدث عن مقولة رمضان انها مشروعة صوم رمضان او صيام رمضان قال صباري في كتاب له اسمه شأن الدعاء العاشرة بعد المئة. قال وهنا حرف يروى عن مجاهد انا مرتاب بصحته ابدا. وهو ما يروى عنه من قوله لا يقولن احدكم جاء رمظان وذهب رمظان فلعله اسم من اسماء الله هكذا ساق الخطابي هذا الاثر عن مجاهد ابن جابر المكي. ثم ذكر سنده الى مجاهد. وقال بعده هذا شيء لا اعرف له وجها بحال وانا ارغب عنه ولا اقول به. طبعا هذا الامر ذكره بعض الفقهاء وذهبوا الى عدم مشروعية المقول رمضان من نقول شهر رمضان. وقد البحت المح البخاري في صحيحه ونكس على ضعف هذا فقال باب يقال رمظان وذكر جملة الاحاديث منها من صام رمظان ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه. الراجح ان انه يحق لنا ان نقول رمضان وان الاثر المذكور عن المجاهد اثر ضعيف وروي الى النحو عن ابي هريرة وهو لا يصح. الايمان ايها الاخوة له اثر في تحصين الامة من كل شهر من كل شهر. والايمان له اعمال ومنها صيام في شهر رمضان وفي الحديث قوله ايمانا اي تصديقا بانه حق وطاعة. وان الله فرض عليه الصيام واما قوله صلى الله عليه وسلم واحتسابا اي طلبا لمرضاة الله تعالى وثوابه. اي احتسابا للاجر لا بقصد رؤية الناس ولا غير ذلك مما يخالف الاخلاص. والاحتساب من الحسب وهو العدل كالاعتداد من العد وانما قيل لمن ينوي بعمله وجه الله احتسبه لان له حينئذ ان يعتد اعمله في حساب حسناته عند الله. فجعل في حال مباشرة الفعل كأنه حاسب اياه فواضعه ومع حسناتي حيث انه حاسب هذه الاعمال وواضعها مع حسناته. وقوله عليه الصلاة والسلام من صام رمضان ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه. وثمة حديث اخر اثر موقوف عن عمر بن الخطاب في هذا بمعنى مهم جدا يقول عمر يا ايها الناس احتسبوا اعمالكم فان من احتسب عمله كتب له اجر اجر عمله واجر حسبته. مثل نحن حينما نطالع النعم ونتفكر فيها. في مطالعتها اجر وفي حكمها اجر فالانسان لما يعمل العمل ويحتسب الاجر له اجر الاحتساب وله اجر العمل وهذا باب من الفضل واسع. وقوله من صام رمضان بنصبه على الظرفية اي فيه بان صامه كله عند القدرة عليه. او بعضه عند عجزه ونيته الصوم لولا العجز. ايمانا اي تصديقا بانه فرض عليه حق وانه من اركان الاسلام ومما وعد الله عليه من الاجر والثواب. ونصبه على انه مفعول لاجله. اي لاجل الايمان بالله ورسوله والايمان بما جاء به في فضل رمضان والامر بصيامه اي الحامل له على ذلك. والداعي اليه هو الايمان بالله. او مما ورد في فضله وفرضية صومه. ويصلح ان يكون نصبه على الحال بان يكون المصدر بمعنى اسم الفاعل اي مؤمنا يعني مصدقا بانه حق وطاعة. او مصدقا لما ورد فضله. وفي هذا الحديث ايها الاخوة من البلاغة والفصاحة وحسن العبارة الشيء العظيم. فقوله صلى الله عليه وسلم من صام رمضان ترجع الى اختيار الكلمات التي تؤدي المراد بدقة وشمول. وعلى سبيل التحقيق وعبر النبي صلى الله عليه وسلم به من دون غيرها لافادة التشريف والتلميع. لانها وضعت في لغة العرب للعقلاء البالغين المكلفين على العكس من ما فهي لغير العقلاء لذلك وجب الصيام الانسان المكلف من بين المخلوقات فقد خاطب الله تعالى المؤمنين بفرضية الصيام وكذلك لافادة والعموم لان من تشمل الرجل والمرأة والراعي والرعية. فهي تستوعب كل المكلفين من بني ادم وكذلك لافادة الالتزام والالزام على سبيل الحكم والفرضية. فهي يستوجب فعلها وهو من صام رمضان. يستوجب فعلها وهو من صام رمظان جوابا الشر وجزاءه وهو غفر له ما تقدم من ذنبه. وكذلك تجد بلاغة التصوير الفني في اختيار كلمتين صوم رمضان للدلالة على ان شهر رمضان المعظم دون غيره هو المفضل من بين الشهور بالصيام اي صيام الفريضة فقد ميزه الله تعالى بهذه الفضائل من بين غيره من الشهور. منها الصيام ونزول القرآن قال تعالى شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان. فمن شهد فمنكم الشهر فليقمه. اما التصوير البلاغي في قوله من صام رمضان ايمانا. فقد عبر النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام رمضان وقيده بالايمان. ليشكل صورة ادبية بليغة في واحدة تجمع بين حروف منتقاة في حرفي اللين وهما الالف والياء. فلم يجتمع فيها من حروف والجهر للدلالة على ان الصيام لا يقبل من الكافر مطلقا ولا يثاب عليه. ايها الاخوة ان الاساس في قبول الاعمال هو الايمان بالله ورسوله والطاعة لهما. قال تعالى من يطع الرسول قد اطاع الله ولم يخاطب الله تعالى الناس ولا الكفار بل قال يا ايها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون. اما بلاغة التصوير الازلي في قوله صلى الله احتسابا اي من صام رمضان ايمانا واحتسابا فهي ترجع الى اختيار هذه الصيغة في حروفها ومبانيها فتتلقاها الاذن وتستقبلها فتستوعبها النفس وعيا وعمقا. كما ان معاني الكلمة تدل على الكتاب والتقدير والزقة والاخلاص والعدل. ولا تأتي فيها معاني العبثية ولا الانانية ولا الذاتية ولا الرياء والمظهر. وتدل على ان الصيام يكون لحساب المرء عند الله ابتغاء مرضاته وطلب حسناته وجزائه لذلك كانت النتيجة في جواب الشر غفر له ما تقدم من ذنبه. كما ان ما اسلوب الشرط؟ التوازن والتآلف الايقاعي بين جملتي فعلي الشرط والجواب. ليثير انتباه القارئ ويحرك عواطفه ومشاعره. وما يكمن به من عمق شعوري فتستجر معاني الحديث. وقيمه الخلقية في اعماق النفس ايمانا وتصديقا واخلاصا ابتغاء مرضاة الله عز وجل. اما القيم الخلقية والتشريعية في الحديث. فاولا صيام رمظان فريضة على العاقل البالغ المكلف من المؤمنين. ثانيا صيام رمضان الذي يغفر الذنوب يقتصر على المؤمن لان الصدق في الصيام والاخلاص فيه يتفق مع حقيقة الايمان مع الصدق واليقين والاخلاص. ثالثا اذا صام المؤمن شهر رمظان ابتغاء مرضات الله عز وجل وهو يحتسبه لوجه الله تعالى غفر الله سبحانه له للعبد ما تقدم من ذنبه. رابعا ان المؤمن الذي على صيام رمضان في حياته. وطول عمره يكفر عنه سيئاته. ويرفع عنه اوزاره. ويلقى ربه عز وجل ظاهرا من الذنوب وهذه حينما نتحدث عنها كما تبقى عندنا ما لم ما لم تغشى الكبائر. خامسا تفضيل شهر رمضان على بقية الشهور جميعا. لما خصه الله عز وجل من نزول القرآن الكريم رحمة للعالمين. ومنهجا للحياة الكريمة والعزيز للمؤمن وللاسلام. ولما كان هذا جزاء الايمان. كان على المرء ان يعظم امر النية فالنية الاولى لمن اراد ان يصوم عليه ان يصوم طاعة لامر الله تعالى قال سبحانه يا ايها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون وقال تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه. ثانيا يصوم شهر رمضان طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم قوموا لرؤيته. وربنا يقول ومن يطع الرسول فقد قد اطاع الله. ثالثا لتطبيق اذان الاسلام. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم بني الاسلام على شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله واقام الصلاة وايتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان النية الثانية ينوي الانسان الفوز باجر الصيام. لماذا؟ لانه سبب لمغفرة الذنوب في حديث درسنا. ثانيا انه يجلب تقوى الله تعالى. قال تعالى يا ايها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم. لماذا؟ لعلكم تتقون. وللتقوى فضائل عظيمة جدا من اهمها نيل حب الله تعالى. قال تعالى ان الله يحب المتقين. ثالثا انه سبب لدخول الجنة. قال النبي صلى الله عليه وسلم ان في الجنة بابا. يقال له الريان منه الصائمون يوم القيامة. لا يدخل منه احد غيرهم. رابعا انه سبب للنجاة من النار وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله الا باعد الله بذلك وجهه عن النار سبعين خليفة. خامسا الصيام من احب الاعمال الى الله تعالى. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل كل عمل ابن ادم له الا الصيام فانه لي وانا اجزي به. النية يقوم الانسان لاجل عدم وقوعه في اثم ترك الصيام. لماذا؟ لان ترك الصيام معصية لله ومعصية للنبي صلى الله عليه وسلم. ولانه نقض ركن من اركان الاسلام. ولانه يفوت الاجور العظيمة والمسلم الحق يصوم رمضان ايمانا واحتسابا والايمان يعمر قلبه. وعلى الانسان ان يهتم الصيام كما ذكرها العلماء. ومن حكم الصيام ما قاله العلماء. قالوا فرض الله عز وجل صيام رمضان لحكم عظيمة وغايات جليلة كريمة. اعظمها واجلها على الاطلاق. ما جعل الله في من معاني الاخلاص لوجهه الكريم. فان الانسان اذا تعود على الشيء واصبح ديدنا لهتاضت على ذلك الشيء خيرا كانه شرا. فاذا عود على الخير كان على خير. وان عود على شر بالله كان على شر. فالصيام من اعظم حكمه واجلها واشرفها انه يعود ان كان على الاخلاص لله عز وجل. والسبب في ذلك انه اخفى العبادات. فان الانسان ان يتظاهر بالصيام امام الناس. ثم يفطر في بيته بعيدا عن نظر الناس. فاذا صام فكأن انه يعود نفسه بهذه العبادة على ارادة وجه الله الكريم. ولذلك جاء في الحديث القدسي كل وعمل ابن ادم له الحسنة بعشرة امثالها الا الصوم فانه لي وانا اجزي. قال العلماء قول انه لي اي انه يقع خالصا لوجه الله عز وجل. وله معنى اخر مهم ساذكره في محله في كتاب الصيام ان شاء الله تعالى وسر قوة الانسان اذا تغلب على نفسه سر عظيم فاذا اردت ان ترى الانسان القوي يستطيع ان ينال الطاعة بيسر وسهولة. بعد توفيق الله عز وجل فانظر الى من قهر هواه واصبحت نفسه تحت امره ولم يصبح تحت امر نفسه. وقد اشار قال تعالى اذا الى ذلك بقوله واما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى. فان الجنة هي المأوى. فاذا اصبحت النفس تحت امرك وتحت نهيك فقد ملفت كثيرا من الخير اصبحت نفسك مستجيبة لطاعة الله. لانك تأمرها وتنهاها فتأتمر وتنتهي. لكن مصيبة اذا كان الامر على العكس نسأل الله السلامة لنا ولازواجنا وذرياتنا وللمسلمين اجمعين فكأن الانسان حينما يصوم يصبح نفسه تحته ويصبح مهيمنا عليها لان اتريد شهوة الاكل والشرب والفرج والنظر ومع ذلك يشبهها ويمنعها سلطان الانسان على نفسه. وهذا يقع في كثير من العبادات. حينما جاء تشريعها لاجل ان يقوى سلطان الانسان على نفعه. فالانسان يشتهي النوم فتجده في لذيذ نومه. وعظيم راحته ومع استجمامه فيسمع امر الله تعالى بالقيام الى صلاة الفجر. الله اكبر الله اكبر. ويسمع ما لي الصلاة؟ يقول حي على الصلاة حي على الفلاح. ويسمع الصلاة خير من النوم. فيقوم ويقهر نفسه فاذا قهر نفسه استجابت نفسه لما بعد ذلك من الاوامر في سائر يومه. كذلك تأتيه الاكل والشرب فتأتي فريضة الله عز وجل بالامتناع عن طعامه وشرابه. فيصوم ثم تأتيه شهوة المال فيأتيها امر الله باخراج الزكاة فيخرج الزكاة مع حبه للمال. ثم تأتيه شهوة الاهل والاولاد والاوطان سيأتيه امر الله تعالى بالخروج عنهم والتغرب عنهم في فريضتي الجهاد والحج الى بيت الله العتيق. فيترك المال والاهل والوطن في سبيل الله تعالى. فاذا انتزع الانسان نفسه من الهوا واصبحت نفسه تحت امره ونهيه استطاع ان يأمرها فتأتمر وينهاها فتندجر اذا الصيام يربي في النفس. القدرة على قهر الهوى. حتى تكون النفس مستجيبة قال العلماء من امتنع عن الطعام والشراب والجماع الحلال فان الله احل له ان يطعم ويشرب ويجامع كان اقدر على ان يمنع نفسه بتوفيق الله عن الحرام. نعم. من امتنع عن الحلال بالصيام كان اقدر الامتناع عن الحرم. فاذا مكث الانسان هكذا ثلاثين يوما وهو لا يقترب من طعامه ولا شرابه ولا شهوته في فرجي في الوقت الذي منعه الله من ذلك فانه قادر باذن الله عز وجل. اذا دعته نفسه للحرام ان يمتنع عن اكله وشربه وفعله. وفي الصيام ايها الاخوة خير كثير. فانه يذكر الاغنياء جاء بالفقراء والمحتاجين. فان الانسان اذا جاع وعطش مع قدرته او علمه انه في اخر النهار سيجد الطعام وسيجد الشراب سيتذكر الفقير الذي لا يجد طعامه ولا شرابه وسيجد المسكين الذي اذا يستطيع ان يقوت اهله وسيتذكر بالارملة واليتيم فيسعى للاحسان الى عبيد الله تعالى. ولذلك قالوا ان هذا الصيام فيه مصلحة عظيمة للانسان. من جهة تذكره للضعفاء وخاصة اذا كان صائم من الاغنياء والاثرياء. وحتى اذا كان فقيرا لديه فوائد سيتذكر غيره من الفقراء. وسيتذكر نعمة الله عليه عند الطعام والشراب. والغني ربما ينسى اخوانه من الضعفاء والفقراء بسبب ما فيه من الغنى. كما قال تعالى كلا ان الانسان ليبغى ان رآه استغنى. فالانسان اذا استغنى اصابه الطغيان. ولكن اذا اجاع كما يجوع الفقير وظن كما يظمع الفقير دعاه ذلك الى ان يتذكر هؤلاء الظعفاء فيعطف عليهم ان الصيام ايها الاخوة يذكر بالله جل جلاله. ويذكر بالاخرة ولذلك بعض العلماء يبكي اذا انتصف النهار لانه يتذكر الموقف بين يدي الله عز وجل واشتداد الحر وعظيم ظمأ الناس في عرفات يوم القيامة. فلاجل هذه الحكم العظيمة والغايات الجليلة الكريمة. شرع الله الصيام واخبر سبحانه وتعالى ان الصيام سبيل لاعظم واحب الاشياء اليه هي تقواه. وقال تعالى كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون اي جعلناه سببا للتقوى وسبيلا للتقوى وطريقا للتقوى. وما خرج الانسان بزاد من الدنيا احب الى الله من تقواه كما قال سبحانه وتزودوا فان خير الزاد التقوى. فاذا الصوم يزيد من التقوى فمعناه انه يزيد من امرين وهما الاول تحصيل فرائض الله بالانتفاخ والامتناع عن محارم الله. اسأل الله العظيم رب العرش الكريم ان يفتح لنا فواتح الخير وان يرحم موتانا وموتى المسلمين. وان يجعلنا ممن قال الله فيهم جنات عدن يدخلونها ومن من ابائهم وازواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم ما اعتذرتم فنعم عقب الدار. والسلام عليكم ورحمة الله