المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الفصل الثامن والثلاثون في قصة الفقير مع صاحبه. كان رجل فقير قد طال فقره. وكان فيه بقية من انسانية. فشكى الى صاحبه الذي يعرف فيه النصح والرأي السديد حاله. فقال قد كنت تعرف حالي في الفقر وانا متواطئ على الفقر ولكني اريد منك نصيحة تخفف عني بعض ما اجده من الهموم والغموم التي لازمتني في ليلي ونهاري. وهي زيادة عما اجد من الم الفقر وبأسائه وعنائه. فقال له صاحبه يا اخي اعلم ان الفقراء نوعان. احدهما فقير شريف. والاخر فقير وضيع. فاجتهد ان تكون من الشرفاء الذين فقرهم لا يتعدى فقر الافلاس من الموجودات المالية. واياك ان تتصف بصفات فقراء الساقطين الذين افتقرت ايديهم وقلوبهم كما بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في قوله ليس الغنى عن كثرة العرب انما الغنى غنى النفس او غنى القلب. فعلم بهذا الحديث شريف ان المدار كله على ما في القلوب من الاوصاف الطيبة او في حق الغني والفقير. فمن كان قلبه غنيا بالله فهو الغني حقيقة ولو كان فقيرا. ومن كان قلبه فقيرا الى الاغراض الى الخلق فهو الفقير حقيقة ولو كان مثريا. فمتى علمت ان الله تعالى حكيم في جميع تدبيراته وانه لطيف بعباده المخلصين قد يقدر عليهم من الاقدار الكريهة للنفوس ما يكون سببا ووسيلة لخيرهم وثوابهم. وان الله قد ابتلى بالفقر كثيرا من واصفيائه وان من صبر على شدته واحتسب ذلك عند الله لم يزل في زيادة في ايمانه وثوابه وخصوصا اذا ضم الى هذا وصف قوة الرجاء والطمع في فضل الله وان الله سيزيل فقره وسيجعل الله بعد عسر يسرا. متى تحقق بذلك هانت عليه الفقر وشدته لما حصل له في مقابلته من الخير ولما يرجوه من الفضل والثواب. ومما يخفف ذلك ان يعلم ان حزنه همه لا يخفف من فقره ومصيبته بل يزيد ذلك. فكم يسعى العاقل في زيادة عنائه؟ وكيف لا يتسبب في تخفيف بلائه. ثم اعلم ايها الفقير ان اكبر العلل التي توجب الهم والغم وتسقط انسانية العبد وحريته تعلقه بالمخلوقين. سؤالا لهم وذلا ورجاء وطمعا فيما يناله منهم. وان من كان كذلك فانه مقيد النفس رقيق القلب لغير الله. قد انقطع رجاؤه ممن كل خير في رجائه وكل الامور عنده ومفاتيح الارزاق بيده الى من لا يملك له نفعا ولا ضرا ولا يريد له الخير وليس له من امر شيء وهو فقير مثله. فمتى علقت رجاءك كله بالله واحتسبت الامل عنده سلمت من التعلق بالمخلوقين ورجوت زوال عسرك ابدلك الله بهمك فرحا وبكدرك راحة ويسر الله لك الامور واوقع في قلبك القناعة التي من ملكها ملك الكنز الاكبر فقد ضمن من الله للمتقي ان يجعل له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا. واما قولك يا اخي اني متواطئ على الفقر فهو كلام غالط من وجهين احدهما انه لا ينبغي لك ان تيأس من روح الله ورحمته وفضله واحسانه. الثاني يجب عليك ان تسعى بكل سبب يزيل فقرك او يخففه فاعمل بالاسباب النافعة من بيع او شراء او حرفة او خدمة او ما يناسب حالك وتحسنه من الاسباب وقد قال صلى الله عليه وسلم بان يأخذ احدكم حبله فيحتطب فيبيعه فيكف الله وجهه خيرا له من ان يسأل الناس اعطوه او منعوه ومتى عملت بالاسباب بهذه النية؟ نية الاستعفاف والاستغناء عن الناس. يسر الله امرك وبارك لك في الشيء القليل. وسلمت من الفقر وهو فقر القلب لغير الله ودخول الفقير في معاصي الله وفي الامور الدنيئة الضارة التي اذا ابتلي بها العبد عوقب بعدة بعقوبات اقلها انها سبب لبقاء فقره وزيادته كما هو مشاهد مجرب. فاكثر الفقراء قد جمعوا بين فقر الدنيا والاخرة فاقرن قلوب وفقر الافلاس والافتقار الى المخلوقين وتعلق القلوب بهم والذل الوضيع لهم. وهذا نهاية الهبوط والسقوط فالموفق الحازم يستعيذ بالله من هذه الحال. ويعمل الاسباب الواقية والدافعة كما ذكرنا. والله تعالى هو الموفق المعين