اخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه اي لو اراد الله ان يتخذ ولدا كما زعم ذلك من زعمه. من سفهاء الخلق لاصطفى مما يخلق ما يشاء. اي لا اصطفى بعض سبب الحق فاعبد الله مخلصا له الدين. ولكنه مع هذا زاد بيانا لكماله بمن نزل عليه. وهو محمد صلى الله عليه وسلم الذي هو اشرف الخلق فعلم انه اشرف الكتب وبما نزل به وهو الحق فنزل بالحق الذي لا مرية فيه لاخراج الخلق من المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم فلكم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم. تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم. يخبرنا تعالى عن عظمة القرآن وجلالة من تكلم به ونزل منه. وانه نزل من الله العزيز الحكيم. اي الذي وصفه الالوهية للخلق لعظمته وكماله والعزة التي قهر بها كل مخلوق. وذل له كل شيء. والحكمة في خلقه وامره. فالقرآن نازل ممن هذا وصفة والكلام وصف للمتكلم. والوصف يتبع الموصوف. فكما ان الله تعالى الكامل من كل وجه الذي لا مثيل له. فكذلك كلام انه كامل من كل وجه لا مثيل له. فهذا وحده كاف في وصف القرآن. دال على مرتبته الظلمات الى النور ونزل مشتملا على الحق في اخباره الصادقة واحكامه العادلة. فكل ما دل عليه فهو اعظم انواع الحق. من جميع المطالب بالعلمية وما بعد الحق الا الضلال. ولما كان نازلا من الحق مشتملا على الحق لهداية الخلق على اشرف الخلق. عظمت فيه نعمة وجلت ووجب القيام بشكرها وذلك باخلاص الدين لله. فلهذا قال اي اخلص لله تعالى جميع دينك. من الشرائع الظاهرة والشرائع الباطنة. الاسلام والايمان والاحسان. بان تفرد الله وحده بها بها وجهه لا غير ذلك من المقاصد. الا لله الدين الخالص. هذا تقرير للامر بالاخلاص. وبيان انه تعالى كما ان له الكمال كله وله التفضل على عباده من جميع الوجوه. فكذلك له الدين الخالص الصافي من جميع الشوائب. فهو الدين الذي ارتضاه لنفسه تظاهر صفوة خلقه وامرهم به. لانه متضمن للتأله لله في حبه وخوفه ورجائه. وللانابة اليه في عبوديته اليه في تحصيل مطالب عباده. وذلك الذي يصلح القلوب ويزكيها ويطهرها. دون الشرك به في شيء من العبادة. فان الله بريء منه وليس لله فيه شيء. فهو اغنى الشركاء عن الشرك. وهو مفسد للقلوب والارواح والدنيا والاخرة. مشق للنفوس غاية الشقاء فلذلك لما امر بالتوحيد والاخلاص نهى عن الشرك به واخبر بذم من اشرك به فقال والذين اتخذوا من دونه اولياء ان يتولونهم سادتهم ودعائهم معتذرين عن انفسهم وقائلين ما نعبدهم الا ليقربونا الى الله زلفى. اي لترفع حوائجنا لله تشفع لنا عنده والا فنحن نعلم انها لا تخلق ولا ترزق. ولا تملك من الامر شيئا. اي فهؤلاء قد تركوا ما امر الله به من الاخلاص وتجرأوا على اعظم المحرمات وهو الشرك. وقاسوا الذي ليس كمثله شيء الملك العظيم بالملوك. وزعموا بعقولهم الفاسدة ورأيهم السقيم ان الملوك كما انه لا يوصل اليهم الا بوجهاء وشفعاء ووزراء. يرفعون اليهم حوائج رعاياهم ويستعطفونهم عليهم ويمهدون لهم الامر في ذلك ان الله تعالى كذلك. وهذا القياس من افسد الاقيسة وهو يتضمن التسوية بين الخالق والمخلوق مع ثبوت الفرق العظيم. عقلا ونقلا وفطرة. فان الملوك انما احتاجوا للوساطة بينهم وبين رعاياهم. لانهم لا يعلمون احوالهم فيحتاج من يعلمهم باحوالهم. وربما لا يكون في قلوبهم رحمة لصاحب الحاجة. فيحتاج من يعطفهم عليه ويسترحمه لهم ويحتاجون الى الشفعاء والوزراء ويخافون منهم. فيقضون حوائج من توسطوا لهم مراعاة لهم ومداراة لخواطرهم. وهم ايضا والفقراء قد يمنعون لما يخشون من الفقر. واما الرب تعالى فهو الذي احاط علمه بظواهر الامور وبواطنها. الذي لا يحتاج من يخبره باحوال رعيته وعباده. وهو تعالى ارحم الراحمين. واجود الاجودين. لا يحتاج الى احد من خلقه يجعله راحما لعباده. بل هو ارحم بهم من انفسهم ووالديهم. وهو الذي يحثهم ويدعوهم الى الاسباب التي بها ينالون رحمته. وهو يريد من مصالحهم ما لا يريدونه لانفسهم وهو الغني الذي له الغنى التام المطلق. الذي لو اجتمع الخلق من اولهم واخرهم في صعيد واحد فسألوه. فاعطى كلا منهم ما سأل وتمنى لم ينقص غناه شيئا ولم ينقصوا مما عنده الا كما ينقص البحر اذا غمس فيه المخيط. وجميع الشفعاء يخافونه فلا يشفع منهم احد الا باذنه وله الشفاعة كلها. فبهذه الفروق يعلم جهل المشركين به وسفههم العظيم. وشدة جرائتهم عليه ويعلم ايضا الحكمة في كون الشرك لا يغفره الله تعالى. لانه يتضمن القدح في الله تعالى. ولهذا قال حاكما بين الفريقين المخلصين والمشركين وفي ضمنه التهديد للمشركين. ان الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون. وقد علم ان حكمه ان المؤمنين المخلصين في جنات النعيم. ومن يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة. ومأواه النار ان الله لا يهدي اي لا يوفق للهداية الى الصراط المستقيم. من هو كاذب كفار؟ اي وصفك الكذب او الكفر بحيث تأتيه المواعظ والايات ولا يزول عنه ما اتصف به. ويريه الله الايات فيجحدها ويكفر بها ويكذب هذا انى له الهدى وقد سد على نفسه الباب. وعوقب بان طبع الله على قلبه فهو لا يؤمن مخلوقاته التي يشاء اصطفائه واختصه لنفسه وجعله بمنزلة الولد ولم يكن حاجة الى اتخاذ الصاحبة سبحانه عما ظنه به الكافرون او نسبه اليه الملحدون. هو الله الواحد القهار. اي الواحد في ذاته وفي اسمائه وفي صفاته وفي افعاله. فلا شبيه له في شيء من ذلك ولا مماثل. فلو كان له ولد لاقتضى ان شبيها له في وحدته لانه بعضه وجزء منه. القهار لجميع العالم العلوي والسفلي. فلو كان له ولد لم يكن مقهورا ولكان له اذلال على ابيه ومناسبة منه. ووحدته تعالى وقهره متلازمان. فالواحد لا يكون الا قهارا. والقهار لا يكون الا واحدا وذلك ينفي الشركة له من كل وجه يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر الا هو العزيز الغفار. يخبر تعالى انه خلق السماوات والارض. اي بالحكمة والمصلحة ليأمر العباد وينهاهم ويثيبهم ويعاقبهم يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل. اي يدخل كل منهما على الاخر ويحله محله فلا يجتمع هذا وهذا. بل اذا اتى احدهما انعزل الاخر عن سلطانه. وسخر الشمس والقمر بتسخير منظم وسير مقنن. كل من الشمس والقمر يجري متأثرا عن تسخيره تعالى لاجل مسمى. وهو انقضاء هذا الدار وخرابها فيخرب الله الاتها وشمسها وقمرها. وينشئ الخلق نشأة جديدة ليستقروا في دار القرار. الجنة في النار. الا هو العزيز الذي لا يغالب. القاهر لكل شيء الذي لا يستعصي عليه شيء. الذي من عزته اوجد هذه المخلوقات العظيمة. وسخرها تجري بامره. الغفار لذنوب عباده التوابين المؤمنين. كما قال الله تعالى واني لغفار لمن تاب وامن وعمل صالحا ثم اهتدى. الغفار لمن اشرك به بعدما رأى من اياته العظيمة. ثم تاب واناب خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها وانزل لكم من الانعام ثمانية ازرق في بطون امهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات اه ذلك ومن انه خلقكم من نفس واحدة. على كثرتكم وانتشاركم في انحاء الارض. ثم جعل منها زوجها وذلك ليسكن اليها وتسكن اليه وتتم بذلك النعمة وانزل لكم من الانعام اي خلقها بقدر نازل منه رحمة بكم ثمانية ازواج وهي التي في سورة الانعام ثمانية ازواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين. ومن الابل اثنين ومن البقر اثنين. وخصها بالذكر. مع انه انزل لمصالح عباده من البهائم غيرها لكثرة نفعها وعموم مصالحها ولشرفها ولاختصاصها باشياء لا يصلح غيرها كالاضحية والهدي والعقيقة ووجوب الزكاة فيها واختصاصها بالدية. ولما ذكر خلق ابينا وامنا ذكر ابتداء خلقنا فقال يخلقكم في بطون امهاتكم خلقا من بعد خلق. اي طورا بعد طور وانتم في حال لا يد مخلوق تمسكم ولا عين انظر اليكم وهو قد رباكم في ذلك المكان الضيق. ظلمة البطن ثم ظلمة الرحم ثم ظلمة مشيمة ذلكم الله ربكم له الملك لا اله الا هو فانى تصرفون. ذلكم الذي خلق السماوات والارض وسخر الشمس والقمر وخلقكم وخلق لكم الانعام والنعم. الله ربكم اي المألوه المعبود الذي رباكم فكما انه الواحد في خلقه وتربيته لا شريك له في ذلك. فهو الواحد في الوهيته لا شريك له. ولهذا قال لا اله الا هو فان تصرفون بعد هذا البيان ببيان استحقاقه تعالى للاخلاص وحده الى عبادة الاوثان التي لا تدبر شيئا وليس لها من الامر شيء ولا تزر وازرة وزر اخرى ثم الى ربكم مرجعكم فينبئكم ان تكفروا فان الله غني عنكم. لا يضره كفركم كما لا ينتفع بطاعتكم. ولكن امره ونهيه لكم محض فضله واحسانه عليه ولا يرضى لعباده الكفر لكمال احسانه بهم وعلمه ان الكفر يشقيهم شقاوة لا يسعدون بعدها ولانه خلقهم لعبادته فهي الغاية التي خلق لها الخلق. فلا يرضى ان يدعوا ما خلقهم لاجله. وان تشكروا لله تعالى بتوحيده واخلاص الدين له ارضه لكم برحمته بكم ومحبته للاحسان عليكم. ولفعلكم ما خلقكم لاجله. وكما انه لا يتضرر بشرككم ولا ينتفع باعمالكم وتوحيدكم. كذلك كل احد منكم له عمله من خير وشر. ولا تزر وازرة وزر اخرى. ثم الى ربكم مرجعكم في يوم القيامة اخبارا احاط به علمه وجرى عليه وكتبته عليكم الحفظة الكرام. وشهدت به عليكم الجوارح. فيجازي كلا منكم ما يستحقه اي بنفس الصدور. وما فيها من وصف بر او فجور. والمقصود من هذا الاخبار بالجزاء بالعدل التام فله نعمة منه نسي ما كان يدعو اليه من قبل وجعل لله اندادا. وجعل يخبر تعالى عن كرمه بعبده واحسانه وبره. وقلة شكر عبده وانه حين يمسه الضر من مرض او فقر او وقوع في كربة في بحر او غيره انه يعلم انه لا ينجيه في هذه الحال الا الله. فيدعوه متضرعا منيبا ويستغيث به في كشف ما نزل به ويلح وفي ذلك ثم اذا خوله الله نعمة منه بان كشف ما به من الضر والكربى نسي ما كان يدعو اليه من قبل. اي نسي ذلك الضر الذي دعا الله لاجله ومن ركأنه ما اصابه الضر واستمر على شركه اي ليضل بنفسه ويضل غيره. لان الاضلال فرع عن الضلال. فاتى بالملزوم ليدل على اللازم تمتع بكفرك قليلا قل لهذا العاتي الذي بدل نعمة الله كفرا تمتع بكفرك قليلا انك من اصحاب النار. فلا يغنيك ما تتمتع به اذا كان المآل النار. افرأيت ان متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما اغنى عنهم ما كانوا يمتعون هذه مقابلة بين العامل بطاعة الله وغيره. وبين العالم والجاهل. وان هذا من الامور التي تقرر في العقول تبيانها وعلم علما يقينا تفاوتها. فليس المعرض عن طاعة ربه. المتبع لهواه كمن هو قانت اي مطيع لله بافضل العبادات وهي الصلاة. وافضل الاوقات وهو اوقات الليل. فوصفه بكثرة العمل وافضله. ثم وصفهم بالخوف والرجاء وذكر ان متعلق الخوف عذاب الاخرة. على ما سلف من الذنوب وان متعلق الرجاء رحمة الله. فوصفه بالعمل الظاهر والباطن هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون. قل هل يستوي الذين يعلمون ربهم ويعلمون دينه الشرعي انه الجزائي وماله في ذلك من الاسرار والحكم. والذين لا يعلمون شيئا من ذلك. لا يستوي هؤلاء ولا هؤلاء كما لا يستوي الليل نهار والضياء والظلام والماء والنار انما يتذكر اذا ذكروا اولوا الالباب. اي اهل العقول الزكية الذكية. فهم الذين يؤثرون الاعلى على الادنى. فيؤثرون العلم على جهل وطاعة الله على مخالفته. لان لهم عقولا ترشدهم للنظر في العواقب. بخلاف من لا لب له ولا عقل. فانه يتخذ الهه هواه قل يا عبادي الذين امنوا اتقوا ربكم للذين احسنوا في هذه الدنيا حسنة وارض الله واسعة. انما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب. اي قل مناديا لاشرف الخلق هم المؤمنون امرا لهم بافضل الاوامر. وهي التقوى ذاكرا لهم السبب الموجب للتقوى. وهو ربوبية الله لهم وانعامه عليهم المقتضي ذلك منهم ان يتقوه. ومن ذلك ما من الله عليهم به من الايمان. فانه موجب للتقوى كما تقول ايها الكريم تصدق وايها الشجاع قاتل وذكر لهم الثواب المنشط في الدنيا فقال للذين احسنوا في هذه الدنيا بعبادة ربهم لهم حسنة رزق واسع ونفس مطمئنة وقلب منشرح. كما قال الله تعالى من عمل صالحا من ذكر او انثى وهو مؤمن فلنحيينه انه حياة طيبة. اذا منعتم من عبادته في ارض فهاجروا الى غيرها. تعبدون فيها ربكم. وتتم من اقامة دينكم. ولما قال للذين احسنوا في هذه الدنيا حسنة. كان لبعض النفوس مجال في هذا الموضع. وهو ان النص عام ان كل من احسن فله في الدنيا حسنة. فما بال من امن في ارض يضطهد فيها ويمتهن؟ لا يحصل له ذلك. دفع هذا الظن بقوله وارض الله واسعة. وهنا بشارة نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله لا تزال طائفة من امتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم. حتى يأتي امر الله وهم على ذلك. تشير اليه هذه الاية وترمي اليه من قريب. وهو انه تعالى اخبر ان ارضه واسعة. فمهما منعتم من عبادته في موضع فهاجروا الى غيرها. وهذا عام في كل زمان ومكان. فلا بد ان يكون لكل مهاجر ملجأ من المسلمين يلجأ اليه. وموضع يتمكن من اقامة دينه فيه وهذا عام في جميع انواع الصبر. الصبر على اقدار الله المؤلمة فلا يتسخطها. والصبر عن معاصيه فلا يرتكبها والصبر على طاعته حتى يؤديها. فوعد الله الصابرين اجرهم بغير حساب. اي بغير حد ولا عد ولا مقدار. وما لفضيلة الصبر ومحله عند الله. وانه معين على كل الامور اي قل يا ايها الرسول للناس اني امرت ان اعبد الله مخلصا له الدين. في قوله في اول السورة فاعبد الله مخلصا له ولا تقدر تنقذ من في النار لا محالة لكن الغنى كل الغنى والفوز كل الفوز للمتقين الذي اعد له من الكرامة وانواع النعيم ما لا يقادر قدره. لهم غرف اي منازل عالية مزخرفة. من حسنها وبهائها وصفائها وامرت لان اكون اول المسلمين. لاني الداعي الهادي للخلق الى ربهم. فيقتضي اني اول من ائتمر بما امر واول من اسلم وهذا الامر لا بد من ايقاعه من محمد صلى الله عليه وسلم. وممن زعم انه من اتباعه فلابد من الاسلام في الاعمال للظاهرة والاخلاص لله في الاعمال الظاهرة والباطنة. قل اني اخاف ان عصيت ربي فيما امرني به من الاخلاص والاسلام عذاب يوم عظيم. يخلد فيه من اشرك ويعاقب فيه من عصى قل الله اعبد مخلصا له ديني فاعبدوا ما شئتم من دونه. قل ان الخاسرين الذين خسروا الا ذلك هو الخسران المبين. ولله اعبد له ديني فاعبدوا ما شئتم من دونه. كما قال تعالى قل يا ايها الكافرون لا اعبد ما تعبدون ولا انتم عابدون لا اعبد ولا انا عابد ما عبدتم ولا انتم عابدون ما اعبد. لكم دينكم ولي دين. قل ان الخاسرين الذين قل ان الخاسرين حقيقة هم الذين خسروا انفسهم حيث حرموهم الثواب واستحقت بسببهم وخيم العقاب. واهليهم يوم القيامة اي فرق بينهم وبينهم. واشتد عليهم الحزن. وعظم الخسران الا ذلك هو الخسران المبين الذي ليس مثله خسران. وهو خسران مستمر لا ربح بعده بل ولا سلامة. ثم ذكر شدة ما يحصل له من الشقاء. فقال ذلك يخوف الله به عباده يا عبادي لهم من فوقهم ظلل من النار. اي قطع عذاب كالسحاب العظيم. ومن تحتهم ظلل. ذلك يخوف الله به ذلك الوصف الذي وصفنا به عذاب اهل النار. صوت يسوق الله به عباده الى رحمته يخوف الله به عباده. يا عبادي فاتقون. اي جعل ما اعده لاهل الشقاء من العذاب داعيا يدعو عباده الى التقوى وزاجرا عما يوجب العذاب. فسبحان من رحم عباده في كل شيء. وسهل لهم الطريق الموصلة اليه. وحثهم على سلوكها رغبهم بكل مرغب تشتاق له النفوس وتطمئن له القلوب. وحذرهم من العمل لغيره غاية التحذير. وذكر لهما الاسباب الزاجرة عن تركه والذين اجتنبوا الطاغوت ان يعبدوها وانابوا الى الله لهم البشرى فبشر عبادة لما ذكر حال المجرمين ذكر حال المنيبين وثوابهم. فقال والذين اجتنبوا الطاغوت ان يعبدوها. والمراد بالطاغوت في هذا الموضع عبادة غير الله فاجتنبوها في عبادتها. وهذا من احسن الاحتراز من الحكيم العليم. لان المدح انما يتناول المجتنب في عبادتها وانابوا الى الله بعبادته واخلاص الدين له. فانصرفت دواعيه من عبادة الاصنام الى عبادة الملك العلام ومن الشرك والمعاصي الى التوحيد والطاعات. لهم البشرى التي لا يقادر قدرها ولا يعلم وصفها الا من اكرمهم بها. وهذا شامل البشرى في الحياة الدنيا بالثناء الحسن والرؤيا الصالحة والعناية الربانية من الله التي يرون في خلالها انه مريد لاكرامهم في الدنيا والاخرة ولهم البشرى في الاخرة عند الموت وفي القبر وفي القيامة وخاتمة البشرى ما يبشرهم به الرب الكريم من دوام رضوانه وبره واحسانه وحلول امانه في الجنة. ولما اخبر ان لهم البشرى امره الله ببشارتهم. وذكر الوصف الذي به البشارة فقال اولئك الذين هداهم الله واولئك هم اولوا الالباب فبشر عباد الذين يستمعون القول وهذا جنس يشمل كل قول فهم يستمعون جنس القول ليميزوا بينما ينبغي ايثاره مما ينبغي اجتنابه. فلهذا من حزمهم وعقلهم انهم يتبعون احسنه. واحسنه على الاطلاق. كلام الله وكلام رسوله. كما قال في هذه السورة الله نزل احسن الحديث كتابا متشابها. وفي هذه الاية نكتة وهي انه لما اخبر عن هؤلاء الممدوحين انهم يستمعون القول فيتبعون احسنه. كأنه قيل هل من طريق الى معرفة احسنه؟ حتى نتصف بصفات اولي الالباب. وحتى نعرف ان من اثره علمنا انه من اولي الالباب. قيل نعم احسنه ما نص الله عليه. الله نزل احسن الحديث كتابا متشابها الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه. لاحسن الاخلاق والاعمال واولئك هم اولوا الالباب. اي العقول الزاكية ومن لبهم وحزمهم انهم عرفوا الحسن من غيره. واثروا ما ينبغي ايثاره على ما سواه. وهذا علامة العقل. بل لا علامة للعقل سوى ذلك. فان الذي لا يميز وبين الاقوال حسنها وقبيحها ليس من اهل العقول الصحيحة او الذي يميز لكن غلبت شهوته عقله فبقي عقله تابعا فلم يؤثر الاحسن كان ناقص العقل اي افمن وجبت عليه كلمة العذاب باستمراره على غيه وعناده وكفره. فانه لا حيلة لك في هدايته انه يرى ظاهرها من باطنها. وباطنها من ظاهرها. ومن علوها وارتفاعها. انها ترى كما يرى الكوكب الغابر في الافق الشرقي او الغربي ولهذا قال من فوقها غرف اي بعضها فوق بعض مبنية بذهب وفضة وملاطها المسك الاظفر تجري من تحتها الانهار المتدفقة المسقية للبساتين زاهرة والاشجار الطاهرة. فتظل بانواع الثمار اللذيذة والفاكهة النضيجية وقد وعد المتقين هذا الثواب فلا بد من الوفاء به. فليوفوا بخصال التقوى ليوفيهم اجورهم يذكر تعالى اولي الالباب ما انزله من السماء من الماء وانه سلكه ينابيع في الارض. اي اودعه فيها ينبوعا يستخرج بسهولة ويسر. ثم يخرج به زرعا مختلفا الوانه. من بر وشعير وارز وغير ذلك. ثم يهيج عند استكماله او عند حدوث افة فيه. فتراه مصفرا ثم يجعله حطاما متكسرا. يذكرون به عناية ربهم ورحمته بعباده حيث يسر لهم هذا الماء وخزنه بخزائن الارض تبعا لمصالحهم. ويذكرون به كمال قدرته وانه يحيي الموتى كما احيا الارض بعد موتها ويذكرون به ان الفاعل لذلك هو المستحق للعبادة. اللهم اجعلنا من اولي الالباب الذين نوهت بذكرهم وهديتهم بما اعطيتهم من العقول واريتهم من اسرار كتابك وبديع اياتك. ما لم يصل اليه غيرهم انك انت الوهاب في ضلال مبين. اي افيستوي من شرح الله صدره للاسلام. فاتسع لتلقي احكام الله والعمل بها منشرحا قرير العين على بصيرة من امره. وهو المراد بقوله فهو على نور من ربه. كمن ليس كذلك بدليل قوله فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله. اي لا تلين لكتابه ولا تتذكر اياته ولا تطمئن بذكره. بل هي معرضة عن ربها ملتفتة الى غيره. فهؤلاء لهم الويل الشديد والشر الكبير واي ضلال اعظم من ضلال من اعرض عن وليه. ومن كل السعادة في الاقبال عليه وقسى قلبه عن ذكره. واقبل على كل ما يضره الله نزل احسن الحديث كتابا متشابها مثاني يخبر تعالى عن كتابه الذي نزله انه واحسن الحديث على الاطلاق فاحسن الحديث كلام الله واحسن الكتب المنزلة من كلام الله هذا القرآن. واذا كان هو الاحسن علم ان الفاظه افصح الالفاظ واوضحها. وان معانيه اجل المعاني. لانه احسن الحديث في لفظه ومعناه. متشابها في الحسن والائتلاف وعدم اختلافي بوجه من الوجوه حتى انه كلما تدبره المتدبر وتفكر فيه المتفكر رأى من اتفاقه حتى في معانيه الغامضة ما يمهر الناظرين ويجزم بانه لا يصدر الا من حكيم عليم. هذا المراد بالتشابه في هذا الموضع. واما في قوله تعالى هو الذي انزل عليك الكتاب منه ايات محكمات هن ام الكتاب واخر متشابهات. فالمراد بها التي تشتبه على فهوم كثير من الناس. ولا هذا الاشتباه الا بردها الى المحكم. ولهذا قال منه ايات محكمات هن ام الكتاب واخر متشابهات. فجعل التشابه بعضه وهنا جعله كله متشابها اي في حسنه لانه قال احسنوا الحديث وهو سور وايات والجميع يشبه بعضهم بعضا كما ذكرنا مثاني اي تثنى فيه القصص والاحكام والوعد والوعيد. وصفات اهل الخير وصفات اهل الشر وتثنى فيه اسماء الله وصفاته وهذا من جلالته وحسنه. فانه تعالى لما علم احتياج الخلق الى معانيه المزكية للقلوب. المكملة للاخلاق. وان المعاني للقلوب بمنزلة الماء لسقي الاشجار. فكما ان الاشجار كلما بعد عهدها بسقي الماء نقصت. بل ربما تلفت وكلما كرر سقيها حسنت واثمرت انواع الثمار النافعة. فكذلك القلب يحتاج دائما الى تكرر معاني كلام الله تعالى عليه. وانه لو تكرر عليه معنا مرة واحدة في جميع القرآن لم يقع منه موقعا ولم تحصل النتيجة منه. ولهذا سلكت في هذا التفسير هذا المسلك الكريم ابتداء بما هو تفسير له. فلا تجد فيه الحوالة على موضع من المواضع. بل كل موضع تجد تفسيره كامل المعنى. غير مراع لما مضى مما يشبهه وان كان بعض المواضع يكون ابسط من بعض واكثر فائدة. وهكذا ينبغي للقارئ للقرآن. المتدبر لمعانيه. الا يدع التدبر في جميع المواضع منه فانه يحصل له بسبب ذلك خير كثير ونفع غزير. ولما كان القرآن العظيم بهذه الجلالة والعظمة اثر في قلوب اولي الالباب المهتدين. فلهذا قال تعالى وجلودهم وقلوبهم الى ذكر الله. تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم لما فيه من التخويف والترهيب المزعج احسبهم عليها وتجبرهم على ما تشاء. وانما انت مبلغ تؤدي اليه ما امرت به والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الاخرى. ويرسل الاخرى يخبر تعالى انه ثم تلين جلودهم وقلوبهم الى ذكر الله. اي عند ذكر الرجاء والترغيب فهو تارة يرغبهم في عمل الخير وتارة يرهبهم من عمل الشر. ذلك الذي ذكره والله من تأثير القرآن فيهم هدى الله اي هداية منه لعباده. وهو من جملة فضله واحسانه عليهم. يهدي به اي بسبب وبذلك من يشاء من عباده ويحتمل ان المراد بقوله ذلك اي القرآن الذي وصفناه لكم هدى الله الذي لا طريق توصل الى الله الا منه. يهدي به من يشاء من عباده. ممن حسن قصده. كما قال الله تعالى يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام. لانه لا طريق يوصل اليه الا توفيقه. والتوفيق الاقبال على كتابه فاذا لم يحصل هذا فلا سبيل الى الهدى وما هو الا الضلال المبين والشقاء اي اف يستوي هذا الذي هداه الله ووفقه لسلوك الطريق الموصلة لدار كرامته. كمن كان في الضلال واستمر على عناده. حتى قدم القيامة فجاءه العذاب العظيم. فجعل يتقي بوجهه الذي هو اشرف الاعضاء. وادنى شيء من العذاب يؤثر فيه. فهو يتقي فيه سوء العذاب لانه قد غلت يداه ورجلاه. وقيل للظالمين انفسهم بالكفر والمعاصي. توبيخا وتقريعا. ذوقوا ما كنتم تكسبون كذب الذين من قبلهم من الامم كما كذب هؤلاء فاتاهم العذاب من حيث لا يشعرون جاءهم في غفلة اول نهار او هم قائلون اكبر لو كانوا يعلمون. فاذاقهم الله بذلك العذاب الخزي في الحياة الدنيا فافتضحوا عند الله وعند خلقه والعذاب الاخرة اكبر. لو كانوا يعلمون فليحذر هؤلاء من من المقام على التكذيب فيصيبهم ما اصاب اولئك من التعذيب يخبر تعالى انه انضرب في القرآن من جميع الامثال. امثال اهل الخير وامثال اهل الشر. وامثال التوحيد والشرك. وكل مثل يقرب حقائق الاشياء. والحكمة في ذلك لعلهم يتذكرون عندما لهم الحق فيعلمون ويعملون قرآنا عربيا غير ذي عوج. اي جعلناه قرآنا عربيا. واضح الالفاظ سهل المعاني خصوصا على العرب. غير ذي عوج اي ليس فيه خلل ولا نقص بوجه من الوجوه. لا في الفاظه ولا في معانيه. وهذا يستلزم كمال اعتداله واستقامته. كما قال تعالى الحمد لله الذي انزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا. قيما لعلهم يتقون الله تعالى حيث سهلنا عليهم طرق التقوى العلمية والعملية بهذا القرآن العربي المستقيم الذي ضرب الله فيه من كل مثل ثم ضرب مثلا للشرك والتوحيد فقال ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمدلله بل اكثرهم لا يعلمون. ضرب الله مثلا رجلا اي عبدا فيه شركاء متشاكسون فهم كثيرون وليسوا متفقين على امر من الامور وحالة من الحالات حتى تمكن راحته بل هم تشاكسون متنازعون فيه. كل له مطلب يريد تنفيذه ويريد الاخر غيره. فما تظن حال هذا الرجل مع هؤلاء الشركاء المتشاكسين ورجلا سلما لرجل اي خالصا له قد عرف مقصود سيده وحصلت له الراحة التامة الحمد لله بل اكثرهم لا يعلمون. هل يستويان اي هذان الرجلان مثلا لا يستويان؟ كذلك المشرك فيه شركاء متشاكسون يدعو هذا ثم يدعو هذا فتراه لا يستقر له قرار ولا يطمئن قلبه في موضع موحد مخلص لربه فقد خلصه الله من الشركة لغيره فهو في اتم راحة واكمل طمأنينة الحمد لله بل اكثرهم لا يعلمون. الحمدلله على تبيين الحق من الباطل وارشاد الجهال. بل اكثر وهم لا يعلمون كلكم لابد ان يموت. وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد. افان مت فهم الخالدون فيما تنازعتم فيه فيفصل بينكم بحكمه العالي ويجازي كل ما عمله احصاه الله ونسوه اليس في جهنم مثوى للكافرين. يقول تعالى محذرا ومخبرا انه لا اظلم واشد ظلما ممن كذب على الله اما بنسبته الى ما لا يليق بجلاله. او بادعاء النبوة او الاخبار بان الله تعالى قد قال كذا او اخبر بكذا او حكم بكذا وهو كاذب. فهذا داخل في قوله تعالى وان تقولوا على الله ما لا تعلمون. ان كان جاهل والا فهو اشنع واشنع. وكذب بالصدق اذ جاءه اي ما اظلم ممن جاءه الحق المؤيد بالبينات فكذبه. فتكذيبه ظلم عظيم منه لانه رد الحق بعدما تبين له فان كان جامعا بين الكذب على الله والتكذيب بالحق كان ظلما على ظلم. اليس في مثوى للكافرين. يحصل بها الاشتفاء منهم. واخذ حق الله من كل ظالم وكافر. ان الشرك لظلم عظيم. ولما ذكر كاذب المكذب وجنايته وعقوبته. ذكر الصادق المصدق وثوابه. فقال هم المتقون. والذي جاء بالصدق في قوله وعمله. فدخل في ذلك الانبياء ومن قام مقامهم ممن صدق فيما قاله عن خبر الله واحكامه. وفيما فعله من خصال الصدق. وصدق به اي بالصدق. لانه قد يجيء الانسان بالصدق ولكن قد لا يصدق به بسبب استكباره او احتقاره لمن قاله واتى به. فلا بد في المدح من الصدق والتصديق. فصدقه يدل على وعدله وتصديقه يدل على تواضعه وعدم استكباره. اولئك اي الذين وفقوا للجمع بين الامرين هم المتقون. فان جميع خصال التقوى ترجع الى الصدق بالحق والتصديق به لهم ما يشاؤون عند ربهم من الثواب مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. فكل ما تعلقت به ارادتهم ومشيئتهم من اصناف اللذات والمشتهيات فانه حاصل لهم معد مهيأ. الذين يعبدون الله كأنهم يرونه فان لم يكونوا يرونه فانه يراهم المحسنين الى عباد الله يجزيهم اجرهم باحسن الذي كانوا يعملون. عمل الانسان له ثلاث حالات اما اسوأ او او لا اسوأ ولا احسن. والقسم الاخير قسم المباحات وما لا يتعلق به ثواب ولا عقاب. والاسوء. المعاصي كلها والاحسن الطاعات كلها. فبهذا التفصيل يتبين معنى الاية. وان قوله ليكفر الله عنهم اسوأ الذي عملوا. اي ذنوبهم الصغار بسبب احسانهم وتقواهم. ويجزيهم اجرهم باحسن الذي كانوا يعملون. اي بحسناتهم كلها. ان الله لا يظلم مثقال ذرة وان تك حسنة يضاعفها ويؤتي من لدنه اجرا عظيما يخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فما له من هاده. اي اليس من كرمه وجوده وعنايته بعبده الذي قام بعبوديته. وامتثل امره واجتنب نهيه. خصوصا اكمل الخلق عبودية لربه. وهو محمد صلى الله عليه وسلم فان الله تعالى سيكفيه في امر دينه ودنياه. ويدفع عنه من ناوأه بسوء. ويخوفونك بالذين من دونه ويخوفونك بالذين من دونه من الاصنام والانداد ان تنالك بسوء وهذا من غيهم وضلالهم. ومن يضلل الله فما له من هاد. ومن يهد الله فما له من مضل ليس الله بعزيز ذن ومن يهد الله فما له من مضل. لانه تعالى الذي بيده هذه الهداية والاضلال وهو الذي ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. اليس الله بعزيز ذي انتقام اليس الله بعزيز؟ له العزة الكاملة التي قهر بها كل شيء. وبعزته يكفي عبده ويدفع عنه مكرهم. ذي انتقام ممن عصاه فاحذروا موجبات نقمته اي ولا ان سألت هؤلاء الضلال الذين يخوفونك بالذين من دونه. واقمت عليهم دليلا من فقلت من خلق السماوات والارض لم يثبتوا لالهتهم من خلقها شيئا. ليقولن الله الذي خلقها وحده قل لهم عجز الهتهم. بعدما تبينت قدرة الله افرأيتم اي اخبروني ما تدعون من دون الله ان ارادني الله بضر. ان يضرني ان كان هل هن كاشفات ضره بازالته بالكلية او بتخفيفه من حال الى حال. او ارادني برحمة هل او ارادني برحمة يوصل الي بها منفعة في ديني او دنياي. هل هن ممسكات رحمته؟ وما عني سيقولون لا يكشفون الضر ولا يمسكون الرحمة. قل لهم بعدما تبين الدليل القاطع على انه وحده المعبود. وان الخالق للمخلوقات النافع الضار وحده. وان غيره عاجز من كل وجه عن الخلق والنفع والضر. مستجلبا كفايته مستدفعا مكره وكيدهم اي عليه يعتمد المعتمدون في جلب مصالحهم دفع مضارهم. فالذي بيده وحده الكفاية هو حسبي. سيكفيني كل ما اهمني وما لا اهتم به. قل يا قوم اعملوا وعلى مكانتكم اني عامل. فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحي اي قل لهم يا ايها الرسول يا قومي اعملوا على مكانتكم اي على حالتكم التي رضيتموها لانفسكم من عبادة من لا يستحق من العبادة شيئا. ولا له من الامر شيء. اني عامل على ما دعوتكم اليه من اخلاص الدين لله تعالى وحده فسوف تعلمون لمن العاقبة. ومن يأتيه عذاب يخزيه في الدنيا. ويحل عليه الاخرى عذاب مقيم. لا يحول عنه ولا يزول. وهذا تهديد عظيم لهم. وهم يعلمون انهم المستحقون للعذاب المقيم. ولكن الظلم والعناد حال بينهم وبين الايمان نفسه ومن ضل فانما يضل عليها. يخبر تعالى انه انزل على رسوله الكتاب المشتمل على الحق في اخباره واوامره ونواهيه الذي هو مادة الهداية وبلاغ لمن اراد الوصول الى الله والى دار كرامة وانه قامت به الحجة على العالمين. فمن اهتدى بنوره واتبع اوامره فان نفع ذلك يعود الى نفسه. ومن ضل بعدما تبين له الهدى فانما يضل عليها لا يضر الله شيئا. تحفظ عليهم اعمالهم المتفرد بالتصرف بالعباد. في حال يقظتهم ونومهم وفي حال حياتهم وموتهم. فقال الله يتوفى الانفس حين موتها وهذه الوفاة الكبرى وفاة الموت. واخباره انه يتوفى الانفس واضافة الفعل الى نفسه. لا ينافي انه قد وكل بذلك ملك الموت واعوانه كما قال تعالى قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم حتى اذا جاء احدكم الموت توفته رسلنا وهم لا لانه تعالى يضيف الاشياء الى نفسه. باعتبار انه الخالق المدبر. ويضيفها الى اسبابها باعتبار ان من سنته تعالى وحكمته ان جعل لكل امر من الامور سببا. وقوله والتي لم تمت في منامها. وهذه الموتة الصغرى. اي ويمسك النفس التي لم تمت في منامها فيمسك من هاتين النفسين النفس التي قضى عليها الموت. وهي نفس من كان مات او قضى ان يموت في منامه ويرسل النفس الاخرى الى اجل مسمى. اي الى استكمال رزقها واجلها على كمال اقتداره واحيائه الموتى بعد موتهم. وفي هذه الاية دليل على ان الروح والنفس جسم قائم مخالف جوهره جوهر البدن. وانها مخلوقة مدبرة يتصرف الله فيها في الوفاة والامساك والارسال. وان ارواح الاحياء والاموات تتلاقى في البرزخ فتجتمع فتتحادث فيرسل الله ارواح الاحياء ويمسك ارواح الاموات قل او لو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون ينكر تعالى على من اتخذ من دونه شفعاء يتعلق بهم ويسألهم ويعبدهم قل لهم مبينا جهلهم وانها لا تستحق شيئا من او لو كانوا اي من اتخذتم من الشفعاء لا يملكون شيئا اي لا مثقال ذرة في السماوات ولا في الارض ولا اصغر من ذلك ولا اكبر بل وليس لهم عقل يستحقون ان يمدحوا به. لانها جمادات من احجار واشجار وصور واموات. فهل يقال ان لمن اتخذها عقلا ام هو من اضل الناس واجهلهم واعظمهم ظلما قل لهم لله الشفاعة جميعا. لان الامر كله لله وكل شفيع فهو يخافه ولا يقدر ان يشفع عنده احد الا باذنه. فاذا اراد رحمة عبده اذن للشفيع الكريم عنده ان يشفع رحمة بالاثنين. ثم رأى ان الشفاعة كلها له بقوله. له ملك السماء السماوات والارض. اي جميع ما فيهما من الذوات والافعال والصفات. فالواجب ان تطلب الشفاعة ممن يملكها. وتخلص له العبادة. ثم اليه ترجعون فيجازي المخلص له بالثواب الجزيل. ومن اشرك به بالعذاب الوبيل الذين لا يؤمنون بالاخرة. واذا ذكر الذين من دونه اذا هم يستبشرون يذكر تعالى حالة المشركين وما الذي اقتضاه شركهم انهم اذا ذكر الله توحيدا له وامر باخلاص الدين له وترك ما يعبد من دونه انهم يشمئزون وينفرون ويكرهون ذلك اشد الكراهة واذا ذكر الذين من دونه من الاصنام والانداد ودعا الداعي الى عبادتها ومدحها. اذا هم يستبشرون بذلك. فرحا لمعبوداتهم ولكون الشرك موافقا لاهوائهم. وهذه الحال اشر الحالات واشنعها. ولكن موعدهم يوم الجزاء. فهناك يؤخذ الحق منهم وينظر هل تنفعهم الهتهم التي كانوا يدعون من دون الله شيئا؟ ولهذا قال السماوات والارض عالم الغيب والشهادة انت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون قل اللهم فاطر السماوات والارض اي خالقهما ومدبرهما عالم الغيب الذي غاب عن ابصارنا وعلمنا والشهادة الذي شاهدوا. وان من اعظم الاختلاف اختلاف الموحدين القائلين ان ما هم عليه هو الحق. وان لهم الحسنى في الاخرة دون غيرهم. والمشركين الذين اتخذوا من دونك الانداد والاوثان. وسووا فيك من لا يسوى شيئا وتنقصوا كغاية النقص. واستبشروا عند ذكر الهتهم. واشمأزوا عند ذكرك وزعموا مع هذا انهم على الحق غيرهم على الباطل وان لهم الحسنى. قال الله تعالى ان الذين امنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين اشركوا ان الله يفصل بينهم يوم القيامة ان الله على كل شيء شهيد. وقد اخبرنا بالفصل بينهم بعدها بقوله هذان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار. يصب من فوق رؤوسهم الحميم. يصعر به ما في بطونهم والجلود ولهم مقامع من حديد. الى ان قال ان الله يدخل الذين امنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الانهار. يحلون فيها من اساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير. وقال الله تعالى الذين امنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم اولئك لهم الامن وهم مهتدون انه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار. ففي هذه الاية بيان عموم خلقه تعالى وعموم علمه وعموم حكمه بين عباده فقدرته التي نشأت عنها المخلوقات وعلمه المحيط بكل شيء. دال على حكمه بين عباده وبعثهم وعلمه باعمالهم خيرها وشرها. وبمقادير جزائها وخلقه دال على علمه. الا يعلم من خلق فلو انني الذين ظلموا ما في الارض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون ما ذكر تعالى انه الحاكم بين عباده وذكر مقالة المشركين وشناعتها كأن النفوس تشوقت الى ما يفعل الله بهم يوم القيامة. فاخبر ان لهم سوء العذاب اي اشده وافظعه. كما قالوا اشد الكفر واشنعه. وانهم على الفرض والتقدير. لو كان لهم ما في الارض جميعا من وفضتها ولؤلؤها وحيواناتها واشجارها وزروعها. وجميع اوانيها واثاثها. ومثله معه ثم بذلوه يوم القيامة القيامة ليفتدوا من العذاب وينجوا منه ما قبل منهم. ولا اغنى عنهم من عذاب الله شيئا. يوم لا ينفع مال ولا بنون. الا من اتى الله الله بقلب سليم. اي يظنون من السخط العظيم والمقت الكبير وقد كانوا يحكمون لانفسهم بغير ذلك. وبدا لهم سيئات ما كسبوا وحاق بهم ما كانوا وبدا لهم سيئات ما كسبوا. اي الامور التي تسوؤهم بسبب صنيعهم وكسبهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون من الوعيد والعذاب الذي نزل بهم وما حل عليهم العقاب يخبر تعالى عن حالة الانسان وطبيعته انه حين يمسه ضر من مرض او شدة او كرب دعانا ملحا في تفريج ما نزل به. ثم اذا خولناه نعمة منا فكشفنا ضره مشقته عاد بربه كافرا. ولمعروفه منكرا. وقال انما اوتيته على علم. اي علم من الله اني له اهل واني مستحق له لاني كريم عليه او على علم مني بطرق تحصيله. قال الله تعالى اكثرهم لا يعلمون. بل هي فتنة يبتلي الله به عباده. لينظر من يشكره ممن يكفره. ولكن اكثرهم لا يعلمون فلذلك يعدون الفتنة منحة ويشتبه عليهم الخير المحو. بما قد يكون سببا للخير او للشر. قال الله تعالى قالها الذين من قبلهم فما اغنى عنهم ما كانوا يكسبون قد قالها الذين من قبلهم اي قولهم انما ما اوتيته على علم فما زالت متوارثة عند المكذبين لا يقرون بنعمة ربهم ولا يرون له حقا. فلم يزل دأبهم حتى ولم يغن عنهم ما كانوا يكسبون. حين جاءهم العذاب. فاصابهم سيئات ما كسبوا. والسيئات في هذا الموضع العقوبات لانها تسوء الانسان وتحزنه. والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين. والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا. فليسوا خيرا من اولئك ولم يكتب لهم براءة في الزبر ان في ذلك لايات لقوم يؤمنون. ولما ذكر انهم اغتروا بالمال وزعموا بجهلهم انه يدل على حسن حال صاحبه اخبرهم تعالى ان رزقه لا يدل على ذلك. وانه يبسط الرزق لمن يشاء من عباده. سواء كان صالحا او طالحا ويقدر الرزق ان يضيقه على من يشاء صالحا او طالحا. فرزقه مشترك بين البرية والايمان والعمل الصالح. يخص به خير البرية. اي بسط الرزق وقبضه. لعلمهم ان مرجع ذلك عائد الى الحكمة والرحمة. وانه اعلم بحال عبيده. فقد يضيق عليهم الرزق لطفا بهم. لانه لو بسطه لبغوا في الارض يقول تعالى مراعيا في ذلك صلاح دينهم. الذي هو مادة سعادتهم وفلاحهم. والله اعلم. قل يا عبادي الذين اسرفوا ان الله يغفر الذنوب يخبر تعالى عباده المسرفين كرمه ويحثهم على الانابة قبل الا يمكنهم ذلك. فقال قل يا ايها الرسول ومن قام مقامه من الدعاة لدين الله. مخبرا للعباد عن ربهم يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم باتباع ما تدعوهم اليه انفسهم من الذنوب والسعي في مساخط علام الغيوب. لا لا تقنطوا من رحمة الله اي لا تيأسوا منها فتلقوا بايديكم الى التهلكة وتقولوا قد كثرت ذنوبنا وتراكمت عيوبنا فليس لها طريق يزيلها ولا سبيل يصرفها. فتبقون بسبب ذلك مصرين على العصيان. متزودين حينما يغضب عليكم الرحمن ولكن اعرفوا ربكم باسمائه الدالة على كرمه وجوده. واعلموا انه يغفر الذنوب جميعا من الشرك والقتل والزنا والربا والظلم وغير ذلك من الذنوب الكبار والصغار اي وصفه المغفرة والرحمة وصفان لازم ان ذاتيان لا تنفك ذاته عنهما ولم تزل اثارهما سارية في الوجود مالئة تصح يداه من الخيرات اناء الليل والنهار. ويوالي النعم على العباد والفواضل في السر والجهار. والعطاء احب اليه من المنع والرحمة سبقت الغضب وغلبته ولكن لمغفرته ورحمته ونيلهما اسباب ان لم يأت بها العبد. فقد اغلق على نفسه باب الرحمة والمغفرة اعظمها واجلها من لا سبب لها غيره. الانابة الى الله تعالى بالتوبة النصوح. والدعاء والتضرع والتأله والتعبد. فهلم الى ما هذا السبب الاجل والطريق الاعظم؟ ولهذا امر تعالى بالانابة اليه والمبادرة اليها فقال وانيبوا الى ربكم اسلموا له وانيبوا الى ربكم بقلوبكم واسلموا له بجوارحكم. اذا افردت الانابة دخلت فيها اعمال الجوارح واذا جمع بينهما كما في هذا الموضع كان المعنى ما ذكرنا. وفي قوله الى ربكم واسلموا له دليل على الاخلاص. وانهم من دون اخلاص لا تفيد الاعمال الظاهرة والباطنة شيئا من قبل ان يأتيكم العذاب مجيئا لا يدفع ثم لا تنصرون. فكأنه قيل ما هي الانابة والاسلام؟ وما جزئياتها واعمالها فاجاب تعالى بقوله واتبعوا احسن ما انزل اليكم من ربكم واتبعوا احسن ما انزل اليكم من ربكم مما امركم من الاعمال الباطنة كمحبة الله وخشيته وخوفه ورجائه والنصح لعباده. ومحبة الخير لهم وترك ما يضاد ذلك. ومن الاعمال الظاهرة كالصلاة والزكاة والصيام والحج والصدقة. وانواع الاحسان ونحو ذلك مما امر الله به. وهو احسن ما انزل الينا من ربنا. فالمتبع اوامر ربه في هذه الامور ونحوها هو المنيب المسلم وكل هذا حث على المبادرة وانتهاز الفرصة. ثم حذرهم الا يستمروا على غفلتهم. حتى يأتيهم يوم يندمون فيه اتنفع الندامة اي في جانب حقه. وان كنت في الدنيا لمن الساخرين في اتيان الجزاء حتى رأيته عيانا. او تقول لو ان الله هداني لكنت من المتقين ولو في هذا الموضع للتمني اليت ان الله هداني فاكون متقيا له فاسلم من العقاب واستحق الثواب وليست له هنا شرطية لانها لو كانت شرطية لكانوا محتجين بالقضاء والقدر على ضلالهم. وهو حجة باطلة. ويوم القيامة تطمحل كل حجة باطلة او تقول حين ترى العذاب لو ان لي كرة فاكون من المحسنين او تقول حين ترى العذاب وتجزم بوروده لو ان لي كرة اي رجعة الى الدنيا لكنت من المحسنين. قال الله تعالى ان ذلك كغير ممكن ولا مفيد. وان هذه اماني باطلة لا حقيقة لها. اذ لا يتجدد للعبد لو رد بيان بعد البيان الاول بلى قد جاءت اياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين. بلى قد جاءتك ايات الدالة دلالة لم ترى فيها على الحق. فكذبت بها واستكبرت عن اتباعها كنت من الكافرين. فسؤال الرد الى الدنيا نوع عبث. ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه. وانهم لكاذبون. ويوم ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة. اليس في جهنم انما مسوى للمتكبرين. يخبر تعالى عن خزي الذين كذبوا عليه. وان وجوههم يوم القيامة مسودة كأنها الليل البهيم يعرفهم بذلك اهل الموقف. فالحق ابلج واضح كأنه الصبح. فكما سودوا وجه الحق بالكذب سودوا الله وجوههم جزاء من جنس عملهم. فلهم سواد الوجوه ولهم العذاب الشديد في جهنم. ولهذا قال اليس جهنم مسوى للمتكبرين. اليس في جهنم مثوى للمتكبرين عن الحق؟ وعن عبادة ربهم المفترين عليه بلى والله ان فيها لعقوبة وخزيا وسخطا. يبلغ من المتكبرين كل مبلغ. ويؤخذ الحق منهم بها والكذب على الله يشمل الكذب عليه. باتخاذ الشريك والولد والصاحبة. والاخبار عنه بما لا يليق بجلاله. او ادعاء النبوة او القول في بشرعه بما لم يقله والاخبار بانه قاله وشرعه. ولما ذكر حالة المتكبرين ذكر حالة المتقين. فقال بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم اي بنجاتهم. وذلك لان معهم الة النجاة. وهي تقوى الله تعالى التي هي العدة عند كل هول وشدة ولا هم يحزنون لا يمسهم السوء اي العذاب الذي يسوؤهم لا هم يحزنون فنفى عنهم مباشرة العذاب وخوفه. وهذا غاية الامان. فلهم الامن التام يصحبهم حتى يوصلهم الى دار السلام فحينئذ يأمنون من كل سوء ومكروه. وتجري عليهم نظرة النعيم ويقولون الحمدلله الذي اذهب عنا الحزن. ان ربنا لغفور شكور. يخبر تعالى عن عظمته وكماله الموجب لخسران من كفر به. فقال الله خالق كل شيء. هذه العبارة وما اشبهها مما هو كثير في القرآن تدل على ان جميع الاشياء غير الله مخلوقة. ففيها رد على كل من قال بقدم بعض المخلوقات كالفلاسفة القائلين بقدم الارض والسماوات وكالقائلين بقدم الارواح ونحو ذلك من اقوال اهل الباطل المتضمنة تعطيل الخالق عن خلقه. وليس كلام والله من الاشياء المخلوقة لان الكلام صفة المتكلم. والله تعالى باسمائه وصفاته. اول ليس قبله شيء. فاخذ اهل الاعتزال من هذه الاية ونحوها انه مخلوق من اعظم الجهل. فانه تعالى لم يزل باسمائه وصفاته. ولم يحدث له صفة من صفاته. ولم يكن معطلا عنها من الاوقات والشاهد من هذا ان الله تعالى اخبر عن نفسه الكريمة انه خالق لجميع العالم العلوي والسفلي وانه على كل شيء وكيل. والوكالة التامة لا بد فيها من علم الوكيل بما كان وكيلا عليه. واحاطة بتفاصيله ومن قدرة تامة على ما هو وكيل عليه. ليتمكن من التصرف فيه ومن حفظ لما هو وكيل عليه. ومن حكمة ومعرفة التصرفات ليصرفها ويدبرها على ما هو الاليق. فلا تتم الوكالة الا بذلك كله. فما نقص من ذلك فهو نقص فيها. ومن معلوم المتقرر ان الله تعالى منزه عن كل نقص في صفة من صفاته. فاخباره بانه على كل شيء وكيل. يدل على احاطة علمه بجميع الاشياء وكمال قدرته على تدبيرها وكمال تدبيره وكمال حكمته التي يضع بها الاشياء مواضعها السماوات والارض. والذين كفروا بايات الله اولئك هم الخاسرون له مقاليد السماوات والارض. اي مفاتيحها علما وتدبيرا. فما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها. وما يمسك فلا مرسل له ومن بعده وهو العزيز الحكيم. فلما بين من عظمته ما يقتضي ان تمتلئ القلوب له اجلالا واكراما. ذكر حال من عكس القضية. فلم يقدره حق قدره فقال والذين كفروا بايات الله الدالة على الحق اليقين والصراط المستقيم. اولئك هم الخاسرون. خسروا ما به تصلح القلوب من التأله والاخلاص وما به تصلح الالسن من اشغالها بذكر الله. وما تصلح به الجوارح من طاعة الله. وتعوضوا عن ذلك كل مفسد للقلوب والابدان خسروا جنات النعيم وتعوضوا عنها بالعذاب الاليم ايها الجاهلون قل يا ايها الرسول لهؤلاء الجاهلين الذين دعوك الى عبادة غير الله اي هذا الامر صدر من جهلكم والا فلو كان لكم علم بان الله تعالى كامل من جميع الوجوه. مسدي جميع النعم هو المستحق للعبادة. دون من كان ناقصا من كل وجه لا ينفع ولا يضر. لم تأمروني بذلك وذلك لان الشرك بالله محبط للاعمال مفسد للاحوال. ولهذا قال ولقد اوحي اليك والى الذين من قبلك ولقد اوحي اليك والى الذين من قبلك جميع الانبياء لان اشركت ليحبطن عملك. هذا مفرد مضاف يعم كل عمل. ففي نبوة جميع الانبياء ان الشرك محبط لجميع الاعمال كما قال تعالى في سورة الانعام لما عدد كثيرا من انبيائه ورسله قال عنهم ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده واشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون. ولتكونن من الخاسرين دينك واخرتك. فبشرك تحبط الاعمال ويستحق العقاب والنكال. ثم قال لها فاعبد لما اخبر ان الجاهلين يأمرونه بالشرك واخبر عن شناعته امره بالاخلاص فقال بل الله فاعبد اي اخلص له العبادة لا شريك له. وكن من الشاكرين لله على توفيق الله تعالى. فكما انه تعالى على النعم الدنيوية كصحة الجسم وعافيته وحصول الرزق وغير ذلك. كذلك يشكر ويثنى عليه بالنعم الدينية. كالتوفيق للاخلاص التقوى بل نعم الدين هي النعم على الحقيقة. وفي تدبر انها من الله تعالى والشكر لله عليها سلامة من افة العجب التي تعرض لنزولهم وقال لهم خزنتها الم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم ايات وقال لهم خزانتها مهنئين لهم بالشقاء الابدي والعذاب السرمدي وموبخين لهم على الاعمال التي اوصلتهم الى هذا المحل الفظيع الم يأتكم رسل منكم اي من جنسكم تعرفونهم وتعرفون صدقهم وتتمكنون من التلقي عنهم كثير من العاملين بسبب جهلهم والا فلو عرف العبد حقيقة الحال لم يعجب بنعمة تستحق عليه زيادة الشكر مطويات بيمينه. سبحان يقول تعالى وما قدر هؤلاء المشركون ربهم حق قدره ولا عظموه حق تعظيمه. بل فعلوا ما يناقض ذلك من اشراكهم به من هو ناقص في اوصافه وافعاله. فاوصافه ناقصة من كل وجه وافعاله ليس عنده نفع ولا ضر. ولا عطاء ولا منع ولا يملك من الامر شيئا. فسووا هذا المخلوق الناقص بالخالق الرب العظيم هذه من عظمته الباهرة وقدرته القاهرة ان جميع الارض يوم القيامة قبضة للرحمن وان السماوات على سعتها وعظمها مطويات بيمينه فلا عظمه حق عظمته من سوى به غيره. ولا اظلم منه اي تنزه وتعاظم عن شركهم به نفخ فيه اخرى فاذا هم قيام ينظرون مما خوفهم تعالى من عظمته. خوفهم باحوال يوم القيامة. ورغبهم ورهبهم فقال ونفخ في الصور وهو قرن عظيم. لا يعلموا عظمته الا خالقه. ومن اطلعه الله على علمه من خلقه. فينفخ فيه اسرافيل عليه السلام احد الملائكة المقربين. واحد حملة عرش الرحمن فصعق اي غشي او مات على اختلاف القولين من في السماوات ومن في الارض اي كلهم لما سمعوا نفخة ازعجتهم من شدتها وعظمها. وما يعلمون انها مقدمة له. ممن ثبته الله عند النفخة فلم يصعق كالشهداء او بعضهم وغيرهم. وهذه النفخة الاولى نفخة الصعق ونفخة الفزع ثم نفخ فيه اخرى. النفخة الثانية نفخة البعث اي قد قاموا من قبورهم لبعثهم وحسابهم قد تمت منهم الخلقة الجسدية والارواح وشخصت ابصارهم ينظرون ماذا يفعل الله بهم وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون. واشرقت الارض بنور لربها علم من هذا ان الانوار الموجودة تذهب يوم القيامة وتضمحل وهو كذلك فان الله اخبر ان الشمس تكور القمر يخسف والنجوم تندثر. ويكون الناس في ظلمة فتشرق عند ذلك الارض بنور ربها. عندما يتجلى وينزل للفصل بينهم فذلك اليوم يجعل الله للخلق قوة وينشأهم نشأة يقوون على الا يحرقهم نوره. ويتمكنون ايضا من رؤيته والا فنوره تعالى يا عظيم لو كشف لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من خلقه. ووضع الكتاب اي كتاب الاعمال وديوانه. وضع نشر ليقرأ ما فيه من الحسنات والسيئات. كما قال تعالى ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه. ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها. ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك احدا. ويقال العامل من تمام العدل والانصاف. اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا وجيء بالنبيين ليسألوا عن التبليغ وعن اممهم ويشهدوا عليهم والشهداء من الملائكة والاعضاء والارض وقضي بينهم بالحق اي العدل التام والقصة العظيم لانه حساب صادر ممن لا يظلم مثقال ذرة. ومن هو محيط بكل شيء. وكتابه الذي هو اللوح المحفوظ. محيط بكل ما والحفظة الكرام والذين لا يعصون ربهم قد كتبت عليهم ما عملوه واعدل الشهداء قد شهدوا على ذلك الحكم. فحكم بذلك من اعلم مقادير الاعمال ومقادير استحقاقها للثواب والعقاب. فيحصل حكم يقر به الخلق ويعترفون لله بالحمد والعدل. ويعرفون به من عظمته وعلمه وحكمته ورحمته ما لم يخطر بقلوبهم ولا تعبر عنه السنتهم. ولهذا قال وسيق الذين كفروا الى جهنم ابوابها هم خزنتها الم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم ايات ربكم يتلون يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين لما ذكر تعالى حكمه بين عباده الذين جمعهم في خلقه ورزقه وتدبيره. واجتماعهم في الدنيا واجتماعهم في موقف القيامة. فرقهم تعالى عند جزائهم. كما افترقوا في بني بالايمان والكفر والتقوى والفجور فقال اي عنيفا يضربون بالسياط الموجعة من الزبانية الغلاظ الشداد الى شر محبس وافظع موضع وهي جهنم التي قد جمعت كل عذاب كل شقاء وزال عنها كل سرور. كما قال تعالى يوم يدعون الى نار جهنم دعا. اي يدفعون اليها دفعا. وذلك من امتناعهم من دخولها ويساقون اليها زمرا اي فرقا متفرقة. كل زمرة مع الزمرة التي تناسب عملها. وتشاكل سعيها يلعن بعضهم بعضا. ويبرأ بعضهم من بعض خزنتها حتى اذا جاءوها اي وصلوا الى ساحتها فتحت لهم اي لاجلهم ابوابها لقدومهم يتلون عليكم ايات ربكم. يتلون عليكم ايات ربكم التي ارسلهم الله بها. الدالة على الحق اليقين باوضح البراهين. اي وهذا يوجب ثم اتباعهم والحذر من عذاب هذا اليوم باستعمال تقواه. وقد كانت حالكم بخلاف هذه الحال. قالوا مقرين بذنبهم وان حجة الله قامت عليهم بل قد جاءتنا رسل ربنا باياته وبيناته. وبينوا لنا غاية التبيين وحذرونا من هذا اليوم. ولكن حقت كلمة عذابي على الكافرين. اي بسبب كفرهم وجبت عليهم كلمة العذاب. التي هي لكل من كفر بايات الله. وجحد ما جاءت به المرسلون. فاعترفوا في ذنبهم وقيام الحجة عليهم. فقيل لهم على وجه الاهانة والاذلال فبئس مثوى المتكبرين. ادخلوا ابواب جهنم. كل طائفة تدخل من الباب الذي يناسب ويوافق عملها خالدين فيها ابدا. لا يطعنون عنها ولا يفتر عنهم العذاب ساعة ولا ينظرون. فبئس المتكبرين. اي بئس المقر. النار مقرهم. وذلك لانهم تكبروا على الحق. فجزاهم الله من في عملهم بالاهانة والذل والخزي. ثم قال عن اهل الجنة وسيق الذين اتقوا ربهم بتوحيده والعمل بطاعته سوق اكرام واعزاز يحشرون على النجائب الى الجنة زمرا. فرحين مستبشرين. كل زمرة مع الزمرة التي تناسب عملها وتشاكله وقال لهم خزنتها سلام حتى اذا جاءوها اي وصلوا لتلك الرحاب الرحيبة والمنازل الانيقة وهب عليهم ريحها ونسيمها وان خلودها ونعيمها وفتحت لهم ابوابها فتح اكرام لكرام الخلق ليكرموا فيها. وقال لهم خزنتها تهنئة لهم وترحيبا. سلام عليكم. اي سلام من كل افة وشر حال عليكم طبتم فادخلوها خالدين. طبتم اي طابت قلوبكم بمعرفة الله ومحبته وخشيته والسنتكم بذكره وجوارحكم بطاعته. فبسبب طيبكم ادخلوها خالدين. لانها الدار الطيبة ولا يليق بها الا الطيبون. وقال في النار فتحت ابوابها وقال في الجنة وفتحت بالواو اشارة الى ان اهل النار بمجرد وصولهم اليها فتحت لهم ابوابها من غير انذار ولا امهال. وليكون فتحها في وجوههم وعلى وصولهم. اعظم بحرها واشد لعذابها. واما الجنة فانها الدار العالية الغالية. التي لا يوصل اليها ولا ينالها كل احد. الا من اتى بالوسائل اليها ومع ذلك فيحتاجون لدخولها لشفاعة اكرم الشفعاء عليه. فلم تفتح لهم بمجرد ما وصلوا اليها بل يستشفعون الى الله محمد صلى الله عليه وسلم حتى يشفع فيشفعه الله تعالى. وفي الايات دليل على ان النار والجنة لهما ابواب تفتح وتغلق وان لكل منهما خزنة وهما الداران الخالصتان اللتان لا يدخل فيهما الا من استحقهما. بخلاف سائر الامكنة والدور الحمد لله الذي صدقنا واورثنا الارض. وقالوا عند دخولهم فيها واستقرارها حامدين ربهم على ما اولاهم ومن عليهم وهداهم. الحمد لله الذي صدقنا وعده. اي وعدنا الجنة على السنة رسله. ان وصلحنا فوفى لنا بما وعدنا وانجز لنا ما من انا فنعم اجر العاملين. واورثنا الارظ اي ارض الجنة نتبوأ من الجنة حيث نشاء. اي ننزل منها اي مكان شئنا. ونتناول منها اي نعيم اردنا. ليس ممنوع عن عنا شيء نريده. فنعم اجر العاملين. فنعم اجر العاملين الذين اجتهدوا بطاعة ربهم. في قليل منقطع فنالوا بذلك خيرا عظيما باقيا مستمرا. وهذه الدار التي تستحق المدح على الحقيقة. التي يكرم الله فيها خلقه ورضيه الجواد الكريم لهم نزلا وبنى اعلاها واحسنها. وغرسها بيده وحشاها من رحمته وكرامتهما بعضه يفرح الحزين ويزول الكدر ويتم الصفاء وترى الملائكة ايها الرائي ذلك اليوم العظيم حافين من حول العرش اي قد قاموا خدمة ربهم واجتمعوا حول عرشه خاضعين لجلاله معترفين بكماله. مستغرقين بجماله بالحق وقيل الحمد لله. يسبحون وبحمد ربهم ان ينزهونه عن كل ما لا يليق بجلاله مما نسب اليه المشركون وما لم ينسبوا. وقضي بينهم اي بين الاولين والاخرين ان من الخلق بالحق الذي لا اشتباه فيه ولا انكار. ممن عليه الحق. وقيل الحمد لله رب العالمين لم يذكر القائل من هو ليدل ذلك على ان جميع الخلق نطقوا بحمد ربهم وحكمته على ما قضى به على اهل الجنة واهل النار حمد فضل واحسان وحمد عدل وحكمة