المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله قصة يوسف ويعقوب عليهما الصلاة والسلام. هذه القصة من اعجب القصص وذكرها الله جميعا. وافردها بسورة مطولة مفصلة تفصيلا واضحة. قراءتها تغني عن التفسير. فان الله ساق فيها حالة يوسف من ابتداء امره الى اخره. وما بين ذلك من التنقلات واختلاف وقال فيها لقد كان في يوسف واخوته ايات للسائلين. فلنذكر ما يستنبط من هذه القصة العظيمة من الفوائد فنقول مستعينين بالله ذكر ما فيها من الفوائد. منها ان هذه القصة من احسن القصص واوضحها لما فيها من انواع التنقلات من حال الى حال ومن محنة الى محنة ومن محنة الى منحة ومنة ومن ذل الى عز ومن امن الى خوف وبالعكس ومن ملك الى رق وبالعكس ومن فرقة وشتات الى انضمام وائتلاف وبالعكس ومن سرور الى حزن وبالعكس ومن رخاء الى جدب وبالعكس ومن ضيق الى سعة ومن وصول الى عواقب حميدة فتبارك من قصها وجعلها عبرة لاولي الالباب. ومنها ما فيها من اصول تعبير الرؤيا المناسبة. وان علمك التعبير علم مهم يعطيه الله من يشاء من عباده. وان اغلب ما تبنى عليه المناسبات وضرب الامثال والمشابهة في الصفات. فوجه مناسبة رؤيا يوسف انه رأى الشمس والقمر والكواكب الاحد عشر ساجدين له. ان هذه زينة للسماء وفيها منافعها. وكذلك الانبياء والعلماء والاصفياء زينة الارض وبهم يهتدى في الظلمات كما يهتدى بالانوار السماوية. ولان اباه وامه اصل واخوته فرع عنهما. فمن المناسب ان يكون الاصل اعظم نورا وجرما من الفرع فلذلك كانت الشمس امه او اباه. والقمر الاخر منهما. والكواكب اخوته. ومن المناسب ان الساجد محترم لمن سجد له. والمسجود له معظم محترم. فدل ذلك على ان يوسف يصير معظما محترما لابويه واخوته. ولا يتم هذا الا بمقدمات تقتضي الوصول الى هذا من علوم واعمال واجتباء من الله. فلهذا قال وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الاحاديث. ويتم نعمته عليك ومنها المناسبة في رؤيا الفتيين حيث عبر رؤيا من رأى انه يعصر خمرا ان الذي يعمل هذا العمل يكون في العادة خادما لغيره. وايضا العصر مقصود لغيره والخادم تابع لغيره. ويؤول ايضا الى السقي الذي هو خدمته. فلذلك اوله بما يؤول اليه. واما تعبيره لرؤيا من رأى انه يحمل فوق رأسه خبزا تأكل الطير منه لانه يقتل ويصلب مدة حتى تأكل الطير من مخ رأسه الذي هو يحمل. وعبر رؤيا الملك بالبقرات والسنبلات بانها السنون المخصبة والمجدبة. ووجه المناسبة ان المالك به ترتبط امور الرعية ومصالحها. وبصلاحه تصلح وبفساد به تفسد. فهذه نسبته اذا رأى هو الرؤية. وكذلك السنون بخصبها وجذبها تنتظم امور المعاش او تختل. والبقرة هي الة حرث الارض واستخراج مغلها. والمغل هو الزرع. فرأى السبب والمسبب. فرؤيته السبع السمانة من البقر ثم السبع العجاف. والسبع السنبلات الخضر ثم السبعة اليابسات اي لابد ان تتقدم السبع السنين المقصدات ثم تتلوها المجدبات وتأكل ما حصل فيها من غلال ولا تبقي الا شيئا يحصنونه عنها والا فهي بصدد اكلها كلها. فان قيل من اين اخذ قوله ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون. فان بعض المفسرين قال هذه زيادة من يوسف في التعبير بوحي اوحي اليه. فالجواب ليس الامر كذلك وانما اخذها من رؤيا الملك. فان السنين المجذبة سبع فقط. فدل على انه سيأتي بعدها عام عظيم الخصب. كثير البركات يزيل الجب العظيم الحاصل من السنين المجدبة التي لا يزيلها عام خصب عادي. بل لا بد فيه من خصب خلاف العادة. وهذا واضح وهو من مفهوم العدد ومنها ما فيها من الادلة والبراهين على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم. حيث قص عليه هذه القصة المفصلة المبسوطة الموافقة للواقع التي اتت بالمقصود كله. وهو لم يقرأ كتب الاولين ولا دارس احدا كما هو معلوم لقومه. وهو بنفسه امي لا يقرأ ولا يكتب تب ولهذا قال ذلك من انباء الغيب نحييه اليك وما كنت لديهم اذ اجمعوا امرهم وهم يمكرون. ومنها انه ينبغي للعبد البعد عن اسباب الشر. وكتمان ما تخشى مضرته. لقول يعقوب اليوسف لا تقصص رؤياك على اخوتك فيكيدوا لك كيدا. ومن ذكر الانسان بما يكره على وجه الصدق والنصيحة له او لغيره لقوله فيكيدوا لك كيدا. ومنها ان نعمة الله على العبد نعمة على ما ان يتعلق به ويتصل من اهل بيته واقاربه واصحابه فانه لابد ان يصلهم ويشملهم منها جانب لقوله ويتم نعمته عليك وعلى ال يعقوب اي بما يحصل لك. ولهذا لما تمت النعمة على يوسف حصل لال يعقوب من العز والتمكين والسرور. وزوال المكروه وحصول محبوب ما ذكر الله في اخر القصة. ومنها ان النعم الكبيرة الدينية والدنيوية لابد ان يتقدمها اسباب ووسائل اليها بان الله حكيم وله سنن لا تتغير. قضى بان المطالب العالية لا تنال الا بالاسباب النافعة. خصوصا العلوم النافعة وما يتفرغ عنه من الاخلاق والاعمال. فلهذا عرف يعقوب ان وصول يوسف الى تلك الحالة التي يخضع له فيها ابوه وامه واخوته مقام عظيم. ومرتبة عالية وانه لابد ان ييسر الله ليوسف من الوسائل ما يوصله اليها. ولهذا قال وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الاحاديث ويتم نعمته عليك. ومنها ان العدل مطلوب في جميع الامور الصغار والكبار في معاملة السلطان لرعيته. ومعاملة الوالدين للاولاد والقيام بحقوق الزوجات وغير ذلك في المحبة والايثار ونحوها. وانه بالقيام بالعدل في ذلك تستقيم الامور صغارها وكبارها. ويحصل للعبد ما احب. وفي الاخلال بذلك تفسد الاحوال. ويحصل للعبد المكروه من حيث لا يشعر. بهذا لما قدم يعقوب عليه السلام يوسف في وجعل وجهه له يرى منهم على ابيهم واخيهم من المكروه ما جرى. ومنها الحذر من شؤم الذنوب. فكم من ذنب واحد استتبع ذنوبا كثيرة وتسلسل الشر المؤسس على الذنب الاول. وانظر الى جرم اخوة يوسف. فانهم لما ارادوا التفريق بينه وبين ابيه الذي هو من اعظم الجرائم. احتالوا على ذلك بعدة حيل. وكذبوا عدة مرات. وزوروا على ابيهم في القميص والدم الذي فيه. وفي صفة حالهم حين اتوا عشاء يبكون. ولابد ان الكلام في هذه القضية تسلسل وتشعب بل ربما انه اتصل الى الاجتماع بيوسف. وكل ما بحث في هذا الموضوع فهو بحث كذب وزور مع اثر المصيبة على يعقوب. بل وعلى يوسف فليحذر العبد من الذنوب خصوصا الذنوب المتسلسلة. وضد ذلك بعض الطاعات تكون طاعة واحدة ولكن يتسلسل نفعها وبركتها حتى تستتبع طاعات من الفاعل وغيره. وهذا من اعظم اثار بركة الله للعبد في علمه وعمله ومنها ان العبرة للعبد في حال كمال النهاية لا بنقص البداية فان اولاد يعقوب عليه السلام جرى منهم ما جرى في اول الامر من الجرائم المتنوعة ثم انتهى امرهم الى التوبة النصوح والاعتراف التام والعفو التام عنهم من يوسف ومن ابيهم والدعاء لهم بالمغفرة والرحمة واذا سمح العبد بحق فالله اولى بذلك وهو خير الراحمين الغافلين. ولهذا في اصح الاقوال ان الله جعلهم انبياء لمحو ما سبق منهم. وكأنه وما كان ولقوله وما انزل الينا وما انزل الى ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والاسباط. وهم اولاد يعقوب الاثنى عشر ذريتهم ومما يؤيد هذا ان في رؤيا يوسف انهم هم الكواكب التي فيها النور والهداية وهي من صفات الانبياء. فان لم يكونوا انبياء فانهم دماء عباد. ومنها ما من الله به على يوسف من العلم والحلم والاخلاق الكاملة. والدعوة الى الله والى دينه وعفوه عن اخوته الخاطئين عفوا بادرهم به وتمم ذلك بان اخبرهم انه لا تثريب عليهم بعد هذا العفو. ثم بره العظيم بابيه وامه واحسانه على اخوته. واحسانه على الخلق كما هو بين في سيرته وقصته. ومنها ان بعض الشر اهون من بعض وارتكاب اخف الضررين اولى من ارتكاب اعظمهما. فان اخوة يوسف لما قالوا اقتلوا يوسف او اطرحوه ارضا وقال قائل منهم لا تقتلوا يوسف والقوه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيار يلتقطه السيارة ان كنتم فاعلين كان قوله احسن منهم واخف. وبسببه خف عن اخوته الاثم الاكبر. وهو من جملة الاسباب التي قدر الله ليوسف في وصوله الى الغاية التي يريد. ومنها ان الشيء اذا تداولته الايدي وصار من جملة الاموال ولم يعلم المعاملون انه على غير وجه شرع فلا اثم على من باشره ببيع او شراء او خدمة او انتفاع او استعمال. فان يوسف باعه اخوته بيعا محرما عليهم. واشترته بناء على انه عبد لاخوة يوسف البائعين. ثم ذهبوا به الى مصر فباعوه بها. وبقي عند سيده غلاما رقيقا. وسماه الله وكان عندهم بمنزلة الرقيق المكرم وسمى الله شراء السيارة وشراءه في مصر معاملة لما ذكرنا. ومنها الحذر من الخلوة بالنساء اجنبيات وخصوصا اللاتي يخشى منهن الفتنة. والحذر ايضا من المحبة التي يخشى ضررها. فان امرأة العزيز جرى منها ما جرى بسبب توحدها يوسف وحبها الشديد له الذي ما تركها حتى راودته تلك المراودة. ثم كذبت عليه فسجن ذلك السجن الطويل. ومنها ان الهم الذي هم فبه يوسف ثم تركه لله ولبرهان الايمان الذي وضعه الله في قلبه مما يرقيه الى الله زلفى. لان الهم داع من دواعي النفس الامارة بالسوء وهو طبيعة طبع عليها الادمي. فاذا حصل الهم بالمعصية ولم يكن عند العبد ما يقاوم ذلك من الايمان والخوف من الله وقع ذنب. وان كان العبد مؤمنا كامل الايمان فان الهم الطبيعي اذا قابله ذلك الايمان الصحيح القوي منعه من ترتب اثره. ولو كان الداء قوية ولو كان الداعي قويا ولهذا كان يوسف من اعلى هذا النوع. قال تعالى لولا ان رأى برهان ربه بدليل قوله كذلك فلنصرف عنه السوء والفحشاء. انه من عبادنا المخلصين. لاستخلاص الله اياه وقوة ايمانه واخلاصه خلصه الله من من الوقوع في الذنب. فكان ممن خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى. ومن اعلى السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل الا ظله. فذكر صلى الله عليه وسلم منهم رجلا دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال اني اخاف الله. فهمها لما كان لا معارض له استمرت في وهمه عارض عرض ثم زال في الحال ببرهان ربه. ومنها ان من دخل الايمان قلبه ثم استنار بمعرفة ربه ونور الايمان به وكان مخلصا لله في كل احواله. فان الله يدفع عنه ببرهان ايمانه واخلاصه من انواع السوء والفحشاء واسباب المعاصي. ما هو جزاء ايمانه واخلاصه. لان الله علل صرف هذه الامور عن يوسف بقوله انه من عبادنا المخلصين. على قراءة من قرأها بكسر اللام. ومن قرأها بالفتح فان من اخلصه الله واجتباه فلابد ان يكون مخلصا. فالمعنيان متلازمان. ومنها انه ينبغي للعبد اذا ابتلي بالوقوع في محل فيه فتنة واسباب معصية ان يفر ويهرب غاية ما يمكنه. يتمكن من التخلص من ذلك الشر. كما فر يوسف هاربا للباب. وهي تمسك بثوبه وهو مدبر عنها. ومنها ان القرائن يعمل بها عند الاشتباه في الدعاوى. وذلك ان الشاهد الذي شهد اي حكم على يوسف وعلى المرأة القرينة فقال ان كان قميصه قد من قبل الى اخر القضية وصار حكمه هذا موافقا للصواب. ومن القرائن وجود السواع في رحل الاخ وقد اعتبر هذا وهذا ومنها ما عليه يوسف من الجمال الباهر ظاهرا وباطلا فان جماله الظاهر او جبل امرأة العزيز ما اوى اوجب من الحب المفرط والمراودة المستمرة. ولما لامها النساء دعتهن واعتدت لهن متكئا واتت كل واحدة منهن سكينا. وقال قالت اخرج عليهن. فلما رأيناه اكبرنه وقطعن ايديهن. وقلن حاشا لله ما هذا بشرا ان هذا الا ملك كريم. واما ما له الباطن فهو العفة العظيمة منه مع وجود الدواعي الكثيرة لوقوع السوء منه. لكن الايمان ونوره والاخلاص وقوته لا يشذ عنهما فضيلة ولا تجامعهما رذيلة. وقد بينت امرأة العزيز للنساء من يوسف الامرين. فانها لما ارتهن جماله الظاهر الذي اعترفن ان هذا الجمال لا يوجد في الادميين قالت ولقد راودته عن نفسه فاستعصم. وقالت بعد ذلك الان حصحص الحق ان راودته عن نفسه. وانه من الصادقين. ومنها ان يوسف عليه السلام اختار السجن على المعصية. فهكذا اذا ابتلي العبد باحد امرين. اما ان يلجأ الى فعل المعصية واما ان تعاقب عقوبة دنيوية فعليه ان يختار العقوبة الدنيوية التي فيها الثواب من هذا الوجه بعدة امور. ثواب من جهة اختياره الايمان على السلام من العقوبة الدنيوية وثواب من جهة ان هذا من باب التخليص للمؤمن والتصفية. وهو يدخل في الجهاد في سبيل الله. وثواب من جهة المصيبة التي نالته والالم الذي اصابه. وسبحان من ينعم ببلائه ويلطف باصفيائه. وهذا ايضا عنوان الايمان وعلامة السعادة. ومنها انه ينبغي للعابد ان يلتجأ الى ربه ويحتمي بحماه عند وجود اسباب المعصية. ويتبرأ من حوله وقوته. لقول يوسف والا تصرف عني كيدهن اصب اليهن واكن من الجاهلين. فالعبد الموفق يستعين ربه على دفع المعاصي واسبابها. كما يستعين به عند فعل الطاعات والخيرات والله كافي المتوكلين. ومنها ان العلم والعقل الصحيح يدعوان صاحبهما الى الخير وينهيانه عن الشر. وان الجهل يدعو صاحبه الى ضد ذلك لقوله اصب اليهن واكن من الجاهلين. اي الجاهلين بالامور الدينية والجاهلين بالحقائق النافعة والحقائق ومنها انه كما على العبد عبودية لربه في حال رخائه عليه عبودية في حال الشدة. فيوسف عليه السلام لم يزل تدعو الى الله فلما دخل السجن استمر على ذلك ودعا من يتصل به من اهل السجن ودعا الفتيين الى التوحيد ونهاهما عن الشرك ومن كمال رأيه وحكمته انه لما رأى فيهما قابلية لدعوته حين احتاج اليه في تعبير رؤياهما وقالا له انا نراك من المحسنين سنين رأى ذلك فرصة فدعاهما الى الله قبل ان يعبر رؤياهما. ليكون اقرب الى حصول المطلوب. ويبين لهما ان الذي اوصله الى هذه الحال التي رأياه فيها من الكمال والعلم وايمانه وتوحيده. التي رأيه فيها من الكمال والعلم. ايمانه وتوحيده وتركه لملته المشركين. وهذا دعاء لهما بالحال. ثم دعاهما بالمقال وبرهن لهما على حسن التوحيد ووجوبه. وعلى قبح الشرك وتحريمه. ومنها ان بالاهم فالاهم وانه اذا سئل المفتي وكان السائل حاجته في غير سؤاله اشد انه ينبغي له ان يعلمه ما يحتاج اليه قبل ان يجيب سؤاله فان هذا علامة على نصح المعلم وفطنته وحسن ارشاده وتعليمه فان يوسف لما سأله الفتيان عن رؤياهما وكانت حاجتهما الى التوحيد والايمان اعظم من كل شيء قدمها. ومنها ان من وقع في مكروه وشدة فلا بأس ان يستعين بمن له قدرة على تخليصه بفعله او بالاخبار بحاله. وان هذا لا يكون نقصا ولا شكوى الى المخلوق ممنوعة. فان هذا من الامور العادية التي جرى العرف باستعانة الناس بعضهم ببعض فيها. ولهذا قال يوسف للذي ظن انه ناج منهما اذكرني عند ربك. ومنها انه يتعين على المعلم والداعي الى الله اعمال الاخلاص التام في تعليمه ودعوته والا يجعل ذلك وسيلة الى معاوضة في مال او جاه او نفع. والا يمتنع من التعليم اذا لم يفعل السائل ما كلفه به المعلم فان يوسف قد وصى احد الفتيين ان يذكره عند ربه فلم يذكره ونسي. فلما بدت حاجتهم الى سؤال يوسف ارسلوا ذلك الفتى وجاءه سائلا مستفتيا عن تلك الرؤيا فلم يعنفه يوسف ولا وبخه بل ولا قال له لما لم تذكرني عند ربك؟ واجابه جواب تاما من جميع الوجوه. ومنها انه ينبغي للمسئول اذا اجاب السؤال ان يدل السائل على الامر الذي ينفعه مما يتعلق بسؤاله. ويرشده الى الطريق التي ينتفع بها في دينه ودنياه. فان هذا من كمال نصحه وجزالة رأيه. ان هذا من كمال نصحه وجزالة رأيه وحسن ارشاده ان يوسف لم يقتصر على تعبير رؤيا الملك بل دلهم مع ذلك وارشدهم. بل دلهم مع ذلك واشار عليهم بما يصنعونه في تلك السنين المخصبات من الاكثار من الزراعة وحسن الحفظ والجباية ومنها انه لا يلام العبد على دفع التهمة عن نفسه بل ذلك مطلوب. كما امتنع يوسف من الخروج من السجن حتى تتبين لهم برائته مع النسوة اللاتي قطعن ايديهن. ومنها فضيلة العلم علم الشرع والاحكام وعلم تعبير الرؤيا وعلم التدبير والتربية وعلم السياسة فان يوسف عليه السلام انما حصلت له الرفعة في الدنيا والاخرة بسبب علمه المتنوع وفيه ان علم التعبير المتنوعة وضاق العبد زرعا بحملها فرجها فارج الهم كاشف الغم. مجيب دعوة المضطرين. وهذه عوائده الجميلة خصوصا لاولياءه واصفيائه ليكون لذلك الوقع الاكبر والمحل الاعظم وليجعل من المعرفة بالله والمحبة له ما يوازن ويرجح بما داخل في الفتوى فلا يحل لاحد ان يجزم بالتعبير قبل ان يعرف ذلك كما ليس له ان يفتي في الاحكام بغير علم. لان الله سماها فتوى ففي هذه السورة ومنها انه لا بأس ان يخبر الانسان عما في نفسه من الصفات الكاملة من العلم وغيره. اذا كان في ذلك مصلحة وسلم من الكذب ولم يقصد به الرياء لقول يوسف اجعلني على خزائن الارض اني حفيظ عليم. فكذلك لا تذم الولاية اذا كان المتولي لها يقوم بما يقدر عليه من اقامة الشرع وايصال الحقوق الى اهلها. وانه لا بأس بطلبها ان كان اهلا. وانه لا بأس بطلبها ان كان اهلا واعظم كفاءة من غيره. وانما المذموم اذا لم يكن فيه كفاءة او كان موجودا من هو امثل منه ومثله. او لم يرد بها اقامة امر الله بل اراد الترأس والمأكلة المالية ومنها ان الله واسع الجود والكرم. يجود على عبده بخير الدنيا والاخرة. وان خير الاخرة له سببان لا ثالث لهما الايمان بكل ما اوجب الله الايمان به والتقوى التي هي امتثال الاوامر الشرعية واجتناب النواهي وان خير الاخرة خير من ثواب الدنيا وملكها انه ينبغي للعبد ان يدعو نفسه ويشوقها لثواب الله. ولا يدعها تحزن اذا رأت لذات الدنيا ورياستها. وهي عاجزة عنها بل فيها بالثواب الاخروي ليخفف عنها عدم حصول الدنيا. لقول يوسف ولا اجر الاخرة خير للذين امنوا وكانوا يتقون. ومنها ان جباية الارزاق اذا اريد بها التوسعة على الناس من غير ضرر يلحقهم لا بأس به. بل ذلك مطلوب. لان يوسف امرهم بجباية الارزاق اطعمتي في السنين المقصدات للاستعداد به للسنين المجدبات. وقد حصل به الخير الكثير. ومنها حسن تدبير يوسف. لما تولى خزائن الديار مصرية من اقصاها الى اقصاها فنهض بالزراعة حتى كثرت الغلال جدا. فصار اهل الاقطار يقصدون مصر لطلب الميرة منها عندما فقدوا ما عندهم بعلمهم بوفورها في مصر. ومن عدله وتدميره وخوفه ان يتلاعب بها التجار انه لا يكيل لاحد الا مقدار الحاجة الخاصة او اقل لا يزيد كل قادم عن كيل بعير وحمله وظاهر حاله هذا انه لا يعطي اهل البلد الا اقل من ذلك بكثير لحضورهم عنده ومنها مشروعية الضيافة وانها من سنن المرسلين واكرام الضيف لقول يوسف الا ترون اني اوفي الكيل وانا خير المنزلين ومنها ان سوء الظن مع وجود القرائن الدالة عليه غير ممنوع ولا محرم. فان يعقوب قال لاولاده الامانكم عليه الا كما امنتم على اخيه من قبله وقال بل سولت لكم انفسكم امرا فهم في الاخيرة وان لم يكونوا مفرطين. فقد جرى منهم ما اوجب لابيهم ان يقول ما قال من غير لوم عليه. ومنها ان استعمال الاسباب الدافعة للعين وغيرها من المكاره او الرافعة لها بعد نزولها غير ممنون وان كان لا يقع شيء الا بقضاء الله وقدره. فان الاسباب ايضا من القضاء والقدر لقول يعقوب يا بني لا تدخلوا من باب واحد ادخلوا من ابواب متفرقة. ومنها جواز استعمال الحيل والمكايد التي يتوصل بها الى الحقوق. وان العلم بالطرق الخفية الموصلة الى مقاصده مما يحمد عليه العبد. واما الحيل التي يراد بها اسقاط واجب او فعل محرم. ومنها انه ينبغي لمن اراد ان يوهم غيره بامر لا يحب بيانه له ان يستعمل المعاريض القولية والفعلية المانعة له من الكذب. كما فعل يوسف حين القى الصواع في رحل اخيه ثم استخرجها منه موهما انه سارقة وليس في ذلك تصريح بسرقته. وانما استعمل المعاريض ومثل هذا قوله معاذ الله ان نأخذ الا من وجدنا متاعنا عنده. ولم لم يقل من سرق متاعنا ومنها انه لا يجوز ان يشهد الا بما علمه وتحققه برؤية او سماع لقولهم وما شهدنا الا بما علمنا الا من شهد بالحق وهم يعلمون. ومنها هذه المحنة العظيمة التي امتحن الله بها نبيه وصفيه يعقوب. صلى الله عليه وسلم قضى بالتفريق بينه وبين ابنه يوسف الذي لا يقدر على فراقه ساعة واحدة. ويحزنه اشد الحزن. فتم لهذه الفرقة مدة طويلة يعقوب لم يفارق الحزن قلبه وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم. ثم ازداد به الامر حين اتصل فراق الابن الثاني بالاول وهو في ذلك صائب لامر الله محتسب الاجر من الله. وقد وعد من نفسه الصبر الجميل ولا ريب انه وفى بما وعد به. ولا ينافي ذلك قوله ان ما اشكو بثي وحزني الى الله فان الشكوى الى الله لا تنافي الصبر. وانما الذي ينافيه الشكوى الى المخلوقين. ولا ريب ان الله رفعه بهذا هذه المحنة درجات عالية ومقامات سامية. لا تنال الا بمثل هذه الامور. ومنها ان الفرج مع اشتداد الكرب. فانه لما تراكمت الشدائد فجرى على العبد بلا نسبة. ومنها جواز اخبار العبد بما يجد. وما هو فيه من مرض او فقر او غيرهما على غير وجه التسخط. لقول يعقوب يا اسفا على يوسف وقول اخوتي وقول اخوة يوسف مسنا واهلنا الضر واقرهم يوسف ومنها فضيلة التقوى والصبر وان كل خير في الدنيا والاخرة فمن اثار التقوى والصبر. وان عاقبة اهلهما احسن العواقب. لقوله قد من الله علينا انه من اتق واصبر فان الله لا يضيع اجر المحسنين. ومنها انه ينبغي للعبد اذا انعم عليه بنعمة بعد ضدها. ان يتذكر الحالة السابقة ثقة يعظم وقع هذه النعمة الحاضرة ويكثر شكره لله تعالى. ولهذا قال يوسف وقد احسن بي اذ اخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد ان نزغ الشيطان بيني وبين اخوتي ومنها ما في هذه القصة من الالطاف المتنوعة المسهلة للبلاء منها رؤيا يوسف السابقة فان فيها روحا ولطفا بيوسف وبيعقوب. وبشارة بالوصول الى تأويلها. ولطف الله بيوسف اذ اوحى اليه وهو في الجبن لتنبئنهم بامرهم هذا وهم لا يشعرون. وتنقلاته من حال الى حال. فان فيها الطاطا ظاهرة وخفية. ولهذا قال ففي اخر الامر ان ربي لطيف لما يشاء يلطف به في احواله الداخلية ويلطف له في الامور الخارجية ويوصله الى اعلى المطالب من حيث لا يشعر ومنها انه ينبغي للعبد ان يلح دائما على ربه في تثبيت ايمانه وان يحسن له الخاتمة وان يجعل خير ايامه هي اخرها وخير اعماله خواتمها. فان الله كريم جواد رحيم