وحالهم الشنيعة حين يحشرون. اي يجمعون الى النار فهم يوزعون. اي يرد اولهم على اخرهم يتبع اخرهم اولهم ويساقون اليها سوقا عنيفا. لا يستطيعون امتناعا ولا ينصرون انفسهم ولا هم ينصرون ام لم تنذرهم لا يؤمنون؟ بشيرا ونذيرا فاعرض اكثرهم فهم لا يسمعون. بشيرا ونذيرا اي بشيرا بالثواب العاجل والاجل. ونذيرا بالعقاب العاجل والاجل. وذكر تفصيلهما وذكر الاسباب والاوصاف التي تحصل المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم لكم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم تنزيل من الرحمن الرحيم. يخبر تعالى عباده ان هذا الكتاب الجليل والقرآن الجميل. تنزيه صادر من الرحمن الرحيم. الذي وسعت رحمته كل شيء. الذي من اعظم رحمته واجلها انزال هذا الكتاب. الذي حصل من العلم والهدى والنور والشفاء والرحمة والخير الكثير. ما هو من اجل نعمه على العباد. وهو الطريق للسعادة في الدارين ثم اثنى على الكتاب بتمام البيان فقال فصلت اياته. اي فصل كل شيء من انواعه على حدته. وهذا يستلزم البيان التام والتفريق بين كل شيء تركيز الحقائق قرآنا عربيا اي باللغة الفصحى اكمل اللغات فصلت اياته وجعل عربيا لقوم يعلمون اي لاجل ان يتبين لهم معناه كما تبين لفظه. ويتضح لهم الهدى من الضلال. والغي من الرشاد. واما الجاهلون الذين لا يزيدهم الهدى الا ضلالا. ولا البيان الا عمى. فهؤلاء لم يسق الكلام لاجلهم. وسواء عليهم اانذرتهم وبها البشارة والنذارة. وهذه الاوصاف للكتاب مما يوجب ان يتلقى بالقبول والاذعان والايمان والعمل به. ولكن اعرض اكثر الخلق عنه اعراض المستكبرين. فهم لا يسمعون له سماع قبول واجابة. وان كانوا قد سمعوا سماعا تقوم عليهم به الحجة الشرعية. وقالوا قلوبنا في اكننة مما تدعونا اليه ومن بيننا وبينك حجاب وقالوا اي هؤلاء المعرظون عنه مبينين عدم انتفاعهم به بسد وبالموصلة اليه قلوبنا في اكنه اي اغطية مغشاة مما تدعونا اليه وفي اذاننا وقر اي صمم فلا نسمع لك ومن بيننا وبينك حجاب فلا نراك. القصد من ذلك انهم اظهروا الاعراض عنه من كل وجه واظهروا بغض وهو الرضا بما هم عليه. ولهذا قالوا اي كما رضيت بالعمل بدينك فاننا كل الرضا بالعمل في ديننا. وهذا من اعظم الخذلان حيث رضوا بالضلال عن الهدى. واستبدلوا الكفر بالايمان وباعوا الاخرة بالدنيا قل انما انا بشر مثلكم يوحى الي انما الهكم انما الهكم قل لهم يا ايها النبي انما انا بشر مثلكم يوحى الي اي هذه صفتي ووظيفتي اني بشر مثلكم ليس بيدي من الامر شيء ولا عندي ما تستعجلون به وانما فضلني الله عليكم وميزني وخصني بالوحي الذي اوحاه الي. وامرني باتباعه ودعوتكم اليه. فاستقيموا اليه ايسلكوا الصراط الموصل الى الله تعالى بتصديق الخير الذي اخبر به واتباع الامر واجتناب النهي. هذه حقيقة الاستقامة قام ثم الدوام على ذلك. وفي قوله اليه تنبيه على الاخلاص. وان العامل ينبغي له ان يجعل مقصوده وغاية التي يعمل لاجلها الوصول الى الله والى دار كرامته. فبذلك يكون عمله خالصا صالحا نافعا. وبفواته يكون عمله باطلا. ولما كان العبد ولو حرص على الاستقامة لابد ان يحصل منه خلل بتقصير بمأمور. او ارتكاب منهي امر بدواء ذلك بالاستغفار المتضمن للتوبة. فقال واستغفروه ثم توعد من ترك الاستقامة فقال وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالاخرة هم كافرون. اي الذين عبدوا من دونه لا يملك نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. ودنسوا انفسهم فلم يزكوها بتوحيد ربهم والاخلاص له. ولم يصلوا ولا زكوا فلا اخلاص للخالق بالتوحيد والصلاة. ولا نفعل للخلق بالزكاة وغيرها اي لا يؤمنون بالبعث ولا بالجنة والنار. فلذلك لما زال الخوف من قلوبهم اقدموا على ما اقدموا عليه مما في الاخرة. ولما ذكر الكافرين ذكر المؤمنين ووصفهم وجزاءهم. فقال الصالحات لهم اجرا غير ممنون. ان الذين امنوا بهذا الكتاب وما اشتمل عليه مما دعا اليه من الايمان وصدقوا ايمانهم بالاعمال الصالحة الجامعة للاخلاص والمتابعة لهم اجر اي عظيم غير ممنون اي غير مقطوع ولا نافذ. بل هو مستمر مدى الاوقات. متزايد على الساعات. مشتمل على جميع اللذات والمشتهيات انكم لتكفرون بالذي خلق الارض في يومين وتجعلون له اندادا. ذلك رب وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها اقواتها في في اربعة ايام. سواء للسائلين ينكر تعالى ويعجب من كفر الكافرين به. الذين جعلوا معه اندادا يشركونهم معه. ويبذلون لهم ما يشاؤون من عباداتهم ويسوونهم بالرب العظيم الملك الكريم الذي خلق الارض الكثيفة العظيمة في يومين ثم دحاها في يومين بان جعل فيها من فوقها ترسيها عن الزوال والتزلزل وعدم الاستقرار. فكمل خلقها ودحاها واخراج اقواتها توابع ذلك في اربعة ايام سواء للسائلين عن ذلك. فلا ينبئك مثل خبير. فهذا الخبر الصادق الذي لا زيادة فيه فلا نقص ثم بعد ان خلق الارض استوى اي قصد الى خلق السماء وهي دخان قد ثار على وجه الماء. فقال لها ولما كان هذا التخصيص يوهم الاختصاص. عطف عليه بقوله وللارض ائتيا طوعا او كرها. اي انقاد لامر طائعتين او مكرهتين فلابد من نفوذه اذا اتينا طائعين. ليس لنا ارادة تخالف ارادتك فقضاهن سبع سماوات في يومين فتم خلق السماوات سوى الارض في ستة ايام اولها يوم الاحد واخرها يوم الجمعة. مع ان قدرة الله ومشيئته صالحة لخلق الجميع في لحظة واحدة ولكن مع انه قدير فهو حكيم رفيق. فمن حكمته ورفقه ان جعل خلقها في هذه المدة المقدرة واعلم ان ظاهر هذه الاية مع قوله تعالى في النازعات لما ذكر خلق السماوات قال والارض بعد ذلك دحاها يظهر منهما التعارض مع ان كتاب الله لتعارض فيه ولا اختلاف. والجواب عن ذلك ما قاله كثير من السلف ان خلق الارض وصورتها متقدم على خلق السماوات كما هنا. ودحي الارض بان اخرج منها ماءها ومرعاها. والجبال ارساها متأخر عن خلق السماوات كما في سورة النازعات. ولهذا قال فيها والارض بعد ذلك دحاها. اخرج منها الى اخره ولم يقل والارض بعد ذلك خلقها. وقوله واوحى في كل سماء امرها اي الامر تدبيرا لائق بها التي اقتضته حكمة احكم الحاكمين وزينا السماء الدنيا بمصابيح هي النجوم يستنار بها وتكون زينة وجمالا للسماء ظاهرا. وجمالا لها باطنا. بجعلها رجوما للشياطين. لئلا يفترق السمع فيها ذلك تقدير العزيز العليم. ذلك المذكور من الارض وما فيها والسماء وما فيها تقدير العزيز العليم الذي عزته قهر بها الاشياء ودبرها وخلق بها المخلوقات العليم الذي احاط علمه المخلوقات والغائب والشاهد. فترك المشركين الاخلاص لهذا الرب العظيم الواحد القهار. الذي انقادت المخلوقات لامره ونفذ في فيها قذرة من اعجب الاشياء. واتخاذهم له اندادا يسوونهم به. وهم ناقصون في اوصافهم وافعالهم اعجب واعجب ولا دواء لهؤلاء ان استمر اعراضهم الا العقوبات الدنيوية والاخروية. فلهذا خوفهم بقوله قالوا لو شاء ربنا فانا بما ارسلتم به كافرون. اي ان اعرض هؤلاء المكذبون بعدما بين لهم من اوصاف القرآن الحميدة. ومن صفات الاله العظيم فقل انذرتكم صاعقة. اي عذاب احفظه ومعانيه قد تكفل من انزله بحفظه. كما قال تعالى انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون تنزيل من حكيم في خلقه وامره يضع كل شيء موضعه وينزلها منازلها. حميد يستأصلكم ويجتاحكم مثل صاعقة عاد وثمود. القبيلتين المعروفتين حيث اجتاحهم العذاب. وحل عليهم العقاب وذلك بظلمهم وكفرهم. حيث جاءتهم الرسل من بين ايديهم ومن خلفهم. اي يتبع بعضهم بعضا متوالين. ودعوة جميعا واحدة الا تعبدوا الا الله اي يأمرون بالاخلاص لله وينهونهم عن الشرك. فردوا رسالتهم وكذبوهم قالوا لو شاء ربنا لانزل اي واما انتم فبشر مثلنا وهذه الشبهة لم تزل متوارثة بين المكذبين من وهي من اوهى الشبه فانه ليس من شرط الارسال ان يكون المرسل ملكا. وانما شرط الرسالة ان يأتي الرسول بما يدل على صدقه فليقدحوا ان استطاعوا بصدقهم بقادح عقلي او شرعي. ولن يستطيعوا الى ذلك سبيلا اه الذي خلقهم هو اشد منهم قوة. وكانوا باياتنا يجحدون. هذا تفصيل لقصة هاتين الامتين عاد وثمود. فاما عاد فكانوا مع كفرهم بالله وجحدهم بايات الله وكفرهم برسله. مستكبر في الارض قاهرين لمن حولهم من العباد ظالمين لهم قد اعجبتهم قوتهم وقالوا من اشد منا قوة. قال تعالى ردا عليهم بما يعرفه كل احد. فلولا خلقه اياهم لم يوجدوا فلو نظروا الى هذه الحال نظرا صحيحا لم يغتروا بقوتهم فعاقبهم الله عقوبة تناسب قوته التي اغتروا بها فارسلنا عليهم ريحا صرصرا اي ريحا عظيمة من قوتها وشدتها لها صوت مزعج كالرعد القاصف فسخرها الله عليهم سبع ليال وثمانية ايام حسوما. فترى القوم فيها صرعى كانهم اعجاز نخل خاوية نحسات فدمرتهم واهلكتهم. فاصبحوا لا يرى الا مساكنهم. وقال هنا في الحياة الدنيا والعذاب الاخرة اخزى وهم لا ينصرون لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا الذي اختزوا به وافتضحوا بين الخليقة اي لا يمنعون من عذاب الله ولا يمنعون انفسهم فاخذتهم صاعقة العذاب واما ثمود وهم القبيلة المعروفة الذين سكنوا الحجر وحواليه الذين ارسل الله اليهم صالحا عليه السلام يدعوهم الى توحيد ربهم وينهاهم عن الشرك. واتاهم الله الناقة اية عظيمة لها شرب ولهم شرب يوم معلوم. يشربون لبنها يوما ويشربون من الماء يوما. وليسوا ينفقون عليها بل تأكل من ارض ولهذا قال هنا واما ثمود فهديناهم اي هداية بيان وانما نص عليهم وان كان جميع الامم المهلكة قد قامت عليهم الحجة وحصل لهم البيان لان اية ثمود اية باهرة قد رآها صغيرهم وكبيرهم وذكرهم وانثاهم وكانت اية مبصرة. فلهذا خصهم بزيادة البيان والهدى. ولكنهم من ظلمهم وشرهم استحبوا العمى الذي هو الكفر والضلال على الهدى الذي هو العلم والايمان. فاخذهم العذاب بما كانوا يكسبون. لا ظلما من الله لهم ونجينا الذين امنوا وكانوا يتقون. اي نجى الله صالحا عليه السلام. ومن اتبعه من المؤمنين المتقين للشرك والمعاصي يخبر تعالى عن اعدائه الذين بارزوه بالكفر به وباياته. وتكذيب رسله ومعاداتهم ومحاربتهم شهد عليهم سمعهم وابصارهم وجلودهم حتى اذا ما جاءوها اي حتى اذا وردوا على النار. وارادوا الانكار او انكروا ما عملوه من المعاصي سمعهم وابصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون. شهد عليهم سمعهم وابصارهم وجلودهم عموم بعد خصوص. بما كانوا يعملون. اي شهد عليهم كل عضو من اعضائهم. فكل عضو يقول انا فعلت كذا وكذا يوم كذا وكذا. وخص هذه الاعضاء الثلاثة. لان اكثر الذنوب انما تقع بها او بسببها. فاذا شهدت عاتبوها وخلقكم اول مرة واليه ترجعون وقالوا لجلودهم هذا دليل على ان حادثة تقع من كل عضو كما ذكرنا لما شهدتم علينا ونحن ندافع عنكن الله الذي انطق كل شيء فليس في امكاننا الامتناع عن الشهادة حين انطقنا الذي لا يستعصي مشيئته احد. وهو خلقكم مرة فكما خلقكم بذواتكم واجسامكم خلق ايضا صفاتكم ومن ذلك الانطاق واليه ترجعون في الاخرة. فيجزيكم بما عملتم. ويحتمل ان المراد بذلك. الاستدلال على البعث بالخلق الاول. كما ما هو طريقة القرآن يا جنودكم. اي وما كنتم تختفون عن شهادة اعضائكم عليكم. ولا تحاذرون من ذلك ولكن ظننتم على المعاصي. فلذلك صدر منكم ما صدر وهذا الظن صار سبب هلاكهم وشقائهم. ولهذا قال الذي ظننتم بربكم ارداكم ارداكم فاصبحتم من الخالقين وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم. الظن السيء حيث ظننتم به ما لا يليق بجلاله. ارداكم اي اهلككم فاصبحتم من الخاسرين فاصبحتم من الخاسرين لانفسهم واهليهم واديانهم بسبب الاعمال التي اوجبها لكم ظنكم القبيح بربكم. فحقت عليكم كلمة العقاب والشقاء. ووجب عليكم الخلود الدائم في عذاب الذي لا يفتر عنهم ساعة فان يصبروا فالنار مثوى لهم فلا جلد عليها ولا صبر وكل حالة قدر امكان الصبر عليها. فالنار لا يمكن الصبر عليها. وكيف الصبر على نار قد اشتد حرها. وزادت على تنار الدنيا بسبعين ضعفا. وعظم غليان حميمها وزاد نتن صديدها. وتضاعف برد زمهريرها وعظمت سلاسها واغلالها وكبرت مقامعها وغلظ خزانها. وزال ما في قلوبهم من رحمتهم. وختام ذلك سخط الجبار وقوله لهم حين يدعونه ويستغيثون اخسئوا فيها ولا تكلمون. وان يستعتبوا فما هم من وان يستعتبوا ان يطلبوا ان يزال عنهم العتب ويرجعوا الى الدنيا ليستأنفوا العمل لانه ذهب وقته وعمر ما يعمر فيه من تذكر وجاءهم النذير وانقطعت حجتهم مع ان استعتابهم كذب منهم ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وانهم لكاذبون وقيدنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين ايديهم وما خلفهم. اي وقيدنا لهؤلاء غانمين الجاحدين للحق قرناء من الشياطين. كما قال تعالى الم تر انا ارسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم ازا اي تزعجهم الى المعاصي وتحثهم عليها بسبب ما زينوا لهم ما بين ايديهم وما خلفهم. فالدنيا زخرفوها باعينهم ودعوهم الى لذاتها وشهواتها المحرمة حتى افتتنوا. فاقدموا على معاصي الله وسلكوا ما شاءوا من محاربة الله ورسله والاخرة بعدوها عليهم وانسوهم ذكرها. وربما اوقعوا عليهم الشبه بعدم وقوعها. فترحل خوفها من قلوبهم فقادوهم الى الكفر والبدع والمعاصي. وهذا التسليط والتقييد من الله للمكذبين الشياطين. بسبب اعراضهم عن ذكر الله واياته وجحودهم الحق. كما قال تعالى ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين. وانهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون انهم مهتدون وحق عليهم القول في امم قد خلت من قبلهم وحق عليهم القول اي وجب عليهم ونزل القضاء والقدر بعذابهم في جملة امم قد خلت من قبلهم من الجن والانس انهم كانوا خاسرين. انهم كانوا خاسرين لاديانهم واخرتهم. ومن خسر فلا بد ان يذل ويشقى ويعذب يخبر تعالى عن اعراض الكفار عن القرآن وتواصيهم بذلك فقال وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن اي اعرضوا عنه باسماعكم واياكم ان تلتفتوا او تصغوا اليه ولا الى من جاء به فان اتفق انكم سمعتموه او سمعتم الدعوة الى احكامه فالغوا فيه. اي تكلموا بالكلام الذي لا فائدة فيه. بل فيه المضرة ولا تمكنوا مع قدرتكم احدا يملك عليكم الكلام به وتلاوة الفاظه ومعانيه. هذا لسان حالهم ولسان حالهم في الاعراض عن هذا القرآن. لعلكم ان فعلتم ذلك تغلبون. وهذه شهادة من الاعداء واوضح الحق ما شهدت به الاعداء فانهم لم يحكموا بغلبتهم لمن جاء بالحق الا في حال الاعراض عنه والتواصي بذلك كلامهم انهم ان لم يلغوا فيه بل استمعوا اليه والقوا اذهانهم انهم لا يغلبون. فان الحق غالب غير مغلوب يعرف هذا اصحاب الحق واعداؤه. ولما كان هذا ظلما منهم وعنادا لم يبق فيه مطمع للهداية. فلم يبق الا عذابهم ولهذا قال هم اسوأ الذي كانوا يعملون. وهو الكفر والمعاصي فانها اسوأ ما كانوا يعملون. لكونهم يعملون المعاصي غيرها فالجزاء بالعقوبة انما هو على عمل الشر. ولا يظلم ربك احدا النار لهم فيها دار الخلد جزاء ما كانوا باياتنا يجحدون. ذلك جزاء اعداء الله الذين حاربوه وحاربوا اولياءه بالكفر والتكذيب المجاندة والمجادلة النار لهم فيها دار الخلد اي الخلود الدائم الذي لا يفتر عنهم العذاب ساعة ولا هم وذلك فانها اية واضحة وادلة قاطعة مفيدة لليقين. فاعظم الظلم واكبر العناد جحدها والكفر بها ربنا ارنا الذين اضلانا من الجن والانس نجعلهما تحت اقدامنا. نجعلهما تحت اقدامنا ليكونا من الاسفلين. وقال الذين كفروا اي الاتباع منهم بدليل ما بعده على وجه الحنق على من اضلهم. ربنا ارنا الذين اضلانا من الجن والانس. اي الصنفين الذين قادانا الى الضلال والعذاب. من شياطين الجن وشياطين الانس الدعاة الى جهنم اي الاذلين المهانين كما اضلونا وفتنونا وصاروا سببا لنزولنا. ففي هذا بيان حنق بعضهم على بعض وتبري بعضهم من بعض الملائكة تتنزل عليهم الملائكة الا تخافوا الا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون. يخبر تعالى عن اوليائه وفي ضمن ذلك تنشيطهم والحث على الاقتداء بهم فقال ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا اي اعترفوا ونطقوا ورضوا بربوبية الله تعالى واستسلموا لامره ثم استقاموا على الصراط المستقيم علما وعملا فلهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الاخرة. تتنزل عليهم الملائكة الكرام ان يتكرر نزولهم عليهم مبشرين لهم عند الاحتضار لا تخافوا على ما يستقبل من امركم. ولا تحزنوا على ما مضى فنفوا عنهم المكروه الماضي والمستقبل. وابشروا بالجنة فانها قد وجبت لكم وثبتت وكان وعد الله مفعولا ويقولون لهم ايضا مثبتين لهم ومبشرين. نحن اولياءكم في الحياة الدنيا يحثونهم في الدنيا على الخير ويزينونه لهم ويرهبونهم عن الشر ويقبحونه في قلوبهم يدعون الله لهم ويثبتونهم عند المصائب والمخاوف. وخصوصا عند الموت وشدته والقبر وظلمته. وفي القيامة واهوالها وعلى الصراط وفي الجنة يهنئونهم بكرامة ربهم. ويدخلون عليهم من كل باب. سلام عليكم بما صبرتم فنعم بالدار ويقولون لهم ايضا ولكم فيها اي في الجنة ما تشتهي انفسكم قد اعد وهيئ ولكم فيها ما اي تطلبون من كل ما تتعلق به ارادتكم وتطلبونه من انواع اللذات والمشتهيات مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر اي هذا الثواب الجزيل والنعيم المقيم. نزل وضيافة من غفور غفر لكم السيئات رحيم حيث وفقكم لفعل الحسنات ثم قبلها منكم فبمغفرته ازال عنكم المحظور انا لكم المطلوب انني من المسلمين. هذا استفهام بمعنى النفي المتقرر. اي لا احد احسن قولا. اي كلاما وطريقة وحال ممن دعا الى الله بتعليم الجاهلين ووعظ الغافلين والمعرضين ومجادلة المبطلين بالامر بعبادة الله بجميع والحث عليها وتحسينها مهما امكن. والزجر عما نهى الله عنه. وتقبيحه بكل طريقة يوجب تركه. خصوصا من هذه الدعوة الى اصل دين الاسلام وتحسينه. ومجادلة اعدائه بالتي هي احسن. والنهي عما يضاده من الكفر والشرك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ومن الدعوة الى الله تحبيبه الى عباده بذكر تفاصيل نعمه وسعة جوده وكمال رحمته وذكر اوصاف كماله ونعوت جلاله. ومن الدعوة الى الله الترغيب في اقتباس العلم والهدى من كتاب الله وسنة رسوله حثوا على ذلك بكل طريق موصل اليه. ومن ذلك الحث على مكارم الاخلاق. والاحسان الى عموم الخلق. ومقابلة المسيء بالاحسان والامر بصلة الارحام وبر الوالدين. ومن ذلك الوعظ لعموم الناس. في اوقات المواسم والعوارض والمصائب. بما يناسب ذلك الحال الى غير ذلك مما لا تنحصر افراده. مما يشمله الدعوة الى الخير كله. والترهيب من جميع الشر. ثم قال وعمل صالحا. اي مع دعوته الخلق الى الله بادر هو بنفسه الى امتثال امر الله بالعمل الصالح الذي يرضي ربه اي المنقذين لامره السالكين في طريقه. وهذه المرتبة تمامها للصديقين. الذين عملوا على تكميل انفسهم لغيرهم وحصلت لهم الوراثة التامة من الرسل. كما ان من اشر الناس قولا من كان من دعاة الضلال السالكين لسبله بين هاتين المرتبتين المتباينتين التي ارتفعت احداهما الى اعلى عليين. ونزلت الاخرى الى اسفل سافلين. مراتب لا يعلمها الا الله وكلها معمورة بالخلق. ولكل درجات مما عملوا. وما ربك بغافل عما يعملون يقول تعالى ولا تستوي الحسنة ولا السيئة اي لا يستوي الحسنات والطاعات لاجل رضا الله تعالى. ولا فعل السيئات والمعاصي التي تسخطه ولا ترضيه. ولا يستوي الاحسان الى الخلق ولا الاساءة اليهم لفي ذاتها ولا في وصفها ولا في جزائها. هل جزاء الاحسان الا الاحسان؟ ثم امر باحسان خاص له موقع كبير وهو الاحسان الى من اساء اليك. فقال ادفع بالتي هي احسن. اي فاذا اساء اليك مسيء من الخلق خصوصا من له حق كبير عليك. كالاقارب والاصحاب ونحوهم. اساءة بالقول او بالفعل. فقابله بالاحسان اليه. فان قطعك وان ظلمك فاعفو عنه وان تكلم فيك غائبا او حاضرا فلا تقابله. بل اعف عنه وعامله بالقول اللين وان هجرك خطابك فطيب له الكلام. وابذل له السلام. فاذا قابلت الاساءة بالاحسان حصل فائدة عظيمة اي كأنه قريب شفيق وما يلقاها الا الذين صبروا اي وما يوفق لهذه الخصلة الحميدة الا الذين صبروا نفوسهم على ما تكره واجبروها على ما يحبه الله. فان النفوس مجبولة على مقابلة المسيء باساءته. وعدم العفو عنه. فكيف بالاحسان؟ فاذا صبر نفسه وامتثل امر ربه وعرف جزيل الثواب وعلم ان مقابلته للمسيء بجنس عمله لا يفيده شيئا ولا يزيد عداوة الا الشدة. وان احسانه اليه ليس بواضع قدره. بل من تواضع لله رفعه. هان عليه الامر. وفعل ذلك متلذذا مستحليا له. لكونها من خصال خواص الخلق التي ينال بها العبد الرفعة في الدنيا والاخرة. التي هي من اكبر خصال مكارم الاخلاق نزغ فاستعن بالله انه هو السميع العليم لما ذكر تعالى ما يقابل به العدو من الانس. وهو مقابلة اساءته بالاحسان. ذكر ما يدفع به العدو الجني وهو الاستعاذة بالله والاحتماء من شره. فقال واما ينزغنك من الشيطان نزغ. اي وقت من الاوقات. احسست بشيء من نزغات الشيطان اي من وساوسه وتزيينه للشر. وتكسيله عن الخير واصابة ببعض الذنوب. واطاعة له ببعض ما يأمر به اي اسأله مفتقرا اليه ان يعيذك ويعصمك منه السميع العليم. فانه يسمع قولك وتضرعك ويعلم حالك واضطرارك الى عصمته وحمايته اياته الليل والنهار والشمس والقمر. لا تسجدوا للشمس ولا للقمر ثم ذكرت على ان من اياته الدالة على كمال قدرته ونفوذ مشيئته وسعة سلطانه ورحمته بعباده وانه الله وحده لا شريك له الليل والنهار هذا بمنفعة ضيائه وتصرف العباد فيه وهذا بمنفعة ظلمه وسكون الخلق فيه والشمس والقمر اللذان لا تستقيم معايش العباد ولا ابدانهم ولا ابدان حيواناتهم الا بهم وبهما من المصالح ما لا يحصى عدده. لا تسجدوا للشمس ولا للقمر فانهما مدبران مسخران مخلوقان واسجدوا لله الذي خلقهن اي اعبدوه وحده لانه الخالق العظيم. ودعوا عبادة ما سواه من المخلوقات. وان كبر جرمه وكثرت مصالحه فان ذلك ليس منه وانما هو من خالقه تبارك وتعالى فخصوه بالعبادة واخلاص الدين له بالليل والنهار وهم لا يسألون. فان استكبروا عن عبادة الله تعالى ولم قادوا لها فانهم لن يضروا الله شيئا. والله غني عنهم وله عباد مكرمون. لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون ولهذا قال فالذين عند ربك يعني الملائكة المقربين اي لا يملون من عبادته بقوتهم وشدة الداعي القوي منهم الى ذلك اهتزت وربت. ومن اياته الدالة على كمال قدرته وانفراده بالملك والتدبير والوحدانية انك ترى الارض خاشعة اي لا نبات فيها. فاذا انزلنا عليها الماء اي المطر اهتزت اي تحركت بالنبات. ثم انبتت من كل زوج بهيج فيحيي به العباد والبلاد ان الذي احياها بعد موتها وهمودها لمحيي الموتى من قبورهم الى يوم بعثهم ونشورهم فكما لم تعجز قدرته على احياء الارض بعد موتها لا تعجز عن احياءها الموتى ان الذين يلحدون في اياتنا لا يخفون علينا افمن يلقى في النار خيرا الالحاد في ايات الله الميل بها عن الصواب باي وجه كان. اما بانكارها وجحودها وتكذيب من جاء بها واما تحريفها وتصريفها عن معناها الحقيقي واثبات معان لها ما ارادها الله منها. فتوعد تعالى من امحد فيها بانه لا يخفى عليه بل هو مطلع على ظاهره وباطنه. وسيجازيه على الحاده بما كان يعمل. ولهذا قال افمن يلقى في النار مثل الملحد بايات الله خير ام من يأتي امنا يوم القيامة من عذاب الله مستحقا لثوابه. من المعلوم ان هذا خير. لما تبين الحق من الباطل المنجي من عذابه من الطريق المهلك قالوا ما شئتم ان شئتم فاسلكوا طريق الرشد الموصلة الى رضا ربكم وجنته. وان شئتم فاسلكوا طريق الغي المسخطة لربكم. الموصلة الى ادار الشقاء يجازيكم بحسب احوالكم واعمالكم كقوله تعالى وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. ثم قال تعالى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ان الذين كفروا بالذكر اي يجحدون القرآن الكريم المذكرا للعباد جميع مصالحهم الدينية والدنيوية والاخروية. المعني لقدر من اتبعه. لما جاءهم نعمة من ربهم على يد افضل الخلق واكملهم والحال انه لكتاب جامع لاوصاف الكمال. عزيز اي منيع من كل من اراده بتحريف او سوء. ولهذا قال لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. اي لا يقربه شيطان من شياطين الانس والجن لا بسرقة ولا بادخال ما ليس منه به ولا بزيادة ولا نقص فهو محفوظ في تنزيله محفوظة الفاظ كن على ما له من صفات الكمال ونعوت الجلال وعلى ما له من العدل والافضال. فلهذا كان كتابه مشتملا على تمام الحكمة وعلى تحصيل المصالح والمنافع ودفع المفاسد والمضار التي يحمد عليها. ما يقال لك الا ما قد قيل اي ما يقال لك ايها الرسول من اقوال الصادرة ممن كذبك وعاندك. الا ما قد قيل للرسل من قبلك. اي من جنسها. بل ربما انهم تكلموا بكلام واحد كتعجب جميع الامم المكذبة للرسل. من دعوتهم الى الاخلاص لله وعبادته وحده لا شريك له. وردهم هذا بكل طريق يقدرون عليه وقولهم ما انتم الا بشر مثلنا. واقتراحهم على رسلهم الايات التي لا يلزمهم الاتيان بها. ونحو ذلك من اقوال اهل التكذيب لما تشابهت قلوبهم في الكفر تشابهت اقوالهم وصبر الرسل عليهم السلام على اذاهم وتكذيبهم فاصبر كما صبر من قبلك. ثم دعاهم الى التوبة والاتيان باسباب المغفرة. وحذرهم من الاستمرار على الغي فقال ربك لذو مغفرة وذو عقاب اليم. ان ربك لذو مغفرة اي عظيمة يمحو بها كل ذنب لمن اقلع وتاب وذو عقاب اليم لمن اصر واستكبر آآ والذين لا يؤمنون في اذانهم مكروا وهو عليهم عمى. اولئك ينادون من من مكان بعيد. يخبر تعالى عن فضله وكرمه حيث انزل كتابه عربيا على الرسول العربي بلسان قومه بين لهم وهذا مما يوجب لهم زيادة الاعتناء به. والتلقي له والتسليم. وانه لو جعله قرآنا اعجميا بلغة غير العرب اعترض المكذبون وقالوا لولا فصلت اياته اي هلا بينت اياته ووضحت وفسرت ااعجمي وعربي اي كيف يكون محمد عربيا والكتاب اعجمي؟ هذا لا يكون فنفى الله تعالى كل امر يكون فيه شبهة لاهل الباطل عن ووصفه بكل وصف يوجب لهم الانقياد. ولكن المؤمنون الموفقون انتفعوا به وارتفعوا. وغيرهم بالعكس من احوالهم ولهذا قال ان يهديهم لطريق الرشد والصراط المستقيم ويعلمهم من العلوم النافعة ما به تحصل الهداية التامة وشفاء له من الاسقام البدنية والاسقام القلبية. لانه يصدر عن المساوئ الاخلاق واقبح الاعمال. ويحث على التوبة النصوح التي تغسل الذنوب وتشفي القلب اذانهم مقرون وهو عليهم عمى. والذين لا يؤمنون بالقرآن في اذانهم وقر. اي صمم عن استماعه واعراض وهو عليهم عمى. اي لا يبصرون به رشدا ولا يهتدون به. ولا يزيدهم الا ضلالا. فانهم اذا ردوا الحق ازدادوا عما الى عماهم وغيا الى غيهم. اينا دول الى الايمان ويدعون اليه فلا يستجيبون. بمنزلة الذي ينادى وهو في مكان بعيد. لا يسمع داعيا ولا يجيب مناديا. والمقصود ان الذين لا يؤمنون بالقرآن لا ينتفعون بهداه ولا يبصرون بنوره. ولا يستفيدون منه خيرا. لانهم سدوا على انفسهم ابواب الهدى باعراضهم وكفرهم يقول تعالى ولقد اتينا موسى الكتاب كما اتيناك الكتاب فصنع به الناس ما صنعوا معك اختلفوا فيه فمنهم من امن به واهتدى وانتفع ومنهم من ولم ينتفع به. وان الله تعالى لولا حلمه وكلمته السابقة بتأخير العذاب الى اجل مسمى. لا يتقدم عليه لا يتأخر لقضي بينهم بمجرد ما يتميز المؤمنون من الكافرين باهلاك الكافرين في الحال. لان سبب الهلاك قد وجب هو حق اي قد بلغ بهم الى الريب الذي يطلقهم فلذلك كذبوه وجحدوه من عمل صالحا فلنفسه وهو العمل الذي امر الله به ورسوله فلنفسه نفعه وثوابه في الدنيا والاخرة. ضرره وعقابه في الدنيا والاخرة. وفي هذا حث على فعل الخير وترك الشر وانتفاع العاملين باعمالهم الحسنة. وضررهم باعمالهم السيئة. وانه لا تزر وازرة وزر اخرى. وما فيحمل احدا فوق سيئاتهم من ثمرة من اكمامها وما تحمل من انثى ولا تضع الا بعلمه. ويوم يناديهم اي ما منا من شهيد. هذا اخبار عن سعة علمه تعالى واختصاصه بالعلم الذي لا يطلع عليه سواه. فقال اليه يرد علم الساعة اي جميع الخلق ترد علمها الى الله تعالى. ويقرون بالعجز عنه الرسل والملائكة وغيرهم. وما تخرج من ثمرات من اكمامها اي وعائها الذي تخرج منه. وهذا شامل لثمرات في جميع الاشجار التي في البلدان والبراري. فلا تخرج ثمرة شجرة من الاشجار. الا وهو يعلمها علما تفصيليا وما تحمل من انثى من بني ادم وغيرهم من انواع الحيوانات الا بعلمه ولا تضع انثى حملها الا بعلمه. فكيف سوى المشركون به تعالى من لا علم عنده ولا سمع ولا بصر ناديهم اين شركائي قالوا اذناك ما منا من شهيد. ويوم يناديهم اي المشركين به يوم القيامة توبيخا واظهارا لكذبهم. فيقول لهم اين شركائي الذين زعمتم انهم شركائي عبدتموهم وجادلتم على ذلك وعاديتم الرسل لاجلهم. قالوا مقرين ببطلان الهيتهم وشركتهم مع الله. اذنناك ما منا من شهيد اي اعلمناك يا ربنا واشهد علينا انه ما منا احد يشهد بالصحة الاهيتهم وشركتهم فكلنا الان قد رجعنا الى بطلان عبادتها وتبرأنا منها. ولهذا قال وضل عنهم ما كانوا يدعون من دون الله اي ذهبت عقائدهم واعمالهم التي افنوا فيها اعمارهم على عبادة غير الله. وظنوا انها تفيدهم وتدفع عنهم العذاب. وتشفع لهم عند الله. فخاب سعيهم وانتقم ظنهم ولم تغني عنهم شركاؤهم شيئا. وظنوا اي ايقنوا في تلك الحال ما لهم من محيص. اي منقذ ينقذهم ولا مغيث ولا ملجأ. فهذه عاقبة من اشرك بالله غيره. يبينها الله لعباده. ليحذروا الشرك به وان مسه الشر فيؤوس قنوطة. هذا اخبار عن طبيعة الانسان من حيث هو وعدم صبره وجلده. لا على الخير ولا على الشر. الا من نقله الله من هذه الحال الى حال الكمال فقال لا يسأم الانسان من دعاء الخير اي لا يمل دائما من دعاء الله في الغنى والمال والولد وغير ذلك من مطالب الدنيا ولا يزال يعمل على ذلك. ولا يقتنع بقليل ولا كثير منها. فلو حصل له من الدنيا ما حصل. لم يزل طالبا للزيادة وان مسه الشر اي المكروه كالمرض والفقر وانواع البلايا اي ييأس من رحمة الله تعالى. ويظن ان هذا البلاء هو القاضي عليه بالهلاك. ويتشوش من الاسباب على غير ما يحب ويطلب. الا الذين صبروا وعملوا الصالحات. فانهم اذا اصابهم الخير والنعمة والمحاب. شكروا الله تعالى وخافوا ان تكون نعم الله عليهم استدراجا وامهالا. وان اصابتهم مصيبة في انفسهم واموالهم واولادهم صبروا. ورجو فضل ربهم فلم ييأسوا. ثم قال تعالى من عذاب غليظ. ولئن اذقناه اي الانسان الذي لا يسأم من دعاء الخير. وان مسه الشر فيؤوس قنوط. رحمة منا اي بعد ذلك الشر الذي اصابه بان عافاه الله من مرضه او اغناه من فقره فانه لا يشكر الله تعالى بل يبغي ويطغى ويقول هذا لي اي اتاني لاني له اهل وانا مستحق له. وما اظن الساعة قائمة. وهذا انكار من للبعث وكفر للنعمة والرحمة التي اذاقها الله له اي على تقدير اتيان الساعة واني سارجع الى ربي ان لي عنده للحسنى. فكما حصلت لي النعمة في الدنيا فانها ستحصل لي في الاخرة وهذا من اعظم الجراءة والقول على الله بلا علم. فلهذا توعده الله بقوله اي شديد جدا واذا انعمنا على الانسان بصحة او رزق او غيرهما اعرض عن ربه وعن شكره ونأى اي ترفع بجانبه عجبا وان مسه الشر اي المرض او الفقر او غيرهما اي كثير جدا لعدم صبره فلا صبر في الضراء ولا شكر في الرخاء الا من هداه الله ومن عليه من اضل ممن هو في شقاق من بعيد. اي قل لهؤلاء المكذبين بالقرآن المسارعين الى الكفران. ارأيتم ان كان هذا القرآن من عند الله؟ من غير شك ولا ارتياب اي معاندة لله ولرسوله لانه تبين لكم الحق والصواب ثم عدلتم عنه لا الى حق بل الى باطل وجهل. فاذا تكونون اضل الناس واظلمهم فان قلتم او شككتم بصحته وحقيقته فسيقيم الله لكم ويريكم من اياته في الافاق كالايات التي في السماء وفي الارظ وما يحدثه الله تعالى من الحوادث العظيمة الدالة للمستبصر على الحق. وفي انفسهم مما اشتملت عليه ابدانهم من بديع ايات الله وعجائب صنعته وباهر قدرته وفي حلول العقوبات والمثولات في المكذبين. ونصر المؤمنين. حتى يتبين لهم من تلك الايات بيانا لا يقبل الشك انه الحق. وما اشتمل عليه حق. وقد فعل تعالى فانه ارى عباده من الايات ما به تبين لهم انهم الحق ولكن الله هو الموفق للايمان من شاء. والخاذل لمن يشاء كل شيء شهيد. اي اولم يكفهم على ان القرآن حق. ومن جاء به صادق بشهادة الله تعالى. فانه قد شهد له بالتصديق وهو اصدق الشاهدين. وايده ونصره نصرا متضمنا لشهادته القولية. عند من شك فيها. الا الا انهم في مرية من لقاء ربهم اي في شك من البعث والقيام وليس عندهم دار سوى الدار الدنيا. فلذلك لم يعملوا للاخرة ولم يلتفتوا لها. الا علما وقدرة وعزة