المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله قصة خاتم النبيين وامام المرسلين. ومن انزل عليه القرآن هدى ورحمة للمؤمنين. اعلم ان سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم اعظم عون على معرفة تفسير كتاب الله. والقرآن انما كان ينزل تبعا لمناسبات سيرته وما يحصل به تحقيق الحق الذي جاء به. وابطال المذاهب التي جاء لابطالها. وهذا من حكمة انزاله مفرقا. كما ذكر الله هذا المعنى بقوله كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا. ولا يأتونك بمثل الا جئناك بالحق واحسن تفسيرا وقال وكلا نقص عليك من انباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق فلنشر من سيرته صلى الله عليه وسلم على الاحوال المناسبة لنزول الايات المعينات او لجنس النوع من علوم القرآن ليكون عونا في هذا المقام. فاول مقاماته في انزال القرآن عليه انه كان قبل البعثة قد بغضت اليه عبادة الاوثان. وبغض اليه كل قول وفعل قبيح وفطر صلى الله عليه وسلم فطرة مستعدة متهيئة لقبول الحق علما وعملا. والله تعالى هو الذي طهر قلبه وزكاه وكمل فكان من رغبته العظيمة فيما يقرب الى الله انه كان يذهب الى غار حراء. الايام ذوات العدد ويأخذ معه طعاما يطعموا منه المساكين ويتعبد ويتحنس فيه. فقلبه في غاية التعلق بربه. ويفعل من العبادات ما وصل اليه علمه في في ذلك الوقت الجاهلي الخالي من العلم ومع ذلك فهو في غاية الاحسان الى الخلق. فلما تم عمره اربعين سنة وتمت قوته العقلية. وصلح لتلقي اعظم رسالة ارسل الله بها احدا من خلقه تبدى له جبريل صلى الله عليه وسلم فرأى منظرا هاله وازعجه اذا لم يتقدم له شيء من ذلك اذ لم يتقدم له شيء من ذلك. وانما قدم الله له الرؤيا التي كان لا يرى رؤيا الا جاءت مثل فلق الصبح فاول ما انزل الله عليه اقرأ باسم ربك. فجاءه بها جبريل وقال له اقرأ فاخبره انه ليس بقارئ. اي لا اعرف ان يقرأ كما قال تعالى ووجدك ضالا فهدى. وتفسيرها الاية الاخرى ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا. فغطه جبريل مرتين او ثلاثا ليهيئه لتلقي القرآن العظيم. فتجرد قلبه وهمته وظاهره وباطنه لذلك فنزلت هذه السورة التي فيها نبوته وامره بالقراءة باسم ربه وفيها اصناف نعمه على الانسان بتعليمه البيان العلمي اللفظي والبيان الرسمي فجاء بها الى خديجة ترعد فجاء بها الى خديجة ترعد فرائسه من الفرق واخبر بما رآه وما جرى عليه. فقالت خديجة رضي الله عنها كلا ابشر. فوالله لا يخزيك الله ابدا. انك لتصل الرحم وتقري الضيف وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتعين على نوائب الحق. ايها من كانت هذه صفته فانها تدعي نعما من الله اكبر منها واعظم. وكان هذا من توفيق الله لها ولنبيه. ومن تهوين القلق الذي اصابه. وبهذه السورة ابتدأت نبوته ثم فطر عنه الوحي مدة ليشتاق اليه وليكون اعظم لموقعه عنده. وكان قد رأى الملك على صورته انزعج فجاء الى خديجة ايضا ترعب فرائسه فقال دثروني دثروني فانزل الله عليه يا ايها المدثر قم فانذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجس فاهجر. فكان في هذا الامر له بدعوة الخلق وانذارهم فشمر صلى الله عليه وسلم عن عزمه وصمم على الدعوة الى ربه مع علمه انه سيقاوم بهذا الامر البعيد والقريب. وسيلقى كل معارضة من قومه ومن غيرهم وشدة. ولكن الله ايد وقوى عزمه وايده بروح منه وبالدين الذي جاء به وجاءته سورة الضحى في فترة الوحي لما قال المكذبون ان رب محمد قلاه قال والضحى الليل اذا سجى. ما ودعك ربك وما قلى. الى اخرها. وهذا اقتناء عظيم من الله برسوله ونفي لكل نقص وبشارة بان كل حالة له احسن مما قبلها وخير منها. وان الله سيعطي على النصر والاتباع والعز العظيم وانتشار الدين ما يرضيه فكان اعظم مقامات دعوته دعوته الى التوحيد الخالص والنهي عن ضده دعا الناس لهذا وقرره الله في كتابه وصرفه بطرق كثيرة واضحة تبين وجوب التوحيد وحسنه وتعينه طريقا الى الله والى دار كرامته وقرار ابطال الشرك والمذاهب الضارة بطرق كثيرة احتوى عليها القرآن وهي اغلب السور المكية فاستجاب له في هذا الواحد بعد الواحد على شدة عظيمة من قومه وقاومه قومه وغيرهم وبغوا له الغوائل وحرصوا على اطفاء دعوته بجهدهم وقولهم وفعلهم وهو يجادلهم ويتحداهم ان يأتوا بمثل هذا القرآن. وهم يعلمون انه الصادق الامين. ولكنهم يكابرون ويجحدون الله كما قال تعالى فانهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بايات الله يجحدون ولهذا لما كان استماعهم للقرآن على وجه الكفر والجحد والتكذيب وتوطين نفوسهم على معاداته. اخبر الله تعالى انه جعل على قلوب اكنة ان يفقهوه. وفي اذانهم وقرا. وانهم لا يهتدون بسبب ما اسسوا من هذا الاصل الخبيث المانع لصاحبه من كل خير وهدى. وهذا مما يعلم به حكمة الباري في اضلال الضالين. وانهم لما اختاروا لانفسهم الضلال ورغم فيه ولاهم الله ما تولوا لانفسهم وتركهم في طغيانهم يعمهون. وانهم لما ردوا نعمة الله عليهم حين جاءتهم قلب الله افئدتهم واصم اسماعهم واعمى ابصارهم وافئدتهم. وهذا الوصف الذي اشرنا اليه قد ذكره الله في كتابه عنهم وهو يعينك على فهم ايات كثيرة يخبر الله فيها بضلالهم وانسداد طرق الهداية عليهم وعدم قبول محالهم وقلوبهم للهدى والذنب ذنبهم وهم السبب في ذلك. قال تعالى فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة. انهم اتخذوا شياطين اولياء من دون الله. وبضده تعرف الحكمة في هدايته للمؤمنين. وانهم لما كانوا منصفين ليس غرضهم الا الحق ولا لهم قصد الا طلب رضا ربهم. هداهم الله بالقرآن وازدادت بهم علومهم ومعارفهم وايمانهم وهدايتهم متنوعة. قال تعالى يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام. ويخرجهم من الظلمات الى النور باذنه اهديهم الى صراط مستقيم وهذا الوصف الجليل للمؤمنين هو الاساس لهدايتهم وزيادة ايمانهم وانقيادهم وبه ينفتح لك الباب في فهم الايات في اوصاف المؤمنين وسرعة انقيادهم للحق اصوله وفروعه. ومن مقامات النبي صلى الله عليه وسلم مع المكذبين له. انه يدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة ويجادلهم بالتي هي احسن ويدعوهم افرادا ومجتمعين. ويذكرهم بالقرآن ويتلوه في الصلاة خارجها وكانوا اذا سمعوه صموا اذانهم. وقد يسبونه ويسبون من انزله. فانزل الله على رسوله ايات كثيرة في هذا المعنى يبين حالهم مع سماع القرآن وشدة نفورهم كانهم حمر مستنفرة فرت من قسورة وان شياطينهم ورؤساءهم في الشر فكروا وقدروا ونظروا فيما يقولون عن القرآن ويصفونه به لينفروا عنه الناس حتى قرار رئيسهم الوليد بن المغيرة الذي سماه الله وحيدا. فقال ان هذا الا سحر يؤثر ان الا قول البشر ولكن ابى الله الا ان يعلو هذا الكلام كل كلام. ويزهق هذا الحق كل باطل. وكانوا من افكهم يقولون في القرآن الاقوال المتناقضة يقولون انه سحر انه كهانة انه شعر انه كذب انه اساطير فجعلوا القرآن عضين. كل هذا اثر البغض الذي احرق قلوبهم حتى قالوا فيه مقالة المجانين. فكلما قالوا قولا من هذه الاقوال انزل الله ايات يبطل بها ما قالوا. ويبين زورهم وافتراءهم وتناقضهم. وكان من الادلة والبراهين على رسالة صلى الله عليه وسلم وان القرآن من عند الله مقابلة المكذبين له. فان من نظر اليها علم انها سلاح عليهم ودليل على انهم مقاومون للحق ساعون في ابطاله. وانهم على الباطل الذي ليس له حظ من العقل. كما ليس له حظ من الدين وكانوا ايضا يقولون في النبي صلى الله عليه وسلم الاقوال التي ليس فيها دلالة على ما كانوا يعتقدون. وليس فيها نقص بالنبي صلى الله الله عليه وسلم يقولون لو ان محمدا صادق لانزل الله ملائكة يشهدون له بذلك ولاغناه الله عن المشي في الاسواق وطلب الرزق كما يطلبه غيره. ولجعل له كذا وكذا مما توحي اليه عقولهم الفاسدة. ويذكرها الله في القرآن في مواضع متعددة تارة يصورها للعباد فقط لان من تصورها عرف بطلانها وانها ليست من الشبه القادحة فضلا عن عن الحجج المعتبرة وتارة يصورها ويذكر ما يبطلها من الامور الواضحة. وهذا كثير في القرآن. ومن مقاماتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم انهم يسعون اشد السعي ان يكف عن عيب الهتهم والطعن في دينهم. ويحبون ان يتاركهم لعلمهم انه اذا ذكر الهتهم ووصفها بالصفات التي هي عليها من النقص. وانها ليس فيها شيء من الصفات يوجب ان استحق شيئا من العبادة يعرفون ان الناس يعرفون ذلك ويعترفون به. فلا احب اليهم من التزوير وابقاء الامور على من غير بحث عن الحقائق. لانهم يعرفون حق المعرفة ان الحقائق اذا بانت ظهر للخلق بطلان ما هم عليه. وهذا الذي منه يفرون. وهذا المقام ايضا ذكره الله في ايات متعددة. مثل قوله ودوا لو تدهنوا فيدهنون. ونحوها من الايات واما قوله تعالى ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم. فهذا اذا ترتب على السب المذكور يسبهم لله فانه يترك لما يترتب عليه من الشر. ومن مقاماتهم المتنوعة مع النبي صلى الله عليه وسلم انه ان كانوا يقترحون الايات بحسب اهوائهم ويقولون ان كنت صادقا فاتنا بعذاب الله او بما تعدنا او ازل عنا جبال مكة واجعل لنا فيها انهارا وعيونا وحتى يحصل لك كذا وكذا مما ذكره الله عنهم فيجيبهم الله عن هذه الاقوال بان رسوله صلى الله عليه وسلم قد ايده الله بالايات والله اعلم بما ينزل من ايات واعلم بما هو انفع لهم وانه قد حصل المقصود من بيان صدقه. وقامت الادلة والبراهين على ذلك. فقول الجاهل احمق لو كان كذا وكذا جهل منه وكبر ومشاغبة محضة وتارة يخبرهم انه لا يمنعه من الاتيان بها الا الابقاء وانها لو جاءت لا يؤمنون. فعند ذلك يعاجلهم الله بالعقاب. وتارة يبين لهم ان الرسول انما هو نذير مبين ليس له من الامر شيء ولا من الايات شيء. وان هذا من عند الله فطلبهم من الرسول محض الظلم والعدوان. وهذه في القرآن كثيرة باساليب متعددة. واحيانا يقدحون في الرسول قدحا يعترضون فيه على الله. وانه لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ومحمد ليس كذلك. وانك يا محمد لست باولى بفضل الله منا. فباي شيء تفضل علينا بالوحي ونحوه من الاقوال الناشئة عن الحسد. فيجيبهم الله بذكر فضله. وان فضله يؤتيه من يشاء. وانه حيث يجعل رسالته والمحل اللائق بها ويشرح لهم من صفات رسوله التي يشاهدونها رأي العين ما يعلمون هم وغيرهم انه اعظم رجل في العالم وانهم ما وجد ان يوجد احد يقاربه في الكمال مؤيدا ذلك بالامور المحسوسة والبراهين المسلمة وقد ابدى الله هذه المعاني واعادها معهم في مواضع كثيرة. ومن مقاماته صلى الله عليه وسلم مع المؤمنين. الرأفة العظيمة الرحمة لهم والمحبة التامة والقيام معهم في كل امورهم. وانه لهم ارحم وارأف من ابائهم وامهاتهم واحنا عليهم من كل احد كما قال تعالى لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عزيز عليهما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين حين رؤوف رحيم. وقوله سبحانه لقد منا الله على المؤمنين اذ بعث فيهم رسولا من انفسهم يتلو عليهم اياته ويزكيه ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة. وان كانوا من قبل لولا فيه ضلال مبين. وقوله سبحانه فبما رحمة من الله انت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر. فلم يزل يدعو الى التوحيد وعقائد الدين واصوله ذلك بالبراهين والايات المتنوعة. ويحذر من الشرك والشرور كلها. منذ بعث الى ان استكمل بعد بعثته نحو عشر سنين وهو يدعو الى الله على بصيرة ثم اسري به من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى ليريه من اياته وعرج به الى فوق السماوات السبع وفرض الله عليه الصلوات الخمس باوقاتها وهيئاتها. وجاءه جبريل على اثرها فعلمه اوقاتها وكيفيتها وصلى به يومين. اليوم الاول صلى الصلوات الخمس في اول وقتها. واليوم الثاني في اخر الوقت وقال ما بين هذين الوقتين وفرضت الصلوات الخمس قبل الهجرة بنحو ثلاث سنين. ولم يفرض الاذان في ذلك الوقت ولا اركان الاسلام وانتشر الاسلام في المدينة وما حولها. ومن جملة الاسباب ان الاوس والخزرج كان اليهود في المدينة جيرانا لهم وقد اخبروهم انهم ينتظرون نبيا قد اطل زمانه وذكروا من اوصافه ما دلهم عليه. فبادر الاوس والخزرج لما اجتمعوا صلى الله عليه وسلم في مكة وتيقنوا انه رسول الله. واما اليهود فاستولى عليهم الشقاء والحسد. فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به. وكان المسلمون في مكة في اذى شديد من قريش فاذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة اولا الى الحبشة. ثم لما اسلم كثير من اهل المدينة صارت الهجرة الى المدينة. وحين اخاف اهل مكة من هذا الحال اجتمع ملأهم ورؤساؤهم في دار الندوة يريدون القضاء التام على النبي صلى الله عليه وسلم اتفق رأيهم ان ينتخبوا من قبائل قريش من كل قبيلة رجلا شجاعا فيجتمعون ويضربونه بسيوفهم ضربة واحدة قالوا لاجل ان يتفرق دمه في القبائل فتعجز بنو هاشم عن مقاومة سائر قريش فيرضون بالدية فهم يمكرون اذكروا الله والله خير الماكرين. فجاء الوحي الى النبي صلى الله عليه وسلم وعزم على الهجرة. واخبر ابا بكر بذلك وطلب منه الصحبة فاجابه الى ذلك وخرج في تلك الليلة التي اجتمعوا على الايقاع به. وامر عليا ان ينام على فراشه هو وابو بكر الى الغار فلم يزالوا يرصدونه حتى برق الفجر فخرج اليهم علي فقالوا اين صاحبك؟ قال لا ادري ثم ذهبوا يطلبونه في كل وجهة وجعلوا جعلات الكثيرة لمن يأتي به وكان الجبل الذي فيه الغار قد امتلأ من الخلق يطلبون رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ابو بكر يا رسول الله لو واحدهم الى قدميه لابصرنا. فقال يا ابا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ وانزل الله تعالى الا لا تنصروه فقد نصره الله اذ اخرجه الذين كفروا اذ اخرجه الذين كفروا ثاني اثنين اذ هما في الغار اذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا. فانزل الله سكينته عليه وايده جنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا. والله عزيز فهاجر الى المدينة واستقر بها واذن له في القتال بعدما كان قبل الهجرة ممنوعا لحكمة المشاهدة فقال اذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا. وان الله على نصره قدير. وجعل يرسل السرايا ولما كانت السنة الثانية فرض الله على العباد الزكاة والصيام. فايات والزكاة انما نزلت في هذا العام. وكان وقت فرضها. واما قوله تعالى وويل للمشركين. فان المراد زكاة القلب وطهارته بالتوحيد وترك الشرك. وفي السنة الثانية ايضا كانت وقعة بدر. وسببها ان عيرا لقريش تحمل تجارة عظيمة من الشام. خرج النبي صلى الله عليه وسلم بمن خف من اصحابه لطلبها. فخرجت قريش لحمايتها وتوافوا في بدر على غير ميعاد فالعير نجت وكان النفير. التقوا مع الرسول واصحابه وكانوا الفا كامل العدد والخيل. والمسلمون ثلاثمائة وبضعة عشر على سبعين بعير يتعقبونها. فهزم الله المشركون كان هزيمة عظيمة قتلت سرواتهم وصناديدهم واسر من اسر منهم. واصاب المشركين مصيبة ما اصيبوا بمثلها وهذه الغزوة انزل الله فيها وفي تفاصيلها سورة الانفال. وبعدما رجع الى المدينة منها مظفرا منصورا. ذل من بقي منهم ممن لم يسلم من الاوس والخزرج. ودخل بعضهم في الاسلام نفاقا. ولذلك كان جميع الايات التي نزلت في المنافقين انما ما كانت بعد غزوة بدر ثم في السنة الثالثة كانت غزوة احد. غزى المشركون وجيشوا الجيوش على المسلمين. حتى وصلوا الى اطراف المدينة وخرج اليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم باصحابه. وعبأهم ورتبهم والتقوا في احد عند الجبل المعروف الي المدينة وكانت الدائرة في اول الامر على المشركين. ثم لما ترك الرماة مركزهم الذي رتبهم فيه رسول الله صلى الله عليه سلم وقال لهم لا تبرحوا عنه ظهرنا او غلبنا. وجاءت الخيل مع تلك الثغرة وكان ما كان. حصل على في احد مقتله اكرمهم الله بالشهادة في سبيله. وذكر الله تفصيل هذه الغزوة في سورة ال عمران. وبسط متعلقاتها والوقوف على هذه الغزوة من كتب السير يعين على فهم الايات الكثيرة التي نزلت فيها كبقية الغزوات. ثم في السنة الرابعة توعد المسلمون والمشركون فيها في بدر. فجاء المسلمون لذلك الموعد وتخلف المشركون معتذرين ان السنة مجدبة فكتبها الله غزوة للمسلمين. فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء. واتبعوا رضوان الله الله ذو فضل عظيم. ثم في سنة خمس كانت غزوة الخندق. اتفق اهل الحجاز واهل نجد وظاهرهم بنو قريظة من اليهود على غزو النبي صلى الله عليه وسلم وجمعوا ما يقدرون عليه من الجنود. فاجتمع نحو عشرة الاف مقاتل وقصدوا المدينة. فاجتمع نحو عشرة الاف مقاتل وقصدوا المدينة. ولما سمع بهم النبي صلى الله عليه وسلم خندق على المدينة. وخرج المسلمون نحو الخندق وجاء المشركون كما وصفهم الله بقوله اذ جاءوكم من فوقكم ومن اسفل منكم. واذ زاغت البصار وبلغت القلوب الحناجر. ومكثوا محاصرين المدينة عدة ايام. وحال الخندق بينهم وبين اصطدام الجيوش وحصلت مناوشات يسيرة بين افراد من الخيل. وسبب الله عدة اسباب لانخذال المشركين. ثم انشمروا الى ديارهم فلما فرجعوا خائبين لم ينالوا ما كانوا جازمين على حصوله. تفرغ النبي صلى الله عليه وسلم لبني قريظة. الذين ظاهروا المشركين بقول وتشجيعهم على قصد المدينة ومظاهراتهم الفعلية ونقضهم ما كان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم فحاصرهم نزلوا على حكم سعد بن معاذ فحكم ان تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم. وفي هذه الغزوة انزل الله صدر سورة الاحزاب من قوله يا ايها الذين امنوا اذكروا نعمة الله عليكم اذ جاءتكم جنود فارسلنا عليهم ريحا نودا لم تروها الى قوله واورثكم ارضهم وديارهم واموالهم وارضا لم تطأوها. وكان الله على كل شيء اي قديرا. ثم في سنة ست من الهجرة اعتمر صلى الله عليه وسلم واصحابه عمرة الحديبية. وكان البيت لا يصد عنه احد اما المشركون على صد النبي صلى الله عليه وسلم عنه. ولما بلغ الحديبية ورأى المشركين اخذتهم الحمية الجاهلية. جازمين على القتال دخل معهم في صلح لحقن الدماء في بيت الله الحرام. ولما في ذلك من المصالح وصار الصلح على ان يرجع النبي صلى الله عليه وسلم عامه هذا ولا يدخل البيت ويكون القضاء من العام المقبل وتضع الحرب اوزارها بينهم عشر سنين. فكره جمهور المسلمين هذا حين توهموا ان فيه غضاضة على المسلمين. ولم يطلعوا على ما فيه من المصالح الكثيرة. رجع صلى الله عليه وسلم عامه ذلك وقضى هذه العمرة في عام سبع من الهجرة فانزل الله في هذه القضية سورة الفتح باكملها انا فتحنا لك فتحا فينا. فكان هذا الفتح لما فيه من الصلح الذي تمكن فيه المسلمون من الدعوة الى الاسلام. ودخول الناس في دين الله حين شاهدوا ما فيه من الخير والصلاح والنور. وقد تقدم ان قصة بني قريظة دخلت في ضمن قصة الخندق. اما قبيلة بني النضير من اليهود. فانها قبل ذلك حين هموا بالفتك بالنبي صلى الله عليه وسلم. وكانوا على جانب المدينة غزاهم صلى الله عليه وسلم. واحتموا بحصونهم ووعدهم المنافقون حلفاؤهم بنصرتهم. فالقى الله الرعب في قلوبهم. وانزلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ان يجلوا وعن ديارهم ولهم ما حملت ابلهم ويضع الارض والعقار وما لم تحمله الابل للمسلمين. فانزل الله في هذه القضية اول سورة الحشر هو الذي اخرج الذين كفروا من اهل الكتاب من ديارهم لاول الحشر. الى اخر القصة. وفي سنة من الهجرة وقد نقضت قريش العهد الذي بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم. غزا مكة في جند كثيف من المسلمين يقارب عشرة الاف مقاتل. فدخلها فاتحا لها. ثم تممها بغزوة حنين على هوازن وثقيف. فتم بذلك نصر الله لرسوله وللمسلمين. وانزل الله في ذلك اول سورة التوبة. في سنة تسع من الهجرة غزا تبوك واوعب المسلمون معه. ولم يتخلف الا اهل الاعذار. واناس من المنافقين. وثلاثة من صلحاء المؤمنين. كعب بن ما لك وصاحباه. وكان الوقت شديدا والحر شديدا والعدو كثيرا. والعسرة مشتدة. ووصل الى تبوك ومكث عشرين يوما. ولم يحصل قتال فرجع الى مدينة فانزل الله في هذه الغزوة ايات كثيرة من سورة التوبة. يذكر تعالى تفاصيلها وشدتها. ويثني على المؤمنين يذم المنافقين وتخلفهم. ويذكر توبته على النبي والمهاجرين والانصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة. ويدخل معهم الثلاثة الذين خلفوا بعد توبتهم وانابتهم. وفي مطاوي هذه الغزوات يذكر الله ايات الجهاد وفرضه وفضله وثواب اهله. وما الناكلين عنه من الذل العاجل والعقاب الاجل. كما انه في اثناء هذه المدة ينزل الله الاحكام الشرعية شيئا فشيئا. بحسب ما لا تقتضيه حكمته في سنة تسع من الهجرة او سنة عشر رضى الله الحج على المسلمين. وكان ابو بكر حج بالناس سنة تسع الى المشركين عهودهم واتم عهود الذين لم ينقضوا. ثم حج النبي صلى الله عليه وسلم بالمسلمين سنة عشر. واستوعب المسلمين واعلمهم بمناسك الحج والعمرة بقوله وفعله. وانزل الله الايات التي في الحج واحكامه. وانزل الله يوم عرفة اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا. فلم يبق من العلوم النافعة علم الا بينه لهم فان القرآن تبيان لكل شيء. وعلوم الاصول وعلوم الفروع والاحكام. وعلوم الاخلاق والاداب. وعلوم الكون وكل ما يحتاجه الخلق وكل ما يحتاجه الخلق من ذلك اليوم الى ان تقوم الساعة. ففي القرآن بيانه والارشاد اليه وهو الذي اي المرجع في جميع الحقائق الشرعية والعقلية. ومحال وممتنع ان يأتي علم صحيح لا محسوس ولا معقول ينقض شيئا مما جاء به القرآن فانه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. افلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا. ان هذا القرآن يهدي للتي هي اقوم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل. هذه الاية جمعت بين نوعي العلوم. فان العلوم وسائل ومقاصد. فنوع المقاصد هو الحق الذي يقول الله في كتابه وعلى لسان رسوله ونوع وسائل وهو الهداية الى السبيل الى كل علم وعمل. كما ان قوله تعالى ولا يأتونك بمثل الا جئناك بالحق واحسن تفسيرا. جمعت الكمال في الفاظه ومعانيه. فالفاظه اوضح الالفاظ وابلغها واحسنها تفسيرا لكل ما تفسره من الحقائق بوضوحها واحكامها وقوامها ومعانيه كلها حق وذلك انه او تمت كلمة ربك صدقا وعدلا. صدقا في اخبارها. وعدلا في احكامها واوامرها ونواهيها. ومن احسن من الله حكما لقومي يوقنون. فاحكامه على الاطلاق احسن الاحكام وانفعها للعباد. فهذا في شرعه ودينه ونظيره في خلقه الذي احسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الانسان من طين. وقد جمع الله في كتابه بين المتقابلات العامة. وذلك لكمال هذا الكتاب واحكامه كالامثلة السابقة. وكما في قوله تعالى وتعاونوا على البر والتقوى. فان البر اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من العقائد والاخلاق والاعمال. والتقوى اسم جامع لما يجب اتقاؤه من جميع الاثام والمضار. ولهذا قال ولا تعاونوا على الاثم والعدوان. الاثم المعاصي المتعلقة بحقوق الله. والعدوان البغي على خلق الله في الدماء والاموال الاعراض والحقوق. وكذلك قوله تعالى وتزودوا فان خير الزاد التقوى. فجمع بين زاد سفر الدنيا وزاد سفر الاخرة تقوى. وكذلك قوله تعالى يا بني ادم قد انزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا. هذا اللباس الحسي الضروري والكمالي ثم قال ولباس التقوى ذلك خير. فهذا اللباس المعنوي وان شئت قلت عن الاول انه لباس البدن وعن لباس التقوى انها لباس القلب والروح. وكذلك قوله تعالى ولقاهم نظرة وسرورا. جمع لهم بين نعيم بالنضرة والحسن والبهاء ونعيم الباطن بكمال الفرح والسرور. وكذلك قوله في صفة نساء الجنة فيهن خيرات حساب ووصفهن بجمال الباطن بحسن الخلق الكامل وجمال الظاهر بانهن حسان الوجوه وجميع الظاهر. ولما ذكر السير الحسي اي ذكر السير المعنوي وقال وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر. وكذلك قوله فانفروا ثبات. اي را دا بدليل قوله او انفروا جميعا. وكذلك قوله لا يصلاها الا الاشقى. الذي كذب وتولى. كذب صبر وتولى عن الطاعة والتكذيب انحراف الباطن والتولي انحراف الظاهر ونظيره قوله انا قد اوحي الينا ان ان العذاب على من كذب وتولى. وضد ذلك ما رتب الله على الايمان والعمل الصالح من خير الدنيا والاخرة. فان الايمان ضد التكذيب والتولي ضد الاستقامة والعمل الصالح. وكذلك قوله اياك نعبد واياك نستعين. فاعبده وتوكل عليه. اجمع جميع ما يراد من العبد. العبادة حق الله على العبد. والاعانة من ربه اسعافه بما استعان عليه من عبودية ربه وغيرها من العبد في عبادة الله واستعانة به. وكذلك قوله تعالى من عمل صالحا من ذكر او انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولا نجزينهم اجرهم باحسن ما كانوا يعملون. فجمع للمؤمن العامل للصالحات بين طيب الحياة في الدنيا والاخرة ونظيره للذين احسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الاخرة خير. ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي في الاخرة حسنة. وكذلك قوله ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون. في مواضع نفي جميع المكروه الماضي بنفي الحزن بنفي الخوف. وكذلك قوله تعالى فروحوا وريحان وجنة نعيم. والروح اسم جامع لنعيم القلب. والريحان قسم جامع لنعيم الابدان وجنة نعيم تجمع الامرين. وكذلك قوله ومن اعرض عن ذكري اي القرآن اي القرآن الذي انزله فان له معيشة ضنكا. ونحشره يوم القيامة اعمى. جمع له بين عذاب الدنيا وعذاب البر وعذاب دار القرار. وكذلك قوله يطبع الله على كل قلب متكبر جبار. اي متكبر عن الحق جبار على الخلق ومثله معتد اثيم. معتد اي معتد في البغي على عباد الله. اثيم اي متجرأ على محارم الله. وكذلك قوله في مواضع من ولي ولا نصير. الولي الذي يجلب لمواليه المنافع. والنصير الذي يدفع عنه المضار