وما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها. وما يمسك فلا مرسل له من بعده. ولهذا قال هنا يبسط الرزق لمن يشاء ان يوسعه ويعطيه من اصناف الرزق ما شاء ان يعلموا انه يصلح لرسالته وولايته. ومنه ان اجتبى هذه الامة وفضلها على سائر الامم. واختار لها افضل الاديان وخيرها هذا السبب الذي من العبد يتوصل به الى هداية الله تعالى الله يجمع بيننا واليه المصير. الله يجمع بيننا واليه المصير يوم القيامة. فيجزي كلا بعمله ويتبين حينئذ الصادق من الكاذب فاستجيب له حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم فلكم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم كذلك يوحي اليك له ما في السماوات وما في الارض وهو العلي العظيم يخبر تعالى انه اوحى هذا القرآن العظيم الى النبي الكريم. كما اوحى الى من قبله من الانبياء والمرسلين. ففيه بيان فضله بانزال الكتب وارسال الرسل سابقا ولاحقا. وان محمدا صلى الله عليه وسلم ليس ببدع من الرسل. وان طريقته طريقة من قبله واحواله تناسب احوال من قبله من المرسلين. وما جاء به يشابه ما جاءوا به لان الجميع حق وصدق. وهو وتنزيل من اتصف بالالوهية والعزة العظيمة والحكمة البالغة. وان جميع العالم العلوي والسفلي ملكه وتحت تدبيره القدري والشرعي وانه العلي بذاته وقدره وقهره. العظيم الذي من عظمته تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن على عظمها وكونها جماد والملائكة الكرام المقربون خاضعون لعظمته مستكينون لعزته مذعنون بربوبيته يسبحون بحمد ربهم عظمونه عن كل نقص ويصفونه بكل كمال ويستغفرون لمن في الارض عما يصدر منهم مما لا يليق بعظمة ربهم وكبريائه مع انه تعالى هو الغفور الرحيم. الذي لولا مغفرته ورحمته لعاجل الخلق بالعقوبة المستأصلة. وفي وصفه تعالى بهذه الاوصاف بعد ان ذكر انه اوحى الى الرسل كلهم عموما. والى محمد صلى الله عليهم اجمعين خصوصا. اشارة الى ان هذا القرآن الكريم فيه من الادلة والبراهين والايات الدالة على كمال الباري تعالى ووصفه بهذه الاسماء العظيمة الموجبة لامتلاء القلوب من معرفته ومحبته محبته وتعظيمه واجلاله واكرامه. وصرف جميع انواع العبودية الباطنة والظاهرة له تعالى. وان من اكبر الظلم القول اتخاذ انداد لله من دونه. ليس بيدهم نفع ولا ضرر بل هم مخلوقون مفتقرون الى الله في جميع احوالهم هذا عقبه بقوله والذين اتخذوا من دونه اولياء يتولونهم بالعبادة والطاعة كما يعبدون الله ويطيعونه فانما اتخذوا الباطل وليسوا باولياء على الحقيقة. الله حفيظ عليهم يحفظ عليهم اعمالهم. فيجازيهم بخيرها وشرها. فتسأل عن اعمالهم وانما انت مبلغ ان اديت وظيفتك ثم ذكر منته على رسوله وعلى الناس حيث انزل الله قرآنا عربيا بين الالفاظ والمعاني. لتنذر ام القرى وهي مكة المكرمة. ومن حولها من قرى العرب. ثم يسري هذا الانذار الى سائر الخلق. وتنذر الناس يوم الجمع الذي يجمع الله به الاولين والاخرين. وتخبرهم انه لا ريب فيه. وان الخلق ينقسمون فيه فريقين فريق في الجنة وهم الذين امنوا بالله وصدقوا المرسلين وهم اصناف الكفرة المكذبين فجعلهم امة واحدة الظالمون ما لهم من ولي ولا نصير. ومع هذا لو شاء الله لجعل الناس واحدة على الهدى لانه القادر الذي لا يمتنع عليه شيء. ولكنه اراد ان يدخل في رحمته من شاء من خواص خلقه. واما الظالمون الذين لا يصلحون لصالح فانهم محرومون من الرحمة. فما لهم من دون الله من ولي يتولاهم. فيحصل لهم المحبوب ولا نصير يدفع عنهم المكروه والذين اتخذوا من دونه اولياء يتولون كونهم بعبادتهم اياهم. فقد غلطوا اقبح غلط. فالله هو الولي الذي يتولاه عبده بعبادته وطاعته. والتقرب اليه بما امكن من انواع التقربات. ويتولى عباده عموما بتدبيره ونفوذ القدر فيهم. ويتولى عباده المؤمنين خصوصا لاخراجهم من الظلمات الى النور وتربيتهم بلطفه واعانتهم في جميع امورهم اي هو المتصرف بالاحياء والاماتة. ونفوذ المشيئة والقدرة. فهو الذي يستحق ان وحده لا شريك له يقول تعالى وما اختلفتم فيه من شيء من اصول دينكم وفروعه. مما لم تتفقوا عليه فحكمه الى الله يرد الى كتابه والى سنة رسوله. فما حكم به هو الحق وما خالف ذلك فباطل. ذلكم الله ربي اي فكما انه تعالى الرب الخالق الرازق المدبر. فهو تعالى الحاكم بين عباده بشرعه في جميع امورهم. ومفهوم الاية الكريمة ان اتفاق الامة حجة قاطعة. لان الله تعالى لم يأمرنا ان نرد اليه الا ما اختلفنا فيه. فما اتفقنا عليه يكفي اتفاق الامة عليه. لانها معصومة عن الخطأ. ولابد ان يكون اتفاقها وهذا تقرير لقوله لا حجة بيننا وبينكم فاخبر هنا ان الذين حاجون في الله بالحجج الباطلة. والشبه المتناقضة من بعد ما استجيب له. اي من بعد ما استجاب لله اولو الالباب والعقول. لما موافقا لما في كتاب الله وسنة رسوله. وقوله اي اعتمدت بقلبي عليه في جلب المنافع ودفع المضار. واثقا به تعالى في الاسعاف بذلك. واليه انيب اي اتوجه بقلبي وبدني اليه. والى طاعته وعبادته. وهذان الاصنام كثيرا ما يذكرهما الله في كتابه. لانه ما بمجموعهما كمال العبد. ويفوته الكمال بفوتهما او فوت احدهما. كقوله تعالى اياك نعبد واياك نستعين وقوله فاعبده وتوكل عليه ازواجا ومن الانعام ازواجا يذرأكم فيه. ليس كمثله شيء وهو هو السميع البصير. فاطر السماوات والارض اي خالقهما بقدرته ومشيئته وحكمته. جعل لكم من من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها وتنتشر منكم الذرية ويحصل لكم من النفع ما يحصل. ومن الانعام ازواجا ومن جميع اصنافها نوعين. ذكرا وانثى لتبقى وتنمو لمنافعكم الكثيرة. ولهذا عداها باللام الدالة على التعليل اي جعل ذلك لاجلكم ولاجل النعمة عليكم. ولهذا قال يذرأكم فيه اي يبثكم ويكفركم ويكثر مواشيكم بسبب ان جعل لكم من انفسكم وجعل لكم من الانعام ازواجا ليس كمثله شيء اي ليس يشبهه تعالى ولا يماثله شيء من مخلوقاته لا في ذاته ولا في اسمائه ولا في صفاته ولا في افعاله. لان اسمائه كلها حسنى. وصفاته صفات كمال وعظمة. وافعاله تعالى اوجد بها المخلوقات العظيمة من غير مشارك. فليس كمثله شيء لانفراده وتوحده بالكمال من كل وجه وهو السميع لجميع الاصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات. البصير يرى النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء. ويرى سريان القوت في اعضاء الحيوانات الصغيرة جدا. وسريان الماء الاغصان الدقيقة وهذه الاية ونحوها دليل لمذهب اهل السنة والجماعة من اثبات الصفات ونفي مماثلة المخلوقات وفيها رد على المشبهة في قوله ليس كمثله شيء. وعلى المعطلة في قوله وهو السميع البصير. وقوله له مقاليد السماوات والارض يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر اي له ملك السماوات والارض وبيده مفاتيح الرحمة والارزاق والنعم الظاهرة والباطنة. فكل الخلق مفتقرون الى الله في جلب مصالحهم. ودفع المضار عنهم في كل الاحوال. ليس بيد احد من الامر شيء والله تعالى هو المعطي المانع. الضار النافع الذي ما بالعباد من نعمة الا منه. ولا يدفع الشر الا هو يقدر ان يضيق على من يشاء حتى يكون بقدر حاجته لا يزيد عنها. وكل هذا تابع لعلمه وحكمته. فلهذا قال فيعلم احوال عباده فيعطي كلا ما يليق بحكمة وتقتضيه مشيئته وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى ان اقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم اليه الله يجتبي اليه من يشاء ويهدي هذه اكبر منة انعم الله بها على عباده ان شرع لهم من الدين خير الاديان وازكاها واطهرها دين الاسلام. الذي شرعه الله للمصطفين المختارين من عباده. بل شرعه الله لخيار الخيار وصفوة الصفوة وهم اولو العزم من المرسلين. المذكورون في هذه الاية اعلى الخلق درجة. واكملهم من كل وجه. فالدين الذي الله لهم لابد ان يكون مناسبا لاحوالهم موافقا لكمالهم. بل انما كملهم الله واصطفاهم بسبب قيامهم به فلولا الدين الاسلامي ما ارتفع احد من الخلق فهو روح السعادة وقطب رحى الكمال وهو ما تضمنه هذا الكتاب الكريم ودعا اليه من التوحيد والاعمال والاخلاق والاداب. ولهذا قال اي امركم ان تقيموا جميع شرائع الدين اصوله وفروعه. تقيمونه بانفسكم وتجتهدون في اقامته على غيركم. وتعاونون على البر والتقوى ولا تعاونون على الاثم والعدوان. ولا تتفرقوا فيه اي ليحصل منكم الاتفاق على اصول الدين وفروعه. واحرصوا وعلى الا تفرقكم المسائل وتحزبكم احزابا وتكونون شيعا يعادي بعضكم بعضا مع اتفاقكم على اصل دينكم ومن انواع الاجتماع على الدين وعدم التفرق فيه ما امر به الشارع من الاجتماعات العامة كاجتماع الحج والاعياد والجمع والصلوات الخمسة والجهاد وغير ذلك من العبادات التي لا تتم ولا تكمل الا بالاجتماع لها وعدم التفرق يجتبي اليه من يشاء ويهدي اليه من يريد كبر على المشركين ما تدعوهم اليه. اي شق عليهم غاية المشقة. حيث دعوتهم الى الاخلاص لله وحده. كما قال عن واذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالاخرة. واذا ذكر الذين من دونه اذا هم يستبشرون قولهم اجعل الالهة الها واحدا؟ ان هذا لشيء عجاب. الله يجتبي اليه من يشاء. اي يختار من خليقته وهو انابته لربه. وانجذاب دواعي قلبه اليه. وكونه قاصدا وجهه. فحسن مقصد العبد مع اجتهاده في طلب الهداية. من من اسباب التيسير لها كما قال الله تعالى يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام. وفي هذه الاية ان الله يهدي اليه لمن ينيب مع قوله واتبع سبيل من اناب الي مع العلم باحوال الصحابة رضي الله عنهم وشدة انابتهم دليل على لان قولهم حجة خصوصا الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم اجمعين من نقضي بينهم وان الذين اورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريح لما امر تعالى باجتماع المسلمين على دينهم ونهاهم عن التفرق. اخبرهم انكم لا تغتروا بما انزل الله عليكم من كتاب فان اهل الكتاب لم يتفرقوا حتى انزل الله عليهم الكتاب الموجب للاجتماع. ففعلوا ضد ما يأمر به كتابهم. وذلك وكله بغيا وعدوانا منهم فانهم تباغضوا وتحاسدوا وحصلت بينهم المشاحنة والعداوة فوقع الاختلاف. فاحذروا ايها المسلمون ان تكونوا مثلهم ولولا كلمة سبقت من ربك اي بتأخير العذاب القاضي الى اجل مسمى لقضي بينهم. ولكن حكمته انه اقتضى تأخير ذلك عنهم وان الذين اورثوا الكتاب من بعدهم اي الذين ورثوهم وصاروا خلفا لهم. ممن ينتسب الى العلم منهم اي لفي اشتباه كثير يوقع في الاختلاف. حيث اختلف سلفهم بغيا وعنادا. فان خلفه مختلف شكا وارتيابا. والجميع مشتركون في الاختلاف المذموم. فلذلك فادع واستقم كما امرت ولا وقل امنت بما انزل الله من كتاب امرت لاعدل بينكم الله ربنا وربكم الله ربنا وربكم لنا اعمالنا ولكم اعمالكم لا بيننا وبينكم الله يجمع بيننا واليه المصير فلذلك فادعوا اي فلدين القويم والصراط المستقيم. الذي انزل الله به كتبه وارسل رسله. فادعو اليه امتك وحضهم عليه وجاهد عليه من لم يقبله. واستقم بنفسك كما امرت. اي استقامة موافقة لامر الله. لا تفريط ولا افراط. بل لاوامر الله واجتنابا لنواهيه. على وجه الاستمرار على ذلك. فامره بتكميل نفسه بلزوم الاستقامة. وبتكميل بالدعوة الى ذلك. ومن المعلوم ان امر الرسول صلى الله عليه وسلم امر لامته اذا لم يرد تخصيص له اي اهواء المنحرفين عن الدين من الكفرة والمنافقين. اما باتباعهم على بعض دينهم. او بترك في الدعوة الى الله او بترك الاستقامة. فانك ان اتبعت اهواءهم من بعد ما جاءك من العلم. انك اذا لمن الظالمين. ولم يقل ولا تتبع دينهم لان حقيقة دينهم الذي شرعه الله لهم هو دين الرسل كلهم ولكنهم لم يتبعوه. بل اتبعوا اهواءهم اتخذوا دينهم لهوا ولعبا. وقل لهم عند جدالهم ومناظرتهم. وقل امنت بما امنت بما انزل الله من كتاب اي لتكن مناظرتك لهم مبنية على هذا الاصل العظيم. الدال على شرف الاسلام وجلالته وهيمنته على سائر الاديان. وان الدين الذي يزعم اهل الكتاب انهم عليه جزء من الاسلام. وفي هذا ارشاد الى ان اهل الكتاب ان ناظروا مناظرة مبنية على الايمان ببعض الكتب او ببعض الرسل دون غيره فلا يسلم لهم ذلك. لان الكتاب الذي يدعون اليه والرسول الذي ينتسبون اليه بشرطه ان يكون مصدقا بهذا القرآن وبمن جاء به. فكتابنا ورسولنا لم يأمرنا الا بالايمان بموسى وعيسى والتوراة والانجيل التي اخبر بها وصدق بها واخبر انها مصدقة له ومقرة بصحته. واما مجرد التوراة والانجيل وموسى وعيسى الذين لم يوصفوا لنا ولم يوافقوا لكتابنا فلم يأمرنا بالايمان بهم. وامرت لاعدل بينكم اي في الحكم فيما اختلفتم فيه فلا تمنعوني عداوتكم وبغضكم يا اهل الكتاب من العدل بينكم ومن العدل في الحكم بين اهل الاقوال المختلفة من اهل وغيرهم ان يقبل ما معهم من الحق. ويرد ما معهم من الباطل. الله ربنا وربكم لنا اعمالنا ولكم اعمالكم لا بيننا وبينكم الله يجمع بيننا. الله ربنا وربكم اي هو ورب الجميع لستم باحق به منا لنا لنا اعمالنا ولكم اعمالكم من خير وشر. لا حجة بيننا وبينكم. اي بعد كما تبينت الحقائق واتضح الحق من الباطل والهدى من الضلال. لم يبق للجدال والمنازعة محل. لان المقصود من الجدال انما ما هو بيان الحق من الباطل؟ ليهتدي الراشد؟ ولتقوم الحجة على الغاوي. وليس المراد بهذا ان اهل الكتاب لا يجادلون. كيف والله الله يقول ولا تجادلوا اهل الكتاب الا بالتي هي احسن. وان المراد ما ذكرنا. لا حجة بيننا وبينكم بين لهم من الايات القاطعة والبراهين الساطعة. فهؤلاء المجادلون للحق من بعد ما تبين. حجتهم داحضة اي باطلة عند ربهم لانها مشتملة على رد الحق. وكل ما خالف الحق فهو باطل. وعليهم غضب لعصيانهم اعراضهم عن حجج الله وبيناته وتكذيبها. هو اثر وغضب الله عليهم فهذه عقوبة كل مجادل للحق بالباطل ميزان وما يدريك لعل الساعة قريب. لما ذكر تعالى ان حججه واضحة بينة. حيث استجاب كتب لها كل ما فيه خير ذكر اصلها وقاعدتها بل جميع الحجج التي اوصلها الى العباد. فقال الله الذي انزل الكتاب بالحق والميزان فالكتاب هو هذا القرآن العظيم. نزل بالحق واشتمل على الحق والصدق واليقين. وكله ايات بينات قلة واضحات على جميع المطالب الالهية والعقائد الدينية. فجاء باحسن المسائل واوضح الدلائل. واما الميزان فهو العدل هو الاعتبار بالقياس الصحيح والعقل الرجيح. فكل الدلائل العقلية من الايات الافاقية والنفسية. والاعتبارات الشرعية والمناسبات والعلل والاحكام والحكم داخلة في الميزان الذي انزله الله تعالى ووضعه بين عباده. ليزنوا به ما اشتبه من ويعرف به صدق ما اخبر به واخبرت رسله. فما خرج عن هذين الامرين عن الكتاب والميزان. مما قيل انه حجة او برهان او دليل او نحو ذلك من العبارات فانه باطل متناقض. قد فسدت اصوله وانهدمت مبانيه وفروعه. يعرف ذلك من خبر المسائل يوم اخذها وعرف التمييز بين راجح الادلة من مرجوحها. والفرق بين الحجج والشبه. واما من اغتر بالعبارات المزخرفة المموهة ولم تنفذ بصيرته الى المعنى المراد. فانه ليس من اهل هذا الشأن. ولا من فرسان هذا الميدان. فوفاقه وخلافه ثم قال تعالى مخوفا للمستعجلين لقيام الساعة المنكرين لها فقال اي ليس بمعلوم بعدها. ولا متى تقوم؟ فهي في كل وقت متوقع وقوعها مخوف وجبتها يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها. عنادا وتكذيبا وتعجيزا لربهم والذين امنوا مشفقون منها اي خائفون لايمانهم بها وعلمهم يشتمل عليه من الجزاء بالاعمال. وخوفهم لمعرفتهم بربهم. الا تكون اعمالهم منجية لهم ولا مسعدة. ولهذا قال ويعلمون انها الحق الذي لا مرية فيه. ولا شك يعتريه اي بعد من تروا فيها ما رووا الرسل واتباعهم باثباتها فهم في شقاق بعيد. اي معاندة مخاصمة غير قريبة من الصواب. بل في غاية البعد عن الحق. واي بعد ابعد ممن كذب بالدار التي هي الدار على الحقيقة. وهي الدار التي خلقت للبقاء الدائم والخلود السرمد. وهي دار الجزاء التي يظهر الله فيها عدله وفضله. وانما هذه الدار بالنسبة اليها كراكب من قال في ظل شجرة ثم راح وتركها وهي دار عبور وممر لا محل استقرار فصدقوا بالدار المنحلة الفانية حيث رأوها وشاهدوها وكذبوا بالدار الاخرة. التي تواترت بالاخبار عنها الكتب الالهية. والرسل الكرام واتباعهم. الذين انهم اكمل الخلق عقولا واغزرهم علما واعظمهم فطنة وفهما. الله لطيف بعباده يرزق من يخبر تعالى بلطفه بعباده ليعرفوه ويحبوه. ويتعرضوا للطفه واللطف من اوصافه تعالى معناه الذي يدرك الضمائر والسرائر الذي يوصل عباده وخصوصا المؤمنين الى ما فيه الخير لهم من حيث لا يعلمون ولا يحتسبون. فمن لطفه بعبده المؤمن ان هداه الى الخير هداية لا تخطر بباله. بما يسر له من الاسباب الداعية الى ذلك من فطرته على محبة الخلق والانقياد له وازاعه تعالى لملائكته الكرام ان يثبتوا عباده مؤمنين ويحثوهم على الخير ويلقوا في قلوبهم من تزيين الحق ما يكون داعيا لاتباعه. ومن لطفه ان امر المؤمنين بالعبادات اجتماعية التي بها تقوى عزائمهم. وتنبعث هممهم ويحصل منهم التنافس على الخير. والرغبة فيه واقتداء بعضهم ببعض ومن لطفه ان قيد لعبده كل سبب يعوقه. ويحول بينه وبين المعاصي. حتى انه تعالى اذا علم ان الدنيا والمال والرياسة ونحوها مما يتنافس فيه اهل الدنيا تقطع عبده عن طاعته او تحمله على الغفلة عنه او على معصية صرفها عنه وقدر عليه رزقه. ولهذا قال هنا يرزق من يشاء بحسب اقتضاء حكمته ولطفه الذي له القوة كلها فلا حول ولا قوة لاحد من المخلوقين الا به. الذي دانت له جميع الاشياء. ثم قال وقولهم ما لفلان ذنب عندك الا انه محسن اليك ومن يقترف حسنة من صلاة او صوم او حج او احسان الى الخلق نزد له فيها حسنا. بان يشرح الله صدره وييسر امره. وتكون سببا للتوفيق لعمل اخر. ويزداد قال من كان يريد حرث الاخرة اي اجرها وثوابها فامن بها وصدق وسعى لها سعيها نزد له في حرثه بان نضاعف عمله وجزاءه اضعافا كثيرة. كما قال تعالى ومن اراد الاخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فاولئك كان سعيهم مشكورا. ومع ذلك فنصيبه من الدنيا لا بد ان يأتيه ومن كان يريد الدنيا بان كانت الدنيا هي مقصودة وغاية مطلوبه. فلم يقدم لاخرته ولا رجا ثوابها ولم يخش عقابها منها نصيبه الذي قسم له. قد حرم الجنة ونعيمها واستحق النار او جحيمها وهذه الاية شبيهة بقوله تعالى من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوفي اليهم اعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون الى اخر الايات يخبر تعالى ان المشركين اتخذوا شركاء يوالونهم ويشتركونهم واياهم في الكفر واعماله. من شياطين الانس الدعاة الى الكفر شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله من الشرك والبدع. وتحريم ما احل الله وتحليل ما حرم الله ونحو ذلك مما اقتضت اهوائهم مع ان الدين لا يكون الا ما شرعه الله تعالى ليدين به العباد ويتقرب به اليه. فالاصل الحجر على كل احد ان يشرع شيئا ما جاء عن الله وعن رسوله. فكيف بهؤلاء الفسقة المشتركين هم واباؤهم على الكفر اي لولا الاجل المسمى الذي ضربه الله فاصلا بين الطوائف المختلفة. وانه سيؤخرهم اليه بينهم في الوقت الحاضر بسعادة المحق واهلاك المبطل. لان المقتضي للاهلاك موجود. ولكن امامهم العذاب الاليم في الاخرة هؤلاء وكل ظالم. وفي ذلك اليوم والذين امنوا وعملوا الصالحات في روضات الظالمين انفسهم بالكفر والمعاصي. مشفقين اي خائفين وجليلين. مما كسبوا ان يعاقبوا عليه. ولما كان الخائف قد يقع به ما اشفق منه وخافه. وقد لا يقع اخبر انهم واقع بهم العقاب الذي خافوه. لانهم اتوا بالسبب التام الموجب للعقاب من غير معارض من توبة ولا غيرها ووصلوا موضعا فات فيه الانذار والامهال الصالحات في روضات والذين امنوا بقلوبهم بالله وبكتبه رسله وما جاءوا به. وعملوا الصالحات يشمل كل عمل صالح من اعمال القلوب. واعمال الجوارح من الواجبات والمستحبات فهؤلاء في روضات الجنات. اي الروضات المضافة الى الجنات. والمضاف يكون بحسب المضاف اليه. فلا تسأل عن بهجة تلك الرياض المونقة وما فيها من الانهار المتدفقة والفياض المعشبة والمناظر الحسنة والاشجار المثمرة والطيور المغردة والاصوات المطربة والاجتماع بكل حبيب. والاخذ من المعاشرة والمنادمة باكمل نصيب. رياض لا تزداد على طول المدى الا حسنا وبهاء ولا يزداد اهلها الا اشتياقا الى لذاتها وودادا ربهم ذلك هو الفضل الكبير. لهم ما يشاؤون فيها اي في الجنات. فمهما ارادوا فهو حاصل ومهما طلب حصل مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. ذلك هو الفضل الكبير وهل فوز اكبر من الفوز برضى الله تعالى؟ والتنعم بقربه في دار كرامته عباده الذين امنوا وعملوا الصالحات اي هذه البشارة العظيمة التي هي اكبر البشائر على الاطلاق. بشر بها الرحيم الرحمن على يد افضل خلقه لاهل الايمان والعمل الصالح. فهي اجل الغايات والوسيلة الموصلة اليها افضل الوسائل آآ قل لا اسألكم عليه اي على تبليغي اياكم هذا القرآن. ودعوتكم الى احكامه اجرا. فلست اريد اموالكم ولا التولي عليكم والترأس. ولا غير ذلك من الاغراض الا المودة في القربى. احتملوا ان المراد لا اسألكم عليه اجرا الا اجرا واحدا هو لكم. وعائد نفعه اليكم وهو ان تودوني وتحبوني في القرابة اي لاجل القرابة. ويكون على هذا المودة الزائدة على مودة الايمان. فان مودة الايمان بالرسول. وتقديم محبته الى جميع المحاب بعد محبة الله. فرض على كل مسلم. وهؤلاء طلب منهم زيادة على ذلك ان يحبوه لاجل القرابة. لانه صلى الله عليه وسلم قد باشر بدعوته اقرب الناس اليه حتى انه قيل انه ليس في بطون قريش احد الا ولرسول الله صلى الله عليه عليه وسلم فيه قرابة. ويحتمل ان المراد الا مودة الله تعالى الصادقة. وهي التي يصحبها التقرب الى الله. والتوسل الدالة على صحتها وصدقها. ولهذا قال الا المودة في القربى اي في التقرب الى الله. وعلى كلا القولين فهذا الاستثناء دليل على انه لا يسألهم عليه اجرا بالكلية. الا ان يكون شيئا يعود نفعه اليهم. فهذا ليس من الاجر في شيء بل هو من الاجر منه لهم صلى الله عليه وسلم كقوله تعالى وما نقموا منهم الا ان يؤمنوا بالله العزيز الحميد بها عمل المؤمن ويرتفع عند الله وعند خلقه. ويحصل له الثواب العاجل والاجل يغفر الذنوب العظيمة. ولو بلغت ما بلغت عند التوبة منها. ويشكر على العمل القليل بالاجر فبمغفرته يغفر الذنوب ويستر العيوب. وبشكره يتقبل الحسنات. ويضاعفها اضعافا كثيرة يختم على قلبك ويمحو الله ويحق الحق بكلماته انه عليم بذات الصدور. يعني ام يقول المكذبون هنا للرسول صلى الله عليه وسلم جرأة منهم وكذبا افترى على الله كذبا. فرموك باشنع الامور واقبحها. وهو على الله بادعاء النبوة والنسبة الى الله ما هو بريء منه. وهم يعلمون صدقك وامانتك. فكيف يتجرأون على هذا الكذب الصراخ بل تجرأوا بذلك على الله تعالى فانه قدح في الله حيث مكنك من هذه الدعوة العظيمة المتضمنة على موجب زعمهم اكبر الفساد في الارض حيث مكنه الله من التصريح بالدعوة. ثم بنسبتها اليه ثم يؤيده بالمعجزات الظاهرات. والادلة القاهرة والنصر المبين والاستيلاء على من خالفه. وهو تعالى قادر على حسم هذه الدعوة من اصلها ومادتها. وهو ان يختم على للرسول صلى الله عليه وسلم فلا يعي شيئا ولا يدخل اليه خير واذا ختم على قلبه ان حسم الامر كله وانقطع هذا دليل قاطع على صحة ما جاء به الرسول. واقوى شهادة من الله له على ما قال. ولا يوجد شهادة اعظم منها ولا اكبر ولهذا من حكمته ورحمته وسنته الجارية ان يمحو الباطل ويزيله. وان كان له صولة في بعض الاوقات. فان عاقبته الاضم ويحق الحق بكلماته الكونية التي لا تغير ولا تبدل ووعده الصادق. وكلماته الدينية التي تحقق ما معه من الحق وتثبته في القلوب وتبصر اولي الالباب. حتى ان من جملة احقاقه تعالى الحق ان يقيض له الباطل ليقاومه فاذا قاومه صال عليه الحق ببراهينه وبيناته. فظهر من نوره وهداه ما به يضمحل الباطل وينقمع تبين بطلانه لكل احد. ويظهر الحق كل الظهور لكل احد. انه عليم بذات الصدور اي بما فيها وما اتصفت به من خير وشر. وما اكنته ولم تبده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون. هذا بيان لكمال كرم الله تعالى وسعة جوده وتمام لطفه بقبول التوبة الصادرة من عباده حين يقلعون عن ذنوبهم ويندمون عليها. ويعزمون على الا يعاودوها اذا بذلك وجه ربهم فان الله يقبلها بعدما انعقدت سببا للهلاك ووقوع العقوبات الدنيوية والدينية ويعفو عن السيئات ويمحوها ويمحو اثرها من العيوب. وما اقتضته من العقوبات. ويعود التائب عنده كريما كانه ما عمل سوءا قط ويحبه ويوفقه لما يقربه اليه. ولما كانت التوبة من الاعمال العظيمة التي قد تكون كاملة بسبب تمام الاخلاص والصدق فيها وقد تكون ناقصة عند نقصهما. وقد تكون فاسدة اذا كان القصد منها بلوغ غرض من الاغراض الدنيوية. وكان محل ذلك القلب الذي لا يعلمه الا الله ختم هذه الاية بقوله. فالله تعالى دعا جميع العباد الى الانابة اليه والتوبة من التقصير. فانقسموا بحسب الاستجابة له الى قسمين. مستجيبين ووصفهم بقوله ويستجيب الذين امنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد ويستجيب الذين امنوا وعملوا الصالحات ان يستجيبون لربهم لما دعاهم اليه وينقادون له ويلبون دعوته. لان ما معهم من الايمان والعمل الصالح. يحملهم على ذلك. فاذا استجابوا له شكر الله له وهو الغفور الشكور. وزادهم من فضله توفيقا ونشاطا على العمل. وزادهم مضاعفة في الاجر زيادة عما تستحقه ما لهم من الثواب والفوز العظيم. واما غير المستجيبين لله وهم المعاندون. الذين كفروا به وبرسله فلهم عذاب شديد في الدنيا والاخرة. ثم ذكر ان من لطفه بعباده انه لا يوسع عليهم الدنيا سعة تضر باديانهم. فقال لعباده لبغوا في الارض ولكن ينزل بقدر ما يشاء ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الارض اي لغفلوا عن طاعة الله واقبلوا على التمتع بشهوات الدنيا فاوجبت لهم الاكباب على ما تشتهيه نفوسهم ولو كان معصية وظلما ولكن ينزل بقدر ما يشاء بحسب ما اقتضاه لطفه وحكمته بعباده خبير بصير. كما في بعض الاثار ان الله تعالى يقول ان من عبادي من ايصلح ايمانه الى الغنى. ولو افقرته لافسده ذلك. وان من عبادي من لا يصلح ايمانه الا الفقر. ولو اغنيته لافسده ذلك وان من عبادي من لا يصلح ايمانه الا الصحة ولو امرته لافسده ذلك وان من عبادي من لا يصلح ايمانه الا المرض ولو عافيته لافسده ذلك اني ادبر امر عبادي بعلمي بما في قلوبهم اني خبير بصير تنزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد وهو الذي ينزل الغيث. اي المطر الغزير الذي به يغيث البلاد والعباد. من بعد ما قنطوا وانقطع عنهم مدة ظنوا انه لا يأتيهم وايسوا وعملوا لذلك الجدب اعمالا. فينزل الله الغيث وينشر به رحمته من اخراج للادميين وبهائمهم فيقع عندهم موقعا عظيما. ويستبشرون بذلك ويفرحون وهو الولي الذي يتولى عباده بانواع التدبير. ويتولى القيام بمصالح دينهم ودنياهم. الحميد في ولايته وتدبيره الحميد على ما له من الكمال. وما اوصله الى خلقه من انواع الافضال وهو على جمعهم اني لا يشاء قدير. اي ومن ادلة قدرته العظيمة. وانه سيحيي الموتى بعد موتهم خلق هذه السماوات والارض على عظمهما وسعتهما. الدال على قدرته وسعة سلطانه. وما فيهما من الاتقان والاحكام دال على حكمته وما فيهما من المنافع والمصالح دال على رحمته. وذلك يدل على انه المستحق لانواع العبادة كلها وان الهية ما سواه باطلة. وما بث فيهما اي نشر في السماوات والارض من اصناف الدواب. التي جعلها الله مصالح ومنافع لعباده وهو جمعهم اي جمع الخلق بعد موتهم لموقف القيامة قدرته ومشيئته صالحان لذلك. ويتوقف وقوعه على وجود الخبر الصادق. وقد علم انه قد تواترت اخبار المرسلين وهم بوقوعه يخبر تعالى انه ما اصاب العباد من مصيبة في ابدانهم واموالهم واولادهم. وفيما يحبون ويكون عزيز عليهم الا بسبب ما قدمته ايديهم من السيئات. وان ما يعفو الله عنه اكثر. فان الله لا يظلم العباد ولكن انفسهم هم يظلمون ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة وليس اهمالا منه تعالى تأخير العقوبات ولا عجز ولي ولا نصيب. وما انتم لمعجزين في الارض اي معجزين قدرة الله عليكم. بل انتم عاجزون في الارض ليس عندكم امتناع عن ما ينفذه الله فيكم. وما لكم من دون الله من ولي يتولاكم. فيحصل لكم المنافع ولا نصير يدفع عنكم المضار. ومن اياته الجوارف البحر كالاعلام. اي ومن ادلة رحمته وعنايته بعباده. الجواري في البحر من السفن والمراكب النارية والشراعية. التي من عظمها كالاعلام. وهي الجبال الكبار التي سخر لها البحر العجاج وحفظها من التطام الامواج وجعلها تحملكم وتحمل امتعتكم الكثيرة الى والاقطار البعيدة وسخر لها من الاسباب ما كان معونة على ذلك. ثم نبه على هذه الاسباب بقوله ان يشأ يسكن الريح التي جعلها الله سببا لمشيها فيضلل اي الجواري رواكد على ظهر البحر. لا تتقدم ولا تتأخر. ولا ينتقض هذا بالمراكب النارية. فان من شرط مشيها الريح وان شاء الله تعالى اوبق الجوار بما كسب اهلها. اي اغرقها في البحر واتلفها. ولكنه يحلم ويعفو عن كثير ان في ذلك لايات لكل صبار شكور. اي كثير الصبر على ما تكرهه نفسه ويشق عليها فيكرهها عليه. من مشقة طاعة او ردع داع الى معصية او ردع نفسه عند المصائب عن التسخط. شكور في الرخاء وعند النعم يعترف بنعمة ربه ويخضع له. ويصرفها في مرضاته. فهذا الذي ينتفع بايات الله. واما الذي لا صبر عنده. ولا شكر له على الله فانه معرض او معاند لا ينتفع بالايات. ثم قال تعالى ويعلم الذين يجادلون في اياتنا ليبطلوها بباطلهم اي لا ينقذهم منقذ مما حل بهم من العقوبة هذا تزهيد في الدنيا وترغيب في الاخرة. وذكر الاعمال الموصلة اليها فقال فما اوتيتم من شيء من ملك ورياسة واموال وبنين وصحة وعافية بدنية. فمتاع الحياة الدنيا لذة منغصة منقطعة. وما عند الله من الثواب وبالجزيل والاجر الجليل والنعيم المقيم. خير من لذات الدنيا خيرية لا نسبة بينهما. وابقى. لانه نعيم لا منغص فيه ولا كدر ولا انتقال ثم ذكر لمن هذا الثواب فقال اي جمعوا بين الايمان الصحيح المستلزم لاعمال الايمان الظاهرة باطنة وبين التوكل الذي هو الالة لكل عمل. فكل عمل لا يصحبه التوكل فغير تام وهو الاعتماد بالقلب على الله في ومن الامور التي لا يوفق لها الا اولو العزائم والهمم وذوي الالباب والبصائر. فان ترك الانتصار للنفس بالقول او الفعل من شق شيء عليها والصبر على الاذى والصفح عنه ومغفرته ومقابلته بالاحسان اشق واشق ولكنه يسير جلب ما يحبه العبد ودفع ما يكرهه مع الثقة به تعالى الفواحش واذا ما غضبوهم يغفرون. والذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش. والفرق بين الكبائر والفواحش مع ان جميعهما كبائر. ان الفواحش هي الذنوب الكبار التي في النفوس داع اليها. كالزنا ونحوه والكبائر ما ليس كذلك هذا عند الاقتران. واما مع افراد كل منهما عن الاخر. فان الاخر يدخل فيه اي قد تخلقوا بمكارم الاخلاق ومحاسن الشيم. فصار الحلم لهم سجية وحسن الخلق لهم طبيعة. حتى اذا اغضبهم احد بمقاله او فعاله كظم ذلك الغضب فلم ينفذوه بل غفروه ولم يقابلوا المسيء الا بالاحسان والعفو والصفح. فترتب على هذا العفو والصفح من المصالح ودفع المفاسد في انفسهم وغيرهم شيء كثير. كما قال تعالى ادفع بالتي هي احسن. فاذا الذي بينكم وبينه عداوة كانه ولي حميم. وما يلقاها الا الذين صبروا وما يلقاها الا ذو حظ عظيم تابوا لربهم واقاموا الصلاة وامرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون. والذين استجابوا لربهم اي انقادوا لطاعته ولبوا دعوته وصار قصدهم رضوانه وغايتهم الفوز بقربه ومن الاستجابة لله اقامة الصلاة وايتاء الزكاة. فلذلك عطفهما على ذلك من باب عطف العام على الخاص. الدال على شرفه وفضله. فقال واقام الصلاة اي ظاهرها وباطنها فرضها ونفلها. من النفقات الواجبة كالزكاة والنفقة على الاقارب ونحوهم. والمستحبة كالصدقات على عموم الخلق. وامرهم الديني والدنيوي شورى بينهم اي لا يستبد احد منهم برأيه في امر من الامور المشتركة بينهم. وهذا لا يكون الا فرعا عن اجتماعهم وتوالفهم وتواددهم تحابوا بهم وكمال عقولهم انهم اذا ارادوا امرا من الامور التي تحتاج الى اعمال الفكر والرأي. اجتمعوا لها وتشاوروا وبحثوا فيها حتى اذا تبينت لهم المصلحة انتهزوها وبادروها. وذلك كالرأي في الغزو والجهاد. وتولية الموظفين لامارة او او غيره وكالبحث في المسائل الدينية عموما فانها من الامور المشتركة والبحث فيها لبيان الصواب مما يحبه الله وهو داخل في هذه الاية. والذين اذا اصابهم البغي اي وصل اليهم من اعدائهم هم ينتصرون لقوتهم وعزتهم. ولم يكونوا اذلاء عاجزين عن الانتصار. فوصفهم بالايمان والتوكل على الله واجتناب الكبائر والفواحش. الذي تكفر به الصغائر والانقياد التام والاستجابة لربهم. واقامة الصلاة والانفاق في وجوه الاحسان والمشاورة في امورهم والقوة والانتصار على اعدائهم. فهذه خصال الكمال قد جمعوها ويلزم من قيامهم فيها فعل ما هو دونها وانتفاء ضدها. وجزاء سيئة سيئة مثلها ذكر الله في هذه الاية مراتب العقوبات وانها على ثلاث مراتب. عدل وفضل وظلم. فمرتبة العدل جزاء السيئة بالسيئة مثلها لا زيادة ولا نقص. فالنفس بالنفس وكل جارحة بالجارحة المماثلة لها. والمال يضمن بمثله. ومرتبة الفضل العفو والاصلاح عن المسيء. ولهذا قال يجزيه اجره عظيما وثوابا كثيرا. وشرط الله في العفو الاصلاح فيه. ليدل ذلك على انه اذا كان الجاني لا يليق العفو عنه كانت المصلحة الشرعية تقتضي عقوبته فانه في هذه الحال لا يكون مأمورا به. وفي جعل اجر العافي على الله ما يهيج على العفو وان يعامل العبد الخلق بما يحب ان يعامله الله به. فكما يحب ان يعفو الله عنه فليعفو عنهم. وكما يحب ان يسامحهم الله فليسامحهم فان الجزاء من جنس العمل. واما مرتبة الظلم فقد ذكرها بقوله الذين يجنون على غيرهم ابتداء او يقابلون الجاني باكثر من جنايته. فالزيادة ظلم ولمن انتصر بعد ظلمه اي انتصر ممن بعد وقوع الظلم عليه. اي لا حرج عليهم في ذلك قوله والذين اذا اصابهم البغي وقوله ولمن انتصر بعد ظلمه انه لابد من اصابة البغي والظلم ووقوعه. واما ارادة البغي على الغير وارادة ظلمه من غير ان يقع منهم شيء. فهذا لا يجازى بمثله. وانما يؤدب تأديبا يردعه عن قول او فعل ان صدر منه انما السبيل اي انما تتوجه الحجة بالعقوبة الشرعية على الذين يظلمون الناس ويبغون في الارض بغير الحق. وهذا شامل للظلم والبغي على الناس. في دمائهم واموالهم واعراضهم اب اليم. اي موجع للقلوب والابدان. بحسب ظلمهم وبغيهم ولمن صبر على ما يناله من اذى الخلق وغفر لهم بان سمح لهم عما يصدر منهم اي لمن الامور التي حث الله عليها واكدها. واخبر انه لا يلقاها الا اهل الصبر والحظوظ العظيم على من يسره الله عليه. وجاهد نفسه على الاتصاف به. واستعان الله على ذلك. ثم اذا ذاق العبد حلاوته ووجد اثاره. تلقاه الصدر وسعة الخلق والتلذذ فيه وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون هل الى مرد من سبيل يخبر تعالى انه المنفرد بالهداية والاضلال. وانه من يضلل الله بسبب ظلمه. فما له من ولي من بعده يتولى امره هو يهديه وترى الظالمين لما رأوا العذاب مرأ ومنظرا فظيعا صعبا شنيعا يظهرون الندم العظيم والحزن على ما سلف منهم اي هل لنا طريق او حيلة الى رجوعنا الى الدنيا؟ لنعمل غير الذي كنا نعمل. وهذا طلب للامر المحال له الذي لا يمكن وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل وتراهم يعرضون عليها اي على النار خاشعين من الذل. اي ترى اجسامهم خاشعة للذل الذي في قلوبهم ينظرون من طرف خفي اي ينظرون الى النار مسارقة وشزرا من هيبتها وخوفها واهليهم يوم القيامة. الا ان الظالمين وقال الذين امنوا حين ظهرت عواقب الخلق وتبين اهل الصدق من غيرهم ان على الحقيقة الذين خسروا انفسهم واهليهم يوم القيامة. حيث فوتوا انفسهم جزيل الثواب. وحصلوا على اليم العقاب وفرق بينهم وبين اهليهم فلم يجتمعوا بهم اخر ما عليهم. الا ان الظالمين في عذاب مقيم الا ان الظالمين انفسهم بالكفر والمعاصي. في سواءه ووسطه منغمرين لا يخرجون منه ابدا ولا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون. وما كان لهم من اولياء يا ايها ومن يضلل الله فما له من سبيل. وما كان لهم من اولياء ينصرونهم من دون الله كما كانوا في الدنيا يمنون بذلك انفسهم. ففي كما يتبين لهم ولغيرهم ان اسبابهم التي املوها تقطعت. وانه حين جاءهم عذاب الله لم يدفع عنهم فما له من سبيل تحصل به هدايته فهؤلاء ضلوا حيث في شركائهم النفع ودفع الضر. فتبين حينئذ ضلالهم ما لكم من ملجأ يومئذ يأمر تعالى عباده بالاستجابة له. بامتثال ما امر به واجتناب ما نهى عنه في المبادرة بذلك وعدم التسويف. من قبل ان يأتي يوم القيامة الذي اذا جاء لا يمكن رده واستدراك الفائت. وليس للعبد في ذلك يومي ملجأ يلجأ اليه فيفوت ربه ويهرب منه. بل قد احاطت الملائكة بالخليقة من خلفهم. ونودوا يا معشر الجن والانس ان استطعتم ان تنفذوا من اقطار السماوات والارض فانفذوا. لا تنفذون الا بسلطان. وليس للعبد في ذلك اليوم نكير لما اقترفه عجرمة بل لو انكر لشهدت عليه جوارحه. وهذه الاية ونحوها فيها ذم الامل. والامر بانتهاز الفرصة في كل عمل يعرضه للعبد فان للتأخير افات وانا اذا القنا الانسان منا رحمة فرح بها فان اعرضوا عما جئتهم به بعد البيان التام فما ارسلناك عليهم حفيظا تحفظ اعمالهم وتسأل عنها ان عليك الا البلاغ فاذا اديت ما عليك فقد وجب اجرك على الله سواء استجابوا ام اعرضوا وحسابهم على الله الذي يحفظ عليهم صغير اعمالهم كبيرها وظاهرها وباطنها. ثم ذكر تعالى حالة الانسان وانه اذا اذاقه الله رحمة من صحة بدن ورزق رغد وجاه ونحوه فرح بها اي فرح فرحا مقصورا عليها لا يتعداها. ويلزم من ذلك طمأنينته بها اعراضه عن المنعم وان تصبهم سيئة اي مرض او فقر او نحوهما بما قدمت ايديهم اي طبيعته كفران النعمة السابقة. والتسخط لما اصابه من السيئة لله ملك السماوات والارض يخلق ما يشاء. يهب لمن يشاء او يزوجهم ذكرانا عقيما. انه هذه الاية فيها الاخبار عن سعة ملكه تعالى ونفوذ تصرفه في الملك في الخلق لما يشاء والتدبير لجميع الامور. حتى ان تدبيره تعالى من عمومه انه يتناول المخلوقة عن الاسباب التي يباشرها العباد ان النكاح من الاسباب لولادة الاولاد. فالله تعالى هو الذي يعطيهم من الاولاد ما يشاء. فمن الخلق من يهب له اناثا. ومنهم من يهب وله ذكورا ومنهم من يزوجه. اي يجمع له ذكورا واناثا. ومنهم من يجعله عقيما لا يولد له انه عليم بكل شيء قدير على كل شيء فيتصرف بعلمه واتقانه الاشياء وبقدرته في مخلوقاته انه يرسل رسولا فيوحي باذنه ما يشاء انه علي حكيم. لما قال المكذبون لرسل الله الكافرون بالله لولا يكلمنا الله او تأتينا اية من كبرهم وتجبرهم رد الله عليهم بهذه الاية الكريمة وان تكليمه تعالى لا يكون الا لخواص خلقه. للانبياء والمرسلين وصفوته من العالمين. وانه يكون على احد هذه الاوجه اما ان يكلمه الله وحيا بان يلقي الوحي في قلب الرسول من غير ارسال ملك ولا مخاطبة منه شفاها او يكلمه منه شفاها لكن من وراء حجاب. كما حصل لموسى ابن عمران كليم الرحمن. او يكلمه الله بواسطة الرسول الملكي يرسل رسولا كجبريل او غيره من الملائكة. فيوحي باذنه اي باذن ربه لا بمجرد هواه. انه تعالى علي الذات علي الاوصاف عظيمها علي الافعال قد قهر كل شيء ودانت له المخلوقات حكيم في وضعه كله كشيء في موضعه من المخلوقات والشرائع من عبادنا وكذلك حين اوحينا الى الرسل قبلك اوحينا اليك روحا من امرينا وهو هذا القرآن الكريم سماه روحا لان الروح يحيا به الجسد والقرآن تحيا به القلوب والارواح وتحيا به مصالح في الدنيا والدين لما فيه من الخير الكثير والعلم الغزير. وهو محض منة الله على رسوله وعباده المؤمنين. من غير سبب منهم. ولهذا هذا قال ما كنت تدري اي قبل نزوله عليك ما الكتاب ولا الايمان اي ليس عندك علم باخبار الكتب السابقة. ولا ايمان وعمل بالشرائع الالهية. بل كنت اميا لا تخط ولا تقرأ. فجاءك هذا الكتاب الذي جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا يستضيئون به في ظلمات الكفر والبدع والاهواء المرضية ويعرف به الحقائق ويهتدون به الى الصراط المستقيم. اي تبين دينه لهم وتوضحه وتنيره وترغبهم فيه. وتنهاهم عن ضده. وترهبهم منه. ثم فسر الصراط المستقيم فقال صراط الله الذي هما في السماوات وما في الارض. الا الى الله تصير الامور اي الصراط الذي نصبه الله لعباده واخبرهم انه موصل اليه والى دار كرامته لترجع جميع امور الخير والشر. فيجازي كلا بحسب عمله ان خيرا فخير. وان شرا فشر