فان من انكر مشيئة الله وقال انه يوجد في ملكه ما لا يريد فهو مكذب لله عز وجل منتقص له سبحانه وتعالى فلا بد من الايمان بانه على كل شيء قدير لانه سبحانه قد خفف على قوم ولم يخفف على اخرين فمعنى ذلك انه امر بهذا ورضي به واحبه. ولكن من الناس من وفق لهذا الشيء ومنهم من لم يوفق له ومن ذلك ما جاء في الحديث الصحيح ان الله سبحانه يقول يوم القيامة لبعض المشركين لو كان لك مثل الارض ذهبا اكنت مفتديا به فيقول نعم فيقول الله سبحانه له بسم الله الرحمن الرحيم. يسر مشروع كبار العلماء ان يقدموا لكم الدرس الثاني والاربعين. قال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله في كتاب الدروس المهمة لعامة الامة فالايمان بالقدر يشمل ايماننا بعلمه بالاشياء وكتابته لها وايماننا ايضا بان ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وايماننا ايضا بانه الخلاق لكل شيء وان جميع الاشياء هو خالقها وموجدها سبحانه وتعالى وفي هذا رد على من قال خلاف ذلك من المعتزلة وغيرهم وان ما شاءه كان وما اراده بارادته الكونية كان ولكن بعض الناس تخفى عليهم هذه الاشياء التي جاءت بها الرسل فيجب ان تبين لهم بادلتها وان يوضح لهم الفرق بين الارادة الكونية التي لا يتخلف مرادها وهي المذكورة في مثل قوله سبحانه انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون وبين الارادة الشرعية التي قد يتخلف مرادها بالنسبة الى بعض الناس وهي المذكورة في قوله سبحانه يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم ومعلوم ان بعض الناس مات على جهله ومات على غير توبة وقال تعالى يريد الله ان يخفف عنكم هذه ارادة شرعية قد اردت منك ما هو ادنى من ذلك وانت في صلب ابيك ادم اردت منك الا تشرك بي شيئا فابيت الا الشرك يعني اردت منك شرعا الا تشرك بي. وذلك بما جاء على السنة الرسل. من الامر بعبادته وحده والنهي عن الاشراك به لكن ابى اكثر الخلق الا الشرك بالله عز وجل ولم يقبلوا الارادة الشرعية فمن امن بهذه الامور الاربعة وهي علم الله سبحانه بجميع الاشياء وكتابته لها ومشيئته لما وجد منها وانه سبحانه خالق الاشياء وموجدها فقد امن بالقدر ايمانا كاملا ومن قصر في ذلك فقد قصر في الايمان بالقدر. ولم يسر على هدى اهل السنة والجماعة في ذلك. ولم يؤمن بالقدر على حقيقته بل امن ببعضه وكفر ببعض. ثم هذا الايمان بالقدر لا يلزم منه ان يكون العبد لا ارادة له ولا مشيئة. وانما هو كالسعفة تحركها الرياح هكذا وهكذا. وكالريشة في الهواء خلافا للقدرية المجبرة من الجهمية وغيرهم. بل له اختيار ومشيئة. وله ارادة وعقل يميز به ولكن هذه المشيئة وهذه الارادة وهذا الاختيار لا يكون به شيء الا بعد مشيئة الله سبحانه وتعالى كما قال الله تعالى لمن شاء منكم ان يستقيم وما تشاؤون الا ان يشاء الله رب العالمين فهو مخير ومسير مخير من جانب لان الله اعطاه عقلا واعطاه بصرا. واعطاه ادلة وادوات ومكنه من الايمان والعمل فهو قادر وله ارادة وله مشيئة يقدر ان يتباعد عن المعصية. ويقدر ان يطيع وان يعصي. ويقدر ان يتصدق ويقدر ان يمتنع وهو مسير من جهة اخرى. وهي انه ليس له مشيئة الا بعد مشيئة الله ولا اختيار الا بعد اختيار الله. ولا يستقل بالاشياء فله ارادة خاصة ومشيئة خاصة بعد مشيئة الله وارادته ولهذا قال عز وجل هو الذي يسيركم في البر والبحر فالانسان سائر ومسير وميسر لما خلق له فهو سائر بما اعطاه الله من العقل والاختيار والمشيئة ومسير بما سبق في علم الله من القدر السابق وميسر لما خلق له من خير وشر فهو لا يمكن ان يخالف ما قدر الله له ولا ان يحيد عنه. وهو مع ذلك ميسر لما خلق له كما قال النبي صلى الله عليه وسلم اعملوا فكل ميسر لما خلق له اما اهل السعادة فييسرون لعمل اهل السعادة واما اهل الشقاوة فييسرون لعمل اهل الشقاوة متفق على صحته من حديث علي ابن ابي طالب رضي الله عنه ومن هذا يعلم المؤمن الفرق بين عقيدة السلف الصالح وعقيدة المعتزلة والقدرية النفاة وعقيدة القدرية مجبرة. فالقدرية المجبرة غلوا في اثبات القدر حتى قالوا ليس للعبد ارادة ولا مشيئة وقد اخطأوا في ذلك واصابوا في الايمان بالقدر اما القدرية النفاة فغلوا في نفي القدر وافرطوا في ذلك واخطأوا في هذا غاية الخطأ ولكنهم اصابوا في اثبات المشيئة والاختيار للعبد واخطأوا في جعله مستقلا بذلك فاهل السنة والجماعة اخذوا ما عند الطائفتين من الحق. وتركوا ما عندهما من الباطل. وهكذا يجب على اهل الحق اذا ردوا على اهل الباطل ان يفصلوا وان ينصفوا فيقول لهم قلتم كذا وقلتم كذا فنحن معكم في هذا ولسنا معكم في هذا نحن معكم في الحق الذي قلتموه كالايمان بالقدر ولسنا معكم بان العبد مجبور بل له اختيار ومشيئة ويقال للمعتزلة واشباههم نحن معكم في ان العبد له مشيئة واختيار ولكن لسنا معكم في تجهيل الله سبحانه وانكار علمه ومشيئته. وبهذا يتضح ان هذه الاصول الستة هي اصول الدين وهي الجامعة لكل ما اخبر الله عنه. فمن استقام عليها عقيدة وقولا وعملا فقد استكمل الايمان وسلم من النفاق لان هذه الاصول تقتضي من المؤمن بها اداء ما اوجب الله عليه له ولعباده. وتقتضي تصديقه بكل ما اخبر الله به في كتابه او اخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما صح من السنة ومن جحدها او جحد شيئا منها لم يكن مؤمنا. المكتبة الصوتية لسماحة الشيخ عبد العزيز ابن عبدالله ابن باز رحمه الله