نعم لهم شبهة من اوهى الشبه وهي تقليد ابائهم الضالين الذين ما زال الكفرة يردون بتقليدهم دعوة الرسل. ولهذا فقال هنا بل قالوا انا وجدنا اباءنا على امة اي على دين وملة المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم فلكم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم. حا ميم والكتاب المبين انا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون. هذا قسم بالقرآن على القرآن فاقسم بالكتاب واطلق ولم يذكر المتعلق ليدل على انه مبين لكل ما يحتاج اليه العباد من امور الدنيا والدين والاخرة. انا جعلناه قرآنا ان العربية هذا المقسم عليه انه جعل بافصح اللغات واوضحها وابينها. وهذا من بيانه. وذكر الحكمة في ذلك فقال لعلكم تعقلون الفاظه ومعانيه بتيسرها وقربها من الاذهان وانه اي هذا الكتاب لدينا في الملأ الاعلى في اعلى الرتب وافضلها. اي لعلي في قدره بشرفه ومحله حكيم فيما يجتمع عليه من الاوامر والنواهي والاخبار. فليس فيه حكم مخالف للحكمة والعدل والميزان. ثم اخبر على ان حكمته وفضله يقتضي الا يترك عباده هملا لا يرسل اليهم رسولا ولا ينزل عليهم كتابا ولو كانوا مسرفين ظالمين فقال اي افنعرض عنكم ونترك انزال الذكر اليكم ونضرب عنكم صفحا لاجل اعراضكم وعدم انقيادكم له. بل ننزل عليكم الكتاب ونوضح لكم فيه كل شيء. فان امنتم به واهتديتم فهو من توفيقكم. والا قامت عليكم الحجة وكنتم على بينة من امركم يقول تعالى ان هذه سنتنا في الخلق ان لا نتركهم هملا فكم ارسلنا من نبي في الاولين يأمرونهم بعبادة الله وحده لا شريك له. ولم يزل التكذيب موجودا في الامم تهزمون جحدا لما جاء به وتكبرا على الحق فاهلكنا اشد من هؤلاء بطشا. اي قوة وافعالا واثارا في الارض. اي مضت امثالهم واخبارهم وبينا لكم منها ما فيه عبرة ومزدجر عن التكذيب والانكار ان خلقهن العزيز العليم. يخبر تعالى عن المشركين انك لو سألتهم من خلق السماوات والارض ليقولن الله وحده لا شريك له. العزيز الذي دانت لعزته جميع المخلوقات. العليم بظواهر الامور ومواطنها. واوائلها واواخرها فاذا كانوا مقرين بذلك فكيف يجعلون له الولد والصاحبة والشريك؟ وكيف يشركون به من لا يخلق ولا يرزق ولا يميت ولا لا يحيي الذي جعل لكم الارض مهدا وجعل لكم فيها سبلا لعلكم تهتدون. ثم ذكر ايضا من الادلة الدالة على كمال نعمته واقتداره. لما خلقه لعباده من الارض التي مهدها. وجعلها قرارا للعباد. يتمكنون فيها من بكل ما يريدون وجعل لكم فيها سبلا اي جعل منافذ بين سلاسل الجبال المتصلة تنفذون منها الى ما وراءها من الاقطار لعلكم تهتدون في السير في الطرق ولا تضيعون. ولعلكم تهتدون ايضا في الاعتبار بذلك والادكار فيه. والذين نزل من السماء والذي نزل من السماء ماء بقدر لا يزيد ولا ينقص. ويكون ايضا بمقدار الحاجة لا ينقص بحيث لا يكون فيه نفع. ولا يزيد بحيث العباد والبلاد بل اغاث به العباد وانقذ به البلاد من الشدة. ولهذا قال فانشرنا به بلدة ميتة. اي احييناها بعد موتها اي فكما احيا الارض الميتة الهامدة بالماء كذلك يحييكم بعدما تستكملون في البرزخ باعمالكم الذي خلق الازواج كلها اي الاصناف جميعها. مما تنبت الارض ومن انفسهم ومما لا يعلمون. من ليل ونهار وحر وبرد ذكر وانثى وغير ذلك. وجعل لكم من الفلك اي السفن البحرية الشراعية والنارية ما تركبون. ومن الانعام ما تركبون لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم اذا استويتم عليه. وتقولوا سبحان الذي سخر لتستووا على ظهوره وهذا شامل لظهور الفلك ولظهور الانعام. اي لتستقروا عليها ثم تذكروا نعمة ربكم اذا استويتم عليه بالاعتراف بالنعمة لمن سخرها والثناء عليه تعالى بذلك. ولهذا قال اي لولا تسخيره لنا ما سخر من الفلك والانعام. ما كنا مطيقين لذلك وقادرين عليه. ولكن من لطفه وكرمه قال سخرها وذللها ويسر اسبابها. والمقصود من هذا بيان ان الرب الموصوف بما ذكره من افاضة النعم على العباد. هو الذي الذي يستحق ان يعبد ويصلى له ويسجد يخبر تعالى عن شناعة قول المشركين الذين جعلوا لله تعالى ولدا وهو الواحد الاحد. الفرد الصمد الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ولم يكن له كفوا احد. وان ذلك باطل من عدة اوجه. منها ان الخلق كلهم عباده والعبودية تنافي الولادة ومنها ان الولد جزء من والده. والله تعالى بائن من خلقه. مباين لهم في صفاته ونعوت جلاله. والولد جزء من الوالد فمحال ان يكون لله تعالى ولد. ام اتخذ مما يخلق بنات واصفاكم بالبنين ومن منها انهم يزعمون ان الملائكة بنات الله ومن المعلوم ان البنات ادون الصنفين. فكيف يكون لله البنات ويصطفيهم بالبنين بها فاذا يكونون افضل من الله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. واذا بشر احدهم بما ضربني ومنها ان الصنف الذي نسبوه لله وهو البنات الصنفين واكرههما لهم. حتى انهم من كراهتهم لذلك وجهه مسودا وهو كظيم. ظل وجهه مسودا من كراهته وشدة بغضه. فكيف يجعلون لله ما يكرهون ومنها ان الانثى ناقصة في وصفها وفي منطقها بيانها ولهذا قال تعالى اومن ينشأ في الحلية اي يجمل فيها لنقص جماله فيجمل بامر خارج عنه وهو في الخصام اي عند الخصام الموجب لاظهار ما عند الشخص من الكلام غير مبين. اي غير مبين لحجته ولا مفصح عما احتوى عليه ضميره. فكيف ينسبونهن لله تعالى. وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن اناثا. اشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون. ومنها انهم جعلوا الملائكة الذين هم عباد الله اناثا. فتجرأوا على الملائكة العباد المقربين ورقوهم عن مرتبة العبادة والذل الى مرتبة المشاركة لله في شيء من خواصه. ثم نزلوا بهم عن المرتبة الذكورية الى مرتبة الانوثية فسبحان من اظهر تناقض من كذب عليه وعاند رسله. ومنها ان الله رد عليهم بانهم لم يشهدوا خلق الله لملائكته فكيف يتكلمون بامر من المعلوم عند كل احد؟ انه ليس لهم به علم ولكن لابد ان يسألوا عن هذه الشهادة وستكتب عليه ويعاقبون عليها وقوله تعالى وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم ذلك من علم انهم الا يحرصون. وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم فاحتجوا على عبادتهم الملائكة بالمشيئة وهي حجة لم يزل المشركون يطرقونها وهي حجة باطلة في نفسها عقلا وشرعا. فكل عاقل لا يقبل الاحتجاج بالقدر. ولو سلك في حالة من احواله لم يثبت عليها قدمه. واما شرعا فان الله تعالى ابطل الاحتجاج به. ولم يذكره عن غير المشركين به المكذبين رسله فان الله تعالى قد اقام الحجة على العباد فلم يبق لاحد عليه حجة اصلا. ولهذا قال هنا ان يتخلصون تخرصا لا دليل عليه ويتخبطون خط عشواء ثم قال يخبرهم بصحة افعالهم وصدق اقوالهم ليس الامر كذلك فان الله ارسل محمدا نذيرا اليهم وهم لم يأتهم نذير غيره اي فلا عقل ولا نقل. واذا انتفى الامران فلا ثم الا الباطل اي فلا نتبع ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. وكذلك ما ارسلنا من قبلك في قرية من نذير على وانا على الا قال مترفوها اي منعموها. وملؤها الذين اطرتهم الدنيا وغرتهم الاموال واستكبروا على الحق اي فهؤلاء ليس ببدع منهم وليسوا باول من قال هذه المقالة. وهذا الاحتجاج من هؤلاء المشركين الضالين تقليدهم لابائهم الضالين ليس المقصود به اتباع الحق والهدى. وانما هو تعصب محض يراد به نصرة ما معهم من الباطل. ولهذا هذا كل رسول يقول لمن عارضه بهذه الشبهة الباطلة اولو جئتكم باهدى مما وجدتم عليه اباءكم اي هل تتبعوني لاجل الهدى؟ فعلم بهذا انهما ارادوا اتباع الحق والهدى وانما قصدهم اتباع الباطل والهوى فانتقمنا منهم بتكذيبهم الحق. وردهم اياه بهذه الشبهة الباطلة فليحذر هؤلاء ان يستمروا على تكذيبهم فيصيبهم ما اصابهم يخبر تعالى عن ملة ابراهيم الخليل عليه السلام الذي ينتسب اليه اهل الكتاب والمشركون. وكلهم يزعم انه على طريقته. فاخبر عن دينه الذي ورثه في ذريته فقط قال واذ قال ابراهيم لابيه وقومه الذين اتخذوا من دون الله الهة يعبدونهم ويتقربون اليهم اي مبغض له. مجتنب معاد لاهله الا الذي فطرني فاني اتولاه وارجو ان يهديني للعلم بالحق والعمل به. فكما فطرني ودبرني بما اصلح بدني ودنياي فسيهديني لما يصلح ديني واخرتي. وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يردون وجعلها اي هذه الخصلة الحميدة التي هي ام الخصال واساسها وهي اخلاص العبادة لله وحده والتبري من ما سواه كلمة باقية في عقبه اي ذريته لعلهم اليها يرجعون. لشهرتها عنه وتوصيته لذريته وتوصية بعض بنيه كاسحاق ويعقوب لبعض. كما قال تعالى ومن يرغب عن ملة ابراهيم الا من سفه نفسه. فلم تزل هذه القيمة موجودة في ذريته عليه السلام. حتى دخلهم الترف والطغيان. فقال تعالى بل متعت هؤلاء وابائهم بانواع الشهوات حتى صارت هي غايتهم ونهاية مقصودهم فلم تزل يتربى حبها في قلوبهم حتى صارت صفات راسخة وعقائد متصلة حتى جاءهم الحق الذي بلا شك فيه ولا مرية ولا اشتباه. اي بينوا الرسالة قامت ادلة رسالته قياما باهرا باخلاقه ومعجزاته وبما جاء به وبما صدق به المرسلين وبنفس دعوته صلى الله عليه وسلم قالوا هذا سحر وانا به كافرون. ولما جاءهم الحق الذي يوجب على من له ادنى دين ومعقول ان يقبله وينقاد له قالوا هذا سحر وانا به كافرون. وهذا من اعظم المعاندة والمشاقة. فانهم لم يكتفوا بمجرد الاعراض عنه بل ولا جحده فلم يرضوا حتى قدحوا به قدحا شنيعا. وجعلوه بمنزلة السحر الباطل. الذي لا يأتي به الا اخبث الخلق واعظمهم افتراء والذي حملهم على ذلك طغيانهم بما متعهم الله به وابائهم. وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل وقالوا مقترحين على الله بعقولهم الفاسدة من القريتين اي معظم عندهم مبجل من اهل مكة او اهل الطائف كالوليد بن المغيرة ونحوه ممن هو عندهم عظيم قال الله ردا لاقتراحهم. اي اهم الخزان لرحمة الله؟ وبيدهم تدبيرها النبوة والرسالة من يشاؤون. ويمنعونها ممن يشاؤون. نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا رفعنا بعضهم فوق بعض درجات ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات اي في الحياة الدنيا. والحال ان رحمة ربك خير مما يجمعون من الدنيا فاذا كانت معايش العباد وارزاقهم الدنيوية بيد الله تعالى هو الذي يقسمها بين عباده فيبسط الرزق على من يشاء ويضيقه على من يشاء بحسب حكمته. فرحمته الدينية التي اعلاها النبوة والرسالة. اولى واحرى ان تكون بيد الله تعالى قال فالله اعلم حيث يجعل رسالته. فعلم ان اقتراحهم ساقط لاغ وان التدبير للامور كلها دينيها ودنيويها بيد الله وحده وهذا اقناع لهم من جهة غلطهم في الاقتراح الذي ليس في ايديهم منه شيء ان هو الا ظلم منهم ورد للحق وقولهم لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم لو عرفوا حقائق الرجال والصفات التي بها يعرف علو قدر الرجل وعظم منزلته عند الله وعند خلقه لعلموا ان محمد ابن عبد الله ابن عبد المطلب صلى الله عليه وسلم هو اعظم الرجال قدرا واعلاه من صخرا واكملهم عقلا واغزرهم علما واجلهم رأيا وعزما وحزما واكملهم خلقا واوسعهم رحمة واشدهم شفا واهداهم واتقاهم. وهو قطب دائرة الكمال واليه المنتهى في اوصاف الرجال. الا وهو رجل العالم على الاطلاق. يعرف ذلك اولياؤه واعداؤه. فكيف يفضل عليه المشركون من لم يشم مثقال ذرة من كماله. ومن جرمه ومنتهى حمقه ان جعل الهه الذي يعبده ويدعوه ويتقرب اليه. صنما او شجرا او حجرا لا يضر ولا ينفع ولا يعطي ولا يمنع. وهو كل على مولاه يحتاج لمن يقوم بمصالحه فهل هذا الا من فعل السفهاء والمجانين؟ فكيف يجعل هذا عظيما؟ ام كيف يفضل على خاتم الرسل في ولد ادم صلى الله عليه وسلم. ولكن الذين كفروا لا يعقلون. وفي هذه الاية تنبيه على حكمة الله تعالى في تفضيل الله بعض العباد على بعض في الدنيا. ليتخذ بعضهم بعضا سخريا. اي ليسخر بعضهم بعضا في الاعمال والحرف والصنائع. فلو روى الناس في الغنى ولم يحتج بعضهم الى بعض. لتعطلت كثير من مصالحهم ومنافعهم. وفيها دليل على ان نعمته الدينية خير من النعم الدنيوية كما قال تعالى في الاية الاخرى قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ان يكون الناس امة واحدة لجعلنا لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا يخبر تعالى بان الدنيا لا تسوى عنده شيئا وانه لولا لطفه ورحمته بعباده التي لا يقدم عليها شيئا لوسع الدنيا على الذين كفروا توسيعا عظيما ولجعل لبيوتهم سقفا من فضة ومعارك اي درجا من فضة عليها يظهرون على سطوحهم. ولبيوتهم ابوابا وسررا عليها يتكئون وزخرا وان كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والاخرة عند ربك للمتقين من فضة ولجعل لهم زخرفا. اي لزخرف لهم دنياهم بانواع الزخارف. واعطاهم ما يشتهون ولكن منعه من ذلك رحمته بعباده خوفا عليه من التسارع في الكفر وكثرة المعاصي بسبب حب الدنيا. ففي هذا دليل على انه يمنع العباد بعض امور الدنيا منعا عاما او خاصا لمصالحهم. وان الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة. وان كل هذه المذكورات متاع الحياة الدنيا منغصة مكدرة فانية وان الاخرة عند الله تعالى خير للمتقين لربهم بامتثال اوامره واجتناب نواهيه. لان نعيمها تام كامل من كل وجه وفي الجنة ما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين وهم فيها خالدون. فما اشد الفرق بين الدارين ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين. يخبر تعالى عن عقوبته البليغة لمن اعرض عن ذكره فقال ومن يعشو اي يعرض ويصد عن ذكر الرحمن الذي هو القرآن العظيم الذي هو اعظم رحمة رحم بها الرحمن عباده فمن قبلها فقد قبل خير المواهب وفاز باعظم المطالب والرغائب. ومن اعرض عنها وردها فقد خاب وخسر خسارة لا بعدها ابدا وقيض له الرحمن شيطانا مريدا. يقارنه ويصاحبه. ويعده ويمنيه ويؤزه الى المعاصي وانهم ليصدونهم عن اي عن الصراط المستقيم والدين القويم. بسبب تزيين الشيطان للباطل تحسينه له واعراضهم عن الحق. فاجتمع هذا وهذا. فان قيل فهل لهذا من عذر؟ من حيث انه ظن انه مهتد ليس كذلك قيل لا عذر لهذا وامثاله. الذين مصدر جهلهم الاعراض عن ذكر الله مع تمكنهم على الاهتداء. فزهدوا في الهدى مع القدرة عليه ورغبوا في الباطل فالذنب ذنبهم والجرم جرمهم. فهذه حالة هذا المعرض عن ذكر الله في الدنيا مع قرينه. وهو الضلال غي وانقلاب الحقائق. واما حاله اذا جاء ربه في الاخرة فهو شر الاحوال. وهو اظهار الندم والتحسر. والحزن الذي لا يجبر مصابة والتبري من قرينه. ولهذا قال تعالى كما في قوله تعالى ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا قيل يا ويلتا ليتني لم اتخذ فلانا خليلا. لقد اضلني عن الذكر بعد اذ جاءني. وكان الشيطان للانسان خذولا وقوله تعالى ولن ينفعكم اليوم اذ ظلمتم انكم في العذاب مشتركون اي ولا ينفعكم يوم القيامة قيامة اشتراككم في العذاب انتم وقرناؤكم واخلاؤكم وذلك لانكم اشتركتم في الظلم فاشتركتم في عقابه وعذابه. ولن معكم ايضا روح التسلي في المصيبة. فان المصيبة اذا وقعت في الدنيا واشترك فيها المعاقبون هان عليهم بعض الهون. وتسلى بعض بعضهم ببعض واما مصيبة الاخرة فانها جمعت كل عقاب ما فيه ادنى راحة حتى ولا هذه الراحة نسألك يا ربنا وان تريحنا برحمتك. يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم مصليا له عن امتناع المكذبين عن الاستجابة له وانهم لا خير فيهم ولا فيهم زكاء يدعوهم الى الهدى افانت تسمع الصم؟ اي الذين لا يسمعون او تهدي العم الذين لا يبصرون او تهدي من كان في ضلال مبين اي بين واضح لعلمه بضلاله ورضاه به. فكما ان الاصم لا يسمع الاصوات والاعمى لا يبصر. والضال ضلال مبين لا يهتدي فهؤلاء قد فسدت فطرهم وعقولهم باعراضهم عن الذكر. واستحدثوا عقائد فاسدة وصفات خبيثة تمنعهم تحول بينهم وبين الهدى وتوجب لهم الازدياد من الردى. فهؤلاء لم يبق الا عذابهم ونكالهم. اما في الدنيا او في الاخرة ولهذا قال تعالى اي فان ذهبنا بك قبل ان نريك كما نعدهم من العذاب فاعلم بخبرنا الصادق ان منهم منتقمون. او نرينك الذي وعدناهم فانا عليهم مقتدرون او نرينك الذي وعدناهم من العذاب. ولكن ذلك متوقف على اقتضاء الحكمة تعجيله او تأخيره فهذه حالك وحال هؤلاء المكذبين. واما انت الصراط المستقيم. فاستمسك بالذي اوحي اليك فعلا واتصافا. بما يأمر بالاتصاف به. ودعوة اليه وحرصا على تنفيذه في نفسك وفي غيرك. انك على صراط مستقيم. موصل الى الله والى دار كرامته. وهذا مما ما يوجب عليك زيادة التمسك به والاهتداء. اذا علمت انه حق وعدل وصدق تكون بانيا على اصل اصيل. اذا بنى غيرك على الشكوك والاوهام والظلم والجور. وانه اي هذا القرآن الكريم لذكر لك ولقومك اي فخر لكم ومنقبة جليلة ونعمة لا يقادر قدرها ولا يعرف وصفها ويذكر ايضا ما فيه الخير الدنيوي والاخروي. ويحثكم عليه. ويذكركم الشر ويرهبكم عنه. وسوف تسألون عنه. هل قمتم به فارتفعتم وانتفعتم ام لم تقوموا به فيكون حجة عليكم وكفرا منكم بهذه النعمة الرحمن الهة يعبدون حتى يكون للمشركين حجة يتبعون فيها احدا من الرسل فانك لو سألتهم واستخبرتهم عن احوالهم لم تجد احدا منهم يدعو الى اتخاذ اله اخر مع الله مع ان كل الرسل من اولهم الى اخرهم يدعون الى عبادة الله وحده لا شريك له. قال تعالى ولقد بعثنا في كل امة ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت. وكل رسول بعثه الله يقول لقومه اعبدوا الله ما لكم من اله غيره. فدل هذا ان ان المشركين ليس لهم مستند في شركهم لا من عقل صحيح ولا نقل عن الرسل لما قال تعالى واسأل من ارسلنا من قبلك من رسلنا اجعلنا من دون الرحمن الهة يعبدون. بين تعالى حال موسى ودعوته التي هي اشهر ما يكون من دعوات الرسل. ولان الله تعالى اكثر من ذكرها فذكر حاله مع فرعون فقال ولقد ارسلنا موسى باياتنا التي دلت دلالة قاطعة على صحة ما جاء به كالعصا الحية وارسال الجراد والقمل الى اخر الايات فدعاهم الى الاقرار بربهم ونهاهم عن عبادة ما سواه اي ردوها وانكروها واستهزؤا بها ظلما وعلوا. فلم يكن لقصور بالايات وعدم وضوح في فيها ولهذا قال وما نريه من اية الا هي اكبر من اختها اي الاية المتأخرة اعظم من السابقة. واخذناهم بالعذاب كالجراد والقمل والضفادع والدم ايات مفصلات لعلهم يرجعون الى الاسلام ويذعنون له ليزول شركهم شرهم وقالوا عندما نزل عليهم العذاب يا ايها الساحر يعنون موسى عليه السلام وهذا اما من باب التهكم به واما ان يكون هذا الخطاب عندهم مدحا. فتضرعوا اليه بان خاطبوه بما يخاطبون به من يزعمون انهم علماؤهم. وهم السحرة. فقال يا ايها الساحر ادعو لنا ربك بما عهد عندك اي بما خصك الله به وفضلك به من الفضائل والمناقب ان يكشف عنا العذاب انكشف الله عنا ذلك اي لم يفوا بما قالوا بل غدروا واستمروا على كفرهم. وهذا كقوله تعالى فارسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفار والدم ايات مفصلات. فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين. ولما وقع عليهم الردز قالوا يا موسى ادعو لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجس لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني اسرائيل. فلما كشفنا عنهم الرج الى اجل هم بالغوه. اذا هم ينكثون ونادى فرعون في قومه قال مستعليا بباطله قد غره ملكه واطاه ماله وجنوده. يا قومي اليس لي ملك مصر اي الست المالك لذلك؟ المتصرف فيه؟ وهذه الانهار تجري من تحتي. اي الانهار المنسحبة من النيل في وسط القصور والبساتين. افلا تبصرون هذا الملك الطويل العريض؟ وهذا من جهله البليغ؟ حيث افتخر بامر خارج عن ذاته. ولم يفخر باوصاف ونحو ذلك من الايات. قال لبني اسرائيل قد جئتكم بالحكمة النبوة والعلم بما ينبغي على الوجه الذي ينبغي. ولابي قيل لكم بعض الذي تختلفون فيه. اي ابين لكم صوابه وجوابه. فيزول عنكم بذلك اللبس. فجاء عليه السلام ولا افعال سديدة. يعني قبحه الله المهين موسى ابن عمران كليم الرحمن الوجيه عند الله. اي انا العزيز وهو الذليل المهان المحتقر. فاينا خير مع هذا فلا يكاد يبين عما في ضميره بالكلام. لانه ليس بفصيح اللسان وهذا ليس من العيوب في شيء. اذا كان يبين ما في ولو كان ثقيلا عليه الكلام ثم قال فرعون فلولا القي عليه اسورة من ذهب اي فهلا كان موسى بهذه الحالة ان يكون مزيفا مجملا بالحلي والاساور. يعاونونه على دعوته ويؤيدونه على قوله فاستخف قومه فاطاعوه اي استخف عقولهم بما ابدلهم من هذه الشبه التي لا تسمن ولا تغني من جوع ولا حقيقة تحتها وليست دليلا على حق ولا على باطل. ولا تروج الا على ضعفاء العقول. فاي دليل يدل على ان فرعون محق لكوني ملك مصر له وانهاره تجري من تحته. واي دليل يدل على بطلان ما جاء به موسى لقلة اتباعه وثقل لسانه وعدم تحلية الله له. ولكنه لقي ملأ لا معقول عندهم. فمهما قال اتبعوه من حق وباطل من فاسقين. فبسبب فسقهم قيض الله لهم فرعون يزين لهم الشرك والشر فلما اسفونا اي اغضبونا بافعالهم انتقمنا منهم فاغرقناهم اجمعين. فجعلناهم سلفا ومثلا للاخرين ليعتبر بهم المعتبرون ويتعظ باحوالهم المتعظون. يقول قال ولما ضرب ابن مريم مثلا اي نهي عن عبادته وجعلت عبادته بمنزلة عبادة الاصنام والانداد. اذا قومك المكذبون لك منه اي من اجل هذا المثل المضروب يصدون اي يستلجون في خصومتهم لك ويصيحون ويزعمون انهم قد غلبوا في وافلجوا وقالوا االهتنا خير ام هو؟ يعني عيسى حيث نهي عن عبادة الجميع وشرك بينهم بالوعيد على من عبدهم ونزل ايضا قوله تعالى انكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم انتم لها واردون ووجه حجتهم الظالمة انهم قالوا تقرب عندنا وعندك يا محمد ان عيسى من عباد الله المقربين الذين لهم العاقبة الحسنة فلم سويت بينه وبينها في النهي عن عبادة الجميع فلولا ان حجتك باطلة لم تتناقض. ولم قلت انكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم. انتم لها واردون وهذا لفظ بزعمهم يعم الاصنام وعيسى. فهل هذا الا تناقب؟ وتناقض الحجة دليل على بطلانها. هذا انهى ما يقررون به هذه الشبهة التي فرحوا بها واستبشروا. وجعلوا يصدون ويتباشرون. وهي ولله الحمد من اضعف الشبه وابطلها فان تسوية الله بين النهي عن عبادة المسيح وبين النهي عن عبادة الاصنام. لان العبادة حق لله تعالى لا يستحقها احد من الخلق لا الملائكة المقربون ولا الانبياء المرسلون ولا من سواهم من الخلق. فاي شبهة في تسوية النهي عن عبادة عيسى وغيره؟ وليس عيسى عليه السلام وكونه مقربا عند الله ما يدل على الفرق بينها وبينه في هذا الموضع. وانما هو كما قال تعالى الا عبد انعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني اسرائيل ان هو الا عبد انعمنا عليه بالنبوة والحكمة والعلم والعمل. يعرفون به قدرة الله تعالى على ايجاده من دون اب اما قوله تعالى انكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم. انتم لها واردون. فالجواب عنها من ثلاثة اوجه. احدها ان قوله انكم وما تعبدون من دون الله ان ما اسم لما لا يعقل. لا يدخل فيه المسيح ونحوه. الثاني ان الخطاب للمشركين الذين بمكة وما حولها وهم انما يعبدون اصناما واوثانا ولا يعبدون المسيح. الثالث ان الله قال لبعد هذه الاية ان الذين سبقت لهم منا الحسنى اولئك عنها مبعدون. فلا شك ان عيسى وغيره من الانبياء والاولياء داخل في هذه الاية ثم قال تعالى اي لجعلنا بدلكم ملائكة يخلفونكم في الارض. ويكونون في الارض حتى نرسل اليهم ملائكة من جنسهم. واما انتم يا معشر البشر الا تطيقون ان ترسل اليكم الملائكة؟ فمن رحمة الله بكم ان ارسل اليكم رسلا من جنسكم تتمكنون من الاخذ عنهم وانه لعلم للساعة اي ان عيسى عليه السلام لدليل على الساعة وان القادر على ايجاده من ام بلا اب قادر على بعث الموتى من قبورهم او وان عيسى عليه السلام سينزل في اخر الزمان ويكون نزوله علامة من علامات الساعة. فلا تمترن بها اي لا تشكن في قيام الساعة فان الشك فيها كفر. واتبعوني بامتثال ما امرتكم واجتناب ما نهيتكم. هذا صراط مستقيم. موصل الى الله الله عز وجل ولا يصدنكم الشيطان عن ما امركم الله به. فان الشيطان لكم عدو حريص على اغوائكم. باذل جهده في ذلك ولما جاء عيسى بالبينات الدالة على صدق نبوته وصحة ما جاءهم به. من احياء الموتى وابراء الاكمه والابرص مكملا ومتمما لشريعة موسى عليه السلام ولاحكام التوراة. واتى ببعض التسهيلات الموجبة للانقياد له. وقبول ما جاءهم به فاتقوا الله واطيعوه. اي اعبدوا الله وحده لا شريك له. وامتثلوا امره. واجتنبوا نهيه. وامنوا بي وصدقوني واطيعون ان الله هو ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم ففيه الاقرار بتوحيد الربوبية بان الله هو المربي جميع خلقه بانواع النعم الظاهرة والباطنة. والاقرار بتوحيد العبودية بالامر بعبادة الله وحده لا شريك له واخبار عيسى عليه السلام انه عبد من عباد الله ليس كما قال فيه النصارى انه ابن الله او ثالث ثلاثة والاخبار بان هذا المذكور صراط مستقيم. موصل الى الله والى جنته. فلما جاءهم عيسى عليه السلام بهذا اختلف الاحزاب والمتحزبون على التكذيب من بينهم كل قال بعيسى عليه السلام مقالة باطلة. ورد ما جاء به الا من هدى الله من المؤمنين الذين شهدوا له بالرسالة وصدقوا بكل ما جاء به. وقالوا انه عبد الله ورسوله. فويل للذين ظلموا من عذاب اي ما اشد حزن الظالمين وما اعظم خسارة في ذلك اليوم الساعة ان تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون. يقول تعالى ما ينتظر المكذبون. وهل توقعون اي فاذا جاءت فلا تسأل عن احد ولمن كذب بها واستهزأ بمن جاء بها الا المتقين. وان الاخلاء يومئذ اي يوم القيامة المتخالين على الكفر والتكذيب ومعصية الله. بعضهم لبعض عدو لان خلتهم ومحبتهم في الدنيا لغير الله فانقلبت يوم القيامة عداوة الا المتقين للشرك والمعاصي. فان محبتهم تدوم وتتصل بدوام من كانت المحبة لاجله. ثم ذكر ثواب المتقين. وان الله تعالى يناديهم يوم القيامة بما يسر قلوبهم ويذهب عنهم كل افة وشر. فيقول يا عبادي لا خوف عليكم اليوم ولا اي لا خوف يلحقكم فيما تستقبلونه من الامور. ولا حزن يصيبكم فيما مضى منها. واذا انتفى المكروه من كل وجه ثبت المحبوب المطلوب الذين امنوا باياتنا وكانوا اي وصفهم الايمان بايات الله وذلك يشمل التصديق به وبما لا يتم التصديق الا به من العلم بمعناها والعمل بمقتضاها. وكانوا مسلمين لله منقادين له في جميع فجمعوا بين الاتصاف بعمل الظاهر والباطن ادخلوا الجنة التي هي دار القرار. انتم وازواجكم اي من كان على مثل عملكم. من كل مقارن لكم. من زوجة وولد وصاحب وغيرهم تحظرون اي تنعمون وتكرمون. ويأتيكم من فضل ربكم من الخيرات والسرور والافراح واللذات الا تعبر الالسن عن وصفه؟ يطاف عليهم بصحاف من ذهب واكواب. اي تدور عليهم خدام من الولدان المخلدين بطعامهم باحسن الاواني وافخرها. وهي صحاف الذهب وشرابهم بالطف الاواني. وهي الاكواب التي لا عرى لها وهي من اصفى الاواني من فضة اعظم من صفاء القوارير تلذذ الاعين وانتم فيها خالدون. وفيها اي الجنة ما تشتهيه الانفس تلذ الاعين وهذا لفظ جامع. يأتي على كل نعيم وفرح وقرة عين وسرور قلب. فكل ما اشتهته النفوس من مطاعم ومشاعر وملابس ومناكح ولذته العيون من مناظر حسنة واشجار محدقة ونعم مونقة ومبان مزخرفة فانه وحاصل فيها معد لاهلها على اكمل الوجوه وافضلها. كما قال تعالى لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون وهذا هو تمام نعيم اهل الجنة. وهو الخلد الدائم فيها الذي يتضمن اقوام نعيمها وزيادته وعدم انقطاعه وتلك الجنة الموصوفة باكمل الصفات. هي التي اورثتموها بما كنتم تعملون. اي اورثكم الله اياها باعمالكم وجعلها من فضله جزاء لها واودع فيها من رحمته ما اودع. لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون. لكم فيها فاكهة كثيرة كما في الاية الاخرى فيهما من كل فاكهة زوجان اي مما تتخيرون من تلك الفواكه الشهية والثمار اللذيذة تأكلون. ولما ذكر نعيم الجنة عقبه بذكر عذاب جهنم فقال ان المجرمين الذين اجرموا بكفرهم وتكذيبهم في عذاب جهنم اي منغمرون فيه. محيط بهم العذاب من كل جانب. خالدون فيه. لا يخرجون منه ابدا. لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون. ولا يفتر عنهم العذاب ساعة بازالته. ولا تهوين عذابه. اي ايسون من كل خير غير راجين للفرج. وذلك انهم ينادون ربهم فيقولون ربنا اخرجنا منها فان عدنا فانا ظالمون. قال اخسئوا فيها ولا تكلمون. وما ظلمناهم ولكن كانوا هم وهذا العذاب العظيم. بما قدمت ايديهم وبما ظلموا به انفسهم. والله لم يظلمهم ولم يعاقبهم لا ذنب ولا جرم. ونادوا يا ما لك ليقض علينا ربك ونادوا وهم في النار لعلهم يحصل لهم استراحة. يا ما لك ليقضي علينا ربك اي ليمتنا فنستريح. فاننا في شديد وعذاب غليظ. لا صبر لنا عليه ولا جلد. فقال لهم ما لك خازن النار حين طلبوا منه ان يدعو الله لهم ان يقضي عليهم اي مقيمون فيها لا تخرجون عنها ابدا. فلم يحصل لهم ما قصدوه بل اجابهم بنقيض قصدهم وزادهم غما الى غمهم ثم وبخهم بما فعلوا فقال لقد جئناكم بالحق ولكن اكثركم للحق كارهون. لقد جئناكم بالحق الذي يوجب عليكم ان تتبعوه فلو تبعتموه لفزتم وسعدتم ولكن اكثركم للحق كارهون. فلذلك شقيتم شقاوة لا سعادة بعدها يقول تعالى ام ابرم المكذبون بالحق المعاندون له امرا اي كادوا كيدا ومكروا للحق ولمن جاء بالحق ليدحضوه. بما موهوا من الباطل المزخرف المزوق. اي محكمون امر ومدبرون تدبيرا يعلو تدبيرهم. وينقذه ويبطله. وهو ما قيده الله من الاسباب والادلة لاحقاق الحق وابطال الباطل كما قال تعالى بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه بلى ورسلنا لديهم يكتبون ام يحسبون بجهلهم وظلمهم انا لا نسمع سرهم الذي لم يتكلموا به بل هو سر في قلوبهم. ونجواهم اي كلامهم الخفي. الذي يتناجون به. اي فلذلك اقدموا على المعاصي وظنوا انها لا تبعة لها. ولا مجازاة على ما خفي منها. فرد الله عليهم بقوله بلى. اي انا نعلم سرهم ونجواهم ورسلنا الملائكة الكرام لديهم يكتبون كل ما عملوه. وسيحفظ ذلك عليهم حتى يريدوا القيامة. فيجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك احدا اي قل يا ايها الرسول الكريم للذين جعلوا لله ولدا وهو الواحد الاحد الفرد الصمد. الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولد ولم يكن له كفوا احد فانا اول العابدين لذلك الولد لانه جزء من والده. وانا اولى الخلق انقيادا للامور المحبوبة لله. ولكني اول لذلك واشدهم له نفيا فعلم بذلك بطلانه. فهذا احتجاج عظيم عند من عرف احوال الرسل. وانه اذا علم انهم اكملوا خلق وان كل خير فهم اول الناس سبقا اليه وتكميلا له. وكل شر فهم اول الناس تركا له وانكارا له وبعدا منه. فلو كان على هذا للرحمن ولد وهو الحق. لكان محمد بن عبدالله افضل الرسل اول من عبده. ولم يسبقه اليه المشركون. ويحتمل ان عن الاية لو كان للرحمن ولد فانا اول العابدين لله. ومن عبادتي لله اثبات ما اثبته. ونفي ما نفاه. فهذا من العبادة في القولية الاعتقادية ويلزم من هذا لو كان حقا لكنت اول مثبت له. فعلم بذلك بطلان دعوى المشركين وفسادها ونقلا. من الشريك والظهير والعوين والولد وغير ذلك مما نسبه اليه المشركون فذرهم يخوضوا ويلعبوا اي يخوضوا بالباطل ويلعبوا بالمحال وعلومهم ضارة غير نافعة وهي الخوض والبحث بالعلوم التي يعارضون بها الحق. وما جاءت به الرسل واعمالهم لعب وسفاهة. لا تزكي النفوس ولا تثمر عارف ولهذا توعدهم بما امامهم من يوم القيامة فقال فيه ماذا حصلوا؟ وما حصلوا عليه من الشقاء الدائم والعذاب المستمر وهو الحكيم العليم تعالى انه وحده المألوه المعبود في السماوات والارض. فاهل السماوات كلهم والمؤمنون من اهل الارض. يعبدونه ويعظمونه ويخضعون لجلاله ويفتقرون لكماله تسبح له السماوات السبع والارض ومن فيهن. وان من شيء الا يسبح بحمده. ولله يسجد من في السماوات والارض طوعا وكرها. فهو تعالى المعبود المألوه الذي يألهه الخلائق كلهم. طائعين مختارين وكارهين وهذه كقوله تعالى وهو الله في السماوات وفي الارض اي الوهيته ومحبته فيهما واما هو فهو فوق عرشه بائن من خلقه متوحد بجلاله متمجد بكماله. وهو الحكيم الذي احكم ما خلقه. واتقن ما شرعه. فما خلق شيئا الا لحكمة ولا شرع شيئا الا لحكمة. وحكمه القدري والشرعي والجزائي مشتمل على الحكمة. العليم بكل شيء يعلم السر واخفى ولا يعزب عنه مثقال ذرة في العالم العلوي والسفلي. ولا اصغر منها ولا اكبر. وتبارك الذي له ملك السماوات والارض وما بينهما وعنده علم الساعة واليه ترجعون. وتبارك الذي له السماوات والارض وما بينهما. تبارك بمعنى تعالى وتعاظم. وكثر خيره واتسعت صفاته وعظم ملكه. ولهذا ذكر سعة ملكه السماوات والارض وما بينهما وسعة علمه وانه بكل شيء عليم. حتى انه تعالى انفرد بعلم كثير من الغيوب. التي لم عليها احد من الخلق لا نبي مرسل ولا ملك مقرب. ولهذا قال وعنده علم الساعة. قدم الظرف ليفيد الحصر اي لا يعلم متى تجيء الساعة الا هو. ومن تمام ملكه وسعته انه مالك الدنيا والاخرة. ولهذا قال اي في الاخرة في حكم بينكم بحكمه العدل. ومن تمام ملكه انه لا يملك احد من خلقه من الامر شيئا ايقدم على الشفاعة عنده احد الا باذنه ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة اي كل من دعي من دون الله من الانبياء والملائكة وغيرهم لا يملكون الشفاعة ولا يشفعون الا باذن الله ولا يشفعون الا لمن ارتضى. ولهذا قال من شهد بالحق اي نطق بلسانه مقرا بقلبه عالما بما شهد به. ويشترط ان تكون شهادته بالحق. وهو الشهادة لله تعالى بالوحدانية ولرسله بالنبوة والرسالة وصحة ما جاءوا به. من اصول الدين وفروعه وحقائقه وشرائعه هؤلاء الذين تنفع فيهم شفاعة الشافعين. وهؤلاء الناجون من عذاب الله الحائزون لثوابه. ثم قال تعالى سألتهم من خلقهم ليكونن الله فانى يؤفكون ليقولن الله ايها سألت المشركين عن توحيد الربوبية ومن هو الخالق لاقروا انه الله وحده لا شريك له اي فكيف يصرفون عن عبادة الله والاخلاص له وحده؟ فاقرارهم بتوحيد الربوبية وهم به الاقرار بتوحيد الالوهية. وهو من اكبر الادلة على بطلان الشرك هذا معطوف على قوله وعنده علم الساعة اي وعنده علم قيله اي يقول صلى الله عليه وسلم شاكيا لربه تكذيب قومه متحزنا على ذلك. متحسرا على عدم ايمانهم. فالله تعالى عالم هذه الحال قادر على معاجلتهم بالعقوبة. ولكنه تعالى حليم يمهل العباد ويستأني بهم. لعلهم يتوبون ويرجعون ولهذا قال اصفح عنهم وقل سلام. اي اصفح عنهم ما يأتيك من اذيتهم القولية والفعلية واعف عنهم ولا يبدر منك الا السلام الذي يقابل به اولو الالباب والبصائر الجاهلين. كما قال تعالى عن عباده الصالحين. واذا لخاطبهم الجاهلون اي خطابا بمقتضى جهلهم قالوا سلاما. فامتثل صلى الله عليه وسلم لامر ربه. وتلقى ما يصدر اليه من قومه وغيره من الاذى بالعفو والصفح. ولم يقابلهم عليه الا بالاحسان اليهم. والخطاب الجميل. فصلوات الله وسلامه الا من خصه الله بالخلق العظيم. الذي فضل به اهل الارض والسماء. وارتفع به اعلى من كواكب الجوزاء. وقوله اي غب ذنوبهم وعاقبة جرمهم