المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله ذكر اصول الايمان الكلية قد ذكر الله الايمان ذكرا عاما مطلقا في مثل قوله امنوا بالله ورسوله والذين امنوا بالله ورسوله ان الذين امنوا وذكره مقيدا بما يجب الايمان به واجمع الايات المقيدة هي الاية العظيمة التي فرض الله فيها على الناس الايمان بجميع اصوله الكلية وهي قوله تعالى قولوا امنا بالله وما الينا وما انزل الى ابراهيم واسماعيل وما انزل الى ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والاسباط وما اوتي موسى وما اوتي موسى وعيسى وما اوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين احد منهم لا نفرق بين احد منهم ونحن له مسلمون وقد اخبر ان الرسول والمؤمنين قاموا بهذه الاصول في قوله امن الرسول بما انزل اليه من ربه والمؤمنون كل امن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين احد من رسله وقالوا سمعنا واطعنا غفرانك ربنا واليك المصير فعلى كل مؤمن ان يؤمن بالله ويدخل في الايمان بالله الايمان بكل ما وصف به نفسه او وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من صفات الكمال ونفي اضدادها واركان ذلك ثلاثة الايمان بالاسماء كالعزيز الحكيم العليم الرحيم الى اخرها والايمان بالصفات كالايمان بكمال عزة الله وقدرته وعلمه وحكمته ورحمته والايمان باحكام الصفات ومتعلقاتها كالايمان بانه يعلم كل شيء ويقدر على كل شيء ورحمته وسعت كل شيء الى اخرها فهذا الايمان بالله المتعلق بالعلم والاعتقاد ثم يتبع هذا الايمان بالله المتعلق بالحب والارادة وهو التأله لله والقيام بعبوديته امتثالا لامره واجتنابا لنهيه ولهذا كان القيام بالدين كله تصديقا واعتقادا وانقيادا داخلا بالايمان بالله وبهذا يعرف ان اطلاق الايمان في كثير من الايات القرآنية يشمل هذا كله لانه رتب على المطلق من الامر والمدح والثواب ما رتبه على المقيد فجميع الاوصاف الجميلة داخلة في الايمان وكذلك الايمان التام ينفي الاخلاق الرذيلة كما قال تعالى انما المؤمنون الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم واذا تليت عليهم اياته زادتهم ايمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون اولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم فوصفهم بالايمان القلبي واعمال القلوب من التوكل والزيادة في الايمان وباعمال الجوارح من اقام الصلاة وايتاء الزكاة بالقيام بحقه وحق خلقه واخبر ان هؤلاء هم الذين حققوا الايمان وان لهم من الله المغفرة الكاملة والثواب التام وقال تعالى قد افلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون الى ان قال اولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون فاخبر عنهم بالفلاح وبشرهم بالمنازل العالية فما وصفهم بالايمان الكامل الذي اثر في قلوبهم الخضوع والخشوع في اشرف العبادات وهذا من حفظ الله فانه تعالى انزله وتكفل بحفظه ومن تمام الايمان به التصديق التام بكل خبر اخبر به عن الله وعن المخلوقات وعن امور الغيب وغيرها وانه لا يمكن ان يأتي خبر صحيح ينقضه وحفظ السنتهم وفروجهم وجوارحهم وباقام الصلاة وايتاء الزكاة ومراعاتهم للامانات الشاملة لحقوق الله وحقوق خلقه وانهم مراعون لها قائمون بها وبالعهود التي بينهم وبين الله والتي بينهم وبين خلقه وقد ذكر ما يشبه ذلك في سورة المعارج وكذلك ذكر الله خصال الايمان في قوله ولكن البر من امن بالله واليوم الاخر الايات بحيث اطلق الله الايمان او اثنى على المؤمنين مطلقا دخلت فيه جميع هذه الامور وقد يخص بعضها بالذكر ولكنها متلازمة لا يتم بعضها الا ببعض ومن الايمان بالملائكة الايمان بانهم قد جمعوا خصال الكمال ونزههم الله في اصل خلقتهم من جميع المخالفات فهم عباد مكرمون عند ربهم لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون وقد جعل الله كثيرا منهم وظائفهم التدبير لحوادث العالم واقسم بهم في عدة ايات فهم المدبرات امرا والمقسمات والملقيات للانبياء والرسل ذكرى عذرا او نذرا وهم الحفظة على بني ادم يحفظونهم بامر الله من المكاره ويحفظون عليهم اعمالهم خيرها وشرها وقد وصفوا في الكتاب والسنة بصفات جليلة يتعين على العبد الايمان بكل ما اخبر به الله ورسوله عنهم وعن غيرهم ومن الايمان بالرسل صلوات الله وسلامه عليهم الايمان بان الله اختصهم بوحيه ورسالته وجعلهم وسائط بينه وبين عباده بتبليغ رسالاته وامره وشرعه وجمع فيهم من صفات الكمال ما فاقوا فيه الاولين والاخرين من الصدق العظيم والامانة التامة والقوة العظيمة والشجاعة والعلم العظيم والدعوة والتعليم والارشاد والهداية والنصح التام والشفقة والرحمة بالعباد والحلم والصبر الواسع واليقين الكامل فهم اعلى الخلق علوما واخلاقا واكملهم اعمالا وادابا وارفعهم عقولا واصوبهم اراء واسماهم نفوسا اختارهم الله واصطفاهم وفضلهم واجتباهم بهم عرف الله وبهم وحد وبهم عرف الصراط المستقيم وعلى اثارهم وصل اهل الجنة الى كل نعيم فلهم على العباد الايمان بهم والاعتراف بكل ما جاءوا به ومحبتهم وتعزيرهم وتوقيرهم واحترامهم واقتفاء اثارهم والاهتداء بهديهم وهذه الامور ثابتة لجميع الانبياء ولنبينا صلى الله عليه وسلم من هذه الاوصاف اعلاها واكملها فلقد جمع الله به من الكمال ما فرقه في غيره من الانبياء والاصفياء وله على امته ان يقدموا محبته على محبة انفسهم واولادهم ووالديهم والناس اجمعين وان يقوموا بحقه وهو القيام بشرعه وتعلمه وتعليمه واتباعه ظاهرا وباطنا ويعتقدوا انه خاتم الانبياء وافضل الخلق اجمعين وانه اصدق الخلق وانصحهم واعظمهم في كل خصلة حميدة ومنقبة جميلة وانه اكمل الله به الدين واتم به النعمة على المؤمنين وشرح له صدره ووضع عنه وزره ورفع له ذكره وخصه بخصائص لم تكن لاحد قبله من الرسل وايده بالايات البينات والمعجزات الظاهرات والبراهين القواطع والانوار السواطع صفاته صلى الله عليه وسلم من اكبر الادلة على صدقه وانه رسول الله حقا وما بعث به من الهدى والرشد والرحمة والعلوم الربانية والمعارف الالهية والعبوديات الظاهرة والباطنة المزكية للقلوب المنمية للاخلاق المثمرة لكل خير من اعظم البراهين على رسالته وانها من عند الله وما جاء به من القرآن العظيم وما احتوى عليه من علوم الغيب والشهادة ومن علوم الظاهر والباطن ومن علوم الدنيا والدين والاخرة ومن الهداية الى كل خير والتحذير من كل شر ومن الارشاد الى اقوم الطرق واهدى السبل واقرب الوسائل وارجح الدلائل كل ذلك دليل وبرهان على انه من عند الله تنزيل من حكيم حميد وان من جاء به هو الرسول الامين والصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى ولهذا نقول ومن الايمان بالله ورسوله الايمان بهذا القرآن العظيم وانه كلام الله حقيقة منزل غير مخلوق. منه بدأ واليه يعود وانه تكلم به حقا وبلغه جبريل لمحمد صلى الله عليه وسلم وبلغه محمد صلى الله عليه وسلم لامته فنقلته الامة كلها باسرها قرنا بعد قرن ولهذا كان هذا القرآن متواترا تواترا لا يقاربه شيء من الكلام المنقول او يرد بما يخالف الحس بل يعلم ان كل ما خالفه فانه باطل بنفسه ومن تمام الايمان به الاقبال على معرفة معانيه والعمل بكل ما دل عليه بالتصديق باخباره وامتثال اوامره واجتناب نواهيه وقد وصف الله القرآن بانه هدى ورحمة وشفاء لما في الصدور من امراض الشبهات وامراض الشهوات وانه تبيان لكل شيء فما من شيء يحتاجه الناس في امور دينهم ودنياهم الا وقد بينه اتم بيان وامر عند التنازع في الامور كلها ان ترد اليه فيفصل النزاع ويحل المتشابهات بلفظه الصريح او بمعانيه المتنوعة التي بينتها السنة وبلغها النبي صلى الله عليه وسلم لامته وامر العباد بتدبره والتفكر في معانيه واخبر ان احكامه احسن الاحكام واخباره اصدق الاخبار ومواعظه انجع المواعظ فهو المبين لكل ما يحتاجه الخلق وهو المفصل لجميع العلوم كله محكم من جهة الحكم والحكم والاتقان والانتظام وكله متشابه في حسنه وبيانه وحقه وتصديق بعضه لبعض وبعضه محكم من جهة التوضيح والتصريح وبعضه متشابه من جهة الاجمال والاطلاق يجب ترجيعه ورده الى المحكم ليتضح الامر ويزول اللبس فيه الدليل والمدلول يحتوي على جميع الادلة النقلية والعقلية والفطرية قد جمع الله فيه كل خير ونفع للعباد