المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم فلكم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم والله العزيز الحكيم. يخبر تعالى خبرا يتضمن الامر بتعظيم القرآن والاعتناء به والله العزيز الحكيم. انه تنزيل من الله المألوه المعبود. لما اتصف به من صفات الكمال وانفرد به من النعم الذي له العزة الكاملة والحكمة التامة ايات لقوم يوقنون. واختلاف الليل الليل والنهار وما انزل الله من السماء من رزق فاحيا به الارض بعده موتها وتصريف الرياح ايات لقوم يعقلون. تلك ايات الله نتلوها عليك ثم ايد ذلك بما ذكره من الايات الافقية والنفسية من خلق السماوات والارض. وما بث فيهما من الدواب وما اودع فيهما من المنافع. وما انزل الله من الذي يحيي به الله البلاد والعباد. فهذه كلها ايات بينات. وادلة واضحات على صدق هذا القرآن العظيم وصحة ما اشتمل عليه من الحكم والاحكام ودالات ايضا على مال الله تعالى من الكمال وعلى البعث والنشور. ويل لكل يسمع ايات الله تتلى عليه فبشره بعذاب اليم. واذا علم من اياتنا شيئا اتخذها هزوا لهم عذاب مهين. ثم قسم تعالى الناس بالنسبة للانتفاع باياته وعدمه الى بين قسم يستدلون بها ويتفكرون بها وينتفعون فيرتفعون وهم المؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر ايمانا تاما وصل بهم الى درجة اليقين. فزكى منهم العقول وازدادت به معارفهم والبابهم وعلومهم وقسم يسمع ايات الله سماعا تقوم به الحجة عليهم. ثم يعرض عنها ويستكبر كانه ما سمعها. لانها لم تزكي قلبه ولا طهرته بل بسبب استكباره عنها ازداد طغيانه. وانه اذا علم من ايات الله شيئا اتخذها هزوا. فتوعده الله تعالى بالويل فقال ويل لكل افاك اثيم. اي كذاب في مقاله. اثيم في فعاله. واخبر ان له عذابا اليما وان ولهم عذاب من ورائهم جهل جهنم تكفي في عقوبتهم البليغة وانه لا يغني عنهم ما كسبوا من الاموال ولا ما اتخذوا من دون الله اولياء يستنصرون بهم فخذلوهم احوج ما كانوا اليهم لو نفعوا. فلما بين اياته القرآنية والعيانية وان الناس فيها على قسمين اخبر ان القرآن المشتمل على هذه المطالب العالية انه هدى. فقال وهذا وصف عام لجميع القرآن فانه يهدي الى معرفة الله تعالى بصفاته المقدسة وافعاله الحميدة. ويهدي الى معرفة رسله واوليائه. واعدائه واوصافهم الاعمال الصالحة ويدعو اليها. ويبين الاعمال السيئة وينهى عنها. ويهدي الى بيان الجزاء على الاعمال. ويبين الجزاء الدنيوية والاخروي فالمهتدون اهتدوا به فافلحوا وسعدوا. والذين كفروا بايات ربهم لهم عذاب من رجز اليم. والذين كفروا بايات ربهم الواضحة القاطعة. التي لا يكفر بها الا من اشتد ظلمه ضاعف طغيانه. الله الذي سخر لكم البحر لتجري قلت فيه بامره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون. يخبر تعالى بفضله على عباده واحسانه اليهم بتسخير البحر لسير المراكب والسفن بامره وتيسيره بانواع التجارات والمكاسب. ولعلكم تشكرون. ولعلكم تشكرون الله تعالى. فانكم اذا شكرتموه من نعمه واثابكم على شكركم اجرا جزيلا. وسخر لكم ما في السماوات وما في الارض جميعا اي من فضله واحسانه. وهذا شامل لاجرام السماوات والارض. ولما اودع الله فيهما من الشمس والقمر والكواكب الثوابت والسيارات وانواع الحيوانات واصناف الاشجار والثمرات واجناس المعادن وغير ذلك مما هو معد لمصالح بني ادم ومصالح ما هو من ضروراته. فهذا يوجب عليهم ان يبذلوا غاية جهدهم في شكر نعمته. وان تتغلغل افكارهم في تدبر اياته وحكمه ولهذا قال وجملة ذلك ان خلقها وتدبيرها وتسخيرها. دال على نفوذ مشيئة الله. وكمال قدرته. وما فيها من الاحكام والاتقان وبديع الصنعة. وحسن الخلقة دال على كمال حكمته وعلمه. وما فيها من السعة والعظمة والكثرة. دال على سعة ملكه وسلطانه. وما فيها من التخصيص والاشياء المتضادات. دليل على انه الفعال لما يريد. وما فيها من المنافع والمصالح الدينية والدنيوية. دليل على سعة وشمول فضله واحسانه وبديع لطفه وبره. وكل ذلك دال على انه وحده المألوه المعبود. الذي لا تنبغي العبادة والذل والمحبة الاله. وان رسله صادقون فيما جاءوا به. فهذه ادلة عقلية واضحة. لا تقبل ريبا ولا شكا الذين امنوا يغفروا للذين لا يرجون ايام الله. يغفروا للذين لا يرجون اجرهم ايام الله ليجزي قوما بما كانوا يكسبون. يأمر تعالى عباده المؤمنين بحسن الخلق والصبر على اذية المشركين به. الذي لا يرجون ايام الله اي لا يرجون ثوابه. ولا يخافون وقائعه في العاصين. فانه تعالى كل قوم بما كانوا يكسبون. فانتم يا معشر المؤمنين يجزيكم على ايمانكم وصفحكم وصبركم ثوابا جزيلا. وهم ان استمروا على تكذيبهم فلا يحل بكم ما حل بهم من العذاب الشديد والخزي. ولهذا قال ومن اساء فعليها سم الى ربكم ترجعون ثم قال تعالى ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين. اي ولقد انعمنا على بني اسرائيل نعما لم تحصل لغيرهم من الناس واتيناهم الكتاب اي التوراة والانجيل والحكم بين الناس والنبوة التي امتازوا بها وصارت النبوة في ابراهيم عليه السلام اكثرهم من بني اسرائيل. ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين ورزقناهم من الطيبات من المآكل والمشارب والملابس. وانزال المن والسلوى عليهم اي على الخلق بهذه النعم ويخرج من هذا العموم اللفظي. هذه الامة فانهم خير امة اخرجت للناس. والسياق يدل على ان المراد غير هذه الامة فان الله يقص علينا ما امتن به على بني اسرائيل. وميزهم عن غيرهم وايضا فان الفضائل التي فاق بها بنو اسرائيل قيل من الكتاب والحكم والنبوة وغيرها من النعوت. قد حصلت كلها لهذه الامة. وزادت عليهم هذه الامة فضائل كثيرة. فهذه في الشريعة شريعة بني اسرائيل جزء منها فان هذا الكتاب مهيمن على سائر الكتب السابقة ومحمد صلى الله عليه وسلم صدق لجميع المرسلين واتيناهم اي اتينا بني اسرائيل بينات اي دلالات تبين الحق من الباطل من الامر القدري الذي اوصله الله اليهم وتلك الايات هي المعجزات التي رأوها على يد موسى عليه السلام. فهذه النعم التي انعم الله بها على بني اسرائيل اسرائيل تقتضي الحال ان يقوموا بها على اكمل الوجوه. وان يجتمعوا على الحق الذي بينه الله لهم. ولكن انعكس الامر. فعاملوها بعكس ما يجب وافترقوا فيما امروا بالاجتماع به. ولهذا قال اي الموجب لعدم الاختلاف وانما حملهم على الاختلاف البغي من بعضهم على بعض والظلم ان ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون. فيميز المحق من المبطل والذي حمله على الاختلاف الهوى او غيره ولا تتبعون. اي ثم شرعنا لك شريعة كاملة تدعو الى كل خير وتنهى عن كل شر من امرنا الشرعي. فاتبعها فان في اتباعها السعادة الابدية والصلاح والفلاح. ولا تتبع الذين لا يعلمون. اي الذين تكونوا اهويتهم غير تابعة للعلم. ولا ماشية وهم كل من خالف شريعة الرسول صلى الله عليه وسلم هواه وارادته. فانه من اهواء الذين لا يعلمون انهم لن يغنوا عنك من الله شيئا اي لا ينفعونك عند الله فيحصل لك الخير ويدفع عنك الشر. ان اتبعتهم على اهوائهم. ولا تصلح ان توافقهم وتواليهم. فانك واياهم متباينون ولي لبعض. والله ولي المتقين. يخرجهم من الظلمات الى النور بسبب تقواهم وعملهم بطاعته اي هذا القرآن الكريم الذكر الحكيم بصائر للناس. يحصل به التبصرة في جميع الامور للناس. فيحصل به الانتفاع للمؤمنين والهدى والرحمة فيتدون به الى الصراط المستقيم في اصول الدين وفروعه. ويحصل به الخير والسرور. والسعادة في الدنيا والاخرة وهي الرحمة. فتزكو به نفوسهم وتزداد به عقولهم. ويزيد به ايمانهم ويقينهم. وتقوم به حجة على من اصر وعاند. ام حسب الذين اجترحوا السيئات ان نجعلهم كالذين امنوا وعملوا ان نجعلهم كالذين امنوا وعملوا الصالحات سواء ما يحكمون. اي المسيئون المكثرون من الذنوب المقصرون في حقوق ربهم ان نجعلهم كالذين امنوا وعملوا الصالحات بان قاموا بحقوق ربهم واجتنبوا مساخطه ولم يزالوا مؤثرين رضاه على هوى انفسهم اي احسبوا ان يكونوا سواء في الدنيا والاخرة. ساء ما ظنوا وحسبوا وساء ما حكموا فانه حكم يخالف حكمة احكام الحاكمين وخير العادلين. ويناقض العقول السليمة والفطر المستقيمة. ويضاد ما نزلت الكتب واخبرت به الرسل بل الحكم الواقع القطعي ان المؤمنين العاملين الصالحات لهم النصر والفلاح والسعادة والثواب بالعاجل والآجل كل على قدر احسانه. وان المسيئين لهم الغضب والاهانة. والعذاب والشقاء في الدنيا والاخرة خلق الله السماوات والارض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا اي خلق الله السماوات والارض بالحكمة وليعبد وحده لا شريك له ثم يجازي بعد كذلك من امرهم بعبادته. وانعم عليهم بالنعم الظاهرة والباطنة. هل شكروا الله تعالى وقاموا بالمأمور؟ ام كفروا؟ فاستحقوا جاء الكفور وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله افلا تذكروا يقول تعالى افرأيت الرجل الضال الذي اتخذ الهه هواه؟ فما هويه سلكه سواء كان يرضي الله او يسخطه واضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه. واضله الله على علم من الله تعالى انه لا تليق فيه الهداية ولا يزكو عليها وختم على سمعه فلا يسمع ما ينفعه وقلبه فلا يعي الخير. وجعل على بصره غش وجعل على بصره غشاوة تمنعه من نظر الحق اي لا احد يهديه. وقد سد الله عليه ابواب الهداية وفتح له ابواب الغوار اية وما ظلمه الله ولكن هو ظلم نفسه. وتسبب لمنع رحمة الله عليه ما ينفعكم فتسلكونه وما يضركم فتجتنبونه. وقالوا ما هي الا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما وقالوا اي البعث اي ان هي الا عادات وجري على رسوم الليل والنهار يموت اناس ويحيا اناس ومن مات فليس براجع الى الله ولا مجازيه بعمله قولهم هذا صادر عن غير علم. فانكروا المعاد وكذبوا الرسل الصادقين من غير دليل دلهم على ذلك ولا برهان. ان هي الا ظنون واستبعادات خالية عن الحقيقة. ولهذا قال تعالى واذا قالوا اؤتوا بابائنا ان كنتم صادقين. وهذا جراءة منهم على الله. حيث اقترحوا هذا اقتراح وزعموا ان صدق رسول الله متوقف على الاتيان بابائهم. وانهم لو جاءوهم بكل اية لم يؤمنوا الا ان تبعتهم الرسل على كما قالوا وهم كذبة فيما قالوا. وانما قصدهم دفع دعوة الرسل. لا بيان الحق. قال تعالى يجمعكم الى يوم القيامة لا ريب فيه. ولكن والا فلو وصل العلم باليوم الاخر الى قلوبهم لعملوا له اعمالا هيئوا له يخبر تعالى عن سعة ملكه وانفراده بالتصرف والتدبير في جميع الاوقات. وانه يوم تقوم الساعة ويجمع الخلائق القيامة يحصل الخسار على المبطلين الذين اتوا بالباطل ليدحضوا به الحق. وكانت اعمالهم باطلة لانها متعلقة بالباطل فبطلت في يوم القيامة اليوم الذي تستبين به الحقائق واضمحلت عنهم وفاتهم الثواب وحصلوا على اليم العقاب ثم وصف تعالى شدة يوم القيامة وهوله. ليحذره العباد ويستعد له العباد. فقال جافية كل امة تدعى الى كتابها. كل امة تدعى الى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون. وترى ايها الرائي لذلك اليوم كل امة جافية على ركبها خوفا وذعرا. وانتظارا لحكم الملك الرحمن كتابها اي الى شريعة نبيهم الذي جاءهم من عند الله. وهل قاموا به فيحصل لهم الثواب والنجاة؟ ام ضيعوها ليحصل لهم الخسران. فامة موسى يدعون الى شريعة موسى. وامة عيسى كذلك وامة محمد كذلك. وهكذا غيرهم كل امة تدعى الى شرعها الذي كلفت به. هذا احد الاحتمالات في الاية. وهو معنى صحيح في نفسه. غير مشكوك فيه. ويحتمل ان المراد بقوله كل امة تدعى الى كتابها اي الى كتاب اعمالها وما سطر عليها من خير وشر. وان كل احد يجازى بما عمل بنفسه كقوله تعالى من عمل صالحا فلنفسه ومن اساء فعليها ويحتمل ان المعنيين كليهما مراد من الاية ويدل على هذا قوله. اي هذا كتابنا الذي انزلنا عليكم يفصل بينكم بالحق الذي هو العدل فهذا كتاب الاعمال. ولهذا فصل ما يفعل الله بالفريقين فقال الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته. ذلك هو الفوز المبين فاما الذين امنوا وعملوا الصالحات ايمانا صحيحا وصدقوا ايمانهم بالاعمال الصالحة من واجبات مستحبات. التي محلها الجنة وما فيها من النعيم المقيم والعيش السليم. ذلك هو الفوز المبين. اي المفاز والنجاة والربح سلاح الواضح البين الذي اذا حصل للعبد حصل له كل خير واندفع عنه كل شر فلم تكن اياتي تتلى عليكم فاستكبرتم كنتم قوما مجرمين. واما الذين كفروا بالله فيقال لهم توبيخا وتقريعا. افلم تكن اياتي تتلى عليكم. افلم تكن اياتي تتلى عليكم وقد دلتكم على ما فيه صلاحكم ونهتكم عما فيه ضرركم وهي اكبر نعمة وصلت اليكم لو وفقتم لها ولكن عنها واعرظتم وكفرتم بها فجنيتم اكبر جناية واجرمتم اشد الجرم. فاليوم تجزون ما كنتم تعملون. ويوبخ هنا ايضا بقوله ما ندري ما الساعة ان نظن الا ظنا وما نحن بمستيقنين. قلت لذلك ما ندري ما الساعة. ان نظن الا ظنا وما نحن بمستيقنين. فهذه حالهم في الدنيا وحال البعث. الانكار ورد قول من جاء به. قال تعالى اي وظهر لهم يوم القيامة عقوبات اعمالهم. وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون اي نزل بهم العذاب الذي كانوا في الدنيا يستهزؤون به وبوقوعه وبمن جاء به لقاء يومكم هذا ومأواكم وقيل اليوم ننساكم اي نترككم في العذاب. كما نسيتم لقاء يومكم هذا. فان الجزاء من جنس العمل. ومأواكم النار. اي هي مقركم ومصيركم. ينصرونكم من عذاب الله ويدفعون عنكم عقابا هذا الدنيا وغرتكم الحياة الدنيا فاليوم لا يخرجون منها ولا هم ذلك الذي حصل لكم من العذاب بسبب انكم اتخذتم ايات الله هزوا. مع انها موجبة للجد والاجتهاد وتلقيها بالسرور والاستبشار والفرح. بزخارفها ولذاتها وشهواتها اطمأننتم اليها وعملتم لها وتركتم العمل للدار الباقية. فاليوم لا يخرجون منها ولا هم اعتبون. اي ولا يمهلون. ولا يردون الى الدنيا ليعملوا صالحا. فلله الحمد رب السماء فلله الحمد كما ينبغي لجلاله وعظيم سلطانه السماوات ورب الارض رب العالمين. اي له الحمد على ربوبيته لسائر الخلائق حيث خلقهم ورباهم وانعم عليهم بالنعم الظاهرة والباطنة اي له الجلال والعظمة والمجد الحمد فيه الثناء على الله بالصفات الكمال ومحبته تعالى واكرامه. والكبرياء فيها عظمته وجلاله. والعبادة مبنية على ركنين محبة الله والذل له. وهما ناشئان عن العلم بمحامد الله وجلاله وكبريائه وهو العزيز القاهر لكل شيء. الحكيم الذي يضع الاشياء مواضعها. فلا يشرع ما يشرع الا لحكمة ومصلحة ولا يخلق ما يخلقه الا لفائدة ومنفعة