عرف كمال ما جاء به الشرع وانه يستحيل وجود قانون او نظام او غيرها يقارب ما جاء به القرآن كمالا وفضلا ورفعة وعلوا ونزاهة ويعرف ذلك بتتبع ما جاء به القرآن تجعل صاحبها مستقيم الظاهر والباطن معتدل الاحوال مكتمل الاوصاف الحسنة طاهر القلب نقيه من كل درن وافة ونقص قوي القلب متوجها قلبه الى اعلى الامور وانفعها قائما بالحقوق الواجبة والمستحبة المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله النوع الثاني من علوم القرآن ومقاصده علم الاداب والاخلاق الكاملة القرآن الكريم كتاب تعليم وارشاد وكتاب تربية على اكمل الاخلاق واحسن الاداب واسمى الاوصاف وحث عليها بكل وسيلة وزجر عن ضدها لا يوجد خلق كامل الا وقد دل عليه القرآن ولا ادب حميد الا وقد دعا اليه وبينه والاخلاق الكاملة والاداب السامية محمودا عند الله وعند خلقه قد حاز الشرف والاعتبار الحقيقي وسلم من كل دنس وافة قد تواطأ ظاهره وباطنه على الاستقامة وسلوك طريق الفلاح وعلو مكانة المتخلق باخلاق القرآن وادابه لا يمتري فيه من له ادنى مسكت من عقل لان العقل من اكبر الشواهد على حسن ما جاء به الشرع ولهذا ينبه الله اولي العقول والالباب ويوجه اليهم الخطاب لانه كلما كمل عقل الانسان فمن اخلاقه وادابه التي فاقت جميع الاخلاق الحث على الاخلاص لله في الاقوال والافعال والانابة الى الله في جميع الاحوال كما امر الله بالاخلاص في ايات عديدة واثنى على المخلصين والمنيبين اليه واخبر انهم المنتفعون بالايات الانابة هي انجذاب القلب واقباله التام على الله ويتحقق ذلك بالاخلاص لله بكل ما يأتي العبد وما يذر في معاملته لله والقيام بعبوديته وفي معاملته للخلق والقيام بحقوقهم فاصل استقامة القلب بهذين الامرين فان المنيب المخلص لله تعالى قد استقام على الصراط المستقيم وقد تواطأ ظاهره وباطنه على الخير المحض وقد سهلت عليه الاعمال بما في قلبه من قوة الانابة وما يرجو من ربه من جزيل الثواب ولا يخفى ان النصيحة التي هي الدين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم الدين النصيحة ثلاثة لا يمكن وجودها ولا تمامها الا بهذين الامرين فالمنيب المخلص لله لا تجده الا ناصحا لله ولرسوله ولكتابه ولائمة المسلمين وعامتهم قال تعالى وانيبوا الى ربكم منيبين اليه ان في ذلك لاية لكل عبد منيب وجاء بقلب منيب وقال تعالى وما امروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين الا لله الدين الخالص وقال في وصف النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين والانصار افضل هذه الامة يبتغون فضلا من الله ورضوانا وقال تعالى لا خير في كثير من نجواهم الا من امر بصدقة او معروف او اصلاح من الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه اجرا عظيما فالمخلص لله قد علق قلبه باكمل ما تعلقت به القلوب من رضوان ربه وطلب ثوابه وعمل على هذا المقصد الاعلى فهانت عليه المشقات وسهلت عليه النفقات وسمحت نفسه باداء الحقوق كاملة موفرة وعلم انه قد تعوض عما فقده افضل الاعواض واجزل الثواب وخير الغنائم وايضا من ثمرات الاخلاص انه يمنع منعا باتا من قصد مراة الناس وطلب محمدتهم والهرب من دمهم والعمل لاجلهم والوقوف عند رضاهم وسخطهم والتقيد بإرادتهم ومرادهم وهذا هو الحرية الصحيحة الا يكون القلب متقيدا متعلقا باحد من الخلق ومن ثمرات الاخلاص ان العمل القليل من المخلص يعادل الاعمال الكثيرة من غيره وان اسعد الناس بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم من قال لا اله الا الله خالصا من قلبه وانه احد السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل الا ظله رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه وان المخلص يصرف الله عنه من السوء والفحشاء ما لا يصرفه عن غيره قال تعالى عن يوسف كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء انه من عبادنا المخلصين بريء بكسر اللام وفتحها وهما متلازمتان لان الله تعالى لاخلاصهم جعلهم من المخلصين المخلصون هم خلاصة الخلق وصفوتهم وهل يوجد اكمل ممن خلصت ارادتهم ومقاصدهم لله وحده طلبا لرضاه وثوابه وتفرعت اعمالهم الظاهرة والباطنة على هذا الاصل الطيب الجليل ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة اصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي اكلها كل حين باذن ربها ومن ثمرات الاخلاص الطيبة ان المخلص اذا عمل مع الناس احسانا قوليا او فعليا او ماليا او غيره لم يبالي بجزائهم ولا شكرهم لانه عامل الله تعالى والله لا يضيع اجر من احسن عملا ولا يثني عزمه ونشاطه قلة شكرهم له فقد قال تعالى في حق المخلصين انما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا